ذوي الاحتياجات السمعية واللفظية والبصرية يحلمون؟

هل ذوي الاحتياجات السمعية واللفظية والبصرية يحلمون؟
د. رافد علاء الخزاعي - 2012-08-20



سؤالل طرحه علي احد الأصدقاء الأفاضل وهو شاعر ومثقف وسليل عائلة دينية وأدبية وعلمية وكريمة تربى على نهرين وعلى محافظتين تزخر بالعباقرة وفحول الشعراء بعد إن ابتداء بالتهنئة بالعيد السعيد جعله الله عليكم عيد مسرات وغفران للذنوب وحفظكم الرحمن من كل سؤ وبصحة وعافية وامن وازدهار وتمكين إلى بلوغكم رمضان العام المقبل طرح علي السؤال دكتور بما إني اعتبرك فيلسوفا وطبيبا ومتابعا أريدك إن تجبني على معضلة شغلت مجلسنا العامر ليلة أمس حتى الفجر بعد اختلاف الأمة في تحديد ليلة العيد وحسب مرجعيات الشرقية والعراقية والعهد والبغدادية والفيحاء وبغداد والسؤال المطروح إذا اخرس حلم حلما وأراد إن يقصص حلمه أو روياه على اعمي كيف يكون الحال فقلت يا أخي الفاضل هل حلت كل معضلاتكم حتى بقت تلكم المسالة تشغل بالكم وتأخذ منكم أمسية ليلة كاملة حتى صياح الديك وإثارة لمواضيع في غاية الحساسية ، لكن للأسف الشديد فإن العميان والطرشان والخرسان في بلادنا كثيرون ، وكم كان الشاعر محقاً حين قال أخي الكريم :
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي وهل يا أخي الفاضل تريدون مصادرة حق ذوي الاحتياجات السمعية واللفظية والنطقية والبصرية من حقهم بالحلم, كم أثرت في نفسي من لواعج الألم والحسرة، وهل ألان الأمة بكامل قوتها السمعية والنطقية والبصرية, ( الربيع العربي) آتى أكله, وأينعت ثماره, وحان قطافها, والشعب العربي في بلاد الربيع أصحابها. يا أخي ما اسه لان يحلم ذو الاحتياج النطقي(الأخرس) وان ينقل حلمه عبر مترجم إشارات إلى ذو الاحتياج البصري (الأعمى) ولكن ليس هذه المشكلة .
إن مشكلتنا الحقيقة والأساسية في وسائل التشويش, في الفضائيات المدفوعة الثمن من قبل الامبريالية والصهيونية و الماسونية العالمية بثمن نفطنا وغازنا وثرواتنا لإطالة غفوة الأمة وجعل الأمة طرشاء خرساء عمياء ومشكلتنا في المنابر التي وفرتها وسائل الاتصال الحديث تلكم المنابر التي تمارس الدجل, التي تزرع الفرقة والجهل في الأمة في سب هذا وسب ذاك وكلهم لا يحملون من معاني هذا وذاك لكي تعيش الأمة دوامة الكراهية والبغضاء وتيار الدم الداخلي في استنزاف طاقتها تغيب بصيرة الأمة عن عدوها الحقيقي فتحول الأسود أبيض، والأبيض أسود، ولا تنس القوى الظلامية، التي تفعل فعلتها في أذية الأجيال وتسميم أفكارهم في قضايا بالية عفا عنها الزمن وولى ، وتغييبهم عن المشهد الحقيقي للصورة الصحيحة.
هناك قوم من قومنا، لا يفهمون إلا بلغة القوم، ولا ينطقون بغير الغيرة على القوم، وحولوا القوم إلى أقوام، والقوم إلى نوم، والنوم قوم، والقوم نوم، ولا نرى منهم صحوة إلا على المنابر التي تثير الدجل والكراهية والبغضاء والابتعاد عن الهدف الحقيقي للدين والفضيلة في تنشئة الجيل واستنهاض عزائمه، فهم قوم المنابر، ويريدون أن يكونوا منابر القوم، ومشكلتهم أنهم نوم، فأنى لنائم أن يوقظ النائمين أو يفتح البصيرة للغافلين.
هم الوجه الآخر للحاكم المستبد، وهم الذين روجوا التصفيق له، وهم الذين علموا الأجيال لغة التفاعل مع الشعارات الجوفاء, وهم من دائماً يغرد خارج السرب، وهم الذين عودوا الأمة على تحويل الهزائم إلى انتصارات، والنكسات إلى نجاحات، وهي عبارة عن مسكنات، لأمراض مؤلمات موجعات.
أنهم وعاظ السلاطين يعودون من جديد بثوب جديد وهدف أحقر وهو نشر الفرقة بين الأمة من اجل البقاء في غيبوبتها الكبرى اية ديمقراطية يتكلمون عنها وأية حقوق إنسان وأية تنمية والسجون أكثر وأكثر والاهانة الإنسانية أكثر من قبل يريدون باسم الديمقراطية العفؤ عن القتلة والمزورين وسارقي قوت الشعب ,إن حلم ذوي الاحتياجات السمعية والنطقية والبصرية هو كحلم الآخرين حلم بوطن وبيت وزوجة وحبيبة وأطفال يتوفر لهم العيش الرغيد والعلاج المجاني المتاح والتعليم انه حلم بالعدالة الاجتماعية والاندماج مع المجتمع ليكونوا منتجين وفاعلين في المجتمع فهذا بتهوفن إلف أروع سيمفونياته الموسيقية الخالدة وهو أصم وهذا طه حسين قاد عملية التعليم في مصر وهو بصير .
الإنسانُ كائنٌ ناطقٌ، يعيش بالأصوات، يستلذ بالكلام ويطرب للسَّماع. ولكنْ ماذا نقول عن والخرسان الذين يأتون إلى الدنيا بلا حاسّة اللذّة أيْ حاسّة السَّمْع، وأيّة صلةٍ للخرسان مع العالم؟ تعبر الأصواتُ آذانَهم وهم غيرُ آبهين. إن بركة الحواسّ لديهم ليستْ كاملة. ولكنْ هل يمنعهم ذلك من أنْ يعيشوا كأيّ سويّ؟
الإنسان كما حدّده أهل الفكر والمنطق إنسان يحكي، يستعمل لسانه لغير الأغراض البيولوجية. وارتبط اللسان بخلاف سائر الأعضاء النطقيّة باللغة ارتباطا متينا إلى حد انه أضحى مرادفا دلاليا لمفردة اللغة.
حتى قيل إن فلانا ذا لسان سليط كالسيف ينبع منه الحق كشلال هادر والأخرس لا يملك من اللسان غير شكله اللحميّ دون جوهره الكلاميّ ومع هذا يحكي، فلسان أداة وان مركز النطق واللغة في الدماغ يستعين بأشيائه الأخرى لينطق. يستعمل لغة أخرى، لا تفرق عن مألوف اللغات إلاّ من حيث النبرات. اللغة العاديّة مقرّها السَّمْع، ولغة الصمّ _البكم مقرّها النظر. لغة لها معاجمها، نحوها، صرفها، وأسلوبها الإيمائيّ المميّز. تصوغ الشعر، تعرف المجرّد، وتتمتّع بوصف الأشياء، ولها أبجديّتها الخاصة بها. أبجديّة شبيهة بالهيروغليفيّة، (النقش المقدس) قائمة على التصوير والرسم، هي أبجديّة تستغرق الجسد.
كلّ إنسان كائن لغويّ، يعبّر عن الأشياء الخفيّة في نفسه حتّى الأخرس. ترى الواحد منهم يحكي بمهارة، وسلاسة، ضليعاً في لغته، لا يتأتى ولا يفافىء. ينداح الكلام على أصابعهم اندياح السَّيْل، دفّاقاً، رقراقاً. قد تدخل مقهى من مقاهي بغداد أو اربيل أو باريس أو غيرها من مدن الشرق والغرب فترى مجموعة من الخرسان يدردشون، يحكون النوادر والقصص والحكايات ويقهقهون، يتناولون بأصابعهم قضايا الساعة وهموم النفس. يلعبون بالكلام كما الشعراء، ينقلونه من يد إلى أخرى. يعيشون مجازاً رائعاً يهربون به من واقع أَخْرَسَ منهم الألسنةَ، وأصمّ الآذان.
ولنْ تستغربَ عاشقاً أخرسَ يفصح لحبيبته الخرساء في ركن رومانسيّ من مقهى، أو على ضفاف نهر دجلة بغداد او على ضفاف الفرات في النجف، عن حبّه وأحلامه. الإفصاح بالأصابع وتعابير الوجه, وهمهمت العيون، إنّهم يمارسون ما يمارسه كلّ ناطق. العميان في هذا الزمن يقرأون الكتاب بلمسات الأصابع،ويحكى إن دخل يزيد بن منصور الحميري، مجلس الخليفة المهدي وبين يديه الشاعر بشار بن برد ينشده قصيدة يمدحه بها،فلما أتمها أعجب بها المهدي ،وكان يزيد الحميري متغافلا فقال لبشار :
ما صناعتك أيها الشيخ ؟
فأطرق بشار وقال له : أثقب اللؤلؤ وأنظمه
فقال له المهدي : أتهزأ بحالي ؟
فقال: يا أمير المؤمنين ما يكون جوابي له وهو يراني شيخا أعمى ينشد شعرا
فضحك المهدي حتى غشي وأجازه. والخرسان في هذا الزمن يحكون بأصابعهم، ولكنّهم يعيشون في دنيا غير دنياك. حياتهم هدوء، سكينة، صمت مرهف وجارح كحدّ الشفرة، في وسط عالم ضاجّ وصاخب. هم في قلب الصخب، وفي الوقت نفسه، بمنأى عن آلامه. عالمٌ آخرُ، ليس لهم، وليسوا منه, فاصل صفيق غير مرئيّ يجعلهم يعيشون حياة تبهر المبصرين والناطقين.
تتحسّسُ حواسّك الخمس. تجدها كاملةً غير منقوصة، وافرة الصحة، تسمع، تحكي، تشمّ، ترى، تلمس، تذوق، فتشفق على هؤلاء الغرباء وكأنهم آتون من كوكب آخر أو من زمن البدايات الإنسانيّة، وقد تضحك، فالأخرس إلى زمن غير بعيد بل والى الآن يثير في النفس للأسف عند البعض الضحك. بل انّ معلّم العقل أرسطو زلّ عقله حين اعتبرهم أغبياء هذا العالم. والأخرس لا هو بالأعمى ولا هو بالمجنون. الأعمى يبقى رغم عاهته متواصلاً باللغة مع محيطه. ليس محتاجاً إلى ترجمان يسمّي الأشياء بأسمائها ويحكى إن قال بعضهم: خرجت ليلة من قرية لبعض شأني، فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وبيده سراج،فلم يزل حتى انتهى إلى النهر، وملأ جرته وعاد. قال: فقلت له: يا هذا، أنت أعمى، والليل والنهار عندك سواه، فما تصنع بالسراج؟
قال: يا كثير الفضول، حملته لأعمى القلب مثلك، يستضيء به لئلا يعثر في الظلمة، فيقع علي ويكسر جرتي. وهكذا هو الأعمى سريع البصيرة والفطنة وليس بمجنون . والمجنون يحميه غموضه والخوف منه. أمّا الأخرس فهو عند الناس مدعاة حيرة. تراه لا يحكي(وإنْ كان يحكي!)فتحمد الله على ما متعك به من نعمة ألحكي واللغو والسوالف.ولكن في عمق ذاتك وأنت ترى أصابعهم “تثرثر” بلغة لا تفهمها تشعر انك أخرس أو كالأخرس. “تتلعثم” أصابعك إزاءهم. تحسّ غربتك كثيفة. ترى أنّهم ليسوا من طينتك ولست من طينتهم. ولكنّك تفتن بهم، بطريقة حكيهم، بلغتهم الصامتة. تودّ لو تشاركهن الضحك الناتج عن طرفة خرجت من أطراف الأصابع. او تشاهدهم وهم ينتبهون للفضائيات وهنالك خبير بالغة الإشارات يتابع مع المذيع في تفسير الإخبار وتراهم يراودهم ما بروادك من قلق على الأمة ومشاكلها وعند ذلك تتأكّد أنّ اللسان ليس هو كلّ الإنسان، وأنّ مقرّ اللسان ليس دائماً في فجوة الفم.أهي قدرته أم قدرة الإنسان بشكل عام على تدجين مآسيه والتآلف معها وكسب ودّها، واستثمار نقصه إلى حدّ الإدهاش؟ فهذا الأخرس انتصر على عجز فيه، كسر الصمت الحادّ. أدّى، وهو حبيس اللسان، دور اللسان، وقدر، وهو فاقد للسمع، على استبدال حاسّة بحاسّة فصار يسمع بعينيه. يحكي لغة مرئية، إيمائية، لمسيّة، ليس بينه وبين صديقه الأخرس أيّ تشنّج أو توتّر بالحديث. أصابعُ تحكي بهدوء، وهي تمتاز بخاصيّة غير موجودة دائماً لدى الناطقين هي الحميمة. يقول العلماء إنّ الخرسان أكثرُ إنسانيّةً من غيرهم لأسباب عضويّة منها فقدان حاسّة السمع بالذات(وربّ ضارّة نافعة!)، فهم في حديثهم يقظون دائماً. العين في العين. الأخرس لا يدير ظهره للأخرس وهو يحكي. لا يغمض عينيه، ممّا يوطّد العلاقة الإنسانيّة. فهو مرهف النظر. والصمت، بين الخرسان، نادر! وهم لا يعرفون(حوار الطرشان) الذي يمارسه الناطقون ويعاني منه السامعون. العين تنصت إنصاتاً مدهشاً لكلّ حرفٍ يطلع من ثنية إصبع أو تجعيده وجه. فلكلّ حركة معنى. طرفة جفن قد تكون فعلاً أو صفةً أو اسماً. كلّ عقدة إصبع هي مقطع من كلمة. اللغة العاديّة تستعمل الزمان أما لغة الخرسان فتستعمل، في آن واحد، الفضاء والزمان.
يميل أغلب علماء الأعصاب واللسان والنفس إلى اعتبار الأصمّ/ الأبكم يمتاز بقدرات لا تتوفّر دائماً بنفس النسبة عند الإنسان الناطق. وهو، بعكس الشائع، قادر على الإبداع كغيره من الأسوياء. فنحن نلحظ أوّل الأمر أنّه غير قادر على تعلّم اللغة المنطوقة لأنّها تكتسب عن طريق السمع الذي هو، بحسب عبارة ابن خلدون، أبو الملكات اللسانيّة. ومع هذا فهو قادر على الإبداع اللغويّ. كيف؟ الطفل يسمع أمّه، تناغيه، تحاكيه، يحاول في البدء أنْ يقلّد. تكون لغته في البدء وليدة تقليد الأم، محاكاة لما يخرج من فمها. أمّا الطفل الأصمّ، فهو غير قادر على التقليد. أمّه تحكي، كلامها يتبعثر في الفضاء، لا يصل إلى طبلة أذنه. ليس بينه وبينها لغة تواصل. ومع هذا فهو يريد أنْ يوصلَ رغباتِه، يعبّرَ عن مكامن نفسه، ويتوسّل جسده لتحقيق مآربه، يحقّقها رغم قسوة المحيط، وقسوة العزلة التي يعيشها، ورغم القمع المفروض عليه. محاولة الأهل اليائسة في إخراج أبنائهم من الصمم والبكم محاولة عكس التيار. الطفل يقدر أنْ يكتسبَ لغة الإشارات، يتقنها كما يتقن أيّ مخلوق الكلام المنطوق، ومعاهدُ كثيرةٌ تعمل على استكشاف البنية اللغويّة لكلام الخرسان.ولعلّ القرن العشرين الذي يعدّ قرناً ألسني بامتياز قادر على تفهّم كلام الخرسان وحقّهم المشروع في استخدام أصابعهم بعد فترات قهر كبيرة وفترات “فيتو” مريرة.
وثمّة معاهدُ كثيرةٌ الآنَ لتدريس هذه اللغة كمعهد “جوناسْ سالْكْ “الموجود في كاليفورنيا.إنّه يعتمد على فهم حركات “النحو المرئيّ” الذي يعتمد على النظر. ويقول “جان غريميون ” وهو نصير الصمّ البكم ومؤسّس مسرح خاصّ بهم:” إنّ الجسد كلّه كتاب لغويّ بآلاف الصفحات”. وثمّة ما هو أدعى، ربّما،للاستغراب في حياة الخرسان. فحاليّاً بعد نيلهم جزءاً بسيطاً من حقّهم المستباح دخلوا عالم المسرح يمثّلون أدواراً لشخصيّات أبدعها كبارٌ من أمثال شكسبير أشرفوا على إنتاجها وإخراجها. فالذي يذهب إلى مسرح الصمّ/ البكم في فينسان(ضاحية من ضواحي باريس)ويشهد المسرحيّة المثيرة التي عرضت على خشبة المسرح المرئيّ الدوليّ يناله العجب، والمسرحيّة بعنوان مؤلم(حين أحكي سوف تفهمني).ويحكي إيف لوموريه (وهو أخرس )عن معاناة الإنسان الأخرس، خاصّة فيما يتعلّق بمحاولة تعليمه اللغة المنطوقة. كيف للأخرس أنْ يحكي اللغة الفرنسيّة (وهو فرنسيّ) في حين أنّ الناطق ذاته يصل إلى عامِه السادسَ عشرَ وهو عاجزٌ إلى حدّ ما عن ممارسة اللغة دون أخطاء فكيف بنا نحن واللغة الفرنسيّة المنطوقة ليست لغتنا الأمّ. لغتنا الأمّ هي اللغة المرئية اليدوية؟
وانا في بغداد شاهدت عروضا أثارتني كثيرا أبدع بها الصم البكم والعميان في التمثيل في طرح معاناتهم الكثيرة في وطن ضيع الجميع الأصحاء وذوي الاحتياجات الخاصة
ثمّة قصص كثيرة تروى حول فرض تعليم لغة الناطقين على الصمّ منذ نطق الإنسان. تبدأ في منعهم من ممارسة أصابعهم وأذرعهم بل يضربون على أطراف أصابعهم، وكأنّك تقطع ألسنتهم.الناطق بكل الوسائل يكمّم أصابع الأخرس. في المدارس يعلّمونه فقطْ لغة الشفاه فيعيشون بشكلٍ غير طبيعيّ، بينما لغتهم الطبيعية هي التي استنبطها في القرن الثامن عشر القس شارل ميشال دي ليبيه وهي مستخرجة من تلويحات الخرسان، ومن عباراتهم الفطريّة ويقول” دي ليبيه”:” إنّ هذه اللغة هي اللغة العالميّة التي يحلم بها الإنسان”. وهو إلى حدّ ما مصيب حيث لا تزال أسطورةُ بابل صاخبةً في الذهن البشريّ، فبرج بابل بلبل الألسنة ولكنّه لم يبلبل الأصابع ولا تعابيرَ الوجه.
فإلى متى يظلّ الأخرس معضلة المجالس وكيف يفسر حلما للبصير ايبقى ذوي الاحتياجات الخاصة في منفاهم بعيدا عن المجتمع ومشاكله؟ والى متى يُنْظَرُ إليه على أنّه دون الإنسان المتمتع بكل حواسه؟ وترفض ممثلة خرساء ان يعامل الأخرس، كما تقول، معاملة الكلاب. يُمَدَّدُ على سرير التشريح ويحاولون زرع أذن اصطناعية له وهي عمليّة ليست دائماً في مصلحة الأصمّ، لأنّها تنقله من عالم إلى آخر. جوّ غريب يخرجه من صمته الأبديّ ليزجّ به في قلب الصخب، ليضعه في جحيم صوتيّ لا يطاق، يؤدّي به، في الأحيان، إلى الجنون والانتحار كما حدث لسيّدة أعادوا لها حاسّة السَّمْع بعد تأقلم طويل مع السكينة فلم تستطعْ أنْ تعيش، قالت:”كلام الناس صراخ، المياه، وهي تنزل من الحنفية، أشبهُ بأصوات شلاّل”.
والناطق يدفع الأخرس إلى الأميّة حين يدفعه إلى كسب لغة غير لغة الإيماء. ولهذا يعود السبب في خروج الخرسان من عالم الناطقين إلى عالم غفل مجهول بل انه في عام 1880 خلال مؤتمر عقد في ميلان في إيطاليا تمّ تبنّي نظريّات كثيرة تقضي على الأصمّ/الأبكم. منها أنّ اللغة الإشاريّة، ليستْ لغة بكلّ معنى الكلمة وأنّها غير قادرة على توصيل التعاليم الدينيّة ممّا يعني أنّ الأخرس يعيش حسب معتقدهم، خاوي الروح، مقطوع الصلة مع كلّ ما هو إنسانيّ أو روحانيّ صرف علماً أنّ الحجّة واهية جدّاً لا سيّما أنّ أحد الرهبان كتب كتاباً دينيّاً قبل خمسَ عشرةَ سنةً من عقد المؤتمر بلغة الإشارة التي ابتدعها” دي ليبيه”. ومنعوا الأخرس من كل مهنة ذهنيّة وزجّوا بهم في سجن نفسيّ رهيب، فتحوا أمامهم باباً واحداً ضيّقاً كالثقب هو العمل في الزراعة والخياطة والأشغال علماً أنّ القرنَ الثامنَ عشرَ شهد نبوغ خرسانٍ في ميادينَ مختلفةٍ: الكتابة، الهندسة، الفلسفة، كما يقول طبيب الأعصاب الشهير” أوليفيه ساكْسْ”.
إنّهم أسوياءُ يتكلّمون لغةً خاصّةً بهم ولكنّها لغة منظّمة ويقول “جاك سانكلا” في محاضرة ألقاها بأصابعه في “أكاديميّة اللغة الفرنسيّة والإيماء” القريبة من السوربون “إنّ الأصمّ الأبكم يختلف عن الآخر ولكنّه ليس دون الآخر وهو سويّ إذْ هل يمكننا القول عن إنسان ناطق إنّه غير طبيعيّ حين يلتقي بإنسان آخرَ يحكي لغة أخرى ولا يفهمها؟
ويندهش “أوليفيه ساكْسْ” من قدرة الصمّ البكم البصريّة الخارقة قائلاً إنّه لم يتصوّرْ أبداً أنْ يبلغ الذهن البشريّ هذه الدرجة من الدقة. فالأصم الأبكم قادر على أنّ يرى ويستوعب، في لحظة واحدة، جملة من ثمانية عشر مقطعاً أشاريا بكلّ مضامينها التركيبية، وأنْ ينطق، أشاريا، في ثانية واحدة بعلامة أو علامتين لغويتين أيْ أنّه يملك سرعة اللسان نفسِه.
ولقد حقّقت الاختراعات الحديثة البصريّة، من فيديو وأجهزة كمبيوتر أحلاماً كانت تدور، في أذهان الصمّ/ البكم. فلمْ يعودوا مقطوعين عن العالم بنفس الحدّة. ولقد أظهروا قدرة على استخدام هذه الأجهزة تفوق قدرة السامعين.
وقد يأتي يومٌ ينكسر فيه جدارُ الصمت الشفّاف والعازل الذي يفصل الخرسان عن الآخرين وعن العميان وذلك باستثمار طاقات الوجه واليد في التعبير بدلاً من أنْ يظلّ الأخرس منتمياً إلى عالمٍ مبعثرٍ في المعمورة وكأنّه أمّةٌ ممزّقةٌ حدودُها أناسٌ ينطقون.
أيها أخي الفاضل إن حال الأمة ألان كحال هولاء قبل لغة الإشارة لم نجد ألان عن لغة مشتركة بسيطة مفهومة لمعرفة أحلامنا وطموحاتنا بعيدا عن العراك والحراك والصخب السياسي والمنبري والفضائي نحن من نحتاج من يفسر أحلامنا إلى أصحاب القرار لأننا افتقدنا القرار عندما انتخبنا أناسا غير كفؤ لإدارة معضلاتنا ووقفونا وسط الطريق نزرع الكلمات والحروف والاحتجاجات دون إن نعي مسارنا الديمقراطي الحقيقي للنهوض بالأمة هل عرفت يا صديقي الفاضل الكل يحلم ولكن كيف نحول الأحلام إلى حقيقة بدون تعطيل وتفسيرات.

[/color]
المصدر : البوابة
 

اعضاء يشاهدون الموضوع (المجموع: 0, الاعضاء: 0, زوار: 0)

من قرأ الموضوع (مجموع الاعضاء: 1)

اعضاء قاموا بالرد في الموضوع (مجموع الاعضاء: 1)

عودة
أعلى