الدعوة الى الله (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)

نورة محمد

عضو جديد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الدعوة الى الله واجب كل مسلم ومسلمة في كل زمان ، وفي زماننا هذا أوجب لما تتعرض له الامة الاسلامية من هجمات شرسة من أعداء الله بقصد سلب جوهر الدعوة الاسلامية من نفوس المسلمين ، قال تعالى :
{قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن إتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف .


الدعوة الى الله شرف عظيم لصاحبها ومنزلة سامية وهي مهمة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، قال تعالى :
{ ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }
فصلت .


الدعوة الى الله ثوابها عظيم قال رسول صلى الله عليه وسلم :
{ لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس } .


يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
( الدعوة الى الله هي الدعوة الى الايمان به وبما جاءت به رسله وبتصديقهم فيما اخبروا به وطاعتهم فيما أمروا به ) .


ومن مظاهر الدعوة الى الله (الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر) قال تعالى :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } آل عمران .


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ من رأى منكم منكراً فليغيره بيدة فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان } .
{ والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكرأو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه فتدعونه فلا يستجاب لكم } .
{ اذا رأى الناس المنكر فلم يغيروة أوشك أن يعمهم الله بعقاب } .


والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو جوهر العبادة حيث أن التعريف الشامل للعبادة هي كل مايحبه الله تعالى من الاقوال والافعال وبالتالي فهي الهدف الذي خلق الله الانسان من أجله وهي الامانة الني عجزت السموات والارض والجبال عن حملها وحملها الانسان .. ولاشك أن هذا الانسان الذي حمل هذه الامانة التي ثقلت على هذه المخلوقات لاشك أن فيه صفات أهلته لهذا الشرف العظيم وبغيرها يصبح من الصعب أن يكون من رواد حمل هذه الامانة ولا بد لهم أن يتحلوا بهذه الصفات التي دعا اليها القرآن الكريم والسنة المطهرة .. ومن أبرز هذه الصفات :



1- الحكمــــــــــــــة :
قال تعالى :{ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } .


يقول سيد قطب رحمه الله : ( ان الدعوة دعوة الى سبيل الله لا لشخص الداعي ولا لقومه ، فليس للداعي من دعوته الا أنه يؤدي واجبه لله فلا فضل له يتحدث به لا على الدعوة ولا على من يهتدون به وأجره بعد ذلك على الله )


والدعوة بالحكمة ، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم ، والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة حتى لايثقل عليهم ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها ، والطريقة التي يخاطبهم بها ، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه .


2- الحـــلم والرفــــــــــق :
ان الموعظة الحسنة التي تدخل الى القلوب برفق ، وتتعمق المشاعر بلطف ، لابالزجر والتأنيب في غير موجب ولا بفضح الاخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية ، فان الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة ، ويؤلف القلوب النافرة ، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ ، وبالجدل بالتي هي أحسن بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح حتى يطمئن الى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل ، ولكن الاقناع والوصول الى الحق ، فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها وهي لاتنزل عن الرأي الذي تدافع عنه الا بالرفق حتى لاتشعر بالهزيمة ، وسرعان ماتختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلا عن هيبتها واحترامها وكيانها .
والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة ، ويشعر المجادل أن ذاته مصونة ، وقيمته كريمة ، وأن الداعي لايقصد الا كشف الحقيقة في ذاتها ، والاهتداء اليها في سبيل الله لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الاخر .


3- الصبـــــــــــــــــر :
الآمر بالمعروف والنآهي عن المنكر لابد أن يواجه معارضة ممن يأمرهم أو ينهاهم ، ذلك لانه ينهاهم عم أمر يخالف أهواءهم وما اعتادوا عليه ، ومن عاهد الله أن يكون جنديا من جنوده ، وأخذ على عاتقه دعوة الناس لهذا الخير فلا بد أن يتحمل أذاهم ، وهذا ما أمر به الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال { وأصبر على مايقولون } وقال تعالى :
{ ياأيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } .


جاء في ترجمة عمير بن حبيب الصحابي الجليل وصيته لبنيه يعلمهم فيها هذا الاصل الكبير من أصول الدعوة الى الله اذ يقول لهم اذا اراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر وعلى الاذى وليوقن بالثواب من الله فانه من يثق بالثواب من الله لايجد مس الاذى ، فالذي ينسى الاجر العظيم الذي يسوقه الله اليه عند البلاء هو الذي يشعر بألم الأذى أما من وثق بالاجر من الله فإن البلاء يتحول عنده الى شهد يستلذ طعمه ).




4 - العــــــــــــــــــــــلم :
لابد لمن تصدى للامر بالمعروف والنهي عن المنكر من العلم بدين الله ومن الثقافة الاسلامية ، والدعوة عطاء ومن لم يكن عنده علم ولا ثقافة كيف يعطي غيره ، وفاقد الشئ لايعطيه ، ومن لم يملك النصاب كيف يزكي .
ومن العلم معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وذكره على كل حال ، ومعرفة مافي كتابه الكريم من أوامر ونواهي ، ومعرفة ماجاء به نبيه صلى الله عليه وسلم ، فكلما عرف الله وتعمق بمعرفته سهل عليه اجتذاب الناس ، وعلى مقدار المعرفة بالله تزداد أعداد المهتدين أوتنقص على يديه .. هذا مابينه الامام الجيلاني حين قال من كملت معرفته لله عز وجل صار دالا عليه ، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا ) .
أما الجاهل بالله فهو كألاعمى الذي يريد أن يكون قائدا لمن ضلوا الطريق فأنى يوصلهم الى بر الامان ؟؟!! .
يقول الامام الجيلاني لاحدهم: ( أنت أعمى كيف تقود غيرك انما يقود الناس البصير ، انما يرد الناس الى الله عزوجل من عرفه ، اما من جهله فكيف يدل عليه ) .



5-الاخــــــــــــــــــــلاص :
الاخلاص هو أكبر الاسباب لاقبال الناس على من يدعوا الى الله ، يقول الشيخ ابن النحاس من أخلص لله النية أثر كلامه في القلوب القاسية فلينها وفي الالسن الذربة فقيدها وفي أيدي السلطة فعقلها ) .
وقد ورد عن سفيان الثوري قوله ( واني لارى الشئ يجب علي أن آمر فيه وأنهى فأبول دما ) وهذا ذر يسأل أبيه الزاهد عمرو بن ذر فيقول ( مابال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد فاذا تكلمت أنت سمع البكاء من هاهناوهاهنا ؟)
قال يابني ليست النائحة المستأجرة كالنائحة الثكلى ) .


فالذي يأخذ أجراً مقابل موعظته وأمره وانكاره ولايكون مخلصاً لايمكن أن يتساوى مع من اتخذ هذا الامر واجباً من واجباته وجزءأً من حياته لايستطيع العيش بغيره وهو يرى الحهل المتفشي في أمته وتجبر الطغاة واتباعهم على أهل الحق ومحاربتهم لمنهج الله واتباعه فنرى قلبه يغلي كالمرجل ودموعه تنهمر كالشلال كمدا على مايرى مما يصنع بدين الله واتباعه ، فتخرج كلماته من أعماق قلبه ومن زفرات صدره ومن دموع عينيه لتصل الى قلوب السامعين فتهزها هزا عنيفاً تجعل السامع مشدوهاً لروعة العبارات الخارجة من ذلك الداعي .


يقول الامام ابن القيم ( لايجتمع الاخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس الا كما يجتمع الماء والنار ، والضب والحوت ، فاذا حدثتك نفسك بطلب الاخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الاخرة ، فاذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الاخلاص ) .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه :
{ اخلص دينك يكفك القليل من العمل } .
فلابد من تصحيح القصد واخلاص النية وأن يكون العمل خالصا لله تعالى فهو شرط من شروط القبول ، قال عليه الصلاة والسلام :
{ لايقبل الله من الاعمال الا ماكان خالصاً له وأبتغى به وجهه } .
قال تعالى :
{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولايشرك بعبادة ربه أحدا } .


6- القـــــــــــــــــــــدوة :
يجب أن يحذر الداعي من مخالفة أفعاله لاقواله ، فان النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لايعمل بعلمه ولا يوافق فعله قوله ، ولهذا قال شعيب عليه السلام { وما اريد أن أخالفكم الى ما أنهاكم عنه } .
ولهذا يقول الحسن البصري عظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك ) .


وحتى لايدخل ضمن من مقتهم الله سبحانه وتعالى :
{ كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون } .
وربما هذا هو الهلاك الذي أشار اليه الحسن عندما قال اذا كنت آمرا بالمعروف فكن من أخذ الناس به والا هلكت ، واذا كنت ممن ينهى عن المنكر فكن من أنكر الناس له والا هلكت ) .
ان قدرة الداعية على تربية نفسه هي التي تؤهله على تربية الاخرين ، وان قدرته على الانكار على نفسه هي التي تزيد من قدرته بالانكار على الاخرين .




7- التواضــــــــــــــــــــع :


قد يختلف في تعريفه ومعناه الكثير فمنهم من يرى أن التواضع يختص في اللباس وأخر يرى أنه فيما يختص في المسكن أو مايركب المرء أو يأكل وغيرها من التعريفات ، وقد حدث مثل هذا الاختلاف في تعريف التواضع في مجلس الحسن البصري وهو ساكت حتى اذا اكثروا عليه قال لهم اراكم قد أكثرتم الكلام في التواضع قالوا : أي شئ التواضع يا أبا سعيد ؟ قال : هو أن يخرج من بيته فلا يلقى مسلما الا ظن أنه خير منه ) .


وهذا ناتج من خوفه من الجليل بعدم تقبله لعمله مما يؤدي الى عدم اغترار بأي عمل يقوم به فيظن أن كل من يراه من المسلمين خير منه ، وهذا نوع من النزول ، نزول يحبه الله ، نزول يزداد به عزة بين الناس .
يقول ابن الحاج ( من اراد الرفعة فليتواضع لله تعالى فإن العزة لاتقع الا بقدر النزول ، الا ترى أن الماء لما نزل الى أصل الشجرة صعد الى أعلاها ، فكأن سائلا سأله : ماصعد بك هنا ؟ - أعني في رأس الشجرة - وأنت قد نزلت تحت أصلها ؟؟ فكأن لسان حاله يقول : من تواضع لله رفعه ) .
فلا بد لمن أراد أن ينجح في دعوة الناس أن يتحلى بهذه الصفة ، والا يظهر الاستاذية حينما يأمر أو ينهى فان اظهار العلم والتحدث من برج عاجي ينفر الناس من قبول النصيحة .



8- حســـــــــن الاستمــــــــــــاع :
عندما بعثت قريش عتبة بن ربيعة للرسول صلى الله عليه وسلم ليعرض عليه بعض الامور ليكف بزعمهم عن أذاهم ، جاء للرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : ( يا ابن أخي ان كنت انما تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لانقطع أمراً دونك ، وان كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وان كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لاتستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، حتى اذا فرغ عتبة قال له النبي صلى الله عليه وسلم : { أفرغت يا أبا الوليد ؟} قال : نعم ، قال : {اسمع مني } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت أياته قرأنا عربيا لقوم يعلمون } .
والذي يهمنا هنا من الحوار ملاحظة خلق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصغي لأبي الوليد مع أنه يعلم علما يقيناً أن مايهذي به عتبة باطل واتهام في غير محله ، ومع ذلك يستمع اليه دون أن يقاطعه ، ويتركه يكمل لاخر كلمة يريد أن يقولها ، ومبالغة بحسن الانصات يقول له قبل أن يتكلم { افرغت يا أبا الوليد}


فما أحوجنا الى هذا الخلق ، وما أحوج الدعاة حين يمارسون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيستمعون للخصم وللساذج وللمفتون وللغافل .
يقول ابن المقفع تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ) .


ومن حسن الاستماع : امهال المتكلم حتى ينقضي حديثه ، وقلة التلفت الى الجواب ، والاقبال بالوجه ، والنظر الى المتكلم ، والوعي لما يقول .



وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
.


من كتاب : ( فقه الدعوة في انكار المنكر )
عبد الحميد البلالي​
 
رد: الدعوة الى الله (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)

بارك الله فيك عزيزتي
موضوع قيّم في مجال الدعوة
وضوابط مهمه للداعية
فجزاكِ الله كل خير
وفتح ك وبك فتوح العارفين
كل الشكر


 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى