الوراثة أسرار خاصة

أم الغالين

عضو فعال
تصور أن حيز ضيق جداً مثل نواة خلية لا يتجاوز أبعادة بضعة ميكرونات( 1سنتيمتر يساوي 10 ألاف ميكرون) يمكن أن يحتوي ما يعادل 1.2 مليون صفحة ( حوالي 3.2 بليون حرف). هذه الموسوعة والتي يمكن أن نطلق عليها الجينوم ،يمكن تقسيمها إلى 24 جزءا وكل جزء يمثل ما يسمى بالصبغي أو الكرومسوم ، وهذه المليارات الثلاثة من الحروف التي يتكون منها الجينوم يمكن كتابتها على خط طوله متران وهو الطول الفعلي لمجموع الصبغيات داخل نواة خلية واحدة . أما لو أردنا حساب مجموع الطول الكلي الموجود داخل خلايا جسم طفل وليد الذي يتكون من 100 تريليون خلية لوصل طول المادة الوراثية (الجينوم) عند هذا الطفل ما يعادل 20 مرة ضعف المسافة بين الأرض والشمس ؟!! فسبحان الله الذي خلق فقدر.



أبجديات الوراثة...
إن الحمض النووي الريبي المنقوص الاوكسيجين (DNA) يشكل المادة الوراثية الموجودة داخل نواة الخلية ،وهو الذي يحمل المعلومات الوراثية المسؤولة عن تنظيم الحياة في الكائن الحي . إن البنية الكيميائية للمادة الوراثية DNA هي أربعة عناصر فقط ،هي القواعد النتروجنية (أدينينA ،غوانينG، ثايمينT، سيتوزينC) بالإضافة إلى جزئ فوسفات وجزئ سكر منقوص الاوكسيجين ( والنيوتيدة NUCLOTIDE هي وحدة البناء الأساسية لـ DNAو RNA وتتألف من احد القواعد الازوتية (النتروجينية ) الأربع و جزئ فوسفات وجزئ سكر منقوص الاوكسيجين) وفية تترتب هذه القواعد على شكل سلسة أو خيط ،لتكون حروف وأبجدية الوراثة ،وتكتب على الشكل التالي ATTCCAGTGGCC موضوعة على عمود من الفوسفات والسكر. ويتحد خيطين يكمل احدهما الأخر ،وهذان الخيطان يلتفان احدهما حول الأخر ليشكلا ما يسمى بالبنية الحلزونية المضاعفة double helix .
الجينوم(GENOME): هو مجموع المادة الوراثية DNA التي تحتويها الخلية والتي يوجد معظمها في النواة، وهي تتضمن كل الموروثات GENES ، وأيضا هناك جزء قليل من المادة الوراثية توجد في الميتوكندريا ( وتسمى متقدرة وهي تعتبر مصانع الطاقة في الخلية وتوجد خارج النواة في السيتوبلازم) .
يتألف الجينوم في نواة الخلايا البشرية من 23 زوج من الصبغيات CHROMOSOME ،وهو جزء ذو شكل عصوي أو خيطي مكون من اتحاد بروتينات خاصة (الهيستونات) مع جزئ من DNA والذي يمكن رؤيتة في طور انقسام الخلية المسمى الميتافاس حيث تكون عملية تلوينة ممكنة.
أنواع الكائنات الحية المختلفة تحتوي في خلاياها على أعداد مختلفة من الصبغيات ،وهذا ما يسمى بالعدد الصبغي الخاص بكل نوع.

فالخلايا الجسمية في الإنسان تحتوي على 23 زوج من الصبغيات(بينما هناك23 صبغي في الخلايا التكاثرية أي نصف العدد) ،22 منها جسمياً AUTOSOME ( من 1 – 22 تختلف بعضها عن بعض وقد بني الترقيم على الطول التقريبي لكل صبغي، فالصبغي رقم 1 هو الأطول و يلية 2 ثم ثلاثة وهكذا ال رقم 22 ) و صبغيين جنسين هما Yو X ،فالصبغي Y يوجد فقط في خلايا الذكر أما الصبغي X فيوجد منة نسختان عند الأنثى ونسخة واحدة عند الذكر. وهكذا فان كل خلية من جسم الإنسان تحتوي على 46 من الصبغيات ،23 جرى توارثها من الأب عن طري الكائن المنوي SPERM و 23 جرى الحصول عليها من ألام بواسطة البويضة OVUM .

