المسلمون في حاجة لفهم الدنيا فهما صحيحا

المسلمون في حاجة لفهم الدنيا فهما صحيحا





حامد المهيري

"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يبخسون، أولئك ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون" "هود 15- 16". يا بني آدم اصبروا وصابروا وركزوا عقولكم وبصائركم معي وأشفعوا التدبر والتعمق بالتحكم في سمعكم وبصركم حتى لا تنحرفوا، فمن منكم إن التزمتم بهذه الشروط المطلوبة، لا ييقن أن هناك فرقا بين من قصد العمل للدنيا وحدها ورضي أن تمتلكه، وبين من قصد بعمله تعمير الآخرة وبناء مستقبل الخلود، وكان هو من يملك الدنيا؟ فالأول يعيش بعمله مترفا منعما بالصحة والرزق وكثرة الأولاد؛ والثاني يحظى بنعيم الخلود وتأتيه الدنيا صاغرة منقادة له.

وإذا فهمتم سر الدنيا، انكشفت الحقائق أمامكم أن الإسلام يذمّ دنيا الغفلة والبلادة، والذهول عن الواجبات والجري وراء الشهوات؛ فالدنيا تشغل عن الله وتلهي عن الآخرة، يركن إليها الجبناء، فلا يقولون كلمة حق خوفا على ضياعها أو نقصانها، يتعلق بها البخلاء فلا ينهضون إلى بذل معروف استكثارا من متاعها والتصاقا بدناياها، يتعشقها طلاب الظهور فيربطون سلوكهم بما يلقون فيها من تكريم ولو كان على حساب الحق، ينحصر القاصرون في مآربها ومطالبها كما ينحصر الجنين في ظلمات الرحم، أو ينحصر الفرخ في قشر البيضة، هذه الدنيا شاء الله أن تكون ملكا لنا، فجاء صغار الهمم وأبوا إلا أن يكونوا ملكا لها..

الناس يفاوتون في تصرفهم مع الدنيا، والرسول عليه الصلاة والسلام أفاد الناس كافة بقوله "أنتم أعلم بأمر دنياكم" أي "أنتم أعلم بأمر دنياكم وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم، فإنما الانبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة الأبدية".

ومن هذا المنطلق نجد الرسول عليه الصلاة والسلام يوجه المسلم إلى كفالة الأسرة ورعاية الأقربين لإعداد نشء يصلح للحياة، بالدين لحمل رسالته، فالذي يصرف أطيب كسبه إلى أهله وولده يفعل أمرين: أولا، توفير حاجتهم المادية من مأكل ومشرب وملبس فنضمن جيلا بعيدا عن رذائل العوز والتسول والتلصص يتصف بالكرامة البدنية والنفسية. وثانيا، القيام بتكاليف التربية اللازمة لهم، وإحسان تعليمهم وتهيئة الدراسة التي تفتق مواهبهم وتنمي عقولهم.

فالانفاق على الأهل هو في سبيل الله على الحقيقة. هذا ما نستشفه من حديثي الرسول صلى الله عليه وسلم "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم عن أبي هريرة. والحديث الثاني حول انفاق الانسان على نفسه وأهله يحسب صدقة متقبلة "إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

ليس هذا غريبا عن الإسلام لأنه دين واقعي يساير الواقع ولا يواجهه، انظروا معي بعمق في هذا الموقف النبوي الشريف حين مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من جلده ونشاطه فقالوا "يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان".

فلماذا تهاون المسلمون وتركوا السعي في كسب الرزق الحلال، والعلم النافع والمكتشفات المفيدة، واخترعوا الجديد، واستحدثوا المستحدثات قبل غيرهم على غرار من سبقهم من أهل عقيدتكم، وتركوا الدنيا لغيرهم يمتلكونها وأصبحوا مملوكين للدنيا؟ تقدم غيرهم في صنع السلاح الذري وتفوّق في الزراعة والصناعة وبقي المسلمون يَحْبون ببطء في ميادين تثمير الأموال وزيادة الإنتاج، فما سر هذا التخلف المخزي؟.

السر أن المسلمين لم يفهموا كتابهم- القرآن- ولا تراث نبيهم وظنوا أن الدين قلة المال ورداءة الحال، ورثاثة الهيئة واضطراب الوضع الاجتماعي والعيش بعيدا عن الأسواق والحقول، مع أن هذا الفهم أبعد ما يكون عن الفهم الصحيح للإسلام؛ فقد روى البخاري عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكفّ الله بها وجهه، خيرا له من أن يسأل الناس، أعطوه أم منعوا".

فالغريب أن المسلمين اليوم جهلوا الدنيا بمعناها الصحيح وأقبلوا عليها بالمعنى الذي حقره دينهم وحذّره أولو النهي من كل جنس فكانت النتيجة المحتومة تخلفهم عن غيرهم الذي افتك علومهم وعباقرة أبنائهم، ولم يرحمهم، ولا صلاح ولا إصلاح إلا إذا ترك المسلمون الدنيا السقيمة، وحرصوا على العودة إلى الدنيا الصحيحة. وليبدأ المسلمون بترك السرف السفيه في كل مغريات الحياة، فقد قال الله تعالى "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا" "الإسراء 29".

يا معشر المسلمين، رفع الله من شأنكم ولكنكم لم تحافظوا على نعمة الله الثمينة، ففي حديث نبوي حسن رواه الطبراني عن سلمة بن الأكوع "أنتم شهداء الله في الأرض، والملائكة شهداء الله في السماء" وهو في نفس توجه الآية القرآنية الكريمة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" "البقرة 143".

لقد خلق الله الملائكة وجعل لهم العقل المجرد وخلق الحيوان وجعل لها الشهوات المتسيبة، وخلق الإنسان فجعل له العقل والشهوات وترك له حرية الاختيار بعدما تحمل الأمانة، وأرشده الله فبين له محاسن طريق الرشد ومساوئ طريق الغي بوضوح وحذّره من وسوسة الشيطان عدو الله والإنسان، خلقه من نار وخلق الإنسان ماء، وأعطى للماء قوة النصر والانتصار على النار ليطفئها، وبذلك أعطاه الله القدرة على الانتصار على الشيطان، ولكن الإنسان يتواكل ولا يتوكل على الله.
 
رد: المسلمون في حاجة لفهم الدنيا فهما صحيحا

جزاك الله خير وجعله الله بميزان حسناتك يارب
 
رد: المسلمون في حاجة لفهم الدنيا فهما صحيحا

الاسلام دين الفطره
جزاك الله خيرا رررررررررابعه
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى