قصة: تحدي الإعاقة بتفوّق!

الكرسي المتحرك لم يحبسني بل أطير به


الدكتورة (جهاد إبراهيم حنفي) تخطت عراقيل كثيرة وضعت في طريقها‏ ، ولكنها لم تستسلم‏ ، وقبلت التحدي حتى تفوقت في العلم والرياضة معا‏.‏



بدأت حوارها قائلة‏:‏ إن شلل الأطفال الذي ولدت به غير مجري حياتي إلي الأفضل وكان أقوي دافع لي للتفوق في كل المراحل الدراسية‏,‏ بمساعدة أسرتي بأكملها وخاصة أمي التي علمتني أنه اختبار من الله سبحانه وتعالي‏,‏ وأنها إرادة الله التي لا نستطيع الاعتراض عليها‏,‏ فنشأت وأنا علي يقين من حب الله لي‏,‏ وكانت والدتي تعاملني كأي طفلة عادية مع تكثيف جرعات الحب والدفء الأسري لتعوضني عن إعاقتي‏,‏ وكنت أقوم منذ صغري بقضاء الواجبات المنزلية مع أخواتي الثمانية وبإعداد الطعام وأنا جالسة على الكرسي المتحرك الذي لم أشعر يوما واحدا أنني حبيسة هذا الكرسي‏,‏ بل كنت أشعر أنني طائرة به‏.‏

وتتذكر جهاد‏:‏ لحظة دخولي المدرسة أول مرة وعدم قدرتي علي الوقوف عندما دخل المدرس الفصل‏,‏ وسألني باستخفاف وسخرية‏,‏ هل مازلتِ نائمة حتى الآن؟‏,‏ فهمس له أحد الزملاء بأنني معاقة‏,‏ كم كانت تقتلني هذه الكلمة‏,‏ وفي نفس الوقت كانت حافزا قوي لي للتحدي وإثبات أنني لست معاقة‏,‏ وأنني لا أقل عن بقية زملائي في الفصل‏,‏ فتفوقت منذ السنة الأولي في الدراسة وكنت دائما الأولي علي المدرسة‏,‏ ودخلت الثانوية شعبة علمي علوم‏,‏ وكنت أحلم أن أصبح طبيبة عظام وأعالج أي طفل مصاب بشلل الأطفال‏,‏ وحصلت علي‏92%‏ وكانت كلية الطب تقبل أعلي من ذلك‏,‏ فكانت هذه هي الصدمة الأولي في حياتي وشعرت وقتها أن حلمي مات وأنني طوال هذه السنوات من التحدي والكفاح لم أستطع تحقيق ما أتمناه‏.‏

وتضيف‏:‏ أن والدي أقنعني بدخول كلية التربية‏,‏ وعندما ذهبت لتقديم أوراقي‏,‏ تم رفضها وقالت المسئولة أنني غير لائقة طبيا‏,‏ فكانت هذه هي الصدمة الثانية لي‏,‏ ولم أجد أمامي إلا كلية الآداب بنات‏,‏ ودخلت قسم علم اجتماع بالرغم من أنه بعيد كل البعد عن دراستي العلمية‏,‏ ولحظة دخولي الكلية قابلتني عقبة أخري‏,‏ وهي عدم وجود أسانسير لحضور المحاضرات التي كانت في أدوار عليا بالكلية‏,‏ فكنت أجلس في الحديقة يوميا أنتظر انتهاء اليوم الدراسي لأخذ المحاضرات من زميلاتي اللاتي أحطنني بكل الحب والاهتمام‏,‏ والحمد لله كنت محبوبة منهن جميعا‏,‏ وظللت هكذا إلي أن رأتني مديرة الجداول‏,‏ فقامت بنقل كل المحاضرات في الدور السفلي مراعاة لظروفي‏,‏ ومن يومها أحببت علم الاجتماع وواظبت علي حضور جميع المحاضرات‏,‏ وجاءت امتحانات الفصل الدراسي الأول واجتزتها‏,‏ وكنت الأولي علي الدفعة‏,‏ وحافظت علي تقديري في بقية سنوات الدراسة‏,‏ وكان الميلاد الحقيقي لي عند حصولي علي الليسانس وتعييني معيدة في الكلية‏,‏ ثم حصولي علي الماجستير بتقدير امتياز في الخدمات الصحية التي تقدم للفقراء في ظل الخصخصة‏,‏ فأصبحت مدرسا مساعدا بالكلية‏,‏ وأدرس حاليا للحصول على الدكتوراه في آليات الدعم المقدمة للفقراء من قبل الدولة‏.‏

وتستكمل جهاد‏:‏ أن تفوقي الدراسي لم يمنعني من ممارسة الرياضة‏,‏ فذهبت إلي مركز علاج طبيعي فشاهدتني هناك خبيرة ألمانية‏,‏ وقالت لي إنك تستطيعين ممارسة السباحة‏,‏ وبالفعل تعلمت السباحة‏,‏ وأصبح ما حرمت منه في الواقع أحققه في الماء‏,‏ كما أصبحت أجري وأتحرك‏,‏ وتفوقت في السباحة وحصلت على بطولات متعددة وميداليات كثيرة وعلى كأس مصر أيضا‏.‏

وفي نهاية حديثها تقول جهاد‏:‏ إننا كذوي إعاقة نعاني بالفعل من عراقيل كثيرة‏,‏ منها تهميش المجتمع لنا‏,‏ ولكن بالرغم من ذلك لن نستسلم‏,‏ وهذا يرجع إلي نظرتنا لأنفسنا وليس نظرة المجتمع لنا‏,‏ أملي أن يكف الإعلام عن إظهار ذوي الإعاقة في الأفلام والمسلسلات وهم يبيعون المناديل الورق‏,‏ في إشارات المرور‏,‏ فلا يصح التقليل من شأننا وإمكاناتنا‏,‏ فالمعاق ليس معاق الجسد وإنما معاق الفكر‏.‏



التعليق:

فمن الواضح تماماً وما أثبته لنا التاريخ منذ الأزل والقديم والحديث والآن ، أن الإعاقة ليست نهاية الحياة لأحد ، بل قد تكون انطلاقة نحو التميّز نحو الإبداع نحو التحدّي نحو البروز والتطوّر ، الحياة بشكل عام وللجميع فيها من التحديات الكثيرة لجميع البشر ، ومن الأسوياء من سقط في اجتياز اختبارات الحياة بشتى أنواعها ، وكثير من المعاقين حققوا نجاحات مميّزة أبهرت العالم حتى هذه اللحظة ، فقط على مجتمع ذوي الاحتياجات الخاصة أن يعيّ هذه الحقيقة ، وبالتالي على المجتمع أن يعيها أيضاً!
 
رد: قصة: تحدي الإعاقة بتفوّق!

[align=center]مشكوره على الموضوع الرائعه
[/align]
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى