اشعارات

نعيمة الغنام المؤتمر الدولي الثالث للإعاقة وآفاق المستقبل

نعيمة الغنام
المؤتمر الدولي الثالث للإعاقة وآفاق المستقبل
نعيمة الغنام
تناولت في هذا المكان رؤيتي لقضية الإعاقة أكثر من مرة، ودعوت أصدقائي القراء أن يشاركوني الحوار حول تلك القضية المجتمعية الشائكة. فرغم أننا كعرب نتميز عن كثير من المجتمعات بموقف إيجابي ـ إلى حد كبير ـ تجاه ذوي الإعاقة، ينبع من ثقافتنا الإسلامية التي تعلي من شأن الإنسان وترفض التميز بين البشر ، إلا أن المفاهيم الخاصة بمجال الإعاقة خصوصا على المستوى المجتمعي قد تطورت كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، والإشكالية الأكثر إلحاحا من وجهة نظري التي أود طرحها هنا هي التشابك بين النظرية الطبية وبين الرؤية الاجتماعية للإعاقة.
والسبب الذي دعاني اليوم لطرح تلك الإشكالية هو قرب انعقاد المؤتمر الدولي الثالث حول البحث العلمي بمجال الإعاقة والتأهيل، الذي سينعقد خلال هذا الشهر بالمملكة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام، ورئاسة السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز.. وبمشاركة، مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، بالتعاون بين عدد من الجهات المعنية الرسمية والأهلية.
ولن أعبر هنا عن إعجابي بنشاط مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، بل أود أن أعبر عن احترامي وتقديري لتلك المؤسسة العظيمة، واحترامي نتج عن متابعتي أنشطة الجمعية التي تضع قضية الإعاقة على قمة اهتماماتها المتعددة. فالمقربون مني يعلمون أني منذ سنوات تنال قضية الإعاقة اهتمامي الأول، وقد حرصت خلال تلك السنوات على متابعة أنشطة الكثير من المؤسسات والجمعيات المعنية بالإعاقة، وكثيرا ما انتقد بعض المنظمات التي تؤدي أنشطتها لعزل ذوي الإعاقة وتهميشهم اجتماعيا، ولم تقع مؤسسة الأمير سلطان في هذا الخطأ فأعمالها تقوم على «المشاركة والدمج والتشبيك» وتلك المقومات الثلاث هي التي تحدد مدى نجاح أي منظمة في تحقيق أهدافها وتطوير رؤيتها. فالفرق بين الأمم يكمن في تقديرهم للعلم. فعندما تمسك العرب بالعلم كطريق للحضارة صنعوا الحضارة، في الوقت الذي كان الغرب غارقا في جدال ساذج حول تفسير الإعاقة من بين كونها تجسيدا للشيطان أو تجسيدا لمعاناة المسيح «عليه السلام» ، كان العرب ينشئون المستشفيات ويطورون علم الصيدلة، ويبحثون في علاج الأمراض النفسية، هؤلاء هم أجدادنا فمن نحن ؟ ومن هنا يجب أن نقدر كل من يعتمد على الله ثمّ على العلم للوصول للأفضل.
والحقيقة أنني أطلعت على محاور المؤتمر المتعددة التي يمكن جمعها تحت عنوان واحد هو «التأهيل والبحث العلمي» وتحت هذا العنوان تأتي التفاصيل التي يغيب عنها المحور الحقوقي، وأعتقد أن هذا المحور سوف يفرض نفسه على أعمال المؤتمر. فهناك جدل كبير حول العالم تجاه التأهيل ومناهجه المتعددة بعد صدور الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
والآن أعود للإشكالية التي طرحتها حول النظرية الطبية والرؤية الحقوقية. فالنظرية الطبية التي فسرت الإعاقة بالقصور الناتج عن العاهة، سادت على المستوى الاجتماعي وشكلت المرجعية لبرامج التأهيل المختلفة. أما التفسير الحقوقي الذي يرى الإعاقة في الحواجز الاجتماعية والثقافية وليست في العاهة أو الإصابة، اختلاف التفسير يؤدي إلى اختلاف الرؤى والمواقف، وبالتالي نبني رؤيتنا للتأهيل طبقا للتفسير، ربما يبدو الأمر تناقضا واضحا وبسيطا ولكن الحقيقة غير ذلك، فلا يمكن لأصحاب النظرية الحقوقية وأنا منهم التخلي تماما عن النظرية الطبية. فهناك عامل مشترك بين النظريتين هو العاهة أو الإصابة. فالطب بالمعنى الحرفي مسئول عن العلاج وتحسين الأداء العضوي، كذلك أصحاب التفسير الطبي للإعاقة لا يمكنهم تجاهل النظرية الحقوقية الاجتماعية، فالشخص ذو الإعاقة كائن اجتماعي وليس مجرد جسد، وهنا يكمن التشابك بين النظرتين، وهنا تأتي أهمية نقاش تلك القضية بالمؤتمر في ظل المشاركة الدولية الواسعة من الخبراء والمتخصصين.
 

عودة
أعلى