"ميديا "حاملة خطايا اربيديس

لطيف الحبيب

عضو جديد
" ميديا " حاملة خطايا اوربيديس

{ميديا هي مشروع مؤجل لامراءة محتجة قلقلة ثائرة على كل العسف الاجتماعي
بكل اشكاله العرفية والدينية والسلطوية لذا يجب ان توصف بكل ما هو سيئ ,
من قاتلة اطفال قبل 2400عام الى مرجومة بحجر وساحرة في العصور الوسيطة
ثم الى خارجة عن صفوف المجتمع وساقطة في الوقت المعاصر.}كرستا فولف


لطيف الحبيب / برلين الجزء الثاني

تعتبر كرستا فولف ان مسلسل القتل الذي اجترحه اربيديوس تكون من مجموعات احداث وظروف تعيسة حدثت بالصدفة , والصدفة وحدها لعبت الدور الكبير في خلق تراجيديا ميديا, وقناعاتها تشير الى الخلل في سرد الوقائع عند اربيديس وتعتبره تحريفا لمراجع المادة الاولية القديمة التي سبقته لهذه الملحمة , وقدمت رؤى جديدة لهذه الملحمة مبنية على نقد اجتماعي , فميديا لم تقتل احد . الصراع على القوة والسلطة بين الملوك ومن يرثهم هو مركز الحكاية ونسيجها اتهمت بهذه الاتهامات الشنيعة لجمالها وشجاعتها واستقلاليتها , ليبرر المجتمع اخفاقه وياسه وعدم قدرته على مواجهة الكوارث الطبيعية والامراض التي تعصف بهم, فحملوها كل هذه الذنوب وجعلوها كبش فداء.( " ميديا الاغرقية البربرية صانعة السموم المدمنة على الانتقام قاتلة الاطفال ,هنا تتحر هذه الشخصية الانثوية التي اتهمت عبرالاف السنين, وما كتب عنها اليوم اثبت براءة هذه الانثى)- 2- بهذا المفهوم اوقفت كرستا فولف اربيديوس على قدميه . تسرد منولوجات الرواية بدون اسئلة,يطبعها صوت شعري رقيق منساب يذكرنا بنثر كرستا فولف الرائع ، وترتبط هذه الاصوات لتشكل رواية "اصوات ميديا" . لقد هدمت الكاتبة عناصر تراجيديا اربيديوس " ميديا " , لتعيد بنائها بعناصر مستمدة من الحاضر بعد ان اطلعت على المخطوطات الاولية للاسطورة , كما انها تضيف اصواتا جديدة ،ثم تبدا استهلالا جديدا لتراجديا" ميديا" . لقد ربطت الاحداث بشكل دقيق وذكي ، وتقرأ الرواية بانسياب وسهولة ، يبدا تواتر الا حداث من الصفحة الاولى. ميديا الفعل الدموي ، ياسون وملك « كورنيت » وابنته هم الضحايا ، تماما كما عند اربيديوس, تفاصيل السرد وجزئيات القص هي التي اختلفت , اصبحت المدن وتاريخها وتكوينها والعلاقات الاجتماعية هي التي تحدد مسار الابطال وافعالهم ، استحضرت كل الرموز الثانوية عند اربيديوس واصبحت اساسيه ، القصور التي بنيت تحتها قصور ، الاقبية والدرجات التي تؤدي الي دهاليز مظلمة ، متاهات تحت الارض ، نحيب امراءة مسنة ، هيكل عظمي صغير ، مثل هذه البديات تقود القارئ الى احداث مأساوية جسام ، لكن المؤلفة تجد في الوقت نفسه وسائلها الرقيقة لتهدئة هذا التوتر. " اصوات " هو العنوان الجانبي لرواية كرستا فولف ، تختلط هذه الاصوات ولم يعد صوت البطل هوالاعلى ,كل الاصوات تطرح وجهات نظرها بالاحداث التى تجري , شخصيات مختلفة لكل منها ميزاتها الخاصة وكلها تعمل من اجل تطوير وتصعيد مسار الرواية بادراك واعي للحقائق التي تطرح جديدة للوصول الى الهدف النهائى اثبات براءة التاريخ وبهذا تتصاعد احداث الرواية. تعتمد الكاتبة في سرد احداث الرواية على ضمير « الانا » موجهة ندائها الي فهم القارئ , فنجحت بعكس صورمقنعة لحدة الاصطدامات بين العلأقات الفردية والعلاقات الاجتماعية.
تهرب ميديا من مدينتها « كوليشيس » المدمرة الضاعة ليس بسبب عشيقها ياسون كما يقوا اربيديس بل لاحباطها ولليأس الذي تعيشه ، ان ابيها هو الحاكم المطلق والسبب في مقتل اخيها ,واسس حكمه على اسس من الاثام والظلامة ، ماذا اكتشفت في مهجرها الجديد مملكة " كورنيت"؟ اكتشفت ايضاالظلامة والاثام ، الجثث في الاقبية , ممرات صخرية ليس لها منافذ ، كل شيئ في الشرق " كوليشيس "له شبيهه في الغرب" كورنيت " ، كلها اكاذيب من يعتقد ان الغرب متحضر ، خداع وزيف مدينة " كورنيت" بنيت على الجريمة.
تعتقد الكاتبة ان ميديا قد اذلت واهينت واستضعفت في حاضرة « اوركونوانك » التا بعة لأبولونيوس رودوس - كانت ميديا مجرد اداة بيد الآلهة هيرا ،واثينا , من اجل مساعدة الاركونوانيين للحصول على "الفروة الذهبية " وبرجاء من الاله " هيرا " اقنعت " افروديت ابنها "ايروس" بقتل ميديا ابنت ملك كوليشيس ومن جانب اخر تبرهن كرستا فولف ان الالهة " زيوس – واولمبيا" لم يملكوا تأثيرا او سلطةعلى ميديا ، استعملت ميديا قوتها السحرية من اجل ان يحصل عيشقها « الا وركنتي » ياسون علي الفروة الذهبية , صعب عليهاان تبلغ أ بيها بعزمها علي مغادرة البلا د, التعقل والوعي دفعها الي كتمان قرارها كما توضح ذلك ميديا " لم اذهب مع ياسون لاني لم اطق العيش في هذه المدينة الضائعة الخربة ، احس الانهيار يدب في مدينة" كوليشيس "كمرض يسري في جسدي ، الاب الملك كان يسري في جسده نفس المرض وكل ذرة قوة كانت متبقية فيه ركزها في التعلق في السلطة والحياة ، مقولات ميديا تعكس الكثير من الاحاسيس بكراهية السلطة والعنف ووقوفها الحازم ضد جنون السلطة , تعشق ياسون وتصبح زوجته ، وتصل الي مدينة « كورنيت » مع اصدقائها كلاجئين من الشرق ( تنتمي كرستا فولف الى شرق شرق المانيا) , كوليشيس مدينة ميديا من المفترض ان تقع على النهاية الشرقية للبحر الاسود في اسفل القفقاس ومن الطبيعي جدا ان يعتقد مواطن كورنيت هو الاذكى والاحسن من القادم من الشرق المتخلف ، تستثمر الكاتبة خبرتها في هذه الموضوعة وتجربتها الخاصة التي عاشتها لتصف بشكل دقيق خارطة العلاقات الاجتماعية التي نشأة بعد وحدة المانيا, يدب من الماضي السحيق عبر الحاضر الم وعذابات التجارب التي مرت بها الكاتبة ابتداءا من موقفها المعارض لممارسات الدولة الاشتراكية ، مرورا بما حدث لها اثناء التحولات في المانيا الشرقية او ما تطلق عليه كرستا فولف لم (التجديد الثوري عام 1989) . غادرت ميديا مجتمعها الذي شغلت فيه موقعا متميزا ودخلت مجتمع " كورنيت" تحت حماية زوجها الذي وفرت لهالامان في مدينتها ، لم تستطيع ان تتالف مع المجتمع الجديد المتحضر والغني بشكل اسطوري ، اشتهرت " ميديا " في هذا المجتمع « كورنيت » كامراءة بدائية متوحشة قادمة من الشرق, الارض التي تعلق فيها جثث الرجال القتلى على الاشجار ملفوفة بجلود الحيوانات حتى الجفاف ، الارض التى تسعى فيها الافاعي كمخلوقات اليفة, تدجن في البيوت ، قادمة من مجتمع امومي تسود فيه علاقات اجتماعية تعود الى فجر التاريخ . في مملكة كورنيت حكم المال والذهب ، المنجمون من الرجال يصنعون السياسة,
اما النساء فيعتمد على د رجة الطاعة ومدى ترويضهن ،فهن حيوانات بيتية اليفة . ميديا لم تطمئن الي مثل العلاقات والهدوء منذ البداية . تكتشف كثير من العفن والزيف ،هذه المدينة تستغني عن القوانيين والاحكام التي يسنها المجتمع ، تعتمد الاشاعات والاكاذيب والاعاجيب التي تتحول الى اشاعات ثم اساطير, توظف لصالح الفئات الحاكمة والمسيطرة في المجتمع, اما محيط المدينة الضبابي فيظهر الالوان الباهتة لحضارة مملكة كورنيت ,وفي الحقيقة انها مدينة خائرة القوى تسير الى نهايتها محاطة بغلاف هش جميل ، كورنيت تفرج عن نفسها في مجتمع مضطرب منكود وتجد ضحيتها اخيرا في الغرباء اللذين ليس لهم الاستعداد للانسجام في هذا المجتمع . ميديا هي مشروع مؤجل لامراءة محتجة قلقلة ثائرة على كل العسف الاجتماعي بكل اشكاله العرفية والدينية والسلطوية لذا يجب ان توصف بكل ما هو سيئ ,من قاتلة اطفال قبل 2400عام الى مرجومة بحجر وساحرة في العصور الوسيطة ثم الى خارجة عن صفوف المجتمع وساقطة في الوقت المعاصر. يعصف بميديا التفكير و الشوق الى مدينتها " كوليشيس " ،تكتم هذا الشوق ،وتتعرض لضغوط اجتماعية قاسية , تصرخ بمرارة الغريب , نحن في كوليشيس نعشق اجدادنا القدماء العظماء،كان يحكم بلادنا اكثر الملوك و الملكات عدلا ، سكنها ناس حبوا بعضهم ، وزعت االملكيات بتساوى عادل حتى لاينظر احدهم للاخر بحسد ، وحينما تتحدث عن هذا الحلم الذي عاشته في زمنها البعيد تظهر علائم التعجب والدهشة على وجوه مستمعيها يشوبها العطف والفجعية ونكران هذه الحقائق . هنا في " كورنيت" لايتعاطف احد مع االملونين الذين قدموا من الشرق ، يطلقون عليهم شتى النعوت الاانسانية ، ويصفونهم
( الاغبياء البرابرة ) والاسوء من ذلك انهم سحرة لا يحترمون الالهة ، وما ارسوه من قوانيين سوف يجلب الخراب الى كورنيت.
تعمل المولفة بجهد وبحث دؤوب لرفع حجاب الشر والدم الذي غطى وجه " ميديا" الاف السنين, لترى بعينيها التمزق والحروب والكراهية وعدم الانسجام ,هو ما تبقى من اسس هذا العالم . الصراعات التي تمزق حضارات الشرق والغرب، اصطدام المجتمع الامومي بالمجتمع الابوي بعنف وبروز تناقضاتهما بشك حاد وعدائي يسير بالعالم نحو الانهيار, اما المحاربون من اجل الانسان والعدالة والسلام قلائل جدا وهم المثاليون . بنهايات متسلسلة كتقويم تاريخي توضح الكاتبة ليس مستواها الابداعي الفني الادبي وقدر الروائية بل طاقتها الخيالية والمقارنة بين مدن وانظمة مضى عليها الالف السنين وانظمة حالية معاصرة بدون وضوح التعبير , "كو ليشيس " الشرق بكل عنفوانه ,والشرق الاشتراكي الذى عوملت فيه المراءة استنادا الى ارائها وشخصيتها وكفاءتها, " كورنيت" الغرب فقيمة الانسان تعتمد على ما يملكه من كميات الذهب , عند كرستا فولف لم تنهار ميديا بسبب الغضب والحزن واتهامها بعدم التعقل والقتل بل واجهت مصيرها بشجاعة, على عكس ما خطه اربيديس .
تصدرت رواية " اصوات ميديا " قائمة المبيعات لعام 1996 . كتب الكثير عن هذه الرواية ايجابا وسلبا ، وتناولها النقاد من مختلف جوانبها التاريخي واسقاطهاعلى الواقع الالماني المعاصر . كتب عنها ومدحها بغنائية الناقد " تيلمان كراون " ( نحن لم نسمع او نقرأ عمل مثل هذا منذ زمن روايات فونتانا ) كتبت عنها الصحفية " بولينا ملتس" في صحيفة الفوخن بوست الاسبوعية . كتبت عنها ايضا الصحفية " كورنيلا كايلسر" في صحيفة برلينر تسايتنغ اليومية بشكل حميمي وصداقي واضح وبحب كبير لكرستا فولف
كتب" ينس بالسر" في صحيفة الوقت الاسبوعية ( انها درامة المانية شرقية غربية). نشرت مجلة د ير شبيغل الالمانية » صورة لكرستا فولف تشير بسبابتها الي الامام وتساءل الناقد الالماني "فولكر هاج "{ هل تعتبر كرستا فولف نفسها ميديا وهي الضحية للنظام الالماني لهذا التجاهل والتحجيم ، ومن يختفي وراء شخصية " اكميدا " تلميذة ميديا ، ربما الكاتبة الالمانية الشرقية مونيكا مارون او ساره كرش . يتفق اغلب النقاد ان قراءة الرواية بفكر ايدلوجي مسبق يخل بها و يمنعنا من التمتع بهذه الرواية .
1 - اربييديس( 480 -406 ق. م )احد اكبر شعراء التراجديا الاغريق بعد اسيخوليس وسفوكليس من مجموعة اعماله البالغة 90 عملا وصلت الينا 18 عملا فقط من اعماله المعروفة ميديا –اليكترا – وايفغوني .
2- من مقدمة الروية طبعة سور كومب 2008 كتاب الجيب
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى