كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

الفرحان

التميز الثاني
خلق الله الخلق وطبع الطبائع فجعل لكل نفس هواها ولكل موجود هدفه، ثم تنازع الناس البقاء، واختلفوا على العرض الفاني والمتاع الزائل، فاقتضت حكمة الله أن ينصب لهم ولياً من أنفسهم يرتضون لمقدراتهم أن تكون ملك يديه، فيجمع كلمتهم، ويقيم الأحكام فيهم، وذلك هو الإمام العادل أو الرئيس الصالح، وتلك هي الرعاية العظمى التي وصفها رسولنا الحكيم بقوله: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
صدق رسول الله عليه صلوات الله، إن كل مَن كان تحت نظره وولاياته أسرة أو أخوة، شعب أو أمة، مطالب بالعدل فيهم والقيام بمصالحهم فإن وفّى حق الرعاية والنظر نال الحظ الأكبر من سلامة الدنيا ونعيم الآخرة.
وإن أخلّ بالحقوق التي استودعه الله إياها واستأمنه رعايتها وحفظها كان من حق كل فرد من أفراد الرعية أن يطالبه بها.
فالحاكم وكل إليه شأن الأمة يدبر أمورها ويحفظ حقوقها، وهو مسؤول عن كل شيء فيها وعن كل فرد منها.
والدولة هي الأسرة الكبيرة وما حكامها وقادتها إلا رعاة مسؤولون عن سعادتها واستقرارها. فبقدر ما يشعر الحاكم بمسؤوليته تجاه رعيته بقدر ما تتوضح له سبل الخدمة العامة التي تقضي منه أن يضحي براحته وأنانيته والكثير من وقته ليؤديها على وجهها الأكمل، كما يجب أن تؤدى.
هكذا فهم المسؤولية الرعيل الأول من المسلمين الأولين، فهموها حثاً لهم على العناية بشؤون رعيتهم والاهتمام بها، تفانياً في سبيل إسعادهم وتوفير الراحة والطمأنينة لمجتمعهم.. لأن المسؤولية في الإسلام أمانة، والحكم أمانة، والقضاء أمانة.
ولعل من أهم أمانات الحكم وجوب إسناد المهام الرئيسية والوظائف العامة إلى الأمناء والأقوياء والعلماء الأكفاء لا إلى الضعفاء أو الخونة أو الجهلاء..
يحدثنا القرآن الكريم عن لسان بنت شعيب قولها لأبيها: (يا أبت استأجره إن خير مَن استأجرت القوي الأمين). ويقول أبو ذر: ((قلت لرسول الله (ص): ألا تستعملني))؟ يعني تجعلني أميراً أو والياً على أحد الأمصار. فضرب رسول الله على كتفي وقال لي: ((يا أبا ذر، إنك رجل ضعيف وإنها أمانة يوم القيامة خزي وندامة إلا مَن أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها)).
ومن أمانات الحكم أيضاً في الإسلام عدم محاباة الأقرباء والأنصار والأنسباء بتقديمهم على مَن هم أحق منهم بالمسؤولية وأجدر.يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((مَن وُلي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليه أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ـ يعني فرضاً ولا نفلاً ـ حتى يدخله جهنم)).
ومن هذا القبيل ما رواه البخاري في صحيحه عن رسول الله إنه قال: ((إذا ضُيعت الأمانة فانتظروا الساعة)). قيل: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: ((أن يوسد الأمر لغير أهله)). وفي حديث آخر: ((مَن استعمل رجلاً على عصابة من المسلمين وفيهم مَن هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين)).
إن الحكم تكليف لا تشريف، ومسؤولية وتضحية وإرهاق في النهار وهم بالليل. وإن معنى الحكم إقامة ميزان الحق ونشر لواء العدالة وبثّ روح المساواة. فعلى المسؤولين أن يفهموه هكذا.. وإلا فإن الهوة السحيقة المخيفة ستظل قائمة فاغرة فاها بين الحاكم والمحكوم، وإن العداء سيظل مستحكماً بين المواطن والراعي، ولا ينكر أحد حتى المكابر. إن نهضات الأمم وتقدم الشعوب لا يكون غلا بتحقيق الانسجام المنتج الفعال بين الشعب وحكامه، بين القادة والمواطنين.
ومن هنا كان الخليفة أو الرئيس أو أي حاكم أو أي مسؤول، في شريعة الإسلام، هو وكيل عن الأمة ولهذه الأمة حق محاسبته ومقاضاته، ومن ثم حق عزله إذا ثبتت خيانته أو تحققت جرائمه التي يرتكبها في أثناء حكمه.
وليس هذا بدعاً في شريعة الإسلام، فجميع الأمم المتحضرة اليوم تشترعه وترضاه، غير أن أفضلية الإسلام على ما عداه كونه سبق الزمان ـ في ما يتعلق بمحاكمة الرؤساء ـ بأربعة عشر قروناً.
ومن جولة خاطفة في القرآن الكريم نراه في مخاطباته الجماعية لم يكن يوجه شيئاً منها إلى الإمام أو الخليفة، بل كان يوجهه مباشرة إلى أفراد الأمة معتبراً شخص المسؤول الأول ـ خليفة كان أم رئيساً أم ملكاً ـ كسائر الأفراد عليه تطبيق المبادئ القرآنية مثلما يطبقها سواه. مثال ذلك: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين). قال: (عاهدتم)، والخطاب لجماهير الأمة. ولم يقل عاهدت ويعني المسؤول الأول في الدولة.
وحين يتحدث القرآن أيضاً عن الأسرة والأحوال الشخصية يخاطب المسلمين جميعاً، فيقول: (فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به). قال كما نلاحظ (خفتم)، مخاطباً جميع المسلمين. ولم يقل خفت يا محمد، ويكون الخطاب للرسول وحده.
هذا بعض من كل وقليل من كثير من مسؤولية الرؤساء والحكام في الإسلام. أما مسؤولية علمائه فليست أقل شأناً منها عند أمرائه، فهم توأم الأمراء في المسؤولية وفقاً لما ورد في الحديث الشريف: ((صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت وإذا فسدا فسدت العلماء والأمراء)): العلماء العاملون المخلصون، والأمراء الرحماء العادلون.
وأولى مسؤوليات العلماء تتعلق بالدعوة إلى الله الواحد الأحد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توصلاً إلى إعمار البلاد وإسعاد العباد، وترسيخ قواعد العدالة والأمن، وضبط العلاقات الإنسانية العامة في إطار من الخير المطلق والنفع العام.[/]
 
رد: كلكم راعي وكلكم ومسؤل عن رعيته

رد: كلكم راعي وكلكم ومسؤل عن رعيته

بارك الله فيك موضوع جميل اخوي الفرحان
 
رد: كلكم راعي وكلكم ومسؤل عن رعيته

رد: كلكم راعي وكلكم ومسؤل عن رعيته

بارك الله فيك موضوع جميل اخوي الفرحان
الله يبارك اخيه على مرورك الكريم وتشريفك الرائع لمتصفحي . مع اطيب تمنياتي لكِ بالتوفيق ...
 
رد: كلكم راعي وكلكم ومسؤل عن رعيته

رد: كلكم راعي وكلكم ومسؤل عن رعيته

fdbd0.gif
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى