إناءُ الـتَّوَكُّل ؟

المتفائل

عضو فعال
a.jpg


نشاهد كل صباح كيف تغادر الطيور أعشاشها ، غادية تنشد أرزاقها وهي آمنة مطمئنة على أنْ سعيها في ذلك لن يخيب ، وإنَّ المرء ليعجب أشد العجب من طيور بلا عقول كيف تبذل الأسباب وتبهجها النتائج ، ومن أُناسٍ رُزِقوا العقول وتسخطوا من سوء النتائج وهم لم يبادروا بأية سبب !

إنَّ الإنسان الذي يُحسن أنْ يغمس قلبه في إناء التوكل كل صباح مثلما تفعل الطيور ، لحريٌ بأنْ تلازم السكينة قلبه ويخالط الإطمئنان روحه ، لأنه على عَلِمٍ أنَّ ما كُتِب له سوف يأتيه لا محالة ، ولكن عليه أولاً أنْ يسعى وليس عليه إدراك النجاح !

فهناك إذن فرق بين التوكل والتواكل ، كما قال عمر بن الخطاب لقوم من اليمن رآهم يتكففون الناس في الحج فسألهم من أنتم ؟ فقالوا نحن المتوكلون ! فقال : كذبتم ، بل أنتم المتواكلون ، الـمـتـوكل مَـن ألقى حــبــة في الأرض ثم تـوكل على الله .

فالتوكل هو بذل الأسباب الموجبة للمصلحة والتوكل على الله عز وجل في إدراك هذه الغاية ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله : يارسول الله أعقلها وأتوكل ، أو أطلقها وأتوكل ؟
قال :{ أعقلها وتوكل }رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام :{ لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً ( أي جياعاً )، وتروح بطاناً ( أي شباعاً ) }. رواه أحمد والترمذي .

أما الثاني فهو عدم بذل الأسباب وادِّعاء التوكل على الله عز وجل ولذلك عده أهل العلم من السفه ،
فأنَّ الطير لم تجلس في وكناتها تنتظر الرزق ولكنها بذلت الأسباب فعادت بالنتائج .

وليُعلم أنَّ حقيقة التوكل أعم من التوكل في جلب مصالح الدنيا ، فيدخل فيه الكثير من أعمال القلوب الأخرى كالإستعانة على الطاعة كما قال ابن القيم ودليلها من كتاب الله{ إياك نعبد وإياك نستعين }وغيرها من الأعمال القلبية التي هي في الأصل عبادة ، فلا يجوز أن نقول مثلاً : توكلت على الله وعليك ، ولا أن نقول أيضاً توكلت على الله ثم عليك ، حتى لو كان قائلها يقصد التوكيل والإنابة عنه ، لأن التوكل عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى ، فهي كلمة وردت في حـق الله تـعـالى
قـال الله عـز وجـل :{ وتوكل على الحي الذي لا يموت} وقال :{ وعلى الله فتوكلوا }.

وهناك فرق بين التوكل والإعتماد الذي هو في الحقيقة الثقة كأن نقول لمن وثقنا به :
أعتمد على الله ثم عليك في إنجاز هذا العمل ، فهذا جائز أما التوكل فلا يجوز .

ومما حُكيَ في التوكل في جلب الرزق ، ما ذُكِرَ أنَّ عروة بن الأذينة الشاعر سافر إلى دمشق للقاء الخليفة هشام بن عبدالملك وعندما دخل عليه سلم واشتكى ديناً ، فقال هشام : ألست القائل ..

لقد علِمتُ ومالإشرافُ من خُلُقي .. أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إلـيـهِ فـيُـعْـيـيـني تـطـلـبُـهُ .. ولـو قـعـدتُ أتـاني لا يُـعـنَّـيـني

ثمَّ جِئْتَ تطلب ، فهلّا قعدتَ في بيتِك ما دمتَ تقول ذلك ؟
فقال عروة : وعظتَ يا أمير المؤمنين فأبلغت .
ثمَّ قفل راجعاً إلى المدينة ، وعند حلول المساء ندِمَ الخليفة هشام على فعله وقال في نفسه : شاعر تجشَّمَ عناء السفر لحسن ظنه بنا أفأرده صفر اليدين ؟ فأمر بإحضاره ولكن قيل له أنه ارتحل من حينه ، ولم يكن قد علم بعودته فبعث في أثره رسولاً بألفيْ دينار لعله يدركه في الطريق ، ولكن الرسول لم يدركه إلّا بعد أنْ دخل بيته منذ قليل .
فطرق الباب وعندما فتح عروة ، قال له : أنا رسول أمير المؤمنين ، بعثني بألفيْ دينارٍ لعلي أن أدركك في الطريق .
عندها قال عروة : قل لأمير المؤمنين الأمر على ما قلت ، قد سعيتُ إليه فأعياني ، و قعدتُ فأتاني !
ولكن عروة قد بذل السبب أيضاً ، لأنه لو لم يذهب للخليفة في دمشق لم يأتهِ رسوله في المدينة بألفيْ دينار!

وهذا بابٌ يحتاج إلى نظر دقيق ، أسأل الله أن يرزقنا حُسن التوكل وصدق اليقين ...
 
رد: إناءُ الـتَّوَكُّل ؟

بصراحة سعي الإنسان لرزقه افضل من سؤال الناس
 
رد: إناءُ الـتَّوَكُّل ؟

جزاك الله خير على الطرح القيم
لك كل الشكر اخي الكريم الله يحفظك
 
رد: إناءُ الـتَّوَكُّل ؟

بارك الله فيك
 

اعضاء يشاهدون الموضوع (المجموع: 0, الاعضاء: 0, زوار: 0)

من قرأ الموضوع (مجموع الاعضاء: 1)

عودة
أعلى