شاعة داء يمزق الصف الإسلامي

شاعة داء يمزق الصف الإسلامي

13122009105157AM1.jpg
لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان وشرفه بالعقل والعلم والنطق، وسخر له ما في الكون. وجعله في أفضل هيئة وأكملها، ومنحه السمع والبصر والفؤاد، به يعي الأشياء ويفقهها ويدرك الحقائق ويعلمها، وينتفع بالنعم التي أغذقها عليه سبحانه من كريم. ويكفيه شرفا أن اختصه الله بأن خلقه بيديه قال سبحانه وتعالى" إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين" (ص 71-74).وصوره في أحسن صورة قال تعالى" وصوركم فأحسن صوركم" (التغابن 3) ،وقال عز وجل" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (التين 4)، فقد جعل له قامة معتدلة، ومنحه قدرة على الأكل بيديه والعمل بهما، وهو ما لا يتأتى لغيره ولا يستطيعه غالب الحيوان. وهداه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصل بها إلى سعادة الدارين . ومنحه العقل والنطق والتمييز " الرحمن علم القرآن خلق الإنسان، علمه البيان" (الرحمن 1-4). وسخر له ما في السماء والأرض، ونعمه عليه لا تحصى ولاتعد. وحمله الأمانة، وأكرمه بمحبته له وهدايته بإرسال الرسل، وشرفه بالعبودية له وحده ، وحفظه ورعاه....
ومن أعظم مجالات التكريم الرباني لخلقه أن منحهم الحواس ( السمع والبصر والفؤاد) للانتفاع بها، وتذوق حلاوة الإيمان قال تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسؤولا" (الإسراء 36). ونعمة السمع تزيد صاحبها علوا في الآخرة واحتراما ومكانة في الدنيا، إن وظفها فيما ينفعه، وسمع بها قول الخير وأنصت إلى دروس العلم، وابتعد عن الفاحش من القول، والغيبة والنميمة، وقول الزور، والكذب.. فغير لائق بالمؤمن الصادق الإيمان أن ينحرف بالنعم عن مقاصدها، أو أن يعرض عن سماع آيات الله إذا تليت، ويهجر مجالس العلم متى وجدت، ويرفض النصيحة متى وجهت قال تعالى:" ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون" (يونس 42).
كما لا يليق بالمؤمن أن ينحدر بسمعه إلى استراق السمع بالتجسس على أحاديث الناس الخاصة وأسرار الجيران، أو الاستماع إلى القول الفاحش والكلام البذيء المخل بالحياء والمسيء للأخلاق، لما له من أثر على السلوك وسوء العلاقة بالأهل والجيران، و ما يؤدي إليه من غضب الله وسخطه.
وكما يلزم الحفاظ على نعمة السمع والبصر والكلام والفؤاد، وجب تحري الدق في القول والعمل.
وقد ابتليت الأمة في حاضرنا بالأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة في وسائل الإعلام السمعية
والبصرية، المرئية والمسموعة، المقروءة والمكتوبة، وعلى الانترنيت ... وغيرها في مخالفة صريحة لتعاليم الدين الإسلامي المبني على قيم العدل ، والعفة، والطهارة، والصدق ... والداعية إلى تجنب قول الزور والكذب، ولو كان صاحبه مازحا. والأمر بالتتبث من تلقي الخبر من أي مصدر سواء أكان فردا أو صحيفة، أو إذاعة أو غيرها، حتى لا نشغل أنفسنا وغيرنا بتداول أخبار غير صحيحة قال سبحانه" ياأيها الذين منوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا ثوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" ( الحجرات الآية 6 ) .
وغير خاف على أحد ما يسببه الخبر الكاذب والإشاعة المغرضة، الشيء الذي يفرض مواجهة الباطل بالكلمة المسؤولة الطيبة الصادقة، لأن من خلالها تبرز شخصية الإنسان من الجد والقول الصحيح , إلى الكذب والجور . وقد كان للقرآن تأثير في النفوس لما له من وقع صحيح , وكلام متبث بالبراهين والأدلة الصادقة التي يمكن التماسها من الواقع والنظر والتمعن في الكون .
كما أكد لنا التاريخ أن الشائعة وجدت على الأرض مع وجود الإنسان . وتطورت وترعرعت مع تطور الحضارات القديمة والحديثة , واستخدمها المصريون والصينيون واليونان في حروبهم قبل الميلاد بآلاف السنين للتأثير على الروح المعنوية للعدو ، وفي بداية العصر الإسلامي كانت حادثة الإفك التي تولاها المنافقون، وكادت تؤثر تأثيرا كبير على الروح المعنوية لبعض المسلمين حتى أنزل الله قرآنا يبين براءة عائشة رضي الله عنها ، ويكذب من جاء بالافك، يضاف إليها إشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وما كان لها من أثر في صفوف المقاتلين المسلمين .
واليوم تستخدم كل الأساليب الماكرة لتزييف الوعي والتأثير على عقول الناس في زمن العولمة، والتطور التكنولوجي، واقتحام الصورة عالم الناس، بوسائل متطورة تغري متتبعيها، وتبهرهم بسحرها، وقل من يدرك خطورتها، أو يشاهدها بالعين الناقدة المتفحصة والعقل اللبيب المدرك لحقائق الأشياء. فلقد أصبحنا في زمن حرب التلفيزيون، الأداة الرئيسية لإعلانات داخل الدولة، والموجه للسياسات العالمية، والمؤثرة في تفكير الناس، والمهيمنة على مداركهم إلا من رحم منهم، بفطنة وفطرة سليمة، وعقل متفحص مدرك، واع بميكانيزمات اللعبة. ومن هنا تأتي أهمية هذا المبحث في محاولة – قدر المستطاع- لإزالة الغبار عن أثر الإشاعة على الفرد والمجتمع، وإدراك دلالتها وفهم معناها ، وبيان خطورتها ووظائفها، وبعض أساليبها، دون نسيان ذكر بعض طرق العلاج.
والإشاعة من شيع : مقدار من العدد كقولهم , أقمت عنده شهرا أو شيع شهر , وفي حديث عائشة رضي الله عنها " بعد بدر بشهر أو شيعه أي نحو من شهر" . يقال : أقمت به شهرا أو شيع شهرين أي مقدار أو قريبا منه . والشيع : ولد الأسد إذا أدرك أن يفرس .
والشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر .
قال الأزهري : ومعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين ، قال الله عز وجل" الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ".
والشيعة: أتباع الرجل وأنصاره , وجمعها شيع , وأشياع جمع الجمع . ويقال شايعه كما يقال والاه من الولي .
يشوع : يجمع ، ومنه شيعة الرجل ، فإن صح هذا التفسير فعين أشعة واو، وهو مذكور في بابه
الشيوع والشياع : ما أوقدت به النار ، وقيل هو دق الحطب تشيع به النار، كما يقال شباب للنار .
وجلاء للعين . و شيع الرجل بالنار , أحرقه . وقيل : كل ما حرق بالنار قد شيع .
الشياع : صوت قصبة ينفخ فيها الراعي . وشيع الراعي في الشياع : رد فيها صوته.
وقولهم : هذا خبر شائع وقد شاع في الناس , معناه قد اتصل بكل أحد فاستوى علم الناس به ولم يكن علمه عند بعضه دون بعض . والشاعة : الأخبار المنتشرة ( ابن منظور لسان العرب ص ج 8 مطبعة دار الكتب العلمية بيروت).
أما التعريف الا صطلاحي: لقد وردت عدة تعريفات اصطلاحية للإشاعة في عدة مصادر من أهمها :
الإشاعة : الخبر ينتشر غير مثبت منه ، الشائعة الخبر ينتشر ولا تثبيت فيه.
فالإشاعة والشائعة تحمل نفس المعنى ألا وهو نشر المعلومات .
هي عبارة عن رسالة اتصالية غير مؤكدة المصدر ، تنقل من شخص لآخر وجها لوجه في حالة التفاعل الاجتماعي، وتشير إلى شيء أو شخص أو وضع أكثر من كونها فكرة أو نظرية.
تقارير لا أساس لها من الصحة يمكن أن تنتشر عن طريق الكلمة المنطوقة أو المكتوبة
في الصحافة
عبارة عن معلومات تذاع بطرق غير رسمية من مصادر مجهولة .
معلومة لا يمكن التحقق من صحتها ولا من مصدرها وتنشر مشافهة .
تحوير خبر ما عند نقله بالإضافة عليه ما ليس فيه أو حذف ما لا يخدم هدفه .
ليست إلا رواية تحكى من أجل أن يصدقها من يسمعها ، وليس مهما أن تكون صادقة .

وقد اشاع الكفار العديد من الاشاعات حول رب العالمين قال تعالى" "وقالو لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتو برهانكم ان كنتم صادقين ". سورة البقرة الآية 110 وقوله " اتخد الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والارض كل له قانتون". سورة البقرة الآية 115 ،وغيرها من الآيات المتضمنة للشائعات،كما أشاعوا حول كلام الله المنزل قال تعالى " وان منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب وهم يعلمون". سورة أل عمران الآية 77" وقوله سبحانه " وان تتلى عليهم آياتنا قالوا سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين " سورة الأنفال الآية 31.
كما أشاع الكفار حول نبينا محمد عليه السلام وباقي الأنبياء قال تعالى""يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فامنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا إنما الله اله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا" سورة النساء الآية 170
وال عز وجل"وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا" سورة النساء الآية 156."وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يوفكون" سورة التوبة الآية 30
"قالوا إن هذان الساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبان بطريقتكم المثل" سورة طه الآية 62.
أم يقولون افتراه بل هو حق من ربك لتندر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون"سورة السجدة الآية 2.
"بل قالوا اضغات أحلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا بآية كما أرسل الأولون" سورة الأنبياء الآية 19.
"إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمومنين" سورة المومنين الآية 38.
"إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم" سورة النور الآية 11
"قالوا إنما أنت من المسحرين" سورة الشعراء الآية 3.
"وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب" سورة ص الآية 3.
"وان يكاد الذين كفروا ليزلفونك بأبصارهم لما سمحوا الذكر ويقولون انه لمجنون" سورة القلم الآية 51.
تعتبر الشائعات من أخطر أنواع الضغوط الاجتماعية، وأكثرها أثرا في سلوك الإنسان، ذلك أنها دائما مجهولة المصدر، ولذا فهي محاطة بالغموض ومثيرة للاهتمام.
والشائعات قديمة قدم البشرية ذاتها، وما دام هناك بشر فسوف تستمر فعالة خاصة إذا كان هناك غموض يحيط ببعض الظواهر التي يهتم بها البشر.
ومن أسباب انتشار الإشاعات وغاياتها الشعور بالقلق والخوف والكراهة لشخص أو أشخاص معينين لهم نفوذهم أو لأسباب شخصية. ثم يأتي بعد ذلك الفراغ ن والأذن الصاغية بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني والجهل والرغبة في تضخيم الأمور الصغيرة إلى أشياء كبيرة لأسباب نفسية وكذا الاستعداد النفسي والرغبة في إثارة مشاكل اجتماعية تهم أفراد المجتمع بأكمله . ومن يمكن حصرها غايات الشائعات في :
• إشاعة الخوف : إثارة القلق والرعب في نفوس السكان أثناء الكوارث والحروب.
• إشاعة الأمل والتمني : التي يتمنى مروجها أن تكون حقيقة واقعة ويتناول هذا النوع قضايا مختلفة في مقدمتها الحصول على منافع معنوية أو اجتماعية أو اقتصادية .
• إشاعة الحقد : وهي أخطر أنواع الشائعات , لأنها تسعى إلى ضرب الوحدة الوطنية بإثارة البلبلة بين الطوائف الدينية والمذهبية والقومية , وصولا إلى بث روح الفرقة وتحطيم المعنويات
وتكثر الشائعات في غير الظروف العادية كظروف الحرب مثلا ، - كما سبق الإشارة إلى ذلك- بقصد غرس روح النصر في الجيوش الصديقة , أو غرس روح الهزيمة في الأعداء وكذا تساهم في رفع أسعار السلع بالأسواق.
• تزييف الحقائق وتشويه صورة الخصوم: واستخدم هذا الأسلوب من طرف كفار قريش في مواجه الإسلام والمسلمين، وهو ما يعبر عنه بالحرب النفسية. وتعد هذه الحرب من أخطر أنواع الحروب التي واجهها الإسلام، وفضحها القرآن الكريم، لأنها تستهدف الأفكار وتعاليم الدين، لتحول بينها وبين الوصول إلى العقول، والرسوخ في القلوب، وهي تبذر بذور الفرقة ، وتضع العقبات أمام التقدم والتطور، وتطعن من الخلف، وتلجأ إلى التشويش على المعتقدات والأفكار، وخلق الأقاويل والإشاعات، ونشر الإرهاب ( د: إبراهيم علي محمد أحمد في السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية ص 64-65 كتاب الأمة ع 54 س 1417 ه) .
وهذا الأسلوب استخدمته قريش ضد الدعوة في محاولة لوقف المد الإسلام. وعمدت إلى استغلال كل المناسبات للتسويق للإشاعة وبثها في النفوس، واتهمت الرسول عليه السلام بالسحر والجنون، والكذب، والسخرية، والتشكيك في صحة القرآن، ونسبه إلى المصطفى عليه السلام " وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون" (الفرقان الآية 4) ، وقوله سبحانه " إنما يعلمه بشر" (النحل الآية 103)،واعتباره أساطير الأولين، والتحريض على عدم السماع له " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون" (فصلت الآية 26)
وقد فضح الله سبحانه كل الأساليب الماكرة للكفار، وحذر منها، وعد مبتدعي الإشاعة فساقا، وكذابين لا يجوز بحال تصديقهم أو اعتماد أقوالهم قال تعالى " ..إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" سورة الحجرات الاية6 وقال سبحانه " إنما يفتري الكذب الذين لا يومنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون" (سورة النحل الآية 105 ).
وجاء في الحديث النبوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث وان صلى وصام زعم انه مسلم : إذا حدث كدب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان " رياض الصالحين ص606) أما السامع فقد أمره الله تعالى بالتتبث والتأكد مما يسمع وحذره من المسارعة في تصديق كل ما يبلغه
فيقع في ندامة من أمره .
وخطورة الإشاعة تتمثل في احتوائها واشتمالها عل جزء من الحقيقة لان هذا الجزء الحقيقي هو النواة والركيزة الأساسية لانتشارها .كما أن الشائعات تنشا وتنشط اكتر في الأوساط التي تعاني خنقا فكريا ،حيث تقل مصادر الأنباء الحقيقية.وتستخدم الإشاعة :
كوسيلة لتمزيق المعنويات
كحجاب للحقائق
كوسيلة لتشكيك في مصادر الأخبار الحقيقية
كطعم للحصول عل الحقيقة.
و الإشاعة المعاصرة التي تستهدف ضرب الإسلام تهدف فصل الإسلام عن الحياة السياسية , والاجتماعية, والفكرية , باعتبار أن الإسلام دين يخص الأمور الداخلية لنفس الإنسان , ولا دخل له بالأمور الخارجية المحركة للأمور في المجتمع.
ومن الأساليب الجديدة لإطلاق الشائعة محاولة خلق عذر وهمي لكي يسهل إطلاقها في أي وقت , وكذلك لانتشار أنواعها بشكل مهول.
كما أن للشائعات أثار سلبية على الفرد والمجتمع ونقف عند حادثة الإفك نموذجا :
القضية المركزية في قصة حادثة الإفك اتهام الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها. وهي صورة قد تتكرر في كل جيل وتضع النيل من القيادة هدفا رئيسيا لا بد من تحطيمه. وحين تعجز القوة المادية عن النيل من القيادة ،فليس أمام العدو إلا الحرب المعنوية على هذه القيادة وتحطيمها من خلال الحرب النفسية باعتماد أسلوب المكر والخداع، والبهتان، وافتراء الأكاذيب والأراجيف. إنها حرب إشاعة بثها العدو المنبث في الصف ضد القيادة الراشدة.
وقد خاطب النص القرآني حين تحدث عن هذه الحادثة صف المسلمين أكثر من صف المنافقين والذين عملوا على بث التشكيك في عرض خير البرية عليه السلام، وتولى كبر هذه الفرية كبير المنافقين أبي بن سلول . والمتأمل في الحادثة ، والواقف على تفاصيلها يدرك خطورة الإشاعة ودورها في تفكيك صف الأمة الموحد . وقد كانت درسا بليغا لأهل الإيمان .واعتمد أهل النفاق الإشاعة وسيلة للتخريب وتحطيم معنويات المسلمين، وتشكيكهم في دينهم، والمس بأعراض شرفائهم وأتقيائهم ، وقد قال أبو بكر في النازلة قولا بليغا يدل على قوة الواقعة في النفوس ولم يتمالك نفسه " ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر، والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا نعبد الله، فيقال لنا في الإسلام"
إن الحادثة استهدفت :
الطعن في شرف النبي صلى الله عليه وسلم .
إشاعة الفاحشة افتراء وكذبا بين المؤمنين.
خلق الريبة والتوجس، والشك في الصف الإسلامي
إشعال نار الفتنة داخل المجتمع الإسلامي .
توظيف ضعاف النفوس، والمنافقين في معركة استعملت فيها كل أساليب التأثير النفسي- د:نبيل اسماعيل "هدي القران الكريم في مواجهة الفتن والشائعات في ضوء سورة النور" المطبعة الأولى الرياض 1422 ه 2001 م.
لهذه الجوانب المؤثرة في الفرد والمجتمع كان يرمي كبير المنافقين، دافعه الحقد والانتقام، وهو الذي كان يعد نفسه ليكون ملكا على أهل يثرب، قبل مجيء الرسول عليه السلام، فاستنفر لإفكه شياطين الإنس والجن، وأعداء الدين من اليهود الماكرين، والمنافقين المندسين، فآذوا نبي الله المختار. وقد كان بإمكانه عليه السلام ، وهو سيد البشرية، الحاكم، والقائد، وصاحب السلطة، وبإشارة منه أن ينهي حياة الوالغين في عرضه، ومع ذلك لم يملك في هذا الأمر بعد أن استشار كبار أصحابه إلا أن يخطب في المسلمين قائلا على المنبر بعد أن حمد الله وأثنى عليه " أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت منهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل ما علمت عليه إلا خيرا، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي" - منير محمد الغضبان "المنهج الحركي للسيرة النبوية" ص7- 9 ج3 بتصرف مكتبة المنار .
إن كانت الإشاعة قد ركزت على سوء الظن دون بينة. فإن البعد عن مظان التهمة واجب أساسي على الصف المسلم، وعليه أن يعلم-وخاصة القيادة- أنه هدف لأنظار العدو والصديق، فيتجنب ما استطاع البعد عن موطن الريبة. وأن لا يأخذ بالإشاعة، وأن لا يتدخل الهوى لإطلاق في قضية النقل للإشاعة والمساهمة فيها، وأن لا يقابل الافتراء بافتراء آخر، ولا إشاعة بإشاعة أخرى، بل يلزم معاقبة من يثير الإشاعة ويسعى لنشرها.وهذا ما حدث في العهد النبوي حيث عوقب الذين ساروا في الإفك، مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، بحد القذف ثمانين جلدة. المنهج الحركي للسيرة النبوية مرجع السابق ص 8-9 ج3.
يتبين من خلال حادثة الإفك أن للإشاعة آثار سلبية كبيرة ، فهي وسيلة تنشر البلبلة ، وتؤدي إلى زعزعة الصف حين يضعف البناء الداخلي ويستجيب لها ، كما تساهم في إحباط النفوس ، وهدم صروح الحقيقة وتكريس الباطل من الرأي والخبر والفكر , وتزرع اليأس في النفوس وتحاول محو الصورة المثالية من الأذهان وصرف الفكر عن الموالاة للقيم النبيلة .
إن الإشاعة تحاول تغيير الصورة الراسخة الحقيقية بصورة أخرى , وتكون كذلك غاية لمن في نفسه مرض وهوى وتعكر صفو حياة الآخرين .
وإليك بعض طرق ووسائل العلاج من الإشاعة:
قبل التعرض لأساليب الوقاية والعلاج من الشائعات، لا بد من ذكر سياجات تحصر وتقلل مبدئيا من انتشارها الواسع وهو كما يلي :
الوعي النقدي إزاء الأخبار.
التنشئة الشاملة .
 الوعي بتحريم الكذب والغيبة والنميمة
عدم الحديث إلا بعلم " ولا تقف ما ليس لك به علم "( سورة الإسراء الآية 36 )
تحريم إشاعة الأخبار المختلفة "والذين يؤدون المومنون والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا " سورة الأحزاب الآية 58
الصمت حكمة . قال صلى الله عليه وسلم :"من كان يومن بالله واليوم الآخر فليقل أو ليصمت".
إطلاع الناس على المعلومات الصادقة والحث على ذلك.
الاستفادة من الفراغ بشغله بما هو مفيد.
لهذا فأساليب الوقاية من هذه الظاهرة الاجتماعية التي حرمها الإسلام متعددة ،ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي :
o الالتزام بالدين.
o تماسك الجبهة الداخلية (المسلمين).
o عدم نقل الإشاعة وترويجها.
o تزويد الجمهور بالمعلومات الموضوعية والدقيقة والشاملة حول أمور حياتهم حتى لا يضطروا إلى الاستماع أو مشاهدة أو قراءة الأخبار من مصادر مغرضة.
o أن لا يحدث المسلم أحدا بما سمعه ولا ينشره، لأن المسلمين إذا سكتوا ولم يتحدثوا بالأخبار المنقولة وغير المؤكدة المصدر لماتت هذه الشائعات في مهدها.
o أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس.
إنه إذا ما انطلقت الشائعة وجب البحث عن مصدرها ومعرفتها وكشفها للجمهور ودحضها، والعمل على الحد منها للتقليل من آثارها السلبية بالأساليب العلاجية التالية:
مقابلة الذين تأذوا من الإشاعة للوقوف على أسبابها .
كشف مصدر الإشاعة لأنه إذا كشف النقاب عن المصدر تموت الإشاعة.
السرعة في الرد على الإشاعة .
عدم الرد بطريقة مباشرة لأنها قد تولد إشاعات أخرى.
يجب عدم نقل الإشاعة .
يجب تشكيل جهاز إعلامي من علماء الاجتماع والنفس والشريعة والاقتصاد والسياسة لتوعية الجمهور بخطورة الإشاعة وطرق الوقاية منها وطرق العلاج.
إنشاء مراكز للسيطرة على الإشاعة.
يجب أن يتولى الرد على الإشاعة مصدر مسؤول يتسم بالمصداقية لدى الجمهور.
إصدار بيانات صحفية وعقد مؤتمرات لنفي الإشاعة .
وإلى جانب هذه المقترحات حث الإسلام على أمور هامة للعلاج ندرج بعضها كما يلي :
تقديم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم.
طلب الدليل الباطني الوجداني.
تنزيل المسلم أخاه منزلته.
إن الإشاعة ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات قديما وحديثا ، وداء يتهدد الأفراد والجماعات والمؤسسات والمجتمعات والدول ، فالكل عرضة للإصابة بفيروسات هذا المرض الخطير ، لذلك أنشأت المنظمات في جميع بقاع العالم ، أجهزة خاصة للسيطرة عليه وتطويقه والقضاء عليه .
ويعد الإسلام مرجعا أساسيا ورئيسيا للحد من هذه الظاهرة الاجتماعية التي تشعل نار الفتنة بين المسلمين .وقد وضعت الشريعة الإسلامية أحكاما جزائية على من يقول كل شائعة , لأنها تحرص على وقاية المجتمع من كل الأمور الهدامة والمسيئة للإنسان , جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه قال :"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام" ( رواه البخاري ومسلم)
وعن أبي بردة البلوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " ( رواه أبو داود )
وخص الله سبحانه في كتابه العزيز عقوبة لإشاعة القذف على قائلها وذلك لتفاديها ، ما لم تكن معه بنية أو دليل وهي أربعة شهود , وإلا يقام عليه حد ثمانين جلدة . ويتجلى هذا في قوله تبارك وتعالى :"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أولئك هم الفاسقون " (سورة النور الآية 4 )
وفي هذا تأكيد على لزوم جلب الخبر الصحيح ،وتقديم البينة والدليل بخصوصه، لتفادي الشك والريبة في الأمر.
إن التثبت من الخبر أمر ضروري وإلا تم نشر وإشاعة الكذب والبهتان والافتراء، وخلقت وأججت نار الفتنة وشاعت البلبلة والاضطراب , وصار المسلم يظلم أخاه بغير حق .
فلحرص الإسلام على قول الحق والتثبت من الخبر حكمة لا يعرفها إلا الخبير بالنفوس، الخالق لها، العادل في حكمه، والحافظ على تماسك الأمة الإسلامية إن هي تمسكت بشريعته، واقتدت بنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وسارت على نهجه، واتبعت سنته، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم أجمعين.
 
رد: شاعة داء يمزق الصف الإسلامي

الاشاعه داء فتاك ينهش بالمجتمعات منذ القدم ومحاربتها تكون بعدم تصديقها وان لايلقى لها بالا شكرا بصمه
 
رد: شاعة داء يمزق الصف الإسلامي

الاشاعه داء فتاك ينهش بالمجتمعات منذ القدم ومحاربتها تكون بعدم تصديقها وان لايلقى لها بالا شكرا بصمه
بارك الله فيك ونفع بك
 
رد: شاعة داء يمزق الصف الإسلامي

الله يكفينا والمسلمبن شر الأشااعة
وحسبي الله على كل من طلع اشاعة على المسلمين
تسلمين اختي بصمة على المووضووع الرااائعه
كنا بحاجة له لأن هالاياام كثرت الأشاااعااات الله يكفينا شرهاااا
دمتي بوود
 
رد: شاعة داء يمزق الصف الإسلامي

الله يكفينا والمسلمبن شر الأشااعة
وحسبي الله على كل من طلع اشاعة على المسلمين
تسلمين اختي بصمة على المووضووع الرااائعه
كنا بحاجة له لأن هالاياام كثرت الأشاااعااات الله يكفينا شرهاااا
دمتي بوود
بارك الله فيك .
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 3)

عودة
أعلى