اشعارات

الشباب والعمل التطوعي

الشباب.. والعمل التطوعي

ياسر بن عبدالله السليّم
حين يكبر الصبي، ويخرج إلى المدرسة والشارع، ويبدأ في الاحتكاك مع الآخرين، حتماً سيكتسب أموراً ما، إن خيراً فخير، وإن شراء فشر، وهذه الأمور ستزرع في نفسه ذاتياً، ويبدأ في التأثر بالآخرين ممن حوله، ومع تعدد الصوارف، وكثرة السبل التي تتجاذب شبابنا يمنة ويسرة، تظهر أهمية تكاتف جميع مؤسسات المجتمع لزرع الأخلاق النبيلة، وغرس الشيم الكريمة، والآداب الشرعية، والسنن المرعية، المستمدة من الوحيين المطهرين، حيث إن العقل والنقل يفرضان علينا عدم الوقوف والانتظار وإتاحة الفرصة للأعداء في إفساد شبابنا، أو جعلهم سلبيين - على أقل تقدير - وهذا ما يعود على الوطن والأمة بالضرر، لذا يلزمنا جميعاً التعاون والتكامل مع رعاية بذرة الخير المغروسة في فطر الشباب.
إن من أحوج ما يحتاجه شبابنا اليوم، إشراكهم في تحمل ولو شيء من المسؤولية، وإشعارهم أنهم إن لم يتحملوا المسؤولية وقد بلغوا مبلغ الرجال، فلن يحملوها أبداً - إلا إن يشاء الله - خصوصاً إذا علمنا أن الشاب - أياً كان - لا بد أن يتولد لديه شعور بالقوة، وإحساس بالفتوة، وامتلاك القدرة، وذلك بنص كلام الله تعالى حيث قال عزَّ وجل: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة) "الروم: 54"، وهذا الشعور يدفعه إلى اقتحام أي مجال يفرّغ فيه شعوره هذا، وهو ما قد يجرّه - حال غياب الموجّه - إلى التخبّط والانفلات، وقد يؤدي به إلى ما يضيع عليه شبابه، ويندم عليه بقية عمره.
وإن البعض ليخطئ حين يظن أن العمل للدين، وخدمة المجتمع، والتعاون على البر والتقوى هو من شأن فئة خاصة من المسلمين، بل هو واجب عام على كل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وكذلك فإن هذا الواجب غير مؤقت بوقت، ولا محدد بزمان أو مكان، وإنما هو وظيفة العمر كله، والإنسان المسلم أولى بالكافر من هذا، لأن تعاليم ديننا قد سبقت البشرية كلها في الدعوة إلى العمل وإعانة أبناء المجتمع بعضهم بعضاً على ما يعود بالنفع لدينهم ومجتمعهم.
وإن من ثمار الإخوة الإسلامية أن يتعاون الجميع على فعل الخير، ولهذا لما سئل أبو حمزة الشيباني - رحمه الله - عن الإخوان في الله، من هم؟ قال: (هم العاملون بطاعة الله عزَّ وجل، المتعاونون على أمر الله عزَّ وجل، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم).
ولقد جعل الإسلامُ التبرّم من خدمة المجتمع والناس، مع القدرة على ذلك، سبباً يهدد النعم بالزوال، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جُعلَ من حوائج الناس إليه فتبرّم، فقد عرَّض تلك النعمة للزوال"، رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد.
وقد شهد يوم الأحد الموافق 1428/2/21ه افتتاح المؤتمر السعودي الثاني للتطوع، الذي حمل شعار (العمل التطوعي انتماء ونماء) تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، حيث أكد - حفظه الله - "حرص خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - على الإرتقاء بالعمل التطوعي في كافة مناشطه، وتحفيز أبناء هذا المجتمع على استثمار طاقاتهم وأوقاتهم فيما فيه صالحهم وصالح مجتمعهم والإنسانية جمعاء، انطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف التي تحث على بذل المعروف وإغاثة الملهوف، وتبارك العمل التطوعي الذي يعد خلقاً إسلامياً رفيعاً ينبع من عاطفة إنسانية نبيلة".
ولا زال ولاة أمرنا - وفقهم الله - يعطون أبناءهم الشباب أمثلة حيّة على العمل التطوعي، فتارة ينقذون المنكوبين، وتارة يرعون الأرامل والأيتام، وتارة يقفون مع أسر السجناء ورجال الأمن الشهداء، ويزورون المرضى والأسر الفقيرة.. وحكومتنا المباركة مع هذا كله، لا تزال توفر لأبنائها الشباب مجالات شتى للعمل وخدمة الوطن، لا يمكن حصرها.
وإن على الشباب جميعاً أن يجعلوا نصب أعينهم ما قاله سماحة مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ - حفظه الله - في افتتاح المؤتمر المشار إليه، حيث قال: (من أفضل أنواع التطوع أن يحمي المسلم دينه وأمنه وقيادته وبلاده من كل من يريدها بسوء)، وقد أكد سماحته على الثقة في ابناء الوطن، وأنهم على وعي تام من كيد الكائدين ومؤامرات الحاقدين.
وفق الله شباب المسلمين وشيبهم للتبصر في أمور دينهم، ومعرفة النافع لهم في حالهم ومآلهم، والعمل على نفع وطنهم وأمتهم، والبعد عمّا يضرهم ويفني أموالهم وأبدانهم.. إنه سميع مجيب.
 

عودة
أعلى