التفكير المبني على الصفر

ساعد وطني

عضو جديد
خلود العميان *

إن أكثر ما يخيب أملنا في لعبة السلم والأفعى، حين نهوي مجدداً إلى الأسفل، بعد التقدم الذي تم إحرازه على الخصم. غير أن الرجوع إلى نقطة البداية ليس سيئاً إجمالاً؛ فهناك نظرية بشأن ذلك للكاتب "براين تريسي" تعبر عنها عبارة: "التفكير المبني على الصفر". وقد رأيت أنه يعتمدها كثيراً في كتبه ومحاضراته، ويدعو إلى اعتمادها عملياً في سلوكنا الفكري، وتجاه قراراتنا التي نتخذها عند الشروع في عمل شيء ما، للانطلاق بها إلى عالم التغيير المبني على أساس متين.

في البدء، عندما وقع بصري على هذا الاصطلاح: "التفكير المبني على الصفر" ظننت أنه تفكير سلبي للغاية، ولعل السبب في هذا الظن يعود إلى أن مفهومنا عن الصفر سلبي غالباً- إن لم يكن دائماً- مثل انطباعنا الأولي عن تلك الصورة النمطية لإشارة خطأ (×) بالأحمر.

وتقوم هذه النظرية على فكرة واحدة، وهي: تمهيد وإعداد أرضية صالحة للتغيير، وتتلخص في الآتي: "مع معرفة ما تعرفه الآن..." وهي تعني ب: أنك اليوم قد وصلت إلى معرفة شاملة وكافية عن نفسك وذاتك وسلوكك وطبيعة شخصيتك والشخصيات الأخرى المحيطة بك، ثم تجميع هذه المعرفة، ليتم من خلالها اتخاذ القرار بصدق وفاعلية في الجزء الثاني من النظرية:"لا يهم من أنت وماذا تفعل، هناك أنشطة وعلاقات في حياتك لن تنخرط فيها مجدداً". وهنا يتم تحديد الأمر بغض النظر عن نوع النشاط: استثماري، أخلاقي، رياضي، وفيما يتعلق بالأشخاص أيضاً، سواء أكانوا أناساً قابلتهم في محيط الصداقة أم العمل أم غير ذلك.

لكن يظل هناك سؤالان مطروحان عندئذ: "كيف يمكنني الخروج من هذا الأمر؟ وما هي السرعة المطلوبة لذلك؟ إن الإجابة تحتاج إلى شفافية وصدق مع الذات، من أجل بلوغ مرحلة "التفكير المبني على الصفر"، وهو أمر يتطلب تفحصاً ونظرة معمقة على الحياة العملية والحياتية، لتتخذ قرارك بشأن الأمور التي لن تنخرط فيها مرة أخرى في حياتك، وعليك التخلص منها في أسرع وقت ممكن.

وتكمن الفائدة من هذه النظرية، بأنها تجعل الشخص يفكر أكثر في استثمار وقته ومشاعره في أشياء أهم وأعمق، مما يدر عليه فائدة أكبر في إدارته لشؤون حياته. ويظهر مثال ذلك عندما ترى أنك تنفق وقتاً كثيراً في متابعة حركة الأسهم ومراجعة حساباتك المالية، ثم ترى أنذلك عاد عليك باضطراب مالي، واستدرجك إلى ديون ثقيلة، كما أنه تسبب بفوضى عارمة في شؤون حياتك الأخرى. وقد يكون أحد الأسباب التي قادتك إلى كل ذلك، أن صديقاً ما شجعك على هذا النوع من الاستثمار. لكن بالعودة إلى "التفكير المبني على الصفر"، وبناء على معلوماتك التي جمعتها عن هذه المشكلة، لتحقيق فهم شامل مكمن الخطأ، يمكنك العودة خطوة إلى الخلف في أسرع وقت ممكن؛ أي إلى "نقطة الصفر- البداية- الانطلاق من جديد"، بعد أن تكون قد اتخذت قراراً حاسماً، بأن هذا النوع من النشاطات أو المشاعر التي دارت حوله، أو الخسارات التي ترتبت عليه، لن يتم الخوض فيها مجدداً ونهائياً.

يظهر لنا من مجموع النظريات التي تقدم لنا آليات تفكير متعددة، وتمكننا من تعزيز مهارتنا على حل المشكلات التي تعترض سبيلنا بين حين وآخر، مثل هذه التقنية العقلية: "التفكير المبني على الصفر"- بأنها تشترط جميعها إرادة صادقة لدى الفرد على معالجة دواعي الفشل أكثر من تجاوز الفشل ذاته، وهذا هو المطلوب حسب رأيي، بالبناء على منطقة "الصفر": ذلك العدد الذي يبدأ به كل شيء، ويتوسط الأعداد الموجبة والسالبة على خط الأعداد، أو بمعنى آخر: خط الحياة.

*رئيس تحرير مجلة فوربس العربية
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى