اشعارات

غياب برامج التدريب وعدم مواكبة احتياجات السوق.. أبرز الأسباب انعد

غياب برامج التدريب وعدم مواكبة احتياجات السوق.. أبرز الأسباب انعد

غياب برامج التدريب وعدم مواكبة احتياجات السوق.. أبرز الأسباب انعدام فرص "التوظيف" يُبدّد آمال ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل
1402.opi.p21.n84.jpg

الدمام: سهام الدعجاني
احتفت شريعتنا الغراء بذوي الاحتياجات الخاصة، ورتّبت لهم حقوقا غير مسبوقة للتيسير عليهم في التكاليف الشرعية والعبادات.
وجعلتهم متساوين تماما مع أقرانهم "الأصحاء" في جميع المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية، والثقافية، والسياسية، وغيرها.
حق العمل يأتي في مقدمة الحقوق "المكفولة" لذوي الاحتياجات الخاصة لإتاحة الفرصة كاملة أمامهم للمشاركة في تنمية المجتمع ونهضته.
فإلى أي حدّ يستوعب الواقع العملي تلك الحقائق المهمة، ويرعى حق هذه الفئة في العمل؟
حديث الأرقام يؤكد أن جهودا تُبذل على أصعدة مختلفة، لتشجيع توظيفهم.. قرار الخدمة المدنية يقضي بتخصيص 4% من الوظائف بأي منشأة حكومية.. قرار لوزير العمل يقضي باعتبار تعيين واحد من ذوي الاحتياجات الخاصة بالقطاع الخاص يعادل تعيين أربعة أشخاص سعوديين.
الأرقام ذاتها تكشف على الجانب الآخر عن سلبيات عديدة.. فعلى مدى عامين كاملين لم يتم تعيين سوى 60 شخصا بالقطاع الخاص، وهو رقم متواضع جدا.
القضية ليست قلة فرص التوظيف فقط، بل تتركز، في أهم أبعادها، في غياب التدريب الجيّد والتأهيل المناسب، لشغل الوظائف التي تحتاج إليها سوق العمل حاليا.
برامج التأهيل لبعض المهن لم تتغير منذ 20 عاما. كما أن بعض المتحمسين لتوظيف طالبي العمل من ذوي الاحتياجات الخاصة يواجهون صعوبة في الوصول إليهم.
المطالبون بضرورة "سعودة" الوظائف التي تشغلها العمالة الأجنبية الوافدة يؤكدون أن على رأس أهدافهم توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة.
فماذا أعدت وزارتا التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية لتدريب أبناء هذه الفئة، وتأهيلها جيدا لسوق العمل؟ وإلى أي مدى تحتاج برامج التدريب والتأهيل إلى التطوير، لمواكبة مستجدات سوق العمل؟ وكيف تُطبّق الجهات الحكومية قرار تخصيص نسبة من الوظائف للمعاقين؟
وما دور القطاع الخاص في تشجيع الاستفادة من جهود وقدرات وإمكانيات ذوي الاحتياجات الخاصة في المشاركة في جهود تنمية المجتمع في شتى المجالات؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على عدد من المسؤولين، وأساتذة الجامعات، والخبراء، للتعرف على آرائهم، ومقترحاتهم لعلاج هذه القضية.


في البداية.. يؤكد الدكتور بندر بن ناصر العتيبي الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود أن الفرص الوظيفية لذوي الاحتياجات الخاصة تكاد تكون معدومة.
ويشير إلى وجود بعض الاجتهادات الفردية التي يقوم بها بعض المسؤولين أو المهتمين بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة لتشغيلهم.
ويضيف أنه على الرغم من وجود قانون يدعم توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة دون التركيز على فئة معينة دون أخرى، أو تمييز فئة على فئة إلا أن الواقع يؤكد أنه توجد فرص، وإن كانت قليلة، ولكنها تكاد تكون مقصورة على المعاقين حركيا فقط.
ويجزم بأنه بالنسبة لفئة المعاقين عقليا لا يوجد ما يشجع على القول إنهم يملكون فرصا حقيقية للعمل.
ويقول: لا يمكن توجيه اللوم إلى جهة معينة بسبب عدم وجود الفرص الوظيفية المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، وإن كان هناك عتب كبير على وزارتي التربية والتعليم، والشؤون الاجتماعية، معربا عن اعتقاده أنهما تتحملان جزءا لا بأس به من مسؤولية إعداد ذوي الاحتياجات الخاصة لسوق العمل.
تهيئة مهنية
ويُوضّح العتيبي أنه بعد قرار وزارة التربية والتعليم بإلغاء المرحلة الثانوية تم فعليا إلغاء عملية التهيئة المهنية التي يتم التركيز عليها في مناهج المرحلة الثانوية.
ويضيف أن وزارة الشؤون الاجتماعية ببرامجها الحالية لا تساعد على إعداد ذوي الاحتياجات الخاصة الإعداد المناسب لمتطلبات سوق العمل.
ويلفت إلى أن فرص العمل تغيرت بتغير الوضع الاقتصادي، لوجود أعمال جديدة تناسب احتياجات سوق العمل، مشيرا إلى أنه تم التركيز على المهارات التنموية، وليست المهارات التأهيلية.
ويطالب بتضافر الجهود لتوفير فرص وظيفية لذوي الاحتياجات الخاصة، وإعطائهم الفرص بغض النظر عن الأشخاص، وضرورة إعادة النظر في إلغاء المرحلة الثانوية، وعدم إتاحة البديل المناسب بالنسبة لهؤلاء الأشخاص.
ويشير إلى أنه توجد جهات تساعد على توظيف المعاقين حركيا وبصريا، مشيدا في هذا المجال بجهود معهد الأمل والجمعية السعودية، وموضحا أنها تظل جهودا فردية تحتاج إلى دعم أكبر.
مهارات مهمة
ويشدد العتيبي على أن وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل مطالبتان بتوفير برامج إعداد وتهيئة لهذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي يكونوا قادرين على العمل.
ويؤكد أن هناك وظائف داخل العديد من الشركات يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصة القيام بها على أتم وجه وذلك أفضل من جلب عمالة وافدة.
ويلفت إلى أن المشكلة تكمن في أنه لم يتم إعداد ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل مستمر، ليكونوا قادرين على أداء هذه الأعمال.
ويقول: إن المسؤولية تقع على من يُعدّهم الإعداد التام المتواصل حتى توظيفهم، مشيرا إلى أن وزارة التربية والتعليم تنفي مسؤوليتها عن هذا الدور، بينما وزارة الشؤون الاجتماعية لم تُعدّ البرامج المطلوبة، لإعداد هذه الفئة جيدا للعمل بشكل مناسب.
ويتساءل: من المسؤول عن إعداد ذوي الاحتياجات الخاصة لكي يكونوا قادرين على الالتحاق بسوق العمل، مؤكدا أن المرحلة الثانوية كانت تساعدهم على اكتساب مهارات مهمة لم يعودوا يتزوّدون بها منذ إلغائها.
قاعدة بيانات
أما حبيب الحبيب وكيل معهد الأمل الابتدائي بشرق الرياض ومنسق توظيف الصم بالجمعية السعودية للإعاقة السمعية فقد كرس نفسه منذ أكثر من ثلاث سنوات في العمل التطوعي لتوظيف الصم وبعض حالات الإعاقة الأخرى.
ويوضح أنه يوجد تزايد ملحوظ في إقبال القطاع الخاص على توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة بعد قرار وزير العمل الذي يعتبر توظيف واحد من ذوي الاحتياجات الخاصة يعادل توظيف 4 أشخاص سعوديين، الأمر الذي يعود بالفائدة على القطاع الخاص.
ويشير إلى أن الإعلان عن الوظائف يتم عن طريق الموقع الإلكتروني الخاص بهم فقط، وأنه تم تشكيل قاعدة بيانات يتم من خلالها الاتصال بالصم عن طريق الهاتف النقال بالرسائل النصية التي تتضمن الإعلان عن وظائف مناسبة لهم.
ويُرجع أسباب عزوف الصم عن طلب الوظيفة إلى فتح مجال التعليم العالي لهم بعد المرحلة الثانوية، كالجامعة العربية المفتوحة، وكلية الاتصالات، وكلية التقنية، ومعهد التدريب التقني، وكلية التربية قسم اقتصاد منزلي وتربية فنية، وكلية التربية في مكة المكرمة، وجامعة الملك سعود التي ستفتتح القبول للصم في قسم التربية الخاصة.
ويؤكد أنهم يبذلون جهدهم في توعية الصم، وتوصيلهم للوظائف التي تناسبهم، على الرغم من أنهم لا يجدون دعما ومساعدة في ذلك، بالإضافة إلى أن عملهم تطوعي.
تنويع العمل
ويلفت الحبيب إلى أنه تم توظيف نحو 60 من الصم في القطاع الخاص خلال سنتين، في وظائف تتضمن أعمالا مكتبية على الحاسب الآلي وأخرى مهنية، مؤكدا أنهم لا يستطيعون توفير عمل لكل أصم على الحاسب الآلي فقط، وموضحا أن تنويع العمل تتحكم به حاجة القطاع الخاص.
ويثني على عطاء ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكدا أنهم دقيقون في أدائهم، ومنتجون في أعمالهم، ويلفت إلى أن مجموعة "الحكير" طلبت توظيف 30 منهم لديها، الأمر الذي يعادل توظيف 120 شخصا سعوديا.
كما أن مجموعة السدحان طلبت توظيف 15 شخصا نصفهم أصحاب إعاقة حركية، ونصفهم الآخر أصحاب إعاقة سمعية، لتوظيفهم بمهنة "كاشير".. وطلب مستشفى الدكتور عبد الله بن مشاري توظيف اثنين من الصم لعمل التقارير الطبية بالإضافة إلى طلبات عديدة سابقة من شركات عديدة.
ويستشهد على نجاح تجارب توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة بتجربة أقيمت في مصر بأحد المطاعم المشهورة للوجبات السريعة، حيث تم توظيف جميع العاملين فيه من الصم فقط بمن فيهم المشرفون، والكاشير، ومحضرو الطعام، ومشرفو النظافة.
ويوضح أنه كانت هناك محاولة جادة لإقامة مثل هذا المشروع لنفس سلسلة المطاعم في الرياض، مشيرا إلى أنه يجب أن يتم دمج أكثر من إعاقة للعمل في هذا النوع من المطاعم.
صعوبة كبرى
نواف العنزي مسؤول شؤون الموظفين في شركة الهوشان عبر الخليج يجزم بأنه يعامل الموظف من ذوي الاحتياجات الخاصة نفس معاملة الموظف السليم، متجنبا أن يتم إشعارهم بأي فرق.
ويشير إلى أنه يتم تكليفهم بالعمل الذي يمكنهم أداؤه، والإنتاج فيه، بحيث لا يُجهدهم أو يُنفّرهم من العمل.
ويلفت إلى أن الوصول إلى طالبي العمل من ذوي الاحتياجات الخاصة يشكل صعوبة كبيرة، لعدم وجود مسارات توظيف وتدريب خاصة بهم.
ويؤكد أنه يتم الاعتماد بشكل أكبر في عملية التوظيف على زملاء ذوي الاحتياجات الخاصة من الموظفين، مشيرا إلى أنه عندما يرتاح الموظف منهم في العمل يأتي بصاحبه للعمل معه، حيث يتم إجابة طلبه عادة للتوظيف.
ويوضح أنه يعاملهم من ناحية الرواتب ل واحد حسب مستواه العلمي وبنفس معاملة الموظف العادي، مشيرا إلى أن هناك علاوات وحوافز كثيرة تقدم لهم.
"سعودة" الوظائف
يطالب عادل الغانم مدير معهد التربية الفكرية بشرق الرياض بتوفير مهن تتناسب مع إمكانيات ذوي الاحتياجات الخاصة، ويؤكد ضرورة "سعودة" الوظائف التي تشغلها العمالة الوافدة بتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة مكانهم، كتسعير البضائع، وترتيبها في المحلات، والمطابع وبعض المصانع، مشيرا إلى أنه حتى الآن لم يتم توفير الفرص الكافية لهم.
ويؤكد أن الوظائف المخصصة لهم في وزارة الشؤون الاجتماعية تُعدّ مهنا تقليدية قديمة كالدهان والزراعة، وغيرها مما لا يتناسب تماما مع قدراتهم.
ويدعو الغانم إلى تبديل هذه المهن وابتكار أخرى تناسب طبيعتهم، مؤكدا أن جميع أصحاب الإعاقات من ذوي الاحتياجات الخاصة قادرون على العمل ولا ينقصهم سوى منحهم الفرص وتأهيلهم للوظيفة.
تطوير مستمر
أما الدكتور طلعت حمزة المزنة مدير عام الخدمات الطبية رئيس لجنة تنسيق خدمات المعاقين في وزارة الشؤون الاجتماعية فيؤكد أن التأهيل المهني طويل الأمد يبدأ لذوي الاحتياجات الخاصة منذ التحاقهم بالتعليم عن طريق وزارة التربية والتعليم وحتى يتخرجوا في الجامعة أو يصل كل منهم لمستوى معين يستطيع العمل بعده، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة تتم تهيئتها للتوظيف عن طريق الدراسة.
ويلفت إلى أن هناك فئة غير قابلة للتعلم، وهي من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، وهذه الفئة تضم شديدي ومتوسطي الإعاقة، مشيرا إلى أنهم في الغالب عندهم إصابة بالعصب المركزي بحيث تكون القدرات الذهنية لديهم ضعيفة.
ويقول: إن هذه الفئة يتم تدريبها على مهن حرفية مثل النجارة والحدادة والسكرتارية وتنسيق الحدائق وغيرها، بحيث تواكب متطلبات السوق واحتياجاته.
ويشير إلى أنه بصرف النظر عن سنوات الدراسة فمن المهم أن تكون هناك برامج تعليمية مناسبة تهيئ ذوي الاحتياجات الخاصة لعمل يتناسب مع قدراتهم واحتياجاتهم حتى يكون لكل منهم مصدر رزق، ويتمكن من المشاركة في تنمية مجتمعه على حسب إمكانياته.
ويوضح أن متوسطي الإعاقة قادرون على الانخراط في برامج التدريب.. أما شديدو الإعاقة فهم الذين لديهم إعاقة مزدوجة، وقد لا يكونون قادرين على التدريب المهني، ويتم تأهيلهم اجتماعيا فقط.
ويقول: لا شك في أن كل شيئ يحتاج إلى تطوير، لأننا في مجتمع متغير، ومن ثم يجب أن يكون هناك مواكبة لاحتياجات سوق العمل، مشيرا إلى أن المهن التي كانت تدرب عليها الوزارة قبل 20 سنة تغيرت تبعا لحاجة السوق، الأمر الذي يتطلب تطوير برامج التدريب.
نسبة محددة
يؤكد المهندس محسن العنزي ـ أحد أفراد هذه الفئة التابع للاتحاد السعودي لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة ـ أن التوظيف شبه معدوم بالنسبة لهذه الفئة، ولا توجد وظائف حكومية على الرغم من قرار الخدمة المدنية الذي يقضي بأن تكون نسبة توظيف المعاقين في أي منشأة حكومية 4% تقريبا، مشيرا إلى أن ذلك لم يطبق نهائيا.
ويضيف العنزي أن المعاقين غير مرغوب فيهم، وجميع الوظائف المخصصة لهم في مكتب العمل أهلية، وبرواتب متدنية جدا تتراوح بين 1200 ريال و200 ريال. ويطالب الدولة بتبني توظيف المعاقين وليس القطاع الخاص وتحمل العبء الأكبر في هذا المجال.
 

عودة
أعلى