سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

شذرات الحروف

عضو جديد
بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة حياة سيدنا الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب السموات العلى.ورب الأرضين وما تحت الثرى.والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.وعلى آله وصحبه ومن بهدية إقتدى.
أما بعد
أيها الأحبة إنّ أمة الإسلام أمّةٌ عظيمة مجيدة ما شهد التاريخُ مثلَها وما عرفَ المخاضُ مولودًا أكرمَ على الله منها
أمّةٌ تغفو ولكنّها لا تنام قد تمرض ولكنّها لا تموت أمّةٌ أنجبت للدّنيا علماء ربانيين فقهاء وعلماء في الطب والفلك والتاريخ
والجغرافيا والأدب وأخرجت للكون أبطالاً شرفاء ولنا اليومَ وقفةٌ مع تاريخِ هذه الأمة لنقلّبْ الصفحات نلتمّسُ العبَر والعِظات
ونسبر تاريخ شذراتها العطرات سنبحر أيها الأحبة مع سيرة أحد أبطالها العظماء ورمز من رموزها النجباء إنها سيرة الفاروق
أبا حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.الذي كناه رسول الله عليه الصلاة والسلام أبا حفص.وحفص تعني شبل الأسد.
وسبب التكنيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في يوم غزوه بدر من لقي منكم العباس فلا يقتله فقام أحد الصحابة و قال أنقتل أبآئنا و أبناءنا
والله لو لقيت العباس عم النبي لقتلته.فنظر أليه الرسول صلى الله عليه و سلم.وقال يا أبا حفص.أترضى أن تضرب عنق عم رسول الله
وهو خرج مكرها.و قيل أنه سمي أبا حفص نسبتا إلى إبنته حفصه أم المؤمنين رضي الله عنها.ولقد سماه النبي عليه الصلاة والسلام
بالفاروق الذي يفرق الله به بين الحق و الباطل.وذالك في يوم أسلامه رضي الله عنه.إن الحديث في سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما سطروه من عظمةٍ في حياتهم.ينبغي لنا أيها الأحبة أن نتذاكرها ونستشف منها الدروس والعبر بين الفينة والفينة ونغرسُها في نفوسنا ونفوس أبنائنا
ونجعلَها مثلاً أعلى يحتذى ويقتدى بها وإننا اليومَ على موعدٍ مع واحد من هؤلاء العظماء ورجلٍ من خِيرة رجالاتها النجباء إذا ذُكر الخوفُ قيل
كان له خطّان أسودان من البكاء وإذا ذُكر الزّهدُ والإيثارُ قيل لم يكن يأكل حتى يشبَع المسلمون وإذا ذُكِرت الشدّةُ في الحق قيل هو الذي كان إبليسُ
يفرقُ من ظلّه والشياطينُ تسلُك فجًّا غيرَ فجِّه.قال عنه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه كان إسلامه فتحًا وهجرته نصرًا وإمارته رحمة ولقد كنا
ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم.تولى أمرَ المسلمين فطوى فراشه وقال إن نمتُ بالنهار ضاعت رعيتي وإن نمتُ بالليل ضاعت نفسي.بذكره يُذكرُ العدلُ
وتطيبُ به المجالس كيف لا وقد تخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.يقول عنه عليٌ بن أبي طالب رضي الله عنه
وهو يُكفن والله ما أريدُ أن ألقى الله بعملِ رجلٍ إلا بعملِ رجلٍ مثلك.إنه شهيد المحراب الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.لكن عن ماذا نتحدث
ومن إين نبتدي بها.أنتحدث عن دينه وعلمه أو عن زهده وورعه وتقواه أو عن حُكمه وسياسته وعدله أو عن شجاعته وقوته وجهاده حقًا إنك لتحتار.
إن سيرة حياته رضي الله عنه كلها تزهو بشمائل مناقبه الجمة وشذراتها العطرة ودروسها العظيمة ونسمات عبرها المستنيرة.التي لا يمكن أن يحصيها صفير الأقلام.
ولا عقول ومفاهيم أولو الألباب ذو العلم والهمم.فكيف بشخصي العليل ذو السقم.قليل الزاد والبضاعة كليل الجسم.كثير الذنوب والمعاصي قصير النظر موهن الهمم.
لكن حسبنا من القلادة ما أحاطت به العنق.أيها الأحبة إن هذه القطوف من شذرات شمائل سيرة حياته رضي الله عنه العطرة.قد جمعتها من مصادر شتى
فليس لي من الأمر شئ.سوى سبر واحتها بين طيات صفحات فرسان مسطريها الميامين.والإقتطاف من ثمراتها اليانعات ودرر حكمها الساميات.ما تأنس به النفس
وتسما به الروح وتعطر به المجالس وتسموا به القيم.روي عن أبي بن كعب أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جاءني جبريل فقلت له أخبرني
عن فضائل عمر وماذا له عند الله قال لي يا محمد لو جلست معك بقدر ما لبث نوح في قومه لم أستطع أن أخبرك بفضائل عمر وما له عند الله عز وجل ثم قال
يا محمد ليبكين الإسلام من بعد موتك على عمر.
حسب القوافي و حسبي حين ألقيها
أني إلى ساحة الفاروق أهديها
لاهم هب لي بيانا أستعين به
على قضاء حقوق نام قاضـيها
قد نازعتني نفسي أن أوفيها
و ليس في طوق مثلي أن يوفيها
فمر سري المعاني أن يواتيني
فيها فإني ضعيف الحال واهيها
إن الفاروق رضي الله عنه يعتبر من عظماء قريش وسيد من ساداتها وشريف من شرفائها .فنسبه هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن
عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب القرشي .ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة
ونشأ في مكة المكرمة عاصمة العرب الدينية من بيت عرف بالقوة والشدة فقد كان جد عمر نفيل بن عبد العزى ممن تتحاكم إليه قريش في الجاهلية.
وأما والدته فهي حنتمه بنت هاشم بن المغيرة وقيل بنت هاشم أخت أبي جهل والذي عليه أكثر المؤرخين هو أنها بنت هاشم ابنة عم أبي جهل
بن هشام.كما كانت إليه السفارة في الجاهلية إذا وقعت بين قريش وبين غيرها حرب بعثته سفيرا يتكلم باسمها وإن نافرهم منافر أو فاخرهم
مفاخر بعثوا به منافراً عنهم ومفاخراً بهم .أما صفته الخَلْقية فكان رضي الله عنه أبيض أمهق تعلوه حمره حسن الخدين والأنف والعينين
غليظ القدمين والكفين مجدول اللحم وكان طويلاً جسيماً أصلع قد فرع الناس كأنه راكب على دابة وكان قوياً شديداً لا واهناً ولا ضعيفاً
وكان يخضب بالحناء وكان طويل السَّبلة جهوري الصوت .قالت فيه الشفاء بنت عبد الله كان عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع
وإذا ضرب أوجع وهو الناسك حقا.وأما زوجاته وأبناؤه وبناته رضي الله عنه فقد تزوج في الجاهلية زينب بنت مظعون أخت عثمان
بن مظعون فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة وتزوج مليكة بنت جرول فولدت له عبيد الله فطلقها في الهدنة فخلف عليها
أبو الجهم بن حذيفة وتزوج قُرَيْبة بنت أبي أمية المخزومي ففارقها في الهدنة فتزوجها بعده عبد الرحمن بن أبي بكر وتزوج أم حكيم
بنت الحارث بن هشام بعد زوجها عكرمة بن أبي جهل حين قتل في الشام فولدت له فاطمة ثم طلقها وقيل لم يطلقها وتزوج جميلة بنت عاصم
بن ثابت بن أبي الأقلح من الأوس وتزوج عاتكه بنت زيد بن عمرو بن نُفيل وكانت قبله عند عبد الله بن أبي بكر ولما قتل عمر رضي الله عنه
تزوجها بعده الزبير بن العوام رضي الله عنه ويقال هي أم ابنه عياض وكان قد خطب أم كلثوم إبنة أبي بكر الصديق وهي صغيرة وراسل فيها
عائشة رضي الله عنها فقالت أمُّ كلثوم لا حاجة لي فيه فقالت عائشة رضي الله عنها أترغبين عن أمير المؤمنين قالت نعم إنه خشن العيش
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فصدّه عنها ودلّه على أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه من فاطمة بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخت الحسن والحسين رضي الله عنهما سيدا شباب أهل الجنة وقد تعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فخطبها من علي فزوجه أياها فأصدقها عمر رضي الله عنه أربعين ألفاً فولدت له زيداً ورقية وعندما أخذ بعض الناس يهمهم بأن أمير المؤمنين
تزوج بصغيره خرج على الناس في المسجد وقال تقولوا تزوج صغيره ألأيس كذلك والله ما تزوجها ألا لحديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم .
يقول .كل سبب و كل نسب و صهر يوضع يوم القيامة إلآ سببي و نسبى و صهري.وأنا لي مع رسول الله إثنين من هما لي معه السبب
أنى صاحبته و لي معه النسب أن أبنتي حفصة زوجته فأردت أن أجمع لهما الصهر ليرفع يوم القيامة سببي و نسبى و صهري.
وتزوج لُهْيَه امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر وقيل الأوسط وقال الواقدي هي أم ولد وليست بزوجة قالوا وكانت عنده فكيهه أم ولد
فولدت له زينب قال الواقدي وهي أصغر ولده فجملة أولاده رضي الله عنه ثلاثة عشر ولداً وهم زيد الأكبر وزيد الأصغر وعاصم وعبد الله
وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأوسط وعبد الرحمن الأصغر وعبيد الله وعياض وحفصة ورقية وزينب وفاطمة رضي الله عنهم
ومجموع نسائه اللاتي تزوجهن في الجاهلية والإسلام ممن طلقهن أو مات عنهن سبع وكان رضي الله عنه يتزوج من أجل الإنجاب والإكثار
من الذرية فقد قال رضي الله عنه ما آتي النساء للشهوة ولولا الولد ما باليت ألا أرى امرأة بعيني وقال رضي الله عنه إني لأكره نفسي على
الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبحه وتذكره.كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من شجعان العرب و كان قبل إسلامه من أشد قريش
عداوة لدين الله و من أشدهم عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم و لم يرق قلبه للإسلام أبداً.حتى أن الصحابة في تلك الفترة يأسوا من إسلام
عمر رضي الله عنه ففي ذات يوم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي في الطريق فرأى امرأة من المسلمين تستعد للهجرة إلى الحبشة
وذالك بعدما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالهجرة إليها.قالت أم عبد الله بنت حنتمه لما كنا نرتحل مهاجرين إلى الحبشة أقبل عمر
حتى وقف علي وكنا نلقى منه البلاء والأذى والغلظة علينا فقال لي إنه الانطلاق يا أم عبد الله قلت نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا
وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجاْ.فقال عمر صحبكم الله ورأيت منه رقه لم أراها قط فلما جاء عامر بن ربيعة زوجها وكان قد ذهب إلى بعض
حاجاته وذكرت له ذلك فقال كأنك قد طمعت في إسلام عمر.قلت له نعم.قال والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب.أي لن يسلم عمر إلا
بعد إن يسلم حمار جده هكذا كانت النظرة لعمر رضي الله عنه قبل إسلامه.أشتد غيظ قريش من محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه واشتد غضب
عمر بن الخطاب فقرر قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمل سيفه و ذهب يسأل عن مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم و في الطريق
لقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي.وقيل رجل من بني زهرة.وقيل رجل من بني مخزوم.من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان خافياً لإسلامه فقال له الصحابي إلى أين يا عمر.قال عمر رضي الله عنه ذاهب لأقتل محمداً.فقال له الصحابي وهل تتركك بني عبد المطلب.
فقال عمر رضي الله عنه للصحابي الجليل أراك اتبعت محمداً.قال الصحابي لا و لكن أعلم يا عمر قبل أن تذهب إلى محمد لتقتله فأبدأ بآل بيتك أولاً.
فقال عمر رضي الله عنه من.قال له الصحابي أختك فاطمة وزوجها أتبعوا محمداً.فقال عمر رضي الله عنه أو قد فعلت.فقال الصحابي نعم.
فأنطلق عمر رضي الله عنه مسرعاً غاضباً إلى دار سعيد بن زيد رضي الله عنه زوج أخته فاطمة.فطرق الباب
وسمع هينمه قبل أن يدخل إلى الدار وكان خباب بن الأرت رضي الله عنه يعلم السيدة فاطمة وسعيد بن زيد القرآن.فعندما طرق عمر رضي الله عنه
الباب فتح سعيد بن زيد الباب وأخفت فاطمة الصحيفة خلفها.فقال عمر ماهذه الهينمة التي سمعتها.قالت له أخته لم تسمع شيئاً.قال بلى سمعت
وما هذه الصحيفة التي في يدك فأمسك عمر رضي الله عنه بسعيد.وقال له أراك صبأت.فقال سعيد رضي الله عنه يا عمر أرأيت إن كان الحق
في غير دينك.فضربه عمر رضي الله عنه.وعندما رأت فاطمة انهماك عمر في ضرب زوجها أسرعت إليه لتبعده عنه فأمسك بأخته.وقال لها
أراك صبأتي.فقالت يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك.فضربها ضربة شقت وجهها وسالت على أثرها منه الدماء فلما رأى عمر ما
وقع لأخته أمامه من سيلان الدماء على وجهها تأثر ورق قلبه.وقال لها أعطيني هذه الصحيفة التي بيدك.فقالت لا أعطيك أنت رجلٌ نجس
وهذا كتاب الله لا يمسه إلا المطهرون فاذهب واغتسل وسأعطيك إياها.ذهب واغتسل ثم جاء وأخذ الصحيفة فقرأها.فإذا فيها من كتاب الله
سورة طه وهو قوله عز وجل{طه.مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى.إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى.تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى.
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}.فَسَرَتْ في قلبه وحركت وجدانه
ورقت مشاعره.فقال عمر رضي الله عنه ما أحسن هذا فما هذا بكلام بشر.فتحول من حال إلى حال.
رأيت في الدين آراء موفقـة
فأنـزل الله قرآنـا يزكيـها
و كنت أول من قرت بصحبته
عين الحنيفة و اجتازت أمانيها
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها
بنعمة الله حصنا من أعاديها
خرجت تبغي أذاها في محمدها
و للحنيـفة جبـار يواليـها
فلم تكد تسمع الايات بالغة
حتى انكفأت تناوي من يناويـها
سمعت سورة طه من مرتلها
فزلزلت نية قد كنت تنويـها
و قلت فيها مقالا لا يطاوله
قول المحب الذي قد بات يطريها
و يوم أسلمت عز الحق و ارتفعت
عن كاهل الدين أثقالا يعانيها
و صاح فيها بلال صيحة خشعت
لها القلوب ولبت أمر باريها
فأنت في زمن المختار منجدها
و أنت في زمن الصديق منجيها
كم استراك رسـول الله مغتبطا
بحكمـة لـك عند الرأي يلفيـها
لما نظر الصحابي خباب بن الأرت رضي الله عنه وهو في المخبأ داخل البيت الذي كان يعلم أخته وزوجها القرآن إلى هذا الإقبال من عمر خرج
من مخبئه.وقال يا عمر إلحق لعل دعوة رسول الله تصيبك والله لقد سمعته.يقول اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين إلحق وأدركها.
أي عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام أبو جهل.فقال رضي الله عنه أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله.وقال رضي الله عنه دلوني
على محمد فقام له خباب بن الأرت و قال أنا أدلك عليه.فأخذ عمر سيفه فتوشحة ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
الذين كانوا في دار الارقم أبن أبى الأرقم التي كانت عند الصفا.فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من الصحابة فنظر من خلال الباب
فرآه متوشحاً بالسيف.فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع.فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف .فقال
حمزة بن عبد المطلب فائذن له إن كان جاء يريد خيرا بذلناه وإن جاء يريد شرا قتلناه بسيفه.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن له.
فأُذن له.فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتذبه من قميصه وقال.أما آن الأوان يا ابن الخطّاب ‏أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله
بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة‏.اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب‏.فقال عمر‏.أشهد أن لا إله إلا الله
وأنك رسول الله‏.‏فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عُرف منها أهل البيت من أصحاب الرسول أن عمر قد أسلم .وكبر الصحابة
مع رسول الله تكبيراً عظيماً سمعه أهل المسجد‏.‏فكان إسلام عمر رضي الله عنه نصر للمسلمين وعزة للإسلام.وخلال هذا الجو الملبد بغيوم
الظلم والعدوان أضاء برق آخر أشد بريقًا وإضاءة من الأول ألا وهو إسلام عمر بن الخطاب أسلم في ذي الحجـة سـنة سـت مـن النبـوة‏.‏بعد ثلاثة
أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه فلم يسبقه إلى الإسلام سوى تسع وثلاثين صحابي وهو المتمم الأربعون منذ ظهور الإسلام.ومن هنا بادر عمر
بن الخطاب رضي الله عنه بشجاعته وقام.وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ألسنا على الحق.قال الرسول صلى الله عليه وسلم
نعم.قال عمر رضي الله عنه أليسوا على الباطل.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم.فقال عمر بن الخطاب ففيما الإختفاء.قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فما ترى يا عمر.قال عمر رضي الله عنه نخرج فنطوف بالكعبة.فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم يا عمر.
فخرج المسلمون لأول مرة يكبروا و يهللوا في صفين صف على رأسه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب
رضي الله عنه وبينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوفون بالبيت وهم يرددون الله أكبر ولله الحمد حتى طافوا بالكعبة.فنظرت قريش لعمر
وحمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط فخافت قريش ودخلت بيوتها خوفاً من إسلام عمر رضي الله عنه وخوفا من الرسول صلى الله عليه وسلم
وصحابته رضي الله عنهم.فلم يستثقل المشركون إسلام أحد ولم يحسبوا له حساباً مثل ما فعلوا عند إسلام عمر رضي الله عنه.
فلما رجع عمر رضي الله عنه إلى بيته جمع أولاده و قال أعلموا أشهد أن لا أله إلا الله و أن محمد رسول الله واني أمركم أن تؤمنوا بالله وحده و هو هكذا
قام له أبنه الأكبر عبد الله بن عمر وقال له يا أبتي أنا مسلم منذ عمر فأحمر وجهه غضبا و قال و تترك أباك يدخل جهنم و الله لأوجعنك ضربا و هكذا عاش
عمر و عاش مع أبنه و كلما تذكرها نغزه عمر نغزه عليها.روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال‏.لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله
صلى الله عليه وسلم عداوة.قال‏.قلت‏.أبو جهل.فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إلىّ.وقال‏.أهلًا وسهلًا ما جاء بك‏‏.قال‏.جئت لأخبرك
إني قد آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به‏.قال‏.فضرب الباب في وجهي.وقال‏.قبحك الله وقبح ما جئت به‏.‏وذكر ابن الجوزي
أن عمر رضي الله عنه.قال‏.كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال فيضربونه ويضربهم فجئت أي حين أسلمت إلى خالي وهو العاصى بن هاشم
فأعلمته فدخل البيت.وفي رواية لابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر.قال‏.لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تعلم قريش بإسلامه.فقال‏.أي
أهل مكة أنشأ للحديث‏‏.فقالوا‏.جميل بن معمر الجمحى.‏فخرج إليه وأنا معه أعقل ما أرى وأسمع فأتاه.فقال‏.ياجميل إني قد أسلمت.قال‏.فو الله
ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد فنادى ‏‏بأعلى صوته‏‏.أن‏ يا قريش إن ابن الخطاب قد صبأ‏.‏فقال عمر وهو خلفه كذب ولكنى قد أسلمت ‏
وآمنت بالله وصدقت رسوله‏.فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم وطَلَح.أي أعيا.عمر فقعد وقاموا على رأسه
وهو.يقول‏.افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا‏.‏فبينا هم كذلك قيام إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص
موشى.فقال.ما لكم.فقالوا.إن ابن الخطاب قد صبأ.قال.فمه امرؤ اختار دينًا لنفسه أتظنون أن بني عدي تسلم إليكم صاحبهم.قال.فكأنما كانوا ثوبًا
انكمش عنه.فقلت له بعدُ بالمدينة يا أبت من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ.قال.يا بني ذاك العاص بن وائل.وكان عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه.
يقول‏.ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر‏.‏وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه.قال‏.لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية
وجلسنا حول البيت حلقًا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به‏.‏وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.قال‏.ما زلنا أعزة
منذ أسلم عمر‏.‏فبعد إسلامه رضي الله عنه أنتشر الإسلام علناً.وقبل إسلامه رضي الله عنه‏ ذكر‏ أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته فجاء إلى الحرم
ودخل في ستر الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وقد استفتح سورة ‏‏الْحَاقَّةُ‏ فجعل عمر يستمع إلى القرآن ويعجب من تأليفه.قال‏.فقلت.
أي في نفسي‏.هذا والله شاعر كما قالت قريش.قال‏.فقرأ.{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ‏}‏‏الحاقة40_41‏ قال‏.قلت‏.كاهن‏.
قال‏‏‏{‏ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏إلى آخر سورة ‏‏الحاقة‏ 42_43‏‏.‏قال‏.فوقع الإسلام في قلبي‏.‏كان هذا أول وقوع نواة الإسلام
في قلبه رضي الله عنه لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية وعصبية التقليد والتعاظم بدين الآباء هي غالبـة على الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه فبقى مجدًا
في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة‏ حتى فتح الله قلبه للإسلام وهداه للإيمان.وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين
وشعورا لهم بالذلة والهوان.وكسا المسلمين عزة ومهابة وسرورًا‏.‏ثم هاجر جميع المسلمون خفياً.إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هاجر جهراً
أمام قريش فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهما واختصرعنزته ومضى قِبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها.فطاف بالبيت
أمامهم سبعا وأتى المقام فصلى ركعتين ثم وقف وقال شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس من أراد أن يثكل أمه أو يوتم ولده أو يرمل زوجته
فليلقني وراء هذا الوادي.يقصد طريق المدينة.فجلست قريش خوفاًً من عمر رضي الله عنه.
في الجاهلية و الإسلام هيبته
تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
في طي شدته أسرار مرحمة
تثني الخطوب فلا تعدو عواديها
و بين جنبيه في أوفى صرامته
فـؤاد والـدة تـرعى ذراريـها
أغنت عن الصارم المصقول درته
فكم أخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصى موسى لصاحبها
لا ينزل البطل مجتازا بواديها
وعند قدوم عمر رضي الله عنه إلى المدينة المنوره آخى النبي صلى الله عليه وسلم.بينه وبين عتبان بن مالك وقيل معاذ بن عفراء.شهد المعارك كلها مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بما يدل على عظيم منزلته.بقوله.إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه.وفرق الله به بين الحق والباطل.
وقال عليه الصلاة والسلام.الحق بعدي مع عمـر حيث كان.و‏عن ‏أبي هريرة ‏‏رضي الله عنه‏‏.قال.‏قال.رسـول اللـه ‏‏صلى اللـه عليه وسلم .لقد كان فيما قبلكم من الأمم ‏‏
محدثون ‏فإن يك في أمتي أحد فإنه ‏‏عمر.و‏زاد ‏‏زكرياء بن أبي زائدة ‏‏عن ‏‏سعد ‏‏عن ‏‏أبي سلمة ‏‏عن ‏أبي هريرة ‏‏.قال.قال.النبي ‏صلى الله عليه وسلم.لقد كان فيمن
كان قبلكم من ‏بني إسرائيل‏ رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد ‏‏فعمر.‏‏قال ‏‏ابن عباس ‏‏رضي الله عنهما ‏‏من نبي ولا محدث.
وقد وضع الله الحق على لسانه إذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه.يقول.علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.ما نزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر.فقد جاء القرآن الكريم موافقًا لرأيه
في مسائل عديدة قبل أن ينزل فيها الوحي.من أبرزها.قوله.للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى.فنزلت
الآية(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)البقرة 125.وقوله يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن.فنزلت آية
الحجاب.(وإذا سألتموهن متاعًا فسألوهن من وراء حجاب)الأحزاب53.وقوله لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وقد اجتمعن عليه
في الغيرة.(عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن)التحريم 5 فنزلت الآية الكريمة.وكان من رأيه تحريم الخمر فنزل تحريمها
بقوله تعالى.(اأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آية 90 المائدة.وكان من رأيه عدم
قبول الفداء من أسرى بدر فنزل القرآن مؤيدا رأيه.وعندما وقف النبي عليه الصلاة والسلام خطيبا يحث الصحابة رضوان الله عليهم والمسلمين على الإنفاق والصدقة
في تجهيز جيش المسلمين لغزوة تبوك غزوة العسرة وكان من بين هؤلاء الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي انشرح صدره وتهلل وجهه لأنه وافق
مالا عنده.فقال.عمر رضي الله عنه.اليوم أسبق أبا بكر رضي الله عنه .فقام مسرعا يسبق الريح ثم عاد وقد تعلقت بيده صرة كبيرة من المال وضعها
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.نظر النبي إلى هذه الصرة الكبيرة ثم استقبله بنظره قائلا.ماأبقيت لأهلك.قال عمر رضي الله عنه.أبقيت لهم مثله.
ثم انصرف عمر رضي الله عنه إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم.وما هي إلا هنيهه إلا دخل أبو بكر رضي الله عنه المسجد حاملا صرة أكبر وأعظم من التي
جاء بها عمر رضي الله عنه فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.قائلا.ماأبقيت لأهلك.أجابه بكلمات خاشعة.
أبقيت لهم الله ورسوله.حرك عمر رضي الله عنه رأسه إعجابا بالصديق.قائلا.لاأسبقك إلى شئ أبدا يا أبا بكر .أما شمائله ومواقفـــه رضي الله عنه في
غزواة رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهي كثيرة وجليلة وحسبنا أن نذكر من شمائلها ومواقفها ما يقتضيه سياق الحديث.ففي غزوه بدر كان عمر رضي الله عنه مع جيش
المسلمين فوجد خاله العاصى بن هشام في جيش قريش فقتله.و بعد انتهاء المعركة بنصر المسلمين .كان سهيل ابن عمر لا يزال على كفره وقد وقع في الأسر
فوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه.و قال.يا رسول الله دعني أنزع أسنان سهيل بن عمر حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم.فقال.النبي صلى الله عليه وسلم.
لا.يا عمر لا أمثل بأحد فيمثل الله بي ولو كنت نبيا و ما يدريك يا عمر لعل سهيل يقف في يوم من الأيام موقفا تفرح به.و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقف سهيل خطيب.و قال يا معشر قريش كنتم آخر من أسلم فلا تكونوا أول من أرتد و ثبت أهل قريش كلهم.فبكى عمر
رضي الله عنه.وقال.صدقت يا رسول الله.أما موقفه في غزوه أحد بعد ما تكامل تهيؤ المشركين للانصراف أشرف أبو سفيان على الجبل فنادى أفيكم محمد
فلم يجيبوه فقال أفيكم ابن أبي قحافة فلم يجيبوه فقال أفيكم عمر بن الخطاب فلم يجيبوه.فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم.فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه.
فقال يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله ما يسوءك.ثم قال أبو سفيان اعل هبل فقال رسول الله.ألا تجيبوه.فقالوا.ما نقول قال.قولوا.الله أعلى وأجل.
ثم قال لنا العزى ولا عزى لكم فقال عليه الصلاة والسلام.ألا تجيبونه.قالوا.ما نقول.قال.قولوا.الله مولانا ولا مولى لكم.ثم قال أبو سفيان أنعمت فِعال يوم بيوم بدر
والحرب سجال.فأجاب عمر رضي الله عنه وقال لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.أما موقف عمر رضي الله عنه في صلح الحديبية الذي حدث تحت شجرة
بيعة الرضوان بعد أن قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشروط قريش في صلح الحديبية التي لم يدرك رضي الله عنه الحكمة في تلك الحظة من قبول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لها.اجتهادا منه رضي الله عنه ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم وذالك بمراجعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم له بها.فلقد روى
أهل السير أنه رضي الله عنه بعد قبول رسول الله بشروط صلح الحديبية.ذهب إلى أبي بكر.فقال.يا أبا بكر أليس برسول الله.قال.بلى.فقال.أو لسنا بالمسلمين.
قال.بلى.قال .أو ليسوا بالمشركين.قال.بلى.قال عمر.فعلام نعطي الدنيه في ديننا.قال أبو بكر.يا عمر الزم غرزه أي الزم أمره فإني اشهد أنه رسول الله.
قال عمر.و آنا اشهد انه رسول الله.ثم أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم.فقال.يا رسول الله الست برسول الله.قال.بلى.قال.أو لسنا بالمسلمين.قال.بلى.
قال.أو ليسوا بالمشركين.قال.بلى.قال.فعلام نعطي الدنية في ديننا.قال.أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني.فقال.عمر رضي الله عنه فما زلت
أعمل لذالك أعمالا.يعني لمراجعته رسول الله صلى الله عليه وسلم بشروط صلح الحديبية.وهذا من شفافيته رضي الله عنه فإنه لم يشك في نبوة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قيد أنمله وحشاه من ذالك بل اجتهادا منه رضي الله عنه لحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولحبه للإسلام ودفاعا عنهما في كل المواقف.
كيف لا وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا ‏فجا ‏قط إلا سلك ‏‏فجا ‏غير‏فجك .وقوله عليه الصلاة والسلام.
الحق من بعدي مع عمر حيث كان.فهو رضي الله عنه حميم الولاء لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولدينه وللمسلمين.شديد البراء من الكفر والمشركين.
نقي العقيدة راسخ الإيمان لا تأخذه في الله لومة لائم.فقد روي أنه رضي الله عنه في خلافته قطع شجرة بيعة الرضوان صيانا للعقيدة والتوحيد الخالص من شوائب
الشرك والضلال.بعد أن نمى إلى علمه أن بعض الناس يذهبوا إليها ليتبركوا بها.
و سرحة في سماء السرح قد رفعت
ببيعة المصطفى من رأسها تيها
أزلتها حين غالوا في الطواف بها
و كان تطوافهـم للدين تشويـها
قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.كان رسول الله جالساً فسمعنا لغطا وصوت صبيان فقام رسول الله فإذا حبشية
تزمن أي تغني وتضرب بالدف والصبيان حولها.فقال.تعالي فانظري فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله تستتر به وهي تنظر
للمغنية فجعلت أنظر إليها.فقال.أما شبعت.فجعلت أقول لا لأنظر مكانتي عنده إذ طلع عمر فانفضّ الناس عنها أي تفرقوا
خوفا من عمر.فقال.رسول الله إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر.قالت.فرجعت.وفي ذات يوم
‏استأذن ‏‏عمر بن الخطاب ‏‏على رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم وعنده ‏‏نسوة ‏من ‏ قريش ‏يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته .
فلما استأذن ‏‏عمر بن الخطاب ‏قمن فبادرن الحجاب.فأذن له رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏.فدخل ‏‏عمر ‏‏ورسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم
‏‏يضحك.فقال ‏‏عمر أضحك الله سنك يا رسول الله.فقال النبي ‏صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي.فلما سمعن صوتك
ابتدرن الحجاب.فقال ‏‏عمر رضي الله عنه ‏فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله.ثم قال عمر ‏يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله
‏‏صلى الله عليه وسلم.فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.‏فقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم يا ‏ابن الخطاب.
والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا ‏فجا ‏قط إلا سلك ‏‏فجا ‏غير‏فجك.خرج النبي صلى الله عليه وسلم فى بعض مغازيه فلما عاد منتصرا
ظافرا جاءت جارية سوداء.فقالت.يارسول الله إنى كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى.فقال.الرسول
صلى الله عليه وسلم.إن كنت نذرت فأضربي وإلا فلا.فأمسكت الجارية بالدف وأخذت تضرب فدخل أبو بكر رضي الله عنه وهى تضرب
ثم دخل على رضي الله عنه وهى تضرب ثم دخل عثمان رضي الله عنه وهى تضرب ثم دخل عمر رضي الله عنه فألقت الدف على الأرض
ثم قعدت عليه خوفا ورهبة منه .فقال النبي صلى الله عليه وسلم.إن الشيطان ليخاف منك يا عمر .
أخاف حتى الذراري في ملاعبها
و راع حتى الغواني في ملاهيها
اريت تلك التي لله قد نذرت
انشــودة لرسـول الله تهديـها
قالت نذرت لئن عاد النبي لنا
من غزوة العلى دفي أغنيــها
و يممت حضرة الهادي و قد ملأت
أنور طلعته أرجاء ناديها
و استأذنت و مشت بالدف واندفعت
تشجي بألحانها ما شاء مشجيها
و المصطفى و أبو بكر بجانبه
لا ينكران عليها من أغانيـها
حتى إذا لاح من بعد لها عمر
خارت قواها و كاد الخوف يرديها
و خبأت دفها في ثوبها فرقا
منه وودت لو أن الأرض تطويها
قد كان حلم رسول الله يؤنسها
فجاء بطش أبي حفص يخشيها
فقال مهبط وحي الله مبتسما
و في ابتسامته معنى يواسيها
قد فر شيطانها لما رأى عمر
إن الشياطين تخشى بأس مخزيها
فما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر رضي الله عنه ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي.فقلت ما هذا يا جبريل.قال هذا بلال ورأيت قصرا أبيض بفنائه
جارية فقلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيْرتك.فقال عمر.بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ثم أعطيت فضْلي
عمر بن الخطاب.قالوا فما أوّلته يا رسول الله.قال العلم.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ
وعليهم قمصٌ منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه.قالوا فما أوَّلته يا رسول الله.
قال الدين.عن أنس قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه.
فلما مات وضعت عائشة رضي الله عنها رأسه على وسادة وسجّته ببردة وخرجت من حجرتها إلى المسجد حيث الصحابة.وقالت.مات رسول الله
مات رسول الله مات رسول الله.فأنفجر المسجد بالبكاء.فاستأذن عمر رضي الله عنه والمغيرة بن شعبه.فأذنت لهما وضربت الحجاب.فنظر عمر
إلى رسول الله.فقال.واغشياه ما أشد غشي رسول الله.ثم قاما فلما دنوا من الباب.قال المغيرة.يا عمر مات رسول الله.فقال عمر.كذبت بل أنت
رجل تحوسك فتنة.إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين.فخرجا على الناس وقام عمر يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع.
ويقول.والله ما مات رسول الله وليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.فلما اختلفوا في موته ذهب سالم بن عبيد إلى الصديق رضي الله عنه
وكان غائباً في ضاحية من ضواحي المدينة في مزرعته ما يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى في ذلك اليوم.بأبي هو وأمي.
فسمع الخبر فأتى على فرسه وقد ثبته الله يوم أن يثبت أهل طاعته وقد سدده الله يوم أن يسدد أهل التوحيد.فأتى بسكينة ووقار كان رجل المواقف
ورجل الساعة وكان اختياره صلى الله عليه وسلم موفقاً في إمامة أبي بكر فأتى وإذا الناس لا يزدادون من البكاء إلا بكاء ولا من العويل إلا عويلاً
ولا من النحيب إلا نحيباً.فقال.ماذا حدث.قالوا.توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات رسول الله.أتدرون ماذا قال.قال.الله المستعان
الله المستعان نلقى بها الله والله المستعان نعيش بها لله والله المستعان نتقبل بها أقدار الله.ثم قال.إنا لله وإنا إليه راجعون.إنها كلمة الصابرين
حين يصابون بصدمات في الحياة.إنها كلمة الأخيار حينما تحل بهم الكوارث من أقدار الله وقضاء الله.ثم دخل وشق الصفوف في هدوء على فرس له
وبيده عصى ويشق الصفوف حتى وصل إلى البيت ففتح الباب ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكشف الغطاء عن وجهه الشريف ثم قبله وبكى ودمعت
عيناه الشريفتان على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم.ثم قال.بأبي أنت وأمي يا رسول الله.ما أطيبك حياً وما أطيبك ميتاً أما الموته التي كتبت عليك
فقد ذقتها ولكن والله لا تموت بعدها أبداً والله لا تموت بعدها أبداً والله لا تموت بعدها أبدا.ثم خرج رضي الله عنه وأرضاه إلى الناس وعصاه بيده
وهم ينظرون إلى القائد الجديد الملهم إلى هذا الإمام الموفق إلى هذا الخليفة الراشد وهو يتخطى الصفوف حتى صعد المنبر وعمر يكلم الناس.فقال.اجلس
يا عمر فأبى عمر أن يجلس.فقال.اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فلما تكلم أبو بكر جلس عمر.فستفتح خطابه بحمد الله والثناء على الله فالمنة لله
والحمد لله والأمر لله من قبل ومن بعد.ثم قال.يا أيها الناس.من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا
قوله تعالى.{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144.فكأن الناس سمعوها لأول مرة وكأنها ما مرت على أذهانهم ثم عاد رضي الله عنه وأرضاه.فنشج الناس
يبكون.وقال عمر.والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق فعقرت حتى ما تقلّني رجلاي وهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها
أن رسول الله قد مات.ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جزع عمر رضي الله عنه لذلك جزعا شديداً.فبقراءة سيرة الفاروق رضي الله عنه
يظهر لنا حبه الشديد وعاطفته الفياضة للرسول صلى الله عليه وسلم فحين يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم.يقول.لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكَونُ أَحَبَّ إِلَيْهِ
مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ.فَيَقُولُ عُمَرُ.يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِي وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ إَلَّا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي.
فقال الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.لَا يَا عُمَر.فرجع الفاروق إلى نفسه وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال.وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ مَالِي
وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي.فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.الْآنَ يَا عُمَرُ .أي الآن اكتمل إيمانك يا عمر أعلن عمر رضي الله عنه
صراحةً في بادئ الأمر أن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أي شيء إلا نفسه وهذه الصراحة دليل على قوته النفسية ووضوح شفافية صدقه لأمين.
كان في صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم مثال المؤمن الواثق بربه المطيع والمخلص لنبيه كان إذا رأى أحداً أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقول
أو فعل.قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم.دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.وعقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار
إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة.قال ابن إسحاق ‏‏ ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة
في سقيفة بني ساعدة واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها وانحاز بقية المهاجرين
إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل فأتي آت إلى أبي بكر وعمر.فقال.‏إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة
بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره قد
أغلق دونه الباب أهله قال عمر ‏ فقلت ‏‏ لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه.فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب
وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر.يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر
ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا
ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب داراً وأعربهم أحساباً فبايعوا عمر أو أبا عبيدة.فقال عمر بل نبايعك أنت وأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى
رسول الله فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فرضي الله عن عمر وأرضاه فإنه عندما ارتفعت الأصوات في السقيفة وكثر اللغط وخشي عمر الاختلاف
ومن أخطر الأمور التي خشيها عمر أن يُبْدأ بالبيعة لأحد الأنصار فتحدث الفتنة العظيمة لأنه ليس من اليسير أن يبايع أحد بعد البدء بالبيعة لأحد الأنصار
فأسرع عمر رضي الله عنه إخماداً للفتنة وقال للأنصار يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم الناس.
فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ثم بادر رضي الله عنه وقال لأبي بكر ابسط يدك فبسط يده فبايعه وبايعه
المهاجرون ثم الأنصار.وعندما كان يوم الثلاثاء جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس
إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهداً عهده إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني قد كنت أرى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سيُدبّر أمرنا.يقول.يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم فإن اعتصمتم به
هداكم الله لما كان هداه له وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوا فبايع الناس
أبا بكر بيعته العامة بعد بيعة السقيفة فكان عمر رضي الله عنه يذود ويقوي ويشجع الناس على بيعة أبي بكر حتى جمعهم الله عليه وأنقذهم الله من الاختلاف
والفرقة والفتنة فهذا الموقف الذي وقفه عمر مع الناس من أجل جمعهم على إمامة أبي بكر موقف عظيم من أعظم مواقف الحكمة التي ينبغي أن تسجل بماء الذهب.
لقد خشي رضي الله عنه أن يتفرق أمر المسلمين وتشب نار الفتن فأخمدها بالمبادرة إلى مبايعة أبي بكر رضي الله عنه وتشجيع الناس على المبايعة العامة
فكان عمله هذا سبباً لنجاة المسلمين من أكبر كارثة كانت تحل بهم لولا يمن نقيبته وصحة نظره بعد معونة الله تعالى.قال ابن إسحاق ‏ عن عبد الله بن عباس
قال ‏‏أخبرني عبد الرحمن بن عوف قال ‏وكنت في منزله بمنى أنتظره وهو عند عمر في أخر حجة حجها عمر قال فرجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر
فوجدني في منزله بمنى أنتظره وكنت أقرئه القرآن قال ابن عباس ‏فقال لي عبد الرحمن بن عوف.‏لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال ‏ يا أمير المؤمنين
هل لك في فلان يقول ‏والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت‏.قال ‏‏فغضب عمر فقال ‏‏إني إن شاء الله
لقائم العشيه في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.‏قال عبد الرحمن ‏‏فقلت ‏‏يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس
وغوغائهم وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ولا يعوها ولا يضعوها
على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار السنة وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا فيعي أهل الفقه مقالتك ويضعوها
على مواضعها.‏قال.فقال عمر‏.‏أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.‏قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة
عجلت الرواح حين زالت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب
فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد ‏‏ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك وقال ‏‏ما عسى أن يقول مما لم يقل
قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهل له.ثم قال.أما بعد.فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ولا أدرى لعلها
بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي.‏إن الله بعث محمداً وأنزل عليه الكتاب
فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعلمناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان يقول قائل ‏والله
ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء وإذا قامت البينة
أو كان الحبل أو الاعتراف.‏ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ‏(‏ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ‏)‏ ألا إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال.لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم.وقولوا عبد الله ورسوله.‏ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال.‏والله لو قد مات عمر بن الخطاب
لقد بايعت فلانا فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلته فتمت وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل
أبي بكر فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغره أن يقتلا.‏إنه كان من خبرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم
أن الأنصار خالفونا فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر
فقلت لأبي بكر.انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم وقال.أين تريدون يا معشر
المهاجرين ‏‏ قلنا.نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار قالا.فلا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم.قال.قلت.والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم
في سقيفة بني ساعدة فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت.من هذا ‏‏ فقالوا.سعد بن عبادة فقلت.ما له‏ فقالوا وجع.أي مرض.‏فلما جلسنا تشهد خطيبهم
فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال.أما بعد.فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم قال.وإذا هم
يريدون أن يحتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر.‏فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت
أداري منه بعض الحد فقال أبو بكر.على رسلك يا عمر فكرهت أن أغضبه فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها
في بديهته أو مثلها أو أفضل حتى سكت.‏قال.أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا
ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ولم أكره شيئا مما قاله غيرها كان والله أن أقدم
فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى أثم أحب إلي من أن أتأمرعلى قوم فيهم أبو بكر‏.‏ قال قائل من الأنصار ‏أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير
يا معشر قريش قال.فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف.فقلت ‏ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار
ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم ‏‏قتلتم سعد بن عبادة.قال.فقلت.قتل الله سعد بن عبادة ‏.‏
وموقف لك بعد المصطفى افترقت
فيه الصحابة لما غاب هاديها
بايعت فيـه أبا بكر فبايعـه
على الخلافة قاصـيها و دانـيها
و أطفئت فتنة لولاك لاستعرت
بين القبائل و انسابت أفاعيـها
بات النبي مسجا في حظـيرته
و أنت مستعـر الاحشـاء دامـيها
تهيم بين عجيج الناس في دهش
من نبأة قد سرى في الأرض ساريها
تصيح من قال نفس المصطفى قبضت
علوت هامته بالسيف أبريها
أنسـاك حبك طـه أنه بشـر
يجري عليه شـؤون الكون مجـريها
و أنـه وارد لابـد موردهـا
مـن المنـية لا يعفـيه ساقيـها
نسيت في حق طه آية نزلت
و قد يذكـّـر بالايـات ناسـيها
ذهلت يوما فكانت فتنة عـمم
وثاب رشدك فانجابت دياجيـها
فللسقيفـة يوم أنت صاحـبه
فيه الخلافة قد شيدت أواسيـها
مدت لها الأوس كفا كي تناوله
فمدت الخزرج الايدي تباريها
و ظـن كل فريـق أن صاحبهم
أولى بها و أتى الشحناء آتيها
حتى انبريت لهم فارتد طامعهم
عنها وآخى أبو بكر أواخيها
وعندما مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه راح يفكر فيمن يعهد إليه بأمر المسلمين هناك العشرة المبشرون بالجنة الذين مات الرسول
وهو عنهم راضٍ.وهناك أهل بدر وكلهم أخيار أبرار فمن ذلك الذي يختاره للخلافة من بعده.إن الظروف التي تمر بها البلاد لا تسمح بالفرقة
والشقاق فهناك على الحدود تدور معارك رهيبة بين المسلمين والفرس وبين المسلمين والروم.والجيوش في ميدان القتال تحتاج إلى مدد
وعون متصل من عاصمة الخلافة ولا يكون ذلك إلا في جو من الاستقرار.إن الجيوش في أمسِّ الحاجة إلى التأييد بالرأي والإمداد بالسلاح
والعون بالمال والرجال والموت يقترب ولا وقت للانتظار وعمر هو من هو عدلا ورحمة وحزمًا وزهدًا وورعًا.فإنه رضي الله عنه
عبقري موهوب ذا رأي سديد ونظر ثاقب وعقل راجح.فلِمَ لا يختاره أبو بكر والأمة تحتاج إلى مثل عمر ولم تكن الأمة قد عرفت عدل عمر كما عرفته
فيما بعد من أجل ذلك سارع الصديق رضي الله عنه باستشارة أولى الرأي من الصحابة في عمر فما وجد فيهم من يرفض مبايعته.
وكتب عثمان رضي الله عنه كتاب العهد فقرئ على المسلمين.بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر إلى عمرِ بن الخطاب وأنا في أولِ أيامِ
الآخرةِ وآخرِ أيامِ الدنيا.أما بعد.فيا عمر قد وليتكَ أمرَ أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم فإن أصلحت وعدلت فهذا ظني فيك وإن اتبعت هواك
فالله المطلعُ على السرائر وما أنا على صُحبة الناس بحريص يا عمر اتق الله لا يصرعَنّك الله مصرعاً كمصرعي والسلام.
تولى عمرُ رضي الله عنه الخلافةَ في 22 جماد الآخرة عام 13 هجرية بعد يوم واحد من وفات أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان عمره
يوم الخلافة خمسا وخمسين سنة.فبحث عن ميراث أبي بكر فإذا هو ثوبان وبغلة فبكى وقال.لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر.و كان عمر
رضي الله عنه قريبًا من أبى بكر رضي الله عنه في خلافته يعاونه ويؤازره ويمده بالرأي والمشورة.فهو الصاحب وهو المشير.
فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا.فأصبح الفاروق عمر رضي الله عنه الصحابي العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل الورع الرحيم
رجل الملمات والأزمات.قام بالأمر خير قيام وأتمه.فكان سيفًا على أهل الباطل شديدًا عليهم وسندًا لأهل الحقّ ليِّنا معهم.قام على الأرامل
والأيتام فقضى لهم الحاجات وفرّج عنهم الكربات.عرَف رضي الله عنه ربَّه وعرف قدرَ نفسه فتواضع لله فرفَع الله ذكرَهُ وأعلى شأنه.
قلبَ إمبراطوريةَ هرقلَ وكسرى وجعل عاليهما سافلهما وأحل على أنقاضهما إمبراطورية الدولة الإسلامية الفتية.فبدأت الدولة الإسلامية
الجديدة في عهده تتسع رقعتها ولم تعد مقصورة على مكة والمدينة وما حولهما من القرى لكنها أصبحت تضمُّ شبه الجزيرة العربية وتمتد
لتشمل بعض المدن في العراق والشام.وها هي ذي الجيوش الإسلامية تواصل زحفها المبارك لإعلاء كلمة الله وتنتقل من نصر إلى نصر
لقد اقترن اسم عمر رضي الله عنه بدولة الفرس ودولة الروم وسمي عصره بعصر الفتوحات الإسلامية الكبرى.ففي البدء وجه عمر
رضي الله عنه اهتمامه إلى الجيوش المحاربة لأنه يريد لها أن تنتصر ويريد لكلمة الله أن تعلو وتنتشر ويود أن يكون مع الجنود في صفوف
القتال لولا أن أهل الشورى نصحوا له أن يختار من ينوب عنه ليظل بعاصمة الخلافة حيث تقتضي المصلحة العامة وجوده.أصدر عمر
رضي الله عنه أوامره بتعيين أمين الأمة أبى عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قائدًا عامّا للقوات الإسلامية في الشام، في نفس الوقت الذي
أمر فيه بعزل خالد بن الوليد رضي الله عنه من إمارة الجيش حتى لا يفتتن الناس به.ولقد قابل خالد بن الوليد رضي الله عنه الأمر بالطاعة
فهو جندي في صفوف جيش الإسلام والجندية طاعة فليضعه خليفة المسلمين حيث يشاء.يجاهد في سبيل الله رافعًا راية الإسلام فراح يحارب
في جلد وإخلاص تحت إمرة القائد الجديد أبى عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
سل قاهر الفرس و الرومان هل شفعت
له الفتوح و هل أغنى تواليها
غزى فأبلى و خيل الله قد عقدت
باليمن و النصر و البشرى نواصيها
يرمي الأعادي بآراء مسـددة
و بالفـوارس قد سالت مذاكيـها
ما واقع الروم إلا فر قارحها
و لا رمى الفرس إلا طاش راميها
و لم يجز بلدة إلا سمعت بـها
الله أكبـر تـدْوي في نواحـيها
عشرون موقعة مرت محجلة
من بعد عشر بنان الفتح تحصيها
و خالد في سبيل الله موقـدها
و خالـد في سبيل الله صـاليها
أتاه أمر أبي حفـص فقبله
كمــا يقـبل آي الله تاليهــا
و استقبل العزل في إبان سطوته
و مجده مستريح النفس هاديها
فاعجب لسيد مخزوم وفارسها
يوم النزال إذا نادى مناديـها
يقوده حبشي في عمامته
ولا تحـرك مخزوم عواليـها
ألقى القياد إلى الجراح ممتثلا
و عزة النفس لم تجرح حواشيها
و انضم للجند يمشي تحت رايته
و بالحياة إذا مالت يفديها
و ما عرته شكوك في خليفته
ولا ارتضى إمرة الجراح تمويها
فخالد كان يدري أن صاحبه
قد وجه النفس نحو الله توجيها
فما يعالج من قول و لا عـمل
إلا أراد به للنـاس ترفيـها
لذاك أوصى بأولاد له عمرا
لما دعاه إلى الفردوس داعيـها
و ما نهى عمر في يوم مصرعه
نساء مخزوم أن تبـكي بواكيـها
و قيل فارقت يا فاروق صاحبنا
فيه و قد كان أعطى القوس باريها
فقال خفت افتتان المسلمين به
و فتنة النفس أعيت من يداويها
هبوه أخطأ في تأويل مقصده
و أنها سقطة في عين ناعيها
فلن تعيب حصيف الرأي زلته
حتى يعيب سيوف الهند نابيها
تالله لم يتَّبع في ابن الوليد هوى
و لا شفى غلة في الصدر يطويها
لكنه قد رأى رأيا فأتبعه
عزيمـة منه لـم تثـلم مواضـيها
لم يرع في طاعة المولى خؤولته
و لا رعى غيرها فيما ينافيها
و ما أصاب ابنه و السوط يأخذه
لديه من رأفة في الحد يبديها
إن الذي برأ الفاروق نزهه
عن النقائص و الأغراض تنزيها
فذاك خلق من الفردوس طينته
الله أودع فيــها ما ينقيـها
لاالكبر يسكنها لا الظلم يصحبها
لا الحقد يعرفها لا الحرص يغويها
وكانت المعركة الثانية بين المسلمين والروم حول دمشق لقد أحاط المسلمون بالمدينة وتحصن الروم بها وأغلقوا أبوابها خالد بجنوده
على الباب الشرقي وأبو عبيدة على باب الجابية.أي الجولان حاليا.وعمرو بن العاص على باب توما وشرحبيل بن حسنة على باب
الفراديس ويزيد بن أبى سفيان على الباب الصغير كانت دمشق ممتنعة غاية الامتناع وطال بها الحصار واشتدت الحال على الجميع
وكان أهل دمشق يرسلون إلى ملكهم هرقل يطلبون مددًا فلا يصل إليهم لقوة حصار المسلمين لها وهنا فشل أهل دمشق وضعُفوا وقَوِىَ
المسلمون وقدّر الله أن وُلِد لبطريك دمشق مولود في إحدى الليالي فصنع للناس طعامًا وسقاهم شرابًا وباتوا عنده في وليمته قد أكلوا
وشربوا وتعبوا فناموا عن مواقعهم واشتغلوا عنها وفطن لذلك خالد وهو على الباب الشرقي فقد كان قائدًا يقظًا لا تفوته فائتة فأعد
سلالم من حبال وجاء هو وأصحابه من الصناديد الأبطال مثل القعقاع بن عمرو ومذعور بن عدى وغيرهما وقد أحضر جيشه عند الباب
وقال لهم.إذا سمعتم تكبيرنا عند السور فاصعدوا إلينا.وقام هو وأصحابه فقطعوا الخندق سباحة وفى أعناقهم جعبة النبال فنصبوا السلالم
وصعدوا فيها ولما استندوا على السور رفعوا أصواتهم بالتكبير وجاء المسلمون فصعدوا في تلك السلالم وانحدر خالد وأصحابه الشجعان
إلى البوابين فقتلوهم وفتحوا الأبواب فدخلت جيوش المسلمين والتكبير يجلجل المكان ويضىء جنباته بنور جديد هو نور الإسلام.
وهكذا دخلها خالد من الباب الشرقي قسرًا وقهرًا ودخلها أبو عبيدة من باب الجابية مسالمًا وكان ذلك سنة 13هـجرية إن دمشق حصن الشام
وبيت مملكتهم وها هي ذي قد سقطت في أيدي المسلمين.وتقدم المسلمون بعد ذلك نحو.فحل.فقاتل المسلمون الروم أشد قتال فانهزم
الروم وهم حيارى لا يجدون ملجأ ولا مهربًا فأصيبوا جميعًا وكانوا ثمانين ألفًا لم ينج منهم إلا القليل.ثم واصل أبو عبيدة تقدمه نحو حمص
وترك يزيد بن أبى سفيان ليتجه نحو بلاد ساحل دمشق وظل القادة المسلمون يفتحون المدن واحدة بعد أخرى ولم يبق أمام المسلمين
إلا بيت المقدس وله في نفس المسلمين مكانته واحترامه وقداسته.فإليه كان إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه كان معراجه وإليه
كانت قبلتهم الأولى.وقد دافع عنه الروم دفاعًا مستميتًا ألحق بجنود المسلمين كثيرًا من الخسائر لكنهم صبروا وتحملوا ليخلِّصوا بيت المقدس
وأهله من حكم الرومان وظلمهم.وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى القدس فلما وصل إلى.الرملة.وجد
عندها جمعًا من الروم عليه قائد داهية اسمه.الأرطبون.كان أدهى الروم وكان قد وضع.بالرملة.جندًًا عظيمًا و.بإيلياء.أي القدس.جندًا
عظيمًا فكتب عمرو إلى عمر رضي الله عنه بالخبر فلما جاءه كتاب عمرو.قال.رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب يعنى عمرو بن العاص.
ظل عمرو يتربص بالأرطبون زمنًا فلا يجد فرصة لذلك وكان يرسل إليه الرسل ليعرف أمره فلا تشفيه الرسل فقرر عمرو أن يلقاه بنفسه
مدَّعيًا أنه رسول عمرو بن العاص إليه.دخل عليه وأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمله.وقال الأرطبون في نفسه والله إن هذا لعمرو أو أنه
الذي يأخذ عمرو برأيه.فقرر قتله.وأحس عمرو بذلك.فقال للأرطبون أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي وإني واحد من عشرة
بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت.فطمع الأرطبون أن يقتلهم جميعًا.
فقال له.نعم فاذهب فأتني بهم فقام عمرو فذهب إلى جيشه وعلم الأرطبون بعد ذلك أن الرسول كان عمرو.فقال.خدعني الرجل هذا والله
أدهى العرب.وكان أبو عبيدة لما فرغ من دمشق قد كتب إلى أهل بيت المقدس يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام أو يدفعون الجزية وإلا كان
الحرب بينهم فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه فركب إليهم في جنوده وحاصر بيت المقدس وضيق عليهم ولما أحس أرطبون قائد الروم بهذه
المناورات تدور حوله هرب إلى مصر عند ذالك أجابوا النصارى إلى الصلح.ولكن بطاركة المدينة ممثلين برئيس الأساقفة.صفر ونيوس.
البطريرك اشترطوا شرطا أن يحضر الخليفة بنفسه لتسلم المدينة وذالك لما كانوا يسمعوه عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عدالة
ورفق ووفاء بالعهد.ولما يجدونه في كتابهم .أن صفات من يتسلم مفاتيح.إيلياء.أي بيت المقدس.منهم هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه.فقالوا.أرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا هذا العهد ويكتب لنا الأمان ويتعهد لسكانها بالحرية الدينية أرسل أبو عبيدة
رسالته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحيطه علمًا بذلك مع رسول من المسلمين وبصحبتهم وفد من النصارى أرسلهم
صفر ونيوس فسألوا عن أمير المؤمنين ليبلغوه طلب رؤسائهم وذكر أن أشد ما أثار دهشة وفد النصارى أن رسول أبي عبيدة أخذ يسأل
عن مكان الخليفة حتى وجده مستلقيا تحت ظل شجرة يحتمي بها من الحر.فقدم إليه وفد أهل القدس رسالة أبي عبيدة وجلس الرسول بجانبه
ببساطة العربي وأخوة الإسلام يصف له أحوال المسلمين ويبلغه سلامهم في حين وقف وفد أهل القدس وهو لا يَكاد يصدق أن حاكم المسلمين
الذين دَوَّخوا دولتي الفرس والروم ليس له مقر معروف ولا حرس ولا حجاب وإنه في مثل هذا الحال من البساطة في المظهر والمعاملة.
فدعا عمر رضي الله عنه الصحابة إليه وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة رضي الله عنه واستشارهم في الذي كتب إليه فقال له عثمان رضي الله عنه
إن الله تعالى قد أذلهم وحصرهم وضيق عليهم وهم في كل يوم يزدادون نقصا وهزالا وضعفا ورعبا فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم
مستخفف ولشأنهم حاقر غير معظم فلا يلبثون إلا قليلا حتى ينزلوا على الحكم ويعطوا الجزية.فقال عمر رضي الله عنه.ما ترون هل عند
أحد منكم رأي غير هذا.قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه نعم عندي غير هذا الرأي.قال عمر رضي الله عنه.ما هو يا أبا الحسن
قال إنهم قد سألوا المنزلة التي فيها الذل لهم والصغار وهو على المسلمين فتح ولهم فيه عز وهم يعطونكها الأن في العاجل في عافية ليس بينك
وبين ذلك إلا أن تقدم عليهم ولك في القدوم عليهم الأجر في كل ظمأ ومخمصة وفي قطع كل واد وفي كل نفقة حتى تقدم عليهم فإذا أنت قدمت
عليهم كان الأمن والعافية والصلاح والفتح ولست آمن أن أيسا من قبولك الصلح منهم أن يتمسكوا بحصونهم فيأتيهم عدولنا أو يأتيهم منهم مدد
فيدخل على المسلمين بلاء ويطول بهم حصار فيصيب المسلمين من الجهد والجوع ما يصيبهم ولعل المسلمين يدنون من حصنهم فيرشقونهم
بالنشاب أو يقذفونهم بالمناجيق فإن أصاب بعض المسلمين تمنيتم أنكم افتديتم قتل رجل من المسلمين بمشرك إلى منقطع التراب وكان المسلم
لذلك من إخوانه أهلا.فقال عمر رضي الله عنه قد أحسن عثمان النظر في مكيدة العدو وأحسن علي بن أبي طالب النظر لأهل الإسلام سيروا
على اسم الله تعالى فإني سائر.هنا أسمى آيات المشورة العملية التي تتمثل على ارض الواقع ويأخذ القائد بصواب القول ويسر وتسير معه أرواح وقلوب الرعية
يا رافعا راية الشورى و حارسها
جزاك ربك خيرا عن محبيها
لم يلهك النزع عن تأييد دولتها
و للمنـيـة آلام تعـانيـها
لم أنس أمرك للمقداد يحمله
إلى الجمـاعة إنذارا و تنبيـها
إن ظل بعد ثلاث رأيهم شعبا
فجرد السيف و اضرب في هواديها
فاعجب لقوة نفس ليس يصرفها
طعم المنية مرا عن مراميها
درى عميد بني الشورى بموضعها
فعاش ما عاش يبنيها و يعليها
فخرج عمر رضي الله عنه فعسكر خارج المدينة ونودي في الناس بالعسكر والمسير فعسكر العباس بن عبد المطلب
بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ووجوه قريش والأنصار والعرب حتى إذا تكامل عنده الناس استخلف على المدينة
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسار إلى بيت المقدس فلما دنى من الشام عسكر حتى قدم إليه من تخلف من العسكر
فما هو إلا أن طلعت الشمس فإذا الرايات والرماح والجنود قد اقبلوا على الخيول يستقبلون عمر رضي الله عنه حتى
طلع أبو عبيدة في عظيم الناس فإذا هو على قلوص اكفها بعباءة خطامها من شعر لابس سلاحه متنكب قوسه فلما نظر
إلى أمير المؤمنين أناخ قلوصه وأناخ أمير المؤمنين ناقته فنزل أبو عبيدة وأقبل إلى عمر وأقبل عمر إلى أبي عبيدة
فلما دنى عمر من أبي عبيدة مد أبو عبيدة يداه إلى عمر ليصافحه فمد عمر يده فأخذها أبو عبيدة وأهوى ليقبلها يريد أن
يعظمه في العامة فأهوى عمر إلى رجل أبي عبيدة ليقبلها فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين وتنحى فقال عمر يا أبا عبيدة
فتعانقا الصحابيان الجليلان.ففي حرارة هذا العناق الحميم تتجلا وترتسم أجمل وأعظم صور التواضع وأجمل الحب في
الدين بين الأخوة والأحبة هو ليس قائدا عاديا ليس القائد المقود ولكنها الأخوة والمحبة والتواضع .عمر وأبو عبيدة
رضي الله عنهما في أسمى صورها.ثم ركبا وسارا وسار الناس أمامهما.وروي أنهم تلقوا عمر ببرذون وثياب بيض
وكلمواه أن يركب البرذون ليراه العدو فهو أهيب له عندهم وأن يلبس الثياب البيض ويطرح الفروه عنه فأبى ثم لحوا
عليه فركب البرذون بفروته وثيابه فهملج به البرذون وخطام ناقته بيده بعد فنزل وركب ناقته.وقال.لقد غيرني
هذا حتى خفت أن أتكبر وأنكر نفسي فعليكم يا معشر المسلمين بالقصد وإنما أعزكم الله عز وجل به.
يا من صدفت عن الدنيا و زينتها
فلم يغرك من دنياك مغريها
ماذا رأيت بباب الشام حين رأوا
أن يلبسوك من الأثواب زاهيها
و يركبوك على البرذون تقدمه
خيل مطهمة تحـلو مرائيـها
مشى فهملج مختالا براكبه
و في البراذين ما تزها بعاليـها
فصحت يا قوم كاد الزهو يقتلني
و داخلتني حال لست أدريها
و كاد يصبو إلى دنياكم عمر
و يرتضي بيـع باقيه بفانـيها
ردوا ركابي فلا أبغي به بدلا
ردوا ثيابي فحسبي اليوم باليها
وروي أيضا عن طارق بن شهاب قال لما قدم عمر إلى الشام عرضت له مخاضه فنزل عن راحلته ونزع جرموقيه فأمسك بيده
وخاض الماء ومعه ناقته ماسك بخطمها فقال أبو عبيدة لقد صنعت اليوم صنعا عظيما عند أهل الأرض فصكه عمر في صدره
وقال له لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام ومهما تطلبون العزة بغيره
يذلكم الله تعالى.لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببيت المقدس نزل على الجبل الشرقي وهو طور زيتا وأتى إليه
البطريرك صفر ونيوس والبطريرك تعني الأمير وأما البطرك فتعني الكاهن.فبدا بالترحيب بعمر رضي الله عنه وقال إنا سنعطي
بحضورك مالم نكن نعطيه لأحد دونك فسلم عمر رضي الله عنه مفاتيح بيت المقدس ومن ثم تنحى بوجهه قليلا يبكي
فقال عمر رضي الله عنه إن الدنيا دول وأنشد.
فيوم علينا ويوم لنا
ويوماً نُساءُ ويوماً نُسرّ
فأجابه بطريرك القدس ما حزنت لأنكم دخلتم دخول الفاتحين الغزاة لتكون الدنيا دول بيننا ونستردها يوماً ما ولكنكم ملكتموها
إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام وأخلاق الإسلام.وبعد أن تسلم الفاروق عمر رضي الله عنه مفاتيح بيت المقدس سأله البطريرك
أن يقبل منهم الصلح والجزية وأن يعطيهم الأمان على دمائهم وأموالهم وكنائسهم .فكتب عمر رضي الله عنه لهم الوثيقة على ذالك
والتي تعرف بالوثيقة العمرية وقد جاء في المعاهدة كما أوردها الطبري في تاريخه ما يلي.بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى
عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها
أنه لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يُكرهون على دينهم ولا
يُضارّ أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يُخرجوا
منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على
أهل إيلياء من الجزية ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلّي بِيَعهم وصُلُبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى
بِيَعهم وصُلُبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من
الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب
عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك.خالد بن الوليد
وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن سفيان.فلما فرغ عمر رضي الله عنه من كتاب الصلح بينه وبين أهل بيت
المقدس قال لبطريركها دلني على مسجد داود فقال نعم وخرج عمر مقلد بسيفه في أربعة آلاف من الصحابة الذين قدموا معه.
والبطريرك بين يدي عمر في أصحابه حتى دخلوا بيت المقدس فأدخلهم الكنيسة التي يقال لها كنيسة القيامة وفي أثناء الزيارة
حان وقت الصلاة فأشار عليه البطريرك صفرونيوس أن يصلي في داخلها قائلا مكانك صل لكن عمر رضي الله عنه أبى
وخرج من الكنيسة وصلى في مكان قريب منها لجهة الجنوب فصلى هناك.وبني فيما بعد في المكان الذي صلى فيه عمر
رضي الله عنه مسجد يحمل أسم مسجد عمر.وبعد أن أتم صلاته رضي الله عنه قال للبطريرك أنني لو أقمت الصلاة في
كنيسة القيامة لوضع المسلمون عليها الأيدي من بعدي في حجة إقامة الصلاة فيها وإني لأبى أن أمهد السبيل لحرمانكم منها وأنتم
لها أحق وأولى.إنه الإسلام الدين العظيم الذي أعلى وأسمى من كل الأقوال والشكوك حتى في أوج العزة والقوة يحترم كل
الديانات السماوية ويحافظ على ممتلكاتها.وقصتنا الآن تتجه إلى بيت المقدس إلى المسجد الأقصى ومضى به إلى بيت المقدس
حتى انتهى به إلى الباب الذي يقال له باب محمد صلى الله عليه وسلم وقد انحدر ما في المسجد من الزبالة على درج الباب
حتى خرج إلى الزقاق الذي فيه الباب وكثر على الدرج حتى كاد أن يلصق بسقف الرواق فقال له البطريرك لا نقدر أن ندخله
إلا حبوا فقال عمر رضي الله عنه ولو حبوا فحبا بين يدي عمر وحبا عمر رضي الله عنه ومن معه خلفه حتى ظهرا على
صحنه واستووا فيه قياما فنظر عمر يمينا وشمالا في تأمل ثم قال الله اكـــبر هذا والذي نفسي بيده مسجد داود عليه السلام
الذي اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اسري به إليه ليلة الإسراء،فمضى نحو محراب داود وهو الذي على باب
البلدة في القلعة فصلى فيه تحية المسجد قرأ فيها سورة ص وسجد.وروي انه لما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس
قال لكعب يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة فقال اذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعا ثم احفر فإنك
تجدها وكانت يومئذ مزبلة فحفروا فظهرت لهم.قال أبو سلمه حدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال سمعت عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يقول لكعب أين ترى أن أصلي فقال إن أخذت عنّي صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلُّها بين يديك
فقال عمر ضاهيت اليهودية لا ولكن أصلي حيث صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلّى ثم جاء فبسط
ردائه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس.وروي انه لما جلا المزبلة عن الصخرة فقال لا تصلوا فيه حتى يصيبها ثلاث مطرات.
قال ابن تيمية.المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلّى الذي بناه عمر بن الخطاب في مُقَدّمه
والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على
الصخرة زبالة عظيمة لأنَّ النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذي يصلّون إليها فأمر عمر بإزالة النجاسة عنها.
وقال لكعب أين ترى أن نبني مصلى للمسلمين فقال خَلْفَ الصخرة فقال يا ابن اليهودية خالطت اليهودية بل أبنيه أمامها فإنّ لنا صدور
المساجد.وهذا موقف آخر جليل وعظيم من مواقف أمير المؤمنين التي لا تحصى والتي برهن فيها عملياً على أن الإسلام يحترم جميع
الأديان السماوية ويجعل كل المقدسات محترمة ولا يختصر شيئاً منها إن هذه الصخرة التي أزال عنها عمر التراب والأوساخ بيده
وحملها في قبائه لينفيها عنها هي قبلة اليهود والصخرة المعظمة عندهم التي كلم الله عليها يعقوب عليه السلام كما يعتقدون فكما كان
موقف عمر من النصارى رائعاً وجليلاً حين منحهم حرية الاعتقاد وأمنهم على صلبانهم وكنائسهم لم يضن على اليهود مع ما ارتكبوه
في حق المسلمين من الجرائم بمثل هذا الموقف الرائع الجليل حيث رفع التراب عن الصخرة وأظهر عنايته بها وحرصه على احترامها.
لما فرغ عمر رضي الله عنه من فتح إليا وعزل الصخرة من القمامة ونظف المسجد الأقصى قام عمر رضي الله عنه بالناس فحمد الله
وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا أهل الإسلام إن الله تعالى قد صدقكم الوعد ونصركم على الأعداء
وأورثكم البلاد ومكن لكم في الأرض فلا يكون جزاؤه منكم إلا الشكر وإياكم والعمل بالمعاصي فإن العمل بالمعاصي كفر للنعم وقلما كفر قوم
بما انعم الله عليهم ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم ثم نزل رضي الله عنه وحضر وقت الصلاة وهنا قال.يا بلال
ألا تؤذن لنا رحمك الله.قال بلال.يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سأطيعك
إذا أمرتني في هذه الصلاة وحدها.وأذَن بلال.الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر.اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله
وعند قول واشهد أن محمدا رسول الله.وكأن النبي صلى الله عليه وسلم بينهم يشهد هذا الفتح العظيم تذكروا الحبيب سيد المرسلين
عليه الصلاة والسلام.فما كان هذا الصوت يصدح بالأذان إلا بحضرته فتوقف بلال واجهش بالبكاء وأجهش الصحابة معه بالبكاء.
وكان أطولهم بكاء أبو عبيدة ومعاذ بن جبل حتى قال لهم عمر رضي الله عنه حسبكم رحمكم الله فكان فتح بيت المقدس وعلى خلاف
بين العلماء فقد ذكر الطبري عن سيف أنها.كانت سنة 15هـجرية.كما ذكر ابن سعد وخليفة بن خياط واليعقوبي وابن عساكر.
والواقدي والبلاذري والطبري في رواية أخرى عن سيف.أن الفتح كان سنة 16هـجرية.كما ذكر ياقوت الحموي والبلاذري وابن اسحق
والطبري في رواية سيف عن هشام بن عروة بأن الفتح كان سنة 17 هجرية .
وأثناء مقام عمر رضي الله عنه بالقدس قام إليه رجل من أهل الكتاب.فقال يا أمير المؤمنين إن رجلا من المسلمين صنع بي ماترى
وكان الرجل مشجوجا.غضب عمر رضي الله عنه غضبا شديدا ثم قال لصهيب رضي الله عنه انطلق وانظر من الذي شجه.
فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي.وعندما حضر عوف بن مالك بين يدي عمر رضي الله عنه قال له مالك ولهذا.
قال يا أمير المؤمنين رأيت هذا يسوق بإمرأة مسلمة على حمار فنخس بها لقع فلم تقع فدفعها فسقطت على الأرض فأكبت عليها .
فقال له ائتني بالمرأة فلتصدق ما قلت.فأتى أبوها وزوجها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وصدقا عوف بن مالك.فأمر عمر
رضي الله عنه باليهودي فصلب.وقال ما على هذا صالحناكم ثم قال أيها الناس اتقوا الله في ذمة محمد صلى الله عليه وسلم
فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له.فبعد أن تسلم أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح بيت القدس من
بطريركها صفرونيوس بعد فتحها وقضى على حكم الروم فيها.عاد إلى المدينة المنورة ولما رجع رضي الله عنه من الشام
إلى المدينة إنفرد عن الناس ليتفقّد أحوالَ الرعية فمرّ بعجوزٍ في خِباء لها فقصدها.فقالت.يا هذا ما فعل عمر.قال.
قد أقبل من الشام سالمًا.فقالت.لا جزاه الله خيرا.قال ولمَ.قالت.لأنّه والله ما نالني من عَطائه منذ تولّى أمرَ المسلمين
دينارٌ ولا درهم.قال.وما يدرِي عمرُ بحالِك وأنت في هذا الموضع.فقالت.سبحان الله.والله ما ظننت أن أحدًا يلي على
النّاس ولا يدري ما بين مشرِقها ومغرِبها.فبكى عمر.وقال.واعمراه كلّ أحدٍ أفقه منك يا عمر حتى العجائز.ثم قال.
لها يا أمةَ الله بكم تبيعيني ظُلامَتِكِ من عمَر فإني أرحمه مِنَ النّار.فقالت.لا تستهزئُ بنا يرحمك الله.فقال.لست بهزّاء.
فلم يزل بها حتى اشتَرَى ظلامتُها بخمسةٍ وعشرين دينارا.فبينما هو كذلك إذ أقبل عليُّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود
رضي الله عنهما.فقالا.السلام عليك يا أمير المؤمنين.فوضعَت العجوز يدَها على رأسها.وقالت.واسوأتاه شتمتُ أميرَ
المؤمنين في وجهِه.فقال لها عمرُ رضي الله عنه.ما عليك يرحمك الله ثم طلب رقعةً من جِلد يكتب عليها فلم يجد فقطعَ
قطعةً من مرقعته وكتب فيها.بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى به عمر من فلانةٍ ظلامتُها منذ ولي إلى يوم كذا وكذا
بخمسة وعشرين دينارا فما تدّعي عند وقوفها في الحشر بين يدَي الله تعالى فعمرُ منه بريء.شهد على ذلك علي وابن مسعود
رضي الله عنهما ثم دفع الكتاب إلى أحدهما.وقال.إذا أنا متّ فاجعله في كفني ألقى به ربي.فبعد فتح القدس راحت الجيوش
الإسلامية تواصل زحفها لتطهير البلاد من فلول جيوش الروم.الذين تمركزوا في مصر فلقد صارت هذه الديار غالية عليهم
ولن يحس المسلمون بالاستقرار في بلاد الشام وفلسطين وهناك جيش كبير للروم على مقربة منهم لقد اتخذوا من مصر مركزًا
لتجمعهم وأصبح وجودهم خطرًا يهدد جيش الشام.من أجل هذا استأذن عمرو بن العاص الخليفة عمر رضي الله في فتح مصر.
وسارع عمرو إلى مصر فتم له فتحها سنة 20هـجريه وقيل سنة 21هجريه وولاه عمر رضي الله عنه عليها يرتب أمورها
وينظم أحوالها.فبعد أن فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه الفسطاط أتخذها لتصبح عاصمة مصر الإسلامية وبنى فيها الجامع الذي
عرف فيما بعد بجامع عمرو.فأصبحت مصر بعد ذالك منارة مسلمة ذات رقي ومكانه.ومنطلق الجيوش الإسلامية إلى كافة
القارة الإفريقية.وهي كما قال عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام.كنانة الله في أرضه.وجندها خير أجناد الأرض.
وفيهم متصل الرحم والنسب بهاجر أم إسماعيل وماريه أم إبراهيم.ومن مصر تحرك جيش المسلمين غربًا إلى برقة في ليبيا.
وجنوبًا إلى بلاد النوبة لفتحهما.فأصبحت بلاد الشام آمنة وزال الخطر الذي كان يهدد الجيش الإسلامي.بعد أن استسلم الروم
وفروا هاربين إلى بلادهم.ولقد حدث أن جرى سباق بين ابن عمرو وقبطي فسبقه القبطي فضربه ابن عمرو فخرج القبطي
من مصر إلى المدينة المنورة.وندفع الرجل بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستغيث بصوت منتحب ودموع يحجبها
الكبرياء أن تسيل.فقال.يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم.زوى عمر رضي الله عنه مابين عينيه غضبا وأقبل على الرجل يطمئنه
عذت معاذا أي لجأت إلى مايحميك.قال الرجل في حزن.سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول
أنا ابن الأكرمين.كتب عمر إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما يأمره بالقدوم هو وابنه فقدم يتبعه ابنه.وقف عمر
رضي الله عنه صائحا أين القبطي تقدم الرجل في خطى متقاربة ترتجف من هول الموقف.فقال عمر رضي الله عنه في عزة
خذ السوط فاضرب به ابن الأكرمين.أمسك الرجل بالسوط وأرسله إلى السماء ثم هوى به على ظهر ابن عمرو بن العاص الذي
شد إلى جذع نخلة وعمر يقف بجوار القبطي ويقول له اضرب ابن الأكرمين .قال أنس رضي الله عنه فضرب والله لقد ضربه
ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه.ثم قال عمر رضي الله عنه ضع على صلعة عمرو.فقال الرجل
يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه.نظر عمر رضي الله عنه لعمرو.وقال.منذ كم استعبدتم الناس وقد
ولدتهم أمهاتهم أحرارا.فقال عمرو رضي الله عنه يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.وروي انه حين علم أمير المؤمنين
عمر رضي الله عنه أن عمرو واليه على مصر قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا
عنده أرسل إليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه فيبقي له نصفها ويحمل معه إلى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.
شاطرت داهية السواس ثروته
و لم تخفه بمصر و هو واليها
و أنت تعرف عمرا في حواضرها
و لست تجهل عمرا في بواديها
لم تنبت الأرض كابن العاص داهية
يرمي الخطوب برأي ليس يخطيها
فلم يرغ حيلة فيما أمرت به
و قام عمرو إلى الأجمال يزجيـها
و لم تقل عاملا منها و قد كثرت
أمواله وفشا في الأرض فاشيها
نعود أيها الأحبة إلى جبهة الفرس والعراق.فبعد القضاء على الروم في بلاد الشام ومصر أتجه عمر رضي الله عنه إلى معاودة الزحف على بلاد
الفرس والعراق.فبعث أبا عبيدة بن مسعود الثقفي وأمر عمر رضي الله عنه المثنى بن حارثة أن يكون في طاعة أبى عبيدة.وسار أبو عبيدة حتى
عبر الفرات بمن معه من المسلمين وهناك دارت معركة عظيمة هي معركة.الجسر.استشهد فيها القائد أبو عبيدة الثقفي وعدد كبير من المسلمين
بعد أن انتصروا على أهل فارس أولا في عدة مواقع سابقة.ومن ثم خسر المسلمون معركة الجسر في نهايتها.إن معركة الجسر كانت المعركة
الوحيدة التي خسرها المسلمون في حربهم مع الفرس حتى سقوط الدولة الساسانيه فأرسل عمر رضي الله عنه إلى فارس جيشًا يقوده المثنى
بن حارثة ليحاربوا الفرس في معركة.الويب.التي تمت بعد معركة الجسر مباشره وقد حقق المسلمون في هذه الموقعة انتصارًا رائعًا وقد
قُتل فيها.مهران.قائد جيش الفرس في المعركة هو وكثير من أتباعه وقد سماها المسلمون.معركة الأعشار.لأن كثيرًا من المسلمين قتل كل واحد
منهم عشرة من الفرس.وفى.القادسية.التقى الفرس والمسلمون قاد المسلمين فيها سعد ابن أبى وقاص وقاد الفرس رستم وفر رستم وعشرات
الآلاف من جنوده وغنم المسلمون غنائم كثيرة بعد أن استمرت المعركة عدة أيام.فلما إنتهى المسلمون من فتح القادسية بعثوا بالغنائم إلى أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان من ضمنها سيف كسرى ومنطقته وزبرجه لما وضع بين يدي عمر رضي الله عنه سيف كسرى ومنطقته وزبرجه
قال إن أقواما أدوا هذا لذووا أمانة.فقال على بن أبى طالب رضي الله عنه الذي كان يجلس لجواره إنك عففت فعفت الرعية.عند ذالك صاح عمر
رضي الله عنه أين سراقة بن مالك.فأتى إليه وألبسه قميص كسرى وسواريه وقلده سيفه ووضع على رأسه تاجه وأخذ يتبختر بهم والدموع تسيل
من عينيه ولسان حاله يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.وسبب ذالك أن سراقة بن مالك عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
وأبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى المدينة أشترط مشركوا قريش أن من يقبض على رسول الله عليه الصلاة وسلام أن يكافؤه في مائه من الإبل
فلبس سراقة بن مالك درعه وتوشح سيفه وامتطى صهوة فرسه واندفع ينهب الأرض بحثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ما لبث أن عثر عليه
وعندما أبصرت عينه معجزاته صلى الله عليه وسلم.قال والله يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر دينك ويعلو أمرك فعاهدني إذا دفعت عنك القوم وأتيتك
في ملكى أن تكرمني وأكتب لي بذلك.فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه فكتب له على لوح عظيم.وقال له النبي
صلى الله عليه وسلم كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى.ثم أسلم سراقة وقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم ودارت الأيام دورتها
وانتصر المسلمون في القادسية وحملت الغنائم إلى المدينة وكان من بينها تاج كسرى وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب وثيابه المنظوم بالجواهر وسواره
اللذان لم تر العين مثلهما قط .فألبسهما عمر رضي الله عن إياه.ثم رفع عمر رضي الله عنه رأسه إلى السماء قائل.اللهم إنك منعت هذا المال
رسولك وكان أحب إليك منى وأكرم ومنعته أبو بكر وكان أحب إليك منى وأكرم وأعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون قد أعطيتنيه لتمكر.فتساقطت مدن فارس
بعد القادسية في أيدي الجيش الإسلامي تساقط الثمرات واحدة بعد أخرى وكان انتصار المسلمين في القادسية دافعًا لهم إلى مواصلة الزحف على
العاصمة.طيسفون.التي سماها العرب فيما بعد.المدائن.ويشتد القتال ضراوة ويهدم الفرس الجسور حتى لا يستطيع العرب عبور نهر دجلة ولكن
المسلمين سرعان ما عبروا النهر بخيولهم وهنا اضطرب الفرس وأحاطت بهم الهزيمة وهرب.يزدجرد بن شهريار.ملك الفرس إلى حلوان بأرض فارس.
وسقطت العاصمة الفارسية العريقة في أيدي المسلمين وكان سقوط العاصمة في العام 16 من الهجرة النبوية إنهم لم يقبلوا مع العرب صلحًا ورفضوا أن
يدفعوا الجزية وفضلوا عبادة الكواكب والنار والمجوسية على دين الله وأعلنوا عداءهم واستعدادهم لقتال المسلمين إذن لم يبق إلا الحرب.وننتقل إلى
معركة.جلولاء.التي قد هرب إليها.يزدجرد.ليعد عدته للقاء آخر وراح يعسكر بمنطقة جلولاء والإمدادات تنهال عليه والجنود يقومون بحفر الخنادق
حول معسكره ولكن المسلمين يقتحمون عليهم خنادقهم وتدور معركة من أعنف المعارك وثبت المسلمون حتى كُتِبَ الله لهم النصر وكان قائد المسلمين
في معركة جلولاء هاشم بن عتبة ويهرب يزدجرد مرة ثانية حيث ترك حلوان وفر إلى الري ولم يبق إلا فتح الفتوح معركة.نهاوند.التي فر إليها
يزدجرد ملك الفرس.نهاوند وما أدراك ما نهاوند إنها معركة الحسم بين المسلمين والفرس.لقد جمع الكثير من الجيوش التي استماتت في الدفاع
والحرب ولكن المسلمين هزموهم بإذن الله لقد عزل عمر رضي الله عنه سعد ابن أبى وقاص وولى مكانه النعمان بن مقرن وقد سقط النعمان
شهيدًا بعدما رأى بشائر الفتح لاحت في الأفق فأخذ الراية أخوه نعيم وناولها حذيفة بن اليمان وأشار عليهم المغيرة بن شعبة بكتمان خبر استشهاد الأمير
حتى لا يرتاب الناس فلما تم النصر على الفرس جعل الناس يسألون عن أميرهم فقال أخوه هذا أميركم لقد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة.فاتبع
الناس حذيفة ودخل المسلمون نهاوند بعد هزيمة الفرس وكان العرب يسمون فتح نهاوند.بفتح الفتوح.وبعد نهاوند تقدمت الجيوش الإسلامية لتستولي
على المدن المجاورة وخضعت لهم منطقة.أذربيجان.وكانت هذه الانتصارات الباهرة سببًا في إضعاف الروح المعنوية عند الفرس.عندى ذالك
مالوا إلى الصلح واستسلم عدد كبير منهم عنوة وقهرًا وكان من ضمن أسراهم.الهرمزان.عظيم الفرس والذي إسر في معركة.تستر.فبعثوا الصحابة
بالهرمزان إلى عمر رضي الله عنه بالمدينة المنورة لأنه نزل على حكمه.فلما وصلوا إلى بيت عمر رضي الله عنه لم يجدوه فيه فسألوا عنه فقيل لهم
إنه ذهب إلى المسجد فجاءوا إلى المسجد فلم يجدوا فيه أحدا فرجعوا فإذا بأولاد يلعبون فقال لهم الأولاد ماذا تريدون.قالوا.نريد عمر رضي الله عنه
قالوا لهم.هو في المسجد نائم فرجعوا إلى المسجد فوجدوه نائما متوسدا برنسا له ودرته معلقة في يده.فقال الهرمزان أين عمر.فقالوا.هو ذا النائم
وجعلوا يخفضون أصواتهم لئلا ينبهوه.فتأمله الهرمزان مليا وهو مشدوها مستغربا وقال قولته المشهورة.حَكَمت فعَدلت فأمِنت فنِمت يا عمر.وأخذ
يسأل الصحابة يقول وأين حجابه وأين حراسه.فقالوا.ليس له حجاب ولا حراس ولا كتاب.ولا ديوان.فقال.ينبغي أن يكون نبيا.فقالوا.بل يعمل
بعمل الأنبياء.وكثر الناس حولهم وارتفع اللغط فاستيقظ عمر رضي الله عنه ثم نظر إلى الهرمزان.فقال.الهرمزان.قالوا نعم.فتأمله وتأمل ما عليه
وكان يلبس الديباج والذهب المكلل بالياقوت واللآلئ ثم قال.أعوذ بالله من النار وأستعين بالله الحمد لله الذي أذل هذا وأشياعه يا معشر المسلمين تمسكوا
بهذا الدين واهتدوا بهدي نبيكم ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غدارة.فقال له الوافد.هذا ملك الأهواز فكلمه.فقال.لا حتى لا يبقى عليه شيء من حليته.ففعلوا
وألبسوه ثوبا عاديا.فقال له عمر رضي الله عنه يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله.فقال يا عمر.كنا وإياكم في الجاهلية و كان الله
قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم فلما كان معكم غلبتمونا.فقال عمر رضي الله عنه.إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا.
ثم أسلم وسكن المدينة وفرض له عمر رضي الله عنه في بيت المال.
و راع صاحب كسرى أن رأى عمرا
بين الرعية عطلا و هو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها
سورا من الجند و الأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فرأى
فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا
ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره
من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلا
و أصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم
فنمت نوم قرير العين هانيها
عندى ذالك لم يستطع يزدجرد مقابلة المسلمين في قوة كما فعل في الماضي وظل أمره في نقصان حتى قتل بخراسان
سنة 31هجرية في عهد عثمان رضي الله عنه وبموته انتهت دولة.آل ساسان.لقد دانت بلاد الشام للإسلام ودانت
بلاد الفرس للإسلام حتى أصبح عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحق هو عصر الفتوحات الإسلامية الكبرى.
فلم يكد المسلمون يستقرون هنا وهناك حتى أرسل سعد بن أبى وقاص أحد قادته وهو عياض بن غنم إلى أرض الجزيرة
حيث تجمع جند الروم في أعلاها فافتتح هذه البلاد.ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استمرت الدولة الإسلامية في
عهد عمر رضي الله عنه تواصل فتوحها والجند ينشرون الدعوة والجهاد لا تنطفئ شعلته.وبعد هذه الفتوحات أرسل
الخليفة القائد عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي لفتح.أرمينية.سنة 18هـجرية.وأرسل إليه المدد بقيادة سلمان الفارسي
من جهة وحبيب بن مسلمة الفهري من جهة أخرى وتمكنت القوات الإسلامية من فتح أرمينية وراحت تواصل تقدمها
حتى شمال جبال القوقاز.ما هذا الذي يجرى على الساحات إنه نصر من الله وتمكين.فقد أدى الجنود الفاتحون واجبهم
فلابد أن تقام لهم مدن جديدة تكون قريبة من الأراضي المفتوحة حديثًا ومواطن الغزو والجهاد في المستقبل فيقع الاختيار
على الكوفة والبصرة في العراق وترتفع مآذنهما لتنضم إلى قائمة المدن الإسلامية الأخرى.إن أمير المؤمنين عمر
بن الخطاب الخليفة الراشد رضي الله عنه يعد نفسه مسئولا عن توفير الحياة الكريمة والشريفة للمسلمين ويرى أنه لو
عثرت بغلة في العراق لكان مسئولا عنها.ومن أجل هذا نراه يوجه اهتمامه إلى تقوية الثغور والشواطئ والموانئ.
ولا يفوته أن يحصى أسماء الجنود الفاتحين ليجعل لهم رواتب تفي بمطالبهم وتكفل لهم حياة كريمة.ونراه يقوم بعمل
إحصاء عام ويدوِّن الدواوين ويقسم الدولة إلى ثماني ولايات.هي مكة والمدينة وفلسطين والشام والجزيرة الفراتيه
والبصرة والكوفة ومصر.ويعين واليًا لكل ولاية ينوب عنه في الصلاة وقيادة الجند وإدارة شئون الحكم في الولاية.
ولا يكتفي بهذا بل يرتب البريد ويتخذ من الهجرة النبوية الشريفة بداية للتاريخ الهجري.وتستمرُ مسيرةُ عمر
رضي الله عنه ويدخلُ عامُ الرماده.وما أدراك ما عام الرماده إنه عام جدب وقحط نتجت منه مجاعة ضربت أرض الحجاز.
بدأت هذه المجاعة من أواخر عام 17هـجرية إلى أول سنة 18هـجرية واستمرت لمدة تسعة أشهر.لقد أورد الحافظ ابن كثير وغيره
تلك التسمية لعدة أسباب وهي.أن الأرض أصابها الإسوداد من قلة المطر حتى عاد لونها شبيهاً بالرماد.وقيل كانت الريح
تسفي تراباً كالرماد.وقيل لأن ألوان الناس أضحت مثل الرماد.وقد يكون العام سُمِّي بهذا الاسم لتلك الأسباب مجتمعة.
فقد ذكر الطبري من خبر عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كانت الرماده جوعاً شديداً أصاب الناس بالمدينة وما حولها
حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها وإنه لمقفر.وقال الحافظ ابن كثير
وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرماده فلم يجد أحداً يضحك ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ولم ير
سائلاً يسأل فسأل عن سبب ذلك فقيل له يا أمير المؤمنين إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال والناس في هم وضيق
فهم لا يتحدثون ولا يضحكون.قال نافع مولى الزبير سمعتُ أبا هريرة يقول يرحم الله ابن حنتمه لقد رأيته عام الرماده وإنه
ليحمل على ظهره جرابين وعكة زيت في يده وإنه ليعتقب هو وأسلم فلما رآني قال من أين يا أبا هريرة قلت قريباً قال
فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا صرم نحو من عشرين بيتاً من محارب فقال عمر رضي الله عنه ما أقدمكم
قالوا الجهد قال فأخرجوا لنا جلد الميتة مشوياً كانوا يأكلونه ورمة العظام مسحوقة كانوا يسقونها فرأيت عمر رضي الله عنه
طرح رداءه ثم ائتزر فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبانة ثم
كساهم وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.تجمع بالمدينة من غير أهلها حوالي ستين ألفاً من العرب وبقوا
عدة أشهر ليس لهم طعام إلا ما يقدم لهم من بيت مال المسلمين ومن أهل المدينة.ولقد تجلة عبقرية عمر رضي الله عنه
بكل مواهبها بمواقفه الحفيصه في عام الرماده للحد من خطر تلك المجاعة فلقد اتخذ عمر رضي الله عنه العديد من التدبيرات
الحازمة ووقف مواقف كريمة نبيلة لم يستطعها أحد ممن جاء بعده فقد صدق علي رضي الله عنه عندما قال له لقد أتعبتَ من بعدك
فمواقف عمر المشهودة وقراراته الحازمة وتصرفاته الحكيمة التي كان لها الفضل بعد الله عز وجل في أن تمر هذه المجاعة على
الرغم من شدتها وقسوتها من غير أن تخلف قتلى وخسائر في الأرواح التي أصَّل فيها عمر للعمل الغوثي كثيرة جداً وسنشير
إلى أهم تلك المواقف وإلا فحياة عمر رضي الله عنه بعد إسلامه وخلافته كلها مواقف مشرِّفة وجليلة ولحظات مضيئة وصفحات
بيضاء ناصعة وأيادٍ كريمة على إخوانه المسلمين.فأول تلك المواقف وأهم تلك التدبيرات تضرعه إلى الله عز وجل وابتهاله له
واستغاثته به وحده لعلمه ويقينه أنه هو مسبب الأسباب وكاشف الكرب وميسر ومذلل الصعاب ليرفع هذا البلاء ويزيل تلك
الضراء ويغيث العباد والبلاد.فالبلاء والمصائب التي تحل بالعباد والبلاد قد تكون بسبب ما اقترفته الأيدي (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).الآيات 10 و 11 من سورة الروم.والغرض تطهيرهم وتكفير سيئاتكم.وقد يكون نزول البلاء لرفع
الدرجات ولنيل المقامات في دار الكرامات كحال عمر رضي الله عنه هذه.والجميع ليس لها من دون الله كاشف ولا
مزيل ولا رافع.والعاقل لا يبرئ نفسه ويمنيها ويزكيها بل يتهمها ويلومها (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)سوره يوسف53 وهكذا كان حال عمر رضي الله عنه.ذكر ابن سعد في طبقاته من
خبر سليمان بن يسار قال خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في زمن الرماده فقال أيها الناس اتقوا الله في
أنفسكم وفيما غاب عن الناس من أمركم فقد ابتليت بكم وابتليتم بي فما أدري السخطى عليَّ دونكم أوعليكم دوني أوقد عمتني
وعمتكم فهلموا فندع الله يصلح قلوبنا وأن يرحمنا وأن يرفع عنا المحل.قال فرئي عمر رضي الله عنه يومئذ رافعاً يديه
يدعو الله ودعا الناس وبكى وبكى الناس ملياً ثم نزل وأخرج أيضاً ابن سعد من خبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحدث في عام الرماده أمراً ما كان يفعله لقد كان يصلي بالناس العشاء ثم يخرج حتى
يدخل بيته فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو
يقول.اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي.وثانيهاً استسقاؤه عدة مرات السُّنة إذا قحطت البلاد وأجدبت أن يفزع
الإمام ورعيته إلى صلاة الاستسقاء التي شرعها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.وسار على طريقه خلفاؤه من بعده.
فها هو عمر رضي الله عنه استسقى لقومه عدة مرات ولم ييأس من تكراره وإعادته إلى أن كشف الله عنهم تلك الغمة.
خرج عمر رضي الله عنه مرة يستسقي فنادى في الناس فأوجز ثم صلى ركعتين فأوجز ثم قال.اللهم عجزت عنا أنصارنا
وعجز عنا حولنا وقوتنا وعجزت عنا أنفسنا ولا حول ولا قوة إلا بك اللهم اسقنا وأحيي العباد والبلاد.وعن خوات بن جبير
قال خرج عمر رضي الله عنه يستسقي بهم فصلى ركعتين فقال.اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك فما برح من مكانه حتى
مطروا فقدم أعراب فقالوا يا أمير المؤمنين بينا نحن في وادينا في ساعة كذا إذ أظلتنا غمامة فسمعنا منها صوتاً أتاك الغوث
أبا حفص أتاك الغوث أبا حفص.روى ابن أبي الدنيا بسنده إلى الشعبي قال خرج عمر يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار
حتى رجع فقالوا يا أمير المؤمنين ما نراك استسقيت فقال لقد طلبت المطر بمحاديج السماء التي يُستنزل بها المطر
ثم قرأ.(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا .يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا).ثم قرأ .(وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ).
وروى الطبراني بسنده إلى أنس أن عمر خرج يستسقي وخرج بالعباس معه يستسقي بقوله اللهم إنا كنا إذا قحطنا على
عهد نبينا توسلنا إليك بنبينا فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيُسقون.فاستسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما
من أقوى الأدلة على عدم جواز الاستغاثة بذوات الأنبياء والصالحين ولا بجاههم أحياء أو أمواتاً إذ لو كان جائزاً لما عدل عمر
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.فرسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أفضل وأكرم على الله
من العباس رضي الله عنه.وعمر رضي الله عنه استسقى بدعاء العباس وليس بذاته وجاهه لأن العباس قال في استسقائه
اللهم ما نزل بلاء إلا بمصيبة ولا رفع إلا بتوبة ثم دعا ودعا معه عمر ومن كان خرج معهما.وهذا قسم من أقسام التوسل
المشروع وهو التوسل بدعاء الحي الحاضر هذا بجانب التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى وبالأعمال الصالحة
وما سواها شرك أكبر صرف والعياذ بالله ولهذا وجب التنبيه عليه.وكذلك حديث الأعمى هو من هذا القسم المشروع
لأنه توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم.وثالثهاً اعتماده بعد الله على موارد بيت المال وما عند أهل المدينة من المواقف
الكريمة والتدبيرات الحازمة الحكيمة اعتماد عمر رضي الله عنه في أول الأمر على موارد بيت المال وعلى ما جادت
به نفوس أهل المدينة من المهاجرين والأنصار الأطهار حيث لم يلجأ إلى طلب الغوث من الأقاليم والأمصار إلا بعد أن
نفذ كل ما بحوزته وما بحوزة أهل المدينة فالاعتماد بعد الله على النفس وعلى الموارد المحلية من حسن التدبير وسبب من
أسباب النجاح الكبير الذي حققه عمر في هذه المحنة.قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لعام الرماده كان عام الرماده
جدب عم أرض الحجاز وجاع الناس جوعاً شديداً.وجفلت الأحياء إلى المدينة ولم يبق عند أحد منهم زاد فلجأوا إلى أمير المؤمنين
فأنفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفذه.ورابعهاً طلب الغوث من الأمصار الأقاليم فعندما
نفذت موارد بيت المال ونفذ ما عند أهل المدينة لجأ عمر رضي الله عنه إلى طلب العون من عماله ولم يلجأ لذلك إلا في حال
الاضطرار وهكذا ينبغي على المسلم أن يصبر على اللأواء ولا يسأل الناس لا لنفسه ولا لغيره إلا في حال العجز التام فآخر العلاج
الكي ورحم الله أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن لا يسألوا أحداً شيئاً أبداً منهم أبو بكر وحكيم بن حزام رضي الله عنهم.على الرغم من هذا الضيق لم يلجأ عمر رضي الله عنه
لطلب الغوث إلا بعد رؤيا مناميه رآها بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه.روى سيف بن عمر عن سهل بن يوسف السلمي عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال.كان عام الرماده في آخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثماني عشرة.فكان الناس بذلك وعمر
رضي الله عنه كالمحصور عن أهل الأمصار حتى أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر رضي الله عنه فقال.أنا رسول
رسول الله إليك يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد عهدتك كيساً وما زلت على ذلك فما شأنك قال متى رأيت هذا قال البارحة
فخرج فنادى في الناس الصلاة جامعة فصلى بهم ركعتين ثم قال أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون مني أمـراً غيره خير منه فقالـوا اللهم
لا فقـال إن بلال بن الحارث يزعم ذية وذية قالوا صدق بلال فاستغث بالله ثم بالمسلمين فبعث إليهم وكان عمر عن ذلك محصوراً
فقال عمر رضي الله عنه الله أكبر بلغ البلاء مدته فانكشف ما أذن لقوم في طلب إلا وقد رفع عنهم الأذى والبلاء.وكتب إلى أمراء
الأمصار أن أغيثوا أهل المدينة ومن حولها فإنه قد بلغ جهدهم وأخرج الناس إلى الاستسقاء وخرج وخرج معه العباس بن عبد المطلب
ماشياً فخطب وأوجز وصلى ثم جثا لركبتيه وقال.اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا.ثم انصرف فما
بلغوا المنازل راجعين حتى خاضوا الغدران ثم كتب عمر بن الخطاب إلى عماله أبا عبيدة وأبا موسى الأشعري وغيرهما يطلب منهم
الغوث.قال سيف بن عمر كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها فكان أول من قدم عليه
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في أربعة آلاف راحلة من طعام فولاة قسمتها فيمن حول المدينة فلما فرغ ورجع إليه أمر له
بأربعة آلاف درهم فقال لا حاجة لي فيها يا أمير المؤمنين إنما أردت اللهَ وما قِبَله فلا تُدْخِل علي الدنيا قال خذها فلا بأس بذلك إن لم
تطلبه فأبى فقال خذها فإني قد وليتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا. فقال لي مثل ما قلتُ لك. فقلت له كما قلتَ لي فأعطاني
فقبل أبو عبيدة وانصرف إلى عمله.وروى ابن كثير فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد وكتب إلى عمرو
بن العاص بمصر يا غوثاه لأمة محمد فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات ووصلت ميرة عمرو في
البحر إلى جدة ومن جدة إلى مكة.قال الحافظ ابن كثير هذا الأثر جيد الإسناد لكن ذكر عمرو بن العاص في عام الرماده مشكل فإن
مصر لم تكن فتحت في سنة ثماني عشرة فإما أن يكون عام الرماده بعد سنة ثماني عشرة أو يكون ذكر عمرو بن العاص في عام
الرماده وهم.وخامسهاً تدبير عمر وإشرافه وقيامه بنفسه على غوث الملهوفين من المواقف الخالدة لعمر والتدبيرات الناجحة له
في عام الرماده جعل مشرفين وأمراء على كل ناحية من نواحي المدينة يوافونه بحال القوم وحاجتهم ويجتمعون عنده في كل مساء
ويشرفون على تقسيم المؤن والأطعمة ويتفقدون أحوال كل جهة حتى لا تتضارب الاختصاصات ويطمع البعض في حقوق غيرهم.
أخرج ابن سعد من خبر زيد بن أسلم عن أبيه قال لما كان عام الرماده تجلبت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة فكان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قد أمر رجلاً يقومون عليهم ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم فكان يزيد بن أخت النمر وكان المِسْوَر بن مخرمة وكان
عبد الرحمن بن عبد القاري وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود.فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر رضي الله عنه فيخبرونه بكل
ما كانوا فيه وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة وكان الأعراب حلولاً فيما بين رأس الثنية إلى رابح إلى بني حارثة إلى بني
عبد الأشهل إلى البقيع إلى بني قريظة ومنهم طائفة بناحية بني سلمه هم محدقون بالمدينة.فسمعتُ عمر يقول ليلة وقد تعشى الناس عنده
أحصوا من تعشى عندنا فأحصوهم من القابلة فوجودهم سبعة آلاف رجل وقال أحصوا العيال الذين لا يأتون والمرضى والصبيان فأحصوا
فوجدوهم أربعين ألفاً.ثم مكثنا ليالي فزاد الناس فأمر بهم فأحصوا فوجد من تعشى عنده عشرة آلاف والآخرين خمسين ألفاً فما برحوا
حتى أرسل الله السماء فلما مطرت رأيت عمر رضي الله عنه قد وكل كل قوم من هؤلاء النفر بناحيتهم يخرجون إلى البادية ويعطونهم قوتاً
وحملاناً إلى باديتهم.وفي خبر أبي هريرة السابق أنه رأى عمر عام الرماده يحمل على ظهره جرابين وعكة زيت وأنه ليعتقب هو وأسلم
قال فلما رأيته أخذت أعقبه فحملنا حتى انتهينا إلى صرار فإذا صرم نحو عشرين بيتاً من محارب فقال عمر رضي الله عنه ما أقدمكم قالوا
الجهد .فرأيت عمر رضي الله عنه طرح رداءه ثم اتزر فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا وأرسل إلى المدينة وجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى
أنزلهم الجبانة ثم كساهم وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم.وسادسهاً مواساته للرعية في هذه المجاعة هذا الموقف من أجل وأنبل المواقف
التي وقفها عمر رضي الله عنه في هذا العام إذ واسى رعيته مواساة كاملة حيث لم يتميز عليهم بشيء قط حتى أذهب الله عنهم ذلك الكرب
وإليك نماذج من مواساته لرعيته.روى ابن جرير الطبري بإسناده عن عدد من الشيوخ قالوا أصابت الناس في إمارة عمر رضي الله عنه
سنة بالمدينة وحولها فآلى عمر رضي الله عنه ألا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتى يحيى الناس من أول الحيا فكان بذلك حتى أحيا الناس
من أول الحيا فقدمت السوق عُكة من سمن ووطب من لبن فاشتراهما غلام لعمر بأربعين ثم أتى عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين
قد أبرَّ الله يمينك وعظم أجرك قدم السوق وطب من لبن وعكة من سمن فابتعتهما بأربعين فقال عمر أغليت بهما فتصدق بهما فإني أكره أن
آكل إسرافاً وقال كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم.وروى ابن سعد من خبر عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده
قال كان عمر رضي الله عنه يصوم الدهر قال فكان زمان الرماده إذا أمسى أتي بخبز قد سرد بالزيت إلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً
فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأتي به فإذا فدر من سنام ومن كبد فقال أنى هذا قالوا يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم
قال بخ بخ بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها ارفع هذه الجفنه هات لنا غير هذا الطعام قال فأتي بخبز وزيت فجعل
يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال ويحك يا يرفأ إحمل هذه الجفنه حتى تأتي بها أهل بيت يثمغ فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام فأحسبهم مقفرين
فضعها بين أيديهم.
ما منْ حديث ٍ به المُخـْتار يفـْتخرُ
الاّ وكُنْت الذي يعْنيه يا عُمــــــرُ
والسابقينَ من الأصحاب ما نقص
عَهْدا ولا خالفوا أمْراً به أ ُمـــــروا
كواكبٌ في سماء المجدِ لامِعَـــــة ٌ
جباههُمْ تنحَني لله والغـُـــــــــرر
يا راشداً هَـزَّتْ الأجيال سيرَتُـــهُ
وبالميامين حصرا ً تشْمَخُ السِيَرُ
في روضةِ الدين أنهارٌ فضائلُكَ
الـكُبرى بها الدهرُ والأزمانُ تنغمرُ
ضجّتْ قُريشٌ وقدْ سفـّهْتَ في علن ٍ
أصنامَها وبدا يعْتامُها الخطـــــــــرُ
أقبلْت أذ أدبروا أقدمت إذ ذُعروا
وفـّيْتَ إذ غدروا آمنْت إذ كفـَروا
لك السوابقُ لا يحظى بها أحــدٌ
ولمْ يَحُز ْ مثلـَها جنُّ ولا بشــرُ
فحينَ جفـّتْ ضروعُ الغيم قـُلتَ لهُمْ
صلـّوا سيَنـْزلُ منْ عليائه المَطَـــرُ
سَنَنْتَها سُنّة ً بالخير عامــــــــرة ً
ففي الصلاة ِ ضلال ِ الشـّر ِ ينْحسرُ
عام الرمادة ِ أشبعتَ الجياع َ ولمْ
تُسـْرفْ وقد نعموا بالخير وازدهرو
وَقـَفـْتَ تدْرأ ُ نَهـاّزا ً ومُنْتفعــــاً
فما تطاولَ طمّاعٌ ومُحْتـــــكرُ
تجسَدَ العدْلُ في أمْر نهضتَ به
ولم يزل عطرُهُ في الناس ينتشرُ
وأنت كلُ عظيم فيك يُختصرُ
كمْ قلتَ رأيا حصيفا ًوانتفضتَ لهُ
ووافقتـْكَ به الآياتُ والســُوَرُ
وكمْ زرَعْتَ مفاهيما شمَختَ بها
ما زال ينضجُ في أشجارها الثمَرُ
يفِرّ ُ عن درْبك الشيطانُ مُتـّخذا
درباً سواهُ فيمضي ما لهُ أثـَرُ
وتستغيثُ بك الأخلاقُ مُؤْمنة ً
بأنّ وجهكَ في أفلاكها قمَرُ
عسسْتَ والناسُ تأوي في مضاجعِها
وكُنْت تسهرُ حتّى يطلِعَ الّسحرُ
القولُ والفعلُ في شخص اذا اجتمَعَا
تجَسـّدَ الحقّ ُ واهتـزّتْ لهُ العُصُــرُ
وفي هذه السنة حل الطاعون بعمواس وهو وباء وقع في الشام في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 18 هجرية بعد
فتح بيت المقدس وإنما سُمِّيَ بـطاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة و بيت المقدس وذلك لأن الطاعون
نجم بها أولاً ثم انتشر في بلاد الشام فنُسب إليها والذي توفي فيه أبو عبيدة ومعاذ ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم من أشراف
الصحابة رضوان الله عليهم وغيرهم من الناس أورده ابن جرير في هذه السنة وكان أبو عبيدة أمير الجند هناك فخشي عليه
عمر رضي الله عنه من الطاعون فكتب إليه يريد أن يخلصه منه لأنه لم يصب بالمرض قائلا.إذا وصلك خطابي في المساء
فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي.وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي فان لي حاجة إليك وفهم أبو عبيدة
المؤمن الذكي قصد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وانه يريد أن ينقذه من الطاعون فكتب إلى عمر رضي الله عنه متأدبا
معتذرا عن عدم الحضور إليه وقال.لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني
ما أصابهم فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين.ولما وصل الخطاب إلى عمر رضي الله عنه بكى فسأله من حوله هل مات أبو عبيدة
فقال كأن قد والمعنى أنه إذا لم يكن قد مات بعد وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة إذ لا خلاص منه مع الطاعون.كان أبو عبيـدة
رضي الله عنه في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا.مات أبو عبيـدة رضي الله عنه
سنة 18 للهجرة في طاعون عمواس.وفى السنة التاسعة عشرة للهجرة أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا لحرب الروم
وفيهم رجل يقال له.عبد الله بن حذافه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأسره الروم وذهبوا به مكبلا في قيوده إلى ملكهم .
فقالوا له هذا الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .نزل الملك عن عرشه وتقدم في بطء إلى عبد الله بن حذافه الذي قام
في وسط البلاط في عزة وثبات مازادته القيود إلا هيبة وقوة و تصفحه الملك بنظراته النافذة وشرد في هؤلاء المسلمين الذين هانت
عندهم الدنيا وأداروا ظهورهم للنشوة والمتعة اقترب الملك من عبد الله بن حذافه قائلا.هل لك أن تتنصر وأشركك في ملكي ومالي.
قال عبد الله في ثبات لو أعطيتني جميع ماتملك وجميع ماملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة
عين مافعلت.قال الملك في حدة إذن أقتلك.قال عبد الله أنت وذاك.فأمر به فصلب وقال للرماة ارموه قريبا من يديه ورجليه.
فأمطر الرماة عبد الله بن حذافه بالسهام والملك يعرض عليه التنصر فما زاده ذلك إلا إيمانا ثم أمر به فأنزل ثم أمر أن يسجن وكان
يقدموا له لحم الخنزير والخمر فلم يأكل حتى إنحنيت رقبته وقرب هلاكه فدعاه الملك وقال له أعلم أن دينكم يبيح لكم لحم الخنزير
والخمر في الضرورة عندما لايوجد غيرهم فقال له نعم أعلم ذلك ولكن خشيت أن أشمت أعداء الإسلام بالإسلام فأطعموه وأعادوه
للسجن وأدخلوا عليه ملكة جمال الروم وهى عارية كيوم ولدتها أمها وكانت ترمى بنفسها عليه فكان يفر منها وظلت هكذا فترة حتى
يئست منه وخرجت وقالت أأدخلتموني على بشر أم على حجر والله لا يعلم أأنثى أنا أم ذكر.ثم دعا الملك بقدر فصب فيه زيت حتى
احترق ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقى وظل يتقلب حتى ذاب لحمه وبانت عظامه وهو يعرض عليه فكان أشد إباء
من قبل.ثم أمر به أن يلقى فيه فلما ذهب الجنود به بكى وسالت دموعه فقيل للملك إنه قد بكى.فظن أنه خاف وجزع فقال ضاحكا
ردوه .فعرض عليه النصرانية فأبى.فقال الملك متعجبا ذاهلا ما أبكاك إذن.قال عبد الله أبكاني أنى قلت في نفسي تلقى الساعة
في هذا القدر فتذهب نفس واحدة فكنت أشتهى أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي أنفس تلقى في سبيل الله هز الملك رأسه إعجابا
وحيرة من هذا الرجل الذي احتقر الموت ثم تقدم ناحيته هامسا هل لك أن تقبل رأسي وأخلى عنك.قال عبد الله فرحا تخلى عنى
وعن جميع أسارى المسلمين.قال الملك وعن جميع أسارى المسلمين.قال عبد الله فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه
يخلى عنى وعن جميع أسارى المسلمين لا أبالى.ثم تقدم عبد الله بن حذافه فقبل رأسه فدفع إليه الأسارى فقدم بهم على عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فأخبره بخبره .تهلل وجه عمر رضي الله عنه وانشرح صدره صائحا.حق على كل مسلم أن يقبل رأس
عبد الله بن حذافه وأنا أبدأ .فنهض عمر رضي الله عنه وانحنى يقبل رأس عبد الله بن حذافة رضي الله عنه.أعلن جبلة بن الأيهم
ملك غسان إسلامه ووفد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأبهة الملك والسلطنة فتلقاه بالترحيب وأنزله منزلة عظيمة.وبينما كان
جبلة بن الأيهم يطوف يوما بالبيت الحرام وطئ على إزاره المهيب أعرابي من بني فزاره فضربه على وجهه فشكاه الأعرابي إلى
أمير المؤمنين الذي استدعى جبلة.وقال في حزم وعدل.إما أن ترضيه و وإما أن يضربك كما ضربته.استعظم ذلك على جبلة بن
الأيهم وتولى كبرا وقال في زهو.ألا تفرقوا بين الملك والسوقه.قال عمر رضي الله عنه.لا قد جمع بينكما الإسلام .قال جبلة.
إذن أتنصر.فقال عمر رضي الله عنه ضربت عنقك.فلما رأى جبلة حزم عمر رضي الله عنه وصلابته طلب منه فرصة إلى الغد
فأخذ قومه وفر هاربا تحت جنح الظلام إلى القسطنطينية ولحق بهرقل.
كم خفت في الله مضعوفا دعاك به
و كم أخفت قويـا ينثنـي تيها
و في حديث فتى غسان موعظة
لكــل ذي نعـرة يأبى تناسيـها
فما القوي قويا رغم عزته
عند الخصومة و الفـاروق قاضـيها
وما الضعيف ضعيفا بعد حجته
و إن تخاصم واليها و راعيها
وكان رضي الله عنه إذا أصدر تعليمات بالمنع من شيء أو نهى عن شيء جمع أهله وأقاربه وقال.لهم إني نهيت الناس عن كذا وكذا
وإنهم لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ولا أجد أحدًا منكم فعل ما نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة.وكان عمرُ رضي الله عنه يأخذ
الدنيا في يوم ويسلمها للفقراء في يوم.تأتيه القوافل محملة بالغنائم والفيء والذهب والفضة وتدخلُ المدينةَ وخليفة المسلمين يصلي بالناس
في بردته وبها أربعَ عشرةَ رقعة تختلف بعضُها عن بعض.وفي ذات يوم اشترت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمنا بستين درهما .
فلما رآه قال ما هذا.قالت سمن اشتريته من مالي وليس من نفقتك.فقال لن أذوقه حتى يشبع منه الناس .وقف عمر رضي الله عنه على المنبر
يومَ الجمعة يخطبُ الناس ببردته المرقعة فيقرقر بطنه من الجوع فيقول لبطنه قرقر أو لا تقرقر فوالله لا تشبعُ حتى يشبعَ أطفال المسلمين.
إن جاع في شدة قومٌ شركتهم
في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها
جوع الخليفة و الدنيا بقبضته
في الزهد منزلة سبحان موليها
فمن يباري أبا حفص و سيرته
أو من يحاول للفاروق تشبيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها
من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
لا تمتطي شهوات النفس جامحة
فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
و هل يفي بيت مال المسلمين بما
توحي إليك إذا طاوعت موحيها
قالت لك الله إني لست أرزؤه
مالا لحاجة نفـس كنـت أبغـيها
لكن أجنب شيأ من وظيفتنا
في كل يوم على حـال أسويـها
حتى إذا ما ملكنا ما يكافئـها
شـريتـها ثـم إنـي لا أثنـيها
قال اذهبي و اعلمي إن كنت جاهلة
أن القناعة تغني نفس كاسيها
و أقبلت بعد خمس و هي حاملة
دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال نبهت مني غافلا فدعي
هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية
على الكفاف و ينهى مستزيدها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به
أولى فقومي لبيت المال رديها
كذاك أخلاقه كانت و ما عهدت
بعـد النبـوة أخلاق تحـاكيها
يُقبلُ الليلَ وتهدأ العيونُ وينامُ الناسُ فيأخذ عمر رضي الله عنه دُرته ويجوب بها سككَ المدينة علّه يجد ضعيفا يساعده أو فقيرا يعطيه
أو مجرمًا يؤدبه.ومرض ذات مرة فوُصفَ له العسل وكان في بيت المال عكّةٌ فيها شيء من العسل.فصعد المنبر وقال إن أذنتم لي
فيها أخذتها وإلا فهي علىّ حرام فأذنوا له بها.قال الأوزاعيُ رحمه الله تعالى أنه رضي الله عنه خرج في ليلةٍ مظلمة فرآه طلحة
رضي الله عنه قد دخل بيتًا ثم خرَج فلمّا أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا فيه عجوزٌ عمياءٌ مقعدَة لا تقدِر على المشي فقال لها
طلحة.ما بال هذا الرجل يأتيك.فقالت.إنه يتعاهدني من مدّةِ كذا وكذا بما يصلِحني ويخرج عني الأذى.ثم قال طلحة.ثكلتك أمك
ياطلحة أعثرات عمر تتبع .وخرج عمر رضي الله عنه ذات يوم وإذا بإمرأة تتلمس الطريق بعصا في يدها قوست الأيام ظهرها
وأثقلت كاهلها استوقفت عمر بن الخطاب رضي عنه الذي كان يتوسط القوم ومالت به إلى جانب الطريق .دنا عمر رضي الله عنه
ووضع يده على منكبيها وأرهف إليها السمع وظل طويلا يصغى إلى صوتها الضعيف الذي سرى متباطئا إلى أذنه ولم ينصرف حتى
قضى لها حاجتها.وعندما ذهب عمر رضي الله عنه إلى القوم الذين طال وقوفهم.قال رجل يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش
على هذه العجوز.قال عمر رضي الله عنه ويحك أتدرى من هذه.قال الرجل.لا.قال عمر رضي الله عنه هذه إمرأة سمع الله شكواها
من فوق سبع سماوات هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تنصرف عنى إلى الليل ما إنصرفت حتى تقضى حاجتها.وكان عمر رضي الله عنه
في أحدى جولاته التفقدية على الرعية فرأى كُوخ صغيرٍ يقع أقصى المدينة لاح ضوء مصباح يحاول اختراق الظلام في ضعف.اقترب عمر
بن الخطاب رضي الله عنه من الكوخ فإذا عجوز تجلس في ثوب أسود تائهة في العتمة التي لم يستطع المصباح هتكها تردد في شجاً.
عَلَى مُحمدٍ صَلاَة الأَبرار
صَلى عَلَيكَ المصطَفون الأخيار
قد كُنتَ قَواماً بَكِى الأسحار
ياليت شِعري والمنايا أَطوار
هَل تجمعُني وحَبيبي الدار
أهاجت هذه الكلمات الماضي الهاجع في فؤاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتذكر الأيام الخوالي فبكى وسحت دموعه هادرة وقرع الباب
عليها.فقالت.من هذا.قال وهو يغالبه البكاء عمر بن الخطاب.قالت.ومالي ولعمر ومأتى بعمر هذه الساعة.قال.افتحي رحمك الله فلا بأس
عليك ففتحت له فدخل.فقال.رددي علي الكلمات التي قلت آنفاً فرددت عليه فلما فرغت منها قال أسألك أن تُدخِليني معكما .قالت.وعمر
فاغفر له يا غفار.فرضي ورجع.وفي ذات يوم اهتزت المدينة وعجت الطرقات بالوافدين من التجار الذين نزلوا المصلى وامتلأ المكان بالأصوات.
فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما هل لك أن نحرسهم الليلة من السرقة.فباتا يحرسان ويصليان ماكتبا الله لهما فسمع عمر بن
الخطاب رضي الله عنه صوت صبى يبكى فتوجه ناحية الصوت فقال لأمه التي تحاول إسكاته اتقى الله وأحسني إلى صبيك.ثم عاد إلى مكانه
فارتفع صراخ الصبي مرة أخرى فعاد إلى أمه وقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فلما كان في أخر الليل سمع بكائه فأتى أمه فقال عمر رضي الله عنه
في ضيق ويحك إني أراك أم سوء ومالي أرى إبنك لا يقر منذ الليلة.قالت الأم في حزن وفاقة يا عبد الله قد ضايقتني هذه الليلة إني أدربه على الفطام
فيأبى .قال عمر رضي الله عنه في دهشة ولم.قالت الأم في ضعف لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم.ارتعدت فرائص عمر رضي الله عنه خوفا وقال
في صوت متعثر وكم له.قالت كذا وكذا شهرا.قال عمر رضي الله عنه ويحك لا تعجليه.ثم إنصرف فصلى الفجر ومايستبين الناس قراءته من غلبة البكاء
فلما سلم قال.يابؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين.ثم أمر لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك في الأفاق.وكان عمر رضي الله عنه في أحد مواسم
الحج عند البيت الحرام ومعه على بن أبي طالب رضي الله عنه.فرأوا أعرابي يطوف بأمه إثناء إرتفاع أصوات الطائفين في الأجواء وهم يعطرون
البيت بالتكبير والتهليل إختلطت نبراتهم الضارعة بدموعهم الهادرة واندفع خلف هؤلاء الهائمين في حب الله أعرابي مديد القامة عريض المنكبين مفتول
العضلات ريان الشباب يحمل فوق كاهله أمه العجوز التي تربعت في معول.مقطف كبير وهو يردد قائلا.
أنا مطيتها لا أنفر
وغذا الركاب ذعرت لا أذعر
وما حملتنى وأرضعتنى أكثر
لبيك اللهم لبيك ..
فقال على بن أبى طالب الذي وقف في جانب البيت الحرام مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يراقبان الطائفين يا أبا حفص ادخل بنا الطواف لعل الرحمة
تنزل فتعمنا .فانطلقا يطوفان خلف الأعرابي وعلى بن أبى طالب رضي الله عنه يرد عليه قائلا.
إن تبرها فالله أشكر
يجزيك بالقليل الأكثر
دخل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها وكان ذا مال كثير فقالت رضي الله عنها كأنها تحضه على الإنفاق.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أموت أبدا.ارتعدت فرائص عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
وانحشرت الكلمات بين أوتار حنجرته ونهض من عندها مذعورا حتى دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه.فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
اسمع ما تقول أمك أم المؤمنين أم سلمه وأخبره بما قالت.أوجس عمر خيفة وأحس الأرض تميد به فقام مسرعا حتى أتى أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها.
فقال وهو جاث.أنشدك بالله أمنهم أنا.قالت أم سلمه رضي الله عنها لا ولن أبرئ بعدك أحدا .كان عمر رضي الله عنه في ذات يوم يعالج إبل الصدقة
في يوم صائف اشتدت فيه وطأة الحر ونفذ لهيب الشمس يصب سعيره على الرمال قدم وفد من العراق يتقدمهم الأحنف بن قيس رضي الله عنه يطلبون
أمير المؤمنين فوجدوه قد طرح عمامته وطوق وسطه بعباءته يطبب بعيرا من إبل الصدقة.ولما رأى الأحنف قال.يا أحنف ضع ثيابك وهلم فأعن أمير
المؤمنين على هذا البعير فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة.فقال رجل من القوم أذهلهم الموقف.يغفر الله لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبدا من عبيد الصدقة
فيكفيك هذا.فقال عمر رضي الله عنه في تواضع وأي عبد هو أعبد منى ومن الأحنف إنه من ولى أمر المسلمين فهو عبد المسلمين يجب عليه لهم مثل ما يجب
على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة .وفي أحد الأيام كان عمر رضي الله عنه خارج المدينة تحت وهج الشمس الحارقة واضعا رداءه على رأسه
فمر به غلام على حمار فقال.ياغلام إحملنى معك.توقف الغلام عن السير ووثب عن الحمار وقال في إنكسار.اركب يا أمير المؤمنين.قال.لا إركب أنت
وأركب أنا خلفك تريد أن تحملني على المكان المنخفض وتركب أنت على المكان الخشن.وبعد إلحاح من الغلام على ركوب أمير المؤمنين أولا وهو خلفه وإصرار
أمير المؤمنين أن يركب الغلام أولا وأمير المؤمنين خلفه إستجاب الغلام لرأى أمير المؤمنين .ودخل المدينة راكبا خلف الغلام والناس ينظرون إليه.وفي يوم نفض
عمر رضي الله غبار النوم عن كاهله وراح يتفقد الرعية فإذا بإمرأة تحمل على ظهرها قربة تخترق الظلام بأقدام حافية.سألها عمر رضي الله عنه عن شأنها فأخبرته
أنها صاحبة عيال وليس عندها خادم فتخرج بالليل تسقيهم الماء وتكره أن تخرج بالنهار خوفا عليهم.فرق عمر رضي الله عنه لحالها وحمل عنها القربة حتى بلغ منزلها.
ثم قال إغدي على عمر غدوة يأمر لك بخادم.فقالت.لا أصل إليه.قال.إنك ستجدينه إن شاء الله .فغدت عليه فإذا هي به فعرفته فولت هاربة فأمر لها بخادم
ونفقه وأرسلهما في إثرها.وفي ذات ليلة عند السحر مضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسيح في دروب المدينة يتحسس الأجواء الساكنة والبيوت التي غشيها الليل
فاسترعى سمعه صوت امرأة سكبت كل عواطفها في بيتين من الشعر قائلة.
تطاول هذا الليل واسود جانبه
وأرقنى أن لاحبيـب ألاعبـه
فلولا حذار الله لاشـئ مثلـه
لزعزع من هذا السرير جوانبه
حرك هذان البيتان وجدان عمر رضي الله عنه فاستأذن عليها وقال مالك قالت في أسى أغربت زوجي منذ أشهر وقد اشتقت إليه.قال في حزم أردت سوءا.قالت معاذ الله.
قال فاملكي عليك نفسك فإنما هو البريد إليه.فبعث إليه ثم دخل على حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال إني سائلك عن أمر فافرجيه عنى ثم همس في كم تشتاق المرأة
إلى زوجها .خفضت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها رأسها واستحيت.فأقبل عليها عمر رضي الله عنه ليخفف عنها وطأة الحرج قائلا إن الله لا يستحي من الحق.
أمسك الحياء لسانها فأشارت بيديها ثلاثة أشهر وإلا فأربعة أشهر.فكتب عمر رضي الله عنه أن لا تحبس الجيوش فوق ثلاثة أشهر.ارتقى عمر رضي الله عنه المنبر ذات
يوم تنبعث منه همهمات التسبيح والتحميد يمم وجهه شطر الجموع المتراصة وراح يقول.لاتغالوا في صداق النساء وإنه لا يبلغني عن أحد أنه ساق أكثر من شي ساقه رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل فعرضت له إمرأة من قريش .فقالت.يا أمير المؤمنين لكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك.
قال.كتاب الله فما ذاك.قالت.نهيت الناس آنفا أن يتغالوا في صداق النساء وقال الله تعالى في كتابه.وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا.
فقال عمر رضي الله عنه كل أحد أفقه من عمر.ثم رجع إلى المنبر فقال للناس.إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء.فليفعل كل رجل في ماله ما بدا له.في ليلة حالكة السواد
طاف الشيطان فيها برأس عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وأبى سروعة عقبة بن الحارث فأدارا بين أيديهم شرابا فشربا حتى سكرا فلما أصبحا انطلقا يهرولان إلى عمرو بن العاص
رضي الله عنه وهو أمير مصر ولوجودهما هناك.فقالا في بكاء ونحيب طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه .قال عمر بن العاص رضي الله عنه ادخلا الدار أطهركما .فدخلا الدار
وحلقا رأسهما ثم جلدا ولما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن ابعث إلى بعبد الرحمن على قتب رحل صغير على قد سنام البعير
ففعل ذلك وعندما قدم على عمر رضي الله عنه جلده وعاقبه لمكانه منه ولم يطبق عليه الحد مرة أخرى ثم أرسله فلبث شهرا صحيحا ثم أصابه قدره فمات.وعندما فرض عمر بن الخطاب
رضي الله لأسامة بن زيد رضي الله عنهما أكثر مما فرض لإبنه عبد الله رضي الله عنه.فقال عبد الله رضي الله عنه.يا أبت فرضت لأسامة بن زيد أربعة آلاف وفرضت لي ثلاثة آلاف
وما كان لأبيه أكثر مما كان لك وليس له من الفضل أكثر مما لي .قال عمر رضي الله عنه هيهات إن أباه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وكان هو أحب إلى رسول الله منك .
فرضي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بما فرض له من عطاء.خرج عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى السوق يوما في إحدى جولاته التفتيشية فرأى إبلا سمانا تمتاز
عن بقية الإبل التي في السوق بنموها وامتلائها فسأل إبل من هذه.قالوا.هذه إبل عبدالله بن عمر فانتفض أمير المؤمنين مأخوذا وقال عبدالله بن عمر بخ بخ يا بن أمير المؤمنين وأرسل في
طلبه فورا وأقبل عبدالله حتى وقف بين يدي والده وقال لإبنه ما هذه الإبل يا عبدالله فأجاب عبدالله إنها إبل أنضاء أي هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها إلى الحمى.أي المرعى الذي خصصه
أمير المؤمنين لإبل الصدقة.أتاجر فيها وابتغي ما يبتغي المسلمون فعقب عمر رضي الله عنه يعنف إبنه ويقول الناس حين يرونها أسقوا إبل أمير المؤمنين أرعوا أبل أمير المؤمنين وهكذا تسمن
إبلك ويربو ربحك يا بن أمير المؤمنين ثم صاح به يا عبدالله بن عمر خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل وإجعل الربح في بيت مال المسلمين.
و ما وقى ابنك عبد الله أينقه
لما اطلعت عليها في مراعيها
رأيتها في حماه وهي سارحة
مثل القصور قد اهتزت أعاليها
فقلت ما كان عبد الله يشبعها
لو لم يكن ولدي أو كان يرويها
قد استعان بجاهي في تجارته
و بات باسم أبي حفص ينميها
ردوا النياق لبيت المال إن له
حق الزيادة فيها قبل شاريها
في ذات يوم جلس عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في سكينة ووقار وحوله رهط من الصحابة والتابعين يقص عليهم الطرائف ويروى لهم النوادر .فقال.لقي رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان في زقاق من أزقة المدينة فدعاه الجني إلى المصارعة فصرعه الصحابي رضي الله عنه.فقال الجني دعني.
فتركه الصحابي.ثم قال الجني ثانية هل لك في المعاودة.فتصارعا فصرع الصحابي الجني وجلس على صدره .ثم قال الصحابي.أراك شخصا ضئيلا كأن ذريعتيك.
أي يديك ذريعتا كلب أو جني.قال الجني والله إني منهم أي من الجن.فقال الصحابي.ما أنا بالذي أدعك حتى تخبرني ما الذي يعيذنا منكم .قال الجني.آية الكرسي .
فقال رجل لابن مسعود رضي الله عنه.من ذلك الرجل.فقال.ومن عسى أن يكون إلا عمر رضي الله عنه.صعد عمر رضي الله عنه المنبر ذات يوم وصاح بالناس
يريد منهم النصح.أنشدكم الله لا يعلم رجل منى عيبا إلا عابه فارتفعت الهمهمات وكثر اللغط فقام رجلا قائلا.فيك عيبان.تهلل وجه عمر رضي الله عنه فبتسم قائلا.
وماهما يرحمك الله.قال الرجل.لك قميصان تلبس واحدا وتخلع الآخر وتجمع بين لونين من ألوان الطعام ولا يسع ذلك الناس .فقال عمر رضي الله عنه.والله لن
أجمع بين قميصين ولا بين طعامين .فظل كذلك رحمه الله حتى لقي الله.تربع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أسفل جدار صغير وحوله هالة من أصحابة تنساب
الكلمات من أفواههم حاملة العظة والطرفة وبينما هم كذلك ارتفعت بينهم رائحة كريهة.فقال عمر رضي الله عنه.عزمت على صاحب هذه الريح أن يقوم فيتوضأ.
تبادل القوم النظرات وأحسوا بالحرج فقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه.يا أمير المؤمنين نتوضأ جميعا أراد بذلك أن لا يعرف من الذي أخرج الريح فلا يصاب
بالحرج .إبتسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا.رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية و نعم السيد أنت في الإسلام .وفي يوم نشب خلاف بين عمر بن الخطاب
وأبى بن كعب رضي الله عنهما فقال عمر رضي الله عنه اجعل بيني وبينك رجلا.قبل أبى بن كعب رضي الله عنه فجعل بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه فأتياه
فقال عمر رضي الله عنه أتيناك لتحكم بيننا وفى بيته يؤتى الحكم.فلما دخلا عليه وسع زيد بن ثابت رضي الله عنه صدر فراشه لأمير المؤمنين وقال مشيرا بيده
ها هنا يا أمير المؤمنين.تغير وجه عمر رضي الله عنه وقال.هذا أول جور جرت في حكمك ولكن أجلس مع خصمي.فجلس عمر وأبى بن كعب رضي الله عنهما
بين يدي زيد بن ثابت رضي الله عنه وادعى أبى بن كعب وأنكر عمر رضي الله عنهما فقال زيد لأبى بن كعب في رجاء اعف عن أمير المؤمنين من اليمين وما كنت
لأسألك لأحد غيره.بادر عمر رضي الله عنه زيد بن ثابت وأبى بن كعب فحلف اليمين ثم أقسم ثانية لا يدرك زيد القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض عامة
المسلمين عنده سواء .وفي ذات ليله أزاح أمير المؤمنين عن جسده رداء النوم وراح يشق الظلام الحالك وإذا به يسمع أنين إمرأة ينبعث من بيت من شعر لم يكن بالأمس.
دنا عمر رضي الله عنه فرأى رجلا يجلس القرفصاء أمام الباب فسلم عليه ثم قال من الرجل.قال.رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله.
قال عمر رضي الله عنه ماهذا الصوت الذي أسمعه في البيت.فقال الرجل انطلق يرحمك الله لحاجتك.قال عمر رضي الله عنه على ذلك أقسمت بالله ماهذا الصوت.
فقال الرجل إمرأة تلد.قال عمر رضي الله عنه عندها أحد.فقال الرجل.لا.فنهض عمر رضي الله عنه مسرعا حتى أتى منزله فقال لزوجته أم كلثوم
بنت على رضي الله عنها هل لك في أجر ساقه الله إليك.قالت ماهو.قال.إمرأة غريبة تلد ليس عندها أحد.قالت.نعم إن شئت .قال.فخذي معك مايصلح المرأة
لولادتها من الخرق والدهن‏ وجيئيني بقدر شحم ودقيق فجاءت به وحمل عمر رضي الله عنه ذلك كله على أكتافه وقال لإمرأته انطلقي فمشت خلفه حتى بلغا بيت
الشعر.فقال لها.ادخلي إلى المرأة.وجاء حتى قعد إلى الرجل وأشعل النار تحت القدر وأخذ ينفخ والدخان يتخلل لحيته حتى أنضجها وولدت المرأة وصدح
صوت الطفل.فقالت أم كلثوم رضي الله عنها يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام.فلما سمع الأعرابي كلمة أمير المؤمنين فشهق بشدة وتنحى هيبة لعمر
رضي الله عنه.فقال له عمر رضي الله عنه مكانك كما كنت.وحمل القدر ووضعها عند الباب ثم قال أشبعيها ففعلت ثم أخرجت القدر فوضعتها على الباب فقام
عمر رضي الله عنه فأخذها فوضعها بين يدي الرجل وقال كل فإنك قد سهرت من الليل.ثم قال عمر رضي الله عنه لأمرأته إخرجي.وقال للرجل إذا كان غدا
فأتنا نأمر لك بما يصلحك ففعل الرجل فأجازه وأعطاه.
من رآه أمام القدر منبطحا
و النار تأخذ منه و هو يذكيها
و قد تخلل في أثناء لحيته
منها الدخان و فوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على
حال تروع لعمر الله رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده
و العين من خشية سالت مآقيها
وفي ذات مساء خرج الفاروق رضي الله عنه حاملا درته بين يديه يتبعه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه فإذا هو بضوء نار فأتاه حتى دخل دارا فإذا بشيخ إشتعل
رأسه شيبا جالس وبين يديه شراب وأمه تغنى فلم يشعر حتى هجم عليه عمر رضي الله عنه .فقال.ما رأيت كالليلة منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله.رفع الرجل
رأسه قائلا يا أمير المؤمنين إن ماصنعته أنت أقبح.تجسست وقد نهيت عن التجسس ودخلت بغير إذن.قال عمر رضي الله عنه صدقت.ثم خرج تجهش عيناه بالبكاء
ويقول في حزن ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه.كان يستخفى به من أهله فيقول الآن رآني عمر فيتتابع فيه .وهجر الشيخ مجلس عمر رضي الله عنه حينا فبينما
عمر رضي الله عنه جالس في ثلة من الناس إذا بالرجل قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في أخريات المجلس فرآه عمر رضي الله عنه.قال.على بهذا الشيخ.فأتى
فقيل له أجب أمير المؤمنين.قام الرجل وقد تساوره خوف من عمر رضي الله عنه وأنه سيوقع به العذاب بما رأى منه.فقال عمر رضي الله عنه أدنه منى فما زال
يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه والتقم أذنه هامسا أما والذي بعث محمدا بالحق رسولا ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منك ولا عبد الله بن مسعود فإنه كان معي.قال
الرجل فاغرا فاه يا أمير المؤمنين أدن منى أذنك فالتقم أذنه ولا أنا والذي بعث محمدا بالحق رسولا ماعدت إليه حتى جلست مجلسي هذا.فرفع عمر رضي الله عنه صوته
يكبر فما يدرى الناس من أي شئ يكبر.فقد عمر رضي الله عنه رجلا كان يغشى مجلسه مدة فخشي أن يكون قد أصابه مكروه فقال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
إنطلق بنا إلى منزل فلان فننظر.فأتيا منزل الرجل ووجدا بابه مفتوحا وهو جالس وامرأته تصب له في الإناء شرابا.همس عمر لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما.
هذا الذي شغله عنا.قال عبد الرحم بن عوف رضي الله عنه وما يدريك مافي الإناء.قال عمر رضي الله عنه طاردا ماتسرب إليه.أتخاف أن يكون هذا هو التجسس .
قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مؤكدا.بل هو التجسس.قال عمر رضي الله عنه وما التوبة من هذا.قال ابن عوف رضي الله عنه لا تعلمه بما اطلعت عليه
من أمره ولا يكونن في نفسك إلا خيرا.ثم انصرفا من حيث قدما.وفي ساعة متأخرة من الليل أندفع عمر بن الخطاب رضي اله عنه في شعاب المدينة يهتك الظلام بخطوات
ثابتة يتفقد أحوال الرعية فسمع صوت رجل في بيت يتغنى بكلمات ساقطة فتسور عمر بن الخطاب رضي الله عنه البيت عليه.وقال.ياعدو الله أظننت أن الله يسترك
وأنت في معصية.فقال الرجل.يا أمير المؤمنين لا تعجل علي إن كنت عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث.تجسست وقد قال تعالى .ولاتجسسوا.وتسور ت علي
وقال الله تعالى.وأتوا البيوت من أبوابها.ودخلت بغير إذن وقال لله تعالى .لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها.قال عمر رضي الله عنه فهل
عندك من خير إن عفوت عنك.قال الرجل نعم.فعفا عنه وخرج وتركه.
و فتية ولعوا بالراح فانتبذوا
لهم مكانا و جدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم
و الليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم و الخمر قد أخذت
تعلو ذؤابة ساقيها و حاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا
أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
و رمت تفقيههم في دينهم فإذا
بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة
و جئتـنا بثـلاث لا تباليـها
فأت البيوت من الأبواب يا عمر
فقد يُزنُّ من الحيطان آتيها
و استأذن الناس أن تغشى بيوتهم
و لا تلم بدار أو تحييها
و لا تجسس فهذي الآي قد نزلت
بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم و قد أكبرت حجتهم
لما رأيت كتاب الله يمليها
و ما أنفت و إن كانوا على حرج
من أن يحجك بالآيات عاصيها
جاء أعربي إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو حاجته فصاغها كالاتي.
قال الاعرابي.
يا ابا حفص جزيت الجـنة
اكسوا بنياتي و امهن
وكن لنا في ذا الزمان جنة
اقــسم بالله لتفـــــعلن
فرد عليه عمر رضي الله عنه قائلا.أفرئيت أن لم افعل.
فقال الاعرابي.
إذا أبا حفص لأمضين.
فقال عمر رضي الله عنه.وان مضيت.
فقال الاعرابي.
فوالله عنهن لتســـــألن
يوم تكون الاعطيات منَه
و موقف المسئول بينهن
أما إلى نار وإما إلى جنة
فبكى عمر رضي الله عنه ودخل إلى داره يبحث عن شيء يعطيه للاعرابي
فلم يجد إلا الثوب الذي عليه فخلعه واعطاه للاعرابي وهو يقول.
خذ هذا ليوم تكون فيه الإعطيات منه
وموقف المسئول بينهن
أما إلى نار و أما إلى جنة
أطلق رجل حنجرته صائحا يا أمير المؤمنين انطلق معي فأعدني على فلان فإنه ظلمني .فرفع عمر رضي الله عنه الدرة فضرب بها رأس الرجل وقال تدعون
عمر وهو معرض لكم حتى إذا أشتغل بأمر من أمور المسلمين أتيتموه أعدني أعدني.وانصرف الرجل وهو يتذمر غيظا.فقال عمر رضي الله عنه على
بالرجل .فأعطاه الدرة وقال له إمسك لتقتص منى.قال الرجل لا ولكن أدعها لله ولك.فقال عمر رضي الله عنه ليس كذلك إما تدعها لله وإرادة ماعنده
أو تدعها لي فأعلم ذلك.قال الرجل أدعها لله.فقال عمر رضي الله عنه انصرف.ثم ذهب عمر رضي الله عنه يمشى حتى دخل منزله ونحن معه فافتتح
الصلاة فصلى ركعتين و ثم جلس فقال.يا ابن الخطاب كنت وضيعا فرفعك الله وكنت ضالا فهداك الله وكنت ذليلا فأعزك الله ثم حملك على رقاب المسلمين
فجاء رجل يستعديك فضربته ما تقول لربك غدا إذا أتيته.قال الأحنف رضي الله عنه فجعل عمر يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض.
في شهر بؤونة من الأشهر القبطية أجتمع أهل مصر عند عمر و بن العاص رضي الله عنه وقالوا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها.
فقال لهم وماهي.قالوا.إنه إذا كان إثنتى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضيناها وجعلنا عليها شيئا من الحلي والثياب
أفضل ما يكون ثم ألقينا بها في النيل.بدت علامات الغضب الممزوج بالحزن على وجه عمرو بن العاص رضي الله عنه وقال إن هذا لا يكون في الإسلام
فإن الإسلام يهدم ما قبله.فأقام أهل مصر شهر بؤونة وأبيب ومسرى النيل لا يجري بقليل أو كثير من الماء حتى هموا بالرحيل.فكتب عمرو بن العاص
إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بذلك فأرسل إليه عمر رضي الله عنه قد أصبت إن الإسلام يهدم ماقبله وقد بعثت إليك ببطاقة فالقها في داخل النيل
إذا أتاك كتابي.ولما قدم الكتاب على عمرو بن العاص رضي الله عنه فتح البطاقة فإذا فيها.من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد.
فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر وإن كان الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك.فألقى عمرو بن العاص رضي الله عنه البطاقة في
النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للرحيل فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشرة ذراعا وقطعت تلك السنة السوء عن أهل مصر .
وفي ذات يوم أثناء سيره في الطريق وقف عمر رضي الله عنه مع رجل ثائر الرأس بارز عظام الوجنتين عليه وعثاء السفر.فقال له ما اسمك.قال الرجل
جمرة.قال ابن من.فقال ابن شهاب.قال ممن.فقال من الحرقة وهى ناحية بعمان.قال أين تسكن.فقال بحرة النار ناحية قرب المدينة.قال بأيتها.
فقال بذات لظى.قال عمر رضي الله عنه أدرك أهلك فقد احترقوا.فكان كما قال رضي الله عنه.وفي يوم جمعة انطلق صوت عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الجهوري يعظ الناس وينصح لهم وبينما هم كذلك هتف.ياسارية بن زنيم الجبل ياسارية بن زنيم الجبل ظلم من استرعى الغنم ثلاثا.رفع القوم رؤوسهم في
غرابة ولسان حالهم يقول.مابال عمر وأين سارية هذا ثم نزل عمر رضي الله عنه فالتف الناس حوله يسألونه فقال.وقع في قلبي أن المشركين هزموا إخواننا
وأنهم يمرون بجبل فإن احتموا به قاتلوا من وجه واحد وان جاوزوا هلكوا فخرج منى ماسمعتموه .فجاء البشير بعد شهر فأخبر أنهم هزموا فبينما نحن كذلك
إذ سمعنا صوتا ينادى يا سارية الجبل ثلاثا فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمهم الله .
في هاجرة الليل سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إمرأة وهى تهتف من خدرها.
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبـل
سهل المحيا كريم غير ملجـاج
فقال عمر رضي الله عنه وقد بدت عليه علامات الغضب لا يكون معي رجل تهتف به النساء في خدورهن على بنصر بن حجاج .
وعندما قدم عليه نصر بن حجاج قص شعره فخرجت وجنتان كأنهما شقتا قمر.وأمره عمر رضي الله عنه أن يطوق رأسه بعمامه ففعل .
ثم قال له لا تساكنني ببلد أنا فيه فبعثه عمر رضي الله عنه إلى البصرة.خشيت المرأة التي سمعها عمر رضي الله عنه على نفسها فدست إليه أبياتا تقول فيها.
قل للإمام الذي تخشى بـوادره
مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
إني عنيت أبا حفص بغيره
مـاشرب الحليب وطرف فاتر ساج
فبعث إليها عمر رضي الله عنه قد بلغني عنك خير وإني لم أخرجه من أجلك ولكن بلغني أنه يدخل على النساء فلست آمنهن .
جنى الجمال على نصر فغـربه
عن المدينة تبكيـه و يبكيـها
و كم رمت قسمات الحسن صاحبها
و أتعبت قصبات السبق حاويها
و زهرة الروض لولا حسن رونقها
لما استطالت عليها كف جانيها
كانت له لمة فينانة عجب
علـى جبـين خليـق أن يحليـها
و كان أنى مشى مالت عقائلها
شوقا إليه و كاد الحسن يسبيها
هتفن تحت الليالي باسمه شغفا
و للحسان تمنٍّ في لياليها
جززت لمته لما أتيتَ به
ففاق عاطلها في الحسن حاليها
فصحت فيه تحول عن مدينتهم
فإنها فتنة أخشى تماديها
و فتنة الحسن إن هبت نوافحها
كفتنة الحرب إن هبت سوافيها
خرج عمر رضي الله عنه ذات ليلة يجوب في أزفة المدينة ينظر أحوال الناس فمر بدار رجل من الأنصار فوافقه قائما يصلى فوقف يسمع قرأته فقرأ.(والطور.
وكتاب مسطور.في رق منشور.والبيت المعمور.والسف المرفوع.والبحر المسجور.إن عذاب ربك لواقع.ماله من دافع).فقال عمر رضي الله عنه قسم ورب
الكعبة حق ثم رجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس لايدرون مامرضه.حدث في عهد عمر بن الخطاب أن جاء ثلاثة أشخاص ممسكين بشاب وقالوا يا أمير المؤمنين
نريد منك أن تقتص لنا من هذا الرجل فقد قتل والدنا.قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.لماذا قتلته.قال الرجل.إني راعى إبل وأعز جمالي أكل شجره من أرض
أبوهم فضربه أبوهم بحجر فمات فامسكت نفس الحجر وضربته به فمات قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.إذا سأقيم عليك الحد قال الرجل.أمهلني ثلاثة أيام فقد مات
أبي وترك لي كنزاً أنا وأخي الصغير فإذا قتلتني ضاع الكنز وضاع أخي من بعدي فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن يضمنك.فنظر الرجل في وجوه الناس فقال
هذا الرجل.فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا أبا ذر هل تضمن هذا الرجل.فقال أبو ذر رضي الله عنه نعم يا أمير المؤمنين.فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إنك لا تعرفه وأن هرب أقمت عليك الحد.فقال أبو ذر رضي الله عنه أنا أضمنه يا أمير المؤمنين.ورحل الرجل ومر اليوم الأول والثاني والثالث وكل الناس كانت قلقله
على أبو ذر رضي الله عنه حتى لا يقام عليه الحد وقبل صلاة المغرب بقليل جاء الرجل وهو يلهث وقد أشتد عليه التعب والإرهاق ووقف بين يدي أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه.قال الرجل لقد سلمت الكنز وأخي لأخواله وأنا تحت يدك لتقيم علي الحد.فاستغرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال ما الذي أرجعك كان
ممكن أن تهرب.فقال الرجل خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس.فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبو ذر لماذا ضمنته.فقال أبو ذر خشيت أن يقال
لقد ذهب الخير من الناس.فتأثر أولاد القتيل فقالوا لقد عفونا عنه.فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لماذا.فقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس.
ما كان إلا الشمس يسطع ضوؤها
والخصب في أرض الضلال الماحلِ
قف أيها التاريخ سجل صفحةً
غراء تنطق بالخلود الكاملِ
حَرِّك بسيرته القلوب وقد قست
وعدت بقسوتها كصُمِّ جنادلِ
وفي حجة عمر رضي الله عنه الأخيرة وقف على عرفة ووقف الناس حوله وسمعوه يدعو بهذا الدعاء.يارب كبرت سني وضعف جسدي وانتشرت رعيتي فاقبضني
إليك غير مفرط في حق المسلمين.وعندما رجع عمر رضي الله عنه من الحج إلى المدينة رأى رؤيا فجمع الناس للصلاة.وقال يا أيها الناس رأيت رؤيا أراها حقا
رأيت ديكا ينقرني بنقرتين وما أراها إلا وفاتي أو استشهادي وأرى أن قاتلي أعجمي وليس عربيا.ثم أخذ يدعو اللهم ارزقني شهادة في سبيلك وموته في بلد رسولك
ثم دخل على إبنته حفصة أم المؤمنين.فقالت له كيف تموت في المدينة حصن المسلمين.فقال لها.إذا شاء الله فسيأتيني بها.وكان يقول.اللهم أشكو إليك قوة الفجرة
وضعف الثقات.كان قلقا على الأمة قبل أن يغادرها.وكان يقول للمسلمين.من يدلني على رجل أستعمله.قالوا.كلنا ثقات يا أمير المؤمنين.فيقول أبحث عن رجل إذا
كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم لم يشعروا أنه أميرهم.
فمات بعدها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه شهيدا.في يوم الأربعاء 26 ذو الحجة
سنة 23 هجرية في المدينة المنورة بيد الغدر والحقد والغل فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسي
الكافر الفارسي الأصل وأسمه فيروز وكنيته أبو لؤلؤة المجوسي وكان غلامًا للمغيرة
بن شعبة.وقد طلب المغيرة من عمر رضي الله عنه أن يستثنيه من قرار لعمر رضي الله عنه
بعدم إقامة السبايا الذين تعدوا سن الحلم في المدينة من غير المسلمين فأراد عمر رضي الله عنه
أن يجامل المغيرة بن شعبة فقال.ليبق الشاب في المدينة وكان عبداً نجاراً حداداً ماهرا للحدادة
والنقاشة.وكان أيضا يصنع الرحاء والرحاء جمع رحى وهي آلة لطحن الشعير والقمح وهي
حجران مصفحان يوضع أحدهما فوق الآخر ويطرح الحب بينهما وتدار باليد فيطحن عليها.
وكان المغيرة بن شعبة يتقاضى من عبده فيروز أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي مائة درهم شهريا
مقابل السماح له بالعمل لدى الآخرين في المدينة.ذهب أبو لؤلؤة المجوسي يشكو سيده المغيرة
لدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لإكراهه على دفع هذا المبلغ شهريا وكانت هذه أول مقابلة
بين عمر رضي الله عنه وقاتله العبد المجوسي فقال له عمر رضي الله عنه هذا المبلغ معقول
إذا قورن بما تكسب من المال فاتق الله في سيدك.وحين التقى عمر رضي الله عنه بالمغيرة
أو صاه أن يخفف العبء على عبده وأن يقلل المال الذي يتقاضاه من غلامه.فكان العبد المجوسي
يمشي في المدينة ويقول عمر يعدل مع كل الناس إلا أنا.كانت هذه الأقاويل غطاء وستاره لمؤامرة
تحاك ضد عمر رضي الله عنه أطرافها أربعة يهودي وثلاثة من المجوس الفرس أحدهم أبو لؤلؤة
المجوسي الذي على يده تمت المؤامرة.اتفق الأربعة على الخلاص من عمر رضي الله عنه.رآهم
عبد الرحمن بن أبي بكر يجتمعون في ذات يوم وقد سقط من بين أيديهم خنجر مدبب من طرفيه الحادين
فهو إن طعن بحده اليمين قتل وإن طعن بحده اليسار قتل فلم يفطن عبد الرحمن بن أبي بكر إلى سبب
اجتماعهم إلى أن إعتدى أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي على حياة عمر رضي الله عنه.فبعد ما صنع
العبد المجوسي للخنجر أخذ يطلاه بالسم حتى إذا طعن به يقتل إما بقوة الطعن أو السم.فلقيه عمر
رضي الله عنه يوماً في الطريق فسأله وقال.حدثت أنك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح.
فالتفت العبد المجوسي الفارسي المشرك عابساً إلى عمر رضي الله عنه.وقال.بلى.لأصنعن لك
رحى يتحدث بها أهل المشرق والمغرب.فلتفت عمر رضي الله عنه إلى من معه من الصحابة وقال.
أسمعتم توعدني العبد إنه يريد قتلي.فقالوا إذا نقتله.قال أأقتل إنسانا بالظن لا والله أألقى الله وفي رقبتي
دم بالظن والله لا أفعلها.قالوا غدا ننفيه قال أأظلم إنسانا أخرجه من أرض هو فيها لظني أنه قاتلي
لو كان الله يريد ذلك فإن أمر الله كان قدرا مقدورا.ثم مضى العبد المجوسي الفارسي يتحين الفرصة
للانتقام من أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه.وفي يوم 23 من ذي الحجة من عام 23هجري
في ظلمة الليل الدامس جاء العبد المجوسي وأختبأ لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
زاوية من زوايا المسجد فلم يزل هناك حتى دخل عمر رضي الله عنه إلى المسجد ووقف في روضة النبي
عليه الصلاة والسلام في محرابه إماما للمسلمين.ينبه الناس لصلاة الفجر فأقيمت الصلاة وتقدم بهم عمر
رضي الله عنه فكبر وعندما أبتدر القراءة خرج عليه العبد أبو لؤلؤة المجوسي المشرك فعاجله بالخنجر
بثلاث طعنات وقعت الأولى في صدره والثانية في جنبه والثالثة تحت سرته.فصرخ عمر رضي الله عنه قتلني الكلب
طعنني الكلب.ووقع على الأرض وهو يردد قوله تعالى.وكان أمر الله قدراً مقدوراً.فاتجه الصحابة نحو العبد
أبو لؤلؤة المجوسي.فأخذ يجري بسكينه يشق صفوف المصلين يطعن بهم يميناً وشمالاً.حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً
مات منهم سبعة.ثم وقف شاهراً سكينه لما رأى أنهم أحاطوا به فما يقترب منه أحد إلا طعنه فاقترب منه عبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه فألقى بعباءته على رأس العبد أبو لؤلؤة المجوسي وقام يلفها حول رقبته ولما تأكد العبد أبو لؤلؤة
المجوسي أنهم قدروا عليه قتل نفسه بالخنجر منتحرا حتى لا يمسك به الصحابة.فسأل عمر رضي الله عنه أين ابن عوف
يا بن عوف صلّ بالمسلمين أدرك المسلمين ألا يخرجوا من الصلاة فصلى بهم ركعتين الأولى قرأ فيها إنا أعطيناك الكوثر
والثانية إذا جاء نصر الله والفتح وتعجل بالصلاة وحُمِل عمر رضي الله عنه مغشياً عليه إلى بيته وانطلق الناس معه يبكون.
وظل مغمى عليه حتى كادت أن تطلع الشمس فلما أفاق نظر في وجوه من حوله.ثم كان أول سؤال سأله أن قال.أصلى الناس
قالوا.نعم.فقال.الحمد لله لا إسلام لمن ترك الصلاة.ثم دعا بماء فتوضأ وأراد أن يقوم ليصلي فلم يقدر.فأخذ بيد ابنه عبد الله
رضي الله عنه فأجلسه خلفه وتساند إليه ليجلس.فجعلت جراحه تنزف دماً.قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه والله إني لأضع
أصابعي فما تسد الجرح فربطنا جرحه بالعمائم فصلى الصبح.ثم قال.يا ابن عباس انظر من قتلني.فقال.طعنك الغلام
المجوسي ثم طعن معك رهطاً ثم قتل نفسه.فقال عمر رضي الله عنه الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة
سجدها له قط .ثم دخل الطبيب على عمر لينظر إلى جرحه فسقاه ماءً مخلوطاً بتمر فخرج الماء من جروحه فظن الطبيب أن الذي
خرج دم وصديد فأسقاه لبناً فخرج اللبن من جرحه الذي تحت سرته فعلم الطبيب أن الطعنات قد مزقت جسده الطاهر.فقال.يا أمير المؤمنين
أوص فما أظنك إلا ميتاً اليوم أو غداً.فقال عمر رضي الله عنه صدقتني ولو قلت غير ذلك لكذبتك.ثم قال والله لو أن لي الدنيا كلها
لأفتديت به من هول المطلع يعني الوقوف بين يدي الله تعالى عز وجل.فقال ابن عباس.وإن قلت ذلك فجزاك الله خيراً.أليس قد دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله بك الدين والمسلمين.إذ يخافون بمكة فلما أسلمت كان إسلامك عزاً وظهر بك الإسلام
وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين ثم قبض وهو عنك راضٍ
ووازرت الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعده وقُبض وهو عنك راض ثم وليت بخير ما ولي الناس مصّر الله بك الأمصار
وجبا بك الأموال ونفى بك العدو ثم ختم لك بالشهادة فهنيئا لك.فقال عمر رضي الله عنه أجلسوني.فلما جلس قال لابن عباس أعد عليَّ كلامك.
فلما أعاد عليه.قال والله إن المغرور من تغرونه.أتشهد لي بذلك عند الله يوم تلقاه.فقال بن عباس.نعم.ففرح عمر رضي الله عنه.وقال.
اللهم لك الحمد.ثم جاء الناس فجعلوا يثنون عليه ويودعونه وجاء شاب.فقال.أبشر يا أمير المؤمنين صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم وليت فعدلت ثم شهادة.فقال عمر رضي الله عنه.وددت أني خرجت منها كفافاً لا عليَّ ولا لي.فلما أدبر الشاب فإذا إزاره يمس الأرض.
فقال عمر ردوا علي الغلام.قال يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.ثم اشتد الألم على عمر رضي الله عنه وجعل يتغشاه الكرب
ويغمى عليه.قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه غشي على أبي فأخذت رأسه فوضعته في حجري فأفاق.فقال ضع رأسي في الأرض ثم غشي عليه
فأفاق ورأسه في حجري.فقال ضع رأسي على الأرض.فقلت وهل حجري والأرض إلا سواء يا أبتاه.فقال أطرح وجهي على التراب لعل الله تعالى
أن يرحمني.فرغب عمر رضي الله عنه في أيام مرضه أن يدفن إلى جانب صاحبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه.
فقال لإبنه عبد الله رضي الله عنه.انطلق إلى عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين.فقل.يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست
اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه.أنطلق إليها عبد الله فسلم واستأذن فقال لها.يقرأ عليك عمر بن الخطاب
السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه.فقالت.كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.فلما رجع عبد الله قال له عمر رضي الله عنه ما لديك.
قال.الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت.قال.الحمد لله ما كان من شيء أهم إلي من ذلك فإذا قضيت فاحملوني.ثم سلم فقل.يستأذن عمر بن الخطاب
فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وقال عمر رضي الله عنه فإذا قبضت
فأسرعوا بي إلى حفرتي فإنما هو خير تقدموني إليه أو شر تضعونه عن رقابكم.ثم قال ويل لعمر وويل لأمه إن لم يغفر له.
ثم ضاق به النفس واشتدت عليه
السكرات ثم مات رضي الله عنه وأرضاه شهيدا.
وقد ظل عمر رضي الله عنه ثلاثة أيام يفيق ثم يغشى عليه.
فبعد أن أنتقلت روحه الزكية إلى باريها دفن رضي الله عنه في حجرة النبي الشريفة بجوار المصطفى
عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وبعد ثلاثة أيام بايع المسلمون عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد أن تولى زمام أمور المسلمين بلال بن رباح
رضي الله عنه.
مولى المغيرة لا جادتك غادية
من رحمة الله ما جادت غواديها
مزقت منه أديما حشوه همم
في ذمة الله عاليها و ماضيها
طعنت خاصرة الفاروق منتقما
من الحنيفة في أعلى مجاليها
فأصبحت دولة الإسلام حائرة
تشكو الوجيعة لما مات آسيها
مضى و خلـّفها كالطود راسخة
و زان بالعدل و التقوى مغانيها
تنبو المعاول عنها و هي قائمة
و الهادمون كثير في نواحيها
حتى إذا ما تولاها مهدمها
صاح الزوال بها فاندك عاليها
واها على دولة بالأمس قد ملأت
جوانب الشرق رغدا في أياديها
كم ظللتها و حاطتها بأجنحة
عن أعين الدهر قد كانت تواريها
من العناية قد ريشت قوادمها
و من صميم التقى ريشت خوافيها
وقال شاعر آخر يرثي موت خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فلقاه ربي في الجنان تحية
ومن كسوة الفردوس ما لم يمزق
نِلْتَ الشهادة فاهنأ أيها العمر
بمثل عدلك تُبْنَى ما انتهت دول
أمامك الجنة الخضراء فاهنأ بها
لا يُرْتَجَى العمر يومًا إن دنا الأجل
انْعَم بخلدك في أبهائها فرحًا
إنَّ الخلود جزاء أيها البطل
وقال شاعر آخر ايضا يرثي موت خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لقد كان بدرًا يستضاء بنوره
فأضحى رهينًا في المقابر ثاويًا
تغمده الرب الكريم بفضله
ولا زال هَطَّالا من العفو هاميًا
على قبره يهمي عشية وبكرة
وبوَّأه قصر من الخلد عاليًا
كان عمر رضي الله عنه مع عدله ورحمته يخشى أن يموت وهو مقصر في حق رعيته وكم كان يتمنى أن يذهب إلى الناس في الولايات
الثمانية ليدرس مشكلاتهم ويحقق رغباتهم وقد ورد عنه أنه قال في آخر حياته لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولا أي عامًا
فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني لا أطلع عليها أما عمالهم أي ولاتهم فلا يرفعونها إلى وأما هم فلا يصلون إلى فأسير إلى الشام فأقيم
بها شهرين والجزيرة شهرين وبمصر شهرين وبالبحرين شهرين وبالكوفة شهرين وبالبصرة شهرين.والله لنعم الحول هذا لكن القدر لم يمهله
فاستشهد رضي الله عنه قبل أن تتحقق هذه الأمنية
له أمنياتٌ قَدَّسَ الله سِرَّها
لتحقيقها في الأرض يرسو ويبحرُ
يَكِلُّ جناح النسر دون بلوغها
وفي دربها الخيل الأصيلة تعثرُ
لقد طبق عمر رضي الله عنه المبادئ الإسلامية على نفسه أولا قبل أن يطلب من غيره تنفيذها.وكان يشترط على من يُولِّيه أمرَ المسلمين ألا يتعالى
عليهم ولا يستأثر لنفسه بشيء دونهم ولا يغلق في وجوههم بابه.وكان لا يتباطأ في معاقبة المسئولين في حزم وقوة إن هم أساءوا إلى الرعية
فالناس قد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا وليس من حق أحد أن يستعبدهم حتى لو كان واليًا فكان عمر بحق كما وصفه على بن أبى طالب رضي الله عنه
إذ قال لعثمان يومًا في كتاب الله(يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)القصص 26.وهو الذي جعل من القلة كثرة ومن الضعف قوة
ومن الذل عزّا ومن الموت حياة وأخرج من الصحراء رجالا كانوا أمثلة عظيمة في العدل والإحسان ولم يكن وراء هؤلاء إلا الإيمان المتين والخلق الصالح
والأخذ بأسباب النصر والعمل الجاد المخلص لله عز وجل.وقد أتسم عهد الفاروق عمر رضي الله عنه بالعديد من الإنجازات الإدارية والحضارية.لعل
من أهمها أنه أول من اتخذ الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي.وهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان المبارك.كما أنه أول من دون الدواوين.
وقد اقتبس هذا النظام من الفرس.وهو أول من عسّ في عمله يتفقد أحوال رعيته في الليل.وهو أول من اتخذ بيت المال وهو واضع الخراج.وهو أول من
اهتم بإنشاء المدن الجديدة وهو ما كان يطلق عليه تمصير الأمصار.وكانت أول توسعة لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده.فأدخل فيه دار
العباس بن عبد المطلب وفرشه بالحجارة الصغيرة فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق
فبُسِط في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.وهو من استقضـى القضـاة.وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة.وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجها.
كما أنه هو أول من قنن الجزية على أهل الذمة فأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال وجعلها ثمانية وأربعين درهمًا على الأغنياء وأربعة وعشرين على
متوسطي الحال واثني عشر درهمًا على الفقراء.وهو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة.
حدث كل ذالك في عشر سنوات وستة أشهر وأربعة أيام.كان بوسع التاريخ أن يمر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه سريعا كما مر على آلاف بل الملايين
من البشر ولكنه توقف عنده ليضيف بين طيات سطوره صفحات خالدة مازال يرن صداها حتى اليوم وسيضل يرن صداها إلى أن تقوم الساعة.فما تلك الفتوحات
الإسلامية الكبرى وإنجازاته العظماء ومناقبه الشماء التي عطرة بها سيرته الجليلة كتب السير والتاريخ ودواوين القصص والأدب إلا شاهدا على علو منزلته
رضي الله عنه وأرضاه.
هذي مناقبه في عهد دولته
للشاهدين و للأعقـاب أحكيـها
في كل واحدة منهن نابلة
من الطبائع تغذو نفـس واعـيها
لعل في أمة الإسلام نابتتة
تجلو لحاضرها مـرآة ماضيـها
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها
من الصروح و ما عاناه بانيها
وحسبها أن ترى ما كان من عمر
حتى ينبه منها عين غافـيها
وهكذا يسدل التاريخ عن سيرة أعظم الرجال على الإطلاق بعد سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ترتسم سطورها بماء الذهب وأحرف من نور لتكون نبراسا يقتدي فيها النجباء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم المحب
شذرات الحروف
تم ولله الحمد والمنه تجميع هذه الشذرات العطرة من سيرة حياة أمير المؤمنين الفاروق
أبا حفص عمر بن الخطاب الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه في تاريخ
‏‏03:15 ص ‏15/‏02/‏1431
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

جزاك الله خير وبارك الله فيك
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وانتي اختي الكريمة
الحنان كله
جزاك الله خير وبارك الله فيك
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

بارك الله فيك
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

بارك الله فيكم احبتي ابن السهل وسفير قحطان
وحمزة محمد المقعدي وأم احمد رمزي
على دعواتكم الطيبة ومروركم الكريم
الذي تشرف به متصفحي ولكم اسمى الود
والاعتزاز
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

جزاك الله خير
سيرةعمر يحق لناكتابتها بماء الذهب
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

بارك الله فيك اختي الكريمة زهرة الياسمين على مرورك العطر ودعوتك الطيبة
لاشك اختي الفاضلة ان سيرة الفاروق من اعظيم السير واجلها
ومناقبها من اسمى ديابيح السموا الى معالي النبل والقيم
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

[align=center]رضي الله عن الخليفة العادل سيدنا عمر بن الخطاب
بارك الله فيك واثابك الفردوس الاعلى
[/align]
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وانتي اختي الكريمة الراضية
بارك الله فيك واثابك الفردوس الاعلى
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

رضي الله عنه وأرضاه

كتب الله لك الأجر والثواب
 
رد: سيرة حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وانت اخي الحبيب علي المنتشري بارك الله فيك
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى