لذوي الاعاقة:استراتيجية التغيير القرآني ..إرادة وإدارة

السميري

عضو جديد
[frame="13 98"]استراتيجية التغيير القرآني .. إرادة وإدارة

دراسات في آيات أو سور, قراءة في كتاب أو فكرة,
منهجيات التغيير والنجاح, وقفة مع آية | محرر1 | أكتوبر 24, 2011 الساعة: 8:05 ص


اتَّبع القرآن سنة فريدة في التغيير؛ ابتدأ ترتيب المصحف بتعليمها للمكلَّفين دعاء يخرج من أعماق قلوبهم، جعله متكرِّراً في يومهم وليلتهم تكرار عبادة وتبتل، يُقاس خشوع المؤمن بمدى انسجامه معه..
اقرأ سورة الفاتحة التي هي فاتحة القرآن، وفاتحة الصلاة، وفاتحة الطريق في منهج الله كله، وفيها دعاء يحكيه القرآن على لسان المؤمنين: {اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 6-7].

والسر العجيب في هذا السياق القرآني أنه ذَكَرَ التغيير لا على سبيل الأمر والطلب من المشرِّع للمكلَّف، ولكن على سبيل رغبة المكلَّف وشوقه ورجائه بدعائه {اهدنا}، الذي يدل على الرغبة المضافة إلى التذلُّل والأمل والرجاء.


وهذا هو التنزيل المعجز من إله خالق يعلم أن الحمل على الشيء بالإكراه لا يولِّد الاستقامة؛ فعلَّمتنا سورة الفاتحة أن التغيير الإيجابي أمر تطمح إليه النفس المستقيمة، وترجوه وتتوق إلى تحقيقه لا تُحمل عليه حملاً، ولا تؤطر عليه أطراً، إلا بقدر ما تذكّر بضرورة العودة إلى فطرتها على طريق هذا التغيير المنشود.

لقد شعر أهل مكة قبيل البعثة بحاجتهم إلى التغيير بعد أن بلغ الظلم أوجه، وَعَدَا الأقوياء على الضعفاء إلى حدٍّ ضجَّت معه رمال مكة؛ فدعا وجيه من وجهائها يُدعى عبدالله بن جدعان إلى حِلْفٍ لنصرة المظلومين عُرِفَ بـ(حلف الفضول)، وكان النبي (ص) ممن حضر هذا الحلف وبارك بنوده التي خَطَتْ خطوة في طريق التغيير، وشكَّلت إرهاصاً من إرهاصات النبوة الوشيكة، حتى قال عنها (ص) بعد ذلك: “لقد شهدتُ في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أُحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت”. وفي هذا الحديث الشريف إقرار من النبي (ص) ببذرة الخير التي كانت أرض مكة أهلاً لها لترشحها لاستقبال وحي السماء، في جملة من مكارم الأخلاق وحميد الخصال، التي كان العربي يتحلَّى بها، ويشير إليها نبينا (ص) بقوله: “إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق”.

فأصول الأخلاق موجودة، ودور النبوة إتمامها وتوجيهها.

ومن إعجاز سورة العلق التي كانت أول التنزيل أنها تتناول سبب طغيان المكلَّفين وضياعهم عن درب الهدى: {كلا إن الإنسان ليطغى . أن رآه استغنى} [العلق: 6-7]. وإن كان سبب نزولها أباجهل -فرعون هذه الأمة- فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن سبب النزول ساعدنا في تفسير الآية التي تتوعَّد الرافضين للتغيير، ولا يملكون الإدارة التي تحملهم عليه استكباراً من باطلهم على الحق: {أن رآه استغنى}.

فأبو جهل يتفاخر على النبي (ص) بكثرة ماله وأتباعه الذين يحسب أنهم رصيد له في مواجهة نور الحق؛ فيأتيه الجواب عاجلاً: {إن إلى ربك الرجعى}[العلق:8]. وهذه الحقيقة -حقيقة البعث بعد الموت- هي الباعث على التغيير؛ فالدنيا مزرعة الآخرة، وما تزرعه فيها تحصده إذا انقلبت إلى مصيرك المحتوم، وبقدر التسليم بهذه الحقيقة تكون قوة الإرادة للتغيير المنشود، فإذا توافرت الإرادة صار لا بد من إدارة هذا التغيير، ولأن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فإن إدارة التغيير بعد توافر الإرادة له هي التي توجِّه هذا التغيير إلى منفعة المكلفين.

وتتلخص إدارة التغيير باستقبال الرسل للوحي الذي كلفهم بذلك بأنفسهم وبمن يرث رسالتهم من أتباعهم: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً . ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلَّم الله موسى تكليماً . رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً} [النساء: 163-165].

والنبي (ص) يُقرِّر أن علماء الأمة هم ورثة الأنبياء في وظيفتهم بالدعوة والتغيير، فقد روى أبوالدرداء في حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: “من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”. فأعْظِمْ به من إرث!
د. أحمد شحروري
[/frame]
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى