سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

شذرات الحروف

عضو جديد
سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة حياة سيدنا الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه
الحمد لله رب العالمين.وصلاة والسلام على خاتم الأنبياء المرسلين.وعلى آله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
احبتي الكرام حصل خطأغيرمقصود في الموضوع السابق لأنهن كانن في ملف واحد لذا أرجو من المشرفين خذف الموضوع الأول لان هذا هو الاصلي
أما بعد
إن حديثنا اليوم أيها الأحبة سيكون عن سيرة رجل من عظماء الرجال ونجيب من نجبائها الفضلاء وحكيم
من حكمائها النبلاء وعلم من أعلامها الأشماء إن حديثنا اليوم سيكون عن شمائل ثالث الخلفاء الراشدين الذي
قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ وأحد العشرة المبشرين
بالجنة وأحد الستة الذي جعل عمر رضي الله عنه الأمر شورى بينهم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو عنه راضٍ صلى إلى القبلتيـن وهاجر الهجرتيـن وبمقتله شهيدا كانت الفتنة الأولى في الإسلام.نستلخص
من سيرته العطرة الدروس والعبر وسموا شمائل ديابيجها الغرر.إنه ذو النورين الخليفة الزاهد الصحابي
الجليل الشجاع الكريم الورع الرحيم التقي الحليم.زوج إبنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم
فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليسبغ جزافا لقب ذو النورين على عثمان رضي الله عنه.وما علة ذلك
إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في موقع الحكم على معادن الرجال.فكان النبي صلى الله عليه وسلم
أكثر القوم فراسة في التميز بين النير الصالح والدجال الطالح.إن عثمان بن عفان رضي الله عنه يعتبر من
عظماء قريش وسيد من ساداتها وشريف من شرفائها ونجيب من نجبائها فكان في أيام الجاهلية من أفضل الناس
في قومه فهو عريض الجاه ثري وكان أجود أهل زمانه شديد الحياء عذب الكلمات.فكان قومه يحبونه أشد
الحب ويوقرونه ويحترمونه لكرم أخلاقه.حتى قيل إن المرأة إذا كانت ترقص صبيها تقول أحبك الرحمن
حب قريش عثمان.ولد ونشأ في مكه المكرمة على القول الراجح وقيل ولد في الطائف ونشأ في مكه المكرمة.
بعد عام الفيل بخمس سنين وقيل بست سنين على القول الأصح أي ولد بعد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم
بست سنوات في بيت شريف فأبوه كان صاحب المجد والوجاهه والكرم في قومه.فنسبه رضي الله عنه هو
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن
لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد
بن عدنان.وعفـّان هو إبن عم الصحابي الجليل أبي سفيان بن حرب لحاً.فهو ينتمي إلى بطن وفخذ بني
أمية من قبيلة قريش.يلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد الرابع من جهة أبيه.وأمه
هي الصحابية الجليلة أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن
كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار
بن معد بن عدنان.وأروى هي إبنة البيضاء بنت حكيم بن عبد المطلب عمة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
وأم أم حكيم هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.وهي جدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنجبت أروى مرتين من عفان أنجبت عثمان وأخته أمنة.وبعد وفاة عفان تزوجت أروى من عقبة بن أبي معيط.
وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت وهم.الوليد بن عقبة.وخالد بن عقبة.وعمرو بن عقبة.وأم كلثوم بنت عقبة.
وقد أسلمت أم عثمان وماتت في خلافة إبنها عثمان رضي الله عنه وكان ممن حملها إلى قبرها.وأما أبوه
فهلك في الجاهلية كافرا.إن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يسجد في الجاهلية لصنم قط ولم يقترف
فاحشة قط ولم يشرب خمرا قبل الإسلام ولا بعده وكان.يقول.إنها تذهب العقل والعقل أسمى ما منحه الله
للإنسان وعلى الإنسان أن يسمو به لا أن يصارعه.ويقول عن نفسه مَا تَغَنَّيْتُ وَلاَ تَمَنَّيْتُ وَلاَ مَسَسْتُ ذَكَرِي
بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ شَرِبْتُ خَمْرًا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ وَلاَ زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ فِي إِسْلاَمٍ.
اهتم بتجارته التي ورثها عن والده ونمت ثروته وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش
فقد كان المجتمع المكي الجاهلي الذي عاش فيه عثمان رضي الله عنه يقدر الرجال حسب أموالهم ويُهاب
فيه الرجال حسب أولادهم وإخوتهم وعشيرتهم وقومهم.فنال عثمان رضي الله عنه مكانة مرموقة في قومه
ومحبة كبيرة.أما صفات.عثمان بن عفان رضي الله عنه الخَلْقِية.فكان رَبْعَة أي معتدل القامة ليس طويلاً
ولا قصيرًا حسن الوجه أبيض مشربًا بحمرة رقيق البشرة عظيم الكراديس.أي مفاصل عظامه كانت عظيمة.
بعيد ما بين المنكبين أضلع أروح الرجلين أقنى الأنف خدل الساقين طويل الذراعين شعره قد كسا ذراعيه كثير
شعر الرأس جعد الشعر أحسن الناس ثغرًا.جمته أسفل من أذنيه عظيم اللحية ويصفر لحيته.أسلم عثمان رضي
اللَّه عنه في أول الإسلام قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.وكان عمره قد ناهز الرابعة
والثلاثين حين دعاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الإسلام.فقال له‏ أبو بكر رضي الله عنه.ويحك يا عثمان
واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل.هذه الأوثان التي يعبدها قومك أليست حجارة صماء لا
تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع‏.فقال‏.بلى واللَّه إنها كذلك.قال أبو بكر‏‏.هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه
برسالته إلى جميع خلقه فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏.فقال‏.نعم‏.‏ فلم يعرف عنه تلكؤًا أو تلعثمًا بل كان
سبَّاقًا أجاب على الفور دعوة الصديق فكان بذلك من السابقين الأولين.وكان بذلك رابع من أسلم من الرجال.
وفي الحال مرَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.فقال‏.يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى
جميع خلقه‏‏‏.‏قال.فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له
وأن محمد عبده ورسوله حتى أسلمت على الفور.ولعل هذا السبق إلى الإسلام كان نتيجة لما حدث له عند
عودته من الشام.وقد قصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل عليه هو وطلحة بن عبيد الله
رضي الله عنهما ليتعلما فرائض الإسلام فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن وأنبأهما بحقوق
الإسلام ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا.فقال عثمان رضي الله عنه يا رسول الله قدمت حديثًا من
الشام فلما كان بين معان والزرقاء فنحن كالنيام فإذا منادٍ ينادينا.أيها النيام هبُّوا فإن أحمد قد خرج بمكة.فقدمنا
فسمعنا بك.لا شك أن هذه الحادثة تترك في نفس صاحبها أثرًا عجيبًا لا يستطيع أن يتخلى عنه عندما يرى
الحقيقة ماثلة بين عينيه فمن ذا الذي يسمح بخروج النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إلى البلد الذي يعيش
فيه حتى إذا نزله ووجد الأحداث والحقائق تنطق كلها بصدق ما سمع به ثم يتردد في إجابة الدعوة.فقد تأمل
في هذه الدعوة الجديدة بهدوء كعادته في معالجة الأمور فوجد أنها دعوة إلى الفضيلة ونبذ الرذيلة دعوة إلى
التوحيد وتحذير من الشرك دعوة إلى العبادة وترهيب من الغفلة ودعوة إلى الأخلاق الفاضلة وترهيب من الأخلاق
السيئة ثم نظر إلى قومه فإذا هم يعبدون الأوثان ويأكلون الميتة ويسيئون الجوار ويستحلون المحارم وإذا بالنبي
محمد صلى الله عليه وسلم صادق أمين يعرف عنه كل خير ولا يعرف عنه شر قط فلم تُعهد عليه كذبة ولم
تحسب عليه خيانة.عندئذ فلم يتلكؤًا ولم يتبأطأ بل كان سبَّاقًا إلى الإسلام لبا النداء ونبذ الجاهلية الغبراء
وقال أن الدين الجديد لجدار داري لا يلامس و لا يداهم.وكذا تكون النفس سهلة أخذها إذا كانت قريبة من
الفطرة.لأن جاهلية عثمان رضي الله عنه شديدة الشبه بجاهلية فئة من أحناف العرب.هؤلاء الذين رغبوا
عنها وعن تقاليدها وهم لها بعياب.وإن عثمان رضي الله عنه لم يترب له يد من قبل في نعرة الجاهلية
ولم يلم بمجالسها الرزية.فعثمان رضي الله عنه لم يرتدي رداء جهل أو جاهلية بمعناها المفهوم.فأتا إسلامه
بالمقابل لينا هينا.فمضى في إيمانه قدمًا قويًّا هاديًا وديعًا راضيًا عفوًّا محسنًا سخيًّا باذلاً.يواسي المؤمنين
ويعين المستضعفين حتى اشتدت قناة الإسلام.ولقد أوذي عثمان رضي الله عنه وعُذب في سبيل الله تعالى
على يد عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه رباطًا وقال أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث
والله لا أحلك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين.فقال.عثمان رضي الله عنه والله لا أدعه أبدًا ولا
أفارقه.فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.إن عثمان بن عفان رضي الله عنه لهو أكثر الصحابة شبها
برسول الله صلى الله عليه وسلم في إتزانه وحياءه.وكان أكثر شبها بالرسول من نفسه في عطاءه.بل
يتعداه إلى أوجه شبه تصعب الحصر في مضمار الخلال الخلقية والسجايا الزكية.وأكثر العشرة المبشرة قربا
إلى الجنة.وكان عثمان رضي الله عنه قد هاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة.والثانية إلى المدينة المنورة.
فقد هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.وكان
قد تزوج عثمان رضي الله عنه في حياته ثماني زوجات كلهن بعد الإسلام وأنجب منهن بنين وبنات معدا زوجته
أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها ماتت ولم تنجب له أحد.أما زوجاته وأبنائه وبناته رضي الله
عنهم جميعا.فهم كما يلي.فزوجته الأولى هي.رقية بنت رسول الله رضي الله عنها إبنة أم المؤمنين خديجة
بنت خويلد رضي الله عنها وقد ولدت رقية رضي الله عنها في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بنحو سبعة
أعوام وتكنى أمّ عبد الله.وقد تزوجها في الجاهلية عتبة بن أبي لهب قبل الإسلام وهي دون العاشرة.وعتبة هو
بن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد البعثة لما نزل قوله تعالى( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).قال له أبوه
أبو لهب وأمه أم جميل بنت حرب حمالة الحطب فارق إبنتَ محمد.فطلقها عتبة ولم يكن قد دخل بها بعد.كرامة
من اللَّه تعالى لها وهوانًا لإبن أبي لهب.وما كاد عثمان بن عفان رضي الله عنه يسمع بخبر طلاق رقية رضي
الله عنها حتى استطار فرحًا وبادر فخطبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها الرسول صلى الله عليه
وسلم من عثمان في مكة وزفتها إليه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.وقد كان عثمان رضي
الله عنه من أبهى قريش طلعة وكانت هي تضاهيه قسامة وصباحة.فكان يقال لها حين زفت إليه.أحسن زوجين
رآهما إنسان رقية وزوجها عثمان.وقد أسلمت رقية رضي الله عنها حين أسلمت أمها خديجة رضي الله عنها.
وبعد زواجها من عثمان رضي الله عنهما هاجرا معا إلى أرض الحبشة.وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم.إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوطٍ.وبقيا في ضيافة النجاشي عدة سنوات فولدت رقية لعثمان رضي
الله عنهما إبنه عبد الله الأكبر وذالك قبل الهجرة بعامين والذي يكنى فيه.وكان يكنى عثمان رضي الله عنه في
الجاهلية أبا عمرو.إلا أن عبد الله الأكبر مات صغيرا بالمدينة المنورة.حيث كان عمره ست سنين.وكان
سبب موته أنّ ديكا نقره في عينه فتورم وجهه فمرض ثم مات.وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبره.ولم تلد رقية لعثمان رضي الله عنهما غيره.وفي السنة العاشرة من البعثة عاد بعض المهاجرين من
الحبشة إلى مكة وفيهم عثمان ورقية رضي الله عنهما وذلك عندما أشيع أن قريشا قد أسلمت.ثم هاجرا
إلى المدينة بعيد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.روي عن عبد الرحمن بن عثمان.أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم دخل على إبنته رقية وهي تغسل رأس عثمان رضي الله عنهما.فقال.يَا بُنَيَّةُ أَحْسِنِي
إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا.وفي السنة الثانية من الهجرة النبوية أيام غزوة بدر مرضة
رقية رضي الله عنها بمرض الحصبة.فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه أن يبقى
عند رقية بالمدينة لكي يمرضها.أي يطببها.وعدَّه الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل بدر وأسهم له في
غنائمها.عن ابن عمر رضي الله عنهما.قال.إنما تغيب عثمان عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم.إنَّ لك أجر رجل ممن شهد بدرا
وسهمه.إلا أنها ماتت رضي الله عنها في ليالي بدر وذالك في يوم وصول زيد بن حارثة رضي الله عنه
إلى المدينه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عائدون من مقبرة البقيع بعد دفن رقية رضي الله
عنها يحمل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشرى بالنصر على المشركين في غزوة بدر.فحزن
عثمان رضي الله عنه على وفات رقية رضي الله عنها حزنا شديدا.روى سعيد بن المسيب.أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم رأى عثمان بعد وفاة رقية مهمومًا لهفانا‏.‏فقال له‏ ما لي أراك مهمومًا‏‏.فقال‏.‏يا رسول اللَّه وهل
دخل على أحد ما دخل عليَّ ماتت إبنة رسول اللَّه التي كانت عندي وانقطع ظهري وانقطع الصهر بيني وبينك‏.
‏وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند باب المسجد.فقال.يَا عُثْمَانَ هَذَا
جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا.وكان ذلك سنة ثلاث من الهجرة
النبوية في ربيع الأول.وتعتبر أم كلثوم رضي الله عنها زوجته الثانية.تزوجها عتيبة بن أبي لهب في الجاهلية
وبعد البعثة عندما نزل قوله تعالى(تبت يدا أبي لهب وتب)قال له أبوه أبو لهب وأمه أم جميل بنت حرب حمالة
الحطب فارق إبنتَ محمد.فطلقها عتيبة ولم يكن قد دخل بها بعد.كرامة من اللَّه تعالى لها وهوانًا لإبن أبي لهب.
وهي أصغر من رقية وتم زواج عثمان من أم كلثوم.أي دخل بها سنة ثلاث من الهجرة في جمادى الآخرة.عرفت
أم كلثوم رضي الله عنها بكنيتها.وأم كلثوم تعني الوجه المستدير ممتلىء لحم الخدين امتلاء ونعومة وصفاء0
ولا يعرف لها إسم إلا ما ذكره.الحاكم عن مصعب الزبيري أن أسمها.أمية.وهي أكبر سنًّا من فاطمة رضي الله
عنها.وعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها.قالت.لما زوج النبي ابنته أم كلثوم قال لأم أيمن.
هَيِّئِي ابْنَتِي أُمَّ كُلْثُومٍ وَزِفِّيهَا إِلَى عُثْمَانَ وَاخْفِقِي بَيْنَ يَدَيْهَا بِالدُّفِّ.ففعلت ذلك.فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم
بعد الثالثة فدخل عليها.فقال.يَا بُنَيَّةُ كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ.قَالَتْ.خَيْرَ بَعْلٍ.وبقيت أم كلثوم رضي الله عنها في
المدينة المنورة عند زوجها عثمان رضي الله عنه الى أن ماتت عنده في شعبان سنة تسع هجرية ولم تلد لعثمان
رضي الله عنه أحد.وقد تأثر عثمان وحزن حزنًا عظيمًا على فراقه لأم كلثوم.ورأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عثمان رضي الله عنه وهو يسيرمنكسرًا وفي وجهه حزن لما أصابه فدنا منه.وقال.لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ
لَزَوَجَّنَاكَهَا يَا عُثْمَانُ.وهذا دليل على حب الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه.ودليل على حب
ووفاء عثمان لنبيه وتوقيره وتعظيمه.وقد شاركت أم عطية رضي الله عنها في تغسيلها وشارك أبو طلحة في
إنزالها في قبرها.فعن أُمِّ عطية رضي الله عنها.قالت.تُوُفِّيت إِحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم.فأتانا
النبي.فقال.اغسلنها بالسدر وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك واجعلن في الآخرة كافورا أو
شيئا من كافور فإذا فرغتن فَآذِنَّنِي.فلما فرغنا آذَناه فألقى إلينا حِقْوَهُ فَضَفَرْنَا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه.قال.شهدنا بنتا لرسول الله.قال.ورسول الله جالس على القبر.قال.
فرأيت عينيه تدمعان.قال.فقال.هل منكم رجل لم يُقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا.قال.فَانزل .قال.فنزل
في قبرها.قال ابن حجر في شرحه للحديث.قوله شهدنا بنتا للنبي هي أم كلثوم زوج عثمان.فتح الباري.وعن
الزُّهْرِيِّ قال.أخبرني أنس بن مالك أنه رأى على أُمِّ كُلْثُوم رضي الله عنها بنت رسول الله بُرْدَ حرير سيراء.
البخاري.ولا يعرف أحد تزوج أبنتيَّ نبي عبر التاريخ غير عثمان بن عفان رضي الله عنه.وقد ذكر بدر الدين
العيني في شرحه على صحيح البخاري أنه قيل للمهلب بن أبي صفرة.لم قيل لعثمان ذو النورين.فقال.لأنا لا
نعلم أحدا أرسل سترا على بنتي نبي غيره.وقال عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي.قال لي خالي حسين الجعفي.
يا بني أتدري لِمَ سمي عثمان ذا النورين.قلت.لا أدري.قال.لم يجمع بين ابنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن
تقوم الساعة غير عثمان فلذلك سمي ذا النورين.وقيل.سمي بذي النورين لأنه كان يكثر من تلاوة القرآن
الكريم في كل ليلة في صلاته فالقرآن نور وقيام الليل نور.ومعلوم أنه بعد معركة أحد جاء عمر بن الخطاب
رضي الله عنه.وعرض عليه أن يزوجه إبنته حفصة رضي الله عنها وذالك بعد وفات رقية وقبل أن يبني
عثمان على أم كلثوم رضي الله عهما ولكن عثمان رضي الله عنه أعتذر بأسلوب مؤدب.عن ابن شهاب.
قال.أخبرني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحدث أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه حين تَأَيَّمت حفصة بنت عمر من خُنَيْس بن حُذافة السَّهْمِيِّ وكان من أصحاب رسول الله
فَتُوُفِّيَ بالمدينة.فقال.عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة.
فقال.سأنظر في أمري فلبثت ليالي ثم لَقِيَني.فقال.قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا.رواه البخاري في
كتاب النكاح.وتأيمت أي صارت أيما والمقصود هنا التي مات عنها زوجها.وكنت أوجد عليه مني على
عثمان.أي كنت أكثر غضبا عليه من غضبي على عثمان بسبب رفضه لحفصه.أن أرجع إليك شيئا.
أي لا أرد لك الجواب.وما سبب أعتذار عثمان بن عفان رضي الله عنه ورفضه الزواج من حفصه رضي الله
عنها.إلا لأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها.وقال.سعيد بن المسيب.تأيم عثمان من رقية بنت
رسول الله وتأيمت حفصة بنت عمر من زوجها فمر عمر بعثمان.فقال.هل لك في حفصة وكان عثمان قد سمع
رسول الله يذكرها فلم يجبه وذكر ذلك عمر للنبي.فقال.هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ أَتَزَوَّجُ حَفْصَةَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ خَيْرًا
مِنْهَا أُمَّ كُلْثُومُ.أما زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه الثالثة فهي.فاختة بنت غزوان أخت الصحابي الجليل عتبة بن
غزوان رضي الله عنهم جميعا فولدت له عبد الله الأصغر وقد مات وهو صغيرا.قال الطبري.فاختة إبنة غزوان وكانت
تحت عثمان ولدت له ابنا فسماه عبد الله وهو عبد الله الأصغر هلك أي مات صغيرا.تاريخ الطبري.وقال.ابن الجوزي
عبد الله الأصغر أمه فاختة بنت غزوان.ولم تنجب فاختة لعثمان بن عفان رضي الله عنه أحد غير عبد الله الأصغر.
وزوجته الرابعة هي.أم عمرو بنت جندب الدَّوُسِيّة.ولا يعرف لها إسم حسب علمي.بل تعرف بكنيتها أم عمرو.أبوها
هو الصحابي الجليل جندب بن عمرو بن حممة الدوسي رضي الله عنه قتل في معركة أجنادين.فعندما ذهب الى الشام في
خلافة عمر رضي الله عنه للجهاد في سبيل الله.خلّف ابنته أم إبان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.وقال له.زوّجها
من ترى ولو بشراك نعل.فزوجها الفاروق من عثمان بن عفان رضي الله عنهما.فولدت لعثمان عمْرًا وخالدًا وأباًنا وعمر
ومريم.قال.ابن الجوزي وعمرو وخالد وأبان وعمر ومريم أمهم أم عمرو بنت جندب من الأزد الدوسي.ولقد ولد عمرو بن
عثمان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.وأوصى عثمان رضي الله عنه إلى الزبير بن العوام حتى يكبر إبنه عمرو.
وعندما كبر زوجه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو خليفة إبنته رملة بنت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
وولدت له عثمان الأصغر لا عقب له.وخالداً له عقب وهم سعيد بن خالد وأم سعيد بن خالد.وكان عمرو بن عثمان أكبر ولد
عثمان رضي الله عنه سنا الذين أعقبوا.فقد تزوج غير رملة بنت معاوية رضي الله عنه العديد من النساء وله منهن أولاد.
وتوفي بمنى ويعد من الأثرياء كما في حديث في البخاري وغيره.وهو الذي يقول مالك بن أنس في حديث الزهري عن علي
بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد.لا يقول عمراً وخالف الناس مالكاً.قالوا هو عمرو بن عثمان والرواية عن
عمرو أكثر.أما أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه فكنيته أبو سعيد وهو من كبار التابعين وفقهائهم وأحد الفقهاء العشرة
منهم .روى عن أبيه عثمان رضي الله عنه العديد من الأحاديث وكان ثقة عالما بالفقه والسيرة والقضاء.وشهد معركة الجمل
وكان في صف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفي عهد عبد الملك بن مروان تسلم أبّان إمارة المدينة المنورة لعدة سنوات
وكان محبوبا من أهلها.وتزوج العديد من الزوجات.وقد مات سنة 105 هجري في عهد يزيد بن عبد الملك.قال ابن حبان.
أبان بن عثمان بن عفان كان من أعلم الناس بالقضاء أبو سعيد مات بعد أن أفلج في ولاية يزيد بن عبد الملك بن مروان وكان
أبان مناهل العلم والفقه كما في أحاديث عديدة صحيحة في البخاري وغيره.أما مريم بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد
تزوجت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة إبن زوجة عثمان فاطمه وولدت لعبد الرحمن جارية إسمها مريم.
ثم خلف عليها عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص.وعمر بن عثمان بن عفان فقد تزوج وله عقب.أما زوجت عثمان
بن عفان رضي الله عنه الخامسة فهي.فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس المخزومية.وأمهـا هي أسماء بنت أبي جهل بن هشام
بن المغيرة وأبوها كان من أشراف قريش أسلم يوم الفتح واستشهد باليمامة.وقد أسلمت فاطمة يوم الفتح وبايعت الرسول
صلى الله عليه وسلم.وكانت فاطمة بنت الوليد متزوجة من الحارث بن هشام بن المغيرة من قبل أن يتزوجها عثمان رضي
الله عنه وولدت له عبد الرحمن بن الحارث وأم حكيم.ولقد أنجبت فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة لعثمان بن
عفان رضي الله عنه سعيدا والوليد وأم عثمان.فسعيد بن عثمان شارك في غزوات ما وراء النهر بخراسان
وفتح سمرقند ولاه معاوية رضي الله عنه خراسان.يقول ابن مفرغ.
تركي سعيداً ذا الندى
والبيت ترفعه الدعامة
وقدم المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصغد فقال خالد بن عقبة يرثي سعيداً
يا عين جودي بدمع منك تهتانا
وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا
ولسعيد يقول الشاعر يرثيه
يا عين جودي كل جود
وابكي هبلت على سعيد
ولقد أصبت بغدرة
وحملت حتفك من بعيد
وكان سعيد ثقة قليل الحديث.قال ابن سعد سعيد بن عثمان بن عفان أمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس
بن المغيرة.الطبقات الكبرى.أما لوليد بن عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد تزوج وله عقب.وتزوجت
أم عثمان بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه من عبد الله بن خالد بن أسيد والذي تزوج بعدها من أختها
أم خالد بنت عثمان أما زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه السادسة فهي.أم البنين بنت عيينة بن حصن
الفزارية.لم أعثر لها على إسم حسب علمي.أبوها هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى.وكان
سيد بني فزارة وفارسهم.شهد الفتح مسلما.وهو من المؤلفة قلوبهم.ولدت أم البنين لعثمان بن عفان رضي
الله عنه.عبد الملك.وقد مات وهو غلام.ولم تنجب لعثمان رضي الله عنه غيره.وزوجة عثمان بن عفان
رضي الله عنه السابعة فهي.رملة بنت شيبة بن ربيعة رضي الله عنها أسلمت رملة بنت شيبة رضي الله عنها
وهاجرت الى المدينة المنورة.ولما أسلمت عيّرتها إبنة عمها هند بنت عتبة بن ربيعة بدخولها الإسلام رغم أن
المسلمين قتلوا أباها شيبة بن ربيعة في معركة بدر.وذالك قبل أن تسلم هند لأن أسلمها كان في يوم الفتح.بقولها.
لحى الرحمن صابئة بوج
ومكة أو بأطراف الحجون
تدين لمعشر قتلوا أباها
أقتل أبيك جاءك باليقين
وكان شيبة بن ربيعة من رؤوس الكفر وشديد العداء للإسلام فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في
حديث البخاري في كتاب المغازي.وأم رملة بنت شيبة هي.أم شريك بنت وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن
نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وقد تزوجها عثمان رضي الله عنه في المدينة المنورة.وأنجبت رملة
لعثمان رضي الله عنهما ثلاث فتيات هن عائشة وأم أبان وأم عمرو.ولم تنجب له ذكوراً.قال ابن سعد رملة بنت
شيبة بن ربيعة تزوج رملة عثمان بن عفان فولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو بنات عثمان.الطبقات الكبرى.
فتزوجت عائشة بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه من عثمان بن الحارث وولدت له وبعده تزوجت من عبد الله
بن الزبير رضي الله عنه الذي طلقها لاحقا.وتزوجت أم أبان الكبرى مروان بن الحكم بن أبي العاص فولت له
وتوفيت عنده.زوجها إياها عثمان بن عفان رضي الله عنه.عَنْ عبد الله بن أبي مُليكة قال كنت جالسا إلى جنب
ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان رضي الله عنه وعنده عمرو بن عثمان فجاء ابن عباس رضي
الله عنهما.ولها يقول عبد الرحمن بن الحكم وهو يرثيها.
فوا كبد من غير جوع ولا ظما
ويا كبدا من حب أم أبان
وتزوجت أم عمرو بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص فولدت له.زوجها له عثمان بن
عفان رضي الله عنه.أما زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه الثامنة والأخيرة فهي نائلة بنت الفرافصة بن الحارث الكلبي
أحد أشهر بطون العرب في الفصاحة والبلاغة والتي لم تكن تقتصرعلى رجالهم وإنما شملت نسائهم أيضا.وكانت نائلة ذات
جمال ومن أهل الفصاحة والبلاغة وقد تزوجها عثمان رضي الله عنه وهو خليفة وامتازت بالوفاء والإخلاص إليه.وكان أبوها
على النصرانية وتوفيت رضي الله عنها في المدينة المنورة ودفنت بالبقيع.وقد ذكرها ابن حبان في ثقات التابعين.قال ابن حبان.
فلما دخلت السنة الثامنة والعشرون تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة.وكانت على دين النصرانية فلما دخلت عليه قال لها عثمان
إني شيخ كبير كما ترين.قالت أنا من نساء أحب الأزواج إليهن الكهول.قال تقومين إلى أو آتيك.قالت ما جئت من سماوة كلب إليك
إلا وأنا أريد القيام إليك.وقال الحافظ الذهبي سنة ثمان وعشرين وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها.
تاريخ الإسلام.من مواقفها عندما حاصر الغوغاء بيت عثمان رضي الله عنه كانت نائلة موجودة معه تشد من عزيمته وتؤنسه ولما
اقتحم القتلة المجرمون الدار وسيوفهم مشرعة في أيديهم ورأت نائلة السيوف تتقدم باتجاه زوجها الحبيب دافعت عنه بجسدها محاولة
صد السيوف عنه حتى قطعت أصابعها الندية وسال دمائها الزكية وقتل زوجها البار شهيدا.وقد ولدت نائلة لعثمان بن عفان رضي الله
عنه.أم خالد وأم أبان الصغرى وأروى.وولدت له ابنته مريم كما قال ابن الجوزي وابن سعد.وقال آخرون مريم ليست ابنتها.
فتزوجت أم خالد بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بعد أختها أم عثمان بنت عثمان بن عفان
رضي الله عنه وتوفيت عنده ولم تلد له.وتزوجت أروى بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
أما أم أبان الصغرى بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنها لم تتزوج.فهولاء هم أبناء وبنات عثمان بن عفان رضي الله عنه وعددهم
ستت عشر مولود تسعه ذكور من خمس زوجات وسبع بنات من خمس زوجات أما عدد زوجاته فهن ثمان كما ذكرنا سابقا.إن عثمان
رضي الله عنه لم يتزوج على أي من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم رضي الله عنهن رغم توفر الفرص والإمكانيات
لذلك.أما بعد وفاتهما فقد جمع بين أربع زوجات في وقت واحد.وهذا يذكرنا بحال شقيقتهما فاطمة رضي الله عنها بنت الرسول صلى
الله عليه وسلم حيت كانت الزوجة الوحيد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه طوال فترة حياتها أما بعد وفاتها فقد جمع علي رضي الله عنه
بين أكثر من زوجة.فيبدو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يراعون اعتبارات خاصة فيما يتعلق ببنات النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد شهد عثمان بن عفان رضي الله عنه كثير من المشاهد والغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معدا غزوة بدر التي جرت في السنة
الثانية من الهجرة النبوية كما ذكرنا سابقا لأستخلاف رسول الله صلى الله عليه سلم لعثمان رضي الله عنه في المدينه ليمرض زوجته رقية رضي
الله عنها.وفي غزوة أحد التي جرت في السنة الثالثة من الهجرة البوية شارك عثمان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبعد أن منح الله عز وجل النصر للمسلمين في أول المعركة وأخذت سيوف المسلمين تعمل عملها في رقاب المشركين وكانت الهزيمة لا شك
فيها ولكن مال ميزان المعركة فجأة وكان سبب ذلك أن الرماة الذين أوكل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم مكانا على سفح الجبل لا يغادرونه
مهما كانت نتيجة المعركة قد تخلوا إلا قليلا عن أماكنهم ونزلوا إلى الساحة يطلبون الغنائم لما نظروا إلى المسلمين يجمعونها.وانتهزخالد بن
الوليد قائد سلاح الفرسان فرصة خلو الجبل من الرماة وقلة من به منهم فكرَّ بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل فقتلوا بقية الرماة ومعهم أميرهم
عبد الله بن جبير الذي ثبت هو وطائفة قليلة معه فاضطرب أمر المسلمين اضطرابا شديدا وانهزمت طائفة من المسلمين إلى قرب المدينة
منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه وذالك بعد أن سمعوا بمقتل النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم صدموا بالخبر وصاروا حيارى لايدرون
ماذا يفعلوا من هول نبأ شائعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم أما الفرقة التي انهزمت وفرت فلقد
أنزل الله عز وجل فيها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة قال تعالى.(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا
وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).آل عمران 155.غير أن أصحاب الأهواء.لا يرون إلا ما تهوى أنفسهم وما تضمر قلوبهم.فلم يروا
من المتراجعين إلا عثمان رضي الله عنه فكانوا يتهمونه دون سائر المتراجعين من الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.وبعد أن عفا الله عن
المتراجعين فالحكم واضح جليّ لا لبس فيه ولا غموض فلا مؤاخذة بعد ذلك على عثمان بن عفان رضي الله عنه.فيكفي أن الله عفا عنه بنص
القرآن الكريم وحياته الجهادية بمجموعها تشهد له على شجاعته.وفي غزوة غطفان ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وخرج في
أربعمائة رجل ومعهم بعض الجياد واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأصابوا رجلا منهم.بذي القُصَّة.يقال له جبار.من
بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم.وقال.لن يلاقوك لما سمعوا بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا
سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال ولم يلاقِ رسول الله عليه
الصلاة والسلام أحدا ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.ولم يلق كيدا وكانت غيبته إحدى عشر ليلة.وفي غزوة ذات الرقاع.
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعًا من غطفان من ثعلبة وأنمار يريدون غزو المدينة فخرج في أربعمائة من أصحابه حتى قدم صرارًا
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف على المدينة قبل خروجه عثمان بن عفان رضي الله عنه فلقي المسلمون جمعا غفيرا من غطفان
وتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا.حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف
بالناس وقد غاب عن المدينة خمسة عشر يوما.وفي بيعة الرضوان.عندما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية رأى من الضرورة إرسال
مبعوث خاص من جانبه إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال وحرصه على احترام المقدسات ومن ثم أداء مناسك العمرة
والعودة إلى المدينة فوقع الاختيار على أن يكون مبعوث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قريش.خراش بن أمية الخزاعي.وحمله على جمل يقال له.
الثعلب.فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش فعاد خراش بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما
صنعت قريش فأراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يرسل سفيرا آخر بتبليغ قريش رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.فدعا رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له.فقال‏.يا رسول اللَّه إني أخاف قريشًا
على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني عثمان
بن عفان.فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه.وقال.اذهب إلى قريش فخبرهم أنَّا لم نأتِ لقتال أحد وإنما جئنا
زوارًا لهذا البيت معظمين لحرمته معنا الهدي ننحره وننصرف.فخرج عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى أتى.بلدح.فوجد قريشا هناك.فقالوا.
أين تريد.قال.بعثني رسول الله إليكم يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام تدخلون في دين الله كافة فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه وأخرى تكفون ويَلِي
هذا منه غيركم فإن ظفروا بمحمد فذلك ما أردتم وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون إن
الحرب قد نهكتكم وأذهبت بالأماثل منكم.فجعل عثمان رضي الله عنه يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون ويقولون قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبدا
ولا دخلها علينا عنوة فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا.فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وقال لا تقصر عن حاجتك
ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان رضي الله عنه على السرج وردفه وراءه فدخل عثمان رضي الله عنه مكة فأتى أشرافهم رجلا رجلا
أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وغيرهما من لقي.ببلدح.ومنهم من لقي بمكة فجعلوا يردون عليه إن محمدا لا يدخلها علينا أبدا.وعرض
المشركون على عثمان رضي الله عنه أن يطوف بالبيت فأبى وقام عثمان رضي الله عنه بتبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها.اقرأ على رسول الله
منا السلام إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة.وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان رضي الله عنه قتل فدعا رسول
الله عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم فاستجاب الصحابة وبايعوه على الموت سوى.الجد بن قيس وذلك لنفاقه.
وفي رواية أن البيعة كانت على الصبر.وفي رواية على عدم الفرار.ولا تعارض في ذلك لأن المبايعة على الموت تعني الصبر وعدم الفرار.وكان أول
من بايعه على ذلك أبا سنان عبد الله بن وهب الأسدي.فخرج الناس بعده يبايعون على بيعته.وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات في أول الناس وأوسطهم
وآخرهم.وقال.النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى.هذه يد عثمان.فضرب بها على يده.وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول صلى الله عليه
وسلم المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي.وقد تحدث القرآن الكريم عن أهل بيعة الرضوان وورد فضلهم في نصوص كثيرة من الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية منها.قال تعالى.(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)الفتح 10.وقال تعالى.(لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا.لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)الفتح 17، 18.وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه.قال.لنا رسول الله يوم الحديبية.أنتم خير أهل الأرض.وكنا ألفا وأربعمائة
ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.هذا الحديث صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما.وتمسك
به بعض الشيعة في تفضيل عليٍّ على عثمان رضي الله عنهما لأن علي رضي الله عنهم جميعا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان
عثمان رضي الله عنه حينئذ غائبا وهذا التمسك باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان رضي الله عنه في الخيرية المذكورة
ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض.وفي الحديبية.ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان رضي الله عنه بعدة أمور منها.اختصاصه
بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما بايع الصحابة وعثمان رضي الله عنه غائب.واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى مَنْ
بمكة أسيرا من المسلمين وذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة.فعن إياس بن
سلمة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى فقال الناس.هنيئا لأبي عبد الله الطواف بالبيت آمنا.فقال النبي صلى الله
عليه وسلم.لو مكث كذا ما طاف حتى أطوف.وقد اتهم عثمان رضي الله عنه ظلما بأنه لم يبايع رسول الله بيعة الرضوان وكان متغيبا عنها فهذه من
الاتهامات التي ألصقت بعثمان رضي الله عنه في أحضان فتنة أريد بها تقويض أركان الخلافة الإسلامية خاصة.وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى.
وعن أنس رضي الله عنه.قال.لما أمر رسول الله ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان بعثه رسول الله إلى أهل مكة فبايعه الناس فقال.إن عثمان في
حاجة الله وحاجة رسوله فضرب بإحدى يديه على الأرض فكانت يد رسول الله لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم.وفي فتح مكة المكرمة.شفع عثمان بن عفان
رضي الله عنه في عبد الله بن أبي السرح.وكان قد اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان رضي الله عنهما.فجاء به حتى أوقفه على النبي
صلى الله عليه وسلم.فقال.يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على الصحابة.فقال.أما كان فيكم
رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله.فقالوا.ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك.قال.إنه لا ينبغي لنبي أن
يكون له خائنة الأعين.وجاء في رواية.لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر.وقال.اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين
بأستار الكعبة.عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح.فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة
فاستبق إليه سعد بن حارث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله وأما عكرمة فركب في البحر فأصابتهم ريح عاصف.فقال أصحاب السفينة.
أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا.فقال عكرمة.والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لم ينجني في البر غيره اللهم لك عليَّ عهد إن أنت عافيتني مما
أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ولأجدنه عفوا كريما فجاء وأسلم.وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنهما
فلما دعا رسول الله الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الباقي كما مر معنا.عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.قال.
كان عبد الله بن سعد بن أبي السرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقتل يوم الفتح
فاستجار له عثمان فأجاره رسول الله.وذكر ابن إسحاق سبب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه.فقال.وإنما أمر رسول الله بقتله
لأنه كان قد أسلم وكان يكتب لرسول الله الوحي فارتد مشركا راجعا إلى قريش ففر إلى عثمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله بعد أن
اطمأن الناس وأهل مكة فاستأمن له.قال ابن هشام.ثم أسلم بعد فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر.وفي غزوة تبوك.عندما
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إليها ندب الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على الإنفاق
لتجهيز الجيش الذي سمي بجيش العسرة لقلة المال والمؤن وبعد المسافة.وقال.من جهز جيش العسرة فله الجنة.وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وحثهم
على النفقة والحملان فجاءوا بصدقات كثيرة وجهّز عثمان بن عفان رضي الله عنه ثلث جيش العُسْرَة وذالك بتسعمائةٍ وخمسين بعيراً بكل أحلاسها وأتم الألف بخمسين
فرسًا وألقى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ألف دينار وجاء بسبعمائة أوقية ذهب صبها بين يدي رسول الله حتى جعل النبي عليه الصلاة والسلام يقلب يديه ظهرًا
لبطن وأخذ يدعو لعثمان رضي الله عنه.ويقول.غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا.
واستغرق الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء له يومها ورفع يديه حتى أُريَ بياض إبطيه.عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال.رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان اللهم عثمان رضيت عنه فأرض عنه.وفي واحدة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم أصاب الناس جهد
وضيق حتى ظهرت الكآبة في وجوه المسلمين والفرح في وجوه المنافقين فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.قال.والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق.
وكان في الجيش عثمان رضي الله عنه المعطاء الفياض ذو الجود المدرار وسمع ببشرى النبي وقد علم أن الله ورسوله سيصدقان.فاشترى أربع عشرة راحلة بما عليها
من الطعام فوجّه إلى النبي بتسعة.فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال.ما هذا.قالوا.أهدى إليك عثمان فعُرف الفرح في وجه الرسول صلى الله عليه
وسلم والكآبة في وجوه المنافقين.ويقول ابن مسعود راوي الحديث.فرأيت رسول الله قد رفع يديه حتى رئي بياض إبطه يدعو لعثمان دعاءً ما سمعته دعا لأحد قبله
ولا بعده بمثله.اللهم أعط عثمان اللهم افعل بعثمان.وفي المدينة رأى عثمان رضي الله عنه معاناة المسلمين من أجل الحصول على الماء في المدينة حيث كانوا يشترون
الماء من رجل يهودي يملك بئرًا تسمى.رومة.فقال النبي صلى الله عليه وسلم.من يشتري بئر رومة فيجعل دلاءه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة.فذهب
عثمان رضي الله عنه إلى ذلك اليهودي وساومه على شرائها فأبى أن يبيعها كلها فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم ثم خصص لنفسه يومًا ولليهودي يومًا آخر فإذا
كان يوم عثمان رضي الله عنه أخذ المسلمون من الماء ما يكفيهم يومين دون أن يدفعوا شيئًا فلما رأى اليهودي ذلك جاء إلى عثمان رضي الله عنه وباع له النصف الآخر
بثمانية آلاف درهم وتبرع عثمان رضي الله عنه بالبئر كلها للمسلمين.ولقد بلغ السخاء والكرم من عثمان رضي الله عنه مبلغه حتى عُرِف بذلك بين الناس بل إن رسول الله
عليه الصلاة والسلام ليعلم من عثمان رضي الله عنه أنه يتمنى أي إشارة نبوية للبذل والعطاء.لأن عثمان رضي الله عنه رجل الكيل والميزان يأخذ لكل أمر حيطته ويهيأ
له جهازه.وهو يقيم الوزن بالقسط بنفس ذكية وأربة.لا يؤرجح كفة على كفة.إلا ونداء الحق هاتفة.قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي رأى عثمان يقود ناقة
تحمل دقيقًا وسمنًا وعسلاً.فقال.أنخ.فأناخ فدعا ببرمة فجعل فيها من السمن والعسل والدقيق ثم أمر فأوقد تحته حتى نضج ثم قال.كلوا.فأكل منه ثم قال.هذا شيء
يدعوه أهل فارس الخبيص.وبعد أن بنى الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده وكثر المصلون والعباد ضاق بهم المسجد وتمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري أحد
أصحابه الأغنياء الأرض المجاورة للمسجد ليضمها إليه.فقال مرغبًا.من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة.فأسرع عثمان
رضي الله عنه واشترى تلك الرقعة من الأرض بخمسة وعشرين ألفًا وبعد فتح مكة رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوسع المسجد الحرام فعرض على أصحاب أحد البيوت
الواسعة الملاصقة للمسجد أن يتبرعوا به فاعتذروا بأنهم لا يملكون سواه وليس عندهم مؤنة ما يستطيعون تشييد بيت غيره فترامت الأنباء إلى عثمان رضي الله عنه فأقبل
إليهم واشتراه بعشرة آلاف دينار وضمه للمسجد الحرام.ولقد اختَصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه بكتابة الوحي.عن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏.
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه.وكان كَاتبَ سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.وقالت عائشة رضي
الله عنها.دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ فرأى لحماً فقال.من بعث بهذا.قلت.عثمان0 فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديْهِ يدعو لعثمان.فهكذا
كانت سيرة عثمان رضي الله عنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولقد توفى وهو عنه راض.وكذالك أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا لقد توفوا
وهم عن عثمان رضي الله عنه راضين.لقد تولى عثمان بن عثمان رضي الله عنه الخلافة بعد استشهاد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.وفي إختياره للخلافة كانت
هناك قصة تعرف بقصة الشورى وهي أنه لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيد أبو لؤلؤة العبد المجوسي.طلب بعض المسلمين منه أن يعهد بالخلافة لمن يرتضيه
ويختاره فتردد عمر رضي الله عنه ثم قال.إن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني وإن أترك فقد ترك من هو خير مني يريد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم دعا
عبد الرحمن بن عوف.فقال.إني أريد أن أعهد إليك.فقال.يا أمير المؤمنين نعم إن أشرت عليَّ قبلت منك.قال.وما تريد أنشدك الله أتشير عليَّ بذلك.قال اللهم لا.
قال عبد الرحمن رضي الله عنه.والله لا أدخل فيه أبدًا.قال عمر رضي الله عنه.فهب لي صمتًا حتى أعهد إلى النفر الذي توفي رسول الله وهو عنهم راض.وهم الصحابة
الستة الذين بقوا على قيد الحياة من العشرة المبشرين بالجنة.ليختاروا من بينهم خليفة.قال عمر رضي الله عنه ادع لي عليًّ وعثمان والزبير وسعدً.فذهب المدعوون إلى
لقاء عمر رضي الله عنه قال.وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثًا فإن جاء وإلاَّ فاقضوا أمركم.لأن طلحة بن عبيد الله كان في سفر ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فقال.قم على بابهم
فلا تدع أحدًا يدخل إليهم.وأمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يشارك في مجلس الشورى الذي كَوَّنه فيكون مع الأكثرين إن اختلفوا ويكون مع الحزب الذي فيه عبد الرحمن
بن عوف إن تساوت أعداد الفريقين.ويروي مسور فيقول.فقال عبد الرحمن.أيكم يطيب نفسًا أن يخرج نفسه من هذا الأمر ويوليه غيره قال.فأمسكوا عنه.قال.فإني
أخرج نفسي وابن عمي.فقلده القوم الأمر وأحلفهم عند المنبر فحلفوا ليبايعن من بايع.فأقام ثلاثًا في داره التي عند المسجد التي يقال لها اليوم.رحبة القضاء.وبذلك سميت
رحبة القضاء فأقام ثلاثًا يصلي بالناس صهيب رضي الله عنه.قال.وبعث عبد الرحمن إلى علي رضي الله عنه فقال له.إن لم أبايعك فأشر عليَّ.فقال.عثمان.ثم بعث إلى
عثمان رضي الله عنه.فقال.إن لم أبايعك فمن تشير عليَّ.قال.علي.ثم قال لهما.انصرفا.فدعا الزبير رضي الله عنه.فقال.إن لم أبايعك فمن تشير عليَّ.قال.عثمان.
ثم دعا سعدً بن ابي وقاص.فقال.من تشير علي.فأما أنا وأنت فلا نريدها فمن تشير عليَّ.قال.عثمان.فلما كانت الليلة الثالثة.قال.يا مسور.قلت لبيك.قال.إنك لنائم والله
ما اكتحلت بغماض منذ ثلاث أَي ما نمت اذهب فادع لي عليًّ وعثمان.قال قلت.يا خال بأيهما أبدأ.قال بأيهما شئت.قال.فخرجت فأتيت عليًّ وكان هواي فيه.فقلت أجب خالي.
فقال بعثك معي إلى غيري.قلت نعم.قال إلى من.قلت إلى عثمان.قال فأينا أمرك أن تبدأ به.قلت قد سألته.فقال بأيهما شئت.فبدأت بك وكان هواي فيك.قال فخرج معي حتى
أتينا المقاعد فجلس عليها عليٌّ ودخلت على عثمان فوجدته يوتر مع الفجر فقلت أجب خالي.فقال بعثك معي إلى غيري.قلت نعم إلى علي.قال بأينا أمرك أن تبدأ.قلت سألته.فقال
بأيهما شئت.وهذا عليٌّ على المقاعد.فخرج معي حتى دخلنا جميعًا على خالي وهو في القبلة قائم يصلي فانصرف لما رآنا ثم التفت إلى عليٍّ وعثمان.فقال إني قد سألت عنكما وعن
غيركما فلم أجد الناس يعدلون بكما هل أنت يا عليٌّ مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر.فقال اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي.فالتفت إلى عثمان.فقال
هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر.قال اللهم نعم.فأشار بيده إلى كتفيه وقال إذا شئتما.فنهضنا حتى دخلنا المسجد وصاح صائح.الصلاة جامعة.قال
عثمان فتأخرت والله حياء لما رأيت من إسراعه إلى علي فكنت في آخر المسجد.قال وخرج عبد الرحمن بن عوف وعليه عمامته التي عممه بها رسول الله متقلدًا سيفه حتى ركب المنبر
فوقف وقوفًا طويلاً ثم دعا بما لم يسمعه الناس ثم تكلم.فقال أيها الناس إني قد سألتكم سرًّا وجهرًا عن إمامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما علي وإما عثمان فقم إليَّ يا علي.
فقام إليه عليٌّ فوق تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن بيده.فقال هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر.قال اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي.قال فأرسل
يده ثم نادى قم إليَّ يا عثمان فأخذ بيده وهو في موقف علي الذي كان فيه.فقال هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر.قال اللهم نعم.قال فرفع رأسه إلى سقف
المسجد ويده في يد عثمان ثم قال اللهم اسمع واشهد اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان.قال وازدحم الناس يبايعون عثمان رضي الله عنه حتى غشوه عند المنبر.
وأُخِذَت البيعة في المسجد النبوي وكان حاضرًا كل من كان ماجود من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد ومنهم معاوية أمير الشام وعمير بن سعد أمير حمص وعمرو بن العاص أمير
مصر فاجتمع رجال الشورى عند المنبر فبايعه عبد الرحمن أوَّلاً ثم بايعه المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون ويُرْوَى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوَّل من بايع بعد
عبد الرحمن بن عوف‏.‏وتمت بيعة ذي النورين غرة المحرم يوم الجمعة بعد مقتل الفاروق بثلاث ليال سنة أربع وعشرين من الهجرة.قال بن كثير في البداية والنهاية.وما يذكره كثير من
المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علي قال لعبد الرحمن‏‏ خدعتني وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه وأنه تلكأ حتى قال له عبد الرحمن‏{‏فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً‏}‏ إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصحاح فهي مردودة على قائليها وناقلها.فإذاً المؤامرة أرادت بقتل
عمر رضي الله عنه أن يزول الإسلام وأن يمزق ويشتت شمل أهله ولكن الذي حصل أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جمع الأمة من جديد على عثمان رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد الثالث.قال
الشيخ الفحل.وعندما بويع عثمان رضي الله عنه بالخلافة قام في الناس خطيبًا فأعلن عن منهجه السياسي مبينًا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين كما أشار في خطبته إلى أنه سيسوس
الناس بالحكمة إلا فيما استوجبوه من الحدود ثم حذرهم من الركون إلى الدنيا والافتنان بحطامها خوفًا من التنافس والتباغض والتحاسد بينهم مما يفضي بالأمة إلى الفرقة والخلاف وكأن عثمان
رضي الله عنه ينظر وراء الحجب ببصيرته النفاذة إلى ما سيحدث في هذه الأمة من الفتن بسبب الأهواء.فقال أما بعد.فإني كُلّفت وقد قبلت ألا وإني متبع ولست بمبتدع ألا وإن لكم عليَّ بعد
كتاب الله وسنة نبيه.ثلاثًا.اتباع كل من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم وسن سنة أهل الخير فيما تسنوا عن ملأ والكف عنكم إلا فيما استوجبتم العقوبة وإن الدنيا خضرة وقد شهّيت إلى
الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها.وكان أول كتب عثمان رضي الله عنه إلى جميع ولاته.أما بعد.فإن الله
أمر الأئمة أن يكونوا رعاة ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة وليوشكن أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة
والوفاء ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم وتأخذوهم بما عليهم ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم ثم العدو الذي تنتابون
فاستفتحوا عليهم بالوفاء.وكان أول كتاب كتبه إلى قادة الجنود.أما بعد.فإنكم حماة المسلمين وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان على ملأ منا ولا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل
فيغير الله بكم ويستبدلكم غيركم فانظروا كيف تكونون فإني أنظر فيما ألزمني الله النظر فيه والقيام عليه.وكان أول كتاب كتبه إلى عمال الخراج.أما بعد.فإن الله خلق بالحق فلا يقبل إلا
بالحق خذوا الحق وأعطوا الحق به والأمانة قوموا عليها ولا تكونوا أول من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم والوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد فإن الله خَصْمٌ لمن ظلمهم.
وكتاب إلى العامَّة.أما بعد.فإنكم إنما بلغتم بالاقتداء والاتباع فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم فإن أمر هذه صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم تكامل النعم وبلوغ أولادكم من السبايا وقراءة الأعراب
والأعاجم القرآن فإن رسول الله قال.الْكُفْرُ فِي الْعُجْمَةِ، فَإِذَا اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمِ أَمْرٌ تَكَلَّفُوا وَابْتَدَعُوا.ثم سار ابن مسعود رضي الله عنه من المدينة إلى الكوفة ثماني ليال حين قتل عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال.أيها الناس إن أمير المؤمنين قد مات فلم نر يومًا أكثر نشيجًا من ذلك اليوم ثم إنا اجتمعنا أصحاب محمد فلم نأل عن خيرنا ذا فوق.خيرنا سهمًا في
الفضل والخير والسابقة في الإسلام.فبايعنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فبايِعُوه.فبايعه الناس.وقال رجل لابن مسعود لِمَ وليتم عثمان.قال.ولينا خير أمة محمد ولم نأل.وقال يزيد
البكائي رحمه الله.سمعت حذيفة بن اليمان.يقول قُبض رسول الله فاستخلف الله أبا بكر ثم قبض أبو بكر فاستخلف الله عمر ثم قبض عمر فاستخلف الله عثمان.ويقول القاضي شريك بن
عبد الله رحمه الله.مرض رسول الله فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس فلو علم رسول الله أن في أصحابه أحدًا أفضل من أبي بكر لأمر ذلك الرجل وترك أبي بكر فلما قُبض النبي فاستخلف
المسلمون أبا بكر فلو علموا أن فيهم أحدًا أفضل منه كان قد غشونا فلما احتُضر أبو بكر استخلف عمر بن الخطاب فلو علم أبو بكر أن في أصحاب محمد أحدًا أفضل من عمر لما قدَّم عمر وترك
ذلك الرجل لقد كان غش أصحاب محمد فلما احتضر عمر بن الخطاب جعل الأمر شورى بين ستة نفر من أصحاب النبي فوقعت الشورى بعثمان بن عفان فلو علم أصحاب محمد أن في القوم أحدًا
أحق بها من عثمان ثم نصبوا عثمان وتركوا ذلك الرجل لقد كانوا غشوا هذه الأمة.وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان لم يتخلف عن بيعته أحد فلما
بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إمامًا وإلا فلو قدر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ولا غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إمامًا ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة.عثمان وعلي وطلحة
والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف ثم إنه خرج طلحة والزبير وسعد باختيارهم وبقى عثمان وعلي وعبد الرحمن لا يتولى ويولي أحد الرجلين وأقام عبد الرحمن ثلاثًا حلف أنه لم يغمض فيها بكبير
نوم يشاور السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان يشاور أمراء الأجناد وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام فأشار عليه المسلمون بولاية عثمان وذكر أنهم كلهم قَدّموا عثمان فبايعوه لا عن رغبة
أعطاهم إياها ولا عن رهبة أخافهم بها ولهذا قال غير واحد من السلف والأئمة كأيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني وغيرهم.من قَدّم عليًّ على عثمان فقد ازدرى بالمهاجرين والأنصار.
وهذا من الأدلة الدالة على أن عثمان أفضل لأنهم قدموه باختيارهم واشتوارهم.وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة.قال.سمعت رسول الله.يقول.إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَاخْتِلاَف أو
اخْتِلاَفٌ وَفِتْنَةٌ.قال.قلنا.يا رسول الله فما تأمرنا.قال.عَلَيْكُمْ بِالأَمِيرِ وَأَصْحَابِهِ.وأشار إلى عثمان.وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صدق نبوته حيث
أخبر بالفتنة التي حصلت أيام خلافة عثمان رضي الله عنه وكانت كما أخبر وتضمن الحديث التنبيه على أحقية خلافة عثمان رضي الله عنه إذ إنه أرشد الناس إلى أن يلزموه وأخبر بأنه حين وقوع
الفتنة والاختلاف مع أمير المؤمنين أمرهم بالالتفاف حوله وملازمته لكونه على الحق والخارجون عليه على الباطل أهل زيغ وهوى وقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون مستمرًّا
على الهدى لا ينفك عنه.وعن ابن عمر رضي الله عنهما.قال.كنا في زمان النبي لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم.وفي هذا الحديث إشارة إلى
أن عثمان رضي الله عنه كان بعد عمر في الأفضلية أجمعين.قال ابن تيمية.فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي من تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان.وقد روي أن ذلك كان يبلغ
النبي فلا ينكره وحينئذٍ فيكون هذا التفضيل ثابتًا بالنص وإلا فيكون ثابتًا بما ظهر بين المهاجرين والأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكر وبما ظهر لما توفي عمر فإنهم كلهم بايعوا
عثمان بن عفان رضي الله عنه من غير رغبة ولا رهبة ولم ينكر هذه الولاية منكر منهم.وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة لما تواترت فيه من نصوص وأدله شرعية وكذا
أجماع الأمة على ذالك.ففي كل ما تقدم ذكره من هذه النصوص وأدلة قوية كلها فيها الإشارة والتنبيه إلى أحقية عثمان رضي الله عنه بالخلافة وأنه لا مرية في ذلك ولا نزاع عند المتمسكين بالكتاب
والسنة والذين هم أسعد الناس بالعمل بهما وهم أهل السنة والجماعة فيجب على كل مسلم أن يعتقد أحقية عثمان رضي الله عنه وأن يسلم تسليمًا كاملاً للنصوص الدالة على ذلك إنتهى.ولقد انتهز
الفرس والروم في المناطق التي دخلها المسلمون وفاة خليفتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونقضوا العهد وظنوا أن أمر المسلمين قد ضعف ولكنهم فوجئوا بأن قوة المسلمين على ما هي عليه لم
تختلف أيام عمر عن أيام عثمان الخليفة الراشد الجديد رضي الله عنه وأرضاه فجعل أهلها يشحون في دفع الجزية ويظنون أن بمقدورهم هزيمة المسلمين وقتالهم وأن ما حدث معهم في المرة الأولى
لم يكن سوى أخطاء ارتكبوها وقد عرفوها فيما بعد ثم يتحسرون على عزهم الزائل وأيام مجدهم الخالية لذا كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على المسلمين ونقض عهودهم معهم هكذا النفس البشرية.
ومن هنا كان نقض العهد كثيراً.ولكن أدب المسلمون خصومهم مرة ثانية.ففي الجبهة الغربية نقضت الإسكندرية عهدها عام 25 هـجرية وذلك أن ملك الروم بعث إليهم معويل الخصي في مراكب من
البحر فطمعوا في النصرة ونقضوا ذمتهم فغزاهم عمرو بن العاص رضي الله عنه في ربيع الأول فافتتح الأرض عنوة وافتتح المدينة صلحاً‏.‏وكان أمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد
قام بغزو الروم ووصل إلى عمورية وكان مع معاوية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت وأبو أيواب الأنصاري خالد بن زيد وأبو ذر الغفاري وشداد بن أوس.وعمورية
مدينة حصينة في الأناضول تقع جنوبي غربي مدينة أنقرة بالقرب من قرية حصار كوي أو سيفلي حصار في محافظة أفيون قرة حصار بتركيا.غزاها الخليفة المعتصم سنة 223 هـجرية وكانت له
فيها الوقعة المشهورة كانت عمورية في ذاك الوقت من أعظم المدن البيزنطية ومنها أنحدرت الأسرة الفريجية من أباطرة الامبراطورية البيزنطية.وهي إمبراطورية تاريخية أسسها قسطنطين بعد
إنشقاقه عن روما الإمبراطورية الرومانية الغربية الكاثوليكية الأم.أما كلمة بيزنطي فأخترعها مؤرخ ألماني أسمه.هيرونيموس ولف سنة 1557ميلادي نسبتا إلى بلدة إسمها بيزنطه.وهي مدينة
إغريقية قديمة كانت تقع علي مضيق البوسفور بتركيا.إسست عام 658 ق م.وقد أسسها الإغريق وكانت في ذالك الوقت قرية للصيادين.ومن ثم أطلق عليها إسم القسطنطينية في عام 335م نسبتا
إلى قسطنطين مؤسس الامبراطورية الرومانية الشرقية الارثولكسية فجعلها الإمبراطور قسطنطين عاصمة لإمبراطوريته وقد عاشت الإمبراطورية البيزنطية ما يزيد عن إحدى عشر قرناً ونصف من
الزمان وكان المسلمون يطلقون عليها أسم بلاد الروم.كانت هذه الإمبراطورية تأخذ طابعا إغريقيا في الثقافة والعلوم حيث حافظت علي التراث الإغريقي والروماني.كما تأثرت بحضارات وثقافة
وعلوم سوريا ومصر وبلاد الإغريق وبلاد ما بين النهرين.وظلت قائمة حتي عام 26 أغسطس 1071ميلادية سنة ذي القعدة 463 هـجرية وذالك عندما أنتصر السلاجقة الاترالك علي الرومان
الشرقيين في موقعة.مانزكريت.التي تقع اليوم في الجزء الشرقي من تركيا.وكان قائد تلك المعركة السلطان محمد الملقب ألب أرسلان أي الأسد الشجاع فنتصر فيها على البيزنطيين وأسر
امبراطورهم رومانوس الرابع ويسمون المؤرخون العرب تلك المعركة التاريخية بمعركة.ملاذكرد.وتعد معركة ملاذكرد من أيام المسلمين الخالدة مثلها مثل بدر واليرموك والقادسية وحطين
وعين جالوت والزلاقة وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ وأثّرت في مسيرته وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق
آسيا الصغرى وأضعفت قوتها ولم تعد كما كانت من قبل شوكة في حلق المسلمين حتى سقطت في النهاية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح سنة 875هجرية.كما أنها مهدت للحروب الصليبية بعد
ازدياد قوة السلاجقة المسلمين ومن ذالك التاريخ بدئت الحملاة الصليبية والتي بدءوها بالحملة الصليبية الأولى.ولقد أطلق العثمانيون على القسطنطينية فيما بعد إسم الآستانة.وحاليا يطلق عليها إسم
إستانبول وهي تعتبر اليوم من أهم مدن تركيا.وكان يوجد بها مقر بطريركية الكنيسة الإرثوذكسية البزنطية الرومانية الشرقية.كنيسة آيا صوفيا.وبعد فتح الأتراك العثمانيين لمدينة أسطنبول أمر
السلطان محمَّد الفاتح بتحويلها إلى جامع وصلّى فيه أول صلاة جمعة بعد الفتح وذلك سنة 875هـجرية وبنى للمسجد منارة خشبية مع محراب وأطلق عليه إسم مسجد آيا صوفيا.ولكن كمال أتاتورك
حوّل مسجد آيا صوفيا إلى متحف مع مطلع القرن العشرين ولم يزال متحف حتى الآن.فلما وصل معاوية رضي الله عنه إلى عمورية وجد الحصون فيها خالية فوقف عندها ومن ثم انصرف من غزاته‏
دون أن يكون هناك قتال.وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد منع عمرو بن العاص رضي الله عنه من الانسياح في إفريقية بعدما فتح طرابلس ليبيا وبرقا إلا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قد
سمح له بذلك فأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه حملة إلى برد النوبة وهي جزء من السودان بقيادة عقبة بن نافع الفهري ولقي المسلمون فيها قتالا شديدا حيث كان النوبيون يجيدون الرمي بالسهام
فرشقوهم بالنبل حتى جرح كثير من المسلمين فانصرف المسلمون وقد فقئت حدق الكثير منهم وتمخض عن هذه المحلة عقد صلح بينهم وبين المسلمين تقررت من جرائه الهدنة.وضل الوضع على ذالك
حتى تولى مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنه في عهد عثمان رضي الله عنه فنقض النوبيون العهد الذي كان بينهم وبن والي مصر السابق عمرو بن العاص رضي الله عنه وهاجموا
صعيد مصر وكان عبدالله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه في غزو على رأس قوة قد إجتازت طرابلس ليبيا واستولى على سفن للروم كانت راسية هناك على الشاطىء ثم واصل سيره في إفريقية.
أي تونس اليوم.والتقى بجيوشٍ للبيزنطيين عام 27 هـجرية في موقع يقال له.سبيطلة.وسبيطله هي بلدة في وسط غربي تونس وقد وردت أيضا في بعض الكتب باسم سفيطلة.كانت تابعة لروما ثم
للقسطنطينية الأرثلوكسية.كما يوجد فيها المعبد الثالوث المقدس عند الرومان فينوس وجوبيتر.وهي قريبه من القيروان التي لم تكن قد أسست بعد لأن القيروان قد قام بإنشائها عقبة بن نافع سنة 50
هجرية وقد انتصر جيش المسلمين على الجيش البيزنطى وسميت هذه الواقعة بغزوة.العبادلة.لأنه شارك فيها سبعة قادة يسمى كل منهم عبد الله فأطلق على تلك الغزوة غزوة العبادلة السبعة وفيها قتل
ملك البربر جُرْجير على يد عبدالله بن الزبير رضي الله عنه واستولى المسلمون على أرض تونس سنة 27هجرية.وكان هذا الأنتصار ذا أثر فعّال في الانتصار الذي أحرزه المسلمون على الروم إلا أن
عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه قد اضطر إلى عقد معاهدة للصلح مع البيزنطيين مقابل جزية سنوية يدفعونها على أن يخلي إفريقية.أي تونس .وكان ذلك الاضطرار بسبب سيره إلى مصر
لمواجهة النوبة الذين نقضوا العهد وهددوا مصر من ناحية الجنوب كما ذكرنا سابقا.والنوبيون أو النوبة هم قبائل تسكن المنطقة الواقعة في شمال السودان وجنوب مصر.وكانت تسمى اثيوبيا نسبة إلى
لون البشرة السمراء والعرب سموهم الكوشيون نسبة إلى كوش بن حام بن نوح عليه الصلاة والسلام.الجدير بالذكر أن اللغة النوبية تم استخدامها كشفرة للجيش المصري أثناء حرب اكتوبر 1973 م بين
الاركان والقيادة الميدانية وقد عجز الأسرائيليون عن فك هذه اللغة وسميت في ذلك الوقت شفرة النصر.فعندما عاد عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه من أفريقية أي تونس خرج إلى النوبة بجيش تعداده
عشرون ألفا وتوغل في بلاد النوبة حتى وصل جنوبا إلى عاصمتهم .دنقلة.فحاصر أهلها إلى أن استسلموا وطلب ملكم.قليدور.الصلح وأبدى الضعف لعبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه فقرر
الصلح معه وعقد بين الجانبين معاهدة فريدة من نوعها كان لها عظيم الأثر على عملية انتشار الإسلام في شرق القارة الإفريقية وكان هذا في رمضان سنة 31هجرية وجاء في المعاهدة أنهم آمنون وعليهم
حفظ من خرج إليهم وإعادة من لجأ لهم من مسلم محارب للمسلمين وحفظ المسجد الذي بناه المسلمون ولا يمنعوا أحد يأتيه للصلاة.فكانت تلك المعاهدة سبب دخول أغلب بلاد النوبة في الإسلام.وفي أيام
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألح أمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على الخليفة عمر رضي الله عنه في غزو البحر وقرى الروم من حمص.وقال إن قرية من قرى حمص ليسمع
أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم.حتى كاد ذلك يأخذ بقلب عمر فكتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه صف لي البحر وراكبه فإن نفسي تنازعني إليه.فكتب إليه عمرو بن
العاص رضي الله عنه.إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير.إن ركن خرق القلوب.وإن تحرك أزاغ العقول.يزداد فيه اليقين قلةً والشك كثرةً.هم فيه كدودٍ على عودٍ.إن مال غرق وإن نجا برق.
فلما قرأه عمر رضي الله عنه كتب إلى معاوية رضي الله عنه.لا والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً.وعندما تولى الخلافة الخليفة الراشد الثالث البار عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه
كتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إليه يستأذنه في غزو البحر أكثر من مرة.فأجابه عثمان رضي الله عنه إلى ذلك وكتب إليه.لا تنتخب الناس ولاتقرع بينهم خيرهم فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله
وأعنه.ففعل معاوية رضي الله عنه واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الفزاري رضي الله عنه.وكان فيهم جماعة من الصحابة منهم أبو ذر وأبو الدرداء‏ وشداد بن أوس والمقداد بن عمرو وعبادة بن
الصامت ومعه زوجته أم حرام ‏ رضي الله عنهم أجمعين.فتجه الأسطول الإسلامي عام 28 للهجرة نحو قبرص.وهي جزيرة هام موقعها في البحر المتوسط وتعتبر من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط
في أقصى شرقيه.واليوم مقسمة إلى شطرين شطر مسلم وهو التركي وشطر نصراني وهو اليوناني.كما أن موقعها مهم لحماية فتوح المسلمين في بلاد الشام وإفريقية اي تونس.وسار إليها أيضاً أسطول
إسلامي آخر من مصر بقيادة عبد الله بن سعد وكان قائد الروم البيزنطيين قسطنطيس الثاني.فلتقى الفريقين واشتد القتال بين المسلمين وأهل قبرص ومن معهم من الروم في البر والبحر حتى استسلموا
للمسلمين وطلبوا الصلح.فصالحهم معاوية رضي الله عنه على جزية سبعة آلاف دينار يؤدونها للمسلمين في كل سنة ويؤدون للروم مثلها ليس للمسلمين أن يحولوا بينهم وبين ذلك على ألا يغزوهم ولا يقاتلوا
من وراءهم.ثم عليهم أن يخبروا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم.وعند انتهاء المعركة أستعدت الجيوش الاسلامية للعودة إلى الشام ومصرعلى سفنها كالملوك على الأسرة.وفي هذه الغزوة توفيت
أم حرام بنت ملحان الأنصارية رضي الله عنها تحقيقاً لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهي أنه نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها فاستيقظ وهو يضحك.وقال.عرض عليّ ناس من أمتي
يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة.قالت أم حرام يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم.قال صلى الله عليه وسلم إنك منهم.ثم نام فاستيقظ وهو يضحك.فقالت أم حرام يارسول الله ما
يضحكك.فقال.عرض عليّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة.قالت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم.قال صلى الله عليه وسلم أنت من الأولين.فعندما حان وقت العوده
تهيأت أم حرام متوكلة على الله.ولكنها كانت قد أسنت وضعف جسدها ووهنت قوتها فقربوا لها بغلة لكي تمتطيها لتوصلها إلى السفينة المعدة لها.فزلت قدمها وسقطت على الأرض لا تقوى على النهوض.
فأسرع إليها زوجها عبادة رضي الله عنه وعدد من كبار الصحابة ليساعدونها ويسعفونها لكنها كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة مطمئنة النفس.فنقلوها إلى حيث قاموا بتجهيزها ثم دفنوها هناك.قال جبير بن
نفير ولما فتحت قبرص وأخذ منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي.فقلت ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل الكفر وأهله.قال فضرب منكبي بيده.وقال ثكلتك أمك ياجبير ما أهون الخلق
على الله إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذ تركوا أمر الله فصاروا إلى ماترى فسلط الله عليهم السباء وإذا سلط الله السباء على قوم فليس له فيهم حاجة.وغزا حبيب بن مسلمة بعض
أرض الشام التي كانت لا تزال بيد الروم وذلك عام 28هجرية.وفي عام 31 هجرية جرت معركة بحرية حاسمة بين المسلمين والروم بالقرب من شواطئ.كيليكيا.وهي حاليا مدينة من مدن تركيا الجنوبية.
