رسائل جوّال وحمقى أكثم .. من المعوق حقا؟ - د. محمد ال عباس

[align=center]رسائل جوّال وحمقى أكثم .. من المعوق حقا؟

88.jpg


كثيرة هي الرسائل التي زارت هواتفنا الجوّالة بمناسبة شهر رمضان المبارك وعيد الفطر – أعاده الله علينا بالخير والبركات. هناك رسائل من باب المجاملة، وهناك رسائل لها طابع مختلف وتحمل في طياتها أدبا حقيقيا، ولعلنا أمام حقبة أدبيات رسائل الجوّال.

وفي جوّالي رسائل تشبه رسائل إخوان الصفا، وإن اختلفت مضمونا، فهي - وإن كانت قصيرة - عبارات توجز نقاشات اقتصادية أو فلسفية أراها عميقة جدا، قد تصل مع أحد أشقاء الفكر إلى أكثر من 20 رسالة حول موضوع واحد، ولو أننا تحدثنا عبر الجوّال لكان أقل تكلفة، لكن الأفكار تَرِدُ كما تَرِد الإبل على الماء ثم تصدر أشتاتا، لهذا تنتهي بعض النقاشات عبر رسائل الجوّال في يوم، وبعضها ربما يستمر ليصل إلى عدة أيام. في هذا المقال أردت أن أشارك القراء بعضا من هذه النقاشات التي جرت بيني وبين صديق فاضل أعتبره أستاذي وهو الدكتور عبد الله البريدي.

رسالة تصل إلى جوّالي
-"يتشابه الأمر إذا أقبل، وإذا أدبر عرفه الكيس والأحمق – أكثم بن صيفي" انتهت الرسالة.

في كلمات مختارة يطرح الدكتور عبد الله قضية خطيرة جدا وهي تؤرق كل من خاض بحر الفكر أو حتى لامس شطآنه، من يعرف حقا؟ عندما تأتي القضايا، فهي تأتي دائما متحجبة، إن جاز التعبير كالنساء كلهن سواء في العباءة، فمن ذا الذي يدعي معرفة أو يميز القضية أو يجلوها لنا ويقدم النصح والإرشاد؟ والأخطر، من لنا لنصدقه إذا أخبر؟ لتوضيح الأمر سأستعير قضية سوق الأسهم، فعندما أُستفز المؤشر إلى 20 ألف نقطة في غضون أشهر تحدث عدد من المحللين، منهم من شجع ومنهم من حذر، منهم من قال إنها تعكس وضعنا الاقتصادي المزدهر، ومنهم من قال بكارثة انهيار محتملة وهم يرونها متحجبة في دثار النمو والازدهار الاقتصادي. ومع ذلك وقع الغالب الأعم من المستثمرين في شرك الانهيار وخسر الآلاف منهم استثماراته، فهل كانت قضيتنا أنه لا يوجد من بيننا من يعرف، أم كانت فيمن نصدقه عندما يخبرنا أنه يعرف؟ هل كانت المشكلة فيمن يعرف أم في قدرتنا نحن على تمييز من يعرف ممن لا يعرف؟ هل قضيتنا أنه ليس من بيننا كيس فطن، أم أننا لا نستطيع أن نميزه لنأخذ برأيه؟ ولعل في قضايا الإرهاب التي أصابت شبابنا استعارة أخرى لتوضيح هذه الإشكالية؟

عندما وصلت جوّالي الرسالة السابقة وكنت منشغلا بهذه القضية، أثارتني كونها لم تجب عن سؤال مهم، فكتبت له مستفزا لفكره ولرسائله:
" فمن يعرفها إذا أقبلت؟" انتهت الرسالة.
كنت أريد من صديقي أن يحدد لي صفات الشخص الذي نثق باستجلائه القضية وكشف مستورها لنا. لكن إجابته جاءت كصاعقة شلت تفكيري وألجمتني عن الرد فقد أجاب:
"ليت لنا نصيب حمقى أكثم" انتهت الرسالة.

إن القضايا تأتي محيرة للجميع إلا للكيس الفطن، حتى إذا انتهت وأدبرت عنا عرفناها جميعا فبدأنا نتحدث ونشرح ونسهب في الطرح وفي هذا يتساوى الأحمق والكيس الفطن – هذا في رأي أكثم بن صيفي في زمانه، لكن رد الدكتور كان مؤلما بالنسبة لي، فحتى عندما تصدر القضايا عنا فليس من بيننا كيس يفهمنا وياليت أن من بيننا حمقى أكثم يعرفونها إذا هي انقشعت، فلا نحن من هؤلاء، وياليت أنا من أولئك.

بالمصادفة حدثت هذه الحوارات عبر الجوّال في وقت كنت أتابع كتابات الأديب الكبير نجيب الزامل عن المعوق ناجي، وهو - كما يوضح الأديب - أنه ولد طبيعيا ثم أصيب بحادث أشله وأخرسه فأقعده جسديا، لكنه بفضل الله كان أكبر من الإعاقة فأكمل دراسته الثانوية حتى تخرج بمعدل 99.3 في المائة، وكان يحضر المحاضرات والندوات الثقافية، ويهوى الأمسيات الشعرية ومعارض الفنون، لكنه مع ذلك فوجئ بأن الجامعات وللأسف لا تقبل بمعوقين إلى هذه الدرجة. وأقف معكم أمام هذه العبارات التي أوردها كاتبنا الأديب على لسان المعوق ناجي فقال: "وكأنما هو فرض علينا أن نعيش أسراً أبدياً في إعاقة أجسادنا .. ثم نموت رهن القيود". تكفيني هذه الاقتباسات ولأقول معلقا عليها إننا نواجه معضلة كبيرة جدا في تفسير معنى المعوق. المعوق عندي هو معوق الفكر فقط، معوق النظرة العميقة للأشياء، ووفقا لوجه نظر الدكتور عبد الله فإن عدد المعوقين لدينا أكبر بكثير ما نحن نظن، وبالتأكيد ليس من بينهم ناجي، صاحب الـ 99.3 في المائة. ناجي لم يكن معوقا أبدا ولكنه عاش في بيئة معوقة. بيئة لا تستطيع أن تستجلي الأحداث وتقر بشأنها أمرا لا وهي مقبلة ولا مدبرة.

من المعوق حقا، من يحضر الندوات والمؤتمرات والمعارض المختلفة ويحصد 99 في المائة في اختبارات الثانوية، أمن يتسكع في الطرقات وهو كَلٌ على أهله أينما يوجهونه لا يأتي بخير؟ من المعوق حقا أهو معوق الجسد أم معوق العقل والتفكير؟ إن عقلا فاعلا ليجعل جسدا خاملا أكثر نشاطا ونفعا لنفسه وأمته من جسد فاعل مع عقل خامل. وياليت شعري أن لنا نصيب حمقى أكثم كي نميز هذه العبارات وقصة المعوق ناجي لنصنع منها قانونا لجامعاتنا.

د. محمد أل عباس - أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد - أبها
08/10/1428هـ
maalabbad@kku.edu.sa

1272 قراءة

جريدة الاقتصادية السعودية

http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=7165&archivedate=2007-10-19[/align]
 
شكرا لك والله يرحم ناجي واموات المسلمين
اللهم آمين
 
الله يرحم ناجي وجميع موتى المسلمين
وكلما قرات عن ناجي ينطبق عليه

ما انا ذاك المعوق من ثناه الالم
انا من اعطى وحقق وسيمضي يخدم
 

اعضاء يشاهدون الموضوع (المجموع: 0, الاعضاء: 0, زوار: 0)

من قرأ الموضوع (مجموع الاعضاء: 1)

اعضاء قاموا بالرد في الموضوع (مجموع الاعضاء: 3)

عودة
أعلى