آليات لتخفيف التراكم السلبي بين الزوجين

الساهر

عضو جديد
آليات لتخفيف التراكم السلبي بين الزوجين


العلاقة الزوجية يميزها أنها علاقة شديدة القرب (معنويا وحسيا)، وشديدة الخصوصية إضافة إلى كونها علاقة مستديمة وعلاقة حتمية.

وهذه الخصائص في العلاقة الزوجية يفترض أن تؤدي إلى نتائج إيجابية، وهي فعلا كذلك في حالة نجاحها وتحقيقها لمعاني السكن والمودة والرحمة التي وردت في توصيف أركان هذه العلاقة في القرآن الكريم، أما إذا خرجت العلاقة عن هذا الإطار فإن كل الخصائص السابقة يمكن أن تتحول إلى مشكلات تتراكم عبر الزمن حتى تصبح مزمنة أو مستعصية، وقد تؤدي إلى أن يقتل أحد الطرفين الآخر وبصورة بشعة، فكونها علاقة شديدة القرب يعطي فرصة للاحتواء والذوبان الجميل كما يعطي فرصة على الناحية الأخرى للاحتكاكات والتربصات والعلاقات المؤلمة جسديا ونفسيا، وكونها علاقة شديدة الخصوصية يعطي فرصة على الناحية الأخرى لاستغلال الأسرار وابتزاز صاحبها (أو صاحبتها) وإذلاله أو فضح، وكونها علاقة مستديمة يعطي فرصة لتراكم الذكريات الجميلة والمشاعر الحلو، كما يعطي على الجانب الآخر فرصة لتراكم مشاعر الإحباط والغضب والكراهية، وكونها علاقة حتمية يعطي إيحاء للطرفين بالارتباط الدائم والآمن في الدنيا والآخرة، وعلى الجانب الآخر يمكن أن يعطي إحساسا بالدخول في طريق مسدود مع شريك نعاني منه ولا نرغبه ولا نستطيع الفكاك من قيوده.



التراكم ونوعية الحياة الزوجية:

إذن فالحياة الزوجية قابلة لإحداث التراكم الإيجابي للخبرات والمشاعر إلى الدرجة التي تربط الطرفين لأقصى درجات الارتباط بين البشر، ومن جهة أخرى قابلة لإحداث التراكم السلبي أيضاً لأقصى الدرجات التي تدفع للقتل انتقاما وخلاصا من شريك قاهر وضاغط وخانق.



ونستطيع القول بأن نوعية الحياة الزوجية تتوقف على ترجيح نوع التراكم، فإذا رجحت كفة التراكم الإيجابي كانت الحياة الزوجية أقرب للسعادة بقدر درجة الرجحان، والعكس صحيح، أما إذا كانت الكفتان متقاربتين فنحن هنا أمام حياة زوجية على الحافة، وسلوك الزوجين وسلوك من حولهما يدفع إلى رجحان أحد الكتفين فإما أن يطلقا وإما أن يتجها إلى بعض التوافق، وأحياناً تظل الكفتان متأرجحتين وتظل الحياة الزوجية تحت التهديد لسنوات طويلة، وهذا في الحقيقة وضع مؤلم لأنه يضع الطرفين في صراع لا يحسم، فمن ناحية توجد أشياء إيجابية تربطهم، ومن ناحية أخرى توجد تراكمات سلبية تبعدهم، وفي علاقة كهذه نتوقع وجود مشاعر متناقضة من الحب والبغض والرضا والسخط والأمان والخوف وفوق كل هذا حيرة لا تنتهي.



التراكمات السلبية:

وربما لا نتحدث كثيراً عن التراكمات الإيجابية على أساس أنها الشيء البديهي المتوقع في العلاقات الزوجية السوية ولكننا هنا سنركز على التراكمات السلبية نظراً لخطورتها واحتياجها للتدخل الإصلاحي والعلاجي.



ولكي نفهم خطورة التراكمات السلبية في الحياة الزوجية ربما نحتاج لأن نستدعي أحداثاً روعت الضمير الإنساني وصدمته مثل الزوجات اللائي قتلن أزواجهن وقطعنهم قطعا ووضعنهم في أكياس بلاستيك، وقد تكرر هذا الأمر في فترة ما منذ سنوات عدة لدرجة أفزعت الرجال والزوج الذي قتل بناته الست انتقاما من أمهم.



والآن نحاول أن نفهم لماذا يحدث التراكم السلبي في العلاقة الزوجية، ولماذا يحتفظ أحد الأطراف بمشاعره المؤلمة لسنوات، وما الذي يمكن أن تحدثه هذه المشاعر في العلاقة بين الطرفين وفي الحالة النفسية والجسدية لهما أو لأحدهما؟



أسباب زيادة احتمالات التراكم السلبي:

هناك ظروف وأحوال ترجح التراكم السلبي للمشاعر لدى أحد الأطراف أو كليهما نذكر منها:

1- ضعف القدرات والمهارات: فقد وجد أن الأشخاص الأقل ذكاء والأقل ثقافة والأقل في المهارات الاجتماعية والأقل تدينا والأقل ثقة بالنفس والأكثر فقرا، والأكثر احتياجا للتقدير والتعاطف، كل هؤلاء يكونون أكثر عرضة لتراكم المشاعر السلبية في علاقاتهم الزوجية وحتى في علاقاتهم الاجتماعية، لأنهم يكونون في حاجة شديدة للآخر ولتقديره ولرضاه وفي الوقت نفسه ليست لديهم المهارات الكافية للحصول على ذلك فيقعون في دائرة الإحباط التي تؤدي بهم إلى الغضب.



2- الاستبداد والطغيان:

ويزيد من احتمالات التراكم السلبي أن يكون الشريك مستبدا طاغيا قاهرا كاتما لأي تعبير انفعالي من الطرف الآخر ومحاولا إلغائه وقمعه تحت أي دعوى أو مسمى، وهنا يفقد الطرف المقهور أي فرصة للتعبير عن مشاعره ويضطر اضطرارا إلى اختزانها.



3- فقد الخيارات: وقد تلعب البيئة المحيطة دورا مهما في زيادة التراكم السلبي حين يفقد الطرف المقهور والمكبوت خياراته ويجد نفسه في طريق مسدود، فمثلا الزوجة التي يقهرها ويظلمها زوجها ولا تجد مخرجا منه فليس لها مكان آخر تذهب إليه أو أنها مضطرة للاستمرار معه من أجل الأولاد، أو تخشى مواجهة الحياة كمطلقة، ويزيد الطين بلة حين يستغل الطرف القاهر المستبد الظالم هذا الوضع فيبالغ في ظلمه وإهانته لها.



4- فشل الاستيعاب المعرفي: عدم قدرة أحد الأطراف أو كليهما على استيعاب الخبرات الحياتية المؤلمة في المنظومة المعرفية، وهذا يجعل كل مشكلة حياتية عادية تتحول لأزمة وتأخذ أكبر من حجمها وتستغرق أكثر من الوقت المتوقع لها، وتحدث آثار واسعة النطاق على الحياة الزوجية والحياة النفسية.



5- ضعف القدرة على السماح: وضعف هذه القدرة أو غيابها يضيف كل خطأ أو حدث مؤلم إلى مخزون الأخطاء والأحداث المؤلمة السابقة دون وجود فرصة لتطهير النفس من هذه التراكمات..



6- الانفراد: بمعنى أنه لا يوجد طرف ثالث بين الزوجين، وهنا ينفرد الطرف الأقوى بالطرف الضعيف فيذله ويهينه، ولا يجد الطرف الضعيف ملاذا غير كتمان غضبه وعدوانه، والطرف الثالث هنا قد يكون الله (لدى الأزواج المتدينين) أو تكون الأسرة أو أحد الأصدقاء، أو الأبناء، أو الجيران، أو هيئة أو مؤسسة حكومية أو غير حكومية، والطرف الثالث هنا يلطف من مشاعر العدوان ويضع قواعد للتعامل ويفصل في الخصومات ويصفيها ويفتح مسارات للغفران والتسامح.



آليات تخفيف التراكم:

1- العتاب: وهو يكفي لبعض الناس خصوصاً حين يكون الخطأ بسيطا ومحتملا والطرفان على درجة معقولة من النضج.



2- التعبير عن المشاعر: وذلك بأن تتاح الفرصة لكل طرف للتعبير عن مشاعره بشكل مقبول، وذلك لكي تصل الرسالة للطرف الآخر فيتوقف أو يعتذر أو يصحح أو يخفف.



3- وجود طرف ثالث: يسمع الشكوى ويفصل بين الطرفين ويعطي كل ذي حق حقه.

4- السماح: وهو يعني أن تنسى الإساءة ولا تعاقب عليها ولا يبقى بداخلك غضب بسببها، وهو قدرة يمتلكها بعض الناس حيث يمكنهم نسيان الإساءات والتغاضي عنها واستمرار التعامل الإيجابي مع الطرف المسيء بناء على اعتبارات إنسانية أو دينية تسهل نسيان الإساءات والقدرة على فتح صفحات جديدة في الحياة، وإغلاق ملفات وفتح ملفات حسب الظروف المحيطة، وحسب التقدير الشخصي، وحسب المعتقدات الدينية والاجتماعية، وهو علاج للذاكرة المرضية (الرغبة في الانتقام) والتي تعني التثبيت على الحدث وعدم القدرة على تجاوزه، والدوران في دائرة مغلقة عقليا وانفعاليا..



متصل التراكم السلبي:

تبدأ القصة بشعور الطرف الضعيف بالإحباط في علاقته الزوجية، فهو لا يستطيع التعبير عن نفسه ولا يستطيع تحقيق أحلامه أو تحقيق ذاته أو تحقيق توقعاته في هذه العلاقة، وشيئاً فشيئاً (إذا لم ينتبه الطرف الآخر) يتحول الإحباط إلى غضب، وإذا لم يجد الغضب مسارا يسلكه إلى الخارج فإنه يتحول إلى غضب غير منصرف أو مكتوم وهو ما نسميه الحنق، وهذا الحنق إما أن يتحول إلى رغبة في الانتقام والعدوان الموجه إلى الطرف الآخر أو يوجه إلى الذات في صورة اكتئاب أو رغبة في الانتحار، وأحياناً يتم تحويل الانتقام (إزاحته) إلى طرف ثالث، وأكثر طرف مهيأ لهذا التحويل هو الأطفال فالأم المحبطة في علاقتها الزوجية أكثر قابلية لضرب أبنائها وإيذائهم وقد تصل في ذلك إلى درجات شديدة وخطرة من الإيذاء على الرغم من عدم وجود مبرر ظاهر لذلك (وكذلك الأب المحبط المهزوم قد يتوجه بعدوانه نحو الأبناء)، أو قد يتحول العدوان لأشياء كأن تكسر الزوجة الغاضبة فازة أو نجفة أو أي شيء في البيت، وقد يفعل الزوج الغاضب مثل ذلك أو أكثر منه، وقد يصل تحويل العدوان إلى درجة قتل الأبناء أو البنات، كما حدث مع الزوج المقهور الضعيف حين قتل ستة من بناته وأفلتت منه السابعة بسبب خلافات مزمنة بينه وبين زوجته.



وبعض الناس يعممون الغضب والعدوان فنجدهم في كل تعاملاتهم مع الناس يتسمون بالقسوة والعنف بلا مبرر واضح، وبعض الأزواج قد ينتقم بالخيانة، والبعض الآخر قد يسترد كرامته ومكانته بمزيد من النجاح والإنجاز بهدف تجاوز إيذاء الطرف المعتدي

المصدر : المختار الإسلامي
 
رد: آليات لتخفيف التراكم السلبي بين الزوجين

اشكرك على هذا الموضوع وسلمت يديك على كل هذا الابداع وبالتوفيق ان شاء الله
 
رد: آليات لتخفيف التراكم السلبي بين الزوجين

اشكرك على هذا الموضوع وسلمت يديك على كل هذا الابداع وبالتوفيق ان شاء الله

الله يعافيك اخوي ابو نجم على ردك الرائع والمحفز في نفس الوقت لإن اكتب مثل هالمواضيع وشكرا مرة ثانيه على إطلالتك بصفحتي
 
رد: آليات لتخفيف التراكم السلبي بين الزوجين

[align=center]موضوع رائع ومفيد ومتكامل

مفيد للمتزوجين ..

يعطيك العافية
[/align]
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى