هل أعطى الله للإنسان مشيئة خاصة؟

هل أعطى الله للإنسان مشيئة خاصة؟







حامد المهيري



إذا غابت أصول اللغة وقواعدها، غابت دلالاتها ومعانيها على الوجه الصحيح، وهذا ما حصل لعديد المتطفلين فضلوا وأضلوا وغفلوا عن قول الله تعالى لنا لينبّهنا "لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل" "المائدة آية 77" وقوله تعالى "لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق" "النساء آية 171".

ولمن لا يعلم الحق ويجهله أحاله الله تعالى ليسأل أهل الذكر في قوله سبحانه "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" "النحل آية 43"، فإذا سلك المتطفلون في القنوات الفضائية هذا المسلك بالغلو والضلال فقد انحرفوا، أما إذا تركوا التطفل وسألوا أهل الذكر في كل مسألة صغيرة أو كبيرة وتطهروا من الضلال والتضليل فلا مانع.

من الانحرافات فهم مشيئة فهما وهميا مثل الجبرية، وهو مذهب دخيل على الاسلام جر إلى سوء فهم الدلالات الصحيحة. قد نجد آيات للانسان فيها حريته كاملة في أن يكره أو يحب "كلا بل تحبون العاجلة" "القيامة آية 20" أي أن الانسان يفضل الدنيا ويحبها أكثر من الآخرة "وتحبون المال حبا جما" "الفجر آية 20" والذي يحب العاجلة ويحب متع الدنيا والمال، يمكن أن يحب الكفر أكثر من الايمان "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله" "البقرة آية 165"، "لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان" "التوبة آية 23" "ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة" "النحل آية 107" "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين" "آل عمران آية 14" هذا ما يحبه الانسان، وإذا لم يختر الانسان صراط الله المستقيم ويكرهه ماذا قيل عنه؟ هل أجبر كرها؟

لنتتبع ذلك "كرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله" "التوبة آية 81" "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم" "محمد آية 9" "ولا ينفقون إلا وهم كارهون" "التوبة آية 54" "لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون" "الزخرف آية 78" والمؤمن يمكن أن يكره أمورا لا بد منها "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" "البقرة آية 216" فلنتساءل هل يلزم الله الناس بما يحب أو يكره هو أو يكرههم على الايمان أم يترك لهم حريتهم الخاصة في الاختيار بين الخير والشر؟.

لنتدبّر مع بعضنا النص القرآني حسب البراهين القاطعة للشك بدءا من نوح عليه السلام "قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" "هود آية 28"، وختما بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولو شاء ربك لآمن في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" "يونس آية 99"، "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي" "البقرة آية 256" وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالبلاغ وترك الاختيار لكل انسان "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "الكهف آية 29".

ألم تكن الآية برهانا قاطعا على أن الله تعالى أعطى مشيئة خاصة وحرية للانسان ليختار بها ما يشاء، الايمان أو الكفر، دون أي ضغط أو إكراه؛ لكن لا يمنع هذا أن الله تعالى زين وحبب لنفوس الناس الايمان لأنه يعلم أن مصلحة الانسان تقع في ايمانه، وحاول أن يكرّه نفوس الناس بالكفر لعلمه أن الانسان في الكفر يقع في عذاب الدنيا والآخرة.

واستعمل سبحانه أسلوب الترغيب في الايمان وأسلوب التخويف لمن يختار الكفر والشرك "ولمن خاف مقام ربه جنتان" "الرحمن آية 46" فأسلوب الترغيب واضح في الآية: جنة على الأرض وجنة في السماء. "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" "النازعات آيتان 40-41" "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" "طه آية 112"، "نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد" "ق آية 45"، "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا" "الجن آية 13"، "فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" "البقرة آية 38". ومن أسلوب الترهيب "من يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا" "النساء آية 116"، "من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار" "المائدة آية 72".

ومن سنة الله تعالى لاختبار الانسان وامتحانه ليجازي الصابرين قال تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" "البقرة آيات 155-157". فالله أعطى الحرية للانسان، لكن الانسان يميل دائما للمبالغة والشطط والله وضح له الطريق القويم فإما أن يتبع نصيحة ربه فيرضى عنه، أو يختار أهواءه وشهواته فيغضب عليه.

وهناك قوانين لله يخضع لها كل الخلق ومن أهمها الموت طوعا أو كرها، وسوف يبعث مرة أخرى طوعا أو كرها وسوف يحاسب يوم القيامة طوعا أو كرها، وينال الجزاء. فمشيئة الانسان أولا حسب اختياره ثم يتدخل الله تعالى بمشيئته فيساعده على العمل الصالح والخير إن اختار الايمان بالله، وإن اختار الكفر فتعمى بصيرته عن الايمان الصحيح، لأن الله تعالى "لا يهدي القوم الظالمين" "البقرة آية 258"، "لا يهدي القوم الكافرين" "البقرة آية 264"، "لا يهدي القوم الفاسقين" "المائدة آية 108"، "لا يهدي من هو كاذب كفار" "الزمر آية 3"، "لا يهدي من هو مسرف كذاب" "غافر آية 28".

وبأسلوب رفيع الشأن رقيق القول وبمحاججة مفحمة قال تعالى "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" "آل عمران آية 86"، نزلت هذه الآية حسب ابن عباس ومجاهد وابن جرير وغيرهم في الحارث بن سويد الأنصاري، كان مسلما ثم ارتدّ ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ فنزلت الآية واستثنى في قوله تعالى "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" "آل عمران آية 89" فرجع الحارث إلى الاسلام وقبل منه.

أليس بعد كل ما ذكرت حريا ببعض الناس أن يرجعوا إلى الصواب والثابت فينقشع الغموض عن نفوسهم، ويقلعوا عن الباطل، وهم يعلمون قول الله تعالى "أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون، وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا" "يونس آيتان 35-36".

فالله تعالى منح بمشيئته الحرية للانسان وما يفعله من ايمان أو كفر يعلمه الله مسبقا، وهو على علم مسبق بأن عددا كبيرا من الناس سيختارون طريق الكفر والضلال، وعددا ضئيلا منهم سيختارون طريق الله الرحمان "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" "يونس آية 99" بهذا الخطاب خاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم.
 
رد: هل أعطى الله للإنسان مشيئة خاصة؟

جزاك الله الف خير وبارك الله فيك
 
رد: هل أعطى الله للإنسان مشيئة خاصة؟

( وهديناه النجدين )

بين الله طريق الخير وطريق الشر

واعطى الانسان العقل ليختار

اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا

وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان

واجعلنا من الراشدين


موفقة اختي رابعة
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 4)

عودة
أعلى