التفاعل النفسي الجسدي .

التفاعل النفسي الجسدي

د ياسربن راشد الهذيل
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وهيأ له سبل العيش المناسبة لما خلقه له ووهبه من القدرات الظاهرة والباطنة التي تجعله قادراً على العيش في بيئته المحيطة به. ولكي يعيش هذا الفرد بصورة مناسبة في محيط قابل للتغير والتبدل وتتعدد فيه المخلوقات بأنواعها من حوله، لا بد أن يكون قادراً على التكيف والتفاعل مع ظروف الحياة المختلفة. فقد ينتابه الخوف أو القلق مما يهدد وجوده في وقت ما وقد يغمره الفرح في وقت آخر وقد يحزن لمصاب أصابه أو لخطب ألم به، فهو معرض حتماً للكثير من المتغيرات في حياته التي تؤثر مباشرة على استقراره النفسي، فهل يكون جسده بمعزل عن هذه المتغيرات؟

من جانب آخر لا بد للفرد أن تتعرض صحته الجسدية لما يعكر صفوها من حين لآخر وقد يصاب البعض بأمراض تلازمهم وربما تقعدهم مدى الحياة، فهل تكون الحالة النفسية في أفضل حالاتها بينما يئن الجسد تحت وطأة الأمراض؟

يعيش الإنسان في حالة من التفاعل والتواصل المستمر بين نفسه وجسده حيث يتأثر كل منهما بالآخر ويظهر تفاعل أحد الجانبين عند حدوث اضطراب في الجانب الآخر. فعندما يصاب الإنسان بمرض جسدي، قد تظهر عليه أعراض نفسية تصل إلى مستوى المرض وليس فقط مجرد أعراض ويكون ذلك إما استجابة نفسية للإصابة بالمرض الجسدي أو أن يكون المرض النفسي نتيجة للتأثير العضوي للمرض الجسدي على وظائف الجسم فتظهر الأعراض والعلامات النفسية وهي بالأساس جسدية المنشأ. في الجانب الآخر تؤدي الأمراض النفسية إلى حدوث تغيرات في وظائف الجسم بواسطة الجهاز العصبي وجهاز الغدد الصماء والجهاز المناعي. وإذا كانت تلك الأمراض النفسية مزمنة ولم يتم علاجها،تستمر التغيرات الناجمة عنها فينتج عن ذلك إصابة المريض بأمراض جسدية جديدة أو سوء حالة أمراض موجودة أصلاً أو انخفاض استجابة المريض لأدوية أمراضه الجسدية.

لا يستقيم الأمر للإنسان أن يعيش حياته في ظل انفصال تام بين جسده ونفسه يكون بموجبه كل منهما غارقاً في شؤونه بعيداً عن الطرف الآخر، كأن يكون الفرد في مواجهة أمر مهدد لحياته تستجيب له نفسه بمشاعر الخوف العارمة بينما يكون جسده في حالة استقرار وهدوء تام غير آبه بالخطر المحدق، فلكي يتمكن الفرد من إنقاذ حياته على الوجه الذي تقتضيه الظروف لا بد أن يكون هناك تنسيق وتفاعل آني وعلى درجة عاليه من الجاهزية يتمكن الفرد من خلالها من اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة وبالتالي تنفيذ ذلك القرار على الوجه الذي يستدعيه الأمر ويحقق له الأمان. يتم هذا التفاعل الدقيق والمعقد عبر منظومة من الآليات العصبية والنفسية والهرمونية والعضلية وغيرها من آليات متناسقة تعمل وفق برمجة دقيقة تحقق التواصل المستمر بين أجهزة الجسد والنفس لكي يصبح هذا الإنسان قادراً على التفاعل والاستجابة حسب ظروف بيئته المحيطة به.

تمثل الضغوط التي يشعر بها الفرد استجابة تكيفية وطبيعية لمواجهة ظروف الحياة المختلفة، إذ يعيش الفرد في الظروف الطبيعية في حالة اتزان واستقرار وعندما يواجه أي حالة تهدد هذا الاتزان أو الاستقرار فإنه يشعر بالضغط النفسي والذي كما أسلفنا يمثل استجابة طبيعية لهذا التهديد، علماً أن هذا التهديد قد يكون تهديداً فعلياً (واقعياً) أو ربما يتصوره الفرد تهديداً بينما هو ليس كذلك. وبما أن الضغط النفسي يمثل استجابة طبيعية لمواجهة المخاوف أو التهديدات فإنه ينتج عن هذه الاستجابة منظومة متناسقة من التغيرات الحيوية والسلوكية والنفسية. ولكي تكون هذه الاستجابة فاعلة ومؤثرة يجب أن تكون سريعة وعلى مستوى عال من الجاهزية والاستعداد وفي نفس الوقت يترتب على حالة الاستنفار والطوارئ تلك عند استمرارها لفترة طويلة إرهاقاً شديداً وأعباءً كثيرة. ومن المشاعر التي تنتاب الفرد عند تعرضه لتهديد أو ضغط ما مشاعر القلق والخوف والغضب وغيرها، وتكون هذه المشاعر مصاحبة أو متزامنة لمنظومة الاستجابة التي تحدث تلقائياً على مستوى الجسم، وتحدث الاستجابة بشكل تلقائي مبرمج يناسب طبيعة التهديد الذي يواجهه قبل مرور الوقت الكافي للفرد لكي يدرك تفاصيل ما حوله، أي أنه يكون في جاهزية للاستجابة حتى وإن لم يدرك تفاصيل الحدث حيث لا يوجد متسع من الوقت عندئذ للنظر والتفكير العميق فلا بد من تجنب الخطر في أسرع وقت. ومن أهم جوانب الاستجابة ما يحدث للقلب والأوعية الدموية حيث يرتفع ضغط الدم ونبض القلب وكمية الدم التي تضخ من القلب لتجهيز الأعضاء لحالة الطوارئ. ولا شك أن حالة الاستنفار تلك يجب أن تكون مؤقتة بوجود السبب، أما عندما استمرار وجود السبب أو عدم عودة أجهزة الجسم إلى حالة الاسترخاء بعد زوال السبب فإن ذلك يسبب أعباء كثيرة وزيادة في الإجهاد وما ينتج عنه من مضاعفات.

لسبب أو لآخر يكون لدى بعض الناس استعداد أو قابلية لاستمرار أجهزة الجسم في مرحلة الإجهاد والاستنفار وبالتالي تظهر عليهم مع مرور الوقت تبعات كثيرة على أجهزة الجسم. ومن الأمثلة المهمة على تأثير الضغوط ما يحدث في مرض القولون العصبي حيث تبين أن استجابة هؤلاء المرضى للضغوط تفوق المعدل الطبيعي ويحدث ذلك تحديداً في الجهاز الهضمي وتستمر سلسة الاستجابة والتغيرات التي تحدث حتى بعد زوال السبب حيث يكون الخلل في عدم القدرة على استعادة الوضع الطبيعي. وبالتالي يكون من نتائج ذلك انخفاض في حركة المعدة والإثنى عشر وانخفاض إفرازاتهما الهاضمة في حين تزداد تقلصات الأمعاء ويشعر المريض بالألم والأعراض الأخرى.

من بديع خلق الله سبحانه وتعالى أن جعل الإنسان يعيش في وحدة متكاملة لا ينفصل جزء منها عن الآخر يتفاعل فيها مع الجسد مع الحالة النفسية وتستجيب فيها النفس لظروف الجسد، ولا تستقيم حياة الفرد إلا بهذه الوحدة المتكاملة وباستمرار التفاعل بين مكوناتها.

* أستاذ مساعد واستشاري الطب النفسي
 
رد: التفاعل النفسي الجسدي .

شكراً لك اختي
على المعلومات المفيدة
 
رد: التفاعل النفسي الجسدي .

مشكوووووووووووووووووووووووووووووره بصمة فتاة
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى