متطلبات دمج الطلبة المتفوقون في المجتمع الصفي

[frame="7 10"]
متطلبات دمج الطلبة المتفوقين في المجتمع الصفي


د. فوزي حرب أبو عودة

يُعتبر الطلبة المتفوقون ذخر الأمم الناهضة وثروتها البشرية في الإفادة من الطاقات العقلية التي يتمتعون بها، وذلك للارتقاء بالمستوى التربوي والتعليمي لأفرادها، وهم عمادها في السمو بمجالات الحياة كافة، في حاضرها ومستقبلها على السواء، مباشرة وغير مباشرة، داخل المدرسة وخارجها، وذلك لتمتد آثار عملهم إلى المجتمع المحلي وبطريقة ما إلى المجتمع العالمي.
يتمايز الطلبة المتفوقون عن أقرانهم داخل الصف الواحد بقدرات ومهارات عقلية إدراكية (عقلية وشعورية)، تجعلهم قادرين على الاستيعاب والإفادة مما يُعرض عليهم في حصة الدرس بوقت قصير وبأقل الجهد؛ ما يبقي لديهم طاقات ووقتاً إضافياً يُمكن أن يُستفاد منه بتوجيه وإرشاد من المعلم في عمليات عقلية أخرى. لذا؛ فهؤلاء المتفوقون في حاجة إلى أنشطة إثرائية مميزة لأجل التنشيط الدماغي والحفز الوجداني لديهم، ليتواصلوا عقلياً ووجدانياً طيلة الفترة الزمنية لحصة الدرس.
والعملية الإثرائية للاستجابة لمتطلبات دمج المتفوقين في المجتمع الصفي تعمل على الإفادة من خصائص هذه الفئة في تطوير إجراءات وأنشطة العملية التربوية والتعليمية نفسها، وإيجاد كوادر مؤهله لمستقبل العمل البحثي، وكذلك التربوي والتعليمي الإبداعي، وذلك بما يملكونه من معرفة القدرات والمهارات الذاتية والإفادة منها في ممارساتهم التربوية والحياتية، وكذلك التحليلات والتفسيرات الإدراكية للقضايا التي يواجهونها، وتَمَكُّنهم من حل مشكلاتهم ذاتياً، وتوظيف ما يتعلمونه في التعامل مع الأمور التي تواجههم بكل طلاقة، والتفكير بطريقة مغايرة لما هو قائم في الوسط المحيط، والاتجاه نحو الموضوعية في عمليات التحليل والتفسير ومَنطَقَة الأشياء، والتوجه نحو الأنشطة الإبداعية مع الحفاظ على الأصالة.
هذا؛ علاوة على الحق الطبيعي لهؤلاء الطلبة في مراعاة البرنامج المدرسي بعناصره كافة، وبخاصة الإجراءات والأنشطة التي تتم أثناء حصة الدرس مع حاجاتهم ورغباتهم، وكذلك قدراتهم ومهاراتهم بحسب نظرية الفروق الفردية بينهم. فالفروق الفردية تعني تمايزهم في نواحي وتوجهات نموهم التربوي والتعليمي؛ ما يحمل معه تبعات الاستجابة لمتطلبات ذلك النمو، بما يكفل الارتقاء الدائم بتلك الحاجات، والرغبات، وكذلك القدرات، والمهارات وبما يناسب ميولهم واتجاهاتهم؛ بل والعمل على توجيه تلك الميول والاتجاهات وجهة صحيحة. وتأكيداً على وجوب التعليم بحسب تلك الفروق يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ‏"ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة‏‏".
من حقي أن أتعلم بما يناسب قدراتي ومهاراتي واستعداداتي الجسمية والعقلية والنفسية
والمجتمع الفلسطيني يزخر بمثل هؤلاء الطلبة المتفوقين؛ مما يتطلب من القائمين على العملية التربوية والتعليمية بناء البرامج الكفيلة بدمج هذه الفئة في إجراءات وأنشطة الدروس التي يتم تنفيذها خلال العام الدراسي. وتلك عملية تكاملية بتداخل عناصر عدة في إيجاد البدائل التربوية والتعليمية المناسبة لهؤلاء المتفوقين.
ويتضح من خلال اللقاءات والملتقيات التربوية التي تمت في نادي معلمي الدراسات الاجتماعية بمركز القطان للبحث والتطوير التربوي-غزة؛ وجود حاجة ماسة لدى المعلمين في ملاءمة طرق تدريسهم لمختلف فئات الطلبة أثناء عرض دروسهم، وبخاصة المتفوقين منهم.

مفهوم الطلبة المتفوقين
الطلبة المتفوقون فئة من الطلبة يتمايزون عن أقرانهم في الفئة المتوسطة (العادية) من الطلبة بقدرات ومهارات عليا، وكذلك في الميول والاتجاهات، وتقع هذه الفئة في منطقة مستوى أعلى من المتوسط في الخط المستقيم الذي يبدأ بالإعاقة وينتهي بالعبقرية، والفراسة، والحكمة، وهم بذلك إحدى فئات الطلبة من ذوي الحاجات الخاصة.
وذوو الحاجات الخاصة يختلفون عن أقرانهم في النواحي الفيزيقية، والمعرفية وكذلك الشعورية/الوجدانية بقدرات ومهارات معينة، إما بالقصور أو بالزيادة، ويُعرفون بالطلبة غير العاديين- أي غير فئة المتوسط؛ ما يجعل الحاجة ماسة لتلبية متطلبات تعلمها بواسطة أنشطة وإجراءات خاصة تراعي الحاجات الخاصة، وتشمل هذه الفئات كلاً مما يلي:
-ذوو الإعاقات الفيزيقية، أو النفسية، أو كلاهما معاً.
- ضعيفو القدرات والمهارات العقلية والمهارية
- ذوو القدرات العقلية والمهارية العالية: موهوبون- متفوقون/متمايز- نابغون- مبدعون- مبتكرون- مخترعون- عبقري- فراسي- حكيم.

ويذكر كريك وزملاؤه (Krik et al.,1997,p.2) أن غير العاديين Exceptional)) مُصطلح يشمل الأطفال الذين يعانون من قصورات نمائية، وآخرون يمتلكون قدرات استثنائية عالية؛ فهم الأطفال الذين يختلفون عن المتوسط أو العادي في:
1- الخصائص العقلية.
2- المقدرات الحاسية.
3- مقدرات التواصل.
4- النمو السلوكي والانفعالي.
5- الخصائص الجسمية؛ ما يتطلب خدمات خاصة لتعديل الممارسات التربوية والتعليمية في المدرسة، بما يتناسب مع خصوصية تلك العناصر من أجل تنمية قدراتهم والارتقاء بمهاراتهم.

الفروق الفردية بين الطلبة تعني شمول العملية التربوية والتعليمية فئات متباينة من الطلبة داخل المجتمع الصفي
ويتماشى ذلك التصنيف مع نظرية الفروق الفردية التي تعتبر أن لكل فرد من الأفراد، سواء في المجتمع المدرسي أم في المجتمع المحلي، خصائصه الجسمية، والنفسية، والعقلية الفريدة التي تميزه عن باقي أفراد ذلك المجتمع.
وقد توصل وكسلر من خلال تطبيق اختبار الذكاء على عينة كبيرة من مجتمع الدراسة تمثيلاً صحيحاً أن توزيع درجات أفراد العينة يأخذ المنحنى الاعتدالي التالي، الذي يُعتبر تمثيلاً واقعياً لكل مجتمع، وذلك كالتالي (القريطي:2001، 22)، و(سليمان:2001، 31):
فغالبية المجتمع (68.26%) يتركزون في منطقة المتوسط من المنحنى (100)، أي بين (85)، و(115) درجة، كما في الشكل السابق، والباقي مُوزع على الأطراف بين قصور وزيادة.
وإزاء ما سبق ينبغي ملاءمة البرامج التعليمية/التعلمية بما يناسب الفروق الفردية بين الطلبة، حتى نصل إلى مرحلة تفريد التعليم. ولذا؛ سوف نخوض في متطلبات دمج فئة المتفوقين، وبخاصة في المجتمع الصفي؛ لما سيلاقونه من إحباط إذا لم يشعروا بأن العملية التربوية والتعليمية تخاطب مستوياتهم المعرفية والشعورية والمهارية.
ونود التأكيد على أن هذا الموضوع هو إحدى حلقات العمل مع ذوي الحاجات الخاصة، ويتكون من مراحل عدة، وسوف لا نناقش في هذه المقالة كيفية تحديد فئة المتفوقين، لأننا سنتركها لنشاط آخر في برنامج مهني متكامل. لذا؛ سنعمل في هذه المقالة على تحديد متطلبات العمل مع المتفوقين عند تحديد هويتهم لدينا نحن المعلمين؛ سواء أكان ذلك في فصول متجانسة أم غير متجانسة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل تصنيف.
ولتحقيق متطلبات دمج المتفوقين في المجتمع الصفي، لابد من تكامل عناصر العمل التربوي والتعليمي داخل الصف المدرسي وخارجه. فعناصر العمل التربوي والتعليمي تعمل بما يخدم كل منها الآخر، ولا غنى لأحدهما عن الآخر. ويمكن أن نمثل تلك العناصر ومتطلبات العمل التكاملي معها كما في الشكل التالي:

وسنعرج على تلك العناصر باختصار، وذلك كما يلي:
أولاً: مدير المدرسة القائد
فمدير المدرسة قائد تربوي يشرف على إيجاد برنامج تربوي مدرسي يخاطب فئات الطلبة كافة، سواء داخل حجرة الصف أو خارجه في البيئة المدرسية المحيطة، كما ينتقل أثره إلى البيئة المجتمعية خارج المدرسة من خلال التفاعل مع أولياء الأمور والعناصر المهتمة والمتأثرة بالعمل المدرسي، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. وذلك بالتوجيه والإرشاد للقيام بمسؤولياته في الإشراف العلمي والعملي المُناطة بإدارته المدرسية.
ففاعلية الإدارة المدرسية تتحدد - إلى حد كبير- بمدى فاعلية مديرها؛ فهو الرأس المدبر، والعقل المفكر، والشخصية الموجهة لكافة العناصر البشرية والمادية المُتاحة؛ لإنجاز الأهداف والغايات التي وُجدت من أجلها (أبو عودة: 2004، 1).
ومدير المدرسة يعمل مع المعلمين بصفته مشرفاً تربوياً مُقيماً على إيجاد البرامج والأنشطة التي تناسب القدرات العقلية والمهارية لكل فئات الطلبة دون استثناء، باعتبار أن العملية التربوية والتعليمية حق لجميع الطلبة دون استثناء، كما يشارك المعلمين لأجل ذلك في بناء الخطط التي ترتكز على تخطيط السياسات والأهداف، من خلال فلسفة واضحة المعالم، وعلى قاعدة تفويض السلطات، وصنع القرار المشارك، ومناخ العلاقات الإنسانية. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال العمل الفريقي المدرسي المتكامل في الأدوار، والواجبات، والمهام.
وخلاصة القول إنه ينبغي على مدير المدرسة أن يكون ملماً بأساليب بناء المنهاج، وبخاصة للمتفوقين، ومتدرباً على كيفية التعامل معهم، ومُطلعاً على استراتيجيات تعليمهم وتعلمهم، ويبني خططه وعلاقاته داخل المدرسة وخارجها، ومُحفزاً ومُفعلاً لإجراءات الإفادة من كافة عناصر العمل المدرسي المتوفرة، وبخاصة المعلمين بأقصى درجة مُمكنة تجاوزاً للحد الأدنى.

ثانياً: توفر معلم مُعد
وقضية إعداد معلمي المتفوقين تتطلب برامج خاصة تأخذ بعين الاعتبار مستوى قدرات ومهارات هذه الفئة من الطلبة. ومن البديهي ذكره أن تعليم الطلبة المتفوقين يتطلب معلماً متفوقاً. فالمعلم هو المرشد والموجه للطلبة. فهو أمل الطلبة جميعاً، وبخاصة المتفوقين منهم الذين يأملون منه أن يضيف إليهم زيادة عما عرفوه من المقرر الدراسي قبل قدومهم لحضور حصة الدرس، وذلك بما يمتلكونه من قدرات ومهارات عالية بالبناء.
لذا؛ يمكن وصف معلم المتفوقين بأنه المبدع الذي يتحدى عقول المتعلمين، ويقيم علاقات ناجحة معهم، ويثري دافعيتهم، ويحول درسه من مجرد مثيرات واستجابات إلى موقف إنساني فيه الدفء، وفيه التقنية والكسب، وفيه العواطف، والانفعالات، لكي يستمر المتعلمون في حالة من النشاط العقلي، والقدرة الدائمة على اختيار الوقت المناسب لتعديل نغمته وسرعته في الدرس (الرفاعي، 1994، 216).
وقد حدد هانسن (22 Hansen 1988,) المهارات التعليمية التي يتصف بها معلم المتفوقين الناجح في أنه يستخدم الوسائل التعليمية، ويؤكد على تفعيل مهارات التفكير العليا، ويزود الطلبة بخبرات متنوعة، ويستخدم أسلوب المناقشة بكثرة، ويعطي أهمية أقل للدرجات، ويستخدم أقل أسلوب المحاضرة.
والمعلم في هذه الحالة يقع عليه عبء كبير في كيفية الكشف عن الطلبة المتفوقين الذين يمكن وصفهم بأنهم طلبة متفاعلين، يحوزون على قدرات ومهارات أعلى من أقرانهم في نواحٍ عدة، وهم الذين يعطون الحياة في المجتمع الصفي نشاطاً وحيوية دائمة خلال عرض الدرس. فالطلبة المتفوقون يمكنهم قيادة الآخرين في جعل حصة الدرس كخلية النحل التي لا يهدأ لها دوي. وعلى المعلم أن يدرك أن الطلبة المتفوقين يكثرون الأسئلة في سبر أعماق موضوعات الدراسة. وعلاقته مع المعلم علاقة إشباع من جميع النواحي؛ العقلية، والنفسية، والجسمية.

ثالثاً: منهاج يتسم بالتنوع والتجدد
فالمنهاج المتنوع يناسب مختلف قدرات ومهارات الطلبة، والحاجة ليست في التنوع كيفما كان، وإنما أن يكون ذلك التنوع مدروساً ومُخططاً ليشمل تحفيزات التنشيط الذهني التي تناسب قدرات ومهارات المتفوقين المتنوعة أيضاً.
ويحتوي منهاج المتفوقين على برامج متنوعة، وأهمها:
1- البرامج الإثرائية (Enrichment)، وتتميز هذه البرامج بأنها:
تسمح للتلميذ أن يبقى مع أقرانه، وهذا يعطيه الفرصة لممارسة القيادة وإنمائها.
تجويد عمل المعلم أثناء محاولته تطوير أساليبه في التدريس لتتناسب مع حاجات المتفوقين داخل الفصل.
خفض النفقات، لأن الإثراء داخل الصفوف العادية أقل تكلفة من نظام المدارس والفصول المستقلة (الشخص: 1990، 119)
2- البرامج الإسراعية (Acceleration)؛ وتُبنى هذه البرامج على أساس أن التلميذ لديه سرعة استيعاب وفهم وتعلم معينة، وبما يمكنه من إنهاء البرنامج الدراسي في زمن أقل، وسن مبكرة عن أقرانه العاديين.(كامل: 2000، 127)
ولكل من تلك البرامج إيجابياتها ونواقصها. والمتفق عليه أن كلا المنهجين يُقران بأهمية الفروق الفردية بين الطلبة، وأهمية تدريس كل منهم بما يناسب قدراته ومهاراته، أي سرعته في التعليم والتعلم.
كما لا يكفي التنوع في مواد المنهاج الدراسي للنهوض بالطلبة المتفوقين؛ بل ينبغي أن تواكب التجدد باستمرار في مواصلة البحث عما توصلت إليه الدراسات المتعمقة في موضوعات الدراسة المختلفة، وذلك ليبقى هؤلاء الطلبة في تواصل مستمر مع التحليلات والتفسيرات المتجددة التي تتيح لهم عصفاً ذهنياً مستمراً.

رابعاً: وسائل وتقنيات تعليمية تعلمية اكتشافية
فالطلبة المتفوقون يمتلكون من القدرات والمهارات التي يستطيعون بها فهم مستويات مُحددة من البناء الهرمي لموضوعات الدروس، ومع ذلك فهم في حاجة إلى وسائل وتقنيات تغوص بهم إلى اكتشاف آفاق متعمقة في عناصر تلك الموضوعات الدراسية. وأنسب الاستراتيجيات لذلك؛ العصف الذهني بعد مشاهدات العروض العملية، والزيارات الميدانية، والمناقشات الاستقصائية لقضايا بحثية تُوضع للطلبة على بساط البحث، ليُعدوا حولها تقريراً أو مُلخصاً أو تطوير أفكار جديدة، ويمكن القيام بدراسات تقويمية من قبل مشاركات طلابية في موضوعات يبدي فيها الطلبة آراءهم من خلال تحقيق هدف بناء الشخصية البحثية لهم.
فلابد إذن من توظيف أساليب واستراتيجيات تنمية التفكير الاستدلالي، والتفكير الابتكاري (الإبداعي)، أي التي تركز على عمليات التفكير العقلية العليا التي تعتمد على تكوين المعاني والمفاهيم، ويتمثل في إدراك العلاقات (التويجري، ومنصور، 2000،217).
ولا يخفى علينا الأثر الكبير الذي يلعبه التنوع في توظيف وسائل وتقنيات التعليم والتعلم في جذب اتجاهات هؤلاء الطلبة نحو العمل التربوي والتعليمي بما يحقق مشاركاتهم الوجدانية في إنجاز حاجات ورغبات مشتركة لديهم. وعملية التنوع المقصودة في هذا المضمار تعنى للطلبة المتفوقين تنوع الوسائل والتقنيات التي تناسب تفوق قدراتهم ومهاراتهم اتجاه تحليل وتفسير الموضوعات التي يتعرضون لها خلال عملية التعليم والتعلم. ولا نبالغ إن قلنا إن عملية التنوع تلك تعمل على توظيف مستويات مختلفة من قدرات الطلبة؛ ما يتيح لهم تفعيل أدائهم بتفاعل وسائله وتقنياته.

خامساً: مناخ تربوي مُحَفِّز بأنشطة تربوية متنوعة
قد يكون المناخ التربوي المُحفز من أهم عوامل الارتقاء بدافعية الطلبة المتفوقين نحو التعليم والتعلم. ودافعية الطلبة العالية تتجه بهم نحو تحقيق أهدافهم وغاياتهم التربوية والتعليمية بهمة عالية ترقى بقدراتهم ومهاراتهم. ولهذا الشأن، تم عقد ورش عمل عدة في مركز القطان، وتم في إحداها استضافة الدكتور بسام أبو حشيش، المتخصص في التربية الخاصة، حيث عرض تجارب عدة في كيفية التعامل مع الطلبة المتفوقين من خلال أنشطة ترقى بقدراتهم ومهاراتهم منعاً للإحباط الذي يمكن أن يواجهوه في حال التعامل معهم كباقي الطلبة العاديين.
ومن تلك الأنشطة المناسبة للطلبة المتفوقين؛ العروض العملية، والتجارب الميدانية، وتنويع مستويات مخاطبة الطلبة لتناسب جميع المستويات من قدرات ومهارات، والمواد العلمية الدراسية المستقلة للطلبة (جزء من مشروع التعلم الذاتي)، وطرح التناقضات المعرفية، وعرض أنشطة من خلال برامج متنوعة، وتجميع مواد من خامات البيئة المحلية، وتلخيص موضوعات مُحددة، وتوظيف الإذاعة المدرسية، المشاركات الطلابية من خلال الزيارات والرحلات والرسومات، والمسابقات وغيرها.

سادساً: وسط أسري ومجتمعي متفهم ومتعاون
فدور الأسرة والمجتمع ليس مكملاً لدور المدرسة كما هو مُتعارف عليه؛ بل هو دور أساس في العملية التربوية والتعليمية، أي جزء لا يتجزأ منه. فعناصر العملية التربوية التعليمية تشمل الأسرة والمجتمع المحيط كأحد أهم أسس تلك العملية، ولا نريد أن نخوض في مستوى الأهمية هل هو نصف الأهمية في تلك العملية، أم أكثر من ذلك، أم أقل؟
والبيئة الأسرية هي المناخ الذي ينمو في إطاره الطالب، وتتشكل الملامح الأولى لشخصيته، وهي المصدر الأساس لإشباع حاجاته واستثارة طاقاته وتنميتها، وفي هذا المناخ يتعرض الطالب لعملية التنشئة الاجتماعية وفق أساليب معينة، وفي مناخها يشعر بردود الأفعال المباشرة اتجاه محاولاته الأولى للكشف والتجريب، واتجاه خروجه على القوالب النمطية المألوفة للتفكير. لذلك، يمكن القول إن مناخ الأسرة إما أن يشجع على إبداء مظاهر التفوق العقلي فينميها، أو يعمل على كف استعدادات الطالب وإمكاناته المبدعة ويعترض سبيلها (سليمان، وأحمد:2001،231).

سابعاً: إمكانات مادية وبشرية كافية
فالإمكانات المادية والبشرية تحدد مدى كفاءة الأداء في تنفيذ الأنشطة من حيث المستوى والنوعية. وكلما توفرت تلك الإمكانات كماً ونوعاً؛ ازدادت النتائج المرجوة تحسناً وبهاءً. ومن المعروف أن الإمكانات، سواء المادية منها أم البشرية، تمنح المعلمين فرصة تنويع أنشطتهم بما يتناسب مع موضوعات الدراسة التي يتم عرضها في حصص الدروس المختلفة، وبخاصة التي تتطلب تنوعاً في القدرات والمهارات، وهناك شكاوى من قلة توافر تلك الإمكانات المطلوبة لتفعيل طاقات المتفوقين والإفادة منها في العملية التربوية والتعليمية.
وحيث إنه لا يتوافر المناخ المناسب لتنمية الأبناء المتفوقين نتيجة لانخفاض المستوى الاقتصادي في الأسرة، أو ضعف المستوى التعليمي للآباء، وعدم توافر القدرة لديهم لمسايرة نماء أبنائهم المتفوقين، بل إن عدم صلاحية الأنشطة التي تنمي الذكاء والابتكار وتعمل على صقل المواهب في المدرسة، والتي قد تُعاني من نقص أو عدم توافر المعلمين الأكفاء والأدوات والوسائل التعليمية/ التعلمية المناسبة والمختبرات والورش والمراجع والكتب العلمية، فإن كل هذه العوامل مجتمعة أو منفردة تعمل على تعطيل الإفادة من طاقات واستعدادات المتفوقين والموهوبين (التويجري، ومنصور: 2000،333).
وننوه في هذا المجال إلى أن توفير تلك الإمكانات وإن كانت تكلفتها باهظة؛ فإن النتائج الإيجابية التي تتمخض عنه كبيرة، سواء ما يعود منها على العملية التربوية والتعليمية نفسها، أم التي تعود على كوادر المستقبل لمؤسسات المجتمع بعامة؛ فهو بمثابة ادخار واستثمار في الطاقات البشرية وكذلك المادية. لذا؛ فعائد الإنفاق على رعاية المتفوقين تظهر نتائجه في تفتح عقول أبناء المجتمع، سواء في المدرسة أم خارجها؛ ما يجعل الفرصة سانحة لتطوير مجتمعي لاحق، ومن ثم ازدهار ورفاهية.

ثامناً: متابعة وتقويم وتطوير مستمر
تُعتبر المتابعة والتقويم عمليتي التأكد من مدى تحقق الأهداف والغايات في كل مرحلة من مراحل عملية عرض الدروس، وبخاصة للمتفوقين. ومن خلال المتابعة والتقويم يتم تحديد نقاط القوة للعمل على ترسيخها وتعميمها والإفادة من نتائجها الإيجابية، والكشف عن نقاط الضعف للحد منها ومعالجتها جذرياً ما أمكن، ويتم ذلك في كل خطوة من خطوات سير الدرس حتى يصل الطلبة المتفوقون إلى التعلم بالتمكن.
أما التطوير؛ فعملية مهمة لتقوية نقاط القوة في مراحل وخطوات عرض الدروس، ومعالجة نقاط الضعف، ومن ثم الوصول إلى الحالة الأفضل دوماً. وهذه الخطوة تأتي تبعاً للتغيير الحاصل والتطوير في مختلف مجالات الحياة، والتخلف عن تلك المستجدات يعني تخلف العمل التربوي والتعليمي الذي نحن في حاجة إلى تطويره باستمرار. ولا يُقصد بالتطوير هنا تطوير المادة العلمية فحسب؛ بل وجميع متطلبات تنفيذها أيضاً دون استثناء.

فوزي حرب أبو عودة- باحث في مركز القطان/ غزة

المراجع:
أبو عودة، فوزي حرب (2004): المشكلات والصعوبات التي تواجه مدير المدرسة الثانوية في محافظات غزة، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم التربوية، البرنامج المشترك بين جامعة عين شمس بمصر وجامعة الأقصى بغزة.
بكرة، عبد الرحيم الرفاعي (1994): بعض العوامل الاجتماعية والتربوية ذات العلاقة بالتفوق الدراسي: دراسة تقويمية، مجلة دراسات تربوية، مج.(9)،ج.(65)، كلية التربية، جامعة حلوان، القاهرة.
التويجري، محمد بن عبد المحسن، ومنصور، عبد المجيد سيد أحمد(2000)، الموهوبون: آفاق الرعاية والتأهيل بين الواقع: العربي والعالمي، مكتبة العبيكان، الرياض.
سليمان، عبد الرحمن سيد، وأحمد، صفاء غازي(2001): المتفوقون عقلياً: خصائصهم - اكتشافهم- تربيتهم - مشكلاتهم، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة.
الشخص، عبد العزيز السيد (1990): الطلبة الموهوبون في التعليم العام بدول الخليج العربي وأساليب اكتشافهم وسبل رعايتهم، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة عين شمس، القاهرة.
عبد الغفار، أحلام رجب (2003): الرعاية التربوية للمتفوقين دراسياً، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة.
القريطي، عبد المطلب أمين (2001): سيكولوجية ذوي الحاجات الخاصة وتربيتهم، دار الفكر العربي، القاهرة.
كامل، حسين بهاء الدين (2000): الوطنية في عالم بلا هوية وتحديات العولمة، دار المعارف، القاهرة.
النيسابوري، مسلم بن الحجاج ‏: ‏صحيح مسلم،‏ باب (3)، (1/76) حديث رقم (592) بشرح النووي.
Clark,B. (1992):Growing up giftedness, Macmillan publishing company, New York.
Kirk.S.A.,Gallagher, J.J. and Anastsiow,N.J.(1997): Educating Exceptional Children, (8th.ed), Houghton Mifflin Company,New.York.
Hansen,J.(1988): The relationship of skills and class room climate of trained teachers of gited students pardue university.W.Lafayette, Indiana.

[/frame]​
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى