السعادة "فن" تذوّق الحياة ‏

400p.jpg
الأشخاص السعداء لديهم جهاز مناعة أقوى ويكونون أطول ‏عمراً من غيرهم‏

السعادة "فن" تذوّق الحياة ‏




نبيل حاجي نائف: يرى البعض أنه من الصعب تعريف السعادة بشكل دقيق، فهي تشمل أمور ‏وأوضاع كثيرة ومتنوعة ومتشابكة، ومتناقضة أحياناً.

فالألم والمعاناة تصنف ‏غالباً بأنها من الأوضاع غير السعيدة، ولكنها في بعض الحالات تكون ‏مترافقة مع سعادة، فالأم تعاني وتتعب في تربية أولادها والعناية بهم ولكنها ‏غالباً تحصل على السعادة ولا تهتم بما عانت وتعبت.

والمنتصر في الملاكمة ‏يكون في أشد حالات الألم ولكن يشعر بسعادة الفوز التي تتغلب على آلامه. ‏وفي الكثير من الأوضاع التي تستدعي التدريب والتعلم الطويل والمجهد كما ‏في التدريبات الرياضية والتعلم في المدارس، نجد أنه عندما يتحقق النجاح أو ‏الفوز تتحقق السعادة وتطغى على كل الآلام والمعاناة التي حصلت، وهناك ‏لذة الإيثار والعطاء والتضحية، فالمهم هو الإنجاز الذي يتحقق ويحقق الرضا.

‏وكيفية أو طرق تحقيق السعادة كان هدف غالبية العقائد والأديان والفلسفات، ‏فالفلسفة الأبيقورية تعتمد البحث عن السعادة الذاتية وتحقيقها، ومذهب ‏‏"النفعية"أو "الذرائعية" يعتمد البحث عن السعادة لأكبر عدد من الناس.

والآن ‏هو محط اهتمام متزايد من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس والقادة ‏والسياسيين، ويرى بعضهم أن أهم عناصر السعادة هي: ‏
الحصول على لذّات ومتع الحياة بالاستمتاع باللذات الجسمية الطعام ‏والشراب والجنس.. يحقق السعادة وهو يؤمن لنا الصحة والحياة.

الانشغال ‏بأمر باستخدام القدرات وتحقق الإنجازات، مثال على ذلك عندما تستغرق في ‏عمل أو هواية يمكن أن لا تشعر بالسعادة، ولكن فيما بعد سيتملكك إحساس ‏عميق بالرضى لما أنجزته من نجاح، ولزمن طويل.

الإحساس بمعنى أن ‏تكون جزء من شيء أعظم منك مثال على ذلك كافة أشكال الانتماءات الدينية ‏والعقائدية والاجتماعية. الوقوع في الحب أو ولادة طفل يحقق السعادة . ربح ‏المال أو اليانصيب. البقاء في أحضان الطبيعة.

في الولايات المتحدة وحسب المسح الاجتماعي مصادر السعادة الرئيسية ‏هي: العلاقات الأسرية، المال، العمل، العلاقات الاجتماعية، الصحة، القيم ‏الشخصية والحرية.‏

إن السعادة الآن موضع دراسة موسعة من قبل قاعدة البيانات العالمية ‏للسعادة. أسعد الشعوب حسب قاعدة البيانات العالمية هم الدنماركيون ‏فالمالطيون فالسويسريون فالإيرلنديون فالكنديون، وأشقى الشعوب العراقيون ‏والصوماليون. ‏

تعريف السعادة ‏
شكل ونوع وطبيعة السعادة ، مقدارها وشدتها ، حسية أو جسمية ، نفسية ، ‏فكرية أو روحية.‏

إن السعادة في أساسها شعور وأحاسيس ، فهي تابعة لوعينا وأحاسيسنا ‏وبغياب وعينا ينتهي كل شيء. فالسعادة في أساسها تعتمد على تحقيق ‏أحاسيس اللذات والمتع الجسمية والفكرية، وتحاشي الألم والمعاناة أو تخفيفهم ‏أو التكيف معهم وتحملهم ريثما ينتهوا. ‏

في الأساس لم تكن للكائنات الحية أحاسيس، فقد كانت لديها أجهزة إعلام ‏وإنذار توجه الكائن الحي وتساعده في تأمين مستلزمات حياته واستمرارها، ‏فكانت توجهه لما يفيده وتحاشي ما يضره ، وبعد ذلك نشأت الأحاسيس ‏المقيمة باللذة والألم ، وصار توجيه تصرفات الكائن الحي تابع أيضاً لشعور ‏بهذه الأحاسيس اللذيذة أو المؤلمة .

وصارت أهمية ومدى تأثيرها على ‏تصرفات الكائن الحي تابع لمجال وقوة شعور الكائن الحي بهذه الأحاسيس، ‏وبالنسبة لنا نحن البشر فإننا نملك شعور ووعي متطور وواسع جداً وهذا ‏جعل تأثير أحاسيس اللذة والألم هو المقرر الأقوى لتصرفاتنا الواعية. ‏

فالسعادة هي بمثابة مكافأة على استجابة أو تلبية دافع أو تصرف مفيد "أو ‏يعتبر مفيد" تم القيام به وإنجازه، والألم هو بمثابة عقوبة لتصرف أو استجابة ‏أو فعل ضار "أو يعتبر ضار" تم القيام به.

وليس كل إحساس لذيذ يمكن أن ‏يولد السعادة فالمخدرات والمسكرات هما مصدرا لذة وسعادة ولكنهما ضارين ‏بالجسم والشخص ، لذلك يتم تحاشيهما ولا يعتبرا مصدرا للسعادة. ‏

إننا مدفوعون لتحقيق الكثير من الدوافع ، كما أنه تنشأ لدينا وبشكل مستمر ‏دوافع جديدة، ونحن نشعر بالسعادة عند تحقيق دوافعنا ونشعر بالألم والإحباط ‏عند عدم تحقيقها.

والقضية الأساسية التي تسبب الفشل والإحباط وبالتالي الألم ‏والمعاناة هي محاولة تحقيق مجموعة دوافع أو أهداف في نفس الوقت مع أن ‏هذا شبه مستحيل، لأن بعض هذه الدوافع متضارب ومتناقض مع بعضها ولا ‏يمكن تحقيقها جميعاً في نفس الوقت، ونحن لا نتبين أو ندرك ذلك لأنه غير ‏واضح لدينا.

وكذلك اختيار أهداف يصعب تحقيقها أو أن احتمال تحقيقها ‏منخفض نظراً لإمكانياتنا أو ظروفنا يمكن أن يسبب لنا الألم والمعاناة ، لذلك ‏يكون من المهم تنظيم الدوافع والأهداف ، وتوقيت تحقيقها، لكي نتمكن من ‏خفض نسبة الفشل والإحباط إلى أقل حد ممكن، وبالإضافة إلى ذلك الاهتمام ‏بتحقيق أكبر قدر من دوافعنا الأساسية والهامة.

ولكن كيف نحدد هذه الدوافع ‏الأساسية الهامة؟
إن هذا ليس بالأمر السهل أبداً . فأغلب الناس في الوقت الحاضر لا ينتبهون ‏لذلك، فهم يضعون أو يخلقون كثيراً من الأهداف غير المناسبة لهم ، أوهم ‏يدفعون لتحقيق أهداف لا يستطيعون تحقيقها. وأهم الأمور كيف نتعامل مع ‏الخسارة الحقيقية وما تسببه من معاناة واستيعابها والسعي لتخفيف تأثيراتها ‏الضارة والسلبية.‏

تأثير السعادة الإيجابي نتيجة التغذية العكسية الموجبة التي تقويها وتضاعفها، ‏وكذلك الأمر مع أحاسيس الشقاء والتعاسة.

لقد لوحظ أن الأشخاص السعداء يصبح لديهم جهاز مناعة أقوى ويتعافون من ‏الأمراض أو من الجراحة أسرع من غيرهم، وكذلك يكونون أطول عمراً في ‏الغالب. ويتميز الأفراد السعداء عن بقية الأفراد بأن أسلوبهم في الحياة ‏والتعامل مع الأمور مرن ويمكن أن يتطور ويتعدل إذا لم تنجح خططهم، ‏فيطورون طرق أخرى أكثر جدوى.

بعض الناس محظوظين فيولدون ‏ومفاتيح السعادة في يدهم "أو كما يقولون: يولدون وفي فمهم ملعقة من ‏ذهب"، ولكن السعادة يمكن تحقيقها بواسطة طرق كثيرة متاحة.

وفيما يتعلق بعلم الدماغ فقد أظهر الدكتور "ريتشارد دافيدسون" أن للمشاعر ‏السعيدة صلة بنشاط كهربائي أكبر في الفص الأمامي الأيسر من الدماغ، ‏والمشاعر السلبية صلة بالفص الأيمن، فيظهر الناس السعداء نشاطاً أكبر في ‏الفص الأمامي الأيسر ، ويستهلكون غلوكلوز أكثر.

وتظهر دارسة صور ‏الدماغ أن الرهبان البوزيين "وكذلك الراهبات المسيحيات وكافة المتدينين ‏الحقيقيين" أنهم أكثر الناس سعادة.

وبالنسبة لنا نحن البشر هناك مصادر وعوامل متعددة لها دورها في تحقيق ‏سعادتنا أو شقائنا وهي: دور طبيعة الجسم وخصائصه وقدراته الموروثة ، ‏وبشكل خاص دور الأحاسيس. دور البيئة الطبيعية والمادية. دور المجتمع. ‏دور الدين والعقائد والعادات والتقاليد.

المعرفة والأفكار والإدارة. دور ‏القدرات المتاحة، المال والجاه والسلطة. وللحصول على سعادة أكثر ومعاناة ‏أقل. حاول تقبل الخسارة بروح رياضية ، واتخاذ الإجراءات المناسبة ‏لاستيعابها. حاول تخفيف لوم نفسك أو الندم قدر الإمكان.‏

دور الوراثة
إن للوراثة تأثير على المزاج والخصائص النفسية وبالتالي على سعادة الفرد، ‏فبعض المورثات لها علاقة بكمية المواد الكيميائية في الدماغ كمادة ‏‏"السيروتينين" التي لمستوياتها المنخفضة صلة بالشعور بالكآبة، وإذا بزيادة ‏مستوياتها تزيل الكآبة وتحسن المزاج ، ويمكن للمكسرات وبعض الفواكه أن ‏تزيد من نسبة السيروتينين التي تسبب الشعور بالسعادة .

والإنسان يملك ‏قدرات وخصائص فكرية ونفسية كبيرة ومتنوعة تمكنه من التكيف بسرعة مع ‏الظروف والأوضاع الجديدة، مما يؤهلة للبقاء حتى في أصعب الظروف ‏وهناك دلائل وشواهد كثيرة على ذلك.

فالإنسان مزود بخصائص وقدرات ‏حسية موروثة هائلة التنوع وأكثر بكثير مما نتصور، فإذا أخذنا الأحاسيس ‏الصوتية كمقياس ، نجد أنه يمكن اعتبار كل حاسة بشرية أخرى تشبهها من ‏حيث التنوع الذي يمكن الحصول عليه بالتلاعب بالدرجات والترددات ‏والطبيعة.

وكذلك هناك التنوع نتيجة الترابط والجمع والتداخل بين أنواع ‏الحواس، فأحاسيس الطعام والشراب، وأحاسيس الحب ، واللمس، والشم، ‏والنظر.... وما تصاحبها من انفعالات متنوعة كثيرة، كلها يمكن العزف ‏عليها مجتمعة في وقت واحد، كما تعزف الألحان الموسيقية في اوركسترا ‏وبذلك نكون ما يشبه الأوركسترا التي تعزف أنواع الأحاسيس معاً. ‏

وبالإضافة لذلك هناك الأحاسيس المتطورة والخاصة بالإنسان وحده مثل ‏الأحاسيس الدينية والفلسفية والفكرية والروحية ، والأحاسيس التي نجمت ‏عن الفنون وبشكل خاص الأدب والسينما. وهناك أحاسيس المرافقة ‏للانفعالات وهي كثيرة ومتنوعة، مثل أحاسيس الحب والغيرة والخوف والحقد ‏والغضب والزهو والفخر... الخ.

وبالإضافة إلى ذلك نجد عند الإنسان بشكل ‏خاص أحاسيس جديدة تكونت نتيجة الحياة الاجتماعية والثقافية. وتتفاعل هذه ‏الأحاسيس مع بعضها عند حدوثها معاً، فتولد مشاعر ووعي متطور ومعقد، ‏والأحاسيس الأخلاقية والدينية والروحية والفكرية والفنية وباقي الأحاسيس ‏الاجتماعية المتطورة هي مثال على ذلك.

إن إحساسي اللذة والألم هما غالباً مرتبطين ببعضهما ، وهامان وضروريان ‏لتوجيه وحماية الفرد وتطوره نحو الأفضل . ولكن نجد أن أغلب الأهداف ‏الاجتماعية ، والعقائد والأديان ، تسعى إلى تقليل الألم والمعاناة.

ولكننا نجد ‏أن اللذة والألم وباقي الأحاسيس والانفعالات وما تنتجه من تأثيرات حسية ‏وعاطفية بأنواع وأشكال كثيرة قد نشأت وتطورت لأنها حققت فاعلية في ‏توجيه الكائن الحي ليحقق بقاءه بتكيف مع الواقع الموجود فيه، إن كان مادياً ‏أو اجتماعياً.

فاللذة أو الألم، والانفعالات والعواطف كالغضب والخوف ‏والحب والكراهية والشجاعة والغيرة والتنافس على المكانة وعلى التفوق، لهم ‏الدور الهام والفعال في توجيه وتكيف الفرد مع البيئة ومع الأوضاع ‏الاجتماعية.

إن دور اللذة والألم هام جداً وفعال جداً للحفاظ على الكائن الحي ‏وعلى نموه، فاللذة والألم هما حاميان ومنظمان لجسم الكائن الحي. ‏

إننا كلنا نطلب اللذات ونحاشي الألم، فالهدف الأساسي المعلن "أو غير ‏المعلن" للجميع هو لذة أكثر وأقوى وألم أقل أو معدوم. فالسعادة مرتبطة لدينا ‏بشكل مباشر باللذة والممتع وتحاشي الألم. وأيضا هي مرتبطة بشكل غير ‏مباشر بتحقيق المفيد وتحاشي الضار، وبتحقيق الدوافع والغايات أو الأهداف ‏والإنجاز.‏

تأثير الإشباع والملل ‏
إن تأثير رائحة الطعام يتغير بشكل كبير حسب كون الشخص جائعاَ أم شبعان ‏ومتخم، وكذلك الدافع الجنسي وغالبية الدوافع .

وهذا مثل الوضع في إرواء ‏أي حاجة أو دافع ، فعند حدود معينة يصبح الإرواء غير مؤثر ويحدث ‏الملل، ويمكن أن يتحول إلى العكس فيصبح مؤلما كما في تناول الطعام بعد ‏الشبع. تظهر دوماً دوافع ورغبات إلى الأحاسيس الجديدة عند الذين لم يعودوا ‏بلذّة القديمة فهم ملّوا منها لأنها لم تعد تمنحهم تلك الأحاسيس التي يرغبونها.‏

إن أغلبنا يسعى لنقل أحاسيسه وأفكاره للآخرين ، لأن إحداث نفس الإحساس ‏لدى الآخر يؤدي إلى حدوث تغذية عكسية موجبة تقوي هذه الأحاسيس، ‏فعندما أشاهد منظراً جميلاً أو أسمع صوتاً جميلاً أو أتناول طعاماً شهياً... ‏أسعى إلى من يشاركني هذه الأحاسيس، لأن مشاركة الآخر تعزز وتقوي ‏إحساسي وتزيد من متعتي.

إن هذه الخاصية، زيادة قوة الأحاسيس نتيجة ‏مشاركة الآخرين، ناتجة عن تغذية عكسية موجبة للأحاسيس، كما في المجال ‏الفيزيائي، والأحاسيس التي يشعر بها الإنسان أكانت فرح أم حزن.. يمكن أن ‏تنتقل إلى الآخر بواسطة التعابير والإيحاءات واللغة.‏

دور المجتمع وتأثيراته
الفرد هو جزء من المجتمع وينعكس عليه ما يتعرض مجتمعه من أمور، ‏وهو في الأساس يكتسب أو يرث من مجتمعه لغته وثقافته وعقائده وعاداته، ‏ودور المجتمع وتأثيراته علينا الآن وبشكل خاص دور العقائد والأديان ‏الموجودة، بالاضافة للتأثيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتكنلوجيا ‏الأخرى التي توسعت الآن بشكل كبير وصارت تأثيراتها حاسمة في مدى ‏تأثيرها على سعادة ورفاهية الأفراد. ‏

إن للعلاقات الاجتماعية تأثيرات كبيرة وواسعة وهي مصدر سعادة وأيضاً ‏يمكن أن تكون مصدر شقاء ومعاناة، فنحن الآن نعيش ضمن دول لها ‏خصائصها الطبيعية، ولها أنظمة حكم، ولها أوضاعها السياسية والاقتصادية، ‏ولها عاداتها وعقائدها، وهي تتأثر بباقي الأوضاع الدولية السياسية ‏والإقتصادية.

وكل هذا ينعكس على أفرادها إيجاباً أم سلباً من ناحية سعادتهم ‏أو شقائهم. فهناك دول تؤمّن لأفرادها مجالات واسعة لرفاهيتهم وسعادتهم، إن ‏كان من ناحية الموارد الغنية بها أو من ناحية أنظمة الحكم والإدارة، وهناك ‏دول أخرى أوضاعها صعبة تفرض على غالبية أفرادها المعانات والحياة ‏الصعبة.‏

يفرض المجتمع على الأفراد أمور كثيرة فتأثير العلاقات الاجتماعية ودور ‏العقائد والتقاليد الاجتماعية هام وفعال في مساعدة الفرد على تحمل الأوضاع ‏القاسية. فهي تكون إيجابية فتساعد الفرد وتدعمه في تحمل الخسارات ‏والأزمات الكبيرة، وهي أيضاً تفرض علية التنافس والصراع مما يؤدي ‏لتعرضه لضغوط ومعاناة كبيرة.

فتأثيرات الحياة الاجتماعية والحياة الأسرية ‏بشكل خاص، والعادات والتقاليد، ودور الإيحاء والعدوى بانتقال المشاعر ‏بالمحاكاة والتقليد حلوها ومرها، والأعياد والحفلات المأتم والتعزية، هام جداً ‏ومؤثر بشكل كبير علينا.‏

دور الأديان والعقائد والمعرفة
للتدين دور كبير وأساسي في تحقيق السعادة فهو يمنح الإنسان مجالات ‏واسعة من السعادة ويساعده بشكل كبير على تحمّل أو تقبل مشقات الحياة ‏والتكيف مع الأوضاع الصعبة التي تسبب الألم والمعاناة.

فالحياة فيها الحلو ‏وفيها المر، فيها اللذة والسعادة والهناء وفيها الألم والمعاناة، فيها النجاح وفيها ‏الفشل، فيها الربح وفيها الخسارة.

وكان هدف كافة الأديان الأساسي التعامل ‏مع ظروف الحياة حلوها ومرها، بالإضافة إلى دورهم الأساسي في تنظيم ‏وضبط العلاقات الاجتماعية.‏

فالأديان والعقائد قامت ببناء ونشر أفكار ومناهج للتعامل مع الواقع تحقيق ‏التوافق بين الدوافع والرغبات مع ما هو متاح وما يمكن تحقيقه. إن رجال ‏الدين الناجحين والمؤمنين الحقيقيين هم مثال على الناس الذين نجحوا في ‏اختيار وتنظيم وتحقيق دوافعهم وأهدافهم، لذلك هم يحصلون على أكبر قدر ‏من السعادة، نظراً لأنهم يحققون غالباً أكبر قدر من دوافعهم ويتعرضون ‏لفشل وإحباط أقل.‏

إن المتدينين الحقيقيين هم مثال على الناس الذين نجحوا في اختيار وتنظيم ‏وتحقيق دوافعهم وغاياتهم، لذلك هم الذين يحصلون على أكبر قدر من ‏السعادة، نظراً لأنهم يحققون غالباً أكبر قدر من دوافعهم وأهدافهم، ‏ويتعرضون لفشل وإحباط أقل.

إن المصائب الكبيرة القاسية كموت ابن أو أم ‏أو شريك أو فقدان ثروة كبيرة أو مرض شديد..، يكون التعامل معها بفاعلية ‏عندما يكون الشخص مؤمناً بالله أو بعقيدة، إيمان قوي وحقيقي، وعن طريق ‏هذا الإيمان وكيفية التعامل مع هذه الأوضاع ، يستطيع هذا الشخص التعامل ‏مع هذه الأوضاع القاسية بفاعلية وأفضل ما يمكن، والذي يسمح بتحمل ‏وتجاوز أو تحمل هذه المصائب القاسية. ‏

فالأديان والعقائد قامت ببناء ونشر أفكار ومناهج للتعامل مع الواقع تحقق ‏التوافق بين الدوافع والرغبات مع ما هو متاح وما يمكن تحقيقه. إن الدين من ‏أهدافه الأحاسيس الجميلة والسعيدة ولكن ليس هذا هدفه الأساسي فهدف الدين ‏الأساسي هو الخير والمفيد للفرد وللمجتمع، وهذا يجعل الدين يتفوق على ‏الأدب في إقبال الناس عليه وهذا ما نلاحظه بوضوح.‏

دور المال ‏
علاقة المال بالسعادة هي موجبة كلما كانت الحاجة إليه كبيرة، وعند زيادته ‏لحدود معينة يصبح تأثير الزيادة غير مؤثر. لقد لوحظ أن حصول المكاسب ‏والربح يولد السعادة والغبطة ولكن يعود معظم الرابحين إلى حالتهم السابقة ‏ويصبح الأمر عادي، بعكس حصول الخسارة أو الهزيمة فإن تأثيرهم يستمر ‏فترات طويلة.‏

في إحدى الدراسات سئل طلبة جامعة هارفارد فيما إذا كانوا يفضلون كون ‏راتبهم 50 ألف دولار في السنة بينما يكون راتب الآخرون 25 ألف دولار، ‏أم أن يكون راتبهم 100 ألف دولار بينما يكون راتب الآخرين 250 ألف ‏دولار.

فكان رد الأغلبية الخيار الأول وهو الذي يكون راتبهم أكثر من راتب ‏الآخرين وإن كان قليلا. وتأثير الربح بعد خسارة وتأثير الخسارة بعد الربح ‏وتأثير الوضع العام على الربح والخسارة .‏

هناك حالات وأوضاع تؤثر بشكل كبير وسلبي أو إيجابي على إمكانية تحقيق ‏سعادة الشخص، وأهمها الأوضاع الاقتصادية والمادية أكانت غنى أم فقر، ‏الأوضاع الجسمية الصحية أم المرضية، وإعاقة قدرات أو تفوق قدرات، ‏الأوضاع الاجتماعية والسياسة الموجود فيها الشخص.‏

إن تحقيق السعادة والهناء في الحياة يلزمه عوامل ومهارات كثيرة، ودراسات ‏منهجية دقيقة، ويجب أن يدرس في المدارس والجامعات والحياة العملية. ‏فبواسطة الدراسة والعلم يمكن البحث عن مصادر السعادة وما يعطي للحياة ‏معنى، وتحدد عوامل وطرق تحقيق السعادة.

إننا الآن نتذوق الفنون من طعام ‏وشراب وحب وموسيقى وأدب وسينما....الخ بالإضافة إلى تذوقنا للعلاقات ‏الاجتماعية من صداقة وتعاطف وانتماء وحب تملك وحب سيطرة.... والكثير ‏منا يحصر مجال تذوقه في وجبات معينة ويدمن عليها، فهناك من يجمع المال ‏أو أي نوع من جمع الممتلكات ويتذوق لذة الجمع هذه وهو على الأغلب ‏سوف يعاني ألم الخسارة التي لا بد من حصولها غالباً.

وهناك من يسعى ‏لتذوق أحاسيس السيطرة والتحكم والفوز بالصراعات والتنافسات فهو دوماً ‏بين قطبي اللذة والألم الربح والخسارة وحياته الحسية مبنية على ذلك. ولكن ‏تذوق الأدب والفنون يكون غالباً في مجال اللذة والسعادة بكميات غير محدودة ‏ولا تقيدها آلية الشحن والتفريغ، كما في حالة إرواء الدوافع والغرائز ‏الأساسية - مثل لذة الطعام المحدودة بالجوع والشبع، وليست خاضعة ‏لضرورة الارتفاع المستمر في المستوى أو الشدة للاستمرار في الحصول ‏على اللذة والسعادة ، فالفنون بتنوعها وكثرة مجالاتها تسمح بتجاوز الإشباع ‏والتحديد للأحاسيس.‏

إن ممارسة اللذات النفسية والفكرية وما تحدثه من أحاسيس وشعور بالراحة ‏والأمل والسعادة منتشر بشكل كبير بين الناس. فالأعياد والحفلات ‏والمهرجانات ، و كافة وسائل التسلية والمرح، وطقوس العبادة والصلاة ‏والشعائر الدينية والعقائدية تتضمن دوماً أحاسيس ومشاعر جميلة وسعيدة، ‏لذلك يمارسها الجميع.‏

إن مشكلة التعامل مع الآلام من أهم المشاكل بالنسبة لكل منا.‏
إن الألم واللذٌة هما المتحكمان والموجهان لأغلب استجاباتنا وأفعالنا، والألم ‏واللذة الجسمية في بداية حياتنا شامل لكافة تعاملاتنا مع الوجود، ثم ينشأ بعد ‏ذلك ونتيجة التعلم والتربية، الألم النفسي أو الفكري الذي يحدث دون مؤثر ‏مباشر على المستقبلات الحسية. فالتعامل مع الألم واللذة الجسمي يكون ‏بالاستجابة والفعل المناسب في أول الأمر بتحاشي الألم والسعي للذة ، والتعلم ‏يحقق التحكم بهما في حدود معينة.‏

أما التحكم بالآلام الجسمية بشكل فعال فهو يتم عن طريق المخدر والعقاقير. ‏إن الآلام واللذّات النفسية تبدأ في التشكل نتيجة الحياة والتربية، فتربط الكثير ‏من الاستجابات المحايدة، باللذة أو الألم، فالتوبيخ والشتيمة والاستهزاء ‏والتحقير، وكذلك الخسارة والهزيمة...، تنتج الكثير من الآلام النفسية للذي ‏تعلٌم معانيها. وكذلك المديح والافتخار، والربح والفوز.... تنتج اللذة ‏والسعادة.

إن الآلام وكذلك اللذّات النفسية تبدأ في التشكل نتيجة الحياة ‏والتربية، فتربط الكثير من الاستجابات المحايدة ، باللذة أو الألم ، فالتوبيخ ‏والشتيمة والاستهزاء والتحقير ، وكذلك الخسارة والهزيمة...، تنتج الكثير من ‏الآلام النفسية للذي تعلٌّم معانيها. وكذلك المديح والافتخار، والربح والفوز ‏تنتج اللذة والسعادة.

إن المنشئ والمتحكم بالآلام واللذات النفسية هو النتوء اللوزي ويساعده ‏المهاد. فهو عندما يقرر نتيجة تقييم مثير ما، أنه ضار، يطلب أيضاً توليد ‏إحساس ألم نفسي مرافق، فهو بذلك يحول الضار إلى مؤلم، مثلما يحول ‏المفيد إلى ممتع، فهو كما يقولون منشئ أحاسيس العواطف والانفعالات.

‏فالدماغ القديم ومن ضمنه النتوء اللوزي هو الذي يعتمد التقييم وإنتاج النجاح ‏والفشل أو الربح والخسارة وبالتالي الشعور باللذة أو الألم. والممثل بالغرائز ‏والانفعالات الموروثة وما تم تعلمه في بدايات الحياة، غالباً يكون سلبي ‏ومعيق، لأنه برمج في ظروف قديمة مختلفة عن غالبية الظروف والأوضاع ‏الحالية ، فهذه البرامج وما تنتجه من استجابات يمكن أن تكون غير فعالة ‏ومعيقة .

وهذا مثال يوضح كيفية تعامل عقلنا في التقييم الأمور :‏
لنفرض أنك بحاجة ماسة لمبلغ 50 ألف ليرة لكي تجري عملية ضرورية ‏لإبنك ولم تستطع تأمينه، وفي طريقك ناداك رجل فذهبت إليه، ودون أن ‏يكلمك أخرج من محفظته 100 ألف ليرة وأعطاها لك. ما هو وضعك الآن؟ ‏إنك حتماً لا تعرف كيف تشكر هذا الرجل لكرمه وعلى ما فعله لك، إنك في ‏قمة السعادة الآن.

في هذه الأثناء مر رجل آخر فناداه الرجل الذي أعطاك ‏النقود، ومن ثم أعطاه 200 ألف ليرة. ما هو وضعك الآن؟؟ إنك حتماً لم تعد ‏سعيداً مع أن مشكلتك الكبرى قد حلت، ويمكن أن تستاء، أنت تفكر، لماذا ‏أعطى الرجل الآخر أكثر مما أعطاك، إنه لم يعد كريماً في نظرك كما كان، ‏وسوف يتغير تقييمك للوضع بشكل كبير.

إن ما يدخل إلى ساحة الشعور هو المهم ، فهو الذي يعالج ويقيم وينتج ‏الاستجابات والتصرفات، ففي كثير من الأحيان يكون المهم غير مدرك أو ‏غير منتبه إليه أو غير معروف، ثم يظهر وينتبه إليه وتجري معالجته ويحدث ‏تأثيراته ، وعندها يحدث الندم ويتضخم الشعور بالخسارة والفشل. وهنا يظهر ‏الدور الهام للتمهل والتروي والتفكير العقلاني المنطقي بالأمور لاعتماد ‏الاستجابات والتصرفات المناسبة والمجدية.‏

يمكننا التحكم بتقييماتنا وأحكامنا واستجاباتنا إذا غيرنا انفعالاتنا من الحزن إلى ‏الفرح أو من الإحباط إلى الضحك، أو من الخوف إلى الشجاعة،......الخ، ‏يلجأ بعض الناس للضحك في أوضاع خاسرة لكي يحولون دون إفراز المواد ‏التي تجعل مزاجهم سيئاً، لأن الضحك يؤدي إلى جعل المزاج جيداً ، فهو- ‏أي المزاج الجيد واللذة والسعادة- كان ينتج بشكل أساسي عند الفوز والنجاح ‏والنصر.

فعندما يضحك الإنسان على خسارته أو فشله تكون استجابة هذه ‏فعالة في التعامل مع الأوضاع السيئة الخاسرة، فإنه بذلك يحول فشله إلى ‏نصر ولو بشكل كاذب لتلافي النتائج المزاجية السيئة الناتجة عن الفشل أو ‏الخسارة ، فالنكات تزدهر في الأوضاع السيئة والصعبة لما تحقق من فاعلية ‏في التعامل مع هذه الأوضاع.‏

إن مراكز التقييم في الدماغ هي التي توجه وتتحكم بغالبية استجاباتنا وأفعالنا ‏وعواطفنا، والمهم هو كيف نؤثر على هذه المراكز لنحقق أفضل تكيف مع ‏الأوضاع الموجودة ونحقق في نفس الوقت أهدافنا الأساسية في الحياة بفاعلية ‏وكفاءة، ولا نجعل الأمور غير الهامة أو البسيطة تتضخم وتسبب لنا المشاكل ‏التي ليس لها داع .‏

فن تذوق الوجود ‏
لقد توسعت الخيارات المتاحة للإنسان للأحاسيس بشكل هائل وأصبح أمام ‏خيارات واسعة جداً، ومع ذلك فالكثيرون منا محافظون ولا يرغبون ولا ‏يسعون إلى التغيير أو التجديد مع أن المتاح لهم يمكنهم من الشعور بأحاسيس ‏لا تقارن من ناحية الجمال واللذة والسعادة بما تعودوا على الشعور به ‏وأدمنوا عليها.

والملاحظ أن غالبيتنا يقتصرون أو يتعودون على أحاسيس ‏لذيذة أو جميلة معينة وفي مجالات معينة ويدمنون على تناولها، إلى حد ‏يصعب أو يستحيل عليهم تذوق أحاسيس أخرى مختلفة عنها. إن بنيتنا ‏الفسيولوجية والعصبية بالإضافة إلى بنيات المجتمع وغيرها من البنيات ‏تفرض علينا أحاسيس معينة وأيضاً تقيد خياراتنا في تذوق هذه الأحاسيس.

قدرات الإنسان الواسعة على التكيف مع الأوضاع الصعبة: الملاحظ أن ‏للإنسان قدرات كبيرة على التكيف مع أصعب الأوضاع وأقصاها " نفسياً ‏وجسمياً ومادياً " أكانت أوضاع طبيعية مدمرة وقاصية أو أوضاع اقتصادية ‏أو سياسية سيئة أو حروب وصراعات طاحنة، وتحمل المعاناة والصبر ‏والمثابرة وإيجاد الحلول البديلة، والتغلب على المشاكل والأزمات.‏

صحيح أن هناك أوضاعا وحالات قاصية جداً يصعب أو يستحيل تجاوزها ‏مثل خسارة عزيز إبن أو أم أو زوجة، أو خسارة مالية كبيرة لا يمكن ‏تحملها، أو مرض عضال، أو أوضاع أسرية أواجتماعية قاسية جداً.. الخ ‏ويكون الحل في هذه الحالات هو الصبر والتحمل، وبمرور الزمن يتناقص ‏بالتدريج تأثيرات هذه الأوضاع السيئة أو تتبدل الأوضاع للأحسن. ‏

التعامل مع المصائب الكبيرة القاسية والتي تسبب آلام ومعاناة كبيرة، كموت ‏أبن أو أم أو شريك أو فقدان ثروة كبيرة أو مرض شديد... هذه المصائب ‏يكون التعامل معها بفاعلية عندما يكون الشخص مؤمن بالله أو بعقيد إيمان ‏قوية، وعن طريق هذا الإيمان، يستطيع هذا الشخص التعامل مع هذه ‏الأوضاع القاسية بفاعلية وأفضل الممكن.

والذي يسمح بتحمل وتجاوز هذه ‏الخسارات القاسية. وغالباً مرور الزمن يخفف من تأثيراتها ولكن إلى حدود ‏معينة، فمهما حاول الإنسان نسيانها فستظل في ذاكرته يتكرر تذكرها، ولكن ‏ألمها يكون غالباً محتمل.‏

إن من أهم عوامل السعادة حسن إدارة الإنسان لأمور حياته. وهذا تابع ‏لذكائه وما يكتسبه من معارف ومعلومات وعادات جيدة، فالحياة مليئة بعوامل ‏المعاناة والألم والشقاء بالإضافة لعوامل السعادة واللذة، فتحاشي عوامل ‏المعاناة وتحقيق السعادة والمتع والتكيف مع الأوضاع والظروف، والاهتمام ‏والاعتناء بالجسم وصحته، والتغذية الجيدة والراحة والرياضة والترفيه...، ‏وتحاشي الأوضاع الخاسرة أو السيئة، والسعي لتحقيق الإنجازات والنجاحات ‏الممكنة والمتاحة، وفاعلية التعامل مع الآخرين والأوضاع الإجتماعية ‏والمادية والتكيف المناسب معها ، كل هذا مرتبط بطريقة الشخص في إدارة ‏أمور حياته.‏




العرب اونلاين
 
رد: السعادة "فن" تذوّق الحياة ‏

السعادة هي فن تذوق الحياة هذا الكلام صحيح والسعادة هي ان نعرف ماذا نريد ومتى نريد وكيف نحقق ما نريد
رابعة موضوعات متميزة شكرا لك
 
رد: السعادة "فن" تذوّق الحياة ‏

معك حق أن تعرف ماذا تريد ومتى تريد وكيف تريد توصل الى السعادة
تحياتي القلبية أختي الهدهد
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى