كفيف يطارد جيشا "لا يقهر"!!

يحمل سلاحه، يطلق رصاصه على عدوه الذي عرفه قلبه، دون أن تراه عيناه، طاردهم وطاردوه عامين كاملين بجيشهم الذي ادعوا أنه لا يقهر، لكنه قهرهم - وهو الكفيف - بتلاميذه الاستشهاديين، وحفظه لسرِّ الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "كتائب الشهيد عزّ الدِّين القسَّام" بعد أن قاد جناحها الطلابي في جامعة خليل الرحمن.

وأنت تسمع عنه يُخيل إليك أنه رزق بحواسّ ليست خمسًا ولا ستًّا، وإنما بحواس إضافية لا يمتلكها إلا أولياء الله الصالحون.. ربما منحه الله إياها جائزة لحفظه القرآن الكريم كاملاً، ولكنك تفاجأ بحقيقة لم تقف عثرة في طريقه؛ إذ فقد اثنتين من حواسه، إحداهما نعمة البصر فقدها مع ولادته، والثانية حملها مع اسمه "أكرم صدقي الأطرش"، قائد كتائب عزّ الدِّين القسَّام في جنوب الضفة الغربية.

ليدعك في عاصفة من الأسئلة، وأمام حقيقة تعجز عن تصديقها، وإن كانت دراما بطلها كفيف.

فكيف يشترك هذا الكفيف في جناح عسكري لحركة فلسطينية تقاوم دولة إرهاب؟ وبماذا دوخ أعداءه لعامين؟ وكيف استطاع أن يفلت من عملاء ومخابرات الاحتلال وينجو من محاولات اغتياله؟

الكفيف يقود الكتلة الإسلامية

تميزت مدينة الخليل عن كافة المدن الفلسطينية بمبانيها العتيقة وتاريخها الشامخ؛ فهي مدينة خليل الرحمن الأثرية، وفي حي "واد الهرية" بالتحديد وفي أحد أزقته الضيقة القديمة، وُلِد القائد المتميز "أكرم صدقي الأطرش" مسئول الجناح العسكري في حركة المقاومة الإسلامية حماس في جنوب الضفة الغربية بتاريخ 19-3-1973م، وهو الابن الرابع بين إخوانه الستة وشقيقة واحدة، لم يكن طفلاً عاديًّا، فقد حرم تقريبًا من نعمة البصر إلا من بصيص نور ضعيف جدًّا، ولكنه عُرف بذكائه وروحه المرحة؛ لذلك سرعان ما أثبت تفوقه في دراسته بمدرسة المكفوفين في مدينة بيت لحم التي انتقل منها إلى المدرسة الشرعية الإسلامية في مدينة الخليل، ومنها إلى كلية الشريعة في جامعة الخليل؛ ليصبح أميرًا للكتلة الإسلامية فيها.

الأطرش الكفيف البصير..!!

تذكر إيمان الأطرش (20 عامًا) ابنة شقيق الشهيد التي كانت ترافقه في دراسته قائلة: كان الشهيد أكرم يمتلك ما يفقده العديد من الأصحاء من سرعة البديهة، والحفظ، والروح الفكاهية المؤمنة بقضاء الله تعالى وقدره والتي لا تعرف شيئًا اسمه المستحيل.

وتضيف متفاخرة بعمها: "إعاقة البصر لم تقف حائلاً بينه وبين رغباته، فإذا رغب في شيء سعى لتنفيذه متوكلاً على الله عز وجل حتى يشك من يراه أنه فاقد البصر؛ فهو يمتلك قدرة رهيبة في معرفة الشخص الذي أمامه دون أن يراه، ويعرف مفتاح قلبه ليمتلكه، ويدعه يدور في فلكه ليجذبه إلى الفكر الإسلامي ويقنعه به لسهولة أسلوبه وجاذبية شخصيته".

لم يصم الشهيد الأطرش آذانه وقلبه عن نشر مبادئه للحظة واحدة، وتسخير قدراته لخدمة الحركة الإسلامية؛ فالتحق بإحدى فرق الإنشاد الإسلامي، ثم أنشأ فرقة الشبان المسلمين، ومن ثَم أصبح خطيب الحركة الإسلامية المفوَّه، وساحر لب كل من سمع هدير صوته العذب الذي يرغم الجميع على الإنصات له، وكان يدير معظم احتفالات الحركة الإسلامية في الخليل بكلمات ارتجالية منه.

ربما من الغريب أن نشاهد كفيفًا يسير في الطريق بمفرده، ولكن الشهيد الأطرش لم يكن فقط يسير بمفرده بل وبدون عصاه، وعادة ما يكون متنكرًا ليخفي خبره عن عيون العدو الصهيوني، ورغم كل هذه الملاحقات فلم يكن فظًّا في يوم ما فعندما كنت تقترب منه وتسأله كيف حالك؟؟ يسألك من أنت، ثم يبتسم بلطف شديد ويطرق إلى الأرض في حياء، وتلتمس من كلامه الحنان والطهر، وهو يسأل عنك وعن صحتك وصحة أبنائك، ثم يعرض خدماته عليك، ويسألك إن كنت في ضائقة حتى يمد لك يد المساعدة.. ومن حبه للجهاد والحركة الجهادية كان جيرانه يلقبونه بالشيخ (أبو القسَّام).

"رغم أنه وُلِد ضريرًا، فإنك قد تظن بأنه المبصر الوحيد في عالمنا فقد كان يغمر الصغير والكبير بالحنان"... هكذا قالت إحدى قريباته، وأضافت: كان يدعو الله أن ينال الشهادة مقبلاً غير مدبر، وكان كثيرًا يقول: "اللهم أعطنا الشهادة"، وعندما سمع عن استشهاد القائدين جمال منصور وجمال سليم بكى كثيرًا، وقال: "جريمة إن لم نلحق بهما".

ويقول شقيقه عبد الرازق بأن آخر مرة شاهده فيها ابتسم الشهيد في وجهه، وقال له: "لا تحزن".. أما شقيقه يونس فقد قال بأن الشهيد طلب منه في آخر مرة شاهده فيها أثناء مطاردته أن يدعو الله بصدق أن يرزقه الشهادة.

لن يتزوج إلا وهو مبصر

تتذكر أمه ودموعها تنحدر قائلة: "فور أن أنهى دراسته الجامعية التحق ببرنامج الدراسات العليا وذلك مع مطلع عام 2000م، ولم تكن عيني تفرح به حتى حام البوم حول منزلنا، وبدأت مداهمات جيش الاحتلال له بصورة متكررة بحثًا عن فلذة كبدي أكرم".

وتكمل: وبفضل الله استطاع أن ينجو من قبضتهم ليتجرع سنوات المطاردة بحلوها ومرها، وتوقفت برهة لتعلو شفتيها ابتسامة وكأن ابنها أمامها يمازحها قائلة: "وخلال هذين العامين لم أتمكن من رؤيته إلا قليلاً عندما كان يأتي إليَّ متخفيًا خافيًا سلاحه بين ملابسه، فيبذل قصارى جهده ليساعدني في أعمال المنزل، وفي أحد الأيام قدم لزيارتي وكنت قد انتهيت من غسل الملابس ودون أن أنشرها فأصرَّ أن يقوم بنشرها، فارتدى زي صلاتي، وصعد على السطح لينشره".

مؤكدة أن الشهيد الأطرش كان يمتلك الجرأة والقوة التي لا تدع مجالاً للخوف في قلبه لغير الله زاهدًا في الدنيا ومتاعها؛ لذلك رفض الارتباط بأي فتاة، وقطع كل أمل عن أمه بالفرح بزفافه لبنات حوَّا.

وتضيف والدته بعد أن أغمضت عينيها لتنقب في ذاكرتها الممتلئة بمواقفه عن أقرب موقف تذكره: "بعد أن أنهى دراسته الجامعية رجوته أن يفرح قلبي بزوجته، وأن أكحل عيني برؤية ذريته قبل أن أرحل إلى ربي، ولكنه كان قبل أن أكمل جملتي يرد عليّ بقوله كيف أتزوج وأنا كفيف؟ لن أتزوج إلا إذا كنت مبصرًا، وكان يمازحني داعيًا: يا ربِّ يجعل يومي قبل يومك ويرزقني ما أريد".

وكنت لا أدرك مقصده فأدعو الله أن يعيده إليّ سالمًا فيرد علي: "يا أمي أأسلم من الشهادة؟".

حكايته مع المجاهدين
انضم الشهيد الأطرش إلى حركة حماس منذ انطلاقتها في 14-12-1987م، وشغل منصب أمير الكتلة في جامعة الخليل، ثم انتمى إلى الجناح العسكري للحركة؛ ليصبح مسئولها في منطقة جنوب الضفة الغربية والناطق السياسي للحركة في مدينته، وكان لا يلقي سلاحه حتى وهو نائم أو في صلاته لشدة يقظته.

طاردته القوات الصهيونية، وظلَّت تبحث عنه لمدة عامين، وقد حاولت عدة مرات اغتياله، إلا أنها كانت تفاجأ بأنه غير موجود في المنطقة التي يحددها لهم العملاء، وكان له دور أساسي في إيواء المطاردين من كتائب القسَّام لعدة سنوات، وبلغ الغيظ بقوات الاحتلال مبلغه فحين كانوا يأتون بيته فلا يجدونه يحنقون، وهو ما جعل قائد الوحدة المقتحمة يقول ذات مرة بكل صلف لعائلته: سنظل نبحث عن أكرم حتى نجده، وسنظل نأتي إليكم كل يوم ونشرب الشاي معكم (!!!)، وفي إحدى المرات وصل الأمر بهم لاعتقال شقيقه يونس للضغط على الشهيد فقال لهم بكل بطولة عندما أخضعوه للتحقيق: أنا يونس الأطرش من مدينة الخليل فإن كنتم رجالاً فانزعوا اسمي مني.

العصافير لا تخدع قائدًا
السجن يزيد الرجال صلابة، وصاحب الحق عنادًا وإصرارًا عليه، وهذا ما حدث مع الشهيد القسَّامي الأطرش أثناء تعرضه للاعتقال ثلاث مرات أثناء سنوات دراسته الجامعية، أولها لمدة عامين، ثم عام ونصف، وآخرها لستة أشهر.

فبعد أن فقدت المخابرات الإسرائيلية الأمل في استنطاقه والحصول على معلومات عن نشاطه، لجأت إلى أمكر أساليبها وهي ما تسمى مجازًا "غرف العصافير" (العملاء)، ففي عام 1994م وخلال اعتقاله الأول استغلت المخابرات قلة تجربته الاعتقالية وضعف بصره، فعرضته على محاكمة شكلية، وأوهمته بأنها محكمة حقيقية، وأصدرت حكمًا باعتقاله ستة أشهر، لينقل على إثرها إلى غرفة العصافير -وهي عبارة عن معتقل خاص بالعملاء المدربين الذين يمتلكون قدرات استخبارية عالية في إيهام المعتقل أنهم من أبناء وقادة تنظيمه ليبوح بأسراره لهم وعادة ما يكتبها بخط يده، ومن ثَم يعرض على المحاكمة ليعاقب على ما اعترف به لهؤلاء العصافير.

وقد نجحت المخابرات في إيهامه في بادئ الأمر، واعترف لعملائها ببعض أنشطة الحركة، ولكن سرعان ما اكتشف الفخ الذي سقط فيه؛ ليخرج من السجن وقد ازداد رغبة في العمل العسكري، وتخطي عقبة الإعاقة بنور الإيمان والبصيرة بعد عن عقد العزم أن يكفر ذنبه بمعاقبة نفسه بالصيام ثلاثة أشهر متواصلة.
قتلوا جثته المحترقة



أسلام اون لاين
 
رد: كفيف يطارد جيشا "لا يقهر"!!

شكرا رابعه
موضوع رائع
وقصة مؤثره
فعلا الاعمى هو فاقد البصيره وليس فاقد البصر
 
رد: كفيف يطارد جيشا "لا يقهر"!!

24.gif
 
رد: كفيف يطارد جيشا "لا يقهر"!!

برتقالة أنت رائعة بمتابعتك لكل المواضيع وهذا يثير اعجابي الدائم بشخصيتك لك مني أطيب التمنيات بالنجاح والتوفيق
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى