اشعارات

آية و حكاية

مرهفة حس

New member






أسعد الله أيامكم بكل خير .

بيكون هذا الموضوع مشاركة لكل شخص حاب يفيد ويستفيد .

نكتب الآية الكريمة ونرفق معهاا سبب نزولهاا أو حكايتهاا .

وياليت نأخذ القصة من مصدر موثوق ..

يعني نتجنب أي حديث ضعيف أو قول مو متأكدين منه .

وقبل نكتب المشاركة نتأكد كمان من عدم تكرارهاا .

الله يوفق الجميع بما يحب ويرضاه .

 
رد: آية و حكاية




أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ
فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ
قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ
وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)






قال أسحاق بن بشر :

أن عزيراً كان عبداً صالحاً حكيماً ,

خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها .

فلما أنصرف أتى إلى خربة حين قامت الظهيرة وأصابه الحر

ودخل الخربة وهو على حماره , فنزل عن حماره ومعه سلة

فيها تين وسلة فيها عنب ,

فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه

فأعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزاً

يابساً معه فألقاه في تلك القصعة في العصير

ليبتل ليأكله , ثم أستلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط

فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمةعلى عروشها

ورأى عظاماً بالية فقال : [[ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ ]]





فلم يشك أن الله يحييها ,, ولكن قالها تعجباً .

فبعث الله ملك الموت فقبض روحه , فأماته الله مائة عام .

فلما أتت عليه مائة عام , وكان فيما بين ذلك في بني أسرائيل

أمور و أحداث .

قال : فبعث الله إلى عزير ملكاً .. فخلق قلبه ليعقل قلبه

وعينه لينظر بهما .. فيعقل كيف يحيي الله الموتى .

ثم ركب خلفه وهو ينظر , ثم كسى عظامه اللحم والشعر والجلد

ثم نفخ فيه الروح , كل ذلك وهو يرى ويعقل .

فاستوى جالساً .

فقال له الملك : كم لبثت ؟

قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم .

وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهيرة وبُعث في آخر

النهار والشمس لم تغب .

فقال : أو بعض يوم ولم يتم لي يوم .

فقال له الملك : بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك وشرابك ,

يعني الطعام الخبز اليابس وشرابه العصير الذي كان أعتصره

في القصعة , فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس

فذلك قوله : [[ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ ]] يعني لم يتغير .

وكذلك العنب والتين غض لم يتغير شيء من حالهما .

فكأنه أنكر في قلبه .





فقال له الملك : أنكرت ما قلتُ لك ؟!

فأنظر إلى حمارك , فنظر إلى حماره قد بُليت عظامه وصارت نخره .

فنادى الملك عظام الحمار فأجابت و أقبلت من كل ناحية

حتى ركبه الملك , وعزير ينظر إليه .

ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر .

ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعاً رأسه وأذنيه إلى السماء

ناهقاً يظن القيامة قد قامت .

فذلك قوله : [[ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ

وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ
]]

يعني و أنظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا

في أوصالها حتى إذا صارت عظاما مصوراً حماراً بلا لحم ,

ثم أنظر كيف نكسوها لحماً [[ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ

قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
]] (259)

من إحياء الموتى وغيره .





قال : فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس و أنكر الناس و أنكر منزله

فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله , فإذا بعجوز عمياء

مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم .

فخرج عنهم عزير وهي أبنة عشرين سنة , كانت عرفته وعقلته .

فلما أصابها الكبر أصابها الزمان .

فقال لها عزير : يا هذه أهذا منزل عزير .

قالت : نعم هذا منزل عزير , فبكت وقالت :

ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيراً وقد نسيه الناس .

قال : إني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني .

قالت : سبحان الله !

فإن عزيراً رجل مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء

بالعافية والشفاء , فادعوا الله أن يرد علي بصري

حتى أراك , فإن كنت عزيراً عرفتك .

قال : فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا و أخذ بيدها

وقال : قومي بإذن الله . فأطلق الله رجليها فقامت صحيحة

كأنما شطت من عقال .

فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير .





و أنطلقت إلى محلة بني أسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم

وأبن لعزير شيخ أبن مائة وثمانية عشر سنة ,

وبني بنيه شيوخ في المجلس .

فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم .

فكذبوها .

فقالت : أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي .

وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه .

قال: فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه .

فقال أبنه : كان لإبي شامة سوداء بين كتفيه .

فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير .





فقالت بنو أسرائيل : فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوارة ,

فما حدثتنا غير عزير , وقد حرق بختنصر التوارة ولم يبق منها شيء

إلا ما حفظت الرجال , فاكتبها لنا .

وكان أبوه سروخاً قد دفن التوارة أيام بختنصر في موضع

لم يعرفه أحد غير عزير .

فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فأستخرج التوارة وكان قد عفن الورق

ودرس الكتاب .

قال : وجلس في ظل شجرة وبنو أسرائيل حوله , فجدد لهم التوارة .

ونزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه .

فتذكر التوارة فجددها لبني أسرائيل ,

فمن ثم قالت اليهود : عزير أبن الله .

للذي كان من أمر الشهابين وتجديده التوارة وقيامه بأمر بني أسرايئل .

وكان جدد لهم التوارة بأرض السواد بدير حزقيل ,

والقرية التي مات فيها يقال لها ساير أباذ .

قال أبن عباس : فكان كما قال الله : [[ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ ]]

يعني لبني أسرائيل , وذلك لإنه كان يجلس مع بنيه

وهم شيوخ وهو شاب أبن أربعين سنة , فبعثه الله شاباً

كهيئته يوم مات .






وروي أبن عساكر عن أبن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن قول الله تعالى :

[[ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ]] ..

لما قالوا ذلك ؟ََ , قال بني أسرائيل : لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوارة إلا في كتاب .

و أن عزيراً قد جاءنا بها من غير كتاب .



 
رد: آية و حكاية





وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)





ذكر الله في هذه الآية خروج الدابة ويكون ذلك عند فساد الناس وتركهم لأوامر

ربهم وتبديلهم الدين الحق عند ذلك يقع عليهم القول أي يجب عليهم الوعيد .

لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان وإعراضهم عن آيات الله

وتركهم تدبرها والنزول على حكمها وانتهائهم في المعاصي .

إلى ما لا ينجح معه فيهم موعظة ولا يصرفهم عن غيِّهم تذكرة .

فإذا صاروا كذلك أخرج الله لهم دابةً من الأرض تعقل وتنطق تكلمهم

والدواب في العادة لا تعقل ولا تنطق ليعلم الناس أن ذلك آية من عند الله تعالى .





قال ابن مسعود رضي الله عنه: "وقع القول عليهم أي يكون بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن،

ثم قال: أكثروا من تلاوة القرآن قبل أن يُرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الرجال؟

قال: يسري عليه ليلاً فيصبحون منه قفراً وينسون لا إله إلا الله

ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم، وذلك حين يقع القول عليهم" (تفسير القرطبي [13/234]).





يقول سيد قطب رحمه الله : "إن النص القرآني والأحاديث الصحيحة تفيد أن خروج الدابة من علامات الساعة

وأنه إذا انتهى الأجل الذي تنفع فيه التوبة وحق القول على الباقين فلم تقبل منهم توبة بعد ذلك

وإنما يقضى عليهم بما هم عليه عندئذ يُخرج الله لهم دابة تكلمهم والدواب لا تتكلم أو لا يفهم الناس عنها

ولكنهم اليوم يفهمون ويعلمون أنها الخارقة المنبئة باقتراب الساعة

وقد كانوا لا يؤمنون بآيات الله ولا يصدقون باليوم الموعود"،

قال: "ومما يلاحظ أن سورة النمل التي وردت فيها هذه الآية

فيها مشاهد حوار وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان عليه السلام

فجاء ذكر الدابة التي تكلم الناس متناسقاً مع جو السورة محققاً لروعة التصوير في القرآن

وتوحيد الجزئيات التي يتكون منها المشهد العام" أ. هـ. (الظلال 2667]).





قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً،

طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض» (رواه مسلم [2/195]).

وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد،

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها

وخروج الدابة على الناس ضُحاً وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً» (رواه مسلم [18/ 77-78]).





أما مكان خروجها فقد اتفقت كلمة المفسرين على أنها تخرج من مكة المكرمة،

قال ابن عيينة: «تخرج حين يسري الإمام جمع وإنما جعل سابقاً ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج»

(رواه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رجاله ثقات).

ويكون لها ثلاث خرجات فمرةً تخرج من بعض البوادي ثم تختفي، ثم تخرج من بعض القرى،

ثم تظهر في المسجد الحرام.

ورد في صفة الخروج هذه حديث حذيفة بن أسيد الذي رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك [4/ 484-485]).




ولهذه الدابة أعمال ومهام تقوم بها، فمن مهامها: أنها تخطم أنف الكافر فيكون ذلك علامة على كفره،

وتجلو وجه المؤمن ويكون ذلك دليل على إيمانه، وتكلم الناس.

قال صلى الله عليه وسلم: «تخرج الدابة ومعها عصا موسى عليه السلام وخاتم سليمان عليه السلام

فتخطم الكافر -أي أنف الكافر بالخاتم- وتجلو وجه المؤمن بالعصا

حتى إن أهل الخوان ليجتمعون على خوانهم فيقول هذا: يا مؤمن ويقول هذا يا كافر»

(رواه أحمد والترمذي وصححه العلامة أحمد شاكر).





وقد اختلفت الأقوال في تعيين نوع هذه الدابة فمنهم من قال أنها فصيل ناقة صالح،

ومنهم من قال أنها الجساسة التي كانت تتحسس الأخبار للدجال،

ومنهم من قال إنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة الذي اقتلعته العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة،

ومنهم من قال إنها إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم،

ومنهم من قال أن الدابة اسم جنس لكل ما يدب وليست حيواناً مشخصاً معيناً

يحوي العجائب والغرائب واعتبر أن المراد بها تلك الجراثيم الخطيرة التي تفتك بالإنسان وجسمه وصحته.

وكل هذه الأقوال لا دليل صحيح عليها من كتاب أو سنة

ومخالفة لأقوال المفسرين الذين ذكروا أن هذه الدابة مخالفة لما يعتاده البشر

فهي من خوارق العادات فالذي يجب الإيمان به

أن الله تعالى سيخرج للناس آخر الزمان دابة من الأرض تكلمهم

ويكون تكليمها لهم دالٌّ على أنهم يستحقون للوعيد بتكذيبهم بآيات الله

قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: "والآية صريحة في القول العربي أنها دابة

ومعنى الدابة في لغة العرب واضح لا يحتاج إلى تأويل" أ. هـ. (شرح المسند [15/82]).





وقد اختلفت أقوال المفسرين في معنى هذا التكليم،

فمنهم من قال، تخاطبهم مخاطبةً قائلةً لهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون،

بدليل قراءة أُبي بن كعب لهذه الآية (تنبئهم

ومنهم من قال: تجرحهم بدليل قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: {تكْلَمُهُمْ}

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كلاً تفعل)

أي تصنع كِلا الأمرين المخاطبة والجرح فهي تخاطب الناس جميعهم وتسم أنف الكافر أي تجرحه. والله أعلم.



 
رد: آية و حكاية




قال الله تعالى : (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ
وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
)) .






لا نعلم قطعا من هو ذو القرنين .

كل ما يخبرنا القرآن عنه أنه ملك صالح ،

آمن بالله وبالبعث وبالحساب ، فمكّن الله له في الأرض ، وقوّى ملكه ، ويسر له فتوحاته .

بدأ ذو القرنين التجوال بجيشه في الأرض ،

داعيا إلى الله .

فاتجه غربا ، حتى وصل للمكان الذي تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه .

وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط الأطلسي ، حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه .

فألهمه الله – أو أوحى إليه - أنه مالك أمر القوم الذين يسكنون هذه الديار ، فإما أن يعذهم أو أن يحسن إليهم .

فما كان من الملك الصالح ، إلا أن وضّح منهجه في الحكم .





فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا ، ثم حسابهم على الله يوم القيامة .

أما من آمن ، فسيكرمه ويحسن إليه .

بعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب ، توجه للشرق .

فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس .

وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفعات تحجب الشمس عن أهلها .

فحكم ذو القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب ، ثم انطلق .

وصل ذو القرنين في رحلته ، لقوم يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهما فجوة .

وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعب فهمها .





وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أن يساعدهم في صد يأجوج ومأجوج

بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة ، مقابل خراج من المال يدفعونه له .

فوافق الملك الصالح على بناء السد ، لكنه زهد في مالهم ،

واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين.

استخدم ذو القرنين وسيلة هندسية مميزة لبناء السّد .

فقام أولا بجمع قطع الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين .

ثم أوقد النار على الحديد ، وسكب عليه نحاسا مذابا ليلتحم وتشتد صلابته .

فسدّت الفجوة ، وانقطع الطريق على يأجوج ومأجوج ، فلم يتمكنوا من هدم السّد ولا تسوّره .

وأمن القوم الضعفاء من شرّهم .

بعد أن انتهى ذو القرنين من هذا العمل الجبار ، نظر للسّد، وحمد الله على نعمته ،

وردّ الفضل والتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى ، فلم تأخذه العزة ، ولم يسكن الغرور قلبه .





يقول سيّد قطب رحمه الله :

"وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة ذي القرنين .

النموذج الطيب للحاكم الصالح .

يمكنه الله في الأرض , وييسر له الأسباب ; فيجتاح الأرض شرقا وغربا ; ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر ,

ولا يطغى ولا يتبطر , ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي ، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان ,

ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ; ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه .. إ

نما ينشر العدل في كل مكان يحل به , ويساعد المتخلفين , ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل ;

ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح , ودفع العدوان وإحقاق الحق .

ثم يرجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله , ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته ,

وأنه راجع إلى الله . " (في ظلال القرآن) .


 
رد: آية و حكاية




حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96)





يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان ، وقيل : عربيان

وعلى هذا يكون اشتقاقهما من أجت النار أجيجا : إذا التهبت .

أو من الأجاج : وهو الماء الشديد الملوحة ، المحرق من ملوحته ، وقيل عن الأج : وهو سرعة العدو.

وقيل : مأجوج من ماج إذا اضطرب ، ويؤيد هذا الاشتقاق قوله تعالى ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) ،

وهما على وزن يفعول في ( يأجوج ) ، ومفعول في ( مأجوج ) أو على وزن فاعول فيهما ,

هذا إذا كان الاسمان عربيان ، أما إذا كانا أعجميين فليس لهما اشتقاق ، لأن الأعجمية لا تشتق .




وأصل يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم وحواء عليهما السلام .

وهما من ذرية يافث أبي الترك ، ويافث من ولد نوح عليه السلام .

والذي يدل على أنهم من ذرية آدم عليه السلام ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله تعالى : يا آدم !

فيقول لبيك وسعديك ، والخير في يديك . فيقول اخرج بعث النار .

قال : وما بعث النار ؟

قال : من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين .

فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ).

قالوا : وأينا ذلك الواحد ؟

قال : ( ابشروا فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف) رواه البخاري .

وعن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ،

وأنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم ، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ) .





قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

إنّ يأجوج ومأجوج يحفرونَ ( وفي لفظ : ليحفرُنَّ السّدَّ ) في كل يوم حتى إذا كادوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشمس ،

قال الّذي عليهم : ارجعوا فسنَحْفِرُهُ ( وفي لفظ : فستحفرونه ) غداً ، فيُعِيدُه اللهُ ( وفي رواية : فيرجعون وهو ) أشد ما كان ( وفي رواية : كأمثل ما كان)،

حتى إذا بَلَغَتْ مدتهم، وأرادَ اللهُ أنْ يبعثَهم على الناس ، حَفَروا حتى إذا كادوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشمسِ ، قالَ الذي عَليهِمْ : اِرْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غداً إن شاء الله تعالى !

وَاسْتَثْنَوْا، فيعودونَ إليهِ وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ، ويخرجون على الناسِ ،

إذ أَوحىَ الُله إلى عيسى ابن مريم : إني قد أخرجتُ ( وفي لفظ : أنزلت ) عباداً لي من عبادي لا يَدانِ لأحدٍ بِقِتَالهم ،

فَحَرِّزْ ( وفي لفظ : فَحَوِّزْ ) عبادي إلى الطور .

ويبعثُ الله يأجوج ومأجوج ، فيخرجون كما قال الله تعالى:

وهم من كل حدَبٍ يَنسِلُونَ، فَيَعُمُّونَ ( وفي لفظ : فيغشون ) الأرضَ فيَنْشِفُونَ الماءَ ( وفي لفظ : فيستقون المياه ) ،

ويتحصَّنُ ( وفي لفظ : ويَفِرُّ ) الناس منهم في حصونهم ، وينحاز منهم المسلمون ، حتى تصير بقيةُ المسلمين في مدائنهم وحصونهم ،

ويَضُمُّونَ إليهم مواشِيَهم، ويَشْرَبُونَ مِيَاهَ الأرضِ ؛ حَتىَّ إِنَّهمْ لَيَمُرُّونَ بِالنّهرِ فيَشْرَبُونَهُ ، حَتىَّ مَا يَذَرونَ فِيهِ شَيئاً ،

حتّى إنّ بعضَهم لَيَمُرُّ بِذلكَ النَّهرِ ، حتى يتركوه يَبساً حتى إن مَنْ بَعدَهُمْ ليَمُرُّ به فَيقولُ : قَد كانَ هَهُنَا مَاءٌ مرّةً !،

فيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ على بُحيرة الطَّبَرِيَّةِ ، فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء ،

ويظهرون على الأرض ، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخَمَرِ ، وهو جبل بيت المقدس ،

فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض هلمّ فلنقتُلْ من في السماء .

(وفي حديث أبي سعيد : حتى إذا لم يبقَ من الناس أحد إلا في حِصْنٍ أو مدينة ؛

فيقول قائلهم : هؤلاء أهل الأرض قد فرغناَ منهم ، ولَنُنَازِلَنَّ أهل السماء) فيرمون بسهامِهمْ (وفي رواية: بنشوبهم) ،

(وفي حديث أبي سعيد: حتى إنَّ أحدهم لَيَهُزُّ حَربَتَهُ) إلى السماء، فترجع عليها كهيئةِ الدم الذي اجْفَظَّ، للبلاء والفتنة ،

فيردّ الله عليه نشابهم مخضوبة دما ، فيقولون : قَهَرْناَ أهلَ الأرضِ، وعَلَوْنا أهلَ السَّمَاءِ - قسوة وعلواًّ -

(وفي حديث أبي سعيد : قد قتلنا أهلَ السماء )، ويُحصَرُ (وفي لفظ: ويَحضر) نبيُّ الله عِيسىَ وأصحابُه،

حتى يكون رأسُ الثور لأحدِهم خيراً من مائة دينار لأحدِكمُ اليومَ .

فيرغَبُ نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابه إلى الله ) ، فيبعث الله نَغَفاً في أقفائِهم،

(وفي حديث النواس : فيُرسِلُ الله عليهم النَّغَفَ في رقابِهم ) (وفي حديث ابن مسعود : فتلجُ في أَسماعِهم ومَنَاخِرِهم ) ،

فيقتلهم بها، (وفي حديث النواس: فيصبحون فَرْسَى، كموت نَفْسٍ واحدةٍ )

(وفي حديث أبي سعيد : فبينما هم كذلك ، إذْ بَعَثَ اللهُ دوابَّ كنَغَفِ الجرادِ ، فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد،

(وفي لفظ : يبعث الله دودا في أعناقهم ، كنغَفِ الجراد ( وفي لفظ : الجرار ) الّذي يخرج في أعناقها ، فيصبحون موتى )





يركب بعضهم بعضاً ، فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حِساًّ ، فيقولون : مَنْ رجلٌ يَشري نفسَهُ، وينظُرُ ما فَعَلوا ؟!

( وفي لفظ : ما فعل هؤلاء العدو ؟ ) فينزِلُ منهم رجل قد وطَّنَ نفسَهُ على أنْ يقتلوه .

فيجدُهم موتى بعضهم على بعض، فيناديهمْ : يا معشر المسلمين ! ألا أبشروا ؛ فإنَّ اللهَ قد كفاكم عدوَّكم ،

فيخرج الناس مِنْ مَدَائِنِهِمْ وحُصُونِهِمْ وَيخْلُونَ سَبِيلَ مَوَاشِيهِمْ ( وفي لفظ : فَيَسْرَحون مَوَاشِيَهِم ) ،

فما يكون لها رَعْيٌ إلا لحومهم .

قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "والّذي نفسي بيدِهِ ! إنّ دوابَّ الأرضِ لتسمَنُ وتَبْطَرُ وَتَشْكَرُ شَكَراً من لحومهم ودمائِهم" ،

(وفي حديث أبي سعيد : فَتَشْكَرُ عَلَيْهَا كَأَحْسَنِ مَا شَكَرَتْ مِنْ نَبَاتٍ أصابتهُ قَطُّ ) .

(وفي حديث النواس : ثم يهبط نبيُّ الله عيسى وأصحابُهُ إلى الأرضِ ، فلا يجدونَ في الأرضِ موضع شِبْرٍ ( وفي لفظ: بيتا )

إلا مَلأَهُ زَهَمُهم ونَتْنُهم ودماؤُهم ، فَيَرْغبُ نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى اللهِ سبحانه ،

فيُرسِلُ اللهُ طيراً كأعناق البُخت فتحملُهم فتطرحُهم حيث شاء الله ؛ بالمهبل ،

ويستوقِدُ المسلمون من قِسِيِّهِمْ ونُشَّابهم وجِعابِهِمْ ( وفي لفظ : وأَترِسَتِهمْ ) سبع سنين ،

ثم يرسل الله عليهم مطراً لا يَكُنُّ منه بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ أربعين يوماً ،

فيَغْسِلُ الأرضَ منهم حتى يتركها كالزَّلَفَةِ ( أو قال : كالزلَقة)

ثم يقال للأرض : أنبتي ثمَرَتَكِ ورُدِّي بركَتَكِ . فيومئِذٍ تأكلُ العصابةُ

( وفي لفظ : النفر ) مِنَ الرُّمّانةِ فتُشبِعُهم ويستظِلُّونَ بقِحْفِها ،

ويُبَارِكُ اللهُ في الرِّسلِ حتى أن اللَِّقحةَ منَ الإِبلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ منَ النَّاس ،ِ واللَِّقحة من البقر لتكفي القبيلةَ من الناس ،

واللَِّقحة من الغنمِ لتكفي الفخْذَ من الناس (وعند أحمد : واللقحة من البقر تكفي الفخذ من الناس ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت ) ،

ولَيُحَجَّنَّ البيتَ وليُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَاجوجَ وماجوجَ .

فبينما هم كذلك إذ بَعَثَ الله عليهم ريحاً طيبةً فتأخذهم تحت آباطِهم فتقبضُ روحَ كل مؤمن وكل مسلم ،

ويبقى شِرارُ الناسِ يَتَهَارَجُون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعةُ .


 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة البقرة . كما ورد ذكرها بتفصيل أكثر في سورة الأعرف الآيات 163-166.

قال الله تعالى ، في سورة " الأعراف " :

"وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ
كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ .


وقال تعالى في سورة "البقرة " :

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ" .

وقال تعالى في سورة "النساء":

" أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا"





القصة :

أبطال هذه الحادثة ، جماعة من اليهود ، كانوا يسكنون في قرية ساحلية . اختلف المفسّرون في اسمها ،

ودار حولها جدل كثير . أما القرآن الكريم ، فلا يذكر الاسم ويكتفي بعرض القصة لأخذ العبرة منها .

وكان اليهود لا يعملون يوم السبت ، وإنما يتفرغون فيه لعبادة الله .

فقد فرض الله عليهم عدم الانشغال بأمور الدنيا يوم السبت بعد أن طلبوا منه سبحانه أن يخصص لهم يوما للراحة والعبادة ،

لا عمل فيه سوى التقرب لله بأنواع العبادة المختلفة.

وجرت سنّة الله في خلقه . وحان موعد الاختبار والابتلاء . اختبار لمدى صبرهم واتباعهم لشرع الله .

وابتلاء يخرجون بعده أقوى عزما ، وأشد إرادة . تتربى نفوسهم فيه على ترك الجشع والطمع ، والصمود أمام المغريات .

لقد ابتلاهم الله عز وجل ، بأن جعل الحيتان تأتي يوم السبت للساحل ،

وتتراءى لأهل القرية ، بحيث يسهل صيدها .

ثم تبتعد بقية أيام الأسبوع . فانهارت عزائم فرقة من القوم ، واحتالوا الحيل – على شيمة اليهود -

وبدوا بالصيد يوم السبت . لم يصطادوا السمك مباشرة ،

وإنما أقاموا الحواجز والحفر ، فإذا قدمت الحيتان حاوطوها يوم السبت ، ثم اصطادوها يوم الأحد .

كان هذا الاحتيال بمثابة صيد ، وهو محرّم عليهم .

فانقسم أهل القرية لثلاث فرق . فرقة عاصية ، تصطاد بالحيلة . وفرقة لا تعصي الله ،

وتقف موقفا إيجابيا مما يحدث ، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المكر،

وتحذّر المخالفين من غضب الله . وفرقة ثالثة ، سلبية ، لا تعصي الله

لكنها لا تنهى عن المكر .

وكانت الفرقة الثالثة ، تتجادل مع الفرقة الناهية عن المنكر وتقول لهم : ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة ؟ إنهم لن يتوفقوا عن احتيالهم ،

وسيصبهم من الله عذاب أليم بسبب أفعالهم .

فلا جدة من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم حرماته .

وبصرامة المؤمن الذي يعرف واجباته ، كان الناهون عن المكر يجيبون :

إننا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر ،

لنرضي الله سبحانه ، ولا تكون علينا حجة يوم القيامة .

وربما تفيد هذه الكلمات ، فيعودون إلى رشدهم ، ويتركون عصيانهم .

بعدما استكبر العصاة المحتالوا ، ولم تجد كلمات المؤمنين نفعا معهم ، جاء أمر الله ،

وحل بالعصاة العذاب . لقد عذّب الله العصاة وأنجى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .

أما الفرقة الثالثة ، التي لم تعص الله لكنها لم تنه عن المكر ،

فقد سكت النصّ القرآني عنها .

يقول سيّد قطب رحمه الله : " ربما تهوينا لشأنها - وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب -

إذ أنها قعدت عن الإنكار الإيجابي , ووقفت عند حدود الإنكار السلبي .

فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب " (في ظلال القرآن).

لقد كان العذاب شديدا. لقد مسخهم الله، وحوّلهم لقردة عقابا لهم لإمعانهم في المعصية.

وتحكي بعض الروايات أن الناهون أصبحوا ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد .

فتعجبوا وذهبوا لينظرون ما الأمر .

فوجودا المعتدين وقد أصبحوا قردة . فعرفت القردة أنسابها من الإنس , ولم تعرف الإنس أنسابهم من القردة ;

فجعلت القردة تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي ; فيقول : ألم ننهكم ! فتقول برأسها : نعم .

الروايات في هذا الشأن كثيرة ، ولم تصح الكثير من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها .

لذا نتوقف هنا دون الخوض في مصير القردة، وكيف عاشوا حياتهم بعد خسفهم .

 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة البروج الآيات 4-9، وتفصيلها في صحيح الإمام مسلم .

قال الله تعالى(( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ
))





حدثنا هداب بن خالد حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن صهيب الرومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

إنها قصة فتاً آمن ، فصبر وثبت ، فآمنت معه قريته .

لقد كان غلاما نبيها ، ولم يكن قد آمن بعد . وكان يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية .

وكان للملك ساحر يستعين به . وعندما تقدّم العمر بالساحر ،

طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلّمه السحر ليحلّ محله بعد موته . فاختير هذا الغلام وأُرسل للساحر .

فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه ، وفي طريقه كان يمرّ على راهب . فجلس معه مرة وأعجبه كلامه .

فصار يجلس مع الراهب في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر .

وكان الساحر يضربه إن لم يحضر . فشكى ذلك للراهب .

فقال له الراهب : إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر .

وكان في طريقه في أحد الأيام ، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس .

فقال الغلام في نفسه ، اليوم أعلم أيهم أفضل ، الساحر أم الراهب.

ثم أخذ حجرا وقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس .

ثم رمى الحيوان فقلته ، ومضى الناس في طريقهم . فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث .

فقال له الراهب : يا بنى، أنت اليوم أفضل مني ، وإنك ستبتلى ، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ .





وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس من جميع الأمراض . فسمع به أحد جلساء الملك ،

وكان قد فَقَدَ بصره . فجمع هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له : أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني .

فأجاب الغلام : أنا لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاكة.

فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.

فذهب جليس الملجس ، وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره . فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك ؟

فأجاب الجليس بثقة المؤمن : ربّي . فغضب الملك وقال : ولك ربّ غيري ؟

فأجاب المؤمن دون تردد : ربّي وربّك الله . فثار الملك ،

وأمر بتعذيبه . فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام .





أمر الملك بإحضار الغلام ، ثم قال له مخاطبا : يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما ،

حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل . فقال الغلام : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى .

فأمر الملك بتعذيبه . فعذّبوه حتى دلّ على الراهب .

فأُحضر الراهب وقيل له : ارجع عن دينك . فأبى الراهب ذلك . وجيئ بمشار ، ووضع على مفرق رأسه ،

ثم نُشِرَ فوقع نصفين . ثم أحضر جليس الملك ، وقيل له : ارجع عن دينك . فأبى . فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب .

ثم جيئ بالغلام وقيل له : ارجع عن دينك . فأبى الغلام . فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل ،

وتخييره هناك ، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل .

فأخذ الجنود الغلام ، وصعدوا به الجبل ، فدعى الفتى ربه : اللهم اكفنيهم بما شئت .

فاهتزّ الجبل وسقط الجنود . ورجع الغلام يمشي إلى الملك . فقال الملك : أين من كان معك ؟

فأجاب : كفانيهم الله تعالى . فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة ،

والذهاب به لوسط البحر ، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه .




فذهبوا به ، فدعى الغلام الله : اللهم اكفنيهم بما شئت . فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام .

ثم رجع إلى الملك . فسأله الملك باستغراب : أين من كان معك ؟

فأجاب الغلام المتوكل على الله : كفانيهم الله تعالى . ثم قال للملك : إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به .

فقال الملك : ما هو ؟ فقال الفتى المؤمن : أن تجمع الناس في مكان واحد ،

وتصلبي على جذع ، ثم تأخذ سهما من كنانتي ، وتضع السهم في القوس ،

وتقول "بسم الله ربّ الغلام" ثم ارمني ، فإن فعلت ذلك قتلتني .




استبشر الملك بهذا الأمر . فأمر على الفور بجمع الناس ، وصلب الفتى أمامهم .

ثم أخذ سهما من كنانته ، ووضع السهم في القوس وقال: باسم الله ربّ الغلام . ثم رماه فأصابه فقتله .

فصرخ الناس : آمنا بربّ الغلام . فهرع أصحاب الملك إليه وقالوا : أرأيت ما كنت تخشاه !

لقد وقع ، لقد آمن الناس .

فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض ، وإشعال النار فيها . ثم أمر جنوده ، بتخيير الناس ، فإما الرجوع عن الإيمان .

أو إلقائهم في النار . ففعل الجنود ذلك ، حتى جاء دور امرأة ومعها صبي لها ، فخافت أن تُرمى في النار .

فألهم الله الصبي أن يقول لها : يا أمّاه اصبري فإنك على الحق .

 
رد: آية و حكاية





موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة البقرة .

قال الله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
} [البقرة: 102].





فقد جاء في تفسير أول الآية أن السحر كان قد فشا في زمن سليمان عليه السلام ، وزعم الكهنة أن الجن تعلم الغيب ،

وأن السحر هو علم سليمان ، وادعت ذلك اليهود ، وقالوا : ما تم ملكه إلا بسحرة الإنس والجن والطير والريح ،

فرد الله سبحانه عليهم مبرئأً نبيه سليمان من ذلك، وذلك بقوله : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ) .

وأما هاروت وماروت ، فقد اختلفت أقوال المفسرين فيهما ، فذكروا في ذلك قصصاً كثيرة معظمها إسرائيليات لا تصح ،

وأصح ما ذكر من الآثار في ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما

أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض

قالت الملائكة أى رب : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟

قال : إني أعلم ما لا تعلمون "

قالوا : ربنا نحن أطوع لك من بني آدم ، قال الله تعالى للملائكة : هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض ،

فننظر كيف يعملون . قالوا : ربنا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر ،

فجاءتهما فسألاها نفسها . فقالت : لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك ،

فقالا : والله لا نشرك بالله شيئاً أبداً ، فذهبت عنهما ، ثم رجعت بصبي تحمله ،

فسألاها نفسها ، فقالت : لا والله حتى تقتلا هذا الصبي ،

فقالا : لا والله لا نقتله أبداً ، فذهبت ، ثم رجعت بقدح خمر تحمله ،

فسألاها نفسها ، فقالت : لا والله حتى تشربا هذا الخمر ، فشربا فسكرا ، فوقعا عليها ، وقتلا الصبي ، ولما أفاقا .

قالت المرأة : والله ما تركتما شيئاً أبيتماه إلا قد فعلتماه حين سكرتما ،

فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا " .




فالراجح من أقوال أهل التفسير أنها ملكان من الملائكة ، ويجاب عما وقع منهما مع عصمة الملائكة من الوقوع في الذنوب بأجوبة ،

أفضل ما وقعنا عليه منها ما قال ابن كثير وإليك نصه : ( وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء ،

وكان من أمرهما ما كان ، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده ...

وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا ،

فيكون تخصيصاً لهما ، فلا تعارض حينئذ ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق .

مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى ) . انتهى .

وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر : ( ويجاب أن عصمة الملائكة ما داموا بوصف الملائكة ،

أما إذا انتقلوا إلى وصف الإنسان فلا ) انتهى .

وأما تعليمهما السحر ، فإنه كان لغرض صحيح ، وهو بيان حقيقة السحر للناس ، وأنه من فعل الشياطين ،

وأنه كفر وحرام ، وقال بعض أهل العلم : إنما نزلا لبيان اجتناب السحر لا لبيان فعله .

والله أعلم .




القصة :

أن اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة والشعوذة التي كانت تُقْرَأ في زمن ملك سليمان عليه السلام .

وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة ،

وقد دونوها في كتب يقرؤونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمان سليمان عليه السلام ،

حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب ، وكانوا يقولون هذا علم سليمان عليه السلام ،

وما تمَّ لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح ،

فأنزل الله هذين الملكين هاروت وماروت لتعليم الناس السحر ابتلاءً من الله وللتمييز بين السحر والمعجزة

وظهور الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وبين كلام السحرة .

وما يُعلِّم هاروت وماروت من أحدٍ حتى ينصحاه ، ويقولا له إنما نحن ابتلاء من الله ،

فمن تعلم منا السحر واعتقده وعمل به كفر ، ومن تعلَّم وتوقَّى عمله ثبت على الإيمان .

فيتعلم الناس من هاروت وماروت علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين ،

بأن يخلق الله تعالى عند ذلك النفرة والخلاف بين الزوجين ،

ولكن لا يستطيعون أن يضروا بالسحر أحداً إلا بإذن الله تعالى ،

لأن السحر من الأسباب التي لا تؤثر بنفسها بل بأمره تعالى ومشيئته وخلقه .

فيتعلم الناس الذي يضرهم ولا ينفعهم في الآخرة لأنهم سخروا هذا العلم لمضرة الأشخاص .

ولقد علم اليهود أن من استبدل الذي تتلوه الشياطين من كتاب الله ليس له نصيب من الجنة في الآخرة ،

فبئس هذا العمل الذي فعلوه .





والخلاصة :

أن الله تعالى إنما أنزلهما ليحصل بسبب إرشادهما الفرق بين الحق الذي جاء به سليمان وأتم له الله به ملكه ،

وبين الباطل الذي جاءت الكهنة به من السحر ، ليفرق بين المعجزة والسحر .

وإن ورد غير ذلك في شأن هذه القصة فلا يبعد أن يكون من الروايات الإسرائيلية .


 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

قال الله تعالى : فى سورة البقرة الآية243:

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
)) .





القصة:

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع ،

خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا :

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ))

قال ابن إسحاق فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض ، فقال لهم الله : موتوا.

فماتوا جميعا فحظروا عليهم حظيرة دون السباع فمضت عليهم دهور طويلة ، فمر بهم حزقيل عليه السلام .

فوقف عليهم متفكرا فقيل له : أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر ؟

فقال : نعم . فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما وأن يتصل العصب بعضه ببعض .

فناداهم عن أمر الله له بذلك فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد .





وقال أسباط عن السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة في قوله :

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ))

قالوا : كانت قرية يقال لها : " داوردان " ،

قبل " واسط " وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون

فلم يمت منهم كثير فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين ،

فقال الذين بقوا : أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم .

فوقع في قابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح ،

فناداهم ملك من أسفل الوادى وآخر من أعلاه : أن موتوا .

فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر بهم نبى يقال له: حزقيل .

فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقيه وأصابعه ،

فأوحى الله إليه : تريد أن أريك كيف أحييهم ؟ قال : نعم .

وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم فقيل له : ناد . فنادى : يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي .

فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام ثم أوحى الله إليه ؛

أن ناد : يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسى لحما . فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها .

ثم قيل له : ناد . فنادى : أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومى. فقامو ا.





قال أسباط : فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت .

فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى سحنة الموت على وجوههم

لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم .

وعن ابن عباس ؛ أنهم كانوا أربعة آلاف . وعنه : ثمانية آلاف . وعن أبي صالح : تسعه آلاف .

وعن ابن عباس أيضا : كانوا أربعين ألفا . وعن سعيد بن عبد العزيز : كانوا من أهل " أذرعات " .

وقال ابن جريج عن عطاء : هذا مثل . يعنى أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر .

وقول الجمهور أقوى ؛ أن هذا وقع .





وقد روى الإمام أحمد وصاحبا " الصحيح " من طريق الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب

عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب

خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ،

فأخبروه أن الوباء وقع بالشام ، فذكر الحديث . يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه

فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته ، فقال : إن عندي من هذا علما ؛

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض ؛

فلا تقدموا عليه فحمد الله عمر ثم انصرف .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ويزيد المعني قالا : حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة

أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها ،

وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه . قال : فرجع عمر من الشام . وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه .

قال محمد بن إسحاق : ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل ، ثم إن الله قبضه إليه ،

فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم ، وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان ،

وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له : بعل . فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران .



 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة سبأ الآيات 15-19.

قال الله تعالى ، في سورة "سبأ " :

" لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ
جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ
سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
".




القصة :

قال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق :

اسم سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان

قالوا : وكان أول من سبى من العرب فسمي سبأ لذلك ، وكان يقال له : الرائش

لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه .

قال السهيلي : ويقال : إنه أول من تتوج .

وذكر بعضهم أنه كان مسلما وكان له شعر بشر فيه بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله :

ســيملك بعدنــا ملكــا عظيمـا نبــي لا يرخــص فـي الحـرام
ويملــك بعــده منهــم ملــوك يدينـــون العبـــاد بغــير ذام
ويملــك بعـدهم منـا مـا ملـوك يصــير الملــك فينــا باقتسـام
ويملــك بعــد قحطــان نبــي تقـــي جبينــه خــير الأنــام
يســمى أحــمدا يــا ليـت أنـي أعمـــر بعــد مبعثــه بعــام
فـــأعضده وأحــبوه بنصــري بكـــل مدجـــج وبكـــل رام
متــى يظهــر فكونـوا ناصريـه ومــن يلقــاه يبلغــه ســلامي





حكاه ابن دحية في كتابه " التنوير في مولد البشير النذير " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة السبائي

عن عبد الرحمن بن وعلة سمعت عبد الله بن العباس

يقول : إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو ؟ أرجل أم امرأة أم أرض ؟

قال : بل هو رجل ، ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة ،

فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان ،

والمقصود أن سبأ يجمع هذه القبائل كلها ، وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن واحدهم تبع

وكان لملوكهم تيجان يلبسونها وقت الحكم كما كانت الأكاسرة ملوك الفرس يفعلون ذلك ،

وكانت العرب تسمي كل من ملك اليمن مع الشحر وحضرموت تبعا ، كما يسمون من ملك الشام مع الجزيرة قيصر ،

ومن ملك الفرس كسرى ومن ملك مصر فرعون ، ومن ملك الحبشة النجاشي ومن ملك الهند بطليموس ،

وقد كان من جملة ملوك حمير بأرض اليمن بلقيس ،

وقد كانوا في غبطة عظيمة وأرزاق دارة وثمار وزروع كثيرة

وكانوا مع ذلك على الاستقامة والسداد وطريق الرشاد فلما بدلوا نعمة الله كفرا أحلوا قومهم دار البوار .

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا ،

وزعم السدي أنه أرسل إليهم اثني عشر ألف نبي ، فالله أعلم .

والمقصود أنهم لما عدلوا عن الهدى إلى الضلال ، وسجدوا للشمس من دون الله ،

وكان ذلك في زمان بلقيس وقبلها أيضا ، واستمر ذلك فيهم حتى أرسل الله عليهم سيل العرم

كما قال تعالى :

(( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ
وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ
)) .



ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين وغيرهم

أن سد مأرب كان صنعته أن المياه تجري من بين جبلين

فعمدوا في قديم الزمان فسدوا ما بينهما ببناء محكم جدا حتى ارتفع الماء

فحكم على أعالي الجبلين وغرسوا فيهما البساتين والأشجار المثمرة الأنيقة ،

وزرعوا الزروع الكثيرة ، ويقال كان أول من بناه سبأ بن يعرب وسلط إليه سبعين واديا

يفد إليه وجعل له ثلاثين فرضة يخرج منها الماء ومات ولم يكمل بناؤه فكملته حمير بعده ،

وكان اتساعه فرسخا في فرسخ وكانوا في غبطة عظيمة وعيش رغيد وأيام طيبة

حتى ذكر قتادة وغيره أن المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها

فيمتلئ من الثمار ما يتساقط فيه من نضجه وكثرته

وذكروا أنه لم يكن في بلادهم شيء من البراغيث ولا الدواب الموذية لصحة هوائهم وطيب فنائهم .

كما قال تعالى :

(( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)) .

وكما قال تعالى :

(( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) .




فلما عبدوا غير الله وبطروا نعمته وسألوا بعد تقارب ما بين قراهم وطيب ما بينها من البساتين

وأمن الطرقات سألوا أن يباعد بين أسفارهم وأن يكون سفرهم في مشاق وتعب

وطلبوا أن يبدلوا بالخير شرا كما سأل بنو إسرائيل بدل المن والسلوى البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل

فسلبوا تلك النعمة العظيمة والحسنة العميمة بتخريب البلاد والشتات على وجوه العباد

كما قال تعالى :

(( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ )) .

قال غير واحد : أرسل الله على أصل السد الفار ، وهو الجرذ ويقال : الخلد .

فلما فطنوا لذلك أرصدوا عندها السنانير فلم تغن شيئا إذ قد حم القدر ولم ينفع الحذر كلا لا وزر ،

فلما تحكم في أصله الفساد سقط وانهار فسلك الماء القرار ، فقطعت تلك الجداول والأنهار ،

وانقطعت تلك الثمار ، وبادت تلك الزروع والأشجار ، وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والأثمار .





كما قال العزيز الجبار :

(( وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ )) .

قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : هو الأراك وثمره البرير ، وأثل وهو الطرفاء

وقيل : يشبهه وهو حطب لأثمر له وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ

وذلك لأنه لما كان يثمر النبق كان قليلا مع أنه ذو شوك كثير ،

وثمره بالنسبة إليه كما يقال في المثل : لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى ،

ولهذا قال تعالى :

(( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور )) .

َ أي : إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر بنا وكذب رسلنا وخالف أمرنا وانتهك محارمنا

وقال تعالى : (( فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )) .

وذلك أنهم لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم

احتاجوا أن يرتجلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا في غور البلاد ونجدها أيدي سبأ شذر مذر ،

فنزلت طوائف منهم الحجاز وهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة ،

ومنهم المدينة المنورة اليوم ، فكانوا أول من سكنها .

ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود : بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير فحالفوا الأوس والخزرج وأقاموا عندهم ،

ونزلت طائفة أخرى منهم الشام وهم الذين تنصروا فيما بعد .

وهم غسان وعاملة وبهراء ولخم وجذام وتنوخ وتغلب وغيرهم

قال محمد بن إسحاق : حدثني أبو عبيدة قال : قال الأعشى بن قيس بن ثعلبة وهو ميمون بن قيس

وفـــي ذاك للمؤتســى أســوة

ومــأرم عفــي عليهــا العـرم

رخـــام بنتــه لهــم حــمير

إذا جـــاء مــواره لــم يــرم

فـــأروى الـــزرع وأعنانهــا

عــلى ســعة مــاءهم إذ قسـم

فصـــاروا أيــادي لا يقــدرون

عـلى شـرب طفـل إذا مـا فطـم




وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب " السيرة "

أن أول من خرج من اليمن قبل سيل العرم عمرو بن عامر اللخمي

ولخم هو ابن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ

ويقال : لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ قاله ابن هشام قال ابن إسحاق وكان سبب خروجه من اليمن ،

فيما حدثني أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم

فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك ، فاعتزم على النقلة عن اليمن فكاد قومه فأمر أصغر ولده

إذا أغلظ عليه ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو : لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي

وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله وانتقل في ولده ،

وولد ولده وقالت الأزد : لا نتخلف عن عمرو بن عامر ، فباعوا أموالهم وخرجوا معه

فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان

فحاربتهم عك فكانت حربهم سجالا ففي ذلك قال عباس بن مرداس

وعـك بـن عدنـان الـذين تلعبـوا
بغسـان حـتى طـردوا كـل مطرد

قال : فارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلاد فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام

ونزل الأوس والخزرج يثرب ونزلت خزاعة مرا ونزلت أزد السراة ونزلت أزد عمان .

ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه وفي ذلك أنزل الله هذه الآيات وقد روي عن السدي قريب من هذا

وعن محمد بن إسحاق في رواية أن عمرو بن عامر كان كاهنا ،

وقال غيره كانت امرأته طريفة بنت الخير الحميرية كاهنة فأخبرت بقرب هلاك بلادهم

وكأنهم رأوا شاهد ذلك في الفأر الذي سلط على سدهم ، ففعلوا ما فعلوا والله أعلم

وقد ذكرت قصته مطولة عن عكرمة فيما رواه ابن أبي حاتم في " التفسير ".

 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة القلم . آية ( 17 - 33 ) .

قال الله تعالى:

(( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ
قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ
كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
))

وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش ،

فيما أنعم به عليهم من إرسال الرسول العظيم الكريم إليهم ، فقابلوه بالتكذيب والمخالفة ،

كما قال تعالى :

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار )) .





القصة :

قال إبن عباس :

إنه كان شيخ كانت له جنة ، وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه .

فلما قبض الشيخ وورثه بنوه - وكان له خمسة من البنين -

فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك ،

فراح الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر ,

فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم .

فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف ،

فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا ،

حتى نستغني وتكثر أموالنا ، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة .

فرضي بذلك منهم أربعة ، وسخط الخامس وهو الذي قال تعالى : ( قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ) .

فقال لهم أوسطهم : إتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا ،

فبطشوا به . فضربوه ضربا مبرحا . فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم ،

غير طائع ، فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يصرموه إذا أصبحوا ، ولم يقولوا إن شاء الله .

فإبتلاهم الله بذلك الذنب ، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه .





بهذه الهدفية يجب أن نطالع القصص ونقرأ التاريخ .

فهذه قصة أصحاب الجنة يعرضها الوحي لتكون أحداثها ودروسها موعظة وعبرة للإنسانية .

ومن الملفت للنظر ، إن القرآن في عرضه لهذه القصة لا يحدثنا عن الموقع الجغرافي للجنة ،

هل كانت في اليمن أو في الحبشة ، ولا عن مساحتها ونوع الثمرة التي أقسم أصحابها على صرمها ..

لأن هذه الأمور ليست بذات أهمية في منهج الوحي ، إنما المهم المواقف والمواعظ والأحداث لمعبرة ،

سواء فصل العرض أو إختصر .




* ومكروا ومكر الله :

فأشار القرآن إلى أنهم كيف أقسموا على قطف ثمار مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئا منها ،

وتعاهدوا على ذلك . ولكن هل فلحوا في أمرهم ؟ كلا ..

( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ) .

إن الله الذي لا تأخذه سنة ولا نو م، ما كان ليغفل عن تدبير خلقه ، وإجراء سننه في الحياة .

فقد أراد أن يجعل آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليم لأوامره بالإنفاق على المساكين وإعطاء كل ذي حق حقه..

وأن يعلم الإنسان بأن الجزاء حقيقة واقعية ، وإنه نتيجة عمله .

وهكذا يواجه مكر الله مكر الإنسان ، فيدعه هباء منثورا ،

( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) .

وإذا إستطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين ، فهل إستطاعوا أن يخفوه عن عالم الغيب والشهادة ؟ كلا..

وقد أرسل الله تعالى طائفة ليثبت لهم هذه الحقيقة :

( فتنادوا مصبحين* أن أغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين* فإنطلقوا وهم يتخافتون*
ان لايدخلنها اليوم عليكم مسكين* وغدوا على حرد قادرين*
فلما رأوها قالوا إنا لضالون* بل نحن محرومون
) [ القلم/ 21-27 ] .




في تلك اللحظة الحرجة إهتدوا إلى ان الحرمان الحقيقي ليس قلة المال والجاه ،

وإنما الحرمان والمسكنة قلة الإيمان والمعرفة بالله .

وهكذا أصبح هذا الحادث المريع بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة الضلال والحرمان ،

وصار بداية لرحلة العروج في آفاق التوبة والإنابة ، والتي أولها إكتشاف الإنسان خطئه في الحياة .

ومن هنا نهتدي إلى أن من أهم الحكم التي وراء أخذ الله الناس بالبأساء والضراء وألوان من العذاب في الدنيا ،

هو تصحيح مسيرة الإنسان بإحياء ضميره وإستثارة عقله من خلال ذلك ،

كما قال ربنا عز وجل :

( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ) .




* قصة تستحق التأمل :

فما أحوجنا أن نتأمل قصة هؤلاء الأخوة الذين إعتبروا بآيات الله ،

وراجعوا أنفسهم بحثا عن الحقيقة لما رأوا جنتهم وقد أصبحت كالصريم ،

فنغير من أنفسنا ليغير الله ما نحن فيه .

إذ ما أشبه تلك الجنة وقد طاف عليها طائف من الله بحضارتنا التي صرمتها عوامل الإنحطاط والتخلف .

ولو أنهم إستمعوا إلى نداء المصلحين لما أبتلوا بتلك النهاية المريعة .

وهكذا كل أمة لا تفلح إلا إذا عرفت قيمة المصلحين ، فإستمعت إلى نصائحهم ، وإستجابت لبلاغهم وإنذارهم .

لهذا الدور تصدى أوسط اصحاب الجنة ، فعارضهم في البداية حينما أزمعوا وأجمعوا على الخطيئة ،

وذكرهم لما أصابهم عذاب الله بالحق ، وحملهم كامل المسؤولية ، وإستفاد من الصدمة التي أصابتهم في إرشادهم إلى العلاج الناجع .

( قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ) .

من هذا الموقف نهتدي إلى بصيرة هامة ينبغي لطلائع التغيير الحضاري ورجال الإصلاح أن يدركوها

ويأخذوا بها في تحركهم إلى ذلك الهدف العظيم ،

وهي : إن المجتمعات والأمم حينما تضل عن الحق وتتبع النظم البشرية المنحرفة ، تصير إلى الحرمان ،

وتحدث في داخلها هزة عنيفة ( صحوة ) ذات وجهين ، أحدهما القناعة بخطأ المسيرة السابقة ،

والآخر البحث عن المنهج الصالح . وهذه خير فرصة لهم يعرضوا فيها الرؤى والأفكار الرسالية ، ويوجهوا الناس اليها .




من هذه الفرصة إستفاد أوسط اصحاب الجنة ، بحيث حذر أخوته من أخطائهم ،

وأرشدهم إلى سبيل الصواب .

( قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين* فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون* قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين*
عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون
) .

وقصة هؤلاء شبيه بقوله تعالى :

(( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
)) .

قيل : هذا مثل مضروب لأهل مكة . وقيل : هم أهل مكة أنفسهم ، ضربهم مثلا لأنفسهم . ولا ينافي ذلك ،

والله سبحانه وتعالى أعلم .

 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة "الكهف"، بعد قصة أصحاب الكهف :

" وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ
وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا
"





القصة :

قال بعض الناس : هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا .

والجمهور أنه أمر قد وقع ، وقوله : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا )) يعني لكفار قريش ،

في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء وازدرائهم بهم ، وافتخارهم عليهم

كما قال تعالى :

(( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ )) .

والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين ، وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ،

ويقال : إنه كان لكل منهما مال ، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه ،

وأما الكافر فإنه اتخذ له بستانين ، وهما الجنتان المذكورتان في الآية ،

على الصفة والنعت المذكور ؛ فيهما أعناب ونخل تحف تلك الأعناب ،

والزروع في خلال ذلك والأنهار سارحة ههنا وههنا للسقي والتنزه ، وقد استوسقت فيهما الثمار ،

واضطربت فيهما الأنهار وابتهجت الزروع والثمار وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له :

(( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا )) .

أي ؛ وأمنع جنابا . ومراده أنه خير منه ،

ومعناه ، ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه ؟

كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي . فافتخر على صاحبه (( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) .

أي ؛ وهو على غير طريقة مرضية قَالَ : (( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) .

وذلك لما رأى من اتساع أرضها ، وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها ؛

ولو قد بادت كل واحدة من هذه الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها ،

وزروعها دارة لكثرة مياهها . ثم قال :

(( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ))

فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية ، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة ،

ثم قال : (( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا )) .

أي ؛ ولئن كان ثم آخرة ومعاد فلأجدن هناك خيرا من هذا . وذلك لأنه اغتر بدنياه ،

واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده ،




كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره وخبر خباب بن الأرت

في قوله :

(( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا
وقال تعالى إخبارا عن الإنسان إذا أنعم الله عليه لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى
)) .

قال الله تعالى :

(( فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
وقال قارون إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أي لعلم الله في أني أستحقه
)) .

قال الله تعالى :

(( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ )) .

وقال تعالى :

(( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى
إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ
)) .

وقال تعالى :

(( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ )) .





ولما اغتر هذا الجاهل بما خوله الله به في الدنيا ، فجحد الآخرة وادعى أنها إن وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه ،

وسمعه صاحبه يقول ذلك .

(( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ )) أي ؛ يجادله (( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا )) .

أي : أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب ، ثم من نطفة ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلا سويا سميعا بصيرا ،

تعلم وتبطش وتفهم ، فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة .

(( لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي )) أي ؛ لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك (( هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ))

أي ؛ لا أعبد سواه ، واعتقد أنه يبعث الأجساد بعد فنائها .

ويعيد الأموات ويجمع العظام الرفات ، وأعلم أن الله لا شريك له في خلقه ولا في ملكه ولا إله غيره ،

ثم أرشده إلى ما كان الأولى به أن يسلكه عند دخول جنته فقال :

(( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه ))

ولهذا يستحب لكل من أعجبه شيء من ماله أو أهله أو حاله أن يقول كذلك .

وقد ورد فيه حديث مرفوع ، في صحته نظر ؛ قال أبو يعلى الموصلي :

حدثنا جراح بن مخلد حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عيسى بن عون حدثنا عبد الملك بن زرارة ، عن أنس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنعم الله على عبد نعمة ؛ من أهل أو مال أو ولد فيقول :

(( ما شاء الله لا قوة إلا بالله )) .

فيرى فيه آفة دون الموت وكان يتأول هذه الآية : (( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ))

قال الحافظ أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون ، عن عبد الملك بن زرارة ، عن أنس ، لا يصح .





ثم قال المؤمن للكافر :

(( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ )) .

أي ؛ في الدار الآخرة (( وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ )) .

قال ابن عباس والضحاك وقتادة : أي ؛ عذابا من السماء .

والظاهر أنه المطر المزعج الباهر ، الذي يقتلع زروعها وأشجارها (( فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا )) .

وهو التراب الأملس الذي لا نبات فيه (( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا )) .

وهو ضد المعين السارح (( فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا )) .

يعني ، فلا تقدر على استرجاعه .

قال الله تعالى :

(( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ )) .

أي ؛ جاءه أمر أحاط بجميع حواصله وخرب جنته ودمرها

(( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا )) .

أي ؛ خربت بالكلية ،

فلا عودة لها ، وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث قال :

(( مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ))

وندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بالله العظيم ،

فهو يقول :

(( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )) .

قال الله تعالى :

(( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا )) .

هُنَالِكَ أي ؛ لم يكن له أحد يتدارك ما فرط من أمره ، وما كان له قدرة في نفسه على شيء من ذلك ،

كما قال تعالى :

(( فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر ))ٍ .

و قوله :

(( الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ )) .

ومنهم من يبتدىء بقوله :

(( هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ))

وهو حسن أيضا ، كقوله :

(( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا )) .

فالحكم الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب - في تلك الحال وفي كل حا ل- لله الحق .

ومنهم من رفع الحق جعله صفة ل الولاية وهما متلازمتان .

وقوله :

(( هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا )) .

أي ؛ معاملته خير لصاحبها ثوابا ، وهو الجزاء ، وخير عقبا ؛ وهو العاقبة في الدنيا والآخرة .




وهذه القصة تضمنت أنه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا ، ولا يغتر بها ، ولا يثق بها ،

بل يجعل طاعة الله والتوكل عليه في كل حال نصب عينيه ، وليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده .

وفيها ، أن من قدم شيئا على طاعة الله والإنفاق في سبيله ، عذب به ، وربما سلب منه ؛ معاملة له بنقيض قصده .

وفيها ، أن الواجب قبول نصيحة الأخ المشفق ، وأن مخالفته وبال ودمار على من رد النصيحة الصحيحة .

وفيها ، أن الندامه لا تنفع إذا حان القدر ، ونفذ الأمر الحتم . بالله المستعان وعليه التكلان .

 
رد: آية و حكاية





موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة الأعراف الآيات 148- 154 .

قال الله تعالى :

{ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً
اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ،
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ،
قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ،
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ،
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ،
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ،
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
}.




وقال تعالى : في سورة طه الآيات 83-98 .

{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ،
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ ،
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ،
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ،
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً ،
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ،
قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى،قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ،
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ،
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ،
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً
لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
} .




قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله سيدنا موسى عليه السلام عنهم :

يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل ،

حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه

ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها .

فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري ، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي ، فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب ،

كان أخذها من أثر فرس جبريل ، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه .

فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي .

ويقال إنه استحال عجلاً جسداً أي لحماً ودماً حياً يخور ، قال قتادة وغيره .

وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن تخور البقرة ، فيرقصون حوله ويفرحون .

{ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } .

أي فنسي موسى ربه عندنا ، وذهب يتطلبه وهو هاهنا !

تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، وتقدست أسماؤه وصفاته ، وتضاعفت آلاؤه وهباته .

قال الله تعالى مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه ، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو شيطاناً رجيماً :

{ أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً } .

وقال : { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ } .

فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جواباً ، ولا يملك ضراً ولا نفعاً ،

ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم ، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال .





{ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ } .

أي ندموا على ما صنعوا { وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } .

ولما رجع موسى عليه السلام إليهم ، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل ، ومعه الألواح المتضمنة التوراة ،

ألقاها ، فيقال إنه كسرها . وهكذا هو عند أهل الكتاب ، وإن الله أبدله غيرها ،

وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك ، إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين .

وعند أهل الكتاب : أنهما كانا لوحين ، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة .

ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل ، فأمره بمعاينة ذلك .

ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الخبر كالمعاينة ".

ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه ،

بما ليس بصحيح ، قالوا : { وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ } .

تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب ، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم ،

ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار ، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار ! .

ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلاً له :

{ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي } .

أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا ،

فقال : { إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ } .

أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم .

{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .

وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي ، وزجرهم عنه أتم الزجر .





قال الله تعالى :

{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ }.

أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختباراً لكم ، { وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ } .

أي لا هذا { فَاتَّبِعُونِي } . أي فيما أقول لكم { وَأَطِيعُوا أَمْرِي ، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى }.

يشهد الله لهارون عليه السلام { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً }. أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه .

ثم أقبل موسى على السامري { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ } . أي ما حملك على ما صنعت .

{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ } . أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرساً .

{ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } . أي من أثر فرس جبريل . وقد ذكر بعضهم أنه رآه ،

وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضّر وأعشب ، فأخذ من أثر حافرها ،

فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان .

ولهذا قال : { فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ } .

وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً ، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه ،

هذا معاقبة له في الدنيا ، ثم توعده في الأخرى فقال : { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ } - وقرئ { لَنْ تُخْلَفَهُ } .

{ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً } .

قال : فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل ، فحرقه قيل بالنار، كما قاله قتادة وغيره .

وقيل بالمبارد ، كما قاله عليّ وابن عباس وغيرهما ، وهو نص أهل الكتاب ، ثم ذراه في البحر ،

وأمر بني إسرائيل فشربوا ، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه ،

وقيل بل اصفرت ألوانهم .





ثم قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم : { إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } .

وقال تعالى :

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } .

وهكذا وقع . وقد قال بعض السلف : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة ! .

ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه ، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه ، بتوبته عليه ،

فقال : { وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } .

لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل ،

كما قال تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ
فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
} .

فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف ،

وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه ،

ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفاً ! .

ثم قال تعالى :

{ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } .

استدل بعضهم بقوله : { وَفِي نُسْخَتِهَا } . على أنها تكسرت ، وفي هذا الاستدلال نظر ،

وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت ، والله أعلم .


 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 67-73.

قال الله تعالى :

(( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا
قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
)) .



القصة :

مكث موسى في قومه يدعوهم إلى الله . ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة ،

وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة . فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى ،

كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت .

وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل ، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله ،

وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه . ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة .

وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم . غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة .

اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا ، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم .

أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة .





إن الأمر هنا أمر معجزة ، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة ، أو المعتاد بين الناس .

ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت ،

لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل ؟

إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم ، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة .

لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل . مجرد التعامل معهم عنت . تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة ، وشؤون العقيدة المهمة .

لا بد أن يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل . وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم ،

ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به ، ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة ، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور ،

تعود اللجاجة والالتواء ، فيتساءلون : أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان ؟

أم أنها خلق تفرد بمزية ، فليدع موسى ربه ليبين ما هي . ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم ،

وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل ، بأنها بقرة وسط . ليست بقرة مسنة ، وليست بقرة فتية . بقرة متوسطة .





إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر ، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة ، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات .

ما هو لون البقرة ؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة ؟

لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم ،

وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة .

ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة . فيقول أنها بقرة صفراء ، فاقع لونها تسر الناظرين .

وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء ، ورغم وضوح الأمر ، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة .

فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه . عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي ،

فإن البقر تشابه عليهم ، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي ، سلمت من العيوب ،

صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة . انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد .

وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة . أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها .

وأمسك موسى جزء من البقرة ( وقيل لسانها ) وضرب به القتيل فنهض من موته .

سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه ( وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث ) ثم عاد إلى الموت .

وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم ، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل .

انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم .




نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم ،

ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة " ربك " التي يخاطبون بها موسى .

وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى ، تأدبا ، لو كان لا بد أن يقولوا : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ) ادع لنا ربنا .

أما أن يقولوا له : فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى .

ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله . انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله .

ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم : ( الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ )

بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل ،

بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة ،

بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم ، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة .




ساعتها قالوا له : " الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ " .

كأنه كان يلعب قبلها معهم ، ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة .

ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم : ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ) .

ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق ؟

هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات .

هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى .

 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة الكهف الآيات 9-26 .

قال الله تعالى:

(( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ
ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا
إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ
فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
.



سبب نزول قصة أصحاب الكهف :

ان سبب نزول قصة أصحاب الكهف ، وخبر ذي القرنين ما ذكره محمد بن إسحاق و غيره في السيرة

أن قريشا بعثوا إلى اليهود يسألونهم عن أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عنها ؛

ليختبروا ما يجيب به فيها فقالوا : سلوه عن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدري ما صنعوا ،

وعن رجل طواف في الأرض وعن الروح .

فأنزل الله تعالى:

(( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ))

وقال ههنا : (( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ))

أي ؛ ليسوا بعجب عظيم بالنسبة إلى ما أطلعناك عليه من الأخبار العظيمة ،

والآيات الباهرة والعجائب الغريبة. والكهف هو الغار في الجبل .





القصة :

في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن ، كانت توجد قرية مشركة . ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم ،

وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم . عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم .

ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة ، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء .

ويؤذون كل من يكفر بها ، ولا يعبدها .

في هذه المجتمع الفاسد ، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء .

ثلة قليلة حكّمت عقلها ، ورفضت السجود لغير خالقها ، الله الذي بيده كل شيء .

فتية ، آمنوا بالله ، فثبتهم وزاد في هداهم . وألهمهم طريق الرشاد .

لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا ، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم .

إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله ، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله .

ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه . فالقرية فاسدة ، وأهلها ضالون .

عزم الفتية على الخروج من القرية ، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم . خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة ، للكهف الضيق .

تركوا وراءهم منازلهم المريحة ، ليسكنوا كهفا موحشا . زهدوا في الأسرّية الوثيرة ، والحجر الفسيحة ، واختاروا كهفا ضيقا مظلما .





إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه . فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه .

ويرى الكهف قصرا ، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال ، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله .

وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها .

استلقى الفتية في الكهف ، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه . وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات .

وخلال هذه المدة ، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله ، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار .

وكانوا يتقلبون أثناء نومهم ، حتى لا تهترئ أجاسدهم . فكان الناظر إليهم يحس بالرعب .

يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم .

بعد هذه المئين الثلاث ، بعثهم الله مرة أخرى . استيقضوا من سباتهم الطويل ، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم .

وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا : كم لبثنا ؟!

فأجاب بعضهم : لبثنا يوما أو بعض يوم .

لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة ، فمدة النوم غير مهمة . المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم .





فأخرجوا النقود التي كانت معهم ، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة ، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود ،

ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد .

فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم . قد يخيرونهم بين العودة للشرك ، أو الرجم حتى الموت .

خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية ، إلا أنها لم تكن كعهده بها . لقد تغيرت الأماكن والوجوه . تغيّرت البضائع والنقود .

استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة . وبالطبع ، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل .

ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب ، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها .

لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية ، وهلك الملك الظالم ، وجاء مكانه رجل صالح . لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين .

لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية . لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم . وها هم قد عادوا .

فمن حق أهل القرية الفرح . وذهبوا لرؤيتهم .

وبعد أن ثبتت المعجزة ، معجزة إحياء الأموات . وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت ،

برؤية مثال واقي ملموس أمامهم . أخذ الله أرواح الفتية . فلكل نفس أجل ، ولا بد لها أن تموت .

فاختلف أهل القرية . فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم ، ومنهم من طالب ببناء مسجد ، وغلبت الفئة الثانية .




لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم . فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام ، أم كانوا بعده .

هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم ، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان . هل كانوا في بلدة من بلاد الروم ،

أم في فلسطين . هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم ، أم خمسة سادسهم كلبهم ، أم سبعة وثامنهم كلبهم .

كل هذه أمور مجهولة . إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور ،

ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله . فالعبرة ليست في العدد ، وإنما فيما آل إليه الأمر .

فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية ، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم

قدرة على بعث من في القبور ، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل .

 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

ورد ذكر القصة في سورة الفيل الآيات 1-5.

قال تعالى :

(( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
))




القصة :

كانت اليمن تابعة للنجاشي ملك الحبشة . وقام والي اليمن ( أبرهة ) ببناء كنيسة عظيمة ،

وأراد أن يغيّر وجهة حجّ العرب . فيجعلهم يحجّون إلى هذه الكنيسة بدلا من بيت الله الحرام .

فكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ,

ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب . إلا أن العرب أبوا ذلك،

وأخذتهم عزتهم بمعتقداتهم وأنسابهم . فهم أبناء إبراهيم وإسماعيل ،

فكيف يتركون البيت الذي بناه آباءهم ويحجّوا لكنيسة بناها نصراني !

وقيل أن رجلا من العرب ذهب وأحدث في الكنيسة تحقيرا لها .

وأنا بنو كنانة قتلوا رسول أبرهة الذي جاء يطلب منهم الحج للكنيسة .




فعزم أبرهة على هدم الكعبة . وجهّز جيشا جرارا ، ووضع في مقدمته فيلا مشهورا عندهم يقال أن اسمه محمود .

فعزمت العرب على تقال أبرهة . وكان أول من خرج للقاءه ، رجل من أشراف من اليمن يقال له ذو نفر .

دعى قومه فأجابوه ، والتحموا بجيش أبرهة . لكنه هُزِم وسيق أسيرا إلى أبرهة .

ثم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي ، وحارب أبرهة . فهزمهم أبرهة وأُخِذَ نفيل أسيرا ،

وصار دليلا لجيش أبرهة . حتى وصلوا للطائف ، فخرج رجال من ثقيف ،

وقالوا لأبرهة أن الكعبة موجودة في مكة – حتى لا يهدم بيت اللات الذي بنوه في الطائف -

وأرسلوا مع الجيش رجلا منهم ليدلّهم على الكعبة ! وكان اسم الرجل أبو رغال .

توفي في الطريق ودفن فيها ، وصار قبره مرجما عند العرب . فقال الشاعر :

وأرجم قبره في كل عام * * * كرجم الناس قبر أبي رغال




وفي مكان يسمى المغمس بين الطائف ومكة ، أرسل أبرهة كتيبة من جنده ، ساقت له أموال قريش وغيرها من القبائل .

وكان من بين هذه الأموال مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، كبير قريش وسيّدها .

فهمّت قريش وكنانة وهذيل وغيرهم على قتال أبرهة . ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك .

وبعث أبرهة رسولا إلى مكة يسأل عن سيد هذا البلد , ويبلغه أن الملك لم يأت لحربهم وإنما جاء لهدم هذا البيت ,

فإن لم يتعرضوا له فلا حاجة له في دمائهم ! فإذا كان سيد البلد لا يريد الحرب جاء به إلى الملك .

فلما أخب الرسول عبد المطلب برسالة الملك ، أجابه : والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة .

هذا بيت الله الحرام . وبيت خليله إبراهيم عليه السلام .. فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه ,

وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه .




ثم انطلق عبد المطلب مع الرسول لمحادثة أبرهة . وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم .

فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه , وأكرمه عن أن يجلسه تحته , وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه .

فنزل أبرهة عن سريره , فجلس على بساطه وأجلسه معه إلى جانبه .

ثم قال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ؟ فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي .

فلما قال ذلك , قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك , ثم قد زهدت فيك حين كلمتني !

أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟

قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل . وإن للبيت رب سيمنعه .

فاستكبر أبرهة وقال : ما كان ليمتنع مني . قال : أنت وذاك ! .. فردّ أبرهة على عبد المطلب إبله .





ثم عاد عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم بما حدث ، وأمرهم بالخروج من مكة والبقاء في الجبال المحيطة بها .

ثم توجه وهو ورجال من قريش إلى للكعبة وأمسك حلقة بابها ، وقاموا يدعون الله ويستنصرونه . ثم ذهب هو ومن معه للجبل .

ثم أمر أبرهة جيشه والفيل في مقدمته بدخول مكة . إلا أن الفيل برك ولم يتحرك . فضربوه ووخزوه ،

لكنه لم يقم من مكانه . فوجّهوه ناحية اليمن، فقام يهرول . ثم وجّهوه ناحية الشام ، فتوجّه .

ثم وجّهوه جهة الشرق ، فتحرّك . فوجّهوه إلى مكة فَبَرَك .

ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده , فأرسل عليهم جماعات من الطير ،

مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره , وحجران في رجليه , أمثال الحمص والعدس ,

لا تصيب منهم أحدا إلا هلك . فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة . فهاج الجيش وماج ،

وبدوا يسألون عن نفيل بن حبيب ; ليدلهم على الطريق إلى اليمن .

فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :

أين المفر والإله الطالب * * * والأشرم المغلوب ليس الغالب .

وقال أيضا :

حمدت الله إذ أبصرت طيرا * * * وخفت حجارة تلقى علينا

فكل القوم يسأل عن نفيـل * * * كأن علي للحبشان دينـا


وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يتساقط لحمه قطعا صغيرة تلو الأخرى ،

حتى وصلوا إلى صنعاء , فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات .





إن لهذه القصة دلالات كثيرة يصفها الأستاذ سيّد قطب رحمه الله في كتابه ( في ظلال القرآن ) :

فأما دلالة هذا الحادث والعبر المستفادة من التذكير به فكثيرة . .

وأول ما توحي به أن الله - سبحانه - لم يرد أن يكل حماية بيته إلى المشركين ،

ولو أنهم كانوا يعتزون بهذا البيت , ويحمونه ويحتمون به .

فلما أراد أن يصونه ويحرسه ويعلن حمايته له وغيرته عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية .

وتدخلت القدرة سافرة لتدفع عن بيت الله الحرام , حتى لا تتكون للمشركين يد على بيته ولا سابقة في حمايته , بحميتهم الجاهلية .

كذلك توحي دلالة هذا الحادث بأن الله لم يقدر لأهل الكتاب - أبرهة وجنوده -

أن يحطموا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدسة . حتى والشرك يدنسه , والمشركون هم سدنته .

ليبقي هذا البيت عتيقا من سلطان المتسلطين , مصونا من كيد الكائدين .




ونحن نستبشر بإيحاء هذه الدلالة اليوم ونطمئن ,

إزاء ما نعلمه من أطماع فاجرة ماكرة ترف حول الأماكن المقدسة من الصليبية العالمية والصهيونية العالمية ,

ولا تني أو تهدأ في التمهيد الخفي اللئيم لهذه الأطماع الفاجرة الماكرة .

فالله الذي حمى بيته من أهل الكتاب وسدنته مشركون , سيحفظه إن شاء الله ,

ويحفظ مدينة رسوله من كيد الكائدين ومكر الماكرين !

والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم دور في الأرض . بل لم يكن لهم كيان قبل الإسلام .

كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة . وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحيانا تقوم تحت حماية الفرس .

وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربية تحت حماية الرومان .

ولم ينج إلا قلب الجزيرة من تحكم الأجانب فيه .

ولكنه ظل في حالة تفكك لا تجعل منه قوة حقيقية في ميدان القوى العالمية .

وكان يمكن أن تقوم الحروب بين القبائل أربعين سنة ,

ولكن لم تكن هذه القبائل متفرقة ولا مجتمعة ذات وزن عند الدول القوية المجاورة .

وما حدث في عام الفيل كان مقياسا لحقيقة هذه القوة حين تتعرض لغزو أجنبي .


 
رد: آية و حكاية




موقع القصة في القرآن الكريم :

وقال تعالى في سورة هود :

{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ،
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ،
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ،
فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ، وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ،
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ،
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ،
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِثَمُودَ
} .



ورد ذكر القصة في مواضع عدة :
فى سور الأعراف - هود - الحجر - النمل - السجدة -إبراهيم - الاسراء -
القمر - براءة -الفرقان - سورة ص - سورة ق - النجم - والفجر - الشعراء ....





في سنة 9 من الهجرة.. كانَ الجيشُ الإسلاميّ بقيادة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم

يُواصلُ زَحفَهُ باتّجاهِ منطقةِ تَبُوك ، وذلك لمواجهةِ حُشودِ الرُّومانِ العسكرية في شَمالِ شِبهِ الجزيرةِ العربية .

كانت الرِّحلةُ شاقّة جداً.. وكان جنودُ الإسلام يَشعُرونَ بالتَّعبِ والظَّمأ .

مِن أجل هذا أمَرَ سيّدُنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم بالتوقّفِ في « وادي القرى » قريباً من منطقةِ تَبُوك .

عَسْكرَ الجيشُ الإسلاميّ قربَ الجِبال ، وكانت هناك منطقةٌ أثريّة وخرائبُ وآبارٌ للمياه .

تساءلَ البعضُ عن هذه الآثار ، فقيل إنها تَعود إلى قبيلةِ ثَمود التي كانت تَقطِنُ في هذا المكان .

نهى سيّدُنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم المسلمينَ عن شربِ مياهِ تلك الآبار ،

دَلّهم على عَينٍ قُربَ الجبال ... وقالَ لهم إنها العَينُ التي كانت ناقةُ صالح تَشرَبُ منها .

حَذّرَ رسولُ الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم جنودَه من دخولِ تلك الآثار

إلاّ للاعتبار من مصيرِ تلك القبييلةِ التي حَلَّت بها اللعنةُ فأصبحت أثراً بَعدَ عَيْن .

فمَن هي قبيلةُ ثَمود ؟

قبيلة مشهورة ، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عاثر بن ارم بن سام بن نوح .

وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك .

وكانوا بعد قوم عاد ، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك .

فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله : صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن ارم بن نوح .

ما هي قصةُ سيّدنا صالح عليه السّلام ؟





القصة :

في تلك الوِديانِ الفسيحةِ التي تُدعى « وادي القرى »

في شَمالِ شبهِ جزيرةِ العرب وفي عصورِ ما قبلَ التاريخ عاشت قبيلةُ ثَمود .

وقبيلةُ ثَمود من القبائل العربية البائدة التي لم يَرِد لها ذِكرٌ في التاريخ الانساني .

سوى ما وَرَد من قصّتهم في القرآن الكريم أو في أحاديث سيّدنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم .

ظَهَرت هذه القبيلةُ بعد أن بادَت قبائلُ عادٍ في وادي الأحقاف .

اشتَغل أهلُها بالزراعة ، يَحفرون الآبارَ ويَحرِثون الحُقول ، ويَنحِتُون بيوتَهم في قلبِ الجبال .

وكانت مَواشيهم ترعى في المُروج بسلام . فازدهرت بساتينُهم ومزارعُهم وأصبحت مُحمّلةً بالثمار .

هكذا كانت تعيش قبيلةُ ثَمود .

وبدلَ أن يَشكُروا الله ويَعبُدوه . طغى الأثرياءُ والمُترَفونَ ،

واتَّجه أفرادُ تلك القبيلةِ إلى عبادةِ الأوثان مِن دُونِ الله .

وفي تلك الفترة عاشَ سيّدنا صالح عليه السّلام . كان إنساناً طيّباً وحكيماً .

وكان الناسُ يُحبّونه كثيراً لِما عُرِف عنه من الخِصال الحَميدة والصفات الحَسَنة .

وكانَ بعضُ أفرادِ القبيلة يفكّرونَ بأنّ صالحاً سيكون له شأنٌ ومنزلة ، وربّما سَيَرأس قبيلةَ ثَمود القويّة .

اللهُ سبحانه اختارَ سيّدَنا صالح ليكونَ رسولاً إلى قبيلتِه ، لينهى الناسَ عن عبادةِ الأوثان ويعبدوا الله وحدَه .

سيّدنا صالح كان يَعرِفُ أنّ عبادةَ الأوثان مُتأصِّلة في قلوبهم ؛ لأنها عبادةُ الآباءِ والأجداد .

وكان يَعرِفُ أنّ زُعَماءَ القبيلةِ أُناسٌ مُفسِدون لا يُحبّون الخير .

وهم يَبطِشون بكلِّ مَن يدعو الناسَ إلى الانصرافِ عن عبادةِ الأصنام .

ولكن سيّدنا صالح عليه السّلام هو نبيُّ الله ورسولُه وهو لا يخاف أحداً غير الله عزّوجلّ .

لهذا أعلَنَ سيّدُنا صالح دعوتَهُ وبَشّر برسالته ، ومِن هُنا بدأ الصراع .

بدأ الخيرُ صراعَهُ ضدَّ الشرّ ، وبدأ النبيُّ المؤمنُ صراعَهُ ضدَّ الأشرارِ الكافرين .

وكان في قبيلةِ ثَمود تِسعةُ رجالٍ أقوياء ، وكانوا جميعاً يُفسِدون في الأرضِ ولا يُصلِحون .

كانوا يَكرَهونَ الخَير ويَميلون إلى الشرّ .



الصخرةُ المقدّسة :


ذاتَ يومٍ .. ذهبَ أفرادُ القبيلةِ إلى صخرةٍ كبيرة في الجبل كانوا يَعبُدونها منذ زمنٍ بعيد .

الأطفالُ كانوا يشاهدونَ آباءهم يعبدونَ تلك الصخرةَ فعَبَدوها مِثلَهُم . وعندما كَبروا ظلّوا يعبدونها أيضاً .

الصخرةُ أصبحت مقدّسةً لدى القبيلة . الناسُ يَذبَحونَ عندها الخِراف .

ويُقدّمون لها القَرابين ، ويَطلبون منها الرزقَ والبركة !!

ورأى صالح عليه السّلام ما يفعلُ قومُه ، فحزَنَ من أجلهم . لهذا ذهبَ إليهم عند الصخرةِ المقدّسة !!

قالَ لهم سيّدُنا صالح : يا قوم ، اعبُدوا الله ، ما لَكُم من إلهٍ غيرِه .

قالَ بعضُهم : كيف نَعبدُه وحدَه ؟!

قال صالح عليه السّلام : لأنّه هو الذي خَلَقَكُم وهو الذي يَرزُقُكم .

قالوا : إن الله بَعيدٌ عنّا ونحن لا نَستطيعُ أن نَسأله . لهذا فنحن نعبدُ بعضَ مخلوقاتهِ الشريفة .

وهو قد فَوّضَها أمرَنا ، فنحن نتقرّبُ إليها حتّى يَرضى عنا .

قالَ صالح عليه السّلام بحزنٍ : يا قوم ،

إنّ الله هو الذي أنشأكُم وهو الذي أرسَلَني إليكُم لِتَعبُدوه وحدَه ولا تُشرِكوا بعبادتهِ أحَداً .

يا قوم ، استغفِروا ربَّكُم ثُمَّ تُوبوا إليه إن ربّي قريبٌ مُجيب .

قالوا : « يا صالحُ قد كُنتَ فينا مَرْجُوّاً » . كنا نأمَلُ أن نُفيدَ مِن عقلِك وحِكمتِك .

وها أنت تأتينا بالأعاجيب . كيف تَدْعونا أن نَترُكَ الآلهة .

كيف تَدْعونا إلى أن نَترُكَ ما كانَ يَعبُدُ آباؤنا وأجدادُنا ؟!

لقد أصبَحنا نَشُكُّ في أمرك . لقد جُنِنتَ يا صالح !!

قالَ صالح عليه السّلام : لقد أرسَلَني الله إليكم لتعبدوه ،

وأنا لا أطلبُ على ذلك أجراً من أحدٍ ولا أعبُدُ أحداً إلاّ الله الذي خَلَقني .

قالوا : إذا كنتَ حقّاً رسولاً مِن الله تَستطَيعُ أن تُخرِجَ لنا مِن قلبِ هذه الصخرةِ الصمّاءِ ناقةً عَشْراء .

قال لهم النبيُّ صالح عليه السّلام : إنّ الله قادرٌ على كل شيء وهو الذي خَلَقنا جميعاً من هذا التراب .

قالوا : إنّا لا نؤمنُ برسالتِك حتى تُخرِج لنا ناقةً من قلبِ هذه الصخرة .

وصاحَ بعضُهم : نعم . وأن تكونَ عَشْراء .

أيْ في بَطنِها حَمل .

قالَ سيّدُنا صالح : سأدعو الله ، فإذا فَعَل ذلك فهل تُوحّدون الله وتؤمنون بأني رسولٌ منه إليكم ؟

قالوا : نعم يا صالح ، فمتى المَوعد ؟

قال لهم صالح عليه السّلام : غداً في هذا المكان .




هذه ناقةُ الله :

معَ أوّلِ خيوطِ الفجر . انطلَقَ صالحٌ صوبَ الجبلِ ، حيث تُوجَدُ الصخرة الكبيرة .

إنّ ما سيفعلُه صالح عليه السّلام ليس أمراً سهلاً !! كيف يُمكن للجبلِ أن يَتمَخَّض عن ناقة ؟!

كيف يُمكن لهذه الصخرةِ الصمّاءِ أن تَتَشقَّقَ فتَخرُجَ منها ناقةٌ عَشراء ؟!

اجتَمَعت قبيلةُ ثَمود بأسرها عند الجبل . كان بعضُهم يُشكِّك ، وكانَ بعضٌ ينظر إلى الجبل ،

وآخرون كانوا يُراقبون ما يفعله صالح من بعيد .

رأوَا صالحاً ينظرُ إلى السماء الزرقاء ، ويُتَمتِمُ بكلماتٍ ، كان ينظر بخشوعٍ وضَراعة ،

وكانوا يَرَون يدَيه تُشيرانِ إلى الجبلِ وإلى قبيلةِ ثمود .

أدركوا أنّ صالحاً يتضرّع إلى ربِّه يطلبُ منه آيةً على صِدقِ رسالته .

كان يطلب شيئاً عجيباً ! يطلب ناقةً عشراء ،

أي مضى على حَملِها عشرةُ أشهُر تَخرُج من قلب الجبل .

سَيطَرت رهبةُ المكان على الجُموع وهي تُراقب صالحاً وتنظر إلى الجبل بصخوره الصمّاء .

جَثا سيّدنا صالح ، ودَمِعَت عَيناهُ وهو يَطلبُ آيةً من ربّه ، فلعلّ قومَه يَهتدون .

يَعودون إلى فِطرتِهم فيعبدون الله وحده .

فجأة نهَضَ صالح ، وأشار بإصبعه إلى نقطةٍ في الجبل .

سَمِع أفراد القبيلة جميعُهم صوتاً مَهيباً . صوتاً يُشبه تَشقُّقَ الصُّخور .

كان الصوتُ قويّاً مُدَوّياً .

تساقَطَت بعضُ الصخور إلى أسفلِ الوادي . ومِن بين الغُبار الخفيف ظهَرَت ناقةٌ جميلةٌ رائعة .

كانت ناقةً عَشراء حقّاً .

الناقةُ كانت وديعةً جدّاً يُحبّها المرء لأوّل نظرة .

سَجَدَ سيّدُنا صالح لله شُكراً وتعظيماً . إنها قدرةُ الله المُطلَقةُ التي تقول للشيء : كن ، فيكون .

طأطأ أفرادُ القبيلةِ رؤوسَهُم إجلالاً ، وسَجَدَ بعضُهم لله .

ها هُم يَرَونَ آيةً عظيمة . أمامَ أعيُنِهم . إنّ ما قاله صالح هو الحقّ . إنّ الله واحدٌ لا شريكَ له .

كانوا قليلين ، ولكنّ إيمانَهم كانَ إيماناً ثابتاً ثباتَ الجبل الذي خَرجَت من قلبه الناقة .

كلُّ أفرادِ القبيلة كانوا يَنظُرونَ بانبهارٍ إلى تلك المعجزة .

أصبَحَت الناقةُ رمَزاً لرسالةِ صالح .

أصبَحَت رمزاً للتوحيدِ في مُقابِل الوَثَنيّة .




الفَصيلُ الصَّغيرُ :

مَرَّت ثلاثةُ أيام وأنجَبَت الناقةُ فَصيلاً جَميلاً محبوباً .

كان يُرافِقُ أُمّه دائماً يَلعَبُ قُربَها في وَداعةٍ ، وكانت أُمّه ترعاه بِحَنان .

أصبَحَت الناقةُ وفَصيلُها الوديعُ رَمزاً للمحبّة والرحمة .

كلمّا شاهَدَها أحدٌ قال : هذه ناقةُ صالح .

ولكنّ سيّدنا صالحاً قالَ لهم : هذه ناقةُ الله . إنّها آيةُ السماء .

وإيّاكم أن تُؤذوها أو تمَسُّوها بِسُوءٍ ، سوف تَحِلُّ بكم لعنةُ الله إذا فَعَلتم ذلك .

وتَمُرّ الأيّامُ والناقةُ تعيشُ في تلك الوديانِ الفسيحةِ . تأكُل من أعشابِ الوادي ،

وتقصد بعضَ العُيونِ فتشرب الماء وتَرتَوي .

كانت تَهَبُ اللبنَ لكلّ النّاس . وكان لَبَنُها طيّباً مُبارَكاً .



الصِّراع :

أصبَحَت قبيلةُ ثمود جَبهتَينِ مُتَصارعتَين .

جبهة الإيمان ، وجبهة الأوثان .

في كلِّ يوم كانَ الكفّارُ يؤذون المؤمنينَ ، يَسخَرونَ من إيمانهم ،

يقولون لهم : هل حَقّاً أنّكم تُؤمنون بأنّ صالحاً رسولٌ من الله ؟!

وكانَ المؤمنونَ يقولون : نعم إنّنا نؤمن برسالتهِ وبما جاء به من عند الله ولا نعبد غير الله .

عندها يقول الكافرون بعناد : إنّنا بما آمنتم به كافرون !

كانوا يُعلنون بصراحةٍ كُفرَهُم برسالةِ الله .

كانوا أثرياءَ أبطَرَتْهُمُ النعمة . كانوا يتَصوّرون أنّهم أقوياء جداً .

وكان أكثرَهُم كُفراً تِسعَةُ رجالٍ قُساةِ القُلوب . ليس في نُفوسِهِم رحمةٌ لأحد .

لا يعرفون شيئاً سوى مَصالحهم . أدركوا أنّ صالحاً سيكونُ خَطَراً على نُفوذِهم . لهذا حَقَدوا عليه .

حَقَدوا على الناقة ؛ لأنها أصبَحَت رمزاً لنبوّة صالح وصدقِ رسالته .





المؤامرة :

ذاتَ ليلةٍ وبعد أن نامَ الناسُ . اجتمَعَ أولئك الرجالُ التسعةُ . راحوا يأكلون الطَّعام بِشَراهَة .

أكلَوا حتى امتلأت بُطونُهم .

ثمّ راحُوا يَشربونَ الخمرَ حتى سَكِروا . أصبَحَت عيونُهم حمراء .

كانوا يَتحدّثون عن شيء واحد ، هو خَطَرُ النبيّ صالح .

تساءلوا : ماذا نفعل ؟ كيف نتخلّصُ من صالح ؟

قالَ أحدُهم : الأفضلُ أن نتخلّص من ناقته .

قالَ آخر : نَعَم، نَقتلُها ، إنها الدَّليلُ على رسالتهِ .وعندما نَقتُلها سيكونُ ضَعيفاً أمامنا .

قالَ ثالث : ونَقتلُه هو الآخر .

وقالَ الرابعُ : ومَن الذي يَقتلُها ؟

الرجلُ الخامسُ قالَ : نَعَم ، مَن الذي يستطيعُ قَتلَها ؟

قالَ الرجلُ السادس : أنا أعرفُ من يُمكِنهُ قَتلُها .

سألَ الرجلُ السابعُ : مَن هو ؟

تساءل الجميعُ : مَن هو ؟

قالَ الرجلُ : إنه قِيدارُ الشَّقيّ .

صاحَ الجميعُ : نَعَم ، قِيدارُ الذي لا يَرحَمُ أحداً .




الجريمة :

بَرقت العيونُ بالغدرِ والجريمة والقتل . وخرجَ أحدُهم ليستدعي قيدارَ الشَّقي .

كانَ الوقتُ بعد مُنتَصفِ الليل . وجاء قيدارُ يحملُ معه سيفَ الغدر .

سَكِرَ قيدارُ واحْمَرّت عَيناه . كان هو الآخر يَحقِدُ على الناقة . إنّها رمزُ الخير وهو يَكره الخير .

كان مخلوقاً شَقيّاً شرّيراً ، والشرّيرُ لا يُحبّ الخير .

وعندما أغرَوهُ بالمالِ نهَضَ لينفّذَ جريمتَه .

قالَ المتآمرونَ : إلى أين يا قيدار ؟

قالَ قيدار : سأقتُلُها الليلة .

قالَ الرجالُ التسعةُ المُفسِدون : كلاّ انتظرْ حتى يطلعَ الفجر .

وعندما تذهبُ الناقة إلى الينبوعِ فإنّك تستطيعُ قَتلَها بسهولة .

طَلَع الفجرُ . وكان قيدارُ الشّقيُّ قد أمضى الليلَ كلّه يسَكر ويُعَربِد .

أصبَح وجهُه مَخيفاً . أصبحَ أكثرَ حُمرةً ، وكانت عُروقُ وجههِ زرقاءَ فأصبح وجهَه مُرعِباً .

لو رآه إنسانٌ في تلك الحالةِ لَعَرف أن قيدار سَيَرتكبُ جريمة !

استَيقظَت الناقةُ ، واستيقَظ فَصيلُها الوديعُ . وانطَلَقا إلى النَّبعِ ليشرَبا الماء .

كان الفصيلُ سعيداً يَمرَح . وكانت الشمسُ قد أشرَقَت قليلاً ، فبَدَت المُروجُ الخُضرُ مَلاعِبَ جميلة .

كان فَصيلُ الناقة يُحبُّ اللعبَ في تلك المُروجِ الخضراء ، وكانت أمّه تأخُذه إلى هناك كلَّ صباح .

ولكنْ ماذا حَدَث ذلك الصباح ؟ لماذا لم يَذهَبِ الفَصيلُ الصغيرُ ليلعب ؟

ماذا يرى ؟!

شَعَر بالخوف . نَعَم ، لقد ظَهَر قيدارُ الشَّقيُّ بوجهِه المُخيف .

ظَهَر فجأةً واعترَضَ طريقَهُما .

كانَ في يَدِه سيفٌآ . أرادت الأُمُّ ان تبتَعد ، ولكن قيدار بادَرَها بضربةٍ غادرة .

هَوَتِ الناقةُ المسكينةُ فوق الأرض .

وعاجَلَها قيدارُ ليطعنها في رَقَبتها . كانت تَنظُر بحزنٍ إلى فَصيلها .

تُريدُ أن تَقول له : أُنْجُ بنفسِك . كانَ الفَصيلُ خائفاً مذعوراً فَرّ باتّجاه الجبل .

جاء الرجالُ التسعةُ وراحوا يَطعنونَ الناقَة بالسكاكين والخناجر .

وراحت الدِّماءُ تَسيل ، تُلوّنُ الأرضَ وتصبغُ الصُّخور .




الطفولة البريئة :

لَم يَكْتَفِ المجرمونَ من قبيلةِ ثمود بما فَعَلوه .كانت أيديهم مُلطَّخةً بدماء الناقةِ البَريئة .

وراحَ الوَثَنيّون يَتخَطّفون لَحمَها مثلَ الذّئاب المُتَوحِّشة .

لَم يَكتفوا بذلك ، وراحوا يُطاردون الفَصيل الصغير . كان ما يزال طفلاً . كان خائفاً مذعوراً .

راح يَتَسلّقُ صُخورَ الجبل .

كانَ يبحثُ عن مَلجأ من هذهِ الوحوِش التي تُطارده . وحوشٌ أشرَسُ من الذئاب .

وقَفَ طفلُ الناقةِ الصغير فوق قِمّةِ الجبل ينظرُ إلى أُمّه التي مَزَّقتها السكاكين ،

وينظر إلى المُجرمين بأيديهم الخناجرُ وهم يَتَسلّقون الجبلَ لقتله .

لم يكن هناكَ من طريقٍ للنجاة . نَظَر إلى السماء وَرَغا . رَغا ثلاثَ مرّاتٍ قبل أن يَطعنَهُ أحدُ الوثنيّين بسكّينٍ حادّة .

وقَع الفصيلُ الصغيرُ فوق الصخور . ونَزَفت دِماؤه لِتصبَغَ الصخورَ بلونٍ أحمرَ رائق .

انهالَ عليهِ المجرمونَ بالسَّكاكينِ الحادّةِ ومَزَّقوه بوحشيّة . حتّى الذئابُ كانت أرحمَ من أولئك القتلةِ الكافرين .




الانتقام الإلهي :

استَيقَظ سيّدنا صالح والمؤمنون على هَوْلِ الجريمة . ومضى صالح والذين آمنوا ليشاهدوا ما حَلّ بناقةِ الله .

لَم يَجِدوا سِوى الدماءِ تُلوّن الأرضَ وقمّةَ الجبل .

ظَهَرت غيومٌ سَوداء في الأُفق . وأصبَحَ الجوُّ مَشحوناً بالخَطَر .

فَرَّت كلُّ الأشياءِ الجميلة . فهؤلاء الأشرارُ لا يُحِبّونَ الخيرَ . قَتَلوا حيواناً وديعاً يَهَبهُم اللَّبنَ كلَّ يوم .

قَتَلوا الناقةَ ؛ لأنها آيةُ الله والدليلُ على صدقِ رسالةِ صالح .

قالَ سيّدنا صالح لهم : تَمَتَّعوا في داركم ثلاثةَ أيّام فقط . لَسَوف يَحِلُّ بِكمُ العذابُ لأنّكم قومٌ ظالمون .

تَكفُرونَ برسالةِ اللهِ وتَقتلونَ ناقةَ اللهِ ولا تُحبّون الخير .

لَم يَعتذر أهلُ ثمود . لم يَتُوبوا بل فَكّروا أيضاً بقتلِ سيّدنا صالح . فكّروا بقتلِ أُسرته أيضاً .

مرّةً أخرى اجتَمعوا وقرّروا أن يُهاجِموا منزلَ صالح ليقتلوه هو الآخر ، وبعدها يُمكِنهُم قَهرُ المؤمنينَ المُستضعَفين .

ولكنْ ماذا حصل ؟

قبلَ أن يُنفّذوا جريمتَهم الأُخرى حَدَث شيءٌ رَهيب . كانَت الغيومُ السوداءُ تَتجمّعُ في السماء .

حَجَبَت النجومَ والقمرَ والكواكبَ ، وغَرَقت الوِديانُ والجبالُ في ظُلمةٍ كثيفة .

وفي منتصفِ تلك الليلة .

إنقَضَّتْ صاعقةٌ سماويّةٌ جبّارة دَمَّرت قبيلةَ ثَمود . فقد استَيقَظَ الظالمونَ على صَيحةٍ مُدوّيةٍ انخَلَعت لها القلوبُ ،

وكانت الصَّواعقُ المُدمِّرةُ تَنقَضُّ على مَضاربِ تلك القبيلةِ المُجرمة فتَهاوَت القصورُ والمنازلُ ، وامتلأت الوِديانُ ناراً .

لَم يَنْجُ أحدٌ سوى سيّدنا صالح والذينَ آمنوا معه .

وهكذا كانت نهايةُ قبيلةِ ثمود . فلَم تُشرِقْ شمسُ اليومِ الرابع من قَتلِ الناقةِ ،

إلاّ على خرائبِ أُولئك الظالمين ، فأصبَحوا في ديارِهم جاثمين .


 

عودة
أعلى