المجـتمع السـعودي (رؤية نفـسيـة)

المجـتمع السـعودي (رؤية نفـسيـة)

يتصف المجتمع السعودي بأنه مجتمع من نوع فريد في أيديولوجيته التي تتكون من مزيج سياسي ديني قبلي تناسقت فيه أمور لا تتناسق عادة و تعايشت فيه اختلافات من الغريب أن تتوافق دون وجود صدام أو جدال كبير. و في نظري أنه لن يتحقق التوافق المطلوب بين الفئات السعودية المختلفة إلا إذا حرصوا على الدوم على بناء مجتمع ذي قيم رفيعة واضحة متفق عليها أو على أكثرها، و التي تعضد بدورها التعايش بين أفراد المجتمع ، و تؤدي إلى نشأة وطن قوي يشعر الفرد بحاجة الانتماء إليه.
و مما يساعد على بناء ذلك الفكر المتوافق هو تبصر الفرد السعودي و إعادة تشكيل تصوره لوطنه من الفكر الوطني التقليدي إلى الفكر القاري لأنه ينتمي إلى بلد قد تعدى بتنوع شعبه من طبيعة الوطن المعتاد إلى طبيعة القارة التي تتألف عادة من شعوب مختلفة بدرجة كبيرة يمكن لبعضها أن تكون دولاً و أوطاناً لكن توفيق الله قد وحدها في بلد واحد لكنه ذو طبيعة قارية فلزم أن يدرك السعوديون تلك الميزة التي تلتزم منهم إعادة تعريف علاقة الفرد بالأخر داخل مجتمعهم و خارجه و كذلك الحقوق و الواجبات معتبرين أولاً : طبيعة بلدهم القارية ، و ثانياً متغيرات العصر المتسارعة.

و لعل السبب النفسي في عدم وجود التصادم الجلي بني الفئات السعودية المتناقضة – في نظري – هو أن الفرد السعودي يعيش عادة برضا و اكتفاء داخل مجتمعه الصغير ضمن مجموعة الوطن الكبير ، و إذا اضطر للتعامل مع الأجنبي أو حتى مع الغريب عن مجموعته الصغيرة من بني وطنه فإنه يتعامل معه حسب حاجته ثم يعود إلى مجموعته تلك، مما أعاق عملية التطور، إضافة إلى ذلك فإن عدم وجود الانتماءات السياسية قد قلل من نشوء الصدام ، و لم تسر روح العنف في المجتمع السعودي إلا بعد احتكاكه ببعض الوافدين الذين جاؤا للعمل في السعودية من المنتمين لبعض الحركات الإسلامية ، و كذلك بعد سفر بعض السعوديين للجهاد في بقاع مختلفة من العالم الإسلامي. هذا الاحتكاك رغم ايجابياته الكثيرة إلا انه قد فعل لدى نفسية الفرد السعودي استخدام العنف كحل لبعض المشكلات التي لا تحتاج إلى العنف.
و لقد زاحمت هذه المتغيرات الاجتماعية المتسارعة عقل المتلقي السعودي الذي تربي في أصله بتشكيلة معينة لم تهيؤه للتعامل مع المتغيرات الخارجية و إنما أعدته للتوافق مع المتغيرات الداخلية.

إن الاضطراب المعاصر في فكر بعض الشباب السعودي – في نظري – ليس فقط نتاجاً لظروف اجتماعية سيئة كالبطالة ، وذلك لأن هذا الظروف لم تصل إلى الحد الشديد كما هو في بعض البلدان العربية ، و لم تستمر مدة كافية لتفجير مثل ذلك السلوك المتطرف ، و إنما هي نتاج لاستعداد قد تشكل عندهم بسبب الأسلوب التربوي الاجتماعي الذي نشؤا فيه ، و شعور عام بالإحباط لأحوال المسلمين و الذي تم استغلاله بذكاء من قبل الجماعات المتطرفة.

و المتأمل بعمق في شخصية المتدين و غير المتدين السعودي يجد التشابه الكبير ، و ما التفلت الحاصل أحياناً عند غير المتدين مقابل الانضباط الزائد أحياناً عند بعض المتدينين إلا اختلافاً سلوكياً ، أما البنية الشخصية فهي متقاربة، لأنها نتاج ذات التربية الاجتماعية التي تجاوزت و استوعبت و احتوت و شكلت طريقة التربية الدينية في محيطها ، لأن التربية الاجتماعية كانت الأقوى و الأكثر تجذراً و عميقاً في سلبياتها و ايجابياتها.

و الملاحظ أيضاً أن المتدين السعودي يفضل الانتماء إلى الأمة الإسلامية أكثر من الانتماء إلى وطنه ، على الرغم أن الانتمائين لا يتعارضان ، مثله في غير ذلك المتدين السعودي حيث ينتمي إلى قبيلته أو أسرته أكثر من الانتماء إلى وطنه، مما يعكس لنا اضطراب المفاهيم الذي حدث أساساً في نظري لدى الفريقين على حد سواء بسبب طبيعة التربية الاجتماعية أكثر من سواها.

ومما يجب الحرص عليه تطوير برامج التعليم و الحرص على حصول الفرد السعودي على أعلى درجة علمية ممكنة ، لأن ذلك سيؤدي إلى نضوج فكره و من ثم سلوكه أياً كان توجهه الفكري السابق ، مما يؤدي بالتالي إلى اغترابه عن الجماعة الأم التي كان ينتمي إليها، ويأتي هنا دور المجتمع الناضج الذي يوجه فكر الفرد أو عكس ذلك في المجتمع غير الناضج الذي يترك الفرد فريسة لمفاهيم و توجهات شاذة.

و الناظر في المجتمعات العربية عامة و السعودية خاصة فأنه بسبب أهمية الذين لديه و خبرته التجارية و طبيعته التقليدية منذ أمد بعيد و كذلك قدرات ذلك المجتمع على التعايش رغم صعوبة الظروف قد جعلته يدخل في انقسام و صراع بين مثالية الدين و سمو قيمه و بين الفكر التجاري و ما يتبعه من سلوكيات و بين تبعية التقليد بخيرها و شرها . و لعل ذلك يفسر لنا سلوك بعض المتدينين الذين يحرمون العمال رواتبهم أو يؤخرونها عنهم.

و قد لجأ السعوديون كغيرهم من العرب إلى حل أزمتهم بالمنهج التوفيقي التوافقي (التعايش) و ليس الحسم و الوضوح و إنما تأجيل الحلول . ولذا فإن فهم الطبيعة العربية – السعودية خاصة – يساعدنا في إزالة التناقض و الوصول إلى انسجام مبني على الوضوح ، وذلك لأننا إن لم نتجنب طريقة التوافق فإننا لن نميز بل ربما لا يكتب لهويتنا البقاء طويلاً.

الدكتور طارق الحبيب
بروفسور و استشاري الطب النفسي
 
رد: المجـتمع السـعودي (رؤية نفـسيـة)

[align=center]يعطيك العافية على الاختيار الموفق[/align]
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى