قصة حب بلغة الإشارة

حمودي

عضو جديد
المكان: مدينة عربية.

المناسبة: مؤتمر لمناقشة أمور الصم.

الحضور: مجموعة من الباحثين المتخصصين في شؤون الصم، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الصم الذين حضروا للاطلاع على آخر التطورات في مجال تدبير الصمم.

اللغة المستعملة: اللغة العربية + ترجمة فورية بلغة الإشارة مما يسمح للصم بمتابعة وفهم المحاضرات.

بدأ اليوم الأول من المؤتمر بإلقاء كلمة الافتتاح والترحيب بالحضور والباحثين، ثم بدأ برنامج المحاضرات التي يشارك في تقديمها مجموعة من الأطباء والتربويين والمختصين في علم النفس. كان الحضور من الصم يلاحقون بأنظارهم أصابع مترجم الإشارة كي يفهموا ما يقال، وإذا خطر لأحدهم سؤال خلال المناقشة رفع يده وطرح السؤال بلغة الإشارة، وقام المترجم بالترجمة إلى اللغة العربية.

وفي خضم هذه المحاضرات تلاقت عيونهما.

صماء جميلة الوجه، بيضاء البشرة، كبيرة العينين.

أصم ناعم الملامح، شعره أحمر، والنمش يعلو وجهه.

تلاقت العيون فاحمر الوجهان وسرى التيار الكهربائي اللاذع بين قلبيهما، وأصابتهما سهام كيوبيد.

حاولا تكراراً أن يصرفا نظريهما عن بعضهما وأن يركزا على مترجم الإشارات لمتابعة المحاضرات، ولكن القلب يأمر العين أن تعاود النظر إلى الوجه الذي سحر.

إن الصم أقدر من الأشخاص السامعين على تمييز تعابير الوجه، ويستطيعون تبادل الخطاب من مسافات طويلة اعتماداً على لغة الإشارة.

لقد فهم نبيل من تعابير وجه رشا كل المشاعر التي هاجمت قلبها فجأة واستعمرته، وفهمت رشا من وجه نبيل طبيعة مشاعره الجديدة.

وما هي إلا دقائق حتى نسي نبيل ورشا المؤتمر والمحاضرات، فصحيح أنهما يحضران أمثال هذه المؤتمرات مرة كل سنتين محاولين الاطلاع على شيء مفيد جديد، ولكنهما في الحقيقة قد سئما هذه المجالس التي يسيطر عليها سليمو السمع والذين في معظمهم لا يحضرون إلا للاستفادة من رحلة سفر وحضور سمر وعشاء تحت سـتار أنهم يعملون بجد واجتهاد من أجل خدمة المعوقين سمعياً.

الصم يجلسون في قاعات المحاضرات لا حول لهم ولا قوة، وهم متيقنون أنهم أعلم بمشاكلهم من غيرهم، مدركون أنهم لو استلموا هم الكلام واستلموا إدارات الجمعيات المكلفة بالمدافعة عن حقوقهم لكانوا أكثر إنتاجاً وأكثر نشراً للفائدة من الوضع الحالي.

ارتفعت يد نبيل ليشير إلى رشا أنه يود اللقاء بها بعد انتهاء المحاضرة، فاحمر وجهها خجلاً ولم تجب. انتهت المحاضرة، واقترب نبيل من رشا مصافحاً وسألها أن تقبل دعوته لشرب فنجان من القهوة، فقبلت الدعوة.

جلسا معاً على طاولة منعزلة نسبياً في الاستراحة، وبدأ التعارف بينهما عن طريق لغة الأصابع والإشارة فهي الوسيلة الوحيدة للتخاطب بين الصم، وإلا اضطروا إلى الاستعانة بالكتابة للتعبير عما يريدون وهذا ما يفعله الصم الجاهلون للغة الإشارة.

وتعرف نبيل ورشـا كل منهما على الآخـر، فعرفت رشـا أن نبيلاً من لبنـان، وهو مصاب بالصم منذ ولادتـه، متقن للغة الإشارة، كما هو متقن للقراءة والكتابـة إذ تابع دراسـته في مدارس التأهيل حتى مستوى الشـهادة الإعدادية، ثم انخرط في مهنة الخياطة التي أصبحت مصدراً لرزقه، وأمـا أوقـات فراغـه فيقضيها في نوادي الصم الصغار لتعليمهم لغة الإشارة.

أما رشا فهي من سورية، وقد أصيبت بالصمم إثر إصابتها بالتهاب في السحايا في نهاية السنة الأولى من عمرها، وهي متقنة للغة الإشارة، كما أنها قد تعلمت القراءة والكتابة حتى مستوى الصف السابع، ثم تفرغت لهوايتها الرئيسية التي هي الرسم بالألوان الزيتية وقد أجادت كثيراً في هذا المجال.
تكلم نبيل ورشا في شؤون الحياة المختلفة، وعبرا عن رضاهما بقضاء الله وقدره، فهما مؤمنان ومتيقنان أن الجنة هي العوض الذي أعده الله لكل صاحب إعاقة احتسب عاهته عند الله ورضي بالقضاء والقدر.

ثم انتقلا إلى الحديث عن نشاطات المؤتمر، وعبرا عن أملهما بإنجاز القاموس الذي سيوحد لغة الإشارة بين الأقطار العربية، فلعل لغة الإشارة تسبق اللغة المحكية في توحيد الشعور العربي.

وبعد مرور نحو ساعتين على هذه الجلسة، عادا إلى قاعة المؤتمر ليتابعا المحاضرات دون أن يستطيعا الاندماج كلياً في الجو العلمي، لأن خواطر وذكريات اللقاء في المقهى لا تزال تسيطر على عقليهما.

ومرت الأيام الخمسة للمؤتمر، واللقاءات تتجدد يومياً بين نبيل ورشا، وقد تكلما في موضوعات شتى وخاصة فيما يتعلق بأحلامهم في مجالات العمل والأسرة، وعبّرا عن رغبتهما في أن يحققا المزيد في خدمة الصم وتوفير أسباب الراحة لهم في حياتهم.

وفي اليوم الأخير اجتمعا للمرة الأخيرة، والقلبان بدأا يشعران بلذعة قرب الفراق، فتشجع نبيل وطلب من رشا رأيها فيما إذا تقدم لطلب يدها من والديها.

فوجئت رشا بهذا الطلب السريع فاحمرت خجلاً، وأنزلت يديها تحت الطاولة خوفاً من أن تخونها إحداهما فتسارع إلى الإشارة برمز «نعم».
أعاد نبيل طلبه مرات، وفي كل مرة كانت حمرة الوجه تشتد، والقلب يزداد خفقاناً.
ثم ـ وبعد تكرار الطلب ـ أجابت رشا بيديها: مبدئياً لا مانع لدي، وإن كنت أرى أن لقاءات أخرى ستساعدنا في اتخاذ القرار، وبعد استشارة الأهل طبعاً.

وبعد حوارات قصيرة عادا إلى موضوع الزواج وتناقشا في موضوع الأطفال ثمرة الارتباط، وما يمكن أن يؤدي إليه الزواج بينهما من ولادة أطفال صم يحتاجون إلى كثير من العناية والرعاية.

قال نبيل: ولكنك أنتِ أصبت بالصمم نتيجة التهاب السحايا، وبالتالي لا أظن أن عاملاً وراثياً حاملاً للصمم سيكون مختبئاً في خلايا جسمك.

أما أنا فقد خلقت أصمَّ، ويوجد عدد من أقربائي يحملون الإصابة نفسها، وأظن أنني أحمل مورثات تنقل نقص السمع، ولكن الأمر ليس مؤكداً، وحتى لا يبقى الأمر في مجال الشك فيمكننا القيام باستشارة وراثية في مركز متخصص يقوم بدراسة زادنا الوراثي ويحددوا لنا مصير الذرية أتصاب بالصمم أم لا.

وللأسف فإن مثل هذه المراكز لا تزال قليلة في العالم، ولكن أرجو أن تهتم الحكومات بمثل هذه الأمور أكثر، وتوفر لأصحاب الأمراض الوراثية إمكانية إجراء دراسات واسعة للمدخرات الوراثية لديهم.

وأضاف نبيل: وأنا أرى أن لا نستبق الحوادث، فلنتعرف على بعضنا أكثر، وليقدم كل واحد منا نفسه إلى أسرة الآخر، ولنقم بإجراء دراسات وراثية، ثم نناقش الأمر بشكل نهائي.

هزت رشا رأسها بالموافقة المبدئية، مع أنها شعرت بغصَّة في صدرها لقصة الأولاد واحتمال ولادتهم صُمّاً.

وعند نهاية اللقاء أبت العيون أن تفترق دون دموع، فأشارت رشا بأصابعها: وداعاً، فأجاب نبيل بأصابعه: إلى لقاء قريب بإذن الله.

عن كتاب " عندما يبتسم الألم "
 
رد: قصة حب بلغة الإشارة

يعطيك العافيه حمودي
 
رد: قصة حب بلغة الإشارة

الله يسعدك موفق اخوي على الطرح !!
 
رد: قصة حب بلغة الإشارة

حمودي

اشكرك على الطرح الله يعافيك ومن كل شر ينجيك

تقبل مروري وتحييييييييياتي الحاره لك
 
رد: قصة حب بلغة الإشارة

يعطيك العافية يارب
يسلموووووووووووو
ولايحرمنا منك
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 5)

عودة
أعلى