قراءة في دليل التعامل مع الصرع


إنها لصدمة للعائلة حين تعلم أن أحد أطفالها مصاب بالصرع ، ولكن بمرور هذه الصدمة طبيعية الحدوث فإنه من الممكن بناء قدر كبير من الفهم ، والحب ، وتقبل البيئة التي سينمو فيها الطفل على ضوء الثقة بنفسه وضمان حب الآخرين له وثقتهم في قدراته. إن المختص النفسي الذي عمل لسنوات عدة في إرشاد أسر الأطفال الذين يعانون من الصرع يؤمن تماما بأن الطريقة التي يتعلم بها الطفل التفكير بنفسه وبالصرع الذي يعاني منه في المنزل سيكون لها الأثر الكبير على تطويع مجريات حياته وطريقة تفكيره مستقبلاً. فإن تعلم الطفل أن يكون قلقاً وخائفاً من الصرع وحجبه عن العالم الخارجي في المنزل بواسطة والديه فإنه سيصبح اتكاليا وغير ناضج سواء في الطفولة أو في مراحل البلوغ . ولكن إذا شجع الطفل على التعامل مع نوباته المرضية تلك كمرض زائل أو مؤقت، وعلى مشاركة الأطفال الآخرين الذين يقاربونه في العمر في كل نشاطاتهم، ومشاركة أفراد العائلة والبيئة المحيطة حياتهم الطبيعية ، فإن هذا سيعطيه دفعه أكبر للنمو في جو فيه الاستقلالية والاعتماد على الذات، وهذه الثقة المبكرة بنفسه ستقلص إلى أقصى حد ممكن الحساسية التي يشعر بها من خلال تعامل الآخرين معه وستزيد قدراته على استغلال كافة طاقاته.
إذا كنت والد طفل يعاني من الصرع ، تأكد من أن طفلك قبل اكتشافك نوبات الصرع هو نفس طفلك الآن ، ذلك الذي يحب لعب الكرة، أو تلك التي تمارس اللعبة مع عرائسها ، ومازال كذلك.
لقد وضع هذا الدليل لمساعدتك كوالد للطفل ، ولإجابة عن بعض الأسئلة الأساسية مع النشاطات اليومية للطفل ، وما اكتشفه المختصون النفسيون عن الصرع والحياة العائلية لمن لديهم طفل يعاني منه ، وكذلك تجارب بعض الآباء في التغلب على الضغوط النفسية التي ربما تعاني أنت منها في الوقت الحاضر.

كيف تشعر :
إذا كنت مثل معظم الآباء الذين لديهم أطفال يعانون من الصرع ، فإن من أهم ما يشغلك هو مستقبل طفلك ، قد تفكر فيما يمكن أن تقوم به عائلتك لمواجهة الوضع ، وقد تكون غير متأكد فيما إذا كان طفلك قادرا على الإنتاجية في المدرسة أو بعد المدرسة. وقد تشعر بالحرج عند الحديث عنه أو الإشارة إليه ضمن أفراد العائلة وربما كنت أيضا تجد من الصعوبة تقبل كلمة " الصرع " أو الحديث عنها مع طفلك أو ربما كانت الكلمة تحزنك لأسباب يصعب عليك شرحها ، وربما أحدثت خلافات بينك وبين زوجتك أو أحد أفراد عائلتك وقد تجدها أيضا من الصعوبة بمكان الحديث مع طبيبك عن ظروف طفلك ، وحتى حينما تتحدث عن هذه الظروف تجد أنك لا تتابع باهتمام ما يقوله الطبيب لك لأنك لا تحدثه في هذا الأمر وأنت وقف المستشير. كما أنك قد تشعر بالغضب والحزن ، وربما تشعر بالذنب حيث تعتقد بأنك بطريقة أو بأخرى لم تقم بواجبك كأب - أو أم - كما يجب ونرى هنا أنه من الضرورة الإشارة إلى أنه ليس كل أب لديه طفل يعاني من الصرع يتعامل مع المشاعر السابق ذكرها. ولكم معظم الآباء يعانون منها كتصرف متعارف عليه ، ومن حسن الحظ أن هذه الحدث بقدر من الواقعية لتركيز جهودهم لمساعدة الطفل.

الاهتمام الجماعي:
إن على الوالدين كما كان ذلك بالإمكان أن يدمجا نفسهما في القضايا الخاصة بالصرع الذي يعاني منه طفلهما ، ومن الأهمية بمكان أيضا أن يتدخل الإخوان والأخوات في هذه القضية لمساعدتهم في فهم الظروف التي يعاني منها الطفل إلى أقصى حد ممكن ، وحثهم على السؤال عن كل ما لا يعرفونه عنه ، لأنه ربما وجدت لديهم أنواع مختلفة من المخاوف والتوقعات عن حال أخيهم مما يجب معه التدخل لتصحيحها. لقد جرت العادة لدى عدد كبير من العائلات أن تتولى الأم لوحدها التعامل مع الموقف فهي التي تأخذ الطفل للطبيب وتناقش المدرسين وبقية الأمهات ، وكلما تعلمت أكثر عن الصرع، استوعبت فكرة الطفل الذي يعاني من الصرع وتقبلتها أما بالنسبة للزوج الذي لم يتعامل مع التجربة بشكل مباشرة فقد يستمر في مفاهيمه السابقة عن الصرع ، وربما أدى به الأمر إلى فض فكرة أن يكون لدى الطفل صرع مما قد يؤدي إلى سوء تفاهم بين الزوجين.

ما هو الصرع:
إذا كان بعض الأشخاص يعانون من بعض المظاهر المرضية مثل التشنجات أو فقدان الوعي لفترة قصيرة أو نماذج غير طبيعية من السلوك ، فإنا نقول عن مثل هؤلاء بأن لديهم حالة صرع ، ويمكن أن يقال عنهم أنهم يعانون من تشنجات أو اضطرابات تشنجية ، وأكثر الاصطلاحات استعمالا هو اصطلاح الصرع. يعود السبب في التشنجات الصرعية إلى تفريغ مفاجئ وغير طبيعي للطاقة الكهربائية في الدماغ ، أن لدينا ملايين الخلايا الدماغية التي تقوم بتفريغ الطاقة الكهربائية ، فالحركة ، والإحساس و التفكير ، والذاكرة، والعواطف ، وحتى الحياة نفسها ستكون مستحيلة إذا لم تعتمد على تلك الانفجارات الضعيفة من الطاقة والتي تحمل الإشارات من خلية إلى أخرى، وعندما تكون هذه الإنفجارات شاذة ، فإن التشنجات هي النتيجة المرئية لذلك. إذا كانت التشنجات شاملة لأغلب مناطق الدماغ ن فإنها تسمى تشنجات معممة .. ومن أنواع التشنجات المعممة تلك التي تشمل كل العضلات والوظائف الحركية للجسم ، وإذا كان لدى الطفل هذا النوع من التشنجات ، فإنه يفقد الوعي ويقع ، ويذهب في غيبوبة، وعندما تنتهي التشنجات التي تأخذ عادة دقائق محدودة يستعيد الطفل وعيه وبعد أخذ فترة من الراحة يكون الطفل قادرا على العودة لنشاطاته المعتادة. وهناك نوع أخر من التشنجات المعممة أيضا تؤثر في مناطق كبيرة من الدماغ ، ولكنه أقل مأساويه من الأول ويتسبب في فقدان قصير للوعي فالطفل قد يتوقف فجأة في وسط جملة ويبدأ التحديق للحظات ثم يعود إلى ما كان عليه بدون العلم بأن توقفا قد حصل للنشاط الذي كان يمارسه قبل النوبة وتسمى هذه الحالة بالنوبات الصغرى ولكنها تعرف في الوقت الحاضر بأنها تشنجات مغيبة عن الوعي.
أما المجموعة الرئيسية الثانية من التشنجات فتسمى التشنجات الجزئية لأن اضطراب الطاقة الكهربائية يكون محددا بجزء معين من الدماغ. وهذا النوع من التشنجات الجزئية يأخذ شكلا من أشكال السلوك التلقائي فليس هناك غيبوبة ولكن الطفل يبدو وكأنه سابح في الخيال ولا يستجيب حين تكلمه وقد يلتقط ثيابه أو يحرك شفتيه أو يقوم بحركات عشوائية بذراعيه أو قدميه وقد يتمشى حول المكان أو ينهض ويعود للجلوس أو يركض أو يعيد الجملة عدة مرات ... ولكنه دائما لا يتذكر ما قام به بعد انتهاء الحالة. وهناك نوع أخر من التشنجات الجزئية يسمى تشنجات الحركات البؤرية حيث يقوم بحركة فجائية غريبة بأحد أجزاء الجسم ناتجة عن اضطراب الطاقة الكهربائية في الجزء من الدماغ الذي يقوم بتحريك ذلك الجزء.

التعامل مع التشنجات:
إن النوبات التشنجية العامة لدى طفل ما هي من الأمور التي لم يتعود عليها إلا القليل جدا من الآباء بصرف النظر عن عدد المرات التي تحدث فيها هذه النوبات لأطفالهم وليست هناك طريقة لتقليص فترة النوبات التشنجية ولكن هناك الكثير منا قد يعمل للحد من آثارها على الطفل ومما يمكن عمله أو عدم عمله عند حدوث النوبات التشنجية المعممة مايلي:
1ـ ابعد الأدوات والأجهزة الحادة عن طريقة.
2ـ تأكد من أن الطفل - حتى وإن كان يبدو أنه يشعر بألم - هو في الواقع لا يشعر بأي شيء خلال حدوث النوبة.
3ـ تأكد بأن الطفل عندما يتوقف تنفسه للحظات أو يميل جلده للزرقة أو الشحوب فهذا لا يعني خطورة حالته ولكن هذه المظاهر تشكل جزءا من ظواهر التشنجات.
4ـ وسع الملابس الضيقة أو الخانقة خاصة حول الرقبة وامسح أي لعاب تره حول الفم.
5ـ ادر جسد الطفل على أحد جانبيه في حالة استفراغه وخاصة وأن ذلك لن يجعله يبلع لسانه ويمنع التنفس عنه.
6ـ لا تحاول أن تحد من حركته بأي وسيلة.
7ـ لا تحاول إعطاءه أي علاج خلال النوبة.
8ـ تجنب وضع أي شيء قاس في فمه لتمنعه من عض لسانه أو شفتيه لقد تعرض عدد ممن يعانون من الصرع من تكسير أسنانهم أو وجود قطع من أقلام الرصاص في أفواههم بعد خضوعهم لهذا النوع من الإسعافات الأولية إذا كان لديك قطعة كبيرة من الدوائر البلاستيكية المخصصة للعض فيمكن استعمالها لوضعها بين أسنانه ولكن في حالة إقفال الأسنان أثناء النوبة فلا تحاول مباعدتها لوضع القطعة المذكورة ولا تحاول وضع إصبعك في فم الطفل ويجب أن تضع في ذهنك دائما أنه لا يعرف ما يفعله و لا يتحكم في تصرفاته وقد يؤذي أصابعك وهو لا يشعر.

إن هناك موضوعا آخر يفضل عمله من قبل الآباء وأن كان ليس سهلا عليهم ولكنه سيعود بفائدة كبيرة في تشخيص الطفل ويساعد الطبيب في هذا التشخيص .. وذلك بأن يحاول الأبوان مراقبة ما يحصل للطفل خلال النوبة وإذا كان بالإمكان تسجيل ذلك في ورقة، كم اخذ من الوقت منذ حصلت النوبة وحين يقع وما طبيعة تصرفاته وعليهما كتابة الوقت من اليوم الذي حصلت فيه وماذا كان يعمل قبل وقوعها مع تسجيل أي شيء غير عادي حصل مباشرة قبل حدوث النوبة.

إن هذا الموضوع وإن كان يبدو مستحيلا لدى الوالدين لأنه يلغي جزءا كبيرا من العاطفة في مراقبة الطفل أثناء النوبة إلا أن أغلب الآباء الذين نفذوه قد أكدوا بأنهم يشعرون بقدرة أكبر على التعامل مع الحالة . وعلى الأبوين ملاحظة أنه فيما إذا استمرت حالة الغيبوبة أثناء النوبة لأكثر من عشر دقائق فعليهما الاتصال بالطبيب وإذا لم يتمكنا الاتصال به فعليهما أخذ الطفل إلى أقرب مركز إسعاف لأن هناك حالة من الصرع تسمى الدائمة، وتعني حالة النوبات التي لا تتوقف وهي حالة طبية نادرة تتطلب تدخلا علاجياً سريعاً أما التعامل مع النوبات الجزئية ( النفسية الحركية ) فهو يرتبط غالبا بإبعاد جميع الأشياء الخطرة من طريق الطفل والتأكد من انه لا يقوم بشيء يؤذي به نفسه خلال النوبة مع أهمية ملاحظة عدم الإمساك به وإعاقة حركته إلا إذا كانت الحركة ستعرضه للخطر مثل قطع الشارع المزدحم إذا حصلت النوبة في الشارع وإذا أعيقت حركة الطفل أو البالغ الذي يعاني من هذا النوع من النوبات فإنه سيقوم بلا وعي بمهاجمة من يمسك به وقد يؤذي نفسه والآخرين.

ويجب أن يتذكر الوالدان أن الطفل لا يدرك إطلاقا ما يقوم به خلال النوبة ولا يجب إطلاقا معاقبته أو إشعاره بالذنب لسلوك قام به أثناء النوبة والأطفال في المراحل العليا من الطفولة يشعرون بالضيق حين يرون بأنهم قد بللوا ثيابهم أو لم يتحكموا في مخارجهم أثناء النوبة ، ويجب أن يشرح لهم بأن ذلك جزء من سلوك الشخص أثناء النوبة وهو امر طبيعي خلالها وقد يقوم الوالدان بتغيير ملابس الطفل عند تلوثها لئلا يحس بما عمله أثناء حصول النوبة مما يجعله يشعر بالضيق. عند انتهاء النوبة يحس الطفل بالحاجة إلى منحه جزء كبيرا من الراحة والثقة بالنفس فقد يشعر بأن والديه كانا يتوقعان أن تثمر العلاجات التي يتعاطاها في إيقاف النوبات وأنه خيب آمالهم بحصول النوبة ليست في يديه وبالتالي فإن وجودهم أو عدم وجودها لا يغير من اتجاهات الوالدين نحوه وإذا كان الطفل يشعر بحساسية زائدة تجاهها فعلى الوالدين إشغاله عن التفكير فيها بشيء يحب القيام به. على الوالدين عدم سؤاله بصفة مستمرة عما إذا كان يشعر بشيء أنه أمر طبيعي أن تهتم ولكن قلقك على حالة الطفل ستنقل إليه ويشعر هو بالقلق المستمر من حصول النوبة وهذا يقلل من درجة ثقته بنفسه وهو ما لا يجب أن يكون.

ما الذي تقوم به الأدوية:
يعالج الأطباء في الوقت الحاضر الصرع بالأدوية وتقوم هذه الأدوية بإيقاف الغيبوبة ويمكن أن تكون حبوبا أو كبسولات أو على هيئة شراب ولقد هيئت الأدوية المانعة للغيبوبة أساس لإيقاف النوبات وأغلبها يمكنها التحكم في نوع واحد أو نوعين فقط من أنواع الصرع والقليل منها هو الذي يفيد في التحكم بأنواع أكثر من النوبات التشنجية إن هذه الأدوية قد تكون مفيدة مع بعض الأطفال إلى الدرجة التي تتوقف بها النوبات طالما كان الطفل يتناول الدواء وفي هذه الحالات فإن الأطباء يقولون بأنه أمكن التحكم في حالة الصرع لدى الطفل ولا يقولون بأنه تم علاجها لأن مانعات الغيبوبة لا تعالج الصرع ولكنها تتحكم في النوبات عن طريق تهدئة خلايا الأعصاب في المخ التي قد تسبب النوبة ولكنها بكل أسف لا تغير من طبيعة هذه الخلايا بشكل نهائي ففي حالة إيقاف الدواء أو إعطاءه في شكل غير منتظم فإن خلايا المخ ستعود إلى ما كانت عليه وقد تعود النوبات للطفل.
لذلك من المهم للطفل الانتظام في استعمال الأدوية الموصوفة له حتى ولو توقفت النوبات لفترة طويلة. وفي بعض الأحيان عندما يتم التحكم في النوبات باستعمال العلاج بفترة طويلة فقد تعود النوبات للطفل مرة أخرى وهذا لا يعني أن حالة النوبات لدى الطفل قد ساءت ولكنها تعني ببساطة أن الطفل قد نما جسديا وحصلت له تغيرات نمائية وبالتالي فإنه يحتاج إلى تعديل العلاجات بما يتلائم مع هذه المتغيرات.
وعندما تتحكم الأدوية بالنوبات لدى الطفل لفترة طويلة من الوقت فقد يقوم الطبيب بتقليص الكمية التي يتعاطاها الطفل من العلاج في محاولة لإيقافها كلية. على أن هذا الإجراء يجب أن يتم فقط من قبل الطبيب المعالج وتحت مراقبته المباشرة ولا يجب بأي حال أن يتم باجتهاد شخصي بين الوالدين.

النوبات المتكررة:
إذا كان الطفل يعاني من نوبات متكررة أو كانت لديه إعاقة أخرى بجانب الصرع فإنه يجب ملاحظة صعوبة تكيف الأسرة من الظروف المحيطة بها بشكل طبيعي وبدون تعديلات وقد يطلب من الطفل مثلا وضع قبعة واقية على رأسه إذا كانت النوبات متكررة لديه خوفا من إصابته بأذى عند سقوطه وقد تحدد أنواع النشاطات التي يشارك فيها حتى تنجح الأسرة في التحكم بالنوبات. ولكن ما يجب حتى الاقتناع به أنه حتى شديد الإعاقة يمكن أن يتعلم ويتحمل المسئولة على حسب قدراته ويستطيع تجربة النجاح ( أو الفشل ) كما يستطيع مع حب الوالدين له ووقوفهم بجانه تنمية الثقة بنفسه والآخرين.

تأليف المؤسسة الأمريكية للصرع "epilepsy foundation of america"
ترجمة: د. إبراهيم بن عبدالعزيز الفوزان
مدير إدارة الدراسات والتطوير بالإدارة العامة للتربية الخاصة


الكاتب:
د / إبراهيم الفوزان
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى