الأعمى يرى النور ببصيرته فمتى يراه ببصره؟

مريم الأشقر

عضو جديد
الأعمى يرى النور ببصيرته فمتى يراه ببصره؟

ليلى أحمد الأحدب

طرأت على صحيفة الوطن مؤخراً تغييرات عديدة في الشكل والمضمون وأهم إنجاز من وجهة نظري هو سبق الصحيفة للانطلاق بلغة برايل بالتعاون مع جامعة الملك سعود، كما في الخبر الوارد بتاريخ 20/5/2009 ؛ فليس أجمل من أن يشعر الإنسان بمعاناة هؤلاء الإخوة الذين فقدوا حاسة البصر وهي الحاسة التي يعتبرها كثيرون أهم الحواس الخمس، فيعمل على تخفيف معاناتهم وتمكينهم من ممارسة الحياة الطبيعية كغيرهم من المبصرين.

ترافق الخبر الجميل باستلامي لبريد إلكتروني من الدكتور طارق أبو غزالة - من المركز الطبي الدولي بجدة - يحوي فيديو لرسام تركي يصوّر بيده ما عجزت عيناه عن رؤيته، وكان تعليق الزميل أبو غزالة أن هذا الرسام يتحدى ما يعرفه العلم عن الرؤية والإبصار، مستشهدا بالآية الكريمة (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

الفيديو مذهل بكل معنى الكلمة لأن مفهومنا عن الشخص الذي ولد أعمى هو أنه لا يعرف أي شيء عن الألوان بل إنه لا يرى إلا الظلام أمامه، لكن الرسام التركي يلمس الألوان بيديه كمن يراها، ويضع على أصابعه شيئاً منها ثم يبدأ بتلوين اللوحة أمامه التي تتحول بقدرة قادر إلى شيء رائع، ويترافق عرض الفيديو مع فقرة لبروفيسور علم نفس من كندا يحكي لطلابه عن هذه المعجزة، التي جعلت الأطباء في جامعة هارفارد عاجزين عن تفسيرها، حيث استقبل الرسام التركي بحفاوة هناك وتم تصوير دماغه بالرنين المغناطيسي، وقبل أن يبدأ بالرسم كانت المناطق المبصرة كلها معطلة عن العمل وما إن أخذ بغمس أطراف أصابعه بالألوان وصبغ اللوحة بها، إذا بالمناطق المعطلة تشتعل بالحياة وكأن الرجل يبصر حقيقة، ومعنى ذلك علمياً أن القدرة البصرية ليست موجودةً فقط في أعصاب العين لكنها قد تكون موجودة في بنان الأصابع حيث الشبكة العصبية نامية لأبعد حد، هذا إذا لم تكن تلك القدرة موجودة في كل منطقة بها نسيج عصبي!

منذ فترة اتصل بي الأخ والزميل سلمان عسكر من صحيفة الوطن يسألني عن حالة رجل مشهور بإحدى المناطق الجنوبية يجول منطقته وحيدا دون الاستعانة بأحد سوى عصاه، وقد نشرت الوطن إجابتي وهي أن من فقد حاسة البصر يصبح لديه تعويض بنمو حاسة أخرى كالسمع، فهذا الرجل يعتمد على قرع الأرض بعصاه ليستدل على طريقه من خلال ارتداد صوت قرع العصا بالأرض، ومن الطبيعي أن حاسة اللمس تنمو هي الأخرى، والدليل هو أن طريقة برايل للقراءة تعتمد عليها، لكن السؤال في حالة الرسام التركي هو: كيف نمت حاسة اللمس لديه إلى تلك الدرجة بحيث أصبح قادرا على الرسم أفضل من كثير من المبصرين؟!

يقال (إذا أردت أن تحرج أحداً فاجعله يصف قوس قزح لشخص أعمى لم يبصر شيئاً منذ الولادة) لكن هذا الرسام الأعمى أحرج العلماء في هارفارد لأنه كان يعرف ألوان الشجر والأزهار والبحر والبيوت والطيور وبالتأكيد يعرف ألوان قوس قزح في قلبه وبصيرته حتى وإن لم يره ببصره، فسبحان الله القادر على كل شيء والذي وسعت رحمته كل شيء!
لا يكفي أن نشكر الله على عنايته بالمكفوفين ومنحهم تعويضاً عن النقص الذي لديهم، بل من واجبنا أن نساعدهم على تلافي هذا النقص كلياً، ولذلك فقد كانت الوطن سباقة بهذا الإنجاز، فما أجمل أن يعرف المصاب بفقد البصر ماذا يجري حوله وأن يكون قادرا على قراءة الصحف والاطلاع على المقالات، وإذا كانت بعض قنوات التلفاز تخصص ترجمة لبعض نشرات الأخبار بلغة الصم فإن الأعمى تفوته الصور، لذلك أجد نفسي مشحونة بالأمل - بعد رؤية فيديو الرسام التركي - أن يصل العلم لتمكين الأعمى من الإبصار أو عكس صورة ما لا يراه على دماغه بمساعدة كمبيوتر مخصص.

هذا يذكرنا بقصة الفرنسي فيليب فيغان الذي ألف كتابا اسمه (تحدي عالم الصمت المطبق) بعد أن أصيب بمتلازمة (لوك إن سندروم) وهو بعمر 33 سنة، وهو مرض خطير يصبح معه الإنسان في حالة شلل تام فلا يستطيع تحريك أي عضو في جسده فيمتنع عليه كل شيء بما فيه الكلام، ومع أن القوى العقلية تبقى كما هي فإن صاحبه يكون حبيس جسد معاق تماما، وقد تغلب فيغان على إعاقته بمعونة زوجته بعد استعانته بكمبيوتر يساعده على الكتابة من خلال حركة الأجفان، مصنوع بالولايات المتحدة الأمريكية التي سخرت التكنولوجيا لتلبية حاجات الجنود المعاقين العائدين من فيتنام، ولكن الكمبيوتر الخاص بفيغان كان عبارة عن آلة تسمح له بكتابة ما يريد فأصبح بإمكانه كتابة صفحة كاملة خلال ساعتين، وهكذا وضع كتابه خلال خمس سنوات ليعلّم الناس فن التحدي، وقد كان لزوجته فضل كبير عندما رفضت أن تستسلم بل تعاملت مع زوجها منذ إصابته كأي إنسان طبيعي، لأن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر وليست إعاقة الجسد.

ما دعاني لكتابة هذه المقالة هو قلة الكتابات عن معاناة المكفوفين، والبارحة كنت أتابع قناة رياضية بالصدفة فرأيت مباراة كرة قدم للمكفوفين، والكرة في داخلها بعض القطع المعدنية التي تصدر صوتاً يستدل المكفوف من خلاله على مكان الكرة، إضافة إلى أن لكل فريق مساعد يوجههم إلى مكان الكرة في حال سكونها، وهذا الخبر بث في داخلي شعورا جميلا بقوة الحياة والقدرة على التصميم، وتذكرت أن من حق هذه الفئة الغالية علينا أن نذكرها بمقالة؛ وإذا كان أبو الطيب المتنبي قد قال (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي..) فأنا أقول( لعل أعمى بصر مفتّح البصيرة يطلع على مقالتي من خلال نسخة الوطن بطريقة برايل فأكون حققت من باب الإنسانية ما قاله أبو الطيب من باب الفخر).

في الختام أرفق رابط فيديو الرسام التركي الأعمى للإخوة القراء مع رجائي أن يتمكن الإخوة المكفوفون من رؤية هذا الإبداع قريباً فالله لا يعجزه شيء وفوق كل ذي علم عليم

http://video.google.com/videoplay?do...71421768921322

التعليقات

جزاك الله خير على هذه المقاله والله يعطيك الاجر على ما كتبتيه على الانسان دائما ان يراعي ما يكتب لان اي مقاله تكتب من اي كاتب سوف تعرض امامه يوم القيامه فأسئل الله ان يكون هذا المقال في ميزان حسناتك

لاشك أن الله تعالى هو من يعطي وهو من يأخذ : " وكلّ شيء عنده بمقدار " وهو سبحانه من وضع نواميس العلم وقواعده وهو من يدل الناس عليها إن شاء , وطلب العلم أمر مطلوب , والأعمى انسان يعاني من مشكلة تعيقه عن كثير من الأمور فيجب مساعدته والفرح بما يحقق وما يحَّقق له

عبدالله المطيري

كم أنتِ رائعة يا دكتوره ليلي ..
عبدالله الهاجري


سبحان الله ،ولله في خلقه شئون -فعلا [فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور] وسبحان الخالق العليم_ تحياتي للجميع.

القرني

مقال رائع تشكرين عليه علماً بان شهادتي فيك مجروحه كوني من المعجبين المتابعين وبشغف لما تكتبين .. دمتي بخير .

بدر الحمدان

(قـتـل الانـسـان ماأكفـره) عندما تقرأ مثل هاذا تسجد سجده شكر لله على نعمة البصر غير النعم الاخرى التي لاتحصى .. وغيرهـ لايمتلكها .. ليـت كل كتبات الكتـاب مثل هاذا ...وجزاكـ الله خــير

عـــــــبدالـــمجــــــــيـــــــــــد

يسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- " أحساس رائع " أشكرك أخت / ليلى أحمد الاحدب على هذا المقال الجميل و يخلي الأنسان يقف مع نفسه ويتأمل النعم الكريمه التي ما نحس فيها الا بعد فقدانها . ( وأسئل الله الصحة والعافيه لكي ولجميع القائمين على هذه الجريده وجميع المسلمين والمسلمات )

عارف بن عيد العنزي

من اروع المقالات التي قرأتها.. مؤثر جدا مقالك د.ليلى...بارك الله فيك وفعلا "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" هذا الرسام التركي وفيليب فيغان ماهما الا دليل على ان مهما افتخرنا بتطور العلم الا ان لاينتهي

وجدان

مبدعه كعادتك وارجو ان يكون ادبك هو اول ماسيصل الا قلب اعمى بصر لان ذلك سوف يعني له الكثير شكراااا لك
من اكثر المتابعين لكتابات ليلى


http://www.alwatan.com.sa/news/write...11815&Rname=55
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى