معاقونا .. شريحة اجتماعية كبيرة جديرة بالاهتمام

المتفائل

عضو فعال
معاقونا .. شريحة اجتماعية كبيرة جديرة بالاهتمام

ghasan_badkok.jpg

غسان بادكوك

حينما يتعلق الأمر بالإعاقة في المملكة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهني هو اختلافي مع أمرين بشأنها؛ أولهما هو تسمية المعاقين بذوي الاحتياجات الخاصة، وهي العبارة «المخففة» التي أتفهم جيدا دواعي حرص البعض على إطلاقها عليهم؛ لأن مفردة (معاق) ــ في تقديري ــ هي أكثر وقعا في نفوس غير المعاقين، خصوصا واضعي السياسات ومقدمي الخدمات الذين يتعين عليهم مساعدة من قدر عليهم أن يكونوا معاقين، وبالتالي فكلمة (معاق) ليست عيبا أو نقيصة لنتجنب استخدامها، بل هي أدعى للاهتمام بشؤونهم، ولفت الأنظار إلى معاناة معظمهم في مجتمعنا من التمييز والإهمال، أو التقصير في أفضل الحالات، مع الأخذ في الاعتبار أن الإعاقة هي موضوع وثيق الصلة أيضا بالصحة العامة وحقوق الإنسان.

وإذا كان البعض قد يعتبر الاختلاف السابق شكليا ويختص بوجهة نظري الشخصية، فإن الأمر الثاني ليس كذلك لأنه يتعلق باختلافي مع تقديرات عدد المعاقين السعوديين مقارنة بالأرقام المعلنة، ويعود ذلك لتجاهل الإحصاءات الرسمية توثيق عددهم، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على دقة الأرقام المتداولة محليا، والتي تقدرها مصادر صحفية بنحو 730 ألف مواطن معاق، في حين أعتقد بأن عددهم الفعلي يزيد على الرقم السابق بنسبة كبيرة تبلغ نحو 25% ليصل إلى مليون معاق!، وبذلك فإنهم يمثلون إحدى الأقليات الاجتماعية الأكبر حجما، والأقل حظا، والأجدر بالرعاية، علما بأن عدد السكان السعوديين ــ وفقا لأحدث إحصاء ــ يبلغ 20.3 مليون نسمة، وبنسبة نمو تبلغ 2.7% سنويا.

وبصرف النظر عن تفاوت التقديرات حول المعاقين السعوديين، فإن المؤكد هو أمران هما: ضخامة تعدادهم، ومحدودية الاهتمام باحتياجاتهم، وهو ما يطرح المزيد من التساؤلات والمسؤوليات على الأجهزة الحكومية، ويضاعف الأعباء على أسر المعاقين والمجتمع بشكل أوسع، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تشير دراسات أكاديمية وصحية إلى أن هناك معاقا جديدا بين كل 500 ولادة حديثة، وبتطبيق ذلك على نسبة النمو السكاني للمواطنين حاليا، سيتضح أن عدد المواليد الجدد سنويا يناهز 540 ألف مولود، وهو ما يعني أن عدد «ذوي الاحتياجات الخاصة» يرتفع بواقع 1080 معاقا سعوديا إضافيا كل عام؛ على أقل تقدير.

وتجدر الملاحظة هنا أن الإحصاءات السابقة تختص فقط بالإعاقات الخلقية، ومن بينها مرضى التوحد ــ الذين يتجاوز عددهم نحو ربع مليون طفل في المملكة ــ إضافة للمصابين بمتلازمة داون، وأصحاب الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية، في حين تسهم حوادث المرور والعمليات الجراحية وبعض الأمراض المزمنة والشيخوخة والعنف في إضافة المزيد من المعاقين على التركيبة الديموجرافية للمواطنين، وعلى ضوء «الحقائق» و«التكهنات» السابقة، فنحن إزاء تحدٍ وطني وإنساني كبير، لا أعتقد مطلقا أننا أوليناه ما يستحقه من الاهتمام؛ إن على مستوى التشريعات والبرامج والمبادرات، أو على مستوى التوعية والمرافق والخدمات.

ورغم أن قيادتنا الرشيدة لم تأل جهدا في توجيه مسؤولي مختلف الأجهزة الحكومية المعنية بالإعاقة لبذل المزيد من الاهتمام بالتحديات التي يواجهها المعاقون، واعتماد المخصصات المالية المناسبة لذلك، فإن أصابع الاتهام بالتقصير تجاه معاقينا تتجه نحو المسؤولين المباشرين عن تلك الأجهزة، حيث يعتقد الكثيرون بأنهم أخفقوا في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتعامل المطلوب مع قضايا الإعاقة، بدءا من إعادة تأهيل المعاقين مجتمعيا بالشكل والقدر المطلوبين، ومرورا بتحسين نوعية حياتهم ودمجهم في المجتمع، وانتهاء بضمان حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم، وتحقيق تكافؤ الفرص أمامهم.

ولو أردت تلخيص أبرز مطالب المعاقين والأسر التي تحتضنهم، فإنها تتمثل في توفير عوامل الحياة الكريمة لهم من خلال منظومة من المبادرات؛ أبرزها إعطاء ذوي الدخل المنخفض منهم (أو أسرهم) أولوية السكن في برامج الإسكان الحالية، وتوفير المؤسسات العلاجية الحكومية التي تهتم بتحسين حالة إعاقاتهم، وإنشاء المدارس المتخصصة التي تتناسب مع طبيعة احتياجاتهم بعد اضطرار معظم الأسر غير القادرة على إبقاء أبنائها المعاقين في المنازل بدون تعليم، في حين تقوم العائلات الميسورة بإرسالهم لخارج المملكة في مؤسسات متخصصة، أو دفع رسوم باهظة تصل لمائة ألف ريال سنويا لإلحاقهم بالمدارس الخاصة المحدودة العدد محليا، في الوقت الذي تبلغ إعانة الشؤون الاجتماعية 800 ريال شهريا للطفل المعاق!.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تشمل مطالب المعاقين توفير بنية تحتية وفوقية صديقة لهم، سواء في الشوارع العامة أو المباني العامة والحكومية والمكتبية؛ تشعرهم بحرصنا عليهم، وتسهيلات ووسائل مواصلات تلائم ظروفهم، ويكتمل ذلك بإعطاء المزيد من الحوافز لمؤسسات الأعمال من أجل توظيفهم في أعمال تتناسب مع طبيعة الإعاقات التي يعانون منها، الأمر الذي سينعكس بالإيجاب على أوضاعهم الاجتماعية والمادية والنفسية، ويساعدهم ليس فقط على التكيف مع أعاقاتهم، بل ويحفزهم على اكتشاف واستثمار مواهبهم وطاقاتهم بعد أن حبى الله الكثيرين منهم بقدرات خاصة في مجالات عديدة.

ولعل نقطة الانطلاق الجادة للتعامل مع قضايا الإعاقة في مجتمعنا هي القضاء على البيروقراطية والتراخي الملحوظ الذي أدى إلى إعاقة تنفيذ كثير من القرارات المهمة، وعلى رأسها تفعيل المجلس الأعلى للإعاقة الذي صدر قرار بإنشائه منذ 21 عاما، وبالإضافة لذلك يتعين المبادرة إلى إقرار استراتيجية وطنية موحدة لذوي الإعاقات، وربما تكوين هيئة عليا تختص بشؤونهم تضم في عضويتها الوزارات المعنية بهم بشكل مباشر، وهي الشؤون الاجتماعية، والصحة، والتربية والتعليم، والعمل، والمالية بطبيعة الحال، بدون ذلك سوف يستمر المعوِّقون في إعاقة المعوَّقين، ولمن يشكك في ذلك ما عليه سوى السؤال عن «مهزلة» سيارات المعاقين حركيا التي لا تزال قائمة ولم تحل بعد!.

ختاما، إذا كان لي أن أطرح بعض المهام على الهيئة المقترحة، فهي البدء بوضع تصور شامل للاستراتيجية المطلوبة، ودعم تنفيذ الميثاق الدولي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقات CRPD، واقتراح التشريعات اللازمة لحماية ودعم المعاقين تمهيدا لتقديمها لمجلس الشورى، وإزالة العراقيل التي تحول دون مشاركتهم في المجتمع بشكل فاعل، والتنسيق بين كافة الجهات الحكومية والقطاع الخاص من أجل النهوض بأوضاع ذوي الإعاقات وتوفير الحياة الكريمة لهم، وتذليل كافة المعوقات التي تكتنف معيشة هذه الفئة الغالية.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20140901/Con20140901720639.htm
 
رد: معاقونا .. شريحة اجتماعية كبيرة جديرة بالاهتمام

نحن لاتريد شعارات رنانة تطير بالهواء نحن نريدافعال تقدير لذووي الاعاقة . جزيت الجنة
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى