لكي يبقى ناجي في الذاكرة - د. هاشم الصالح

[align=center]لكي يبقى ناجي في الذاكرة

123.jpg


لم يعد ناجي ذلك الإنسان الذي اختصر المرض حياته فرحل عنا مبكرا هو قصة معاناته ومرضه وخذلان المجتمع له, بل صرنا نحن القصة ونحن الموضوع, فقصة هذا الشاب الصغير استطاعت أن تكشف لنا أننا نحن المجتمع وليس المرض وليست الإعاقة من تسبب له في الألم والمعاناة, فكيف لنا أن نكافئ إنسانا يقف بكل صلابة في وجه إعاقته ويحقق في دراسته ما لم يستطع غيره من الأصحاء على تحقيقه والوصول إليه, وذلك بحرمانه من تحقيق حلمه ودخول الجامعة ليقتطف في رحابها ثمار جهده وتعبه, لم يدر بخلد ناجي وهو يتغلب الظروف الصعبة المحيطة به بسبب إعاقته ليشق طريقه في الحياة متسلحا بإرادته وإيمانه بربه. إننا مجتمع معوق وإننا من سيضع في طريقه من المعوقات ما لا يستطيع التغلب عليها ولم يدر بخلد ناجي المسكين أن يضع لإعاقتنا مكانا في حسابه لتأتي نتائجه مخيبة وتطلعاته محبطة, فنجح كإنسان وفشلنا كمجتمع, وعند الفراق أطلق صيحته وأرسل وعيده, إني راحل وسأترك لكم قصتي لعلكم بغيري ترحمون ومن أوضاعكم تغيرون, لقد أحببتكم وكرهتموني, وأردت النجاح وبذلت له ما أستطيع فكان لي ذلك وأردتم لي الفشل فكان لكم ذلك. ها أنا أرحل عنكم وقد سجلت في صحيفة أعمالي صبري على الألم وشكري على النعم وإصراري على النجاح ولكن تركتم في صدري غصة وفي قلبي حسرة لأني ظننت بكم خيرا فخاب أملي بكم وتبعثر طموحي بفعلكم. لا أريد منكم اليوم البكاء علي والندم على ما فعلتم معي فعندكم العشرات بل المئات مثلي, فأروني ماذا تعملون ولهم ماذا تقدمون.

شكرا لـ "نجيب الزامل" الإنسان الذي تخلى عن قلمه وترك لقلبه ليروي لنا قصة هذا الإنسان, لقد استطعت يا أستاذنا الكبير بكل ما عندك من عمق إنساني ومشاعر حب صادقة أن تضعنا في مواجهة أنفسنا, لم يكن ناجي عندك كتلة من الألم على الرغم من عظم معاناته وقسوة ظروفه, بل قدمته لنا كإنسان تجمعت عنده الإرادة على النجاح ولكن نحن من أطاح بهذه الإرادة. كنت يا أستاذنا العزيز صوت ناجي وهو يعاتبنا وكنت كلماته التي أرادت أن تبين لنا مواطن ضعفنا وقلة حيلتنا في تكريم أنفسنا. لم يبخل قراؤك ومحبوك بأن يعبروا عن مساندتهم لك والتعبير عن تفاعلهم الإنساني مع قضية أجدت عرضها وأحسنت تقديمها, فكم نحن في حاجة إلى أن تستثار إنسايتنا وتحرك مشاعر المحبة والعطف والرحمة في قلوبنا فأنت تمتلك بما حباك الله من قلم صادق في كلماته ومشاعر هي في غاية الإنسانية عندما تريد أن تستنهض كوامن الخير في نفوسنا, فلن يكفينا أن نشكرك وليس عندنا أثمن من الدعاء لك ومطالبتك بأن يبقى مجتمعنا بهمومه وقضاياه ومشكلاته وتحدياته محبرة لقلمك والفضاء الذي تنثر فيه أحلامك وتطلعاتك.

لا أريد أن أفصل عما نستطيع فعله ليبقى ناجي الإنسان والرمز حيا في ذاكرتنا, فهذه مهمتكم أنتم أيها القراء وستجدون في صدر الأستاذ نجيب ما يعينكم على بلورة أفكاركم وتفعيل مشاريعكم ولكن الخوف كل الخوف أن تجف دموعكم وتهدأ رياح عواطفكم وتبرد أحاسيسكم من دون فعل يذكر أو عمل يشكر. أما من طرفي فسأذكر لكم بعض ما تفعله الشعوب الأخرى في مثل قضيتنا. إنهم يعملون على التوثيق بالكلمة والصوت والصورة ما يحويه مجتمعهم من صور وتجارب إنسانية تسجل فيها ارادة الإنسان وهي تقهر الظروف وتزيح من طريقها المعوقات وتقتلع بيديها ومن طريقها الأشواك ومن ثم تقدم هذه التجارب للأطفال والشباب لينتجوا منها ثقافة تعينهم على فهم أنفسهم والتعرف على قدراتهم وتدبر حياتهم. كانت الدعوة موجهة لكل الطلاب الأجانب الجدد في تلك الجامعة الكبيرة في عدد طلابها واتساع مساحتها ورقي برامجها العلمية والأكاديمية والقابعة في مدينة صغيرة بكل المقاييس الأمريكية. لم تكن الدعوة للاستماع إلى خطب رنانة أو كلمات نصح وتوجيه مكررة, ولكن كانت المناسبة عرض فيلم عن إنسان عاش في أطراف هذه المدينة وكانت حياته نموذجا لقدرة الإنسان وطاقته الرهيبة على التغلب على ضعفه وقسوة ظروفه, فأخذت الجامعة على عاتقها توثيق حياة هذا الرجل وتقديمها للأجيال اللاحقة. لقد عاش هذا الإنسان وحيدا في ظل أمه وفي بيت منعزل وتحيط به مزرعة تمدهم بمستلزمات حياتهم, كانت أمه هي كل شيء في حياته وكان هو يقضي وقته في قبو البيت وهو يفكك ويعيد تركيب ما جمعت له أمه من ساعات يدوية, كان إنسانا معوقا فهو لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى إلا القليل جدا وكان جسمه عبارة عن كتلة من العظام متجمعة على بعضها, فكل شيء فيه كان محدودبا أو متقوسا إلا إرادته الصلبة التي كانت مستقيمة وحادة كالسيف. وبدل أن يندب حظه ويراقب الوقت وهو يسير ببطء أخذ هو وبهوايته في اللعب بالأجزاء الدقيقة جدا من محركات ساعاته أن يصنع لنفسه زمنا خاصا به وأن يلتمس بأنامله الرقيقة كيف تتناغم هذه الأجزاء الدقيقة في حركتها وتشابكها وهي تحسب لنا الدقائق والثواني من عمرنا. وعندما رحلت أمه عن الدنيا وكانت هي الأخرى بصمودها وتحديها ظروفها قصة أخرى من القصص الإنسانية الرائعة, وكان هو في الخمسينات من عمره ووجد نفسه وهو يشتبك مع الحياة وحده, فترك كرسيه وجعل من لقائه بساعاته مقتصرا على ساعات المساء, وتوجه لمحراث أمه الضخم ولم يستصغر نفسه لضآلة حجمه عندما يقف إلى جنبه, فصنع لنفسه وبنفسه مصعدا آليا ليمتطي صهوة هذا المحراث وجهز لنفسه أيضا صندوقا وضع فيه وبتنسيق رائع ما يطيب للأطفال من لعب وحلويات, وصار يتوجه يوميا إلى وسط المدينة ليقف في أحد شوارعها الجانبية وتحت أنظار المعجبين بقوة إرادته ومن ثم يسحب مصعده الآلي ويضع فيه حاجاته وكرسيه المتحرك وبعد أن يعيد المصعد إلى مكانه, يفعل كل هذا وهو كومة عظام, يأخذ طريقه إلى حيث اعتاد أن يتبادل البسمات مع الأطفال وهم يشترون منه اللعب والحلويات. كانت رحلة يومية يقوم بها هذا الإنسان المثقل بكل أنواع الإعاقة إلا إعاقة الإرادة والتحدي والابتسام في وجه الزمن الصعب, وكانت رحلة قصيرة في مسافتها وبسيطة جدا في مكوناتها ولكنها كانت فصولا فيها من الدروس والعبر ما جعلت الجميع ممن شاهد الفيلم أن يردد أولا كلمات الحمد والشكر لله على نعم كثيرة كنا لا نعدها من النعم المستوجبة للشكر, وبعد أن رأينا ما رأينا أخذ الواحد منا يتلمس عظامه ويحمد الله أنها مستوية وغير مقوسة ويرفع يديه ويحركها أمام بصره ويفرح أنه يراها بوضوح وتزداد فرحته أنه عنده من السمع ما يستطيع به أن يسمع الأصوات من حوله. وثانيا استطاع هذا الفيلم أن يعيد لنا تعريف الكثير من الكلمات والمصطلحات التي كنا نبالغ في تطبيقها على أنفسنا, فكل شيء عندنا هو مشكلة كبيرة وأمام كل عقبة نعيش أزمة مستعصية ولكن قصة هذا الإنسان أعادت إلينا حقيقة ما كنا نجهله. كان هذا الفيلم وجبة متكاملة من الطاقة والإرادة والتحدي وكنا حقا جوعى وفي حاجة إلى مثل هذه الوجبة ونحن في بداية مشوارنا الدراسي.

كم عندنا أيها الأحبة وفي مجتمعنا من ناج يعيش بيننا, وكم عندنا من أناس على شاكلة هذا الإنسان العجوز, الذين استطاعوا أن يصنعوا من اللاشيء نجاحا مبهرا في حياتهم, وكم وكم من الظروف الصعبة والمعاناة وقسوة الحياة قد تحولت بفعل إرادة الإنسان وتصميمه على الحياة إلى قصة تفتخر بها الحياة نفسها. وكم أبنائنا وصغارنا في حاجة إلى الاطلاع على مثل هذه القصص, لن تنفعهم كثيرا النصائح ولن يفيدهم كثرة ما نردد عليهم من قيم وأخلاق, إنهم في حاجة إلى صور إنسانية حقيقية من واقعنا وإلى قدوة يرون فيها أنفسهم. لماذا لا يكون الطلاب على موعد شهري لمشاهدة فيلم قصير يحكي لهم قصة نجاح إنسان عاش أو يعيش بينهم وفي وطنهم وربما قد تعلم في مدارسهم نفسها؟ لماذا لا تفكر وزارة التربية والتعليم في إعداد مثل هذه الأفلام وجعلها مكملة لمناهجها؟

شكرا لناجي الذي فرض علينا أن ننزع ما علق بإنسانيتنا من ظلمات أعاقتنا عن أن نتحسس مشكلات بعضنا, وشكرا له وهو يرحل عنا معاتبا وناصحا لا غاضبا علينا, وشكرا لأستاذنا القدير الذي فتح الباب على مصراعيه ليدخل ناجي في قلوبنا ويعيش في مشاعرنا, ولكن هل سيبقى ناجي وقصته حيين في ذاكرتنا فهذا ما سينتظره خلفاء ناجي منا والذين يعيشون الآن بيننا.

579 قراءة

د. هاشم بن عبد الله الصالح - جامعة الملك فيصل ـ الدمام
22/10/1428هـ
hsaleh_sa@yahoo.com

جريدة الاقتصادية السعودية
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=7324[/align]
 
يرفع الى من يهمه امر المعاقين
الله يرحم ناجي واموات المسلمين
اللهم آمين
شكرا لك والله يجزاك خير
 
رد: لكي يبقى ناجي في الذاكرة - د. هاشم الصالح

تفكير طالما راودني

(لماذا لا تفكر وزارة التربية والتعليم في إعداد مثل هذه الأفلام وجعلها مكملة لمناهجها؟)


وقد اقترحت هذا الاقتراح وان في الصف الاول ثانوي عندما تقدمت بقصه حقيقيه كان ابطالها من مديره ومسؤلة تسجيل

ممن يحملون ظلمات من الاعاقه لانهم لايحسون انهم يتعاملون مع عقول وهبها الله الكثير من الابداع والتفوق التي تتمنى كل مدرسه ان تضم بين جنباتها مثل هذه النماذج


وكيف استطاعت تلك الطالبه ان تحقق ما عجز عن قرينتها
من تحقيق المركز الاول على مستوى مدارس الرياض في كتابة القصه
( وكرمة الطالبه ومديرة المدرسه )وكان هذا التكريم اكبر درس لتلك المديره لكي تفيق على نور وابداع من ازدرت ذلك الجسم النحيل ولم تبصر عقل منير
وكان لسان حال تلك الطالبه يقول:

ما انا ذاك المعوق 000من ثناه الالم
انا من اعطى وحقق000 وسيمضى يخدم
لايغرنك جسم ناحل 000 طالما في القلب ينبوع سناء
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى