علاج بولندا لمصابي الحبل الشوكي

اسير اعاقتي

عضو جديد
بسم الله الرحمن الرحيم

في سابقة هي الأولى من نوعها، وقد تشكل علامة مهمة في مسيرة تطور الطب الحديث، نجح مريض بولندي مصاب بالشلل التام نتيجة تعرضه للطعن عدة مرات بسكين، تسببت في قطع الحبل الشوكي، من المشي بضع خطوات، بعد أن قام فريق مشترك من الجراحين البولنديين والعلماء البريطانيين بإعادة وصل طرفي الحبل الشوكي مرة أخرى. وقبل الاستطراد في أسلوب العلاج الحديث، الذي وصفه البعض بأنه قد يكون أكثر أهمية من نجاح الإنسان في المشي على سطح القمر، يجب أن نتوقف قليلاً عند حجم مشكلة إصابات الحبل الشوكي. حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما بين 250 ألفاً و500 ألف شخص يتعرضون سنوياً لإصابات خطيرة في الحبل الشوكي. ففي الولايات المتحدة وحدها يقدر أن 12 ألف شخص يتعرضون سنوياً لإصابات في الحبل الشوكي، ويوجد حالياً 250 ألف شخص مصابون بها بالفعل، وفي الصين يرتفع عدد حالات إصابات الحبل الشوكي إلى 60 ألف إصابة سنوياً. وبالنظر إلى هذا العدد الهائل من المصابين كل سنة، وأخذاً في الاعتبار أن مصابي الحبل الشوكي يتعرضون للوفاة المبكرة، بمقدار ما بين ضعفين إلى خمسة أضعاف معدلات الوفيات بين الأشخاص الأصحاء، تعتبر إصابات الحبل الشوكي من القضايا الصحية المهمة، نتيجة ما تسببه من إعاقات، وما ينتج عنها من وفيات.





ويتكون الحبل الشوكي من نسيج عصبي تحيط به بعض الخلايا المساندة، ويمتد من الجزء الخلفي من قاع الجمجمة، عبر العمود الفقري، وحتى نهاية الفقرة القطنية الأولى، أي إلى آخر منطقة القفص الصدري والضلوع تقريباً. ويشكل الحبل الشوكي، مع المخ، ما يعرف بالجهاز العصبي المركزي، ويضطلع بثلاث وظائف رئيسية: 1- إيصال الأوامر العصبية من المخ إلى العضلات. 2- نقل المعلومات الحسية في الاتجاه المعاكس، من مناطق الجسم المختلفة إلى المخ. 3- تنظيم وتنسيق بعض الاستجابات العصبية والحركية محلياً، أي دون الرجوع للمخ.
ويتعرض الحبل الشوكي للعديد من الأمراض والعلل، الناتجة إما عن اختلالات وراثية، أو عيوب خلقية، أو عدوى، أو بسبب السرطان. إلا أن الإصابات الناتجة عن الحوادث، أو العنف، تعتبر هي الأكثر انتشاراً، حيث تشكل الحوادث 90 في المئة من إصابات الحبل الشوكي. وتعتبر حوادث السيارات على رأس أسباب إصابات الحبل الشوكي، وأكثرها حدوثاً على الإطلاق، وتليها الإصابات الناتجة عن السقوط، وحوادث العمل، والإصابات الرياضية، والإصابات الناتجة عن اختراق جسم حاد للعمود الفقري، مثل الطعن بسكين، كما هو الحال مع المريض البولندي سابق الذكر، الذي هو مثل غالبية المصابين، لم يجد معه العلاج الطبيعي المكثف نفعاً، حيث ظل مُقعداً، فاقداً للإحساس في أكثر من نصف جسده، وللقدرة على المشي، أو التحكم في التبرز والتبول، وفاقداً لقدرته الجنسية.

ويمكن تلخيص ما قام به الجراحون البولنديون، والعلماء البريطانيون في الخطوات التالية، أولاً: استئصال واحدة من (البصيلات الشمية)، وهي نسيج عصبي يوجد في أعلى الأنف، ويلعب دوراً محورياً في حاسة الشم. وتحتوي هذه البصيلات على خلايا متخصصة (OEC’s)، تعمل كممر أو درب، يسمح للألياف العصبية الموجودة في الأنف أن تتجدد بشكل دائم ومستمر، حيث تعتبر الدائرة العصبية المعقدة المسؤولة عن حاسة الشم هي الجزء الوحيد من الجهاز العصبي الذي يمكنه تجديد نفسه تلقائياً. ثانياً: فُصلت تلك الخلايا المتخصصة، وزرعت في أطباق المعامل لزيادة عددها. ثالثاً: بعد أسبوعين، وعندما وصل عدد الخلايا إلى نصف مليون خلية -لا يزيد حجمها على بضعة مليمترات- حُقنت من خلال حقن مجهرية، فوق وتحت مكان انقطاع الحبل الشوكي. رابعاً: قام الجراحون بنقل أربع سلخات من الألياف العصبية من الكاحل، وزراعتها فوق الفجوة الناتجة عن انقطاع الحبل الشوكي.

وحسب الدراسة التي نشرت في إحدى الدوريات المتخصصة في نقل وزراعة الخلايا (Cell Transplantation)، بدأ المريض يشعر بتغير بعد ثلاثة شهور من زراعة الخلايا، عندما بدأ حجم العضلات في فخذه اليسرى في الزيادة. وبعد ستة أشهر نجح المريض للمرة الأولى في أخذ بضع خطوات، بالاعتماد على دعامات للساقين، وبالاستناد على قضيبين حديديين، وبمساعدة إخصائي العلاج الطبيعي. والآن، بعد مرور عامين على الجراحة، أصبح المريض قادراً على المشي بضع خطوات خارج مركز التأهيل، باستخدام إطار معدني يساعد على المشي، كذلك الذي يستند إليه بعض كبار السن.

وهذا الاختراق الطبي بالغ الأهمية، يُثبت خطأ الاعتقاد الذي دام لقرون وعقود طويلة، بأنه من المستحيل إعادة توصيل الحبل الشوكي المقطوع. وفي ظل كون هذا النجاح قد تحقق باستخدام خلايا من جسد المريض نفسه، فلن يحتاج المريض للأدوية والعقاقير المثبطة لجهاز المناعة، كما هو الحال مع عمليات نقل وزراعة الأعضاء من شخص إلى شخص، لمنع الجسم من رفض ومهاجمة العضو أو الخلايا الغريبة. ولا ينوي الأطباء الذين حققوا هذا النجاح، تحقيق أية مكسب مادية منه، بل إن المريض الذي خضع لكل تلك الإجراءات لم يتحمل أية تكلفة، حيث تم تمويل هذه التجربة العلمية المثيرة من قبل الجهات الخيرية المعنية بمساعدة مرضى الشلل. ولكن تبقى نقطة ضرورة تكرار هذا النجاح مع مرضى آخرين، حتى يثبت أنها لم تكن حالة فردية، كي يتمكن الأطباء من تعميم هذا الأسلوب على بقية مرضى إصابات الحبل الشوكي.


منقول
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى