أدبـيـــــــات اللقـــــاء ( مرطـبـات العـلاقـات )

الراقي

عضو مشارك
مرطبات العلاقات
الشيخ الدكتور : عبدالعزيز بن عبدالله الأحمد


1378_01308816523.jpg












1378_01308816523.jpg




الناس يحتاج بعضهم إلى بعض
وهذه سنة إجتماعية فطر الله الإنسان عليها ..
ولذا قالوا" الإنسان مدني بطبعه"
فهو يحب أبناء جنسه ومجالستهم ومؤانستهم

لكن

قد تنفصم هذه العلاقة
بل ربما تتحول إلى كره شديد..وانقطاع دائم ..
وذلك يرجع للتقصير في حفظ أسباب العلاقات الجيدة
والتواصل الحسن ..



وإن لدوام الألفة
وحسن المعاشرة واستمرار المحبة
عدة أمور


سأركز في هذه القاعدة على إثنين منها
بما يصدق أن تطلق عليه
"أدبيات اللقاء _ والمواقف المحرجة ".




أولاً. أدبيات اللقاء :



إن من السلوك الظاهر اللقاء المتكرر بين الناس
فلا يمر عدد من الساعات في اليوم
إلا وقد رأيت أخاً أوأباً أوصديقاً .. إلخ

ومن ثم تزداد المحبة في القلوب
أو
يحل الكره مكانها


ولو تأملنا اللقاءات بين المتلاقين
لوجدنا البرودة فيها وترداد كلام رتيب مثل
" كيف الحال..عساكم طيبين .." مرات عديدة

إضافة لذلك فالبعض يبخل حتى
بالبسمة ..والسلام !


وكم شكى البعض من هذا التعامل الجاف
لاسيما إن كان بين قريبين جداً
كالزوجين والوالدين وأبناءهما .


ولعلي باختصار أبرز بعض أدبيات اللقاء
التي ترطب هذه العلاقة
وتضفي عليها نَفَساً من البِشر والقرب :


أ‌- السلام .. وهو أدب شرعي
وبداية الترطيب العلاقاتي وهو إيذان بالسلامة
وإشعار بالأمن ودعاء بالحفظ
وما أجمل أن يكون السلام كاملاً تاماً

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ويكون الجواب عليه مثل بدايته
ومثل مايطلب السلام في البداية
فهو مهم في إنتهاء ومفارقة المجلس

ب - الإبتسام .. فالبعض ما إن تراه حتى تحس بأنه
يعيش مشكلة كبيرة أو أنه يمر بوضع نفسي صعب .

وهذا الشعور ينطبع في نفسك
حينما ترى مثل هذا الجفاف والجفاء
من غياب البسمة وإشراقة الثغر وتهلل الوجه

لقد سمعت البعض يقول :

أنا لاأطلب من ذلك الشخص مالاً !
وإنما أكره تقطيب جبينه
والصفحة الحزينة التي تتراء لي كلما رأيته .

وأقــــــــول :
إن من ترطيب العلاقات
إظهار البسمة وتهلل الوجه حين اللقاء ففيه أجر كبير
وهو نوع من الصدقة

قال صلى الله عليه وسلم" وتبسمك في وجه أخيك صدقة "
رواه الترمذي وابن حبان

وهو نوع من التفاعل الجميل
والتمازج بين النفوس لايكلف الإنسان مالاً أو جهداً
وإنما شيء من الحضور والإنتباه .


ج - حسن الكلام .. وهذا أمر مهم أثناء اللقاء
ولخطورته .. وأهميته
أمر الله به في مواضع من كتابه " وقولوا للناس حسناً "
" وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن .."


ولعلي أذكر
معالم لحسن الكلام منها :

1- أن يكون الكلام قصداً لاكثيراً
ومفيد لامردداً

ومعنى ذلك
أنك ترى المتلاقين يرددان لكلمات كثيرة منها

كيف الحال وعساكم طيبين
أكثر من أربع أو ست مرات
مع أنه تم الجواب عليه !

والأولى
الإنتقال منها لأمور أخرى
إستفادة للوقت .


2- حسن الإنصات أثناء الكلام ..

فالبعض يتكلم مع و صاحبه يتكلم أيضاً
فكلاهما يقولان :
كيف الحال .. فمن الذي يجيب ؟؟

ويستحسن هنا
التمهل وأخذ النفس ولو شيئاً قليلاً

ويلحق بحسن الإنصات
النظر للمتكلم وعدم الإنصراف عنه
يمنة ويسرة وعدم مقاطعته حتى ينتهي ..

واهتمامك بحديثه كأنك تسمعه لأول مرة
حتى لو سمعته أكثر من مرة سابقاً

وما أجمل البيت الذي يقول :

وتراه يصغــــــــــــي للحديث
بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به .


3- من الجيد وضع عقود
لتسلسل اللقاء الكـــــــــلامي بين المتلاقين

فالسلام
بعده السؤال المفيد ..
والجواب المناسب منك

ثم الحرص على عدم تضييع الوقت بأمور غير مفيدة
ثم محاولة إكرامه بوليمة أو قهوة سريعة

والبعد قدر المستطاع عن إحراج الآخرين
بكثرة الأسئلة أو الدخول للخصوصيات
أو الضغط للموافقة على موعد معين
وإن وافق من الأول عدم الكلفة أو المبالغة ..



هذه الأمور تضفي لطفاً وأنساً وراحة ً
حين اللقاء وإبعاداً للجفاء والجفاء أثناء اللقاء

لكن ماالحيلة إن ساءت المعاملة
أو وقع خطأ من مقابلي أو قصر في حقي
ومن ثم تحركت دمائي ولربما قلت قولة
أو فعلت حركة ذهبت بعلاقاتي
أو دمرت صِلاتي حينئذ لابد من استحضار …

ثانياً." أدبيات الغضب ..
أو المواقف المحرجة " :




1-
تصور بل واعتقد ..
أنه كما يُخطئ عليك فأنت تخطيء على غيرك



فلا تتوقع من الناس دائماً التقدير والإحترام
وتعرفة حقوقك

ولاتتوقع أنه كلما طلبتهم أجابوك وسألتهم أعطوك

وكم رأيت بعض الأخوة
متذمراً من الناس كل الناس !
وبأنهم لايهموك .. وبأنهم أنانيون ..
فسألته : لماذا ؟

قال :
هم قريبون منك لكن إذا احتجتهم
لم تلق أمامك أحداً

وهذا واقعي وحقيقي
والأول قال

وما أكثر الأصحاب حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل




لكن يزيد الأسى في قلبك ..
أنك تتوقع أنهم سيلبون طلبك أو سيقضون حاجتك ..

والأولـــــــــــى
وأنت ذاهب إليهم أن تقنع نفسك
بأنهم في الأغلب لن يحققوا ذلك .




2- الحلم والأناة..
في المواقف الآنية عود نفسك الهدؤ والتمهل
وعدم الاستعجال
وكم هي خصلة جميلة وصفة حميدة .


الهدوء..
وحبس الناس عن الإنفجار وانتفاخ الأوداج
والذي يدخل كله تحت الغضب والإسترسال مع مراحله
والتي هي وقود لإشعال عشرات من الأمراض النفسية
والتي تبرز في صورة أمراض جسمية
والتي يطلق عليها علمياً "النفسجسمية" أو" السيكوسومانية "
كالقرحة المعدية والقولون العصبي ، والسكر والجلطات
وانخفاض الضغط وارتفاعه والصداع وآلام الرأس ..إلخ


وقد ذكر المعالجون والمتخصصون
أن أهم علاج لتلك الأمراض هو عدم الغضب والبعد عن أسبابه
وتعود الهدوء ..وأخذ الأمور بسعة ..وتخفيف الضغوط ..

ولعلي أبسط ذلك
بعدة نقاط عملية :

أ- حاول البعد عن مسببات الغضب
وإلزام النفس بالهدوء
حين تشتد أمواج الانتقام ممن أخطأ عليك

وهذا دليل عقل وقوة نفس

ولقد ورد في القرآن والسنة
ترغيب وتأكيد على ذلك

أما التباعد عن الغضب وأسبابه
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال
للنبي صلى الله عليه وسلم :أوصني
قال : "لاتغــــــــــــــــــــــــضب "
فردد مراراً قال لاتغــــــــــــــــــــضب "
رواه البخاري والترمذي وأحمد

وقال تعالى :
" وإذا ماغضبوا هم يغفرون " الشورى 37 .



ويكون تطبيق تقليل آثار الغضب السلبية
بكف اليد واللسان قدر المستطاع
عن الانطلاق بلا رابط


قال ميمون بن مهران :

جاء رجل إلى سلمان فقال :
ياأبا عبد الله أوصني قال : لاتغضب

قال أمرتني أن لاأغضب وإنه ليغشاني مالا أملك!!

قال :
فإن غضبت فاملك لسانك ويدك
رواه ابن أبي الدنيا .

وأما دليل قوة النفس
لمن نهاها عن الاستجابة لتداعيات الغضب


ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" ماتعدون الصرعة فيكم ؟
قلنا الذي لاتصرعه الرجال
قال: ليس ذلك
ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب ".


ب - تمرين النفس على جالبات الهدوء
ومحسنات الأخلاق ..

وهي آلياً وسائل تطبع النفس بالسماحة
والجود والتواضع والاحتمال
وكف الأذى والصفح والعفو والطلاقة والبشر ..

فإن النفس كما يقول ابن رجب (1-364 )
إذا تخلقت بهذه الأخلاق
صارت لها عادة أوجب لها ذلك
دفع الغضب عند حصول أسبابه .


وكتطبيق عملي لهذا الأسلوب

أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يشكو خادمه : إن لي خادماً يسيء ويظلم أفأضربه ؟
قال : " تعفوا عنه كل يوم سبعين مرة "

رواه أحمد وصحح إسناده أحمد شاكر

إنها صورة تذهب بالإنسان إلى التحمل
والعفو اليومي عشرات المرات
لترفع النفس عن الإنتقام
وحب التشفي ممن حولك ..


ج - ممارسة بعض الآليات
والأساليب المغيرة أو المبردة لحرارة الغضب
وفوران القلب
من الإستعاذة أو السكوت أو تغيير الجلسة
أو الوضوء أو الاغتسال أو مفارقة المجلس .

فأما الأول
ففي الصحيحين عن سليمان بن صُرَد قال :
استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم
ونحن عنده جلوس
وأحدهما يسبُ صاحبه مغضباً قد احمر وجهه

فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مايجد :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".



وأما تغيير الجلسة
فعن أبي ذر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه قال :" إذا غضب أحدكم
وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع "


وأما مس الماء أو الوضوء
فعن عروة بن محمد السعدي أنه كلمه رجل فأغضبه
فقام فتوضأ ثم قال :
حدثني أبي عن جدي عطية قال :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار
وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ "
رواه أحمد وأبوداود وحسن إسناده الأرناؤوط .



وعلى كلٍ ..
ما مضى ذكره لبعض جالبات الهدوء
وطاردات الإحتراق ومبردات الفوران الداخلي


د - ثم يأتي مقام عظيم وخلق رفيع
يعلو عن مجرد الكظم والتحمل والحلم
إلى مقام العفو والصفح

ثم يسمو حتى يصل إلى
مرتبة الإحسان ومقابلة السيئة بالحسنة ..


وما أجمل وأحلى هذا المقام العظيم
يقول تعالى : " إدفع بالتي هي أحسن
فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"( فصلت 34 )


يقول ابن عباس رضي الله عنه
في تفسير الآية " إدفع بحلمك
جهل من يجهل عليك " .
القرطبي (15-361 )

وقال في موضع آخر : " أمر الله المسلمين
بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل
والعفو عند الإساءة
فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان
وخضع لهم عدوهم كأنه وليٌ حميم "
فتح القدير (4-517).



ولو كان كل واحد منا سيقابل أخاه بكل شدة
لتخلى الناس عن خصال الخير ولتباعدوا كثيراً ..

وقد جاء صحابي يشكو قائلاً :
يارسول الله إن لي ذوي رحم
أصل ويقطعون وأعفوا ويظلمون وأحسن ويسيئون
أفأكافئهم ؟

قال " لا
إذاً تتركون جميعاً
ولكن خذ بالفضل وصلهم
فإنه لن يزال معك من الله ظهير ماكنت على ذلك "
رواه أحمد بهذا اللفظ وصحح إسناده أحمد شاكر .


وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم
"الرجل أمر به فلا يقريني
ولايضيفني فيمر بي أفأجزيه ؟

قال : "لا .. أقـره "
رواه الترمذي وصحح إسناده الألباني


وإن كل ما مر من الأدبيات والأخلاقيات
لهي من الأمور المهمة للناس


تعطي الحياة ليونة وترطيباً
والنفوس استقامة وتهذيباً
واللقاءات محبة وترحيباً


وقد يهب الله بعض عباده
تلك فطرة وخلقة
وهذه من أعظم النعم ..

إلاأن معظم الناس ليست متوافرة لديهم !

فيحتاجون إلى
الرياضة النفسية والمجاهدة القلبية والتمرين عليها
وملاحظة السلوك أثناء الممارسة الحياتية
والأمر يحتاج حزماً وإرادة ..



[glint]
كما أن هذه الأدبيات والأخلاقيات
اللقائية والغضبية
يحتاج إليها في الحياة خاصة
حينما تختلف وجهات النظر
ويستهان بالعرض والحرمات
وتنطلق الألسن بلا ضابط أو رابط..


[/glint]


فإن كان الإنسان مشتملاً بالأدبيات
ومزاولاً لها وُفق إلى شيء كثير من الراحة والطمأنينة
والحفظ وصون النفس عن الترهات وتكاثر الأخطاء ..

وإن تكن الأخرى
فخذ من الضيق والنكد
وانطلاق الألقاب السيئة وبروز التحقير
والتصغير وقلة التوفيق ..



فهلم إلى
ترطيب علاقاتنا وترويح نفوسنا
وجمع قلوبنا بالبسمة والسلام وحسن الكلام
والحلم وكف الأذى والعفو

ولتكن أيدينا عالية ندية معطية
لاسافلة جافة
فاليد العليا خير من اليد السفلى ..



[glint]
اللهم
كما حسنت خَلقنا فحسّن خُلقنا

[/glint]


1378_01308816523.jpg


إنتهى النقل
بفضل الله







 
رد: أدبـيـــــــات اللقـــــاء ( مرطـبـات العـلاقـات )

ادبيات رائعه

نحتاجها جدـآ في حياتنا اليوميه

....

فعلا نجد هناك فتور كبير ...

في مجتمعنا سواء بين الاباء او الاصدقاء او الاهل
 
رد: أدبـيـــــــات اللقـــــاء ( مرطـبـات العـلاقـات )

طرح قيم يعطيك العافيه
 
رد: أدبـيـــــــات اللقـــــاء ( مرطـبـات العـلاقـات )

حياك ربي
فجر جدة

اهلا بك أختي

مجتمعنا جاف جدا
لا أدري أبسبب الطقس
أم أنه مانشأ عليه و تطبع و طبع فيه
من جلافة و جفاء

أصلح ربي الحال
ممتن و مقدر طيب الإطلالة
 
رد: أدبـيـــــــات اللقـــــاء ( مرطـبـات العـلاقـات )

موضوع مهم جدآ بالحياة اليومية
وادبيات رائعة وراقية كرقيك
استاذي الراقي
التعامل مع الاخرين لابد ان يكون
اساسه الاحترام والاخلاق الطيبة
فطريقة تعامل الإنسان تكشف عن سر شخصيته
وبها ستكون محبوب او منبوذ!
شكري وتقديري لك؛؛​
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 4)

عودة
أعلى