ألجين GENE اوالموروثة فهي تمثل الوحدة الأساسية المسئولة عن وراثة الصفات وتحتوي على الصفات الوظيفية والبنيوية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء . وهي عبارة عن قطعة صغيرة من DNA تحتوي على معلومات مسئولة عن إنتاج وصنع بروتين خاص ومحدد ، أي أنة في داخل الخلية يوجد هناك موروثة واحدة لكل بروتين.
ويحتوي الجينوم البشري على ما يقارب 30 – 40 ألف جين أو موروثة ( العدد إلى ألان مختلف علية فهناك من يقول أنها 100000 ) تشغل نسبة قليلة حوالي 2.5 % إلى 3% من المساحة الكلية للجينوم البشري وتسمى المناطق الفعالة أو النشطة وتتميز بأنها تحتوي على نسبة عالية من الحرفين CG ، أما النسبة العالية المتبقية تسمى المناطق الصامتة أو غير الفعالة ،أي أنها لا تنتج بروتين (noncoding region)، وتشكل 97% وتحتوي على نسبة عالية من الحرفين AT.
فقط 25% من الموروثات ( الجينات) أي ما يعادل 10 ألاف معروفة الوظيفة أما 75% من العدد الكلي للمورثات فلا تزال مجهولة الوظيفة.




كيف يتم ترجمة المادة الوراثية داخل الخلية؟

إن ترجمة جين في DNA تجرى بعملية بالغة التعقيد والدقة ، يتم في البداية نسخ الموروثة من DNA إلى ما يسمى الحمض النووي الريبي الرسول mRNA تحت إشراف مجموعة كبيرة من المهندسين( الإنزيمات ) وفي حالة حصول بعض الأخطاء فهناك مهندسين آخرين يتدخلون من اجل إصلاح الأخطاء ، وقد تحصل كارثة إذا كان هذا النوع من المهندسين نائما أو متأخرا في الوصول إلى مكان عملة ..!
فقد يؤدي إلى عواقب وخيمة تعطل عمل احد البروتينات الضرورية ! التي لهل دور مهم في حياة الجسم!!
في البداية يكون الحمض النووي الريبي الرسول mRNA مكمل ومطابق لــDNA المنسوخ منة سوا أنها تتألف من خيط مفرد وتستبدل الثايمينT باليوراسيلU .
وقبل أن يخرج الحمض النووي الريبي الرسول mRNA من النواة يحدث له اختزال وتشذيب حيث يفقد حجم لابأس به وهي عملية معقدة أيضا يدخل فيها مهندسين (إنزيمات) كثر! ويتم استبعاد قطع تسمى INTRONE أو الدخلون( وهي أجزاء من الجين لا يتم ترجمتها في الناتج النهائي إلى بروتين) وتتخلل أجزاء أخرى تسمى الاكسونات أو EXON ( وهي التي تترجم إلى بروتين).. وأي خطاء يؤدي إلى نتائج خطيرة أيضا كما هو الحال في معظم الأمراض الوراثية الخطيرة GENETIC DISORDERS ..وبعد أن ينضج الحمض النووي الريبي الرسول mRNA يستخدم كقالب في الريبوسومات في السيتوبلازم لإنتاج مجموعة كبيرة من البروتينات الخلوية بما فيها الإنزيمات أو المهندسين ذوي التخصصات النادرة ) وهي العملية التي يطلق عليها translation او الترجمة ، و اى خطاء خلالها قد يؤدي أيضا إلى الإصابة بمرض وراثي أو ربما إلى الوفاة..؟!



ماذا يمكن للصبغيات أن تخبرنا به؟
إ
ن طريقة الوراثيات الخلوية (cytogenetic) تستخدم لإظهار الصبغيات الموجودة في داخل النواة تحت الميكرسكوب ، وبها يمكن رؤية أي تبدل أو تحوّر في بنية الصبغيات ، كما يمكن معرفة العدد الصبغي أو ما يسمى النمط النواتي karyotype . وبهذا نستطيع أن نشخص عدداً كبيرا من الأمراض الوراثية ، وكمثال على ذلك:

* متلازمة داون وفيها وجود 3 صبغيات( وزيادة صبغي يسمى مثل TRISOMY مثل هذة الحالة) رقم 21 بدلاً من 2 وتؤدي إلى تخلف عقلي وبدني يصيب كلا الجنسين.
* متلازمة كلاينفلتر وفيها وجود 2 صبغي Y بدلاً من 1 وتؤدي إلى عقم لدى الذكور.
* متلازمة ادوارد وفيها وجود 3 صبغيات رقم 18 بدلاً من 2 وتؤدي إلى تشوهات خلقية تسبب الموت في الأيام الأولى من العمر.
* متلازمة باتو وفيها وجود 3 صبغيات رقم 13 بدلاً من 2 وتؤدي إلى تشوهات خلقية تسبب موت الجنين.
* متلازمة تورنر وفيها وجود صبغي X واحد بدلاً من 2 وتؤدي إلى عقم وقصر قامة لدى الإناث.
ويمكن كشف أيضا بعض الأمراض السرطانية مثل سرطان الدم (LEUKEAMIA) باستخدام نفس الطريقة السابقة حيث تحدث عمليات تسمى translocation تؤدي إلى تغيير في النمط النواتي وكذلك الترتيب الدقيق للجينوم الشخص المصاب.


الوراثة أسرار خاصة...
بفضل التقدم في التقنيات الوراثية فقد أصبح ممكناً القيام بالتشخيص الجيني ،وقراءة ما نريد من صفحات الكتاب الوراثي التي تميز كل شخص عن غيرة، وهي أسرار خاصة ومهمة للمريض والتي تعني الشئ الكثير ليس له فقط بل لعائلته واقاربه .
كما أن تصفح هذه الكتاب يأكد لنا من صحة تسلسل الحروف والكلمات التي كتبت بها مورثتنا ،فمجرد الزيادة او النقصان ولو لحرف واحد بطريقة الخطأ في الثلاث مليارات حرف قد يؤدي إلى اضطرابات وراثية(GENETIC DISORDERS) وهي الأمراض الناتجة عن خلل في المادة الوراثيةDNA ، وقد يتراوح هذا الاضطراب مابين طفرة بسيطة mutation ( وهي تغيّر يحصل في بنية DNA الخلية وبشكل دائم ،وهذا التغيير قد يكون غير ضار أو قد يؤدي كما في بعض الأمراض إلى الموت، وفي بعض الأوقات قد تؤدي الطفرة إلى حصول الكائن الحي على صفات حسنة يستفيد منها هو وابناؤة) في جين وحيد إلى جزء من الصبغي وربما الصبغي كاملاً ، وهي على ثلاث مستويات:
المستوى الأول level one : خلل أو تشوه في جين واحد(single-gene disorders) مثل ADA deficiency و cystic fibrosis وgalactosemia.
المستوى الثاني level two : خلل في صبغي ،قد يكون في جزء بسيط أو جزء كبير وربما كاملا(chromosomal abnormality) مثل متلازمة تورنر و neurofibromatosisو متلازمة ويليام.
المستوى الثالث level three( اضطراب متعدد العواملmutifactorial disorders): ينتج من اختلالات أو طفرات في عدة جينات وفي العادة تكون مرتبطة بعوامل بيئية مثل سرطان القولون ، سرطان الرحم والثدي و مرض نقص هرمون الدرقية ومرض الزهايمر .


الوراثة الطبية ...مستقبل زاهر..

سؤال ربما يخطر إلى ذهن القارئ : ماجدوى كل هذا ؟ وكيف يستفيد من هو مصاب أو مرشح أن يصاب بأمراض وراثية؟..

إن الأبحاث الآن تجري على قدم وساق لمحاولة الخروج بحلول لهذا النوع من الأمراض..فها نحن نسمع الآن بالمعالجة بالمورثات أو المعالجة الجينية (gene therapy) وفيها يتم زرع موروثة سليمة لتحل محل، أو لتصلح عمل موروثة عاطبة عند مريض يعاني إصابة ذلك الجين بطفرة أو عطل في عملها الوظيفي، وهناك عدة طرق لزرع هذه الموروثة أو الجين السليم ودمجها في صبغي الشخص المصاب منها استخدام بعض الفيروسات بعد ان تعدل وراثياً وتصبح غير ضارة ..! فلا تستغرب أن يأتي اليوم الذي تكون فيه المعالجة بالعدوى وربما عن طريق حقنة بفيروس انفلونزا الطيور..؟!!

والآن وفي رحم الوراثة يتبلور علم جديد ..ربما يغير مفهوم الطب الذي نعرفه ، فسيكون بالامكان نقل قلب وزرع شرايين وأعصاب واستبدال مفاصل واستعادة الإبصار والسمع والأسنان المفقودة والجلد المحروق والأعضاء التالفة كل ذلك بدون أي عمليات جراحية؟! ولكن بخلايا طبيعية من المريض نفسه ! أنة علم الهندسة الوراثية أو النسيجية..وهي باختصار شديد تكوين نسيج حي من خلايا المريض نفسه ،يكون قطع غيار طبيعية لما تلف من أعضاء جسمه!.

إن علم الوراثة وتطبيقاته ،علم واسع وكبير، فنحن مازلنا نطرق ابوبه!!..أو كما اخبرنا به أستاذ علم الأنسجة في سنوات التعليم الأولى عندما بداء يلقي علينا أساسيات الوراثة " كلما انفتح باب برز لنا خلفه أبواب كثيرة مغلقة!!".


 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى