ضبط إيقاع العلاقات الإنسانية1

سمو النفس

عضو جديد
العلاقات بين البشر هي أحد أهم عوامل السعادة في حالة صحتها وتناغمها، وهي أيضا أحد عوامل الشقاء في حالة اضطرابها وتعثرها، وهي تشكل أحد الاهتمامات الرئيسية الثلاث عند الناس (الإنجاز، العلاقات، القيم )، كما أن هناك قوانين عديدة تحكم العلاقات الإنسانية، ولكن يمكن إيجازها للتبسيط في قانونين أساسيين هما: قانون الحب وقانون الصراع​



محاور العلاقات:

1 – المحور الداخلي (العلاقة بالنفس): فمن عرف نفسه وفهمها وأحبها وأحسن التعامل معها وإدارة جوانبها ومستوياتها وصراعاتها كان أقدر على فعل ذلك مع غيره، ومن فشل في ذلك فقدرته على معرفة الآخرين وحبهم وإدارة العلاقة معهم مشكوك فيها. ومعرفة النفس محفوفة بمخاطر كثيرة منها التحيز مع النفس بتضخيمها أكثر من اللازم والدوران حولها عشقا وهياما، أو بتحقيرها وسحقها وتسليم قيادها لآخر أو آخرين.​


2 – المحور الأفقي (العلاقة بالناس): وهي علاقة ضرورية ونسبية، أما عن ضرورتها فلأن الإنسان كائن يعيش في وسط اجتماعي ولا غنى له إطلاقا عن علاقات مع هذا الوسط تضمن له تدبير معيشته وتحقيق احتياجاته النفسية والاجتماعية، وأما عن نسبيتها فهي تعني أن الناس متفاوتون في درجة تفاعلهم مع الوسط الاجتماعي كما وكيف، وهذا يعتمد على طبيعة الشخصية (انطواءا وانبساطا) وعلى درجة الاحتياج للآخرين ومدى العائد المتلقى من العلاقة بالآخر. والعلاقة بالناس على الرغم من أهميتها وإشباعها لاحتياجات إنسانية كثيرة إلا أنها محفوفة بمخاطر الغيرة والمنافسة والحقد والحسد من ناحية ومخاطر الحب الجارف والافتتان والاعتماد والابتلاع من ناحية أخرى، ولهذا تحتاج تلك العلاقات لضبط وتهذيب حتى لا تنجرف إلى دوائر الصراع المدمر أو دوائر الحب الخانق.​


3 – المحور الرأسي (العلاقة بالله): تلك العلاقة التي تؤثر في سائر علاقات الإنسان فضلا عن كونها في حد ذاتها علاقة شديدة الأهمية، فالإنسان مخلوق ويحتاج في كل لحظة لخالقه فهو يتعلق به حبا واحتياجا ورغبة ورهبة. والإنسان حين يعي ويستوعب صفات الجمال وصفات الجلال في الذات الإلهية تتوازن مكونات ذاته وتنتظم علاقاته بنفسه وبالآخرين فهو وإياهم مخلوقات لإله واحد وقد كرمهم الله على سائر خلقه واختصهم بأمانة التكليف بعد أن أعطاهم حرية الاختيار ونظم حياتهم بأديان متتالية ترسم حدود العلاقات وتهذب الأخلاق وتردع دوافع الطغيان وتنمي نزعات الخير والحب والسلام. والعلاقة بالله على الرغم من عظمتها وقدسيتها إلا أنها لا تسلم من التحريف أو الغلو بناءا على تصور الإنسان للإله وبناءا على المنهج الذي وصل الإنسان وهل هو صادر عن الله بالكلية أو منسوب إليه وموضوع بواسطة البشر وملبيا لأهوائهم. وكم من نزاعات وحروب قامت بين البشر باسم الإله وهي في الحقيقة مدفوعة بأهواء البشر وأطماعهم.​



قوانين تحكم العلاقات:

ثمة قوانين عديدة تحكم العلاقات الإنسانية، ولكن يمكن إيجازها للتبسيط في قانونين أساسيين هما:​

1 – قانون الحب: وهو أول قانون في العلاقات نشأ حين أحب آدم حواء وأحبته ومازال هذا الحب يسري في ذريتهما ويجمع المحبين لتعمر بهم الحياة وتنمو وتتطور. وقانون الحب يكتسبه الإنسان في مراحل نموه الأولى حين تحوطه الأم بالرعاية وتلبي احتياجاته فينشأ لديه إحساس بأن الحياة آمنة وأن الآخرين يوثق بهم وبعطائهم وأنهم يستحقون منه المشاعر الطيبة.​


2 – قانون الصراع: وقد ظهر متأخرا بعد قانون الحب، وتجسد في أوضح صوره فيما نشأ بين قابيل وهابيل من مشاعر غيرة وحسد وتنافس انتهت بأن قتل قابيل أخاه هابيل، واستمر ذلك القانون يعمل بين البشر ويصدر عنه النزاعات والخلافات والحروب في كل زمان ومكان. وقانون الصراع يتولد عند الإنسان إذا نشأ في بيئة مهددة لا تعطيه احتياجاته الأساسية لذلك ينمو لديه الإحساس بأن الحياة غير آمنة وأن الآخرين لا يوثق بهم وأن عليه أن يأخذ حقه بذراعه عنوة وأن يتصارع طول الوقت مع الآخرين الذين يحاولون –في نظره– أن يسلبوه ذلك الحق.​


ومن حكمة الله ورحمته أن قانون الحب نشأ قبل قانون الصراع، وأنه يظل أقوى وأكثر امتدادا وتغلغلا منه، والدليل على ذلك استمرار الحياة على الأرض وتطورها ونموها على الرغم من الخلافات والصراعات والحروب.​




وهناك توازن بين القانونين يسمح باستمرار الحياة والتفاعل بين الناس، ولكل من هذين القانونين وظيفة يؤديها لا غنى للناس عنها فقانون الحب يكمن وراء كل المشاعر الجميلة بين البشر ويكمن وراء كل عوامل البناء في الحياة، وقانون الصراع يربض وراء المنافسة والمغالبة وتطوير أدوات الحياة وتسخين درجات التفاعل بين البشر وتنشيط الحواس والعقل للعمل وتنقية الأرض مما يلحق بها من فساد (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض). فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بأحد القانونين منفردا، ولكن صحة الحياة وصحة العلاقات تتوقف على مدى نسبية ومساحة كل من القانونين في النفس البشرية، ومتى يعمل كل قانون منها وفي أي الظروف يعمل وفي أيها يتوقف، وما هي ضوابط العمل والتوقف لكل قانون.​

أ.د محمد المهدي
 
رد: ضبط إيقاع العلاقات الإنسانية1

طرح مميز
الله يعطيك العافيه اخي مقادير الايام
تقبل احترامي وتقديري




 
رد: ضبط إيقاع العلاقات الإنسانية1

استمتعت به كثيراً
شكرا لك اخي الكريم
ربي يحمييك
 
رد: ضبط إيقاع العلاقات الإنسانية1

ملاك , معاند , اراجيز

مشكورين على مروركم

تحياتي لكم
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 5)

عودة
أعلى