وهي التي تعرف بذات الصواري.وأما سبب هذه الغزوة فإن المسلمين لما أصابوا من أهل إفريقية أي تونس خرج قسطنطين بن هرقل الثاني في جمع لم تجمع الروم مثله منذ كان الإسلام فخرجوا في خمسمائة
مركب أو ستمائة وخرج المسلمون وعلى أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعلى البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه وكانت الريح على المسلمين.ولما شاهدوا الروم فأرسى
المسلمون والروم وسكنت الريح فقال المسلمون‏‏ الأمان بيننا وبينكم فباتوا ليلتهم والمسلمون يقرأون القرآن ويصلون ويدعون.والروم يضربون بالنواقيس.وقربوا من الغد سفنهم وقرب المسلمون سفنهم
فربطوا بعضها مع بعض واقتتلوا بالسيوف والخناجر وقتل من المسلمين بشرٌ كثير وقتل من الروم ما لا يحصى وصبروا يومئذٍ صبرًا لم يصبروا في موطن قط مثله ثم أنزل الله نصره على المسلمين فانهزم
قسطنطين جريحًا ولم ينج من الروم إلا الشريد‏.‏ولما وصل قسطنطين في مركبه إلى صقلية.وهي جزيرة ايطالية وأكبر جزر البحر الأبيض.فلما وصل قسطنطين اليها فسأله أهلها عن حاله فأخبرهم‏.‏
فقالوا‏‏ أهلكت النصرانية وأفنيت رجالها‏‏ لو أتانا العرب لم يكن عندنا من يمنعهم‏.‏ثم أدخلوه الحمام وقتلوه وتركوا من كان معه في المركب وأذنوا له في المسير إلى القسطنطينية‏.فبعض المؤرخين يرجع سبب
تسمية المعركة بذات الصواري إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت فيها من الجانبين وبعضهم الآخر يذكر أن هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي دارت قريباً منه.ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة
الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط.وأصبح شرق البحر المتوسط بعدها بحرا عربيا.وقيل عرفت بذلك لأن صواري السفن ربطت بعضها مع بعض المسلمة والرومية وذلك بعد أن أمن بعضهم
بعضاً.وكانت صواري السفن من أشجار السرو والصنوبر وهذا ما يدل على أهمية الأشجار والغابات لكلا الطرفين وجبال تلك الشواطئ كانت مليئة بهذه الأنواع من الأشجار.وفي عام 33 هجرية
غزا أمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.حصن المرأة.من أرض الروم قرب ثغر ملاطية.وهي إحدى محافظات تركيا حاليا.وقد نقضت إفريقية.أي تونس.العهد عام 33 هجرية فسار
إليها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه ففتحها ثانية وأجبر أهلها على الخضوع والعودة إلى دفع الجزية بعدما منعوها.عندئذ أحسّ المسلمون بعد أن افتتحوا تلك البلاد التي تطل على
البحر الأبيض المتوسط بضرورة اصطناع سياسة بحرية لمواجهة غارات الروم البحرية.وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عمد إلى انتهاج سياسة بحرية دفاعية لمواجهة الخطر البيزنطي على ثغور
المسلمين فاهتم بتحصين السواحل وترتيب المقاتلة فيها وإقامة الحرس على مناظرها معتمدًا في ذلك كلّه على وسائل برية فأمر بترميم حصونها وإقامة الأربطة والمناظر على طول الساحل وشحنها بالمقاتلين
لمراقبة النواحي التي يقبل منها البيزنطيون في البحر والإنذار باقتراب العدو ليلاً عن طريق إيقاد النيران في مواعيد خاصة بأعلاها تنبيهًا لصد الغزاة.وعلى هذا النحو أصبحت سواحل الشام مليئة بالقلاع
والأبراج.وقد اعتمد عليها العرب في الدفاع عن البلاد من جهة البحر.وحظيت سواحل الإسكندرية ورشيد البرلس وتنيس ودمياط وعكا وصور وصيدا وطرابلس وعرقة وجبيل وأنطاكية.بقلاع ومراكز
حراسة مماثلة ووضعت في هذه المدن حاميات مرابطة.فمضت مرحلة الدفاع البحري بوسائل برية عندما فشلت بيزنطة في استرداد الساحل الشامي سنة 23هجرية والمصري سنة 25هجرية أمام قوة الدفاع
الإسلامي واستقرت السيادة الإسلامية في الشام ومصر.وحين فكر المسلمون بالبدء بالهجوم.وجدوا أن عليهم تأمين أسطول بحري قوي يضمن لهم إحباط أيّ محاولة بيزنطية لاسترداد الشام ومصر من جهة
البحر ويمهد لهم السبيل للدفاع عن مكاسبهم وتأمين مناطق النفوذ البحرية ضد البيزنطيين الذين كانوا ماتزال لهم السيادة البحرية في البحر الأبيض المتوسط.ويرجع الفضل في إنشاء الأسطول الإسلامي إلى
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أمير الشام في خلافتي عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.فبعد تأمينه السواحل انتقل إلى عملية بناء السفن في مصر فاستحضر الأخشاب من غابات
الأَرز بلبنان وأرسلها في السفن إلى الإسكندرية واستعان بالخبراء البحريين في مصر والشام في صناعة السفن وتسييرها في البحر تمهيدًا للسيطرة على جزر البحر الأبيض المتوسط المواجهة لسواحل الشام
ومصر واتخاذها قواعد بحرية لغزو بلاد البيزنطيين نفسها.وفي الوقت نفسه الذي أهتم فيه معاوية رضي الله عنه بإنشاء أسطول بحري شامي كان عبد الله بن سعد ابي سرح رضي الله عنه أمير مصر في
خلافة عثمان رضي الله عنه يقوم بدوره بإنشاء أسطول بحري مصري.فثبت لهم السيطرة في البحر الأبيض المتوسط والتفوق على البيزنطيين.لم يستسلم البيزنطيون فقاموا بهجوم على سواحل الشام
سنة 49هجرية تسبب في خسائر للمسلمين حملت معاوية رضي الله عنه على إقامة مركز لصناعة الأسطول في عكا بدلاً من الاعتماد على مصر ثم نقل المركز متأخرًا من عكا إلى صور.وبعد أن أسس مركز
الصناعة بعكا أخذ المسلمون يشكلون خطرًا متزايدًا على البيزنطيين فقد استعمل معاوية رضي الله عنه على البحر القائد العربي المسلم عبد الله بن قيس رضي الله عنه وافتتح معاوية رضي الله عنه بالإضافة
إلى قبرص.جزيرة رودس.التي تم فتحها على يد جنادة بن أبي أمية الأزدي سنة 52 هـجرية.وجزيرة رودس هي تابعة لليونان.وغزا أيضا إقريط.كريت.سنة 55 هجرية.وإقريطش أو كريتِ هي أكبر
الجزر اليونانية وخامس أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط.وتهيأ له بعد ذلك مهاجمة البيزنطيين في عقر دارهم القسطنطينية نفسها.وأمام انتصارات المسلمين المتتابعة صرف الإمبراطور البيزنطي
قنسطانز الثاني نظره نحو محاولة استرداد الشام ومصر ورأى أن يحول نشاطه إلى القسم الغربي من حوض البحر الأبيض المتوسط حيث كانت جيوش المسلمين الظافرة تهاجم إفريقيا وتشنّ الغارات على
صقلية.وسردينيا وهي جزيرة إيطالية في البحر الأبيض المتوسط.وقوصرة.وهي جزيرة إيطالية تقع في مضيق صقلية في البحر الأبيض المتوسط.وقد غزا غيرها من جزر البحر الأبيض المتوسط
الغربي ولكنه اصطدم هناك بقوى لم تكن في حسبانه إذ تمكن المسلمون هناك من إقامة مراكز لبناء السفن وإنشاء الأساطيل البحرية التي أتاحت لهم لاحقًا إمكانية فتح الأندلس.نشأ الأسطول الإسلامي نتيجة
تخطيط مستقبلي بعيد المدى.وبدأ عمله في الدولة الإسلامية الأولى منذ عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.وتوسع أمره في الخلافة الأموية حيث شمل شرق البحر الأبيض المتوسط
وغربه وسارت على هذا المنهج الدول الإسلامية التي نشأت في مصر والمغرب العربي والأندلس وتتابع ذلك إلى الدولة الأيوبية في الشام ومصر.ومن أشهر القادة البحريين معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن
قيس ومعاوية بن حديج وموسى بن نصير وطارق بن زياد ورويفع بن ثابت الأنصاري وآخرهم صلاح الدين الأيوبي.وهناك كثيرون غيرهم.وكان قد غزا عبد الله بن قيس خمسين غزاة من بين شاتية وصائفة
في البحر ولم يغرق فيه أحد ولم ينكب وكان يدعو الله أن يرزقه العافية في جنده وألا يبتليه بمصاب أحد منهم حتى إذا أراد الله أن يصيبه وحده.خرج في قارب طليعة فانتهى إلى المرقى من أرض الروم وكان
هناك ناس يسألون فتصدق عليهم.فرجعت إمرأة من الذين كانوا يسألون إلى القرية.وقالت هل لكم في عبد الله بن قيس.قالوا وأين هو قالت في المرقى قالوا ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس قالت كان
كالتاجر فلما سألته أعطاني كالملك فعرفت أنه عبد الله بن قيس.فثاروا إليه فتجمعوا عليه وقاتلوه حتى أصيب وحده وأفلت الملاّح حتى رجع إلى أصحابه فتسلم الإمرة بعده سفيان بن عوف الأزدي.كانت
نتائج هذه الفتوحات البحرية أن وصل الإسلام إلى عمق أوروبا حاملاً معه القيم الإنسانية والحضارة التي بنت عليها أوروبا انطلاقتها في العصرالحديث.أما من حيث الجبهة الشرقية.فلقد غزا الوليد بن عقبة
أذربيجان وأرمينيا وكان أهلهما قد منعوا ما صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.وكان على مقدمة الوليد سلمان بن ربيعة الباهلي.واضطر سكان المنطقتين إلى المصالحة من
جديد.وأمد أهل الكوفة أهل الشام بثمانية آلاف رجل بإمرة سلمان بن ربيعة الباهلي.وذلك عندما كان حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري يغزو أرمينيا من الغرب فاجتمع له عدد كبير من جند الروم.الأمر الذي
أخافه وطلب المدد فأنجده الوليد بن عقبة بسلمان بن ربيعة الباهلي.وسار أمير خراسان عمير بن عثمان بن سعد غازياً حتى وصل إلى فرغانة وذلك عام 29هـجرية.وفرغانة هي منطقة تقع في تركستان على
نهر سرداريا أي نهر سيحون.وتركستان هو اسم جامع لبلاد الترك و ينقسم إلى كلمتين.ترك.و ستان.ومعناها أرض الترك و هي موطن الأتراك في آسيا الوسطى وتمتد من بحر الخزر.أي بحر قزوين.
غرباً إلى حدود تبت ومنغوليا شرقاً وتشتمل على أقاليم ما وراء النهر والصغد وخوارزم وجزء من خراسان.ويتكلم أهلها الجغتائية.التركية القديمة.أما تركستان حالياً فتنقسم إلى قسمين.تركستان الشرقية.
وتركستان الغربية.فتركستان الغربية أو آسيا الوسطى التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا.فهي تتكون منها الجمهوريات الإسلامية.قازاخستان وقيرقزستان وطاجكستان واوزبكستان.وهي المنطقة
التي يجري فيها النهران العظيمان وهما نهر.جيحون.أي أموداريا.ونهر سيحون.أي سيرداريا.فعندما احتل الاتحاد السوفيتي سابقا تركستان الغربية غير أسماء نهرا جيحون وسيحون إلى أمو داريا
وسيرداريا وذالك قبل إنهياره.ويشتهر النهران لدى الناس أنهما من أنهار الجنة مع نهرا النيل والفرات المذكورات في الحديث النبوي.إلا أن أهل العلم يقولون بل المقصود بالحديث النبوي الشريف الذي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه.سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة.هما سيحان وجيحان وليس سيحون وجيحون.كما جاء في شرح مسلم للامام النووي.قال.اعلم أن سيحان وجيحان
غير سيحون وجيحون.فأما سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ.المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنة.في بلاد الأرمن فجيحان نهر المصيصة وسيحان نهر إذنة وهما نهران عظيمان جداً أكبرهما جيحان فهذا
هو الصواب في موضعها.أما تركستان الشرقية المسلمة.فهي حاليا مقاطعة صينية.استولى الصينيون عليها عام 1760م.وعاصمتها مدينة.اورومتشي.ومساحتها 1828418كم مربع.أي تبلغ خمس
مساحة الصين.ويبلغ عدد المسلمون فيها 30 مليون وهم سنة على المذهب الحنفي.نالت استقلالها عام 1944م.ولكن بعد ثورة 1949 في الصين وإعلان قيام الشيوعية قام الصين بضمها إلى الصين
واعتبارها مقاطعة صينية وغير أسمها من تركستان الشرقية إلى منطقة شينجيانغ أو شنغيانغ.وهي تعني باللغة الصينية الأرض الجديدة أو المستعمرة الجديدة.فتلك ألاقاليم ذكرها الجغرافيون العرب وتحدثوا
عنها كثيراً في مؤلفاتهم وكانت مسقط رأس فحول العلماء والمحدثين وعلى رأسهم الإمام البخاري والترمذي رحمهما الله وغيرهما من عظماء أئمة الإسلام.وفي عام 29هـجرية سار أمير سجستان عبد الله
بن عمير الليثي حتى وصل إلى كابل.أما الآن فسجستان بالتوزيع الجغرافي القديم فهي موزعة بين ثلاث بلاد هي باكستان وأفغانستان وإيران وعاصمته قديماً زرنج التي تقع على الحدود داخل أفغانستان
وإن كان الجزء الأكبر من سجستان يقع حاليا في إيران.فالجزء الذي في افغانستان هو حاليا ولاية نيمروز وهي من الولايات الغربية في افغانستان وعاصمتها زرنج وزرنج هي نفسها مدينة رتبيل حاليا.
من أشهر من ينتسبون الى سجستان قديما ابوحاتم السجستاني اللغوي وابوداود السجستاني المحدث ومحمد بن كرام السجستاني وغيرهم.ومن القبائل العربية التي نزلت سجستان فهم تميم وبكر.أما سجستان
الذي يقع في إيران فهو الذي توجد فيه محافظة.سيستان.التي ينسب لها.على السيستاني الرافضي الشيعي مرجع الإمامية الأثنا عشرية في العراق ورئيس علماء النجف الحالي.ولهذا السبب فهو يرفض
حمل الجنسية العراقية.وانطلق أمير كرمان عبيد الله بن معمر التميمي فوصل إلى نهر السند.وهو أطول واهم نهر في باكستان.أما كرمان فهي الآن إحدى محافظات إيران تقع في جنوب شرقي إيران.
وفي عام 27هـجرية نقض العهد اهل اصطخر فسار إليهم.عبد الله بن عامر بن كريز أمير البصرة وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص.وإصطخر كانت قديما من اهم المدن الفارسية وكان بها القصور
وإيوان الأعمدة وكانت مدينة حصينة عند سفح صخرة بجنوب شرق إيران في محافظة فارس فعندما وصل عبدالله بن عامر إليها فتحها ثانية‏.‏سنة 27 هـجرية ومن ثم نقض الفرس عهدهم فواقعهم عبيد اللَّه
بن معمر على باب إصطخر سنة 29 هجرية فقتل وانهزم المسلمون فبلغ الخبر عبد اللَّه بن عامر ولم يرجع إليها إلا بعد أن.فتح جور.فسار إليهم مره أخرى والتقوا بإصطخر فانهزم الفرس وقتل منهم
كثيرون وفتحت إصطخر عنوة‏.‏وقد استخلف على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي فبنى مسجدها‏.‏قال البلاذري في فتوح البلدان‏.‏لما فرغ عبد اللَّه بن عامر من فتح جور كرَّ على أهل إصطخر وفتحها
عنوة بعد قتال شديد ورمى بالمناجيق وقتل بها من الأعاجم أربعون ألف.وسار أمير الكوفة سعيد بن العاص يريد خراسان ومعه الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر
وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعا إلا أن أمير البصرة عبد الله بن عامر قد سبقه نحو خراسان الأمر الذي جعل سعيداً يسير إلى.قومس.وهي لا تزال على الصلح الذي أعطته لحذيفة بن اليمان بعد
معركة نهاوند.وقومس تعريب كومس وتعني الملك الشريف و أسمها هذا اليوم.سمنان.وتقع وسط إيران في الجنوب الشرقي من طهران.ومن قومس سار إلى جرجان فصالحه أهلها على مائتي ألف.
وجرجان هي الآن إحدى المدن الشهيرة في إيران.وتقع في شمالي إيران.ومن جرجان سار نحو الشمال حتى وصل إلى الصحراء ولكن أهل جرجان لم يلبثوا أن كفروا واستمروا في قطع الطريق حتى تولى
أمر خراسان قتيبة بن مسلم الباهلي.وسار عبد الله بن عامر إلى فارس بعد أن نقضت العهد فافتتحها وهرب يزدجرد إلى كرمان فأرسل في أثره مجاشع بن مسعود السلمي.ففر يزدجرد إلى خرسان.
إن خراسان هي المنطقة الشرقية التي دارت فيها أغلب الأحداث والمعارك في التاريخ الإسلامي الشرقي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن ثم بعده الخليفة الراشد عثمان بن عفان
رضي الله عنه.إن موقع خرسان الجغرافي كبير وشاسع وهي تمدتد على مساحة تقريباً 000، 480، 2 كيلومتر.ويشترك فيها حاليا ثلاث دول وهن دولة إيران ودولة تركمنستان ودولة أفغانستان.
ويقع الجزء الأكبر من خرسان في إيران من جهة شرق وشمال إيران على مساحة تعادل حوالي 6، 1 كيلومترمن مساحة إيران.أما الجزء من خرسان في دولة تركمنستان فتعادل مساحة حوالي 700 كيلومتر.
والباقي من مساحة خرسان في دولة أفغانستان وتعادل مساحة حوالي 619 كيلومتراً.وقد سمّيت خراسان في الادب الفارسي على انها أرض المشرق وهي تتألف من كلمتين.خور.يعني الشمس.و اسان.
يعني طلوع وعلى هذا فمعني خراسان.مكان طلوع الشمس.وخرسان هذه ثلاث أرباعها قديما هي مناطق نيسابور ومرو وهراة وبلخ.أما نيسابور لا تزال معروفة باسمها إلى الغرب من مشهد بإيران.
ولكنها فقدت أهميتها ومرو لا تزال معروفة باسمها في جمهورية تركمانستان قرب الحدود الإيرانية يكتبونها مرف بالفاء المثلثة.ولكنها فقدت أهميتها وصارت العاصمة.عشق أباد.وهرات ما تزال
عاصمة غرب أفغانستان وبلخ تقع في اقصى شمال افغانستان يحدها شمالا نهر ترمذ الذي يفصل افغانستان عن ازوبكستان.فهذه أهم البلدان الخراسانية في ذالك الوقت.ولكن قد خربت تلك العواصم
المذكورة أعلاه في غزو المغول بقيادة جنكيز خان وقائده هولاكو.ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن خرسان.وددة لو أن بيني وبين خرسان بحر من نار.وذالك لكثرة نقض أهلها للعهود
والمواثيق.فالأهمية تلك المناطق في أحداث التاريخ الإسلامي ذكرنا هذه النبذه الوجيزه عنها.فعندما وصل عبد الله بن عامر إلى خراسان وكان الأحنف بن قيس على مقدمته.فتح طوس.وهي مدينة بإيران
تسمى اليوم بمشهد الرضا.نسبتا إلى إمام الشیعة الثامن علی بن موسی الرضا المشهور بمشهد الرضا.أي يقصدون قبره لأن الشيعة تشتهر في عبادة القبور وبناء الأضرحه والمشاهد عليها ويأتونها على
مدار العام بالملايين لعبادتها والتبرك فيها والعياذ بالله.أما يزدجرد لما هرب من كرمان إلى مرو.طلب المال من أهلها فمنعوه ثم التجأ إلى رجل على شاطئ نهر مورغاب يعمل في نقر أحجار الرحى فقتله.
وقصة قتله قد روية من عدة طرق تختلف رواية عن رواية إلا أن المقتول واحد وهو يزدجرد ملك الفرس .فقال ابن إسحاق هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو فسأل من بعض أهلها
مالا فمنعوه وخافوه على أنفسهم فبعثوا إلى الترك يستفزونهم عليه فأتوه فقتلوا أصحابه وهرب هو حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحية على شط فأوى إليه ليلا فلما نام قتله.وقال المدائني.لما هرب
بعد قتل أصحابه انطلق ماشيا عليه تاجه ومنطقته وسيفه فانتهى إلى منزل هذا الرجل الذي ينقر على الأرحية فجلس عنده فاستغفله وقتله وأخذ ما كان عليه وجاءت الترك في طلبه فوجدوه وقد قتله وأخذ
حاصله فقتلوا ذلك الرجل وأهل بيته وأخذوا ما كان مع كسرى ووضعوا كسرى في تابوت وحملوه إلى اصطخر.وقد كان يزدجرد وطئ امرأة من أهل مرو قبل أن يقتل فحملت منه ووضعت بعد قتله
غلاما ذاهب الشق وسمى ذلك.الغلام المخدج.وكان له نسل وعقب في خراسان وقد سبى قتيبة بن مسلم في بعض غزواته بتلك البلاد جاريتان من نسله فبعث بإحداهما إلى الحجاج فبعث بها إلى
الوليد بن عبد الملك فولدت له ابنه يزيد بن الوليد الملقب.بالناقص.وقال المدائني وفي رواية عن بعض شيوخه.أن يزدجرد لما انهزم عنه أصحابه عقر جواده وذهب ماشيا حتى دخل رحى على شط نهر
يقال له المرغاب فمكث فيه ليلتين والعدو في طلبه فلم يدر أين هو ثم جاء صاحب الرحى فرأى كسرى وعليه أبهته فقال له.ما أنت.انسي أم جني قال.إنسي فهل عندك طعام.قال.نعم فأتاه بطعام.
فقال إني مزمزم فأتني بما أزمزم به.قال.فذهب الطحان إلى أسوار من الأساورة فطلب منه ما يزمزم به قال.وما تصنع به.قال.عندي رجل لم أر مثله قط وقد طلب مني هذا فذهب به الأسوار
إلى ملك البلد مرو واسمه ماهويه بن باباه فأخبره خبره.فقال.هو يزدجرد اذهبوا فجيئوني برأسه فذهبوا مع الطحان فلما دنوا من دار الرحى هابوا أن يقتلوه وتدافعوا وقالوا للطحان.ادخل أنت فاقتله
فدخل فوجده نائما فأخذ حجرا فشدخ به رأسه ثم احتزه فدفعه إليهم وألقى جسده في النهر فخرجت العامة إلى الطحان فقتلوه.وخرج أسقف فأخذ جسده من النهر وجعله في تابوت وحمله إلى اصطخر فوضعه
في ناووس.ويروى أنه مكث في منزل ذلك الطحان ثلاثة أيام لا يأكل حتى رق له وقال له.ويحك يا مسكين ألا تأكل وأتاه بطعام.فقال.إني لا أستطيع أن آكل إلا بزمزمة.فقال له.كل وأنا أزمزم لك
فسأل أن يأتيه بمزمزم فلما ذهب يطلب له من بعض الأساورة شموا رائحة المسك من ذلك الرجل فأنكروا رائحة المسك منه فسألوه فأخبرهم.فقال.إن عندي رجلا من صفته كيت وكيت.فعرفوه وقصدوه
مع الطحان وتقدم الطحان فدخل عليه وهم بالقبض عليه فعرف يزدجرد ذلك فقال له.ويحك خذ خاتمي وسواري ومنطقتي ودعني أذهب من ههنا.فقال.لا أعطني أربعة دراهم وأنا أطلقك فزاده إحدى قرطيه
من أذنه فلم يقبل حتى يعطيه أربعة دراهم أخرى فهم في ذلك إذ دهمهم الجند فلما أحاطوا به أرادوا قتله قال.ويحكم لا تقتلوني فإنا نجد في كتبنا أن من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا
مع ما هو قادم عليه فلا تقتلوني واذهبوا بي إلى الملك أو إلى العرب فإنهم يستحيون من قتل الملوك فأبوا عليه ذلك فسلبوه ما كان عليه من الحلي فجعلوه في جراب وخنقوه بوتر وألقوه في النهر فتعلق بعود
فأخذه أسقف واسمه إيليا فحن عليه مما كان من أسلافه من الإحسان إلى النصارى الذين كانوا ببلادهم فوضعه في تابوت ودفنه في ناووس.ثم حمل ما كان عليه من الحلي إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان
ففقد قرط من حليه فبعث إلى دهقان تلك البلاد فأغرمه ذلك.وكان ملك يزدجرد عشرين سنة منها أربع سنين في دعة وباقي ذلك هاربا من بلد إلى بلد خوفا من الإسلام وأهله وهو آخر ملوك الفرس في الدنيا
على الإطلاق لقول رسول الله.إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيل الله.رواه البخاري.وثبت في الحديث الصحيح.أنه لما جاء كتاب
النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فدعا النبي عليه أن يمزق كل ممزق فوقع الأمر كذلك.وبمقتله أنتهت دولة آل ساسان.ومن طوس وصل عبد الله بن عامر إلى.أبيورد.وهي تقع حاليا فى القسم الشمالي
الشرقي من إيران على الحدود الإيرانية الروسية.ومن أبيورد.وصل عبد الله بن عامر إلى نسا.وهي حالياً تتبع لإقليم أبرشهر في إيران.ومن أعلام مدينة نسا السنة المشهورين.أحمد بن شعيب النسائي
أبو عبد الرحمن المعروف بالنسائي.وهو مؤلف كتاب السنن في الحديث النبوي.والمجتبى وهو السنن الصغرى والضعفاء وخصائص علي وعشرة النساء وغيرها.ولد عام 215هجرية وتوفي عام 303 هجرية.
كما من أعلام مدينة نسا السنة المشهورين حميد بن مخلد بن قتيبة الأزدي النسائي أبو أحمد والمعروف باسم ابن زنجويه.ولد عام 180هجرية وتوفى عام 251هجرية.وهو صاحب كتاب الترغيب والترهيب
وكتاب الأموال.وقد فتحها المسلمون صلحا عام 31هجرية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.وواصل عبد الله بن عامر سيره إلى بلخ.وهي مدينة صغيرة في ولاية بلخ في أفغانستان.تبعد عن
عاصمة ولاية مزار شريف وتقع شمال غربها.وواصل عبد الله بن عامر سيره إلى.سرخس.وهي تقع الآن فى ولاية خراسان الإيرانية بالقرب من حدودها مع تركمانستان.وصالح أهل مرو عبد الله بن عامر
وتقع مرو حاليا في تركمانستان وعندئذ أعاد عبد الله بن عامر فتح خراسان.وفي عام 32 هجرية كتب عثمان رضي الله عنه إلى أمير الكوفة سعيد بن العاص أن أرسل سلمان بن ربيعة الباهلي للغزو في منطقة
الباب.ومنطقة الباب هي منطقة سوريّة إداريّة تتبع محافظة حلب الشماليّة تجاورها الحدود التركية شمالاً فسار سلمان إليها.وكان عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي يخوض معركة ضد خصومه فاستشهد فيها.
وتفرق المسلمون هناك فمنهم من سار إلى جيلان.وجيلان بالفارسي هي گیلان وهي واحدة من المحافظات الايرانية.تقع على امتداد بحر قزوين.ومنهم من سار إلى جرجان.وهي إحدى المدن الشهيرة في إيران
وتقع في شمالي إيران.ومن الذي ساروا إلى هناك أبو هريرة وسلمان الفارسي رضي الله عنهما.ومنهم من سار نحو سلمان بن ربيعة الباهلي فحماه وكان على الحرب مع سلمان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
وطلب عثمان رضي الله عنه من أهل الشام في أرمينيا بإمرة حبيب بن مسلمة أن ينجدوا سلمان بن ربيعة الباهلي في منطقة الباب ففعلوا.وعادت خراسان فانقضت العهد من جديد فبعث عبد الله بن عامر الأحنف
بن قيس إلى.مرو الروذ.فصالح أهلها واجتمع عليه أهل.الطالقان.والطالقان بلدتان إحداهما بخراسان تقع بين مرو الروذ وبلخ وبينها وبين مرو الروذ ثلاث مراحل.والثانية هي طالقان التي تقع قريباً من بحر
قزوين اي بحر الخزر في شمال ايران وتسمى تمييزاً لها عن الآخرى طالقان قزوين.وأجتمع عليه أهل.فارياب.وفارياب هي قرية كبيرة تـتبع.بلدة جناح.من توابع مدينة بستك في جنوب غرب إيران.
وسكان فارياب هم من أهل السنة والجماعة وعلى المذهب الشافعي.وأجتمع عليه أهل.الجوزجان.وهي الآن إحدی المحافظات بأفغانستان.تقع شمال البلاد وعاصمتها مدينة شبرغان.وأجتمع عليه أيضا أهل.
طخارستان.وهي الآن مقاطعة في أفغانستان فانتصر عليهم بإذن الله.وصالح أهل بلخ وأرسل الأقرع بن حابس إلى الجوزجان ففتحها.ثم عاد الأحنف إلى خراسان مرة ثالثة في عام 33 هجرية.وهكذا فقد
كانت الفتوحات أيام الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه واسعة إذ أضافت بلاداً جديدة في أفريقية وأرمينيا.وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد في فارس وخراسان وباب الأبواب.وباب الأبواب.
تقع حاليا في داغستان.وكان أسمها قبل الفتح الأسلامي.دربنت.فتعد مدينة.دربنت.أي باب الأبواب.أبرز المدن والحواضر الإسلامية في جمهورية داغستان كما تعد دربنت إحدى أهم المعابر الرئيسية التي
انطلق منها المسلمون لنشر الإسلام في دول آسيا الوسطى ومنها إلى بلاد روسيا وشرق آسيا.وكانت داغستان جزءًا من الران والران من إقليم أكبر أطلق عليه المؤرخون والجغرافيون العرب.الرحاب.الذي
كان يضم أرمينيا وأذربيجان وداغستان.ويحد داغستان من الغرب جبال القوقاز ومن الشرق بحر قزوين ومعني داغستان فی اللغه التر?ية.أرض الجبال.وتشترك في حدودها الغربية مع جورجيا وشاشان أما
الشمالية والشمالية الغربية فتشترك مع جمهورية روسيا الاتحادية وحدودها الجنوبية تشترك مع أذربيجان.وكان فتح باب الأبواب.دربنت.قد مر بثلاث مراحل.كالتالي.المرحلة الأولى.كانت في عهد ثاني
الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبالتحديد في عام 20هجرية حينما سيّر الخليفة العادل حملة بقيادة عمرو بن سراقة لفتح المدينة وتشير كتب التاريخ إلى أنه لم يحدث قتال حيث اتفق الطرفان
عمرو بن سراقة.وشهر براز.حاكم مدينة دربنت أي باب الأبواب في ذلك الوقت التي كانت تتبع الإمبراطورية الساسانية على أن ينضم شهربراز إلى القتال في صفوف المسلمين في مقابل إسقاط الجزية عنه
وهو ما كان بمثابة خطوة إيجابية للمسلمين حيث نتج عنها أن جعل المسلمين المدينة قاعدة ومركزًا انطلاق للحملات نحو كثير من الفتوحات في المنطقة.كما انطلقت الجيوش الإسلامية من مدينة باب الأبواب لنشر
الإسلام في بلاد الخرز وباقي بلاد الران وأرمينيا حيث قاد.بكير بن عبد الله.حملة إلى موقان.وموقان هي منطقة من أَُذْرَبِيجان.وقاد حبيب بن مسلمة حملة إلى تبليس.وقاد حذيفة بن أسيد حملة إلى جبال اللان.
وقاد سلمان بن ربيعة حملة إلى حدود أرمينيا.وبذلك تحولت مدينة باب الأبواب إلى حصن للدولة الإسلامية في الشمال الشرقي من إقليم.الرحاب.لمواجهة أعداء الدولة الإسلامية من الخزر والروس.أما المرحلة
الثانية فكانت في خلافة ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه ووصولاً إلى الدولة الأموية وتحديدًا في خلافة هشام بن مروان.الذي شهدت في عصره منطقة دربنت باب الأبواب تصعيدًا خطيرًا من
قبل الروس والخزر ضد الإسلام في محاولة منهم لطرده من المنطقة فما كان من ابن مروان إلا أن سير جيشًا عظيمًا قاده سعيد الحرشي الذي هزم الخزر والران وتعقبهم بعيدًا خارج حدود إقليم الرحاب.وبعد تلك
المعركة اتبع الأمويين سياسة تركز على إبعاد العناصر المشبوهة من إقليم الرحاب ومدينة باب الأبواب وتوطين العرب والمسلمين في تلك المنطقة للقضاء على التوترات وتهيئة الأوضاع في المدينة للتهدئة انطلاقًا
من أنها قاعدة ومركز قوي للمسلمين في تلك المنطقة الحيوية لذلك نجد أن مسلمة بن عبد الله بن مروان عمد خلال فتوحاته الحاسمة لتلك المنطقة إلى توطين نحو 24 ألف من عربي ومسلم من بلاد الشام في مدينة
دربنت مما أدى إلى تغيير الجغرافيا البشرية في تلك المنطقة وأصبح الجنس العربي العرق الأساسي والرئيس الذي يتكون منه سكان ذلك الإقليم الأمر الذي ترتب عليه فيما بعد ازدهار الدعوة الإسلامية في منطقة
داغستان.ورغم أن دربنت باب الأبواب قد شهدت تراجعًا على مستوى المكانة العسكرية إبان حقبة حكم الدولة الأموية إلا أنها شهدت تطورًا كبيرًا على المستوى الاجتماعي والثقافي وذلك نتيجة الالتحام الثقافي
والحضاري بين الجنس العربي والعرقيات المختلفة هناك التي استوطنت الإقليم الأمر الذي جعل من باب الأبواب نموذجًا للتمازج الثقافي بين العرب والأعراق المنتشرة في منطقة القوقاز تحت مظلة الإسلام.
أما المرحلة الثالثة فكانت في الخلافة العباسية لتأكيد السيادة على دربنت أي باب الأبواب فلم تختلف سياسة الخلافة العباسية كثيرًا في تعاملها مع داغستان ومدينة باب الأبواب عن سياسات سابقيها بل إننا نجد أن
الخلافة العباسية قد اتخذت سياسات مشابهة للخلافة الأموية فنجد أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور استمر في سياسة توطين المسلمين في تلك المدينة الأمر الذي ترتب عليه تضاعف أعداد المسلمين في
الإقليم كما هاجر إلى المدينة أعداد كبيرة من المسلمين الأتراك الأمر الذي أدى في النهاية إلى سيطرة الأتراك السلاجقة تمامًا على منطقة الرحاب وما حولها.ومن أبرز المعالم الإسلامية في دربنت أي باب الأبواب
وجود 40 قبر من صحابة النبي صلى الله وعليه وسلم والذين قضوا خلال تواجدهم بالمدينة إما في معارك الفتوحات الإسلامية أو أثناء جهودهم لنشر تعاليم الإسلام ومن أبرز قبور هؤلاء الصحابة قبر الصحابي الجليل
حبيب بن مسلمة الفهري الذي كان أحد رواة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإضافة إلى دوره في رواية الأحاديث النبوية الشريفة كان قائدًا عسكريًا فذًا ويشهد على ذلك توليه قيادة الجيوش الإسلامية التي
توجهت إلى آسيا الوسطى والقوقاز وأمره عثمان بن عفان رضي الله عنه على ولاية قنسرين وأرمينيا ودخل في معارك كثيرة مع الروم حتى لقب بحبيب الروم واستشهد في إحدى المعارك مع الروم ودفن بمدينة
باب الأبواب.كما ضمت إلى تلك الفتوحات فتوحات جديدة من بلاد السند وكابل وفرغانة وغيرهما من الفتوحات الميمونة.وهي تتمة لفتوحات الخليفة السابق له عمر بن الخطاب رضي الله عنه.وقد استمرت هذه
الفتوحات الإسلامية في البر والبحر في خلافة الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه على مدار العشرة أعوام من خلافته الراشدة والميمونة.إلا أن ما حدث في العامين التاليين من خلافته
التي وقعت فيهن ظهور الفتنة قد جعلها تنسى فطغت الفتنة على تلك الفتوحات حتى حسب الناس أن عهد عثمان رضي الله عنه لم يكن سوى فتنة واختلافات نشأت منذ بيعته ودامت بقية حياته وانتهت باستشهاده.
