الدوافع الشخصية وراء العمل التطوعي بين المتوقع والواقع

alnour

عضو جديد
الدوافع الشخصية وراء العمل التطوعي بين المتوقع والواقع

ان الدافع أو الاستعداد للعمل يكمن في داخلنا وفي اعماقنا، ولا يمكن ان يكون مصدره خارجيا، فهو مصدر رغبتنا في مساعدة الآخرين، وتعريض أنفسنا للمخاطر دون خوف او تردد من اجل فكرة، حاجة، هدف او مبدء نؤمن به. الا ان التجربة هي الشمس التي تضيء على هذه المشاعر وتظهرها وتترك لها فرصة النمو، التطور، والظهور بأشكال مختلفة.
هل ما زال التطوع في يومنا هذا يعبر عن قيم اصيلة نؤمن بها؟......هل مفهوم التطوع لدى الشباب اليوم يختلف عما كان عليه في السابق؟...وهل ما زالت استعداديتنا للتطوع وتوقعاتنا منه مرتبطة بالمصلحة العامة؟

بقعة من الضوء كان لابد من اسقاطها وان ازعجت بصرنا احيانا وآلمتنا كذلك، ولكنها ستبقى حقيقة لابد لنا من رؤيتها وفهمها وادراكها ليتسنى لنا لاحقا ان نعرف كيف نستدخلها ونتعامل معها..... عمل يقوم به فرد او مجموعة من الافراد من خلال تقديم قدراتهم وجهودهم ومواهبهم واوقاتهم، بهدف تنمية مجتمعاتهم وتقديم المساعدة للاخرين بدون مقابل، هذا ما يعرف بالعمل التطوعي (المركز الفلسطيني للإرشاد 2008) والذي يعد في يومنا هذا اساسا لبناء المجتمعات، تطويرها، وتنميتها. حيث أن الحكومات لم تعد قادرة على القيام منفردة بدورها التنموي وسد احتياجات أفرادها ومجتمعاتها، دون التعاون مع جهات أخرى تساهم بشكل مواز في تنمية المجتمع.
ان الدافع الكامن خلف التطوع يختلف كثيرا من شخص الى شخص آخر، ومن مؤسسة الى مؤسسة اخرى، ومن مجتمع الى مجتمع آخر... ولكي نستطيع فهم هذا الاختلاف لابد من الوقوف على كل منها، والتجول ما بين واقع التجربة الشخصية وواقع العمل المؤسساتي والحاجة المجتمعية، لننظر الى الدافع من وراء العمل التطوعي من اكثر من زاوية واكثر من بعد.
سنقف في هذه المقالة على احد هذه الدوافع، وهو العامل الشخصي او الدافع الشخصي من وراء التوجه للعمل التطوعي، بهدف فهم اثر هذا الجانب على العمل التطوعي كمتغير اساسي له دوره، أبعاده، وآثاره على أهداف و نتائج التطوع. ان الدافع الشخصي وراء العمل التطوعي يأخذ الدرجة الاولى في تشكيل الدافعية ،المبادرة والتوجه نحو التطوع ،وبالرغم من ذلك فيمكن القول انها قد تشكل ايضا اخطر الدوافع لارتباطها بجوانب شخصية، والتي قد تؤدي الى تخطبات مختلفة لدى كل من المتطوع والمؤسسة في حال عدم دراستها ، فهمها والاستعداد لها من خلال استدخال نظام واضح ينظم العملية التطوعية قبل البدء بالبرامج التطوعية المختلفة في اي مؤسسة.
هناك العديد من النظريات التي فسرت دوافع ومحفزات التطوع و منها نظرية كيد ( J. R. Kidd)، والتي تحدث فيها عن وجود عوامل داخلية وخارجية تتعلق بالحافزية والدافعية للتطوع، ومن العوامل الداخلية يأتي البحث عن الانشطة والمتعة والفرص المختلفة، الحاجة الى الشعور بالرضى عن الذات، والحاجة الى التفاعل الاجتماعي. واما عن الدوافع الخارجية فقد تناول كيد الرغبة في الانتاج، الحاجة الى التعزيز اللفظي والمعنوي باشكاله المختلفة. ومن النظريات ايضا حول الدوافع التي غالبا ما يشار إليها في ادبيات التطوع ل فيتش(Fitch) والذي اشار فيه الى ثلاث فئات من الدوافع: حب الخير، ارضاء الانا، والتفاعل الاجتماعي. وعن دافع حب الخير فيمثل الرغبة بمساعدة الآخرين، اما عن ارضاء الانا فمن خلال زيادة المهارات، والمعرفة، واحترام الذات، و اما عن الدوافع الاجتماعية فتعبر عن البحث عن الانتماءات الاجتماعية والأنشطة ( Utah Arts Council Publication, 2006).
إن الرغبة في تناول هذا الموضوع تكمن في الحاجة الى فهم وتسليط بقعة من الضوء على دوافع التطوع وعلاقتها بازدياد نسبة وإعداد المتوجهين من الشباب نحو العمل التطوعي مع وجود تراجع عام واضمحلال في قيم التطوع ومفهومه في وقتنا الحالي....وتنبع الرغبة في دراسة دوافع التطوع من تجربتنا في الحقل التطوعي ورغبتنا في فهم المستجدات الحاصلة على واقع ومنظور التطوع لدى الشباب في يومنا هذا.
يتبى المركز الفلسطيني للارشاد منذ بداية تأسيسه مجموعة من القيم والمبادئ ومنها قيمة العمل التطوعي والتي ينطلق من خلالها في رؤيته لهويته ومنظومته الاخلاقيه ويبرمجها من خلال أهدافه وبرامجه المختلفة حيث يعمل على تركيز وتعميق قيمة التطوع عند متطوعية والعاملين لديه والمستفيدين من خدماته إيمانا منه بان العمل التطوعي هو ركيزة أساسية في تطوير المجتمعات ونموها. ومن أهم أدوات الربط في المركز الفلسطيني للإرشاد بين كل من مفهوم الصحة النفسية وقيمة التطوع يأتي برنامج أخ كبير – أخت كبيرة -وهو واحد من برامج الدائرة التربوية الاجتماعية- الذي يهدف إلى توفير إطار داعم للأطفال من سن 6-11 سنه بهدف تحسين وضعهم النفسي والاجتماعي وذلك من خلال توأمتهم مع متطوعين- طلاب وطالبات جامعيين- لمدة عام. ويتجاوز عمر هذا البرنامج اليوم العشر سنوات حقق خلالها الكثير من النتائج والأهداف. ويعمل المركز اليوم على نقل هذا البرنامج كنموذج إلى العديد من المؤسسات بهدف توسيع تقديم الخدمة جغرافياً، وتعميم الخبرة والفائدة إلى المجتمع بأشكاله المختلفة (مؤسسات، أطفال ،متطوعين...)
ومن هنا أيضا وبما أن المركز الفلسطيني للإرشاد يعتبر واحداً من المؤسسات الفلسطينية التي لا تنشق عنها وتعاني ما تعانيه سائر المؤسسات فيما يتعلق بتراجع قيمة العمل التطوعي، ومن خلال استطلاع لآراء بعض متطوعيه ومتطوعي المؤسسات الشريكة معه والربط بينها وبين الجانب النظري في الموضوع تم تحديد بعض الأسباب التي تفسر تراجع هذه القيمة لدى المتطوعين والمتطوعات.
ومن خلال هذا الاستطلاع والذي تم اجراءه مع 60 متطوع/ة موزعين على اربع مؤسسات مختلفة موجودة في 6 مقرات مختلفة وفي 4 مناطق (القدس، نابلس، جنين، عناتا)، والذي من خلاله تم الاستفسار عن:
• الدوافع الشخصية والأسباب من وراء التطوع.
• تاثير عدم تلبية توقعات التطوع على علاقته بالمؤسسة.
دراسات عدة فحصت دوافع التطوع ونلخصها كالتالي: دعم الجوانب الاخلاقية في المجتمع، تطوير المهارات الشخصية في فهم الاخر، تطوير مهارات الاتصال والتواصل مع الاخرين، زيادة المعرفة في جوانب التطوع، الشعور بان من لديه الكثير يجب ان يعطى من يملكون القليل، تخفيف الضرائب والاسعار، ورد القليل من فوائد المجتمع العائدة علينا.
وفي نظرة عامة على اجابات المتطوعين حول الاستفسار الاول (الدوافع الشخصية وراء انخراطهم في العمل التطوعي) كانت معظم اجاباتهم تدور حول مايلي:
1. تطوير الذات من خلال زيادة الخبرة والمعرفة والمهارات وتطوير مجال التخصص.
2. حب العمل التطوعي(حب العطاء، حب الخير، العمل الانساني، اخذ دور فعال في المجتمع).
3. مساعدة الاطفال وحب الاطفال واكتشاف عالمهم.
4. التفاعل الاجتماعي وتكوين اصدقاء جدد.
5. قضاء وقت الفراغ بالتسلية والمشاركة بالانشطة والفعاليات.
6. زيادة فرصة الحصول على عمل والحصول على شهادات خبرة – واثراء السيرة الذاتية.
7. الانخراط بالمؤسسات المجتمعية والتعرف عليها.
8. زيادة الثقة بالنفس.
9. حب الوطن والانتماء له.
10. الحصول على ساعات العمل التطوعي الخاصة بالجامعة.
11. الفضول وحب التجربة.
(ملاحظة: تم ترتيب العوامل المؤثرة حسب تكرار الإجابات، حيث أن العامل المذكور أولاً كان مهماً أكثر من العامل الذي يليه بالترتيب).
تظهر النتائج لجوء غالبية المتطوعين للتطوع من باب الحاجة الى المعرفة وتطوير مهاراتهم وخبراتهم الذاتية أكثر من كون التطوع وسيلة يساهمون من خلالها للعمل المجتمعي وضرورة وطنية، ويمكن تفسير هذه النتائج بالتالي:
• كما تشير الأدبيات المتعلقة بدوافع العمل وكما جاء في نظرية كيد والتي تحدث فيها عن الدوافع الداخلية ومنها الرغبة بارضاء الذات، والدوافع الخارجية المتمثلة بالرغبة في ايجاد ناتج فان حاجة المتطوع الى التطور والتعلم قد ترتبط بسعيه الى الشعور بالرضى عن ذاته، كونه يكتسب من خلال تطوعه مهارات مختلفة (مهارات اتصال وتواصل ومهارات العمل الجماعي، ادارة الوقت، التعبير عن الذات، مهارة التنظيم، وغيرها من المهارات) وفقا لطبيعة المؤسسة وطبيعة العمل الذي يقوم به، اضافة الى زيادة المعرفة والخبرة في مجالات مختلفة قد تكون ذات علاقة مباشرة وغير مباشرة بتخصصه الاساسي مما يسهم في تطوير الجانب العملي للتخصص وتحضيره لحقل العمل. كما انه ايضا بحاجة الى مبرر واضح لوجوده في اطر تطوعية في الوقت الذي يستهين فيه الكثيرين من هذه الاطر ويعتبرونها مضيعة للوقت وبالتالي فإن دافع الإنتاج من حيث تطوير الخبرات والمهارات اللازمة للتأهل لفرص العمل هو دافع كاف لتفسير اللجوء للتطوع خصوصا مع الظروف الصعبة التي نعيشها من حيث قلة فرص العمل ووجود منافسة شديدة على الوظائف، فبات لا بد للشاب ان يتوجه للتطوع بدافع تطوير ذاته وخبراته آملا في الحصول على وظيفة في المؤسسة التي يتطوع فيها او التأهل للحصول على وظيفة ما في احدى المؤسسات بعد ان اكتسب خبرة عملية من خلال التطوع .
• غلبة الحاجات الشخصية على المصلحة العامة والتي تعود الى افتقارنا للحاجات الأساسية التي تمكنا من الانتقال الى خطوة جديدة من حيث الاحتياجات كما هو معروف في سلم ماسلو للاحتياجات، ففي مقارنه عامة الى ما ورد في الإجابات السابقة وبين ترتيب الاحتياجات في سلم ماسلو نجد ان غالبية المتطوعين عالقين في الدرجات الأولى في السلم حيث يمكن القول ان الحاجة للتطور والتعلم تقع في خانة الحاجة الى الشعور بالأمان سواء المادي او المعنوي وحتى نصل الى الدرجة الثالثة المتعلقة بالحاجة الى الانتماء الى جماعة يتفاعل معها وتتفاعل معه، لا بد اولا من إشباع الحاجات التي تسبقها، حيث ان الحاجة وفقا لنظرية ماسلو هي التي تحرك السلوك وتدفعه واذا ما اشبعت احدى الحاجات فانها تتوقف عن كونها دافعا للسلوك وعندها ينتقل الفرد الى مستوى جديد او درجه جديدة من الحاجات ليبحث عن سبل إشباعها.
• ضعف الانتماءات الوطنية مع غياب وتشتت الهوية الوطنية خصوصا مع الاحداث الحالية والانقسامات الداخلية وفقدان الثقة بالحكومة والاحزاب السياسية الموجودة.
• تاثر الشباب بوسائل الاعلام المختلفة والتي اصبحت تركز على مفاهيم وقيم سطحية وغيبت المفاهيم والقيم الاساسية في تشكيل المجتمعات من الانتماء للوطن والانسانية والاحترام والعطاء وغيرها..
• تغييب الجامعات الفلسطينية لقيمة العمل التطوعي من خلال تقليل عدد الساعات المطلوبة وقلة المتابعة لنوعية وجودة البرامج الموجودة ونقص الاشراف والمتابعة لعمل الطلاب في المؤسسات .
اما نتائج الاستفسار حول تأثير عدم تلبية توقعات المتطوع من العمل الذي يقوم به في المؤسسات التي يتطوع فيها فقد كانت الاجابات عليه كالتالي:
1. مشاعر سلبية (الشعور بالاحباط وخيبة الامل والانزعاج والحزن).
2. كره المؤسسة، انعدام الثقة فيها، وفقدان مصداقيتها.
3. البحث عن مؤسسة اخرى.
4. الاهمال والتقصير في العمل.
5. التحدي من خلال البحث عن السبب وبدائل لحل المشكلة (المساهمة في تطوير المؤسسة، ايجاد مداخل أخرى، التفتيش عن طرق للتواصل).
6. كره فكرة التطوع.
7. عدم التأثر والاستمارر بالعمل.
وفي محاولة لتفسير شيوع اجابة كره المؤسسة، انعدام الثقة بها، وفقدان مصداقيتها ويليه البحث عن مؤسسة اخرى وبروز المشاعر السلبية المختلفة من الشعور بالاحباط وخيبة الامل والانزعاج والحزن وغيرها فان لها العديد من التفسيرات ومنها:
• الاحباطات المتكررة للشعب الفلسطيني نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشها والانعكاسات التي مر بها والتي اضعفت كثيرا من الدافعية والقدرة على التحدي والاصرار.
• لعب الكثير من المؤسسات دورا سلبيا في تشكيل مفهوم وقيمة التطوع من ربطه بحوافز ماديه و عدم التمييز بين التدريب والتاهيل وبين التطوع فيحتسب التدريب على انه عمل تطوعي مما ادى الى وجود تشويش لدى الشباب في مفهوم التطوع وبنائهم لتوقعات عالية من المؤسسات وسعيهم الى البحث عن المؤسسات التي توفر لهم اكبر قدر من المكاسب.
• قلة توفر انظمة وسياسات واضحة لدى المؤسسات توضح حقوق وواجبات المتطوع وادواره في المؤسسة للتقليل من سقف التوقعات والحد من مشاعر الاحباط والتخبطات المختلفة
• عدم وجود رؤية وطنية واضحة لصياغة مفهوم التطوع والعمل على الحفاظ عليه ووضع قوانين لحمايته وحماية العاملين عليه.
توصيات :
• محاولة فهم وتقبل احتياجات الجيل الجديد من المتطوعين وتطويع البرامج التطوعية الموجودة بحيث تلائم الاحتياج المجتمعي مع امكانياتهم وقدراتهم وامكانيات المؤسسات.
• تطوير نظم ادارية تعمل على ادارة شؤون التطوع وتوضيح القضايا المتعلقة به من المفاهيم، الأدوار، الحقوق والواجبات، إمكانيات المؤسسة وغيرها.
• العمل على صياغة قانون وطني يحمي كل من قيمة ودور التطوع والمتطوع ويضغط على كل من المؤسسات المجتمعية المختلفة لتبنيه وبرمجته في برامجها المختلفة.
• توحيد الجامعات الفلسطينية لرؤيتها للعمل التطوعي كمفهوم وقيمه وخلق آليات عمل لحمايتة من الضياع والتشتت من خلال استدخاله في برامجها الدراسية المختلفة ضمن متطلب واضح ومشترك وملزم لجميع الطلاب.
 
رد: الدوافع الشخصية وراء العمل التطوعي بين المتوقع والواقع

مقالة رائعة جداً فجزاك الله خيراً .

وبرنامج الأخ و الأخت الكبيران الذي ذكرت أحسبه مطبق كذلك في اليابان ، وهو رائع بلا شك .
وكذلك أجدها توحي لي بطريقة غير مباشرةعن تقدم ملحوظ في مسألة التطوع في فلسطين العريقة ،
وبينما نفتقدها نحن الذين لا نعاني ظروف مشابهة فنكون أولى به .

هناك عبارة أطلقتها من فلسفة شخصية أؤمن بها :
" كل مخلوق ، يمتلك لغة ، يستحق الانصات "
والمخلوق هنا أعني به كل كائن يمكن أن يكون في هذا الكون ،
وهذا يشمل الطبيعة عموماً من جماد، ونبات ،و حيوان ،وأضيف رابع بما أننا مسلمون ولا نؤمن بنظريات الأصل الحيواني للإنسان .

::

وبالعودة لموضوعك فإن الإنسان الكائن المثيل لي ولها وله ولك هو من باب أولى كوننا أخوة بيولوجياً ؟
و لأن الاختلاف جعله الله جبلة في البشر فإنني أبحث سعياً وطلباً وحاجة للتعرف على مثيلي الإنسان الذي يمتلك سمات تختلف عني لمصالحي الشخصية أنا ،
فأنا ها هنا أرفض كلمة " تطوع ، أو متطوع " حيث أنني أستفيد منه الكثير الذي لايمكن لغيره إعطائي ، بينما يستفيد مني مجرد الإنصات لروائعه هو والمساهمة في نشرها على نطاق أوسع ،
فأكون هنا مجرد وسيلة لا أكثر .

 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى