: 0
: 1
تويت
لا أنسى أبداً تلك الساعة ونحن في جو المسجد ,والقناديل معلقة كالنجوم في مناطها من الفلك ,وتلك السرج ترتعش فيها ارتعاش خواطر الحب,والناس جالسون عليهم وقارُ ـ...,ومن حول كل إنسان هُدُوء قلبه وقد استبهمت الأشياء في نظر العين ليلبسها الإحساس الروحاني في النفس ,فيكون لكل شئ معناه الذيِ هو ومعناه الذي ليس منه,فيخلق فيهِ الجمَال الشعري كما يخلق لنظر المتخَيًل0
لا أنسى أبدا تلك الساعة ,وقد انبعث في جو المسجد صوت غرِد رخيم,يشُق سدفة الليل في مثل رنين الجرس تحت الأفق العالي وهو يرتل هذه الآيات من أخر سورة النحل:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين حتى بلغ قولة تعالى :إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون>
وكان هذا القارئ يملك صوته أتمَ مايملك ذووا الصوت المطرب,فكان يتصرف به أحلى مما يتصرف القمري وهو ينوح في أنغامه,ويبلغ في التطريب كل مبلغ يقدر عليه القادر حتى لاتفسر اللذة الموسيقية بأبدع مما فسرها هذا الصوت,وماكان الا كالبلبل هزته الطبيعة بأسلوبها في جمال القمـــر,فاهتز يجاوبها بأسلوبه في جمال التغريد0
كان صوتة على ترتيب عجيب في نغماته ,يجمع بين قوة الرِقة ,وبين رقة القوة ,ويضطرب إضطرابا روحانيا كالحزن أعتراه الفرح على فجأة ,يصيح الصيحة تترجح في الجو وفي النفس,وتترد في المكان وفي القلب ,ويتحول بها الكلام الإلهي إلى شيْ حقيقي ,يلمس الروح فيرفض عليها بمثل الندى,فإذا هي ترفُ رفاً ,وإذا هي كالزهرة التي مسحها الطل0
وسمعنا القرآن غضاً ... كأول مانزل به الوحي ,فكان هذا الصوت الجميل يدور في النفس ,كأنه بعضُ السر الذي يدور في نظام العالم ,وكان القلب وهو يتلقى الأيات كقلب الشجرة يتناول الماء ويكسوها منه
واهتز المكان والزمان كأنما تجلى من المتكلم سبحانه وتعالى في كلامه ,وبدا الفجر كأنه واقف يستأذن الله أن يضئ من هذا النور!
وكنا نسمع قرآن الفجر وكأنما محيت الدنيا التي في الخارج من المسجد
وبطل باطلها,فلم يبق على الأرض إلا الإنسانية الطاهرة ومكان العبادة,وهذه هي معجــزة الروح متى كان الإنسان في لذة روحة مرتفعاً على طبيعته الأرضيــة
وكنا نسمع قرآن الفجر وكأنما محيت الدنيا التي في الخارج من المسجد
وبطل باطلها,فلم يبق على الأرض إلا الإنسانية الطاهرة ومكان العبادة,وهذه هي معجــزة الروح متى كان الإنسان في لذة روحة مرتفعاً على طبيعته الأرضيــة
تعليق