ولكن أيها الأحبة قبل ما نشرع في ذكر أحداث الفتنه وأسبابها ونتائجها ورؤوس مسببيها.يجب علينا أولا أن نعرف منهم الصحابة وما الواجب المترتب علينا أتجاههم رضوان الله عنهم جميعا حتى لا يقع أحد منا
في مزالق الخطأ في حقهم لأن توقيرهم وأجلالهم من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة.فالصحابة الذين نهلوا من معين المشكاة النبوية هم من نقلوا إلينا الإسلام كما أنزله الله عز وجل على نبيه المصطفى الأمين
ولهذا يجب علينا تنزيههم وتعظيمهم وتبرئتهم.مما نسبه الرافضة إليهم بما حدث في فتنة قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك عندما زعموا أن الصحابة كانوا راضين بمقتل الخليفة الراشد بهتانا
وزورا.قال الشيخ السرجاني.الصحابة جميعًا نحسبهم من أهل الجنة وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ونزلت في فضلهم الآيات الكثيرة والخطأ فى حق أحدهم إنما هو خطأ عظيم وجسيم.
وسوف نحاول أن نضع بعض الأسس القوية التي من خلالها وعلى ضوئها نستطيع أن نتناول موضوع الفتنة.وليس من الصواب أن يُقرأ في أحداث الفتنة من أي مصدر ومن الخطورة أن يقرأ الإنسان عن الفتنة
من مصدر غير موثوق.وسنذكر لماذا.نحن نريد بداية أن نبني هذا الأساس والذي يعصم الإنسان من الوقوع في الخطأ في حق أي صحابي من الصحابة الأطهار رضي الله عنهم جميعًا.ونحب أن نشير أيضًا
إلى معنى الصحابة حتى نكون على علمٍ بقدر من نتحدث عنه.الصحابي هو.كل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه أو اجتمع به في حياته ومات على الإيمان فيدخل فيهم من ارتد ثم رجع إلى الإسلام.
كالأشعث بن قيس.وعدد الصحابة في أصح الأقوال مائة وأربعة عشر ألفًا.أما التابعي فهو.من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم والتقى بصحابي وتعلم منه وهم درجات فمنهم الدرجة العليا كسعيد بن المسيب
فإن معظم رواياته عن الصحابة والطبقة الوسطى من التابعين مثل عكرمة وقتادة وعمر بن العزيز والحسن البصري وغيرهم.والطبقة الصغرى وهم من أخذوا أحاديث قليلة من الصحابة ويوجد من يُسمّى بالمخضرم
وهو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يره كالنجاشي.ويُجمع علماء الجرح والتعديل أن كل الصحابة عدول فكل ما قالوه حق.ربما يكون خطأً لكنه ليس فيه كذب ولا خيانة ولا تدليس.وقال
العلماء.لا تضر الجهالة مع صحابي.أي أنك إذا علمت أن فلانًا من الصحابة ولا تعرف عنه أي شيء إلا يقينك بصحبته وقال جملة ما فما قاله صحيح لا كذب فيه فهذا هو تعاملنا مع صحابة النبي صلى الله عليه
وسلم.ومن ثًمّ فلا يجوز على الإطلاق الطعن في أحد من الصحابة وإذا فعل أحد من الصحابة فعلًا ويحتمل هذا الفعل نيّتين فيُحمل الأمر على الأحسن وحسن الظن مطلوب في حق كل المسلمين وفي حق الصحابة
أَوْلى.وإذا تبيّن خطأ أيٍّ من الصحابة نقول.اجتهد فأخطأ فله أجر.وقد كثر الطعن في كثير من الصحابة كما نعرف كمعاوية رضي الله عنه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عنه.اللَّهُمَّ اجْعَلْهَ هَادِيًا مَهْدِيًّا.
وكثيرٌ ممن يطعن في معاوية رضي الله عنه إذا ظل يعمل طوال حياته فلن يفعل ما فعله معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من الخير في سَنَة واحدة وقد هدى الله على يديه الأمم الكثيرة إنتهى.وقال الشيخ الفحل.
لقد اشترك معاوية رضي الله عنه في غزوة حنين.وقال تعالى(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)التوبة 26.فمعاوية رضي الله عنه
من الذين شهدوا غزوة حنين وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.ولقد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية ومن ذلك.قوله صلى الله عليه وسلم.اللهم علِّم معاوية
الكتاب والحساب وقِهِ العذاب.ولقد اثناء أهل العلم على معاوية رضي الله عنه.فقيل لابن عباس رضي الله عنهما هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة.قال.إنه فقيه.ومما يناسب المقام ذكر
بعض المسائل الفقهية التي أثرت عن معاوية رضي الله عنه ومن تلك المسائل.ما يلي.أثر عنه الاستسقاء بمن ظهر صلاحه.وأنه يجزئ إخراج نصف صاع من البُرِّ في زكاة الفطر.واستحباب تطييب البدن لمن
أراد الإحرام.وجواز بيع وشراء دور مكة.والتفريق بين الزوجين بسبب العُنَّة.ووقوع طلاق السكران.وعدم قتل المسلم بالكافر قصاصا.وحبس القاتل حتى يبلغ ابن القتيل.وقال عبد الله بن المبارك معاوية
عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شذرا اتهمناه على القوم يعني الصحابة رضوان الله عنهم جميعا.وسئل الإمام أحمد ما تقول رحمك الله فيمن قال لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه
أخذها بالسيف غصبا.قال أبو عبد الله هذا قول سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس.وتحدث ابن العربي عن الخصال التي اجتمعت في معاوية فذكر منها.قيامه بحماية البيضة وسد
الثغور وإصلاح الجند والظهور على العدو وسياسة الخلق.وقد علق محب الدين الخطيب على هذا النص بقوله.وقد بلغ من همته يعني معاوية رضي الله عنه وعظيم عنايته بذلك أن أرسل يهدد ملك الروم وهو في
معمعة القتال مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفين وقد بلغه أن ملك الروم اقترب من الحدود في جنود عظيمة.وفي ذلك يقول ابن كثير.وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله وقهر
جنده ودحاهم فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية رضي الله عنه بحرب عليٍّ رضي الله عنه تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه فكتب معاوية رضي الله عنه إليه.والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك
يا لعين لاصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت فعند ذلك خاف ملك الروم وبعث يطلب الهدنة.وقال عنه ابن تيمية.فإن معاوية ثبت عنه بالتواتر أنه أمَّرَه
النبي صلى الله عليه وسلم كما أمر غيره وجاهد معه وكان أمينا عنده يكتب له الوحي وما اتهمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الوحي وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان من أخبر الناس بالرجال
وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ولم يتهمه في ولايته.وقال عنه ابن كثير.وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته والجهاد
في بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو.وقال أيضا.كان حليما وقورا رئيسا سيدا في الناس كريما عادلا شهما.وقال عنه أيضا.
كان جيد السيرة حسن التجاوز جميل العفو كثير الستر.فيعد معاوية رضي الله عنه من الذين نالوا شرف الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرد ذلك إلى ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
فتح مكة.لكونه صهره وكاتبه صلى الله عليه وسلم.هذا وقد روى معاوية رضي الله عنه مائة وثلاثة وستين حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفق له البخاري ومسلم على أربعة أحاديث وانفرد البخاري
بأربعة ومسلم بخمسة.وكانت سيرة معاوية رضي الله عنه مع الرعية في ولايته من خير سير الولاة مما جعل الناس يحبونه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.قال.خيار أئمتكم حكامكم الذين
تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم تدعون لهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم.وأختم حديثي عن معاوية رضي الله عنه بما قاله القاضي أبو بكر بن العربي.فعمر
رضي الله عنه ولاه وجمع له الشامات كلها وأقره عثمان رضي الله عنه بل إنما ولاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنه ولى أخاه يزيد واستخلفه فأقره عمر لتعلقه بولاية أبي بكر رضي الله عنهم جميعا لأجل
استخلاف واليه له فتعلق عثمان بعمر رضي الله عنهما وأقره فانظر إلى هذه السلسلة ما أوثق عراها.وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتبه فيكون سند ولايته الأعمال في الدولة الإسلامية لم يكن لأحد
قبله ولم يكن لأحد بعده حيث اجتمع على توليته رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده خلفاؤه الثلاثة ثم صالحه وأقر له بالخلافة الحسن بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إنتهى.وقال الشيخ السرجاني.
ولا يدفعنا كرهنا لعقائد الشيعة ووضعهم الأحاديث أن نقلل من قدر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو من قدر الحسين أو من قدر فاطمة الزهراء أو من قدر أحد من أهل البيت رضي الله عنهم فإن لهم في الإسلام
مكانة عظيمة ولكن لا إفراط ولا تفريط إنتهى.فالباب الموصدُّ دون الفتن في هذه الأمة كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما جاء في حديث حذيفه رضي الله عنه وفيه.أن حذيفة قال لعمر رضي
الله عنهما لما سأله عن الفتنة التي تموج موج البحر.ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً قال عمر.أيكسر الباب أم يفتح.قال.لا بل يكسر.قال عمر رضي الله عنه.إذاً لا يغلق أبداً.
فلما كسر الباب بقتله انطلقت الفتن في هذه الأمة فلا تقف إلا بقتل الدجال ثم هلاك يأجوج وماجوج في آخر الزمان.فأول الفتنة كما ذكرها أعلم الصحابة بالفتن وأمينُ سِرِّ النبي صلى الله عليه وسلم حذيفه بن اليمان
رضي الله عنه فقال.أول الفتن قتل عثمان وآخر الفتن خروج الدجال والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبةٍ من حُبِّ قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه وإن لم يدركه آمن به في قبره.لقد كان الخروج
على عثمان رضي الله عنه وقتله أعظم فتنةٍ ابتلي بها المسلمون في صدر هذه الأمة بتآمر وتخطيط من الاعداء وبتنفيذ يد بن سبأ ومسلمون داخلتهم الشبهات وتشربتهم الفتن والأهواء في جمع غفير من الرعاع
والدهماء زعموا بالخروج على الخليفة وقتله صلاح المسلمين وهو الفساد بعينه.ففي السنوات الأخيرة من خلافة عثمان رضي الله عنه بدت في الأفق سمات الاضطراب في المجتمع الإسلامي بسبب ضهور الفتنه
على يد رؤس الاشرار موقدوها.كما أن مجيء عثمان رضي الله عنه مباشرة بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه واختلاف الطبع بينهما مؤديا إلى تغير أسلوبهما في معاملة الرعية فبينما كان عمر رضي الله عنه
قوي الشكيمة شديد المحاسبة.كان عثمان رضي الله عنه ألين طبعا وأرق في المعاملة ولم يكن يأخذ الناس بما يأخذهم به عمر رضي الله عنه حتى يقول عثمان رضي الله عنه.يرحم الله عمر ومن يطيق ما كان عمر
يطيق.لكن الناس وإن رغبوا في الصدر الأول من خلافته لأنه لان معهم وكان عمر شديدا عليهم حتى أصبحت محبته مضرب المثل فقد أنكروا عليه بعد ذلك ويرجع هذا إلى نشأة عثمان في لطفه ولين عريكته ورقة
طبعه ودماثة خلقه مما كان له بعض الأثر في مظاهر الفرق عند الأحداث بين عهده وعهد سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أدرك عثمان رضي الله عنه ذلك حين قال لأقوام سجنهم.أتدرون ما جرأكم عليَّ
ما جرأكم علي إلا حلمي.وحين بدت نوايا الخارجين وقد ألزمهم عثمان رضي الله عنه الحجة في رده على المآخذ التي أخذوها عليه أمام الملأ من الصحابة والناس أبى المسلمون إلا قتلهم وأبى عثمان إلا تركهم لحلمه
ووداعته قائلا.بل نعفوا ونقبل ولنبصرهم بجهدها ولا نحادّ أحدا حتى يركب حدا أو يبدي كفرا.ومن الأحداث المهمة تلك أن عثمان رضي الله عنه ولّى سعد بن أبي وقّاص على الكوفة سنة 24 هجرية وذالك ان
هذه المدينة دائمة الفتن والثورات على أمرائها وفي سنة 25 هجرية ثار أهل الكوفة من جديد على سعد بن وقاص.فعزل عثمان سعدًا وولّى مكانه الوليد بن عقبة بن أبي معيط رضي الله عنه وفي سنة 27 هجرية
عزل عثمان رضي الله عنه عمرو بن العاص رضي الله عنه عن ولاية مصر وكان واليها من قِبَل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتولى مصر عبد الله بن أبي سرح رضي الله عنه.قال الشيخ الفحل ثم نجح
الموتورون في إزاحة الوليد بن عقبة عن ولاية الكوفة وعين عثمان سعيد بن العاص رضي الله عنهما واليا جديدا على الكوفة وعندما وصل سعيد إلى ولايته صعد المنبر وبعدما حمد الله وأثنى عليه قال.والله
لقد بعثت إليكم وإني لكاره ولكني عندما أمرني عثمان لم أجد بدًّا من التنفيذ ألا وإن الفتنة قد أطلت رأسها فيكم والله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تغلبني وإني رائد نفسي اليوم.واطلع سعيد على أحوال الكوفة
وعرف توجهات الناس فيها وأدرك تعمق الفتن فيها وضلوع مجموعة من الخوارج وأعداء الإسلام في التآمر والكيد والفتنة وسيطرة الرعاع والغوغاء والأعراب على الرأي فيها.وكتب سعيد رسالة إلى أمير المؤمنين
عثمان رضي الله عنه يخبره فيها بالأوضاع المتردية في الكوفة ومما قال فيها.إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وقد غلب فيها أهل الشرف والسابقة والقِدمة والغالب على تلك البلاد روادف ردفت وأعراب لَحَتْ
حتى ما ينظر فيها إلى ذي شرف وبلاء.فرد عليه عثمان رضي الله عنه برسالة طلب منه فيها إعادة ترتيب أوضاع أهلها وتصنيفهم على أساس السبق والجهاد وتقديم أهل العلم والصدق والجهاد على غيرهم ومما
قال له فيها.فضل أهل السابقة والقدمة ممن فتح الله على أيديهم تلك البلاد واجعل الذين نزلوا البلاد بعد فتحها من الأعراب تبعا لأولئك السابقين المجاهدين إلا أن يكون السابقون تثاقلوا عن الجهاد والحق وتركوا
القيام به وقام به من بعدهم واحفظ لكل إنسان منهم منزلته وأعطهم جميعا قسطهم بالحق فإن المعرفة بالناس يتحقق بها العدل بينهم.وقام سعيد بتنفيذ توجيهات الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه
وأخبر الخليفة بما فعل وجمع عثمان أهل الحل والعقد في المدينة وأبلغهم بأوضاع الكوفة ورسوخ الفتنة فيها وإجراءات سعيد بن العاص لمواجهتها فقالوا.أصبت بما فعلت ولا تسعف أهل الفتنة بشيء ولا تقدمهم على
الناس ولا تطعمهم فيما ليسوا له بأهل فإنه إذا تولى الأمور من ليس أهلا لها لم يقم بها بل يفسدها.فقال عثمان لهم.إن الناس قد تحركوا للفتنة فاستعدوا لمواجهتها واستمسكوا بالحق وسوف أخبركم بأخبارها.فستاء
الرعاع وأجلاف الأعراب من تقديم أصحاب السابقة والجهاد والبلاء والعلم والتقوى في المجالس والرئاسة والاستشارة وصاروا يعيبون على الولاة تقديم هؤلاء عليهم واستشارتهم دونهم ويعتبرونهم تمييزا وجفوة
وإقصاء لهم واستغل الحاقدون هذا الأمر في نفوسهم وغرسوا في الرعاع كره الخليفة ورفض أعمال الوالي سعيد بن العاص ونشر الإشاعات ضده بين الناس ولقد رفض عامة الناس في الكوفة كلام الموتورين
الخارجين.وفي يوم من أيام سنة ثلاث وثلاثين جلس سعيد بن العاص في مجلسه العام وحوله عامة الناس وكانوا يتحدثون ويتناقشون فيما بينهم فتسلل هؤلاء الخوارج من السبئيين إلى المجلس وعملوا على
إفساده وعلى إشعال نار الفتنة.فجرى كلام وحوار في المجلس بين سعيد بن العاص وبين أحد الحضور وهو خنيس ابن حُبيش الأسدي واختلفا على أمر.وكان سبعة من الخوارج أصحاب الفتنة جالسين منهم
جندب الأزدي الذي قتل إبنه السارق بسبب تورطه في قضية قتل ومنهم الأشتر النخعي وابن الكواء وصعصعة ابن صوحان فاستغل أصحاب الفتنة المناسبة وقاموا بضرب خنيس الأسدي في المجلس ولما قام أبوه
يساعده وينقذه ضربوه وحاول سعيد منعهم من الضرب فلم يمتنعوا وأغمى على الرجل وابنه من شدة الضرب وجاء بنو أسد للأخذ بثأر أبنائهم وكادت الحرب تقع بين الفريقين ولكنَّ سعيدا تمكن من إصلاح الأمر
ولما علم عثمان رضي الله عنه بالحادثة طلب من سعيد بن العاص أن يعالج الموضوع بحكمة وأن يضيق على الفتنة ما استطاع.ذهب الخوارج المفتونون إلى بيوتهم وصاروا ينشرون الإشاعات ويذيعون الافتراءات
والأكاذيب ضد سعيد وضد عثمان رضي الله عنهما وضد أهل الكوفة ووجوهها فاستاء أهل الكوفة منهم وطلبوا من سعيد أن يعاقبهم فقال لهم سعيد.إن عثمان رضي الله عنه قد نهاني عن ذلك فإذا أردتم ذلك فأخبروه
وكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان رضي الله عنه بشأن هؤلاء النفر وطلبوا منه إخراجهم من الكوفة ونفيهم عنها فهم مفسدون مخربون فيها فأمر عثمان رضي الله عنه واليه سعيد بن العاص بإخراجهم
من الكوفة وكانوا بضعة عشر رجلا وأرسلهم سعيد إلى معاوية رضي الله عنه في الشام بأمر عثمان وكتب عثمان إلى معاوية رضي الله عنهما بشأن هؤلاء فقال له.إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة
فَرُعْهم وأخفهم وأدبهم وأقم عليهم فإن آنست منهم رشدا فاقبل منهم.ومن الذين تم نفيهم إلى الشام الأشتر النخعي وجندب الأزدي وصعصعة بن صوحان وكميل بن زياد وعمير بن ضابئ وابن الكواء ولما إخرج رؤس
الفتنه سكت هؤلاء الحاقدون وصاروا يخفون شبهاتهم ولا يظهرونها إنتهى.ففي هذه الأجواء أستغل بعض اليهود واعداء الإسلام فرصة الظهور مستغلين عوامل الفتنة ومتظاهرين بالإسلام واستعمال التقية ومن هؤلاء
عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء لأن أمه كانت جارية سوداء حبشية لهذا لُقّب بابن السوداء وكان يهوديًا عاش في اليمن فترة طويلة فأرسلوا ذاك الرجل من اليمن الى الحجاز وكانت اليمن قبل الإسلام مقاطعة
فارسية فتعلّم عبد الله بن سبأ الكثير عن المجوسية والنصرانية وأراد هذا اليهودي أن يطعن في عقيدة الإسلام وفي أئمة المسلمين لكي يهدم أصول الاسلام ويمزق شمل أهله من الداخل فدخل في الإسلام ظاهرًا
لهذا السببين وهو يبطن في داخله الكفر واللاحاد.قال الشيخ سفر الحوالي.وحينئذٍ ظهر عبد الله بن سبأ الذي حذر عنه الإمامُ الشعبيُّ رحمه الله مالكَ بنَ مغول كما ذكر ذلك ونقله شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله
في كتابة منهاج السنة النبوية.ظهر ذلك الرجل اليهودي الماكر وقد سمى نفسه عبد الله بن سبأ والذي أراد أن يهدم دين الإسلام كما هدم بولس دين النصرانية.ومختصر قصة بولس أنه رجل يهودي كان يعذب
النصارى أتباع المسيح عيسى عليه السلام تعذيباً شديداً فلما رأى أن تعذيبهم لا يزيدهم إلا إيماناً قال لا بد من حيلة فتحايل عليهم بالمكر اليهودي المعروف وقال إني كنت ذاهباً إلى دمشق وإذا بصوت يناديني من السماء
ويقول أنا المسيح أنا ابن الله أنا كذا لماذا تضطهد شعبي ولماذا تضطهد أهل ملتي ادخل في ديني فقال أنا دخلت الآن وأصبحت في دين المسيح ودخل في دينهم وأخذ يهدم دينهم من الداخل فقال إن المسيح إله وقال إنه
ابن الله وأمثال ذلك من الكفر.والعياذ بالله فتعالى الله عن ذالك علوا كبيرا وتقدس جلا وعلا تنزيها وتعظيما.حتى خرب دين النصارى.وهكذا عبد الله بن سبأ هو الذي قام بدور بولس في هذا الدين كما أثبت ذلك
الشعبي وبينه من بعده وأضافوا إليه ثم أيضاً شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وضحه والتاريخ واضح في ذلك فعبد الله بن سبأ هذا تآمر مع غيره إنتهى.وقال احسان إلهي ظهير كل ذالك من أجل وقف المد الإسلامي الزاحف
بعد أن عم الأمن والرخاء والعدل على مدى ثلاثة عقود من الزمان ودخل الناس في دين الله أفواجًا وذلك بإثارة الفتن بين المسلمين فدفعوا بابن السوداء إلى الحجاز أولاً عسى أن يجد ثغرة ينفذ فيها مآربهم بيد أن الحجاز
كانت تتسم بالأمن والأخوة الإيمانية والعدل بين صحابة النبي المختار وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنًا إلا يواده وينصره ويألفه فلم يتمكن السبئي من النفوذ في أرض الحجاز ولم يجرؤ على الجهر بمكنون صدره
فتجاوز الحجاز إلى البصرة والكوفة حيث يمكنه ترويج بضاعته المتمثلة في تأليب الهمج على الخليفة عثمان رضي الله عنه بنشر الأكاذيب والمطاعن ضد خليفة المسلمين وصفها أبو بكر بن العربي في العواصم
بأنها مظالم ومناكير لم يأت عثمان رضي الله عنه منها شيئًا في أول الأمر ولا في آخره ولا جاء الصحابة بمنكر بل كل ما سمعت باطل إياك أن تلتفت إليه يُنظر العواصم من القواصم إنتهى.وكان دخول بن سبأ
اليهودي الاسلام ظاهرا كما تقدم وذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.وذلك في سنة 30هجرية.فبدأ يرتب ويخطط في عمل هذه الفتنة الدهماء.وأخذ يتنقل في البلاد حتى ينشر بعض الأفكار السامّة.
قال الشيخ سليمان العودة.رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله وكان بمنتهى الخبث فأول ما بدأ بدأ بالمدينة وكانت المدينة يومها ملأى بالعلماء فدُحر بالعلم كلما رمى شبهة رُد عليها إنتهى.ولما لم يجد صدى
بالحجاز انطلق إلى العراق فذهب إلى البصرة ومن ثم الكوفة وكانتا موطنًا للفتن فوجد فيهن ضالته فعشش فيهن وباض وفرخ وأسس بذور فتنته وعمق شره هناك ورسخب.لأنه وجد بن سبأ وأعوانه من يستمع إليهم
بآذان مصغية من مارقين وناقمين ممن أدَّبهم أوحدَّهم أوعزَّرهم الخليفة أو أحد ولاته فاستغلوهم لتنفيذ مخططاتهم الجهنمية والخبيثة وما أشبه اليوم بالأمس.كما علينا أيها الأحبة أن نتذكر وجود يهود نجران في الكوفة
الذين أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليها حوالي سنة 20هجرية.قال الشيخ الفحل.وكان اليهود حسب طبعهم ظلوا في تلك الأمصار المطلة على ميادين الفتوح يمارسون مهنتهم المشهورة المزدوجة.السيطرة
المالية بوسائلهم المختلفة والتآمر على قطع اليد التي تمد لهم المساعدة.لهذا فإنه لم يختار البصرة والكوفة عن عبث خبط عشواء بل امر معد ومدروس.فعندما خرج من الحجاز ذهب الى البصرة وكان والي البصرة
عبد الله بن عامر بن كريز وكان حازما عادلا صالحا ولما وصل ابن سبأ البصرة نزل عند رجل خبيث من أهلها كان لصا فاتكا هو.حكيم بن جبلة.فبلغ عبد الله بن عامر أن رجلا غريبا نازل على حكيم بن جبلة.
وعندما كانت تعود جيوش الجهاد إلى البصرة كان حكيم يتخلف عنها ليسعى في أرض فارس فسادا ويغير على أرض أهل الذمة ويعتدي على أرض المسلمين ويأخذ منها ما يشاء فشكاه أهل الذمة والمسلمون إلى عثمان
فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر رضي الله عنهما وقال له.احبس حكيم بن جبلة في البصرة ولا تتركه يخرج منها حتى تأنس منه رشدا.فحبسه ابن عامر في بيته وكان لا يستطيع أن يخرج من البصرة وبينما كان
اللص ابن جبلة تحت الإقامة الجبرية في بيته.نزل عليه اليهودي عبد الله بن سبأ واستغل ابن سبأ زعارة ابن جبلة وانحرافه وحقده ولؤمه فجنده لصالحه وصار ابن جبلة رجل ابن سبأ في البصرة وصار ابن جبلة يقدم
لابن سبأ أمثاله من المنحرفين والموتورين فيغرس ابن سبأ في نفوسهم أفكاره ويجندهم بجمعيته السرية.ولما علم ابن عامر بابن سبأ استدعاه وقال له.ما أنت.قال ابن سبأ.أنا رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام
فأسلم ورغب في جوارك فأقام عندك.قال ابن عامر.ما هذا الكلام الذي يبلغني عنك.اخرج عني.فأخرجه ابن عامر من البصرة.فغادرها ابن سبأ بعد أن ترك فيها رجالا وأتباعا له وجعل فيها فرعا لحزبه السبئي
اليهودي إنتهى.ولهذا نجده لم يصرح لعبد الله بن عامر عن هويته الحقيقية ولم يضهر أمره ولا عن نواياه المبيته بل فقط أكتفا بالتموية وفي التحريض والتأليب على الخليفة وولاته وبث الشبهات والأشاعات لأنه كان
في طور التأسيس الأهدافه المعده والمرسومة وخلق أرضية قابله فيما بعد لقبول ما سيفصح وسيعلن عنه.بل لقد أتخذ لنفسه عدة ألقاب ليتستر خلفها حتى تكون هويته في غايت الغموض والخفاء فمن تلك الأسماء عبدالله
بن سبأ ومن الألقاب التي أتخذها لقب.الموت الأسود.فلنتذكر هذا القب في حادثة أول من شرع في مقتل الخليفه الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.فعندما نستقرء التاريخ لنجد أن اليهود متخصصين في المكر
والخبث في أرسال أشارات ألقابهم ورموزهم التي يطلقونها على أنفسهم أو لأحداث ووالقائع التي يدبرونها بالخفاء.قال الشيخ السرجاني.فعندما أخرج عبد الله بن عامر من البصرة بن سبأ ذهب ابن سبأ إلى الكوفة
وهي موطن للفتن والثورات أيضًا واستجاب له من أهل الكوفة أفراد كثيرون.ولكن سرّا ومنهم على سبيل المثال الأشتر النخعي وهذا أمر غريب فقد كان الأشتر من المجاهدين في اليرموك والمواقع التي جاءت بعدها
ولكن الله تعالى يثبّت من يشاء وقد استجاب الأشتر لابن سبأ إما عن جهلٍ وإما عن رغبةٍ في الرئاسة أو غير ذلك وكان الأشتر ذو مكانة ورأي في قومه وبدأ يدعو الناس إلى ما هو عليه من أفكار ويفسر بعض المؤرخين
سبب انضمام الأشتر إلى أصحاب الفتنة بتفسيرين يناقض كل منهما الآخر فالأول أنه كان من المغالين المتشددين في الدين ويبالغ في بعض الأمورالتي كان يظن أنها خطأ ومن ثَمّ يتشدد لها والأمر الثاني أنه كان محبًا
للرئاسة والسيطرة وقام بالمشاركة في هذه الفتنة حتى يُمكّن له ويصل إلى ما يريد.فجندهم لجماعته وحزبه ولما علم به سعيد بن العاص أخرجه من الكوفة ولما أخرجه سعيد بن العاص من الكوفة توجه ابن السوداء
إلى الشام ليفسد بعض أهلها ويؤثر فيهم ولكنه لم ينجح في هدفه الشيطاني.فكان أهل الشام أقل الناس تأثرا بهذه الفتنة وكان معاوية رضي الله عنه يسوس الناس بحكمة وحلم وكان الناس يحبونه حبا شديدا وقد رفض
الناس دعوة ابن سبأ عندما عرضها عليهم فلما لم يجد صدى لكلامه في أرض الشام ذهب عبد الله بن سبأ في طريقه إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه وهو من كبار الصحابة ومن شديدي الزهد كما يعرف ذلك
من يطالع سيرته ولما مر به عبد الله بن سبأ في طريقه قال له.يا أبا ذر إن أهل الشام ينغمسون في الدنيا وفي الملذات وينشغلون عن أمر الدين.محاولا بهذا الكلام إثارته فذهب أبو ذر إلى معاوية وقال له.[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ]التوبة 34.متأولا معنى الآية أنه لا يجوز للإنسان
أن يكنز أكثر من قوت يوم واحد وهذا الفهم يخالف أصول الإسلام في هذه الناحية فقال له معاوية رضي الله عنه.إنك تحمل الناس على أمر لا يطيقونه ولم يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصر أبو ذر على رأيه
فأرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه فاستدعى عثمان رضي الله عنه أبا ذر رضي الله عنه ودار بينهما حوار سنذكر تفاصيله فيما بعد وكان هذا من المطاعن على عثمان رضي الله عنه التي تبع ابن سبأ فيها الكثير.
وذهب ابن سبأ أيضا إلى عبادة بن الصامت وحاول معه مثل هذا الأمر فقبض عليه وأتى به إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وقال له.هذا الذي أثار عليك أبا ذر الغفاري.فكلمه معاوية رضي الله عنه وكان
معاوية حليما شديد الحلم فرجع ابن سبأ عن قوله ظاهرا ولم يطمئن إليه معاوية فأخرجه من الشام إنتهى.قال الشيخ الفحل.أما المنفيون من البصرة إلى الشام لما قدموا على معاوية رحب بهم وأنزلهم كنيسة تسمى مريم
وأجرى عليهم بأمر عثمان رضي الله عنه ما كان يجري عليهم بالعراق وجعل لا يزال يتغدى ويتعشى معهم فقال لهم يوما.إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم
ومواريثهم وقد بلغني أنكم نقمتم قريشا وإن قريشا لو لم تكن لعدتم أذلة كما كنتم.كان عثمان رضي الله عنه يدرك أن معاوية للمعضلة فله من فصاحته وبلاغته وله من حلمه وصبره وله من ذكائه ودهائه ما يواجه به الفتن
ومن أجل ذلك ما إن تقع المعضلة حتى يرسلها لابن أبي سفيان كي يحلها وفعلا بذل معاوية رضي الله عنه ما بوسعه من أجل إقناع هؤلاء النفر أكرمهم أولا وخالطهم وجالسهم وعرف سرائرهم من خلال هذه المجالس قبل
أن يحكم عليهم بما نقلوا عنهم وبعد أن أزال الوحشة عنهم وأزال الكلفة بينه وبينهم لاحظ أن النعرة القبلية هي التي تحركهم وأن شهوة الحكم والسلطة هي التي تثيرهم فكان لا بد من أن يلج عليهم من زاويتين اثنتين.الأولى.
أثر الإسلام في عزة العرب.والثانية.دور قريش في نشر الإسلام وتحمل أعبائه.فإن كان للإسلام أثر في تكوينهم فلا بد أن يرعووا لهذا الحديث بعد هذا وضع أمامهم صورة لوضع العرب وقد انقلبوا بالإسلام أمة واحدة
تخضع لإمام واحد.وودعوا حياة الفوضى وسفك الدماء والقبلية المنتنة.ويتابع معاوية حديثه معهم فيقول.إن أئمتكم لكم إلى اليوم جُنَّة فلا تشذوا عن جنتكم وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة
والله لتنتهين أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم ثم لا يحمدكم على الصبرثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم.فقال رجل من القوم.أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في
الجاهلية فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجُنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا.فقال معاوية رضي الله عنه.عرفتكم الآن علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيب القوم ولا أرى لك عقلا أعظم عليك أمر الإسلام
وأذكِّرك به وتذكرني الجاهلية وقد وعظتك وتزعم لما يُجِنك أنه يخترق ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة أخزى الله أقواما أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم.وعرف معاوية أن الإشارة العابرة لن تقنعهم لا بد من شرح مسهب
لواقع قريش أولا فقال.افقهوا ولا أظنكم تفقهون إن قريش لم تعز في جاهلية ولا في إسلام إلا بالله عز وجل ولم تكن أكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا وأمحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا وأكملهم مروءة
ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضا إلا بالله الذي لا يُسْتذل من أعز ولا يوضع من رفع هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة إلا ما كان من قريش فإنه لم يردهم
أحد بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله أن ينتقذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير خلقه ثم ارتضى له أصحابا فكان خيارهم قريشا ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم
ولا يصلح ذلك إلا عليهم فكان الله يحوطهم وهم على دينه وقد حاطهم الله في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم أفٍّ لك ولأصحابك ولو أن متكلما غيرك تكلم ولكنك ابتدأت فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية
أنتنها نبتًا وأعمقها واديًا واعرفها بالشر وألأمها جيرانا لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سُبَّ بها وكانت عليه هجنة ثم كانوا أقبح العرب ألقابا وألأمهم أصهارا نزَّاع الأمم وأنتم جيران الخط وفعلة فارس حتى أصابتكم دعوة
النبي ونكبتكم دعوته وأنت نزيع شطير في عمان لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي فأنت شر قومك حتى إذا أبرزك الإسلام وخلطك بالناس وحملك على الأمم التي كانت عليك أقبلت تبغي دين الله عوجا وتنزع إلى اللآمة
والذلة ولا يضع ذلك قريشا ولن يضرهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم غير غافل قد عرفكم بالشر من بين أمتكم فأغرى بكم الناس وهو صارعكم لقد علم أنه لا يستطيع أن يرد بكم قضاء الله ولا أمرا أراده الله
ولا تدركون بالشر أمرا إلا فتح الله عليكم شرا منه وأخزى ثم قام وتركهم فتذامروا فتقاصرت إليهم أنفسهم.وبذلك بذل معاوية كل طاقاته الفكرية والثقافية والسياسية لإقناعهم.عرض لهم أولا أمر قريش في الجاهلية والإسلام.
وتناول قبائل هؤلاء النفر ووضعها في الجاهلية حيث كانت تعاني سوء المناخ ونتن المنبت من الناحية الطبيعية ثم الذلة والتبعية لفارس من الناحية السياسية إلى أن أكرمهم الله بالإسلام فعزت بعد ذلٍّ وارتفعت بعد هوان.وتناول
معاوية رضي الله عنه صعصعة بن صوحان خطيب القوم وكيف تلكأ عن تلبية نداء الرسالة وقد دخل قومه بها ثم عاد وانضم إلى الإسلام ورفعه الإسلام ثانية بعد انحدار.وكشف معاوية رضي الله عنه عن مخططات صعصعة
وأصحابه وكيف يبغون الفتنة ويبغون دين الله عوجا.وإن الشيطان هو وكر هذه الفتنة ومحرك هذا الشر وبذلك ربط تاريخ الأمة بالله ثم بالإسلام والعقيدة ثم كشف عن زيف هؤلاء النفر وفضحهم عن آخرهم وأبان عن مخططاتهم
وصلتها بدعوى الجاهلية.ثم أتاهم القابلة فتحدث عندهم طويلا ثم قال.أيها القوم ردوا عليَّ خيرا أو اسكتوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم وينفع أهليكم وينفع عشائركم وينفع جماعة المسلمين فاطلبوه تعيشوا ونعش بكم.قال صعصعة.
لست بأهل ذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.قال معاوية رضي الله عنه أو ليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعته وطاعة نبيه وأن تعتصموا بحبله جميعا ولا تفرقوا.قالوا.بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء
به النبي.قال.إني آمركم الآن إن كنت فعلت فأتوب إلى الله وآمركم بتقواه وطاعته وطاعة نبيه ولزوم الجماعة وكراهة الفرقة وأن توقروا أئمتكم وتدلوهم على كل حسن ما قدرتم وتعظوهم في لين ولطف في شيء إن كان منهم.
قال صعصعة.فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإن من المسلمين من هو أحق به منك.قال معاوية رضي الله عنه من هو.قالوا.من كان أبوه أحسن قدما من أبيك وهو بنفسه أحسن قدما منك في الإسلام.قال معاوية رضي الله عنه.
والله إن لي في الإسلام قدما ولغيري كان أحسن قدما مني ولكنه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني ولقد رأى ذلك عمر ابن الخطاب فلو كان غيري أقوى مني لم يكن لي عند عمر هوادة ولا لغيري ولم أحدث من الحدث
ما ينبغي لي أن أعتزل عملي ولو رأى ذلك أمير المؤمنين وجماعة المسلمين لكتب بخط يده فاعتزلت عمله ولو قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلا هو خير.فمهلا فإن في ذلك وأشباهه ما يتمنى الشيطان
ويأمر ولعمري لو كانت الأمور تقضى على رأيكم وأمانيكم ما استقامت الأمور لأهل الإسلام يوما ولا ليلة ولكن الله يقضيها ويدبرها وهو بالغ أمره فعاودوا الخير وقولوه.قالوا.لست لذلك أهلا.قال معاوية رضي الله عنه.أما
والله إن لله سطوات ونقمات وإني لخائف عليكم أن تتابعوا في مطاوعة الشيطان حتى تُحلَّكم مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن دار الهوان من نقم الله في عاجل الأمر والخزي الدائم في الآجل.فوثبوا عليه فأخذوا بلحيته ورأسه.
فقال مه.إن هذه ليست بأرض الكوفة والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه بعضا.ثم قام من عندهم.فقال.والله لا أدخل عليكم مدخلا ما بقيت.
فهذه المحاولة الأخيرة التي بذل فيها معاوية رضي الله عنه أمير الشام كل جهده واستعمل حلمه وثقافته وأعصابه كي يثنيهم عن الفتنة إنه يدعوهم إلى تقوى الله وطاعته والاستمساك بالجماعة والابتعاد عن الفرقة وإذا بهم يرفعون
عقيرتهم قائلين.ليس لك أن تطاع في معصية الله وبحلمه الكبير وصدره الواسع عاد فذكرهم بأنه لا يأمرهم إلا بطاعة الله وعلى حد زعمهم فهو يتوب من المعصية إن وقعت ثم يعود لدعوتهم إلى الطاعة والجماعة والابتعاد عن
تفريق كلمة الأمة وشق صفوفها ولو كان الوعظ يجدي معهم لأمكن أن تتأثر قلوبهم لهذه المعاملة وهذا اللطف وهذا الحلم لكنهم اعتبروا ذلك ضعفا وتهاونا منه خاصة وهو يوجههم إلى أن يستعملوا الأسلوب الهادئ في العظة واللين
في النصح فوجدوا المجال رحبا أن يكشفوا عن مكنون قلوبهم.فقالوا.فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإن بالمسلمين من هو أحق به منك وانتبه معاوية انتباها مفاجئا إلى ما يكنُّون فأحب أن يتعرف على جانب غامض عليه لعل في هذا
التعرف ما يوصله إلى من يحركهم ويبث في ذهنهم الأراجيف المغرضة ولكنهم أخفوا ما يكنون واكتفوا بالإشارة إلى أنهم يحبون أن يدع العمل لمن هو أفضل منه ولِمَنْ أَبُوه أفضل من أبيه ثم تحلم عليهم أكثر فأكثر رغم الأسلوب الفج
الذي سلكوه معه وهم يأمرونه بأن يعتزل العمل.وهنا نجد لمعاوية جوابا مستفيضا عن وجهة نظره في الحكم والإمارة والقيادة وقد لخص معاوية إجابته في ست نقاط أساسية ومهمة.الاولى.هي أن له قدما وسابقة في الإسلام فهو
حامي ثغر الشام منذ وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما.والثانية.إن هناك في المسلمين من هو أفضل منه وأكرم وأحسن سابقة وأكثر بلاء وهو يرى أنه أقوى من يحمي هذا الثغر الإسلامي العظيم الشام فمنذ أن تولاه
تمكن من ضبطه وفهم نفسيات أهله حتى أحبوه.والثالثة.إن الميزان الحساس والمعيار الدقيق الذي يقيم الولاة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لا تأخذه في الله لومة لائم فلو وجد في معاوية رضي الله عنه شططا أو انحرافا
أو ضعفا لعزله ولما أبقى عليه يوما واحدا فقد عمل له طيلة خلافته كما ولاه من قبل رسوله الله صلى الله عليه وسلم على بعض عمله واستخدمه كاتبا بين يديه وولاه أبو بكر الصديق من بعده ولم يطعن في كفاءته أحد.والرابعة.
إن اعتزال العمل يجب أن يستند لأسباب موجبة للاعتزال فما الحجة التي يقدمها دعاة الفتنة ليتم الاعتزال على أساسها.والخامسة.إن الذي يقرر العزل عن العمل أو البقاء في الإمارة ليس هؤلاء الأدعياء إن ذلك من حق الخليفة
عثمان رضي الله عنه وهو الذي له الحق في تعيين الولاة وعزلهم.والسادسة.إن الخليفة عثمان رضي الله عنه يوم يقرر عزل معاوية رضي الله عنه فهو واثق أن أمره خير كله ولا غضاضة في ذلك فهو أمير مأمور وهو أمر
خليفة المسلمين.وكان ختام الجلسة مؤسفا أشد الأسف مؤلما أشد الألم لقد حذرهم نقمة الله وغضبه وحذرهم مهاوي الشيطان ومنزلقاته وحذرهم من فرقة الكلمة ومعصية الإمام وشق عصا المسلمين وحذرهم الانقياد إلى أهوائهم
وغرورهم فماذا كان منهم مقابل ذلك.وثبوا عليه وأخذوا برأسه ولحيته وعندئذ زجرهم وقمعهم ووجه لهم كلاما قاسيا مبطنا بالتهديد والوعيد وعرف أن هؤلاء يستحيل أن ينصاعوا للحق فلا بد من إبلاغ أمرهم لخليفة المسلمين
عثمان رضي الله عنه وكشف هوياتهم وخطرهم ليرى فيهم خليفة المؤمنين رأيا آخر.فكتب معاوية إلى الخليفة عثمان رضي الله عنهما.قائلا.

يتبع

 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم.لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان.أما بعد.يا أمير المؤمنين
فإنك بعثت إليَّ أقواما يتكلمون بألسنة الشياطين وما يملون عليهم ويأتون الناس زعموا من قبل القرآن فيشبهون
على الناس وليس كل الناس يعلم ما يريدون وإنما يريدون فرقة ويقربون فتنة قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم وتمكنت
رقى الشيطان من قلوبهم فقد أفسدوا كثيرا من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة ولست آمن إن
أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم وفجورهم فارددهم إلى مصرهم فلتكن دارهم في مصرهم الذي نجم
فيه نفاقهم.عند ذالك كتب عثمان إلى سعيد بن العاص رضي الله عنهما فردهم إليه فلم يكونوا إلا أطلق ألسنة
منهم حين رجعوا وكتب سعيد إلى عثمان رضي الله عنهما يضج منهم فكتب عثمان إلى سعيد رضي الله عنهما.
أن سيِّرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان أميرا على حمص فلما وصلوا إلى عبد الرحمن ابن خالد بن
الوليد استدعاهم وكلمهم كلاما شديدا وكان مما قاله لهم.يا آلة الشيطان لا مرحبا بكم ولا أهلا لقد رجع الشيطان
محسورا خائبا وأنتم ما زلتم نشيطين في الباطل خسَّر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم ويخزكم يا معشر من لا أدري
من أنتم أعرب أم عجم لن تقولوا لي كما كنتم تقولون لسعيد ومعاوية أنا ابن خالد بن الوليد أنا ابن من قد عجمته
العاجمات أنا ابن فاقئ الردة والله لأذلنكم.وأقامهم عبد الرحمن بن خالد عنده شهرا كاملا وعاملهم بمنتهى الحزم
والشدة ولم يلن معهم كما لان سعيد ومعاوية وكان إذا مشى مشوا معه وإذا ركب ركبوا معه وإذا غزا غزوا معه
وكان لا يدع مناسبة إلا ويذلهم فيها وكان إذا قابل زعيمهم صعصة بن صوحان.يقول له.يا ابن الخطيئة هل تعلم
أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر وأن من لم يصلحه اللين أصلحته الشدة.وكان يقول لهم.لماذا لا تردون عليَّ
كما كنتم تردون على سعيد في الكوفة وعلى معاوية بالشام لماذا لا تخاطبوني كما كنتم تخاطبونهما.ونفع معهم أسلوب
عبد الرحمن بن خالد وأخرسهم حزمه وشدته وقسوته وأظهروا له التوبة والندم.وقالوا له.نتوب إلى الله ونستغفره
أقلنا أقالك الله وسامحنا سامحك الله.وبقى القوم في الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد وأرسل عبد الرحمن أحد
زعمائهم وهو الأشتر النخعي إلى عثمان رضي الله عنه ليخبره بتوبتهم وصلاحهم وتراجعهم عما كانوا عليه من الفتنة.
فقال عثمان رضي الله عنه للأشتر.احلل أنت ومن معك حيث شئتم فقد عفوت عنكم.قال الأشتر.نريد أن نبقى
عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وذكر له من فضل عبد الرحمن وحزمه فأقاما عند عبد الرحمن في الجزيرة مدة
أظهروا فيها التوبة والاستقامة والصلاح وسكت أصحاب الفتنة في الكوفة إلى حين وكان هذا في شهور سنة
ثلاث وثلاثين بعدما تم نفي رؤوس الفتنة إلى معاوية رضي الله عنه في الشام.ثم عبد الرحمن بن خالد فرأى أصحاب
الفتنة في الكوفة أن المصلحة تقتضي أن يسكنوا إلى حين.أما أهل الفتنة بالبصرة بزعامة حكيم بن جبلة فقد كانوا
ضد أهل الفضل فيها وتآمروا وكذبوا عليهم.وكان من أفضل وأتقى أهل البصرة أشج عبد القيس واسمه عامر بن
عبد القيس.وكان زعيما لقومه وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم منه ومدحه رسول الله صلى الله
عليه وسلم.بقوله.إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله.الحلم والأناة.وكان عامر بن عبد القيس من قادة الجهاد
في معركة القادسية وغيرها وكان مقيما في البصرة وكان على قسط كبير من الصلاح والتقوى.فكذب الخارجون عليه
واتهموه بالباطل فسيَّره عثمان إلى معاوية رضي الله عنهما بالشام.ولما كلمه معاوية وعامله وعرف براءته وصدقه
وكذب الخوارج وافتراءهم عليه.وكان الذي تولى الكذب على عامر بن عبد القيس هو .حمران بن أبان.وهو رجل
عاص بدون دين حيث تزوج امرأة في أثناء عدتها ولما علم عثمان رضي الله عنه بذلك فرق بينهما وضربه ونكل به
لمعصيته ونفاه إلى البصرة وهناك التقى مع زعيم السبئيين فيها اللص حكيم بن جبلة.أما بن سبأ لما أخرجه معاوية
رضي الله عنه من الشام.فتوجه إلى مصر فأقام فيها وأرسى اطناب جذور فتنته في مصر وتخذها دارا لمقر وكره.
لأنه وجد في مصر مناخًا مناسبًا لأفكاره ولأن معظم المجاهدين خرجوا إلى الفتوحات في ليبيا وآخرين في النوبة
وهي جزء من السودان ومن كان موجودًا إنما هم قلة من المسلمين فاستطاع ابن سبأ أن يجمع حوله فئة من الناس
الرعاع والبلهاء ومن الحاقدين والموتورين ومن العصاة والمذنبين.وكان ابن سبأ يرتب الاتصالات السرية بين مقره
في مصر وبين أتباعه في المدينة والبصرة والكوفة ويتحرك رجاله بين هذه البلدان.ولقد أيضا ركز بن سبأ وجماعته
على الأعراب وهم سكان البادية.وهم مثل بقية الناس منهم المسلم التقي ومنهم الكافر والمنافق إلا أنهم كما قال الله
عنهم.(الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)التوبة 97.وذلك
لتمكن العصبية القبلية من نفوسهم.ولقسوة قلوبهم وغلظ طبعهم.ولقلة فقههم لهذا الدين العظيم .ولجفاؤهم للعلماء وترك
التلقي عنهم والاقتداء بهم.لذلك صار غالب الخوارج منهم.فتكونت لهؤلاء جميعا طائفة وصفت من جميع من قابلهم بأنهم
أصحاب شر فقد وصفوا.بالغوغاء من أهل الأمصار ونُزَّاع القبائل،الذين يسارعون إلى كل فتنة وناعقة.وبعد أن رأى
بن سبأ أن الأجواء مهيئة أخذ يفصح عن مكنون أهداف مخططة شيئا فشيئا فلقد أوصى ابن سبأ أتباعه المجرمين في جمعيته
السرية الخبيثة المنتشرين في بلاد المسلمين وقال لهم إذا قمتم بالدعوة إلى هذا الأمر في الناس فقولوا.إنا نأمر بالمعروف
وننهى عن المنكر.حتى لا ينكر قولكم.واطعنوا في الولاة وبدأ يراسل أهل الأمصار بسلبيات افتراها على الولاة الذين
ولاهم عثمان رضي الله عنه من أمثال عبد الله بن أبي سرح والوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر لكي
يألب الناس عليهم بها.وكانت أفكار ابن سبأ تهدف لهدم الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم.ومن هذه الأفكار القول
بعقيدة الرجعة.قال الشيخ السرجاني القول بعقيدة الرجعة وهي من الثوابت عند الشيعة وأصلها في المجوسية وقد وُجدت
في اليهودية افتراءً على الله تعالى.فاليهود يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله وقال لهم ابنُ سبأ.إذا كان
عيسى بن مريم سيرجع فكيف لا يرجع محمد صلى الله عليه وسلم فمحمد صلى الله عليه وسلم سيرجع وتمادى الشيعة في
الأمر وقالوا ليس محمدًا فحسب بل علي بن أبي طالب وغيره.لكن أصل هذه العقيدة كما نرى نابعة من المجوسية ومن
افتراء اليهود وكذبهم وكان ابن سبأ يخاطب الجهّال فيصدقونه وقد سأله البعض عن الدليلٍ على رجعة سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم فقال.يقول الله تعالى.[إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ]القصص 85.وقال إن هذا المعاد في
الدنيا فخدع به بعض الجهال.ويبطل قوله العقيم هذا ماذكره ماذكره ابن كثير في تفسيره عندما اورد اقوال العلماء بتفسير
هذه الاية الكريمه التي احتج بها السبئية وهو دليل عليهم فقد نقل ابن كثير في تفسيره (3/345)أقوال العلماء في ذلك فمنهم
من يقول.رادك يوم القيامة فيسألك عما استرعاه من أعيان أعباء النبوة.ومنهم من يقول.رادك إلى الجنة أو إلى الموت أو
إلى مكة.وقد أورد البخاري عن ابن عباس القول بالرد إلى مكة.البخاري مع الفتح (8/369)والطبري في التفسير
(10/80-81).والثانية عقيدة الوصاية.قال ابن سبأ إن أمر النبوة منذ آدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم بالوصاية أي
أن كل نبي يوصي للنبي الذي بعده وهذا تخريف منه وتحريف وقال كان هناك ألف نبي وكل منهم أوصى لمن بعده فهل يأتي
محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء ولا يوصي بالأمر من بعده لأحد إذن أوصى محمد صلى الله عليه وسلم إلى أحد
الناس هذا في البداية ثم بدأ في البحث عن رجل إذا تكلم عنه أمام الناس يخجل الناس أن يردوا كلامه.فقال.إن محمدا صلى
الله عليه وسلم أوصى بالأمر لعلي وقد علمت ذلك منه ووضع حديثا في ذلك يقول.افتراءا على الرسول صلى الله عليه وسلم.
أنا خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء.أو الأولياء.وهو حديث موضوع كما قال الألباني وأضاف الشيعة بعد ذلك مجموعة من
الأوصياء.ومن هنا ظهرت عقيدة الوصاية.ثم بدأ الطعن في الخليفة نفسه وأعد ابن سبأ قائمة بالطعون في عثمان رضي الله
عنه.وأرسلها إلى الأمصار والبلدان ووصل الأمر إلى أمراء المسلمين وإلى الخليفة رضي الله عنه فأرسل مجموعة من الصحابة
يفقهون الناس ويعلمونهم ويدفعون عنهم هذه الشبهات فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة وأسامة بن زيد إلى البصرة وعمار بن
ياسر إلى مصر وعبد الله بن عمر إلى الشام وكان أهل الشام كما ذكرنا أقل الناس تأثرا بهذه الفتنة.أما مجموعة الصحابة الذين
أرسلهم عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار ليعلمونهم ويدرءون عنهم هذه الشبهات فقد رجعوا جميعا إلى عثمان رضي الله عنه إلا
عمار بن ياسر الذي كان قد ذهب إلى مصر وكان بها عبد الله بن سبأ وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وهم من رءوس الفتنة فقد
جلسوا مع عمار بن ياسر وأقنعوه ببعض الأفكار والمآخذ على الأمراء وعلى عثمان رضي الله عنه فتأخر عمار بن ياسر عن العودة
إلى عثمان رضي الله عنه بالمدينة فخاف المسلمون أن يكون قد قتل ولكن جاءهم في هذا الوقت كتاب من عبد الله بن أبي سرح والي
عثمان رضي الله عنه على مصر يخبرهم أن عمار بن ياسر قد استماله القوم وأرسل عثمان رضي الله عنه إلى عمار بن ياسر رضي
الله عنه خطابا يعاتبه فيه ولما قرأ الخطاب ظهر له الحق ورجع إلى عثمان رضي الله عنه في المدينة وتاب بين يديه عن هذا الظن إنتهى.
وعندما تكونت لدى بن سبأ وأعوانة الارضية والبشرية الكافية الذين وجدوا اعداء الاسلام ضالتهم فيهم لكي ينفذوا بهم مخططهم الاجرامي
وهو هدم الاسلام من الداخل وذالك لما عجزوا عنه من الخارج.لأنهم استطاعوا أن يدركوا نقاط الضعف التي يستطعيون من خلالها أن
يوجدوا الفتنة فخرجت في آن واحد رءوس الشر تلك التي اجتمع في داخلها من الحقد والذكاء والدهاء مالا يتصوره عقل وكل منهم له
غايته وأهدافه بطبيعة الحال إلا أن الهدف الأصلي واحد هو هدم عرى الإسلام وتشتيت أهله وتمزيق شملهم.قال الشيخ الفحل.وفي
سنة أربع وثلاثين السنة الحادية عشرة من خلافة عثمان عندما أحكم عبد الله بن سبأ اليهودي خطته ورسم مؤامراته ورتب مع جماعته
السبئيين الخروج على الخليفة وولاته اتصل ابن سبأ اليهودي من وكر مؤامراته في مصر بالشياطين من حزبه في البصرة والكوفة
والمدينة واتفق معهم على تفاصيل الخروج وكاتبهم وكاتبوه وراسلهم وراسلوه وكان ممن كاتبهم وراسلهم السبئيون في الكوفة وقد
كان بضعة عشر رجلا منهم منفيين في الشام ثم في الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وبعد نفي أولئك الخارجين كان زعيم
السبئيين الحاقدين في الكوفة يزيد بن قيس وقد خلت الكوفة في سنة أربع وثلاثين من وجوهها وأشرافها لأنهم توجهوا للجهاد في سبيل الله
ولم يبق إلا الرعاع والغوغاء الذي أثر فيهم السبئيون والمنحرفون وشحنوهم بأفكارهم الخبيثة وهيَّجوهم ضد والي عثمان على الكوفة
سعيد بن العاص إنتهى.وذالك عندما خرج سعيد بن العاص واليه على الكوفة متوجها إلى المدينة بناء على أستدعاء عثمان رضي الله
عنه له وولاته الأخرين لكي يستشيرهم في أمر الفتنة وهم معاوية بن أبي سفيان واليه على الشام وعبد الله بن عامر واليه على البصرة
وعبد الله بن أبي سرح واليه على مصر.قال الشيخ السرجاني وجاءوا جميعا إلى عثمان رضي الله عنه بالمدينة وبعد أن عرض عليهم
الموقف بدأوا يقولون رأيهم فأشار عبد الله بن عامر أن يشغل الناس بالجهاد حتى لا يتفرغوا لهذه الأمور وأشار سعيد بن العاص
باستئصال شأفة المفسدين وقطع دابرهم وأشار معاوية رضي الله عنه بأن يرد كل وال إلى مصره فيكفيك أمره أما عبد الله بن أبي سرح
فكان رأيه أن يتألفهم بالمال.وقد جمع عثمان رضي الله عنه في معالجة هذا الأمر بين كل هذه الآراء فخرج بعض الجيوش للغزو
وأعطى المال لبعض الناس وكلف كل وال بمسئوليته عن مصره ولكنه لم يستأصل شأفتهم إنتهى.قال الشيخ الفحل وعندما تهيأ الولاة
بالرجوع إلى أمصارهم أتى معاوية إلى عثمان رضي الله عنهما.وقال له.يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من
الأمور والأحداث ما لا قبل لك بها.قال.عثمان رضي الله عنه أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ولو كان فيه
قطع خيط عنقي.قال له معاوية رضي الله عنه.إذن أبعث لك جيشا من أهل الشام يقيم في المدينة لمواجهة الأخطار المتوقعة ليدافع
عنك وعن أهل المدينة.قال.عثمان رضي الله عنه.لا حتى لا أقتِّر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم
ولا أضيق على أهل الهجرة والنصرة.قال له معاوية رضي الله عنه.يا أمير المؤمنين والله لتغتالن أو لتغزين.قال عثمان رضي الله عنه.
حسبي الله ونعم الوكيل.وكان قد بعث سعيد قبل خروجه الأشعث بن قيس إلى أذربيجان وسعيد بن قيس إلى الري والنسير العجلي إلى
همذان والسائب بن الأقرع إلى أصبهان ومالك بن حبيب إلى ماه وحكيم بن سلامة إلى الموصل وجرير بن عبد الله إلى قرقيسيا وسلمان
بن ربيعة إلى الباب وعتيبة بن النهاس إلى حلوان وجعل على الحرب القعقاع بن عمرو التميمي وكان نائبه بعد خروجه عمرو بن حريث
وبذلك خلت الكوفة من الوجوه والرؤساء ولم يبق فيها إلا منزوع أو مفتون.وفي هذا الجو خرج زعيم السبئيين في الكوفة يزيد بن قيس بعد
اتفاق مع شيطانه ابن سبأ في مصر وخرج معه أهل الفتنة الذين انضموا إلى جمعية ابن سبأ السرية والغوغاء الذين تأثروا بها سوى كان
عن علم او جهل.وهو يريد خلع عثمان رضي الله عنه فدخل المسجد وجلس فيه وتجمع عليه في المسجد السبئيون الذين كان ابن السوداء
يكاتبهم من مصر فعلم بأمرهم القعقاع بن عمرو أمير الحرب فألقى القبض عليهم وأخذ زعيمهم يزيد بن قيس معه ولما رأى يزيد شدة القعقاع
ويقظته وبصيرته لم يجاهره بهدفهم وخطتهم في الخروج على الخليفة عثمان رضي الله عنه وخلعه وأظهر له أن كل ما يريده هو وجماعته
عزل الوالي سعيد بن العاص والمطالبة بوال آخر مكانه فاستجيب لطلبهم.ولذلك أطلق القعقاع سراح الجماعة لما سمع كلام يزيد ثم قال ليزيد.
لا تجلس لهذا الهدف في المسجد ولا يجتمع عليك أحد واجلس في بيتك واطلب ما تريد من الخليفة وسيحقق لك ذلك.فجلس يزيد بن قيس في بيته
واضطر إلى تعديل خطته في الخروج والفتنة واستأجر هذا السبئي يزيد بن قيس رجلا وأعطاه دراهم وبغلا وأمره أن يذهب بسرعة وكتمان إلى
السبئيين من أهل الكوفة الذين نفاهم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الشام ثم إلى الجزيرة وهم مقيمون عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
هناك وقد أظهروا له التوبة والندم وقال يزيد لإخوانه الشياطين في كتابه.إذا وصلكم كتابي فلا تضعوه من أيديكم حتى تأتوا إليَّ فقد راسلنا
إخواننا في مصر وهم السبئيون هناك.واتفقنا معهم على الخروج.ولما قرأ الأشتر كتاب يزيد خرج فورا للكوفة ولحق به إخوانه الخارجون
وفقدهم عبد الرحمن بن خالد فلم يجدهم فأرسل جماعة في طلبهم فلم يدركوهم واتصل يزيد بن قيس بجماعته مرة ثانية واتصل جماعته بالرعاع
والغوغاء في الكوفة وتجمعوا في المسجد ودخل عليهم الأشتر النخعي في المسجد وعمل على إثارتهم وتهييجهم ودفعهم للثورة والخروج وكان
مما قال لهم لقد جئتكم من عند الخليفة عثمان رضي الله عنه وتركت واليكم سعيد بن العاص .عنده وقد اتفق عثمان وسعيد على إنقاص عطائكم
وخفض أموالكم من مئتي درهم إلى مئة درهم.وقد كذب الأشتر فيما قال ولم يتحدث عثمان رضي الله عنه وسعيد بذلك ولكنه كيد السبئيين في
نشر الأكاذيب والافتراءات لتهييج العامة واستخف الأشتر بكلامه الناس في المسجد وأثر في الرعاع والغوغاء وهيجهم وكانت ضجة كبيرة في
المسجد وصار يكلمه عقلاء المسلمين من وجوههم وأشرافهم وصالحيهم وأتقيائهم كأبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود والقعقاع بن عمرو
رضي الله عنهم فلم يسمع لهم ولم يستجب لهم.وصاح يزيد بن قيس في الغوغاء والرعاع داخل المسجد وخارجه.وقال.إني خارج إلى طرق
المدينة لأمنع سعيد بن العاص من دخول الكوفة ومن شاء أن يخرج معي لمنع سعيد من الدخول والمطالبة بوال مكانه فليفعل فاستجاب لندائه السبئيون
والرعاع وخرج معه حوالي ألف منهم.ولما خرج السبئيون والغوغاء طلبا للفتنة والتمرد وإحداث القلاقل بقى في المسجد وجوه المسلمين وأشرافهم
وحلماؤهم فصعد المنبر نائب الوالي عمرو بن حُريث وطالب المسلمين بالأخوة والوحدة ونهاهم عن التفرق والاختلاف والفتنة والخروج ودعاهم إلى
عدم الاستجابة للخارجين والمتمردين.فقال القعقاع بن عمرو أترد السيل عن عبابه فاردد الفرات عن أدراجه هيهات لا والله لا تُسَكِّن الغوغاء إلا
المشرفية ويوشك أن تُنْتَضَى ثم يعجِّون عجيج العتدان ويتمنون ما هم فيه فلا يرده عليهم أبدا فاصبر.فقال أصبر وتحول إلى منزله.سار يزيد بن
قيس ومعه الأشتر النخعي بالألف من الخارجين إلى مكان على طريق المدينة يسمى.الجَرَعة.وبينما كانوا معسكرين في الجرعة طلع عليهم سعيد
بن العاص عائدا من عند عثمان رضي الله عنه.فقالوا له.عُد من حيث أتيت ولا حاجة لنا بك ونحن نمنعك من دخول الكوفة وأخبر عثمان أننا لا نريدك
واليا علينا ونريد من عثمان رضي الله عنه أن يجعل أبا موسى الأشعري واليا مكانك.قال لهم سعيد لماذا خرجتم ألفا لتقولوا لي هذا الكلام كان يكفيكم
أن تبعثوا رجلا إلى أمير المؤمنين بطلبكم وأن توقفوا لي رجلا في الطريق ليخبرني بذلك وهل يخرج ألف رجل لهم عقول لمواجهة رجل واحد.رأى
سعيد بن العاص أن من الحكمة عدم مواجهتهم وعدم تأجيج نار الفتنة بل محاولة إخمادها أو تأجيل اشتعالها على الأقل وهذا رأي أبي موسى الأشعري
وعمرو بن حريث والقعقاع بن عمرو في الكوفة.وعاد سعيد بن العاص إلى عثمان وأخبره خبر القوم الخوارج قال له عثمان رضي الله عنه.ماذا
يريدون هل خلعوا يدا من طاعة وهل خرجوا على الخليفة وأعلنوا عدم طاعتهم له.قال له سعيد.لا لقد أظهروا أنهم لا يريدونني واليا عليهم ويريدون
واليا آخر مكاني.قال له عثمان.من يريدون واليا.قال سعيد بن العاص.يريدون أبا موسى الأشعري.قال عثمان رضي الله عنه.قد عينا وأثبتنا
أبا موسى واليا عليهم والله لن نجعل لأحد عذرا ولن نترك لأحد حجة ولنصبرن عليهم كما هو مطلوب منا حتى نعرف حقيقة ما يريدون.وكتب عثمان
رضي الله عنه إلى أبي موسى بتعيينه واليا على الكوفة.وكان في مسجد الكوفة وقت التمرد والفتنة اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هما.حذيفة بن اليمان وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنهما وكان أبو مسعود غاضبا لتمرد وثورة الرعاع وخروجهم إلى الجرعة
وعزلهم الوالي سعيد وعصيانهم له وهي أول مرة تحصل بينما كان حذيفة بعيد النظر يتعامل مع الحدث بموضوعية وتفكير.قال أبو مسعود لحذيفة.لن يعودوا
من الجرعة سالمين وسيرسل الخليفة جيشا لتأديبهم وستسفك فيها دماء كثيرة فرد عليه حذيفة قائلا.والله سيعودون إلى الكوفة ولن يكون هناك اشتباك أو حرب
ولن تسفك هناك دماء وما أعلم من هذه الفتن شيئا إلا وقد علمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حي حيث أخبرنا عن هذه الفتن التي نراها اليوم قبل
وفاته ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل يصبح على الإسلام ثم يمسي وليس معه من الإسلام شيء ثم يقاتل المسلمين فيرتد وينكص قلبه
ويقتله الله غدا وسيكون هذا فيما بعد.لقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه متخصصا في علم الفتن وتعامل مع فتن السبئيين في الكوفة وغيرها وفق ما
سمعه وعلمه من رسول الله صلى الله عيله وسلم واستحضر ما حفظه من تلك الأحاديث ففهم حقيقة ما يجري حوله ولم يستبعده ولم يستغربه وحاول الإصلاح
ما أمكنه.قام أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بتهدئة الأمور ونهى الناس عن العصيان.وقال لهم.أيها الناس لا تخرجوا في مثل هذه المخالفة ولا تعودوا
لمثل هذا العصيان الزموا جماعتكم والطاعة وإياكم والعجلة اصبروا فكأنكم بأمير.فقالوا.فصلِّ بنا.قال.لا إلا على السمع والطاعة لعثمان بن عفان رضي
الله عنه.قالوا.على السمع والطاعة لعثمان رضي الله عنه.وما كانوا صادقين في ذلك لكنهم كانوا يخفون أهدافهم الحقيقية عن الآخرين وكان أبو موسى
يصلي بالناس إلى أن جاءه كتاب عثمان بتعيينه واليا على الكوفة ولما هدأت الأمور في الكوفة إلى حين في سنة أربع وثلاثين عاد حذيفة بن اليمان رضي الله
عنه إلى أذربيجان والباب يقود جيوش الجهاد هناك وعاد العمال والولاة إلى أعمالهم في مناطق فارس.فكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الخارجين من
أهل الكوفة كتابا يبين فيه الحكمة من استجابته لطلبهم في عزل سعيد وتعيين أبي موسى بدله وهي رسالة ذات دلالات هامة وتبين طريقة عثمان رضي الله عنه
في مواجهة هذه الفتن ومحاولته تأجيل اشتعالها ما استطاع مع علمه اليقيني أنها قادمة فهذا ما علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم عثمان رضي الله
عنه في رسالته.أما بعد.فقد أمَّرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد والله لأفرشن لكم عرضي ولأبذلن لكم صبري ولأستصلحنكم بجهدي واسألوني كل ما
أحببتم مما لا يعصى الله فيه فسأعطيه لكم ولا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منه أنزل فيه عند ما أحببتم حتى لا يكون لكم عليَّ حجة وكتب بمثل
ذلك في الأمصار.رضي الله عن أمير المؤمنين عثمان ما أصلحه وأوسع صدره وما أحلمه وكم ظلمه السبئيون والخارجون والحاقدون وكذبوا وافتروا عليه إنتهى.
قال الشيخ السرجاني وبدأ الطعن يكثر في عثمان رضي الله عنه وتنتشر أفكار ابن سبأ في البلاد وأصبح للفتنة جذور في بلاد كثيرة فكان يزيد بن قيس والأشتر
النخعي في الكوفة وحكيم بن جبلة في البصرة وعبد الله بن سبأ رأس الفتنة في مصر ومعه كنانة بن بشر وسودان بن حمران.وأراد رءوس الفتنة أن يشعلوا
الأمر أكثر وأكثر حتى يجتثوا الدولة الإسلامية من جذورها فبدءوا يكثرون الطعن على عثمان رضي الله عنه ويكتبون هذه المطاعن المكذوبة والمفتراة ويرسلونها
إلى الأقطار موقعة بأسماء الصحابة افتراء على الصحابة فيوقعون الرسائل باسم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام عائشة رضي الله عنهم.وكان من الصعب
نظرا لصعوبة الاتصال وتنائي الأقطار أن يتم تنبيه الناس إلى كذب هذه الرسائل وأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكتبوا هذه المطاعن ولم يوقعوا عليها.وتلك
المطاعن التي افتراها.بن سبأ اليهودي.هي الموجودة الآن في كتب الشيعة وعندما يطعنون ويسبون عثمان رضي الله عنه يذكرون هذه المطاعن الذي ذكرها
هؤلاء المارقون عن الإسلام ويضعونها على أنها حقائق وقد انساق ورائهم بعض الجهال من المسلمين كـزاهية قدورة التي ذكرت هذه المطاعن على أنها حقائق
واتهمت بها عثمان رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها وذكرت أن عائشة ألبت الناس على عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان الرسائل التي أرسلت من
أصحاب الفتنة رسائل مزورة يكتبونها على لسان عائشة رضي الله عنها.يقول ابن كثير.قال أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال.قالت عائشة
حين قتل عثمان رضي الله عنه.تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه.وفي رواية.ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش.فقال لها مسروق.هذا عملك
أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه.فقالت.لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا.قال
الأعمش.فكانوا يرون أنه كتب على لسانها وهذا إسناد صحيح إليها.وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى
الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان رضي الله عنه كما قدمنا بيانه إنتهى.وبذلك أفسد السبئيون الأرض وأفسدوا المسلمين ومزقوا كلمتهم وزعزعوا أخوتهم
ووحدتهم وهيجوا الناس على الولاة ونشروا الافتراءات ضد الخليفة عثمان نفسه وكانوا يقومون بهذه الجرائم المنظمة والمدروسة بمهارة يريدون غير ما يظهرون
ويسرون غير ما يعلنون وهم يهدفون إلى عزل عثمان رضي الله عنه او قتله والقضاء على الإسلام وأهله.ولقد استمرت جهود ابن سبأ وأعوانه حوالي ست سنوات
حيث بدأوا أعمالهم الشيطانية سنة ثلاثون هجرية ونجحوا في آخر سنة خمس وثلاثين هجرية في قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه.واستمر إفسادهم طيلة
خلافة علي بن ابي طالب رضي الله عنه.قال الشيخ السرجاني.ما هي المطاعن التي أخذها هؤلاء المارقون على الإسلام وعلى عثمان رضي الله عنه والتي لا
زالت تتردد على ألسنة بعض المسلمين وبعض المذاهب إلى هذا الوقت.التهمة الأولى.ضربه لابن مسعود حتى كسر أضلاعه كما يقولون ومنعه عطاءه.التهمة
الثانية.ضربه عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه.التهمة الثالثة.ابتدع في جمعه للقرآن وحرقه للمصاحف.التهمة الرابعة.حمى الحمى، وهي مناطق ترعى فيها
الإبل وقالوا إنه جعل إبله فقط هي التي ترعى فيها وفي الحقيقة لم تكن هذه إلا إبل الصدقة.التهمة الخامسة.أنه أجلى أو نفى أبا ذر الغفاري إلى الربذة وهي منطقة
في شمال المدينة.التهمة السادسة.أنه أخرج أبا الدرداء من الشام.التهمة السابعة.أنه رد الحكم بن أبي العاص بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التهمة الثامنة.أنه أبطل سنة القصر في السفر وذلك لأنه أتم الصلاة في (منى)لما ذهب للحج.التهمة التاسعة.أنه ولى معاوية بن أبي سفيان وكان قريبا له.
التهمة العاشرة.ولى عبد الله بن عامر على البصره وهو قريب له.التهمة الحادية عشر.أنه ولى مروان بن الحكم وكان قريبا له.التهمة الثانية عشر.أنه ولى
الوليد بن عقبة على الكوفة وهو فاسق.التهمة الثالثة عشر.أنه أعطى مروان بن الحكم خمس غنائم إفريقية.التهمة الرابعة عشر.كان عمر يضرب بالدرة عصا
صغيرة أما هو فيضرب بعصا كبيرة.التهمة الخامسة عشر.علا على درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل عنها أبو بكر وعمر.التهمة السادسة عشر.
لم يحضر بدرا.التهمة السابعة عشر.انهزم وفر يوم أحد.التهمة الثامنة عشر.غاب عن بيعة الرضوان.التهمة التاسعة عشر.لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان
وكان عبيد الله بن عمر قد تيقن من أن الهرمزان قد شارك في الإعداد لقتل أبيه عمر بن الخطاب فقتله.التهمة العشرون.أنه كان يعطي أقرباءه ولا يعطي عامة
المسلمين.وهذه التهم كلها جاءت في رواية واحدة بينما تضيف روايات أخرى تهما أخرى وهي موجودة إلى الآن ليس في كتب الشيعة فحسب بل في كتابات الجهال
من المسلمين الذين ينقلون عن روايات الشيعة الموضوعة دون أن يعلموا أنها موضوعة أو ممن لا يريد لدولة الإسلام أن تقوم مدعيا أن دولة الإسلام إذا قامت سوف
يحدث مثل هذا الأمر فقد حدث ذلك بين الصحابة أنفسهم فكيف تقوم دولة الإسلام في عهدنا نحن.وانتشرت هذه التهم المفتراة في الأمصار والبلاد ولم يكن محفوظا
من هذا الأمر غير بلاد الشام وبدأ الناس يجهزون أنفسهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزعمهم وإزالة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن الحكم لأنه فعل
هذه الأمور.نسأل الله تعالى أن يعيننا على الدفاع عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ونفي هذه التهم المنسوبة إليه كذبا وافتراء وأن ننشر هذا الدفاع بين المسلمين
وننشره بين الشيعة إذا استطعنا ونعرف الناس بالحقائق من خلال التاريخ الصادق الصحيح النقل والعقل والمنطق والفقه السليم ونسأل الله أن يتقبل منا جميعا.أما
بالنسبة للتهمة الأولى.وهو الزعم بأن عثمان ضرب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه فهذه الرواية مختلقة ليس لها أصل وعندما
بُويع عثمانُ رضي الله عنه بالخلافة قال عبد الله بن مسعود.بايعنا خيرنا ولم نأل.فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى أن خير الأمة في هذا الوقت هو عثمان
رضي الله عنه وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واليًا لعثمان رضي الله عنه على بيت مال الكوفة وكان والي الكوفة في ذلك الوقت سعد بن أبي وقاص رضي
الله عنه وقد حدث خلاف بينهما بسبب أن سعدًا رضي الله عنه استقرض مالًا من بيت المال ولم يردّه في الموعد المحدد فحدثت المشادة بينهما بسبب هذا الأمر وبعدها
ثار أهل الكوفة كعادتهم مع كل الولاة على سعد بن أبي وقاص مع ما له من المكانة في الإسلام فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وخال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعزل عثمان رضي الله عنه سعدًا من ولاية الكوفة وأقرّ على بيت المال عبد الله بن مسعود فلما أراد عثمان رضي الله عنه جمع الناس على مصحف واحد اختار
رضي الله عنه لهذا الأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قد اختاراه من قبل لجمع القرآن في المرة الأولى وذلك لأن زيدًا رضي الله
عنه هو الذي استمع العرضة الأخيرة للقرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الصحف الأخرى تكتب تباعًا كلما نزل من القرآن شيءٌ كُتب فيها.والقضية
أنه كان لعبد الله بن مسعود مصحف يختلف في ترتيبه عن مصحف زيد بن ثابت رضي الله عنهما ومن يرجع للروايات التي تروى عن مصحف عبد الله بن مسعود
يجد أن ترتيب السور يختلف كثيرًا وترتيب الآيات أيضًا داخل السور يختلف أحيانًا وبعض الكلمات مختلفة أيضًا بل إن بعض السور ليست موجودة أصلًا في مصحف
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كسورة الفاتحة والمعوذتين ولهجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من هذيل وليست من قريش وقد كان الأمر أن تكون كتابة
المصحف على الاتفاق وعند الاختلاف يُرجع إلى لهجة قريش لأن القرآن نزل بلسانها فلما علم عبد الله بن مسعود أن القرآن سيجمع على قراءة ثابت وأن مصحفه
سوف يحرق غضب غضبًا شديدًا ووقف على المنبر في الكوفة.وقال.[وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ ]آل عمران161.وإني غال مصحفي فهو رضي الله
عنه يتأول الآية وإنما الغلول هو.الكتمان من الغنيمة وهو محرم إجماعا بل هو من الكبائر كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص ولكن عبد الله بن
مسعود يريد أن يقول أنه سيحتفظ بمصحفه هذا ولن يوافق على حرقه ليأتي به يوم القيامة وقد كان يريد رضي الله عنه أن يكون من الفريق المكلف بكتابة المصحف
لأنه كان ممن أثنى على قراءتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا باتفاق ولكن كانت لهجته.كما ذكرنا.تختلف عن لهجة قريش ورخص له النبي صلى الله
عليه وسلم في القراءة بلهجته ولكن الأمر الآن يتجه إلى جمع الناس على مصحف واحد ويجب أن يكون باللسان الذي نزل به القرآن وهو لسان قريش.فلما فعل
ذلك عبد الله بن مسعود أجبره عثمان رضي الله عنه على حرق مصحفه فعاد إلى المدينة يناقش عثمان رضي الله عنه والصحابة جميعا في هذا الأمر واجتمع كبار
الصحابة على عبد الله بن مسعود وأقنعوه بالأمر وأن هذا الأمر فيه الخير للمسلمين فلما علم ذلك رجع عن رأيه وتاب عنه بين يدي عثمان رضي الله عنه وعادت
العلاقة بينه وبين عثمان رضي الله عنه كما كانت قبل هذه الحادثة.وهذه الروايات باتفاق.ونحن كما نرى هذا الموقف فقد كان من الصعب بداية على عبد الله
بن مسعود أن يقوم بحرق مصحفه الذي ظل ما يربو على عشرين سنة يكتب فيه آي الذكر الحكيم التي يسمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم ويمثل هذه المصحف
شيئا عظيما في حياته ويربطه بكل ذكرياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الصحب الكرام رضوان الله عليهم جميعا فقد كان جزءا لا يتجزأ من حياته فكان هذا
رد فعله ابتداء ولكنه لما علم الحق واقتنع به رجع عن رأيه وتاب عنه ولم يخطأ عثمان رضي الله عنه إطلاقا في حقه ولم يضربه ولم يمنعه عطاءه.أما التهمة الثانية.
المفتراة على عثمان رضي الله عنه فهي أنه ضرب عمار بن ياسر رضي الله عنه حتى فتق أمعاءه ولو حدث هذا ما عاش عمار بعد تلك الوقعة المكذوبة ولكن عمارا
رضي الله عنه عاش حتى موقعة صفين بعد ذلك فضرب عمار رضي الله عنه حتى فتق أمعائه لم يحدث أما ضربه فقط فقد حدث والسبب في هذا الأمر أنه قد حدث
خلاف بين عمار بن ياسر رضي الله عنه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب رضي الله عنه فقذف بعضهما بعضا فعزرهما عثمان رضي الله عنه بالضرب بعد أن رأى
أن كلا منهما قد أخطأ في حق أخيه ومر هذا الأمر دون أن يترك أثرا في نفوس الصحابة رضي الله عنهم جميعا ومما يؤكد ذلك أن عثمان رضي الله عنه عندما اختار
مجموعة من كبار الصحابة ليدفعوا الشبهات عن المسلمين في الأمصار كان ممن اختارهم لأداء هذه المهمة عمار بن ياسر رضي الله عنه وأمره أن يذهب إلى مصر وقد
ذكرنا أن رءوس الفتنة في مصر قد استمالوا عمارا رضي الله عنه بشبهاتهم على الأمراء فتأخر عمار رضي الله عنه في مصر وظن عثمان رضي الله عنه والمسلمون
في المدينة أن عمارا قد قتل وجاءت رسالة من مصر من عبد الله بن أبي سرح والي عثمان رضي الله عنه فيها أن القوم قد استمالوا عمارا فأرسل إليه عثمان رضي
الله عنه برسالة ولما رجع عمار رضي الله عنه وقص له ما حدث قال له عثمان رضي الله عنه.قذفت ابن أبي لهب أن قذفك وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه
اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي اخرج عني يا عمار.فكان هذا عتابا من عثمان لعمار رضي الله
عنهما وقد اعتذر عمار رضي الله عنه عن ميله لرءوس الفتنة في مصر الذين حاولوا أن يقنعوه بما هم عليه وأظهر توبته ورجوعه عن هذا الأمر بين يدي عثمان رضي
الله عنه وبوجود كبار الصحابة.فقصة ضرب عمار رضي الله عنه حنى فتق أمعائه أمر مكذوب تماما ولكن الأحداث كانت كما رأينا وكون عثمان رضي الله عنه ضرب
الاثنين لو كان ضربهما لا يقدح هذا الأمر في الثلاثة وذلك لأنهم من أهل الجنة جميعا وقد يصدر من أولياء الله ما يستحقوا عليه العقوبة الشرعية(الحد)فضلا عن التعزير
وفعل مثل هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ضرب أبي بن كعب وهو من كبار الصحابة ويقرأ القرآن على قراءته وذلك لأنه كان يسير في المدينة ويتبعه الناس
فضربه عمر رضي الله عنه بالدرة وقال له.إن هذه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.وأمره ألا يجعل أحدا يسير خلفه بل فعل هذا الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أحد
الصحابة الذي كان قد شرب الخمر في غزوة خيبر فضربه أربعين ضربة وقيل إنها كانت بالنعال ولما لعنه أحد الصحابة بعد هذا الضرب غضب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال.أولو كان يحب الله ورسوله.إذن فالضرب لا يقلل من قيمة هؤلاء وهم في الجنة باتفاق ثم إن التعزير يراد به التأديب على أمر ليس فيه حد ولا كفارة والذنوب
من حيث العقوبة المترتبة عليها ثلاثة أنواع.الأول.يترتب عليه حد مثل السرقة أو الزنا.والثاني.ما يترتب عليه الكفارة دون الحد مثل الجماع في نهار رمضان أو الجماع
في الإحرام.والثالث.ما لا يترتب عليه حد ولا كفارة وهو ما يكون فيه التعزير كالسب فيما عدا القذف بالزنا فإن فيه الحد وكذا سرقة ما حد فيه وكذلك الكذب قد يكون فيه
التعزير ويرى أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد أن التعزير واجب.وقال.الشافعي مندوب.والحد والتعزير كلاهما عقاب والمستهدف منهما تطهير النفس وردع الناس عن
ارتكاب المعاصي وأن يأتي الناس يوم القيامة وقد كفرت ذنوبهم بالحدود والتعزير والكفارات والفرق بين الحد والتعزير أن الناس جميعا يتساوون في إقامة الحد عليهم ولكن
التعزيرات تختلف باختلاف الناس فإذا أخطأ الكريم من أهل التقوى والصلاح يكون التعامل معه غير أهل الفسق الذين يداومون على ارتكاب المعاصي والآثام والحدود لا تجوز
فيها الشفاعة بينما تجوز في التعزيرات ومن مات أثناء تعزيره فله ضمان وهو مثل الدية أما من مات أثناء إقامة الحد عليه فليس له ضمان وقال بعض الفقهاء ليس لمن مات
في التعزير ضمان.والتعزير قد يكون بالكلام كالتوبيخ أو الوعظ أو الحبس أو الضرب أو النفي أو العزل من العمل والحاكم له حق التعزير مطلقا.وقال الفقهاء.إنه لا ينبغي
التعزير بأكثر من عشرة أسواط وقيل أقل من ثمانين وقيل يرجع لتقدير الحاكم.فهذا ما فعله عثمان رضي الله عنه مع عمار بن ياسر وعباس بن عتبة عندما قذف كل منهما
صاحبه.وممن له حق التعزير أيضا الوالد فله أن يعزر ولده وليس للوالد أن يضرب ولده بعد البلوغ.وممن له حق التعزير السيد لرقيقه سواء بالضرب أوالحبس أو غير ذلك
ولكن هذا كله دون تعسف أو ظلم فالله تعالى مطلع على كل الأمور.فعثمان رضي الله عنه له حق التعزير حتى ولو عارضه الصحابة والواقع أن أحدا من الصحابة لم ينكر عليه
هذا الأمر.التهمة الثالثة.على عثمان رضي الله عنه أنهم يقولون أنه ابتدع في جمع القرآن وفي حرق المصاحف وهكذا نرى أن الحسنات يجعلها أهل الفتنة سيئات وقد قال
كثير من العلماء أن هذه هي أعظم حسنات عثمان بن عفان رضي الله عنه وقالوا إن هذا الأمر أفضل من حفره بئر رومة وأفضل من تجهيزه جيش العسرة لأن أثره مستمر إلى
يوم القيامة.والصحابة جميعا وافقوا على هذا الأمر وحتى ما كان من أمر عبد الله بن مسعود في البداية رجع عنه واقتنع برأي عثمان وسائر الصحابة رضي الله عنهم جميعا
واجتماع الصحابة لا يأتي على ضلالة بل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في خلافته.لو لم يفعله عثمان لفعلته أنا وجاء في كتب الشيعة أنفسهم ما يؤكد إجماع الصحابة
على هذا الأمر والحق ما جرت به ألسنة الأعداء ففي.كتاب سعد السعود.وهو من المراجع الشهيرة للشيعة قال ابن طاوس نقلا عن الشهرستاني عن سويد بن علقمة قال.
سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول.أيها الناس الله الله إياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حرق المصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملإ من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم جمعنا وقال.ما تقولون في هذه القراءة التي اختلف الناس فيها يلق الرجل الرجل فيقول.قراءتي خير من قراءته وهذا يجر إلى الكفر.فقلنا.ما الرأي.قال.أريد أن
أجمع الناس على مصحف واحد فإنكم إن اختلفتم الآن كان مَن بعدكم أشد اختلافا.فقلنا جميعا.نِعْمَ ما رأيت.فهذا كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مراجع الشيعة أنفسهم
في هذا الكتاب وفي بعض الكتب الأخرى للشهرستاني وفي كتب أخرى يزعمون أن عثمان رضي الله عنه ابتدع في جمعه للقرآن وحرقه للمصاحف وهذا التناقض عندهم يظهر الحق.
ومع هذا الإجماع الكبير من الصحابة على هذا الأمر إلا أن الشيعة يزعمون أن عثمان رضي الله عنه إنما جمع المصحف برغبته الشخصية وجمع بعض الصحابة وذكروهم بالاسم
وألفوا قرآنا غير الذي أنزل كما يزعم الشبعة أن لديهم القرآن الحقيقي وهو ثلاثة أضعاف وهو مخبأ عندهم في سرداب وسيأتي مع الإمام الثاني عشر وليس فيه حرف واحد من
القرآن الذي معنا وأقر بعض الشيعة ببعض الآيات في القرآن الكريم وحذف آيات أخرى.وكان إنكار الشيعة لجمع القرآن في عهد الصديق أبي بكر رضي الله عنه وادعائهم أن
القرآن الذي بين أيدينا اليوم قد ألف في عهد عثمان كان هذا يمثل مادة دسمة للنصارى كي يطعنوا في القرآن وهذا الطعن من قديم ففي عهد ابن حزم الأندلسي كثر الطعن من قبل
النصارى في حق المسلمين في هذه النقطة وأن المصحف ألف في عهد عثمان رضي الله عنه ومن معه من الصحابة ومراجع النصارى في ذلك هي كتب الشيعة التي تقول.إن
المصحف الحقيقي هو الذي أنزل على السيدة فاطمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بستة أشهر واحتفظ به بعد ذلك علي بن أبي طالب والأئمة من بعده.حديث.إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منه.هذا حديث صحيح رواه أكثر من عشرين من الصحابة رضي الله عنهم وتأويل هذا الحديث من الكثرة بمكان فذكر السيوطي
في.الإتقان في علوم القرآن.أربعين تأويلا لهذا الحديث وذكر ابن حجر وابن حبان خمسة وثلاثين قولا في تأويل هذا الحديث والسبعة أحرف قيل.إنها سبع قراءات وقيل سبع
لهجات.وقيل.هذه السبع لهجات في مضر.وقيل.في قريش.وقيل.معناها أن المشكل في القرآن الكريم يحتمل سبعة تفسيرات على الأكثر.وقيل.التغاير في اللفظ أو الشكل.
وقيل.الزيادة والنقصان أو الإبدال أو الإعراب أو التقديم أو التأخير.وذهب الطحاوي أن هذا الأمر كان رخصة للمسلمين في قراءة القرآن لتعذر قراءته على مختلف القبائل بلهجة
واحدة فلما رأى الصحابة انتشار القراءة بين هذه القبائل وشدة الحفظ وإتقانه أقروا قراءة واحدة وهي التي كتبها عثمان رضي الله عنه في مصحفه وقال بهذا ابن جرير الطبري وقال.
لم يكن ذلك ترك واجب ولا فعل محرم فاتفق الصحابة على كتابته كما جاء في العرضة الأخيرة.فما بين أيدينا اليوم هو المصحف الذي كتب في عهد عثمان رضي الله عنه كما نزل في
العرضة الأخيرة باللسان الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.التهمة الرابعة.الموجهة إلى عثمان رضي الله عنه أنه حمى الحمى.ومعنى ذلك أنه خصص جزءا معينا من
الأرض لبعض الإبل لترعى فيها دون غيرها من الإبل قالوا.إنه ابتدع في هذا الأمر.وقالوا.إنه كان يجعلها لإبله وخيله.والقولين مردود عليهما.أما قولهم أنه رضي الله عنه ابتدع
الحمى فهذا غير صحيح حيث إن الحمى كان موجودا في الجاهلية قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان السيد يدخل الأرض التي يريد أن يجعلها حمى لإبله ومعه كلب يعوي ويكون
حدود حماه على امتداد عواء كلبه وتكون تلك المنطقة من الأرض خاصة به لا تستطيع أي إبل غير إبله أن ترعى فيها وهذا هو الحمى فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ألغى هذا
الأمر كله إلا لإبل الصدقة فقط وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمى في منطقة الربذة كانت الربذة فلاة بأطرف الحجاز مما يلي نجد وكان مساحتها ميل في سبعة أميال وكانت ترعى
فيها إبل الصدقة والإبل التي تعد للجهاد وللمصالح العامة.عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.رواه البخاري.وقد فعل أبو بكر
الصديق رضي الله عنه مثل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحمى ولما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه زاد في هذه المساحة وضم إليها أماكن كثيرة وذلك لكثرة الفتوحات
في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكثرة إبل الجهاد فكان لا بد من منطقة كبيرة ترعى فيها إبل وخيول الجهاد ولما كان عهد عثمان رضي الله عنه اتسعت رقعة الدولة الإسلامية
وكثرت الخيرات عند المسلمين وكثرت الإبل فاتسعت منطقة الحمى إلى أكبر مما كانت عليه.إذن فأصل الحمى سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والزيادة فيه سنة عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وهو أمر اقتضته الحاجة وليس فيه أي تعارض مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.أما إبل عثمان رضي الله عنه فكانت لا ترعى
في هذا الحمى وإنما كان هذا الحمى لإبل الصدقة فقط وأما إبل عثمان رضي الله عنه فكانت ترعى في أماكن أخرى بعيدة وكان عثمان رضي الله عنه شديد الدقة في هذا الأمر حتى أنه كان
يمنع أي إبل للأغنياء أن تدخل في حمى إبل الصدقة وكان يترخص لإبل الفقراء لأنها ربما تهلك نظرا لفقر أصحابها وعدم قدرتهم على إطعامها.وكان عثمان رضي الله عنه أكثر العرب إبلا
قبل أن يتولى الخلافة وعندما استشهد رضي الله عنه لم يكن يملك سوي بعيرين كان قد استبقاهما للحج وباقي إبله كان قد تبرع بها للمسلمين خلال مدة خلافته وخيره رضي الله عنه سابق
على المسلمين منذ أسلم حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه.أما التهمة الخامسة.فقد قالوا.إن عثمان رضي الله عنه قد أجلى أبا ذر رضي الله عنه من الشام إلى الربذة.ذكرنا قبل ذلك
أن عبد الله بن سبأ لما لما يجد صدى لكلامه في أرض الشام ذهب إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه وكان زاهدا شديد الزهد عاكفا عن الدنيا بالكلية وأراد ابن سبأ إشعال الفتنة في
الشام فقال لأبي ذر رضي الله عنه.إن معاوية يقول.إن المال مال الله يريد بذلك أن يحجزه عن المسلمين.ومعاوية رضي الله عنه قال هذه الكلمة ولكن ابن سبأ اليهودي أوله لأبي ذر على
غير ما يراد بها فذهب أبو ذر رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه وقال له.تقول.المال مال الله.قال.نعم.فقال له أبو ذر.المال مال المسلمين.فقال له معاوية رضي الله عنه وكان
معروفًا بحلمه الواسع.يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره.فقال أبو ذر فلا تقله.فقال له معاوية رضي الله عنه في منتهى الرفق.لن أقول إن المال
ليس مال الله.ولكني أقول المال مال المسلمين.وكان أبو ذر رضي الله عنه يمر على أغنياء الشام وعلى ولاة معاوية في أنحاء الشام ويقرعهم بقول الله عز وجل.[وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ]التوبة34.ويقول لهم.من امتلك أكثر من قوت يوم واحد فقد كنز المال ودخل تحت حكم هذه الآية.فهو رضي الله عنه يرى أن على
كل من يمتلك أكثر من قوت يوم واحد أن ينفقه في سبيل الله على سبيل الفرض ولا بد من ذلك ومن لم يفعل دخل في حكم الآية وقال أبو ذر رضي الله عنه هذا الكلام لمعاوية بن أبي سفيان أيضا
فقال له معاوية رضي الله عنه.سبحان الله إن الناس لا تطيق ذلك وهذا الأمر ليس بواجب.وبلغ معاوية رضي الله عنه هذا الأمر إلى عثمان رضي الله عنه.ولنا وقفة مع هذا الموقف من أبي
ذر رضي الله عنه.أولا.أبو ذر رضي الله عنه من الزهاد شديدي الورع والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ولكننا نرى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول.ما أديت زكاته فليس بكنز.
والقاعدة الشرعية تقول.إنه لا حد للمسلم في الثروة وللمسلم أن يمتلك ما استطاع أن يمتلكه لكن بشروط أن يكون هذا المال من حلال وأن ينفقه في الحلال ولا ينفق بسفه وأن يؤدي زكاة ماله.
وحال أبي ذر رضي الله عنه أشد ورعا وأقرب إلى الجنة ومن الخير أن يزهد الإنسان في الدنيا قدر ما يستطيع بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحض على هذه الدرجة من الزهد فكان
صلى الله عليه وسلم ينام على حصير حتى يظهر أثر ذلك على جسده الشريف صلى الله عليه وسلم وكان يربط على بطنه الحجر والحجرين من الجوع وكان لا يوقد في بيته نار ثلاثة أهلة أي شهرين
كاملين وكان أبو بكر رضي الله عنه كذلك وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كذلك وكثير من الصحابة رضي الله عنهم كانوا على هذا القدر من الزهد والورع ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم
أن يجعل الله له جبل أحد ذهبا لجعله كذلك كما ورد في الصحيح وكما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم.مَا لِي وَالدُّنْيَا.ويحاول أبو ذر رضي الله عنه أن يقتدي به في هذا الأمر وأن يحمل الناس
على ذلك لكن الناس لا يطيقون ذلك ولايستطيعون الوصول إلى هذه الدرجة كما أن هذا الأمر ليس بفرض والفرض كما أسلفنا أنه إذا أراد الإنسان أن يمتلك فليكن من حلال ولينفق في الحلال وليؤدي
زكاة ماله ولا يمكن أن ننكر أن المسلم إذا اجتهد في جمع المال من الحلال وأنفقه في سبيل الله فإن ذلك يعود على المسلمين بالنفع والخير العميم ما لا يستطيعه الفقير ولا أحد ينكر فضل الثراء الذي
كان عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه على الإسلام وفضل أبي بكر رضي الله عنه وفضل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقد كانت أموالهم نصرة للدعوة الإسلامية فكون المسلم إذن يكتسب
المال من الحلال وينفقه في سبيل الله فهذه فضيلة كبيرة يحث عليها الإسلام شرط ألا يكون جمع المال رغبة في الدنيا أو رغبة في الجمع والكنـز وزيادة الأموال من دون فائدة وعلى المسلم إذا أراد
أن يكون مثاليا أن يقسم وقته بين العبادة لله تعالى من صلاة وتعليم للغير وجهاد في سبيل الله وبين التكسب للعيش فوقت المسلم ينبغي أن يقسم هكذا بين حاجاته وحاجات المسلمين وعبادته لله رب
العالمين وليجعل نيته في العمل أن يعف نفسه وأهله ويكفيهم من الحلال وأن ينفق على الإسلام والمسلمين وليس الإنفاق هذا على المسلمين وعلى الدعوة الإسلامية فضلا منه وتفضلابل إنه مما
ينبغي عليه أن يفعله دون مَنّ ولا أذى وأن هذا المال إنما هو مال الله استخلفك عليه ليرى ماذا تفعل فيه.ويزعم الاشتراكيون أن أبا ذر هو زعيمهم في الإسلام لأنه قال بتوزيع الثروة، وحاشا لله أن
يكون أبا ذر فردا من الاشتراكيين فضلا عن أن يكون زعيما لهم فنية أبي ذر رضي الله عنه إنما كانت الزهد في الدنيا وعدم الرغبة فيها وأن يكون الناس جميعا مما ينفقون أموالهم في سبيل الله ولم
يكن يقصد رضي الله عنه أن يتم توزيع الثروات بين الناس مساواة ومن يعمل كمن لا يعمل.لما علم عثمان من معاوية بأمر أبي ذر رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم أرسل إليه فجاءه وتناقش معه
عثمان رضي الله عنه وأرضاه في هذا الأمر وقال أبو ذر ابتداءً.إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا.وهو مكان في أطراف المدينة لم يكن البناء قد بلغه في
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الخبير بالرجال يعلم جيدا أنه إذا انتشرت الحضارة في المدينة ووصل الناس إلى هذه الدرجة من المعيشة فلن يستطيع أبو ذر أن
يعيش بين الناس نظرا لطبيعة الورع والزهد التي يعيش عليها ويلزم نفسه بها ولو عاش بين الناس بهذا الأسلوب لأرهق نفسه وأرهقهم ومن ثَم ينصحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه النصيحة.
فقال عثمان لأبي ذر رضي الله عنه.فما الرأي.قال أبو ذر رضي الله عنه.أريد الربذة.إذن فأبو ذر رضي الله عنه هو الذي يريد الخروج إلى الربذة.قال عثمان رضي الله عنه.فافعل.أي أنه وافقه
على ما يريد.فخرج رضي الله عنه بإرادته واختياره وباقتراحه إلى الربذة ولم يكن هذا نفيا أو طردا كما ادعى أصحاب الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه وكما ادعى الشيعة بعد ذلك في كتبهم حتى هذا
الوقت ووقع في ذلك الكثير من جهال المسلمين الذين ينقلون دون علم أو وعي ويؤكد على ذلك ما رواه عبد الله بن الصامت قال.قالت أم ذر.والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال.إِذَا بَلَغَ الْبُنْيَانَ سَلْعَا فَاخْرُجْ مِنْهَا.قال الحاكم.هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.ووافقه الذهبي.ثم إن عثمان رضي الله عنه لما أراد أبو ذر برغبته وإرادته الخروج
إلى الربذة أعطاه إبلا وصرف له مملوكين وأجرى له رزقا والأكثر من هذا أن أبا ذر رضي الله عنه كان يتعاهد المدينة أي يأتي كل مدة لزيارة المدينة ولو كان منفيا ما كان له أن يدخل المدينة إضافة إلى
هذا فالربذة هذه لم تكن مكانا معزولا في الصحراء.فيقول الحموي عنها أنها كانت أحسن منزل في الطريق بين المدينة ومكة وكان تبعد عن المدينة ثلاثة أميال فقط وكان فيها عمران وبنى فيها مسجدا
وبناء المسجد يدل على أنه رضي الله عنه لم يكن يعيش بمفرده في هذا المكان.فالأمر إذن لم يكن عزلا أو نفيا أو طردا كما يزعمون ولكنه كان باختيار أبي ذر رضي الله عنه ورغبته في الخروج.التهمة
السادسة.يزعمون أن عثمان رضي الله عنه أخرج أبا الدرداء من الشام نفيا وعزلا وقهرا وكان قاضيا بها قالوا ذلك في زمن الفتنة ولم ينتشر هذا الأمر في كتب الشيعة بعد ذلك لأن أبا الدرداء ممن لم يرض
عنه الشيعة والحق أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان قاضيا على الشام وكان شديدا في الحق إلى درجة أن البعض يشبه شدته في الحق بشدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان رضي الله عنه لا يتسامح
مع أحد أبدا في حق الله تعالى وكان يخاطب أهل الشام بشيء من الشدة فكره الناس ذلك وكان معاوية رضي الله عنه هو الوالي بينما كان أبو الدراء قاضيا وكان معاروية رضي الله عنه شديد اللين والحلم فلم
ينه أبا الدراء عن هذا الأمر وكما نعرف أن أبا الدرداء رضي الله عنه من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت الشكاوى إلى عثمان رضي الله عنه واجتهد عثمان رضي الله عنه في عزل أبي
الدرداء عن قضاء الشام بعد أن تحدث معه في هذا الأمر وترك أبو الدرداء رضي الله عنه الشام بإرادته واختار المدينة المنورة ليعيش فيها بجوار عثمان رضي الله عنه.فهذه القضية مردود عليها بسهولة
في كتب التاريخ وكان ما يرمون إليه من إثارة هذا الأمر أنهم يريدون أن يثيروا الناس جميعا على عثمان رضي الله عنه ومنهج رءوس الفتنة في ذلك أنهم يطعنون في ولاة عثمان رضي الله عنه وينتقصونهم
ويلصقون بهم العيوب وإذا كان بعضا من هؤلاء الولاة من رموز الصحابة اجتهدوا أن يظهروا الخلاف والشحناء بينه وبين عثمان رضي الله عنه كعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وأبو الدرداء وأبو ذر الغفاري
وهكذا.وولاة الأمر الآخرون إما أنهم أقرباؤه وإما أنهم فساق أو ظلمة على زعمهم الكاذب فالغرض هو الطعن في عثمان رضي الله عنه من كل الوجوه حتى إذا أخذوا مجموعة من الناس وذهبوا يريدون عزله
كانت الأمة متقبلة إلى حد ما هذا الأمرالعظيم الجلل الذي لم يحدث من قبل.التهمة السابعة.أنه أي عثمان رضي الله عنه رد الحكم بن أبي العاص بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.تقول الرواية
الموجودة في كتب الشيعة أن الرسول صلى الله عليه وسلم طرد الحكم بن العاص وابنه مروان من المدينة فلم يزل طريدا في زمن أبي بكر وعمر فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة.أولا.هذه الرواية لم ترد
في أي كتاب من كتب الصحاح والرواية التي جاءت في كتب السنة إنما جاءت في حديث مرسل والحديث المرسل هو الذي رفعه التابعي إلى الرسول مباشرة من غير ذكر للصحابي وفي بعض الأقوال أن الحديث
المرسل ضعيف لا يحتج به وقد حكى في(التقريب)هذا القول عن جماهير من المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول.ثانيا.الرواة في هذه الرواية الكثير منهم مشكوك فيه ومنهم من يطعن فيه بالكذب.
وتعالوا بنا نتدبر أمر هذه القضية المثارة بشيء من الحكمة.أولا.الحكم بن العاص من مسلمي الفتح، فقد أسلم رضي الله عنه سنة 8 هجرية ومسلمي الفتح يسمون في التاريخ الطلقاء وكانوا ألفين فقد كان رضي
الله عنه إذن يعيش في مكة لا في المدينة فكيف يطرده النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بينما هو يعيش في مكة ربما قال البعض.إنه قد يكون هاجر من مكة إلى المدينة بعد الفتح.ونقول لهم.روى البخاري
بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتَنْفَرْتُمْ فَانْفِرُوا.فهذا نهي على الإطلاق عن الهجرة إلى المدينة بعد الفتح ولما هاجر
صفوان بن أمية وهو من مسلمي الفتح إلى المدينة واستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أخبره أنه جاء مهاجرا رده إلى مكة وقال له.لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.وجاء العباس رضي الله عنه
برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقسم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايعه على الهجرة وذلك بعد الفتح فأمسك الرسول صلى الله عليه وسلم بيد هذا الرجل الذي أتى به العباس رضي الله عنه وقال.
إِنِّي أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي وَلَكِنْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.والحديث في مسند الإمام أحمد إذن فالحكم بن العاص كان من سكان مكة أصلا ولم يكن من سكان المدينة حتى يطرده النبي صلى الله عليه وسلم منها.وقال بعض
العلماء.إن الحكم ذهب إلى في الطائف باختياره وليس نفيا وهذا الأقرب إلى الصواب لأنه عاش فترة في الطائف في أواخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.وفي الرواية نفسها يقولون.إنه نفى الحكم بن أبي
العاص وابنه مروان من المدينة إلى الطائف وإذا قدرنا عمر مروان بن الحكم في سنة 8 هجرية عام الفتح وجدنا أن عمره سبع سنوات فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه في آخر يوم من حياته فلن يتجاوز
عمره عشر سنوات على الأكثر ومن المستحيل أن ينفي الرسول صلى الله عليه وسلم غير مكلف ولو سلمنا جدلا أن هذه الرواية التي جاءت في كتب الشيعة صحيحة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى الحكم
بن العاص إلى الطائف فليس هناك ذنب في الشريعة الإسلامية يستوجب النفي الدائم فالنفي يكون إما فترة يتمها المنفي ويعود وإما يترك حتى يتوب من ذنبه فإذا تاب ورأى الحاكم صدق توبته عاد فلو كان الحكم
منفيا وأعاده عثمان رضي الله عنه فليس في ذلك ضرر فإن قيل.لِمَ لَمْ يرده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مع أن عثمان رضي الله عنه كما في رواية خاطبهما في هذا الأمر.ولو سلمنا جدلا أنه كان منفيا في
عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يرداه فربما لأن توبته لم تظهر بعد أو قد تكون مدة النفي غير كافية في عهدهما لكنها كفت في عهد عثمان رضي الله عنه أو أن الحكم بن العاص لم يطلب أن يعود إلى
المدينة من أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما لكنه طلب ذلك من عثمان رضي الله عنه.فإن قيل.إن نفي الحكم بن أبي العاص كان نفيا دائما استحال على الظن أن يعيده عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك لأن
عثمان رضي الله عنه أشد ورعا من أن يقطع أمرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والأكثر من هذا أن يسكت جميع الصحابة على هذا الأمر أو لا أحد منهم يتحدث ويعارض عثمان رضي الله عنه.ويقول له.
إنك قد قطعت أمرا قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدوامه واستمراره ومن بين الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كان موجودا ووافق على عودة الحكم بن أبي العاص إذا فرضنا أنه كان منفيا
وأعاده عثمان رضي الله عنه.فإذا قيل.لِمَ يشفع عثمان رضي الله عنه في رجل قد ارتكب ذنبا.نقول.لأن هذا نوع من صلته لرحمه وهذا عمه وقد ورد في البخاري عن عروة عن أسماء قال.قدمت أمي وهي
مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مع ابنها فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت.إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها.قال.نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.وقد أوصت السيدة صفية بنت
حيي بن أخطب أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها قبل موتها لبعض قرابتها من اليهود واحتج بعض الفقهاء بهذا الأمر أنه يجوز للمسلم أن يوصي لأقربائه من أهل الذمة فإذا كان يجوز للمسلم أن يصل رحمه
الكافر أفلا يجوز له أن يصل رحمه المسلم.وإذا سلمنا جدلا أن عثمان رضي الله عنه قد أخطأ في هذا الأمر وأنه اجتهد في إعادة الحكم بن العاص إلى المدينة وكان الأفضل ألا يعيده فمن يستطيع أن يطعن في
عثمان بن عفان رضي الله عنه لأجل هذا الأمر.لننظر إلى أمر حاطب بن أبي بلتعة ماذا فعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.لقد أفشى سر استعداد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة لفتحها
وكان يخشى على أهله وماله بمكة فأراد أن تكون له يد عند أهل مكة فأعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالوحي بهذا الأمر.في البخاري عن علي رضي الله عنه قال.بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وكلنا فارس قال.انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلنا.الكتاب.فقالت.ما معنا كتاب.فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا.ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك.فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي
محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه.فقال النبي صلى الله عليه وسلم.مَا
حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ.قال حاطب.والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته
من يدفع الله به عن أهله وماله.فقال النبي صلى الله عليه وسلم.صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا.فقال عمر رضي الله عنه.إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه.فقال.أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ.
فقال.لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ.اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ.أو.فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.فدمعت عينا عمر رضي الله عنه وقال.الله ورسوله أعلم.فما فعله حاطب بن أبي بلتعة أعظم بكثير مما فعله
عثمان بن عفان رضي الله عنه في شأن الحكم بن أبي العاص لو كان قد أخطأ في إعادته لو افترضنا في الأصل أنه كان منفيا.ودرجة عثمان بن عفان رضي الله عنه أعلى بكثير من درجة حاطب بن أبي بلتعة
بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إيمان عثمان رضي الله عنه يعدل إيمان الأمة كلها إذا أخرجنا من إيمان الأمة إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم وإيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.ويقول
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.كنا لا نعدل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وعمر وعثمان أحدا وبعدهم لا نفاضل بين الصحابة.فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبى أن تقطع
رقبة حاطب بن أبي بلتعة في هذا الأمر الخطير الذي يسمى في عصرنا بالخيانة العظمى بل لم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصف حاطب بالخيانة أو النفاق أفلا نقبل اجتهاد عثمان رضي الله عنه لو كان
قد أخطأ وهو من هو رضي الله عنه وأرضاه في هذه القضية التي هي أبسط بكثير من قضية حاطب رضي الله عنه.فهذا الأمر لمستوثقي الإيمان وسليمي العقيدة واضح جلي وكما ذكرنا أنه ينبغي أن يكون أمر
الصحابة عندنا منـزه تماما وأنه ما كان لأحد من عموم الصحابة أن يكون في نيته أي سوء للمسلمين فضلا عن أن يكون عثمان بن عفان رضي الله عنه.بل إن الشيعة يصفون عثمان رضي الله عنه ليس بالخيانة
أو النفاق بل بالكفر صراحة دون أي نوع من المواربة ومثله أبو بكر وعمر أيضا فأني يؤفكون.التهمة الثامنة.يقولون إن عثمان رضي الله عنه أبطل سنة القصر في السفر.وأصل هذا الأمر أن عثمان رضي
الله عنه في موسم الحج سنة 29 هجرية أتمّ الصلاة في منى وكان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقصر الصلاة في منى وفي كل سفر ولم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتمّ الصلاة في أي سفر
من أسفاره فكان هذا الأمر مخالفًا للمعتاد فناظره في ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه واعترض عليه بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم جميعًا فقال عثمان رضي الله
عنه مفسّرًا سبب إتمامه للصلاة.تأهّلت بمكة.أي تزوجت بها فأصبح إذن من أهل مكة فقال عبد الرحمن بن عوف.ولك أهل بالمدينة وأنت تقوم حيث أهلك بالمدينة.فقال عثمان بن عفان.وإن لي مالًا في الطائف
فقال.إن بينك وبين الطائف ثلاث.أي ثلاثة أيام سفر فلا تُعتبر بلدك فقال عثمان رضي الله عنه.وإن طائفة من أهل اليمن قالوا.إن الصلاة بالحضر ركعتان.أي أن بعض الأعراب من أهل البادية البعيدين عن
العلم والفقه ظنوا أن القصر هذا في السفر وفي الحضر فبدءوا يقصرون في الحضر أيضًا يقول عثمان رضي الله عنه.فربما رأوني أقصر في الصلاة فيحتجون بي.فقال عبد الرحمن بن عوف.قد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي والإسلام في الناس يومئذ قليل وكان يصلّي هاهنا ركعتين وكان أبو بكر يصلي هاهنا ركعتين وكذلك عمر بن الخطاب، وصليت أنت ركعتين صدرًا من إمارتك.فسكت عثمان
بن عفان رضي الله عنه ثم قال.إنما هو رأي رأيته.ثم خرج عبد الرحمن بن عوف من عند عثمان بن عفان فالتقى مع عبد الله بن مسعود فخاطبه في ذلك وأخبره بما دار بينه وبين عثمان رضي الله عنه فقال عبد الله
بن مسعود.لقد صليت بأصحابي اثنتين ثم علمت أنه صلّى بأصحابه أربعًا فصليت أربعًا فالخلاف شرٌّ.فقال عبد الرحمن بن عوف.قد بلغني أنه صلى أربعًا فصليت بأصحابي ركعتين أما الآن فسوف يكون الذي تقول.
أي أن عبد الرحمن سيصلّي أربعًا حتى لا يكون هناك خلاف بينهم وفي الحقيقة هذا الأمر فيه فقه عظيم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فمع اقتناع عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما
برأيهما في قصر الصلاة إلا أنهم قالوا.الخلاف شر.وهذا على عكس ما يردده بعض الناس.اختلاف أمتي رحمة.ويزعمون أنه حديث وهو قول لا أصل له بل هو قول فاسد فإن الخلاف شر وليس برحمة ويقول
الفقهاء في مسألة القصر هذه قال الشافعية والحنابلة.إن القصر والإتمام جائز وإن كان القصر أفضل.وقال المالكية.إن القصر سنة مؤكدة.وقالوا أيضًا.إن القصر في السفر آكد من سنة صلاة الجماعة.ويترتب
على هذا أنه لو كنت مسافرًا ووجدت جماعة يصلون فالأفضل أن تصلي منفردًا قصرًا ولا تصلّي جماعة مع المقيم إلا إذا وجدت مسافرًا معك يصلي فاقتدِ به ويصلي كل منكما ركعتين.أما الحنفية فقالوا بوجوب القصر
في السفر وإذا أتممت أربعًا قُبلت الصلاة ولكنك مخالف للسنة عمدًا فتُحرم من الشفاعة بل إنهم قالوا.إذا لم تجلس للتشهد الأوسط بطلت الصلاة.القضية إذن قضية اجتهاد فقد اجتهد عثمان رضي الله عنه في هذه الأمر
وإن كان الأولى هو القصر في السفر كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم صلاة قط في سفر إلا أن الأمر كان موضع اجتهاد ووافقه الصحابة لتجنب الخلاف ولو كان حرامًا لما وافقه الصحابة رضي الله
عنهم جميعًا.فإن كان عثمان رضي الله عنه قد أخطأ في اجتهاده هذا فله أجر واحد وإن كان أصاب فله أجران وقد كان لعثمان رضي الله عنه تأويلات يستند إليها في رأيه كزواجه وماله بالطائف وافتتان الناس بالقصر
وهذا الأمر لا يُحل دمه رضي الله عنه بأي حال من الأحوال.التهمة التاسعة.أنه ولّى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وكان قريبًا له.كان رضي الله عنه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب له الوحي
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتمنه على وحي السماء وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه جعله أبو بكر رضي الله عنه خليفة لأخيه يزيد بن أبي سفيان على الجيش الخارج لحرب الروم في الشام وفي عهد
عمر رضي الله عنه ولّاه عمر رضي الله عنه على حمص بعد عزل عمر بن سعد وكان من زهّاد الأنصار وقدامى الصحابة رضي الله عنهم جميعًا وتحدث الناس قائلين.يعزل سعدًا ويولّي معاوية.وقد أسلم معاوية رضي
الله عنه سنة 8هجرية أو سنة 6 هجرية كما سيأتي في موضعه.فقال عمير بن سعد رضي الله عنه.لا تذكروا معاوية إلا بخير فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ.رواه الترمذي وجاءت هذه
الرواية أيضًا على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.ثم بعد هذا ولّاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام بالكامل وذلك بعد حدوث الطاعون ووفاة الأمراء الواحد تلو الآخر وكما نعرف أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه كان شديد الدقة في اختيار الأمراء وكان لا يتردد في عزل أحد حتى وإن كانوا من قدامى الصحابة كما عزل سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه وأرضاه وقد أقرّ عمر رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه
على ولايته حتى استشهد سنة 23 هجرية وبعد وفاة عثمان رضي الله عنه قال سعد بن أبي وقاص.ما رأيت أحدًا بعد عثمان أقضى بحقٍ من صاحب هذا الباب وأشار إلى باب معاوية في خلافة معاوية رضي الله عنه.
وقال حبر الأمة عبد الله بن عباس.ما رأيت رجلًا أخلق بالملك من معاوية.كان معاوية رضي الله عنه وأرضاه عادلًا حكيمًا حليمًا يحسن الدفاع عن ملكه وينشر الإسلام في خارج ممالك المسلمين ويستعين بالله على ذلك
وكان من المجاهدين الأبرار ودخل على يده الكثير والكثير ليس من الأفراد بل من الأمم فى الإسلام.وكان سيرة معاوية مع رعيته خير سيرة وكانت الرعية تحبه حبًا شديدًا وروى مسلم وغيره عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ
يَقُولُ.سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ.خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ.فإذا كان الشعب يحب القائد وهو
يحبهم فهذا من خيار الأئمة وإذا كان يبغض الشعب والشعب يبغضه فهو من شرار الأئمة وهذا مقياس ثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولا يتسع المقام هنا للحديث عن معاوية رضي الله عنه وسنفصّل ذلك في
موضعه وما يهمنا هنا هو أن نقول أن عثمان رضي الله عنه لم يستحدث تولية معاوية بن أبي سفيان بل فعلها من قبله من هو خير منه.التهمة العاشرة.أنه ولّى عبد الله بن عامر بن قريظ على البصرة وهو من أقاربه.
عبد الله بن عامر هذا من بني أمية من جهة الأب ومن بني هاشم من جهة الأم فأم جدته الكبرى عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ولد عبد الله بن عامر بن قريظ أُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأهله.
هَذَا أَشْبَهُ بِنَا مِنْهُ بِكُمْ.ثم تفل في فيه فازدرده فقال صلى الله عليه وسلم.أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَسْقِيًّا.فكان رضي الله عنه لا يعالج أرضًا إلا ظهر منها الماء.ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في الإصابة.ويُعدّ عبد الله بن عامر
من أشهر الفاتحين في الإسلام فقد فتح خراسان كلها وأطراف فارس وساجستان وأعاد فتح كرمان بعد نقضها للعهد وكان هذا الجهاد سببًا في تقويض آمال المجوس في استعادة ملكهم ومن ثَمّ يكنّون له هذا الحقد العظيم في
نفوسهم وعندما انطلق الشيعة من تلك الأراضي أخذوا يطعنون في من قوضوا ملك فارس من أمثال المجاهد عبد الله بن عامر بن قريظ الذي فعل هذا ولم يكن يبلغ من العمر سوى خمسة وعشرين سنة قال ابن كثير في البداية
والنهاية.هو أول من اتخذ الحياض بعرفة لحجاج بيت الله الحرام وأجرى إليها الماء المعين.وقال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة.إن له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما لا يُنكر.التهمة الحادية عشرة.أنه
ولّى مروان بن الحكم وكان قريبًا له.والواقع أن مروان بن الحكم لم يُولّ وإنما كان عثمان رضي الله عنه يستشيره في كثير من الأمور وكان يقربه إليه ولم يولّه إمارةً من الإمارات يقول القاضي ابن العربي في العواصم من
القواصم.مروان رجل عدل من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين.ومن الصحابة من روى عن مروان بن الحكم رضي الله عنه الحديث كسهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه وهذا في البخاري وروى
عنه أيضًا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا وإذا كان زين العابدين قد وثق في حديث مروان بن الحكم فإن هذا من أقوى الأدلة على الشيعة لأن زين العابدين في زعمهم الإمام الرابع
من الأئمة وهو معصوم عندهم وروى عن مروان بن الحكم أيضًا سعيد بن المسيب إمام التابعين كما روى عنه عروة بن الزبير وعراك بن مالك وهؤلاء من كبار أئمة التابعين وكثير غيرهم روى عنه ومن أراد الاستزادة فليرجع
إلى كتاب.الشيعة والتشيع.لإحسان إلهي ظهير ولما وقع مروان بن الحكم رضي الله عنه أسيرًا في موقعة الجمل لم يؤذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا أحد من أتباعه وذلك لمكانته بين المسلمين وشفع له الحسن
والحسين عند أبيهما رضي الله عنهم جميعًا ليطلق سراحه وهذا ما حدث وفي رأي الشيعة أن الحسن والحسين معصومان من الخطأ فضلًا عن أبيهما والحق ما شهدت به الأعداء.يبقى في هذا الأمر ثلاثة أسئلة هامة وهي(1).
هل في تولية بني أمية أي خطأ من ناحية الشرع.(2)هل كان معظم ولاة عثمان بن عفان رضي الله عنه من أقاربه بالفعل.(3)هل تولية الأقارب بصفة عامة محرّمة شرعًا أم لا.أولًا.كان بنو أمية من أكبر القبائل العربية
الموجودة في ذلك الوقت وكان فيهم الكثير والكثير من أهل الحكم والولاية وكان فيهم شرف وسؤدد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليهم بنفسه في كثير من الأمور فنجد أنه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن
فُتحت مكة ولّى عليها عتاب بن أسيد من بني أمية بينما كان عمره لا يتجاوز العشرين سنة فولّاه الرسول صلى الله عليه وسلم على أفضل بقاع الأرض على مكة وولّى صلى الله عليه وسلم على نجران أبا سفيان بن حرب وولّى
على صنعاء واليمن وصدقات بني مذحج خالد بن سعيد بن العاص الأموي وولّى على تيماء وخيبر وقُرى عرينة عثمان بن سعيد بن العاص الأموى وولّى على البحرين إبان بن سعيد بن العاص بعد العلاء بن الحضرمي وقد كان
العلاء أيضًا حليفًا لبني أمية واستعملهم بعد ذلك أيضًا الصديق أبو بكر والفاروق عمر رضي الله عنهما وزاد عمر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان ونعرف أن الصديق رضي الله عنه ائتمن يزيد بن أبي
سفيان على ربع الجيش الخارج للشام.بنو أمية إذن لا يستطيع أحد أن ينكر فضلهم في التاريخ فهم الذين ثبتوا دعائم الدولة الإسلامية ونشروا الإسلام في بقاع كثيرة وسيأتي بيان ذلك في موضعه.أما السؤال الثاني.هل كان
معظم ولاة عثمان بن عفان رضي الله عنه من أقاربه بالفعل.المناصب العليا في عهد عثمان رضي الله عنه وتحديدًا في الوقت الذي جاء فيه رءوس الفتنة يطلبون عزله رضي الله عنه كانت هذه المناصب على هذا النحو.كان
على القضاء زيد بن ثابت الأنصاري وكان على بيت المال عقبة بن عامر الجهني وكان على إمارة الحج عبد الله بن عباس الهاشمي وعلى الخراج جابر بن فلان المزني وسماك الأنصاري وعلى إمارة الحرب القعقاع بن عمرو
التميمي وعلى الشرطة عبد الله بن قنفذ من بني تيّم.فهذه المناصب الستة العليا في الإمارة لم يكن فيها أحد من بني أمية.أما ولاة عثمان بن عفان رضي الله عنه على البلاد المختلفة فكانوا على هذا النحو.كان على اليمن يعلى
بن أمية التميمي.وكان على مكة.عبد الله بن عمرو الحضرمي.وعلى همذان.جرير بن عبد الله البجلي.وعلى الطائف.القاسم بن ربيعة الثقفي.وعلى الكوفة.أبو موسى الأشعري.وعلى البصرة.عبد الله بن عامر بن قريظ.
وعلى مصر.عبد الله بن سعد بن أبي سرح.وعلى الشام.معاوية بن أبي سفيان.وعلى حمص.عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي.وعلى قنسرين.حبيب بن مسلمة القرشي الهاشمي.وعلى الأردن.أبو الأعور السلمي.
وعلى فلسطين.علقمة بن حكم الكنعاني.وعلى البحر الأبيض المتوسط.عبد الله بن قيس الفزاري.وعلى أذربيجان.الأشعث بن قيس الكندي.وعلى حلوان.في أرض فارس.عتيبة بن النهاس العجلي.وعلى أصفهان في عمق فارس.
السائب بن الأقرع الثقفي.ولا نلمح في كل هذه الولايات إلا اثنين فقط من أقارب عثمان رضي الله عنه.هما.عبد الله بن السائب بن قريظ ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.وكما ذكرنا أن مروان بن الحكم لم يُولّى والوليد
بن عقبة وهو من أقارب عثمان رضي الله عنه ولكن من جهة الأم وليس من بني أمية وكان معزولًا في زمن هذه الفتنة وسنفصّل في أمره في موضعه.فمع عظمة بني أمية وسُؤْددهم وشرفهم وكونهم أهلًا للولاية والإمارة إلا أننا لا نرى
منهم في الإمارة إلا اثنين فقط مما يدحض هذا الافتراء الذي يزعمه الشيعة.أما السؤال الثالث.هل تولية الأقارب بصفة عامة محرّمة شرعًا أم لا.والجواب أنه ليس هناك أي دليل شرعي على منع أو تحريم تولية الأقارب ما داموا
يستحقون الإمارة والشيعة الذين يهاجمون عثمان رضي الله عنه في هذا الأمر نقول لهم.إذا نظرنا إلى حال الولاة في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه نرى أنه كان على اليمن ثم البصرة عبد الله بن عباس وهو ابن اخيه
وكان على مكة قثم بن العباس بن عبد المطلب وهو ابن أخيه وعلى مصر محمد بن أبي بكر ربيبه ابن زوجته التي كانت زوجة لأبي بكر رضي الله عنه فلما توفي عنها تزوجها علي رضي الله عنه وعلى خراسان جعد بن الهبيرة وهو
صهر وابن أخت علي بن أبي طالب وعلى المدينة المنورة ثمامة بن العباس في وقت وسهل بن حنيف في وقت آخر وكان على العسكر ابنه محمد بن الحنفية وسمي بذلك لأن أمه كانت من سبي بني حنيفة في موقعة اليمامة وكان على
غمارة الحج سنة36 هجرية عبد الله بن العباس و37 هجرية قثم بن العباس و38 هجرية عبيد الله بن العباس.وهذا كله ليس طعنًا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن هؤلاء جميعًا مستحقون للإمارة ولهم من المكانة والفضل
والأهلية ما يؤهلهم للإمارة ولكن الشيعة يحاولون الطعن في أمر فعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته لما رأى أن مصلحة المسلمين تقتضي ذلك بل إن الشيعة يزعمون أن عليًا رضي الله عنه أوصى بالخلافة للحسن
ثم الحسين ثم ابن الحسين وهكذا وهذه الوصاية المزعومة المكذوبة أشد من تولية الأقارب.فالولاية إذن أمر يجتهد فيه أمير المؤمنين حسب ما يرى وحسب من يصلح أن يكون أهلًا للإمارة سواء أكان قريبًا له أو غير قريب بل إن له
أن يعزل الفاضل ويولّي المفضول إن رأى في ذلك مصلحة للمسلمين أو دفع فتنة عنهم كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما عزل سعد بن أبي وقّاص وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وخال الرسول صلى الله عليه وسلم
والوحيد الذي افتداه الرسول صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه وولّى بعده من هو أقل منه درجة عبد الله بن عبد الله بن عتبان ثم زياد بن حنظلة ثم عمار بن ياسر ولم ينكر عليه أحد ذلك.ثم إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولّى
زياد بن أبي سفيان والأشتر النخعي ومحمد بن أبي بكر وبلا شك أن معاوية بن سفيان أفضل من هؤلاء ومع ذلك ولّاهم وله في ذلك اجتهاده وتأويله.التهمة الثانية عشرة.أنه ولّى الوليد بن عقبة على الكوفة وهو فاسق حسب زعمهم.
وبداية يَرُدّ القاضي ابن العربي في العواصم من القواصم قائلًا أن من فسّق الوليد بن عقبة فهو فاسق ففي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه استأمنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر على الرسائل التي كانت بينه وبين
خالد بن الوليد في موقعة المزار فكان هذا سرًا خطيرًا في الحرب بين الفرس وبين المسلمين وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه أيضًا أرسله مددًا على رأس قوة إلى عياض بن غنم في دومة الجندل وفي سنة 13 هجرية تولّى لأبي بكر
الصديق صدقات قضاعة فكان هو الذي يجمع الصدقات لأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه وكان أبو بكر رضي الله عنه شديد الدقة في اختيار الأمراء.وعينه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على إمارة قبائل بني تغلب وتنوخ
وربيعة وعرب الجزيرة ليحمي ظهور المسلمين وقام بهذه المهمة خير قيام وقد بدأ رضي الله عنه ينشر الدعوة في القبائل النصرانية الموجودة بتلك المنطقة حتى اشتكت هذه القبائل إلى عمر رضي الله عنه أن هذا الرجل يخرج شباب
وأطفال قبائلهم من النصرانية إلى الإسلام فكانت هذه هي تهمته فكان رضي الله عنه نعم المجاهد الشاب ونعم الداعية في سبيل الله تعالى.وفي عهد عثمان رضي الله عنه تولّى أمر الكوفة وظل في إمارته خمس سنوات كاملة يحبه أهل
الكوفة ويحبهم وكان الزائرون لا ينقطعون عن بيته يطعمهم ويسقيهم وكان الناس في رخاء شديد في عهد الوليد بن عقبة فقد كان صاحب فتوحات عظيمة في أراضي الفرس وكان رضي الله عنه لا تأخذه في الله لومة لائم.إذن فلِمَ الطعن
فيه ووصفه بأنه فاسق من قِبل الشيعة.احتجوا أولًا بالآية الكريمة[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ]الحجرات 6.وقالوا.إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث
الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الوليد ظنا منه أنهم يريدون قتله فقال يا رسول الله.إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة.
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذا أتاه الوفد فقالوا.يا رسول الله إنا بلغنا أن رسولك رجع من نصف الطريق وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا وإنا
نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.فأنزل الله تعالى الآية.وليس هناك حديث صحيح أو متصل يقول إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة وهو رضي الله عنه عندما أسلم عام الفتح كان في جملة الصبيان 8 هجرية فكيف يرسله الرسول
صلى الله عليه وسلم لهذا الشأن العظيم فمن الواضح أنه كان صغيرا وهذا يدلنا أيضا أنه كان في ولايته في عهد أبي بكر وعمر دون العشرين وكانا شديدا الثقة به ومن المحال أن يرضيا عنه إذا وصفه القرآن بالفسق.وادعوا عليه أيضا أنه
كان يشرب الخمر وقد اتهم بهذا لأنه كان لا يخشى في الله لومة لائم ولأنه أقام الحدود على من ارتكب ما يوجب حدا من أهل الكوفة كما أنه أقام حد القتل على ثلاثة قتلوا رجلا وشهد عليهم أحد الصحابة وابنه فأحرق ذلك قلوب آباء هؤلاء
الثلاثة وكانوا جميعا من الأشرار المشهورين وكان أحدهم قد غضب عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه وطرده من المدينة فذهب إلى الكوفة وكان سبب طرده أنه تزوج من امرأة قبل انتهاء عدتها من زوجها الأول فهؤلاء الموتورون المصابون
في أبنائهم ذهبوا إلى عثمان رضي الله عنه وادعوا على الوليد بن عقبة ظلما وزورا أنهم شاهدوه يشرب الخمر وأرسل عثمان رضي الله عنه إلى الوليد بن عقبة فلما أتى قال له عثمان.إنهم يشهدون عليك أنك قد شربت الخمر ورأوك سكران
تتقيأ.فحلف الوليد أنه لم يفعل فقال عثمان رضي الله عنه.نقيم الحدود ويبوء شاهد الزور بالنار.مع أنه قريبا له من ناحية الأم وقيل.أخوه لأمه وأقام عليه الحد وقيل.الذي جلده هو علي بن أبي طالب وبعدها عزله عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وعلى فرض أن هذا الذنب قد حدث منه فالذنوب لا تسقط العدالة ما دام الإنسان قد تاب منها وقد أقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد على قدامة بن مظعون رضي الله عنه وهو من قدامى الصحابة وممن هاجر الهجرتين وشهد بدرا فلما
شرب الخمر أقام عليه الفاروق الحد ولم ينقص ذلك من قدره لأنه تاب من ذنبه.فهذه هي قضية الوليد بن عقبة رضي الله عنه المجاهد الذي كان له الفضل الكبير في الكثير من الفتوحات الإسلامية.التهمة الثالثة عشرة.أنه أعطى مروان بن
الحكم خمس غنائم إفريقية.وهذا الأمر بداية لم يصح له أي سند ولا توجد رواية واحدة صحيحة تؤكد هذا الخبر وإذا طالعنا الروايات التي تذكر هذا الأمر نجدها ترجع إلى أحد هؤلاء.إما الواقدي وإما محمد بن هشام الكلبي وإما أبو مخنف لوط
بن يحيى وجميعهم كما نعرف من الشيعة الوضاعين الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة ويفترون عليهم.والصحيح أن عثمان رضي الله عنه أعطى خمس الخمس لعبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه
وكان قد قال له أنه إن أبلى بلاء حسنا في فتح إفريقية فسوف يعطيه خمس الخمس تشجيعا له على هذا الأمر وقام عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالفعل بفتحها بالفعل وأعطاه عثمان رضي الله عنه خمس الخمس كما وعده فجاء مجموعة من إمرة
الجند الذين هم تحت عبد الله بن سعد أبي سرح إلى عثمان رضي الله عنه وقالوا له.إن عبد الله بن سعد قد أخذ خمس الخمس.فقال عثمان رضي الله عنه.إني أنا الذي أمرت له بذلك.قالوا فإنا نسخط ذلك.قال فإني أسأله فإن رضي رددته.
فاستأذن عثمان بن عفان رضي الله عنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح في رد المال فرده مع أن هذا الأمر جائز شرعا وفعله من هو خير من عثمان رضي الله عنه فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفعله
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقطعوا القطائع والأعطيات لبعض الناس إما ترغيبا لهم وتأليفا لقلوبهم وإما جزاء لهم على حسن البلاء وقد ذكر الكثير من هذه الأمثلة أبو يوسف في كتابه.الخراج.التهمة الرابعة عشرة.كان عمر رضي الله
عنه يضرب بالدرة عصا صغيرة أما عثمان رضي الله عنه فيضرب بعصا كبيرة.هذا الأمر ليس له أصل ولا سند ولا يصح فيه حديث واحد.التهمة الخامسة عشرة.علا على درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل عنها أبو بكر وعمر.
يقول القاضي ابن العربي في العواصم من القواصم.لا يصح لهذه الرواية إسناد ولو صح إسنادها فلم ينكر عليه أحد من الصحابة هذا الأمر ولو كانوا أنكروه فلا يحل ذلك دمه بحال من الأحوال.وقال محب الدين الخطيب في تعليقه على العواصم
من القواصم.لو صح هذا الأمر فله التأويل الواضح وذلك لأن المسجد النبوي في عهد عثمان رضي الله عنه اتسع اتساعا كبيرا ومن حر مال عثمان رضي الله عنه وأصبحت مساحته مائة ذراع في مائة وعشرين ذراعا فلو وقف على الدرجة الأخيرة
من المنبر لما رآه الناس فاعتلى حتى يراه الناس هذا إن صحت الرواية القائلة بأنه علا على الدرجة التي كان يقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.التهمة السادسة عشرة.لم يحضر بدرا.التهمة السابعة عشرة.انهزم وفر يوم أحد.التهمة
الثامنة عشرة.غاب عن بيعة الرضوان.وقد ذكرنا الرد على هذا النقاط قبل ذلك عندما ذكرنا سيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه ويكفينا ما قاله عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه والرواية في البخاري عن عثمان هو
ابن موهب قال.جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال.من هؤلاء القوم.فقالوا هؤلاء قريش.قال فمن الشيخ فيهم.قالوا عبد الله بن عمر.قال يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد.قال نعم.
قال تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد.قال نعم.قال هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها.قال نعم.قال الله أكبر.قال ابن عمر تعال أُبَيّن لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له.وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ.وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى.هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ.فضرب بها على يده.فقال.هَذِهِ لِعُثْمَانَ.فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك.التهمة التاسعة عشرة.لم يقتل عبيد الله
بن عمر بالهرمزان وكان عبيد الله بن عمر قد تيقن من أن الهرمزان قد شارك في الإعداد لقتل أبيه عمر بن الخطاب فقتله.هذه قضية شائكة للغاية فقد قُتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 23 هجرية على يد أبي لؤلؤة المجوسي وقَتَل أيضا سبعة
من الصحابة وأصاب كثير غيرهم وقتل نفسه بعدها مباشرة ولم يمت عمر رضي الله عنه في اليوم الذي طعن فيه 27 من ذي الحجة بل مات بعدها في آخر ليلة من شهر ذي الحجة 23 هجرية في هذا الوقت يأتي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ويقول
أنه رأى الهرمزان وهو قائد فارسي قديم خالف عهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خالف عهده مع عمر بن الخطاب ثلاث مرات ثم أعلن إسلامه وبقي في المدينة رآه يتناجي في السر مع أبي لؤلؤة المجوسي فارتاب في أمرهما فاقترب منهما ثم
هجم عليهما فجأة فسقط منهما خنجر له رأسان فاذهبوا فالتمسوا الخنجر الذي قتل به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهبوا وبحثوا عنه فوجدوه بمواصفات الخنجر الذي ذكره عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فتيقن القوم أن الهرمزان مشارك لأبي لؤلؤة
المجوسي في التخطيط والحض على قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فسمع بذلك عبيد الله بن عمر بن الخطاب.فأمسك أي لم يتصرف حتى مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فحمل سيفه وخرج فقتل الهرمزان فكانت تلك قضية
شائكة ولننظر إلى مدى العدالة في الدولة الإسلامية اجتمع عثمان رضي الله عنه بكبار المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعا هل يقام عليه الحد على ابن الخليفة الذي قتل رجلا من المتيقن به لدى الجميع أن أعد وخطط لمقتل أبيه الذي كان الخليفة
وأخذ الصحابة يتداولون الأمر فقال عثمان رضي الله عنه.أشيروا عليّ في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق وكان هذا بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاثة أيام وكان عبيد الله بن عمر في تلك الفترة محبوسا في بيت سعد بن أبي وقاص.فقال
علي بن أبي طالب.أرى أن تقتله.فقال المهاجرون والأنصار.يُقْتل عمر بن الخطاب بالأمس ويُقْتل ابنه اليوم.فقال عمرو بن العاص.يا أمير المؤمنين إن الله أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان إنما كان الحدث ولا سلطان لك.
فقال عثمان بعد أن سكت برهة.أنا ولي الذي قتل وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي.ويعلق ابن تيمية في منهاج السنة النبوية على هذا الأمر فيقول.لو كان القاتل متأولا ويعتقد حل القتل لشبهة ظاهرة صار ذلك شبهة قد تدرأ عنه القتل.وفي هذه الحالة
التأويل قوي جدا وشهادة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق من الواضح أن الهرمزان كان يخطط مع أبي لؤلؤة المجوسي لقتل عمر رضي الله عنه ووجد الخنجر الذي رآه عبد الرحمن بن أبي بكر وقتل به عمر رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة وبعد موت
عمر رضي الله عنه وقبل اختيار عثمان رضي الله عنه لم يكن للمسلمين ولي فكان عبيد الله ولي أبيه فأخذ له بحقه في رأيه ولم يقر الصحابة رضي الله عنهم هذا الاجتهاد والتأويل بالكلية من عبيد الله بن عمر رضي الله عنهما ومن ثَمّ دفع عثمان رضي
الله عنه الدية من حر ماله.ودار حوار بين عبد الله بن عباس حبر الأمة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فبعد طعن عمر رضي الله عنه نادى على ابن عباس رضي الله عنه وقال له.كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر الفرس في المدينة.أي أنهما كانا
من مؤيدي أن يكثر الفرس في المدينة ويسلموا ويعيشوا فيها ويقتربوا من الإسلام وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكره ذلك ويرى فيهم الغدر.فكان رد عبد الله بن عباس.إن شئت أن نقتلهم فعلنا.ليس الهرمزان فحسب بل كلهم وذلك لما ظهر الفساد
منهم ولا بأس بأن يقام عليهم حد الحرابة وللوالي أن يقتلهم.فقال له عمر رضي الله عنه.كذبت أفبعد أن تكلموا بلسانكم وصَلّوا إلى قبلتكم.الشاهد في الأمر أنه في هذه الفتنة فتنة مقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من المسلمين من يرى
جواز قتل الفرس جميعا الذين هم بالمدينة لأنهم أفسدوا في الأرض وخططوا لقتل الخليفة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكان من يرى ذلك هو عبد الله بن عباس حبر الأمة وهو بلا شك أكثر فقها وأعلم من عبيد الله بن عمر لهذا احتمل عثمان بن عفان
رضي الله عنه الدية من ماله الخاص ولم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان.التهمة العشرون.أنه كان يعطي أقرباءه ولا يعطي عامة المسلمين.يقول عثمان رضي الله عنه.إني أحب أهل بيتي وأعطيهم فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور بل أحمل
الحقوق عليهم وأما إعطائهم فإنما أعطيهم من مالي ولا أستحل مال المسلمين لنفسي ولا لأحد من المسلمين وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي في أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتت
عليّ أسنان أهل بيتي وفني عمري ووضعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا.ومن المعروف أن عثمان رضي الله عنه كان يعتق في كل جمعة رقبة في سبيل الله وأقطع لعبد الله بن مسعود ولعمار بن ياسر ولخباب بن الأرت وللزبير بن العوام وغيرهم
ممن ليسوا بأقاربه على الإطلاق وتنازل رضي الله عنه لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عن خمسين ألف درهم كانت له عليه.ويتجاوز ابن تيمية في.منهاج السنة النبوية.إلى أكثر من ذلك فيقول.على فرض إعطاء عثمان رضي الله عنه لمروان بن الحكم
خمس غنائم إفريقية فإن عثمان عامل على صدقات المسلمين ويستحق من هذه الأموال حتى وإن كان غنيا ويقول أيضا أن سهم ذوي القربى المذكور في الآية.[وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ]
الأنفال 41.قال بعض العلماء كالحسن البصري وأبو ثور أن المقصود بذي القربى.قرابة الإمام وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي ذوي قرابته لأنه إمام المسلمين ذلك حق لكل وال من بعده أن يعطي من هذا السهم لأقاربه هذا على فرض أن هذا الادعاء
منهم صحيح وإن كان باطلا من البداية.جمع المتمردون هذه النقاط العشرين ومن ثم خرجوا من البصرة ومن الكوفة ومن مصر وتوجهوا نحو عثمان بن عفان رضي الله عنه بالمدينة ووصلوا المدينة مع ظهور هلال ذي القعدة سنة 35 هجرية وبدءوا يتحاورون
في هذه النقاط مع عثمان رضي الله عنه.ولقد تناولنا فيما سبق الردود على النقاط التي أثارها المتمردون على عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه وعلى ولاته في الأمصار المختلفة.وقد خرج من كل مدينة أربع فرق فكان على رأس فرق البصرة حكيم بن جبلّة
وبشر بن شريح وذريح بن عباد وابن المحرك الحنفي وعليهم جميعًا حرقوص بن زهير السعدي وكان عددهم ما بين الستمائة والألف.وكان على رأس الفرق التي خرجت من الكوفة الأشتر النخعي وزيد بن صوحان وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم
وعليهم جميعًا عمرو بن الأصم وكان عددهم ما بين الستمائة والألف.وكان على رأس الفرق التي خرجت من مصر الغافقي بن حرب العكي وتحته أربع فرق أخرى بقيادة عبد الرحمن بن عديس وكنانة بن بشر وسودان بن حمران وقطيرة السكوني وكان عددهم
أيضًا ما بين الستمائة والألف.فكان مجموع المتمردين على الأقل حوالي ألفين توجهوا نحو المدينة وبعد خروجهم من بلادهم وكلهم خارجون بنية الحج ولا أحد يعلم النيات الخبيثة التي خرجوا من أجلها إلا عبد الله بن أبي سرح والي عثمان رضي الله عنه على
مصر فبعد خروج هذه الفرقة الضالة من مصر متوجهة إلى المدينة أرسل عبد الله بن ابي سرح إلى عثمان رضي الله عنه يخبره أن قوات المتمردين قد تحركت من مصر إلى المدينة لا تنوي حجًا وإنما تنوي الفتنة وهذه الرسالة قد وصلت متأخرة إلى حد ما كما
أرسل له رسالة أخرى يخبره أنه سيوافيه بقوة من مصر.القادة الخارجون على رأس المتمردين منهم من تحدثنا عنه قبل ذلك كالأشتر النخعي وحكيم بن جبلّة أحد أشرار ولصوص البصرة المشهورين بالسرقة وسودان بن حمران الذي خرج من مصر وهو من
قبيلة سكون باليمن وسبحان الله عندما كان يستعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه القبائل الخارجة للجهاد سنة 14 هجرية مرت عليه قبيلة سكون اليمنية وكان في هذه القبيلة سودان بن حمران فنظر إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم أعرض عنهم ثم
نظر إليهم ثم أعرض عنهم ثم نظر إليهم ثم أعرض عنهم ثلاث مرات ثم قال رضي الله عنه.سبحان الله إني عنهم لمتردد والله ما مر بي قوم أكره لي منهم.وكان منهم سودان بن حمران وخالد بن ملجم الذي كان له دور كبير بعد ذلك في الفتنة وهذا مما يدلّ على
قوة الفراسة عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.أما الغافقي فكان متزعمًا للفتنة في مصر ظاهرًا بينما كان ابنُ سبأ يحرك الأمور من الداخل والغافقي بن حرب العكي من اليمن وقَطَن مصر بعد فتحها وكان محبًا للظهور وللرئاسة وكان متحدثًا ذكيًا وكان عالِمًا
بالدين أيضًا.بعد أن خرجت هذه المجموعات الثلاثة بكل هذه الفرق أمّروا عليهم جميعًا الغافقي بن حرب العكي واقترب المتمردون من المدينة وعسكروا قريبًا منها وكان عبد الله بن سبأ موجودًا في الفرق التي خرجت من مصر لكنه لم يعلن عن اسمه.كان جميع
المتمردين متفقين على عزل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه بينما كانوا مختلفين في مَن سيخلفه فكان أهل مصر يريدون تولية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم قد خدعوا وفتنوا بما أثاره فيهم عبد الله بن سبأ اليهودي من أن عليًا إنما هو وصي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأنه أولى بالخلافة وكان أهل الكوفة يريدون تولية الزبير بن العوام رضي الله عنه لأنه كان أميرهم فترة من الفترات وأهل البصرة يريدون تولية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه لأنه كان أميرًا عليهم أيضًا فترة من الفترات إنتهى.وهذا
العمل من رؤس الفتنه أيضا كان يهدف الإيقاع بين الصحابة رضوان الله عليهم وهو ما ذهب إليه الآجري حيث قال.وقد برأ الله عز وجل علي بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم من هذه الفرق وإنما أظهروا ليموهوا على الناس وليوقعوا بين الصحابة
وقد أعاذ الله الكريم الصحابة من ذلك.قال الشيخ السرجاني فلما وصلوا إلى المدينة نزل القوم في.ذي المروة.قبل مقتل عثمان رضي الله عنه بما يقارب شهرا ونصفا.وعلم المسلمون أنهم قد قدموا بهذا الشرّ فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى كل فرقة من هذه
الفرق من يطلبونه أن يكون أميرًا عليهم ليحدثهم ويحاججهم فخرج كلٌ إلى الفرقة التي تطلبه أن يكون أميرًا للمؤمنين.خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى القادمين من مصر ولما التقي بهم على بعد أميال قليلة رحبوا به واستقلبوه على أنه الأمير ولكنه
رضي الله عنه عنفهم وشتمهم وسبهم وكان مما قال.لقد علم الصالحون أنكم ملعنون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صبّحكم الله.وقال طلحة رضي الله عنه مثل هذا الكلام لأهل البصرة وقال مثله لأهل الكوفة الزبيرُ بن العوام رضي الله
عنه.ثم طلب المتمردون من هؤلاء الصحابة الثلاثة علي وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعًا طلبوا أن يقابلوا عثمان رضي الله عنه ليعرضوا ما عندهم من أمور يأخذونها عليه.قال الشيخ الفحل وفي نفس الوقت ارسل عثمان رضي الله عنه رجلين من بني
مخزوم من بني زهرة فقال.انظرا ما يريدون وكانا ممن ناله من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم يضطغنا فلما رأوهما أتوهما وأخبروهما فقالا.من معكم على هذا من أهل المدينة.قالوا ثلاثة.قالا.فكيف تصنعون قالوا.نريد أن نذكر له أشاء قد زرعناها في
قلوب الناس ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه فإن أبى قتلناه فرجعا إلى عثمان بالخبر فضحك وقال.اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شوا.قال الشيخ السرجاني فدخلوا المدينة المنورة
والتقوا مع عثمان بن عفان رضي الله عنه فقالوا له افتح المصحف اقرأ التاسعة أي سورة يونس على مصحف عبد الله بن مسعود فبدأ عثمان رضي الله عنه يقرأ من سورة يونس وهو رضي الله عنه يحفظ القرآن ويستظهره حتى وصل إلى قول الله تعالى
[آَللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ]يونس 59.فقالوا قف.ثم قالوا له أرأيت ما حميت من الحمى آلله أذن لك أم على الله افتريت.إذن فقد بدأ المتمردون يسألونه رضي الله عنه عن النقاط التي قد رددنا عليها من قبل وهو رضي الله عنه يجيبهم فقال لهم رضي
الله عنه هذه الآية لم تنزل في ذلك وإنما نزلت في المشركين وقد حمى عمر الحمى وزادت الإبل فزدت في الحمى.ثم أخذوا يعدّون عليه النقاط وهو يردّ عليهم كما يقول الرواة وهو ظاهرعليهم وقد أفحمهم بالردّ ولا يتكلمون بعد أن يرد وبعد أن انتهوا من حوارهم
قال لهم.ماذا تريدون.قالوا.المنفيّ يعود والمحروم يُعطى وتستَعمل ذوي الأمانة والقوة وأن تعدل في القسمة.ومع أن عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز ما يطلبونه منه قدر أنملة ولا يوجد محروم ولا منفي إلا أنه رضي الله عنه وافقهم على ما قالوا وكتب ذلك
في كتابٍ ثم كان هذا الطلب من المتمردين القادمين من مصر قالوا له.وأن تعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح وتولِّي محمد بن أبي بكر.وسبحان الله كان محمد بن أبي بكر الصديق أحد من ألّبوا على عثمان في مصر وأحد من جاءوا مع المتمردين.وكان هو
الصحابي الوحيد الذي اشترك في أحداث الفتنة والحصار.ووافقهم عثمان رضي الله عنه على ذلك أيضًا وكتب لهم كتابًا بتولية محمد بن أبي بكر على مصر وعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح وشرط عليهم عثمان رضي الله عنه ألا يشقوا له عصا ولا يفرقوا
جماعة المسلمين وأعطوه عهدًا بذلك وخرجوا من المدينة راضين إنتهى.قلت.إن محمد بن أبي بكر رضي الله عن أبيه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان أصغر من أربعة أشهر ولا سمع منه ولا سمع من أبيه.إذا فليس من الصحابة بل أنه يعتبر من
التابعين.قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله في منهاج السنة 4/ 374 ، 376.محمد بن أبي بكر ليس من الصحابة.وابنه القاسم بن محمد وابن إبنه عبد الرحمن بن القاسم خير عند المسلمين منه.وقال عنه شيخ الإسلام ايضا.ليس له صحبة ولا سابقة
ولا فضيلة.وقال.ليس هو معدودا من أعيان العلماء والصالحين الذين في طبقته.وقال شيخ الاسلام ابن تيمية أيضا.وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ولا هو أشهر بالعلم والدين منه بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان وله قول
مع أهل الفتيا واختلف في صحبته ومحمد بن أبي بكر ليس بهذه المنزلة عند الناس ولم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا اشهرا قليلة من ذي القعدة إلى أول شهر ربيع الأول فإنه ولد بالشجرة لخمس بقين من ذي القعدة عام حجة الوداع إنتهى.قال
الشيخ السرجاني ظن المسلمون في المدينة أن الفتنة قد خمدت وبات المسلمون ليلة سعيدة بعد خِضَم أحداث عظيمة استمرت شهورًا.وإذا نظرنا إلى هؤلاء المتمردين نجد أن منهم من يريد الطعن في الإسلام وهدمه كعبد الله بن سبأ ومنهم من ينزع إلى عصبيته
وخاصة القبائل اليمنية التي لم تحز الشرف والسبق مثل قريش وهؤلاء كان كثُر وخاصة من قبيلة السكون اليمنية ومن المتمردين أيضًا الموتورون الذين أقيمت عليهم أو على أقاربهم حدود الله من قِبَل عثمان رضي الله عنه ومن ثَمّ نقموا عليه ومنهم من عُزّر شخصيًا
من قِبل عثمان بن عفان فجاء لينتقم ومنهم المتعجلون للرئاسة أمثال الغافقي بن حرب والأشتر النخعي وغيرهم ممن لديهم القوة والذكاء والفصاحة فظنوا أن هذه الجوانب وحدها تكفل لهم القيادة وتعجبوا لعدم توليتهم ومنهم من أكرمه عثمان رضي الله عنه كرمًا
شديدًا حتى طمع في المزيد وطمع في الولاية ولما لم يعطه نقم عليه كرجل يُسمّى.محمد بن أبي حذيفة.وكان ربيبًا لعثمان وقد أنفق عثمان رضي الله عنه عليه في صغره لكنه انقلب عليه وبدأ يؤلّب الناس عليه في السرّ إنتهى.كان أول ظهور لمحمد بن أبي بكر
ومحمد بن أبي حذيفة في الانشقاق على خليفة المسلمين عثمان رضي الله عنه في غزوة ذات الصواري كانوا يعبون على عثمان رضي الله عنه.أفتراء على الخليفة الراشد فبلغ ذلك عبد الله بن سعد فقال‏.‏ لا تركبا معنا فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين
غيرهما ولقوا العدو فكانا أنكل المسلمين قتالاً فقيل لهما في ذلك.فقالا‏.كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه‏ فأرسل إليهما عبد الله بن سعد فنهاهما أشد النهي وقال‏.والله لولا لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما وحبستكما‏.‏قال الشيخ السرجاني وهو
ممن ألّف الرسائل على لسان الصحابة.أي محمد بن أبي حذيفة.وكان يجعل نفرًا من المقربين إليه يذهبون بهذه الرسائل إلى الأمصار القريبة منه بعد أن يجعلهم يقفون في الشمس مدة طويلة حتى يتوهم الناس أنهم قادمون من سفر بعيد فينخدعون بتلك الرسائل
وكانت تلك الفئات التي ذكرناها من المجرمين والمنافقين هم القوّاد والرءوس لهذه الفتنة بينما كان الباقون من نوعين آخرين.الأول.نوع من المغالين في الدين قد جعل الزلات البسيطة عظيمةً ولم يعف عن الهنات ويظنون أن عثمان رضي الله عنه أخطأ خطأً
فيجب أن يُعزل عن مكانه أو يصل الأمر إلى قتله.الثاني.نوع من الناس هم في الحقيقة يجمعون بين الجهل والحمق قد انخدعوا بتلك الكلمات التي قالها لهم رءوس الفتنة ومدبروها ولضعف الاتصال لم يكن هناك وسيلة كافية وسريعة لتصحيح تصوراتهم الخاطئة
مع الأخذ في الاعتبار أنهم يسكنون في أماكن نائية وبعيدة عن المدينة المنورة موطن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء والفقهاء.وقد اقتنع هؤلاء بعد حوارهم مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومع عثمان رضي الله عنه بخطأ ما كانوا عليه وبدءوا
يرجعون إلى بلادهم راضين أما رءوس الفتنة وقوادها فهم لم يجيئوا في الأصل لأجل الاقتناع بما يقوله عثمان بن عفان رضي الله عنه أو ما يقوله غيره من كبار الصحابة وإنما هم قد قدموا لإحداث الفتنة.خرج الجميع راجعين إلى بلادهم ولم يبق في المدينة منهم
سوى اثنين.(الأشتر النخعي وحكيم بن جبلة).وعلامات استفهام كثيرة حول بقاء هذين الفردين بالمدينة دون بقية الناس وعدم انصرافهم مع من انصرفوا.وسلك الوفد المصري الشمال الغربي عائدًا إلى مصر بينما سلك وفدا البصرة والكوفة الشمال الشرقي
فكلما ساروا كلٌ في طريقه كلما ابتعدوا عن بعضهم.وبينما الوفد المصري في طريق عودته إذا راكب على ناقة يتعرض لهم ثم يفارقهم مرارًا فشكّ القوم في أمره فأمسكوا به وقالوا له من أنت.فقال لهم أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر.ومن الواضح أن
هذا الرجل يقصد شيئًا من موقفه هذا ويريد أن يفصح لهم عن أمر ما وليس رسولًا لأمير المؤمنين فكما تقول الرواية كان يتعرض لهم ويفارقهم مرارًا.فلما قال لهم أنه رسول أمير المؤمنين فتشوه فوجدوا معه رسالة فيها أمر من عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى
عامله بمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بقتل بعض أهل الفتنة وسمّاهم له وصلْب بعضهم وتقطيع أطراف بعضهم وقتل محمد بن أبي بكر الصديق.والكلام مختوم بخاتم عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما قرأه القوم ثارت ثائرتهم وبدءوا يرجعون إلى المدينة
المنورة مرة أخرى وكان هذا في منتصف ذي القعدة سنة 35 هجرية وفي طريق رجوعهم جاءتهم رسالة أخرى من علي بن أبي طالب يأمرهم بالقدوم إلى المدينة.وتعجب المسلمون من عودة هؤلاء المتمردين مرة أخرى بعد كانوا في طريقهم إلى بلادهم فخرج
إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال المتمردون ألم تر إلى عدو الله يقصدون عثمان رضي الله عنه وأرضاه كتب فينا كذا وكذا وأروه الكتاب وقد أحلّ الله دمه فقم معنا إليه.فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.والله لا أقوم معكم إلى هذا.فقالوا له
فلِمَ كتبت إلينا.فقال.والله ما كتبت إليكم شيئًا.فنظر القوم بعضهم إلى بعض وهذه الرواية ثابتة في كل الكتب وفيها دليل على أن بعض المتمردين يُضلّل بهم ولا يعرفون كيف تُدبر الأمور وأن هناك من يكتب الخطابات ويوقعها بأسماء الصحابة مما يشعل الفتنة
كما أن الأحداث تدل على أن عليً رضي الله عنه كان ضد المتمردين دائمًا فقد خرج إليهم أول ما قدموا ثم خرج إليهم مرة أخرى عندما عادوا وشتمهم وسبهم وحاول إخراجهم من المدينة في حين تشير الروايات المكذوبة أن عليً رضي الله عنه كان ينقم على
عثمان رضي الله عنه في بعض الأمور فتركه ولم يدافع عنه ولم يَدْفع عنه المتمردين وهذا طعن في كليهما في عثمان وعلي رضي الله عنهما ومن يقرأ الكتابات الحديثة الغير موثقة سوف يجد فيها الكثير من هذه الأغاليط.وبينما هم يتناقشون مع علي رضي الله
عنه في أمر هذا الخطاب الغريب والعجيب الذي نُسب إلى عثمان رضي الله عنه إذا بوفود الكوفة والبصرة تدخل المدينة فخرج إليهم مجموعة من الصحابة وقالوا لهم.ما أرجعكم بعد ذهابكم.فقالوا.جئنا لنصرة إخواننا.أي المصريين.فقال لهم علي بن أبي
طالب.كيف علمتم بما حدث لأهل مصر وأنتم على بعد مراحل منهم ثم طويتم نحونا.هذا والله أمر دُبّر بالمدينة.وكأنه رضي الله عنه يشير إلى بقاء.الأشتر النخعي وحكيم بن جبلة.وأنهما الذَيْن كتبا هذه الخطابات وهذا احتمال قريب جدًا.فقال المتمردون
العراقيون .الكوفيون والبصريون.ضعوا الأمر حيث شئتم ليعتزلنا هذا الرجل ولنتعزله.في هذا الوقت يريد الصحابة التيقن من أمر هذا الخطاب الذي هو مختوم بخاتم عثمان رضي الله عنه فذهبوا بالمتمردين إلى عثمان رضي الله عنه وأروه الخطاب.فقال
لهم رضي الله عنه.ائتوني ببينة على ذلك.(والله ما كتبت ولا أمليت ولا دريت بشيءٍ من ذلك.والخاتم قد يُزوّر على الخاتم).فقال بعضهم إذن كتبه مروان.وأرادوا تسليم مروان بن الحكم إليهم فخشي عثمان رضي الله عنه إن سلّمهم مروان أن يقتلوه
فرفض رضي الله عنه تسليمه إليهم فصدقه بعض الناس وكذبه آخرون إنتهى.قال الشيخ الفحل وهذا الكتاب الذي زعم هؤلاء المتمردون البغاة المنحرفون أنه من عثمان وعليه خاتمه يحمله غلامه على واحد من إبل الصدقة إلى عامله بمصر ابن أبي السرح يأمر
فيه بقتل هؤلاء الخارجين هو كتاب مزور مكذوب على لسان عثمان رضي الله عنه وذلك لعدة أمور.أولا.إن حامل الكتاب المزور قد تعرض لهؤلاء المصريين ثم فارقهم وكرر ذلك مرارا وهو لم يفعل ذلك إلا ليلفت أنظارهم إليه ويثير شكوكهم فيه وكأنه يقول لهم.
معي شيء هام بشأنكم.وإلا فلو كان من عثمان رضي الله عنه لخافهم حامل الكتاب المزعوم ولأبعد عنهم وأسرع إلى والي مصر ليضع بين يديه الأمر فينفذه.والثاني.كيف علم العراقيون بالأمر وقد اتجهوا إلى بلادهم وفصلتهم عن المصريين الذين أمسكوا بالكتاب
المزعوم مسافة شاسعة فالعراقيون في الشرق والمصريون في الغرب ومع ذلك عادوا جميعا في آن واحد كأنما كانوا على ميعاد.لا يعقل هذا إلا إذا كان الذين زوروا الكتاب واستأجروا راكبا ليحمله ويمثل الدور في.البويب.أمام المصريين قد استأجروا راكبا آخر
انطلق إلى العراقيين ليخبرهم بأن المصريين قد اكتشفوا كتابا بعث به عثمان رضي الله عنه لقتل المنحرفين المصريين وهذا ما احتج به علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد قال.كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم
طويتم نحونا بل إن عليًّ يجزم.هذا والله أمر أبرم بالمدينة.والثالث.كيف يكتب عثمان إلى ابن أبي السرح بقتل هؤلاء وابن أبي السرح كان عقب خروج المتمردين من مصر متجهين إلى المدينة كتب إلى الخليفة يستأذنه بالقدوم عليه وقد تغلب على مصر.محمد
بن أبي حذيفة.وفعلا خرج ابن أبي السرح من مصر إلى العريش وفلسطين فالعقبة فكيف يكتب له عثمان بقتلهم وعنده كتابه الذي يستأذنه به منه بالقدوم عليه.والرابع.إن عثمان رضي الله عنه قد نهى عن قتل المتمردين عندما حاصروه وأبى على الصحابة أن
يدافعوا عنه ولم يأمر بقتال الخارجين دفاعا عن نفسه كما سيأتي تفصيله إن شاء الله فكيف يكتب مثل هذا الكتاب المزور وقد خرجوا عنه من المدينة مظهرين التوبة والإنابة.والخامس.تخلف حُكيم بن جبلة والأشتر النخعي بعد خروج المتمردين في المدينة يشير
إشارة واضحة إلى أنهما هما اللذان افتعلا الكتاب إذ لم يكن لهما أي عمل بالمدينة ليتخلفا فيها وما مكثا إلا لمثل هذا الغرض فهما صاحبا المصلحة في ذلك.وربما كان ذلك بتوجيه من عبد الله بن سبأ.ولم يكن لعثمان رضي الله عنه في ذلك أية مصلحة وكذلك ليس
لمروان بن الحكم أية مصلحة والذين يتهمون مروان في هذا إنما ينسبون إلى الخليفة الغفلة عن مهامه وأن في ديوان الخلافة من يجري الأمور ويقضي بها دون علمه وبذلك يبرئون ساحة أولئك المجرمين الناقمين الغادرين ثم لو أن مروان زور الكتاب لكان أوصى
حامل ذلك الكتاب أن يبتعد عن أولئك المنحرفين ولا يتعرض لهم في الطريق حتى يأخذوه وإلا لكان متآمرا معهم على عثمان وهذا محال.والسادس.إن هذا الكتاب المشئوم ليس أول كتاب يزوره هؤلاء المجرمون بل زوروا كتبا على لسان أمهات المؤمنين وكذلك
على لسان علي وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا فهذه عائشة رضي الله عنها تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي وتقول.لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا.ويعقب
الأعمش فيقول.فكانوا يرون أنه كتب على لسانها.ويتهم الوافدون عليا بأنه كتب إليهم أن يقدموا عليه بالمدينة فينكر ذلك عليهم ويقسم.والله ما كتبت إليكم كتابا.كما ينسب إلى الصحابة بكتابة الكتب إلى أهل الأمصار يأمرونهم بالقدوم إليهم.(فدين محمد قد فسد
وترك والجهاد في المدينة خير من الرباط في الثغور البعيدة).ويعلق ابن كثير على هذا الخبر قائلا.وهذا كذب على الصحابة وإنما كتبت كتب مزورة عليهم فقد كتب من جهة علي وطلحة والزبير إلى الخوارج قتلة عثمان كتبٌ مزورة عليهم أنكروها وكذلك زور هذا
الكتاب على عثمان أيضا فإنه لم يأمر به ولم يعلم به.ويؤكد كلام ابن كثير ما رواه الطبري وخليفة من استنكار كبار الصحابة علي وعائشة والزبير أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات.إن الأيدي المجرمة التي زورت الرسائل الكاذبة على لسان أولئك الصحابة هي
نفسها التي أوقدت نار الفتن من أولها إلى آخرها ورتبت ذلك الفساد العريض وهي التي زورت وروجت على عثمان رضي الله عنه تلك الأباطيل وأنه فعل وفعل ولقنتها للناس حتى قبلها الرعاع ثم زورت على لسان عثمان رضي الله عنه ذلك الكتاب ليذهب عثمان
رضي الله عنه ضحية إلى ربه شهيدا سعيدا.ولم يكن عثمان رضي الله عنه الشهيد هو المجني عليه وحده في هذه المؤامرة السبئية اليهودية بل الإسلام نفسه كان مجنيا عليه قبل ذلك ثم التاريخ المشوه والمحرف إنتهى.قال الشيخ السرجاني واستمرّ هذا الحوار أيامًا
بين عثمان رضي الله عنه وبين المتمردين وأعلن المتمردون أن من كفّ يده فهو آمن.عدد المتمردين على أقل تقدير ألفان وعدد الموجودين من الصحابة في المدينة سبعمائة وليس في المدينة جيش للدفاع عنها لأن معظم الجيوش الإسلامية في أطراف الدولة في فارس
والروم وإفريقية ولا توجد قوات أمن مخصصة في المدينة لأن الناس يأمنون على أنفسهم كما يقول الحسن البصري.ولا يلقى مؤمن مؤمنًا إلا وهو أخوه.إلى هذا الوقت وعثمان رضي الله عنه خليفة المسلمين والجميع يصلّى خلفه من المهاجرين والأنصار والمتمردين
أيضًا حتى كان يوم جمعة فقام عثمان رضي الله عنه وخطب الناس وبعد الصلاة صعد على المنبر مرة أخرى وقال.يا هؤلاء الغرباء الله الله فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعنون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطأ بالصواب فإن الله لا يمحو السيئ
إلا بالحسن.فقام محمد بن مسلمة رضي الله عنه وهو من قدامى الصحابة وقال.أنا أشهد بذلك.وكان بجواره حكيم بن جبلة فأجلسه بالقوة وسبّه فقام زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وقال.إن ذلك في الكتاب.فقام له رجل من أهل الفتنة يُسمى محمد بن أبي مريرة
وجذبه وسبّه ثم قام رجل اسمه جهجاه الغفاري وهو من أهل الفتنة أيضًا قام يخاطب عثمان بن عفان رضي الله عنه واتجه نحوه وأخذ منه العصا التي كان يتّكأ عليها وهو يخطب وهي عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتّكأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
وهو يخطب في الناس وأخذها بعده أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهما فأخذ هذا الجاحد المسمى جهجاه العصا وكسرها على ركبته وقال لعثمان رضي الله عنه.يا نعثل انزل من على هذا المنبر.ونعثل تطلق على الظبي كثير الشعر وقد كان
عثمان رضي الله عنه كثير الشعر كثّ اللحية وتقال هذه الكلمة أيضًا للشيخ الأحمق.وهذه أول مرة يُسبّ فيها عثمان رضي الله عنه علنًا أمام الناس وبعد أن قيلت هذه الكلمة قام المتمردون جميعًا وأخذوا يحصبون يضربونهم بالحجارة الصحابة وعثمان رضي الله عنه
وهو على المنبر وسالت الدماء على قميصه وحمله بعض الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا وأدخلوه بيته ولم يخرج بعدها منه وحاصر أهل الفتنة بيته رضي الله عنه وأرضاه واستُخلف أبو هريرة رضي الله عنه على الصلاة بالمسلمين وهناك روايات ضعيفة تشير إلى
أن الغافقي هو الذي كان يؤم الناس قبل مقتل عثمان رضي الله عنه والصحيح أن أبا هريرة رضي الله عنه هو الذي كان يؤم الناس.عندما وجد عثمان رضي الله عنه أن الأمر قد وصل إلى هذا الحدّ وأن اللين لن يجدي مع هؤلاء المتمردين كتب رضي الله عنه رسائل
إلى ولاته في الأمصار أن يرسلوا إليه بالجيوش لحل هذه الأزمة فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام وكتب إلى أبي موسى الأشعري بالكوفة وإلى والي البصرة ونعرف أن المسافات شاسعة بين تلك البلاد وبين المدينة.وإلى هذا التوقيت لم تظهر فكرة قتل الخليفة بل
ما يطلبونه هو عزله ولم يصرّحوا بكلمة القتل مطلقًا.بعد هذا الأمر خرج عثمان رضي الله عنه من شرفة بيته وبدأ يحادث المتمردين فخطب فيهم فقال.أليس فيكم علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص.وكان الصحابة رضي الله عنهم مع الناس ولا
يريدون الانصراف ويتركون عثمان رضي الله عنه فوقف هؤلاء الأخيار وقالوا.نعم نحن هنا وأشاروا إلى أماكنهم.فقال عثمان رضي الله عنه.أنشدكم بالذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.مَنْ يَبْتَاعَ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.فابتعته
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني قد ابتعته.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ.قال الصحابة نعم.قال عثمان رضي الله عنه.أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.مَنْ يَبْتَاعُ
بِئْرَ رُومَةَ.فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.فقلت إني قد ابتعتها.قال.اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكَ أَجْرُهَا.ففعلت.قالوا نعم نشهد بذلك.فقال.أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم
يوم جيش العسرة فقال.مَنْ يُجَهِّزُ هَؤُلَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا.قالوا اللهم نعم.فقال اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد.ثم انصرف.وأشرف عثمان رضي الله عنه من بيته مرة أخرى وهو محصور فقال.أنشد بالله من شهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال.اسْكُنْ حِرَاءَ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ.وأنا معه فانتشد له رجال.أي شهدوا بأن ما يقوله حق.ثم قال.أنشد بالله من شهد رسول الله يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل
مكة فقال.هَذِهِ يَدِي وَهَذِهِ يَدْ عُثْمَانَ.ووضع يديه إحداهما على الأخرى فبايع لي.فانتشد له رجال.ثم قال.أنشد بالله من شهد رسول الله قال.مَنْ يُوَسِّعُ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِد بُنِيَتْ لَهُ بِيْتًا فِي الْجَنَّةِ.فابتعته من مالي فوسعت به المسجد.فانتشد له رجال.ثم قال.
أنشد بالله من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال.مَنْ يُنْفِقُ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةٌ.فجهزت نصف الجيش من مالي.فانتشد له رجال.ثم قال.أنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل.فانتشد له رجال.المفاوضات إلى الآن
لا زالت سلمية بين الطرفين لكن بدأت تظهر فكرة القتل فخيروا الخليفة بين العزل والقتل إنتهى.قال الشيخ الفحل.وعندما أستدعى عثمان رضي الله عنه لأشتر.فقال عثمان رضي الله عنه للأشتر.يا أشتر ما يريد الناس مني.قال.ثلاث ليس لك من إحداهن بدّ.
قال عثمان رضي الله عنه ما هن.قال لأشتر.
يتبع

 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم.فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم و بين أن تقصّ من نفسك.فإن أبيت
هاتين فإن القوم قاتلوك .قال عثمان رضي الله عنه.أما ما من إحداهن بدّ.قال لأشتر.لا ما من إحداهن بدّ.
قال عثمان رضي الله عنه.أما أن أخلع لهم أمرهم والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أخلع أمة
محمد بعضها على بعض وأما أن أقص من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يديّ قد كان يعاقبان و ما
يقوم بدّ من القصاص و أما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابّون بعدي أبداً و لا تصلون بعدي جميعاً أبداً
ولا تقاتلون بعدي عدواً جميعاً أبداً.فكان هذا موقفًا صعبًا على الصحابة جميعًا وعلى عثمان رضي الله عنه.
وبينما كان عثمان رضي الله عنه في داره والقوم أمام الدار محاصروها دخل ذات يوم مدخل الدار فسمع توعد
المحاصرين له بالقتل فخرج من المدخل ودخل على من معه في الدار ولونه ممتقع.فقال.إنهم ليتوعدونني
بالقتل آنفا فقالوا له.يكفيكم الله يا أمير المؤمنين.فقال.ولِمَ يقتلونني وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول.لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث.رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا
بغير نفس.فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منذ هداني الله ولا قتلت
نفسا ففيم يقتلونني.ثم أشرف على المحاصرين وحاول تهدئة ثورتهم عن خروجهم على إمامهم مضمنا كلامه
الرد على ما عابوه به وكشف الحقائق التي لبَّسها القوم عسى أن يفيق المغرر بهم ويعودوا إلى رشدهم فطلب
من المحاصرين أن يخرجوا له رجلا يكلمه فأخرجوا له شابا يقال له صعصعة بن صوحان فطلب عثمان رضي
الله عنه أن يبين له ما نقموه عليه.فقال صعصعة.أخرجنا من ديارنا بغير حق إلا أن قلنا ربنا الله.فقال له
عثمان رضي الله عنه.اتل أي استدل بالقرآن فقرأ(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
الحج 39.فقال عثمان رضي الله عنه.ليست لك ولا لأصحابك ولكنها لي ولأصحابي فقرأ عثمان رضي الله
عنه الآية التي استدل بها صعصعة وما بعدها مما يفسرها ويبين زيف استدلال صعصعة بها فتلا(أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ .الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ
وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ
اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.لَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)الحج 39-41.فأفهم عثمان رضي الله عنه الناس الآيات فهما صحيحا
كما نزلت مبينا سبب نزولها وفيمن نزلت وعلى ما تدل لئلا يلبس عليهم من قرأ القرآن وهو لا يعرف معناه
ويستدل به على ما يضاد مراده.كما أن نفي عثمان لمن نفاه إنما هو عمل بالآية التي تلي الآية التي استدل بها
صعصعة فإنها تأمر من مكنه الله في الأرض أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وعثمان خليفة ونفيهم أمر
بالمعروف ونهي عن المنكر لما قاموا به من تعدٍّ على بعض المسلمين ومن محاولات لإثارة الفتنة.إنتهى.
قال الشيخ السرجاني.هناك روايات كثيرة ضالة ومكذوبة تشير إلى أن الصحابة رضي الله عنهم تخلّوا عن
عثمان رضي الله عنه في هذه الأزمة ولم يدافعوا عنه لأنهم لم يكونوا راضين عن سياسته وهذا افتراء شديد
على الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعًا.ففي بداية الفتنة جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى عثمان رضي
الله عنه وكان فيهم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا
ولكن عثمان رضي الله عنه رفض أن يدافعوا بأسلحتهم عنه وعن المدينة وكان يريد أن تنتهي هذه الأزمة بطريقة
سلمية.فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله أن علي أرسل إلى عثمان رضي الله عنهما فقال.إن معي
خمسمائة دارع فأذن لي فأمنعك من القوم فإنك لم تحدث شيئا يستحل به دمك فقال.جُزيت خيرا ما أحب أن يهراق
دم في سببي.وعن أبي حبيبة قال.بعثني الزبير إلى عثمان وهو محاصر فدخلت عليه في يوم صائف وهو على
كرسي وعنده الحسن بن علي وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعا فقلت.
بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلام ويقول لك.إني على طاعتي لم أبدل ولم أنكث فإن شئت دخلت
الدار معك وكنت رجلا من القوم وإن شئت أقمت فإن بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي ثم
يمضون على ما آمرهم به فلما سمع يعني عثمان رضي الله عنه الرسالة قال.الله أكبر الحمد لله الذي عصم
أخي أقرئه السلام ثم قل له.أحبّ إليَّ وعسى الله أن يدفع بك عني فلما قرأ الرسالة أبو هريرة رضي الله
عنه قام فقال.ألا أخبركم ما سمعت أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.قالوا بلى.قال.أشهد لسمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.تكون بعدي فتن وأمور.فقلنا.فأين المنجى منها يا رسول الله.قال.
إلى الأمين وحزبه.وأشار إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقام الناس فقالوا.قد أمكنتنا البصائر فأذن لنا
في الجهاد.فقال أبو هريرة رضي الله عنه يا عثمان طاب الآن الضراب معك فهذا هو الجهاد.فقال.عثمان
رضي الله عنه.أعزم على من كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل.إذن فما يدور في ذهن عثمان رضي الله عنه
هو الحفاظ على أهل المدينة الذين هم قليل مقارنة بعدد المتمردين وإن قامت حرب بين الفريقين أُريقت دماء
الصحابة فهو رضي الله عنه يوافق على صدّ المتمردين بالقوة إذا وجدت قوة تستطيع هزيمتهم أما أن تراق
دماء الصحابة والمسلمين بالمدينة على يد هؤلاء الفجرة من المتمردين فهذا ما لا يرضاه عثمان رضي الله
عنه على الإطلاق وإن أتى هذا على دمه هو وهي شجاعة لا تتكرر إنتهى.قال الشيخ الفحل إن الاستجابة
لمطالب المتمردين وهم فئة قليلة من الأمة ليسