ناجي : ما ضروكَ إن قالوا "مُعاق"..

ناجي : ما ضروكَ إن قالوا "مُعاق"..



نجيب الزامل - 01/10/1428هـ


* ناجي محمد.. رحل في الأبدية


* * *

*.. "ناجي محمد" الفتي ذو الثمانية عشر ربيعا، الذي وقف ضد الصعاب والخذلان وحيدا شامخا وهو المشلولُ نصفيا، والمسلوب القدرة على الكلام.. لم يضعف يوما. رغم عمره اليافع، رغم القيود التي تحسبه يرسف بها إلا أنه كان ماردا بقلبه، عملاقا بتصميمه، بازغا بقوة عقله.. درس مع الأصحاء وتفوق عليهم، ولم تقبله الجامعة رغم لمعان شهادته وذكائه، طـُرد من العمل فقط لأن مديره لم يرق له أن يرى مُعاقا وهو يدخل كل صباح فيفسد شهيته، ثم صار يرسم ويبيع لوحاته وكأنه يسلخها من جلده.. حتى عرفَ أنه يموت بمرضٍ عضالٍ يأكل الدمَ حتى الفناء..


* * *

*وليلة ناجي يحتضر، وهو يشاغل اللحظة النهائية ويشاغلها، كتبَ إليَّ وهو متجردٌ من أكسيةِ الحياة الباليةِ صافيا طاهرا استعدادا لرحلة الخلود، وعناق الأبد.. في لحظة التجلي تلك عنون الرسالة لي.. ولما اختارني.. وكأن السماءَ شاركته الاختيار.


* * *

* كانت أمنيتي أن أقبّل رأسَه قبل النهاية، ولكن يبدو أن ما قاله هو الذي تحقق، وليس الذي تمنيتُ أنا، فقد قال الحبيبُ "ناجي" كلاما وهو يحتضر، أصدق ما قيل لي حتى يومي هذا:" عمي نجيب، كانت أمنيتي أن أقبل يدك في هذه الحياة، ولكن يبدو أنه لن يتسنى لي ذلك إلا في الحياة الأخرى".. يقبل يدي؟ يا لعجزي وخطيئتي.. ألم أقل لكم: بهِ قبـَسٌ من السماء.


* * *

* ثم جاءتْ الأخبارُ أن ناجي مات.. عشراتُ الرسائل تقاطرت علي، وتنقل معها أخبارا كريح السموم، ولكن تشم بها وردَ الجنة.. فعرفت ناجي محمد جيدا، الشاعرُ العبقري، الرسام الملهم، العبقري المقعد.. كائنٌ شفافٌ مثل صفاء الماء، عاش بيننا زهرة منسية، تحاول النهوضَ لنشر أريجها لنا، فتدوسها الأقدامُ الكبيرة القاسية، حتى رحلت لتزرع ـ بإذن خالقها ـ عطراً أبديا في تراب الفردوس. اسمه: ناجي بن محمد عبد الله الأحمد، من مواليد مدينة الخبر 25 مارس 1989م، حافظٌ للقرآن الكريم، وخريج ثانوي علمي بمعدل 99.3 في المائة.. شاعرٌ ورسام، مبدعٌ في المجالين.. تعرض للحادث الذي تسبب في إعاقته عام 2003م. عصاميٌّ ومستقل، تنقل بين الرياض والخبر والظهران سعياً وراء العمل، توفي بعد معاناة مع سرطان الدم فجر يوم الجمعة 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2007 في مدينة الرياض ودُفن فيها. يعني أنه مات بعد ساعاتٍ من وصول رسالته إلي.. فكانت آخر عمل له في الحياة.


* * *

* شِعْرُ ناجي يفيض بمعاناة الواقع.. وكأنه مثل صدَفة البحار التي كلما تأذَّت تنبع منها لؤلؤة شديدة الصلابة ونقية البياض. فبقصيدةٍ عنوانها (معاق) يقول ناجي:

"كتبتُ هذه القصيدة مواساة لقلبي الحزين بعد أن تم طردي من العمل.."

لا تبتئسْ قلبي ..
فـما ضرّوكَ إذ قالوا "مُعاقْ"
يوماً سَـتُبهرُ كلَّ هاتيكَ العقولْ ..
سَـتفيضُ كلُّ قلوبهم بـِدمِ العَجَبْ ..
وسَـُيخبرونَ عن اثنتين،
- يتحسرونَ عليهما - :
"ناجي" و"أمجادُ العَرَبْ" !
وبُعيدَ أيامِ الجفاءْ ..
يوماً، سَـيدعوكَ الزمانُ إلى عِناقْ ..
لا تكتئبْ قلبي ..
عهداً ، سـَأدعو - صامداً - كلَّ الخيولْ ..
وأقولُ : "حيَّ على السِبَاقْ..!"
سَـأقولها ..
كُن واثقاً: سـَيفوزُ خيلـُكَ بالسباقْ ..
وسـَيعجبونَ لـِفعلِ جبَّارٍ عظيمْ ..
وسَـيندمونَ لـِقولهم عنكَ:"المُعاقْ"!


* * *

* يا لشِعرِه.. تيارٌ يجري ويصعق بُنية الأعصاب، انتفاضةٌ باسلة من روح جسور:"وبُعيدَ أيام الجفاء، سيدعوك الزمانُ إلى عناق"، وكأن الموتَ عناقُ حبِّهِ الأخير. ويا ربّي، إنه الآن في خلاصِهِ وانعتاقه.. إنه في ملكوتِ أقداسِك.


* * *

*عجيبٌ تأثيرك يا ناجي، حرّكتَ القلوبَ، وأبكيتَ العيون.. وصلني ما لا يُعد من الرسائل والمكالمات، وكأنها بصيغةٍ واحدة، وبنفـَسٍ واحد، تريد أن تفعل شيئا من أجل ناجي حيا أم ميتا.. الإداري الكبير خالد الكاف رئيس "موبايلي" يوزع آلاف الرسائل لمنتسبي شركته ليقول لهم إنه تعلم من ناجي المثابرة وعدم اليأس. لم يبق رجلُ أعمال ولا مسؤول في الدولة يعرف هاتفي وبريدي إلا واتصل يريد أن يقدم أي شيءٍ لناجي، وفي وهران الجزائرية ستقيم الطبيبة سعدة الفرواني منتدى باسم ناجي محمد، وفي فرنسا "رياض علاقي" سيقيم في موناكو برنامجا علاجيا سيطلق عليه اسم ناجي محمد لمعالجة المرضى بالسرطان من أطفال العرب.. شاعرٌ عربي، صمّم ألا أذكر اسمه، سيكتب قصيدة عن ناجي ويعنونها: "ولكن الإرادة لا تموت.." ويقول إنه سيوقعها تحت اسم: (شاعرٌ أيقظ عربيٌ صغيرٌ روحَه..) وكتبت الشاعرة السعودية "نعمة النواب" قصيدة بالإنجليزية، من أجمل روائعها بعنوان "ناجي ونجيب".. كيف عرَفـَتْ أن اسمه يعكس جمالا على اسمي؟


* * *

* طلب مني ناجي أن أعِدَهُ ألاّ يتعرض أي شخص من الفئة التي حُبس بها عضوٌ بالجسد، لعقابٍ عقليٍّ أو روحي، وأنه يجب أن يزفّ الوقتُ الذي نسمح لعقولهم بالتحليق، وأرواحهم بالتريض في فسوحات الدنيا.. وصية ناجي لنا: "لو تعلمون، فإن بهم قدرات كامنة، حين يُسمح لها بالظهور ستنفعكم أنتم قبل أن تنفعهم هم.." ساعدني يا ربي كي أنفذ أمنية ناجي الأخيرة، أمنية من يشاهد الموتَ ينتظر بالجوار.. وقد أمهله حتى كتب الرسالة: " أنهيتُ الرسالة يا عمي نجيب، ولقد ارتحتُ الآن، وإن وصلتك فهذه هي غاية ما أتمنى". والرسالة وصلتْ.. وتعدَّتْ يا ناجي.


* * *

* حان الوقتُ أن يرتاحَ هذا الصغير، وأن يبتسم في قبره، اللهم صار حُرّاً في عالمٍ يُطلِقُ قيودَ القلوبِ المؤمنة.. ولعله بإذنك طيرٌ يجول بلا حدود لا يعرف سوى فرح خالد لنفسٍ لم يهزمها الشقاءُ، ولم يغلبها الألم.. وبقيت حكمة وتجربة ومثالا.


* * *

* نعم.. يا ناجي: فاز خيلـُكَ بالسباق!








التوقيع : f1l7@hotmail.com
الشبكة السعودية لذوي الاحتياجات الخاصة
موقعكم ورسالة الى من يهمه امور المعاقين في السعودية
 
الله يرحم ناجي واموات المسلمين
اللهم آمين
 
اللهم كفر سيئاته وتقبل حسناته وجعل ما حل به من مرض تكفير له وزياده في درجاته يارب
 
رد: ناجي : ما ضروكَ إن قالوا "مُعاق"..

نعم مايضر . وهذا ما وجدته بالملتقى الشهري لجمعية المعاقين حركيا . عظماء تحدوا الأعاقة ووصلوا لأعلى المراتب .
 
رد: ناجي : ما ضروكَ إن قالوا "مُعاق"..

رحمه الله وغفرله وجعل مااصابه في ميزان حسناته
 
رد: ناجي : ما ضروكَ إن قالوا "مُعاق"..

الله يرحمه ويرحم اموات المسلمين
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى