علاج الطفل المعاق والفنون التشكيلية

لطيف الحبيب

عضو جديد
علاج الطفل المعاق والفنون التشكيلية
لطيف الحبيب / برلين
11.12.2012
لعب العمل الإبداعي الفني دورا أساسيا في تطوير تاريخ البشرية و شخصية الإنسان , فالتعبير الفني الإبداعي حاجة إنسانية ,ليس فقط لإشباع رغبات الإحساس الجمالي , بل لإطلاق قدرات الإنسان ومكنوناته بأشكال متنوعة من التشكيلات والتجسيمات والألوان , تأخذ أبعادا فنية جديدة , تعبر عنها أعمال الرسم والنحت والخزف , و تطرح بدورها أسئلة الإنسان العالقة في ذهنه ونفسه , فكل إنسان يولد يحمل في طيات روحه حس الإبداع الجمالي الفني, تتبلور ملامحه الأولى منذ الطفولة . يتفرد الطفل المعوق بخصائصه النفسية والحياتية , فتوفر له فضائات تخيلية ورؤى إبداعية تختلف عن الأخر , تمكنه من التعبير عن خلجاته وأحاسيسه واشكالياته بطرق وأساليب غير معتادة , توسم بعض الأحيان بالجنون , فمادة الإبداع الفني غير متناهية , تمكن المعاق من أن ينهل منها ما يشاء , لتأهيل وتطوير قدراته التعبيرية بأساليب متعددة من التواصل اللغوي اللفظي وغير اللفظي . نشاطات المعوق الفنية الإبداعية من العوامل المكونة لجزء من ملامح نضج شخصيته وتطورها , كما إنها تتيح له فرص كبيرة في المشاركة في الحياة الاجتماعية العامة
خلال :-

• تنمية قدرات الطفل المعوق الحسية ,عبر اكتشافه خواص المواد المستخدمة في انجاز العمل الفني, مثل الألوان والورق وتطوير قدرته على اتخاذ القرار , باختيار الموضوع واستعمال النموذج المناسب له .
• تحسين سيطرته الحركية في استخدام الأدوات المستعملة في انجاز العمل .
• تطور كفاءته في إطلاق التعبير الإيمائي الإيحائي , بمظاهر الاعتزاز والفرح عند نجاح عمل .
• إطلاق جزء من ذاته و التعبير عن مشاعره , خلال رموز أعماله الفنية , وكثيرا ما استخدمت هذه الإعمال من قبل الباحثين في شؤون الإعاقات , للتعمق في سبر اغوار شخصية المعاق وكشف مكنوناتها .
• الاتصال المباشر لجسد المعوق مع الألوان وروائحها , وأدوات الرسم , والطين وليونته , تفتح أمامه عوالم جديدة تضاف إلى خبراته المكتسبة .
• تحرير مخيلة المعوق من الخوف والتردد .

( - كلمة Therapie مشتقة من الكلمة اليونانية Therapeia ,

و تعني رعاية إنسان , تطورت عبر الزمن الى معني العناية بالإنسان وخدمته , فهي إحدى الوسائل التقنية لتنمية وتطوير وتأهيل الجوانب الشخصية للمعوق عبر العلاج الحركي- التشنج - وعلاج تقويم اللغة والعلاجات الموسيقة والافراط الحركي , وعمل جهيد لإحداث تغير في الفرد , إضافة إلى أنها عملية نفسية واسعة الأفاق , ولا تعني على الإطلاق مداواة وشفاء الإعاقة العقلية .

يلتقي في برلين منذ عام 1989عدد من المعوقين وغير المعوقين المهتمين في الفنون , منها الموسيقى والرسم والنحت , بينهم العديد من الفنانين والمدربين المحترفين لهذه الفنون , لممارسة هواياتهم المختلفة , التي تتيح التعرف على الأخر من قبيل التطلع والفضول فممارسة العمل الإبداعي الجماعي يحفز إمكانيات وقدرات المعاق ويطلق لها العنان , عبر تفاعله مع الفنان الغير المعاق , واطلاعه على عمله المنجز, مما يدفعه لمحاولة تقليده ومحاكاته , التي بدورها تودي الى بناء علاقات اجتماعية جديدة , مبنية على كل أنواع التواصل الغوي اللفظي وغير اللفظي , فمن خلال فضاء الاطمئنان والألفة الجماعية , يتخطى المعاق الكثير من الحواجز النفسية بعيدا عن الوحدة والخوف والتردد ).

استخدام الألوان وأدوات الرسم من قبل الطفل المعاق هي طرق علاجية غير مباشرة , يؤكد أهميتها رغبة المعاق بتنفيذ عمل ما على الورق , فيلجا إلى استخدام مواد وأدوات الرسم المناسبة , كمسك فرشاة أو قلم الألوان أو قطعة طباشير ملونة , إضافة إلى وضع سطح اليد والذراع على أنواع مختلفة من الورق الخشن والناعم . من الطرق العلاجية المعروفة لإعاقة التشنج ,فتح راحة الكف على سطح أوراق كبيرة باتجاهات مختلفة , استرخاء جسم التلميذ في وضع مناسب يمكنه من الوصول إلى الورق أو الألوان , فحركات الجسم كالاضطجاع والجلوس والركوع تحرر المعاق من الاعتياد على وضع معين ,كما هو الحال في الجلوس الدائم على كرسي متحرك , كلما اتسعت مساحة الطاولة والورق , ازدادت حركة جسم المعاق نشاطا , لذلك ينصح بالعمل وقوفا , حتى لو على مساند للوقوف , اخذين بنظر الاعتبار إن تنطلق حركة ذراع المعاق من الكتف وليس من الأصابع فقط , وصولا إلى استرخاء الجسم كاملا .أثبتت التجارب التطبيقية إن الرسم بالأصابع وبراحة الكف والقدم على مساحات كبيرة من الورق , تؤسس لخبرات جديدة لدى المعوق في معرفة خصائص جسده , و يؤثر بشكل ايجابي على مشاعره وأحاسيسه , ويطلق طاقات حركة جسده الرحبة , باستخدام اليد والقدم والأصابع كأدوات , لحمل وخلط الألوان ,و رسم أشكال مختلفة ملونة على الورق , فتحسس ورؤية نتائج وأثار الاستخدام المباشر لحركة أعضاء جسده تمنحه الثقة , وتزيد من قدراته في تغير وتطوير فعله اليومي , وكفائتة الحركية في محيطه ,وتمكنه أيضا من التحرر من مشاعر الخوف والانكسار في التعامل مع عالم الألوان . استخدام أعضاء الجسد في العمل تقود أيضا إلى تخفيف الاضطرابات والتشنجات العضلية في اليد , واغلب أعضاء الجسم , وحدة اضطرابات التناسق الحركي عند المعاق.

أدوات العمل وأنواعها

تلعب أدوات ومواد العمل المستخدمة من قبل المعوق دورا أساسيا في تطوير حركة أعضاء جسمه , وكلما تقلصت حركة الجسم لشدة الإعاقة , تطلب إنتاج ادوات عمل خاصة تلائم نوعها , فالتجارب المتنوعة مع ادوات الرسم مثلا تثري حس المعوق , وتفتح إمامه عوالم جديدة في توظيف أعضاء جسده , لتحويل اللون إلى مادة ليست بصرية فقط, وإنما مادة محسوسة, كلوحة أو بطاقة معايدة أو تهنئة , تدخل الفرح والسرور لقلبه , وتمنحه اعترفا بقدرته .
تستخدم وسائط وأدوات عديدة في مدارس إعادة تأهيل المعوقين , تلائم نوع الإعاقة ومهارة اليد الحركية , لمساعد المعاق, وتمكينه من نقل واستخدام الألوان على الورق أو القماش , منها الأدوات والوسائط التالية :-

الأقلام الملونة والاسفنج

يتعلم الطفل المعاق المقارنة بين ألوان البيئة وألوان الأقلام ,عبر استخدامها لتلوين الأشكال والأشخاص والحيوانات والأشجار, وتوصف بعض الأحيان بحسب ما يحيطنا من ظواهر ومكونات البيئة , فالقلم الأصفر يمثل الشمس والأزرق السماء والأخضر الأشجار . لمعالجة صعوبة مسك الأقلام , طورت مساند ومقابض لمساعدة المعاق في تحسين أدائه في استخدام الأقلام . يستخدم الاسفنج الصناعي لتلوين المساحات الكبير من الورق لخصائصه في امتصاص الالوان بكمية كبير , وطواعيته في المسك والقبض.

كما تستخدم الفرش المختلفة في ملئ المساحات الصغيرة والكبير ة من الورق أو القماش والجدران لخاصيتها في نقل الالوان المائية أو الزيتية. يجري الكادر التعليمي تحويرات مبدعة على ادوات الرسم المختلفة لجعلها ملائمة لعمل الطفل المعوق , فمثلا يمكن تذليل صعوبة مسك الفرشاة من قبل المعوق بتغيرات بسيطة على مقبض الفرش ," ثقب كرة خشب من الوسط , وإدخال مقبض الفرشاة داخل الثقب" , ليتمكن المعاق من قبض الفرشاة براحة الكف , ولفهم ادوات العمل وخصائصها ومصادر منشأها و تقريب التلميذ المعاق لبيئته ,يقوم التربوي مع التلاميذ المعوقين بجمع شعر الحيوانات وريش الطيور , وأجزاء من النباتات , وتستخدم كفرش طبيعية في عملية الرسم .

المرسم مكان العلاج

يجدد الكادر التعليمي في مدارس إعادة تأهيل الاطفال المعوقين معارفه باستمرار , فيعيد تاهيلية:في مختلف فرع المعارف العامة (دورات تاهلية اجبارية للكادر التعليمي في مدارس اعادة تاهيل المعوقين تقام من قبل مختصين تشمل اغلب فروع المعرفة منها الرسم , السباحة , الرياضة . الخ), ليكون ملما ببعض نواحي الفنون وقادرا على استخدام موادها وأدواتها , ومتمكنا من معرفة مواد الرسم واستخدامها , كقطع القماش المستعملة أو قطع الخشب العريضة , وأنواع ورق الرسم , إضافة إلى الطرق الصحيحة لخلط واستخدام الألوان .

يحدد الكادر التعليمي مكان وقواعد عمل الرسم في غرفة خاصة وفق الاعتبارات التالية :-

• سعة مكان العمل ليتمكن التلميذ المعوق من الحركة الحرة , ونشر أوراق بمختلف الحجوم على طاولات العمل, إضافة إلى توفير أماكن للكراسي المتحركة للمعاقين وتوفير إضاءة بشكل امثل.
• تحديد أماكن أمنة مؤشرة ومعلمة بصريا لحفظ ادوات الرسم , ليتمكن التلميذ من الوصول إليها , والعناية بالمواد والأدوات المستعملة من خلال , غلق علب الألوان بعد الاستعمال حتى لا تجف , وغسل الفرش والأدوات الأخرى بعد الانتهاء من العمل .
• ارتداء ملابس العمل قبل البدء بعملية الرسم واستخدام الألوان .
• منع التلميذ من استخدام أقداح ماء الألوان لشرب الماء, ومنعه أيضا من تبليل الفرشاة أو إدخال أصبعه في فمه , وغسل الأيدي باستمرار.

من الألوان المهمة المستخدمة بشكل واسع في العمل مع الاطفال المعوقين ما يسمى "ألوان الأصابع ", ألوان كثيفة تحتوي على القليل من مواد الصمغ والمواد الكيماوية الأخرى , ويمكن تخفيفها وإزالتها بالماء , إضافة إلى استخدامها البسيط , فمثلا يغطس الإصبع في ألون وينقل إلى الورق , فتترك حركة الإصبع على الورق أشكالا عفوية جميلة , أو تغطى راحة الكف والأصابع كاملة بلون معين , ثم تضغط على الورق , حتى يظهر شكل الكف والأصابع بخطوط متقطعة تثير استغراب وفرح التلميذ المعاق . يطلب من التلاميذ تغطية إقدامهم العارية , بألوان متعددة والسير على ورق طويل وعريض , فيشاهدون اثر خطاهم الملونة ,مما يخفف من بعض التردد و الخوف من الانزلاق. تبذل جهود اخرى في توظيف الموسيقى والغناء والرقص في معالجة وتاهيل الاطفال المعوقين من اجل الارتقاء بالطفل المعوق والعودة به الى مجتمعه من حافتة.
لطيف الحبيب
 
رد: علاج الطفل المعاق والفنون التشكيلية

بارك الله فيك إستاذ/ لطيف
واشكر جهودك الطيبه والمباركة واشكرك
إحترامي وتقديري .
 
رد: علاج الطفل المعاق والفنون التشكيلية

الاخت الفاضلة دمعة امل
اشكرك على اهتمامك بالموضوع , وطيب التحية لك
لطيف الحبيب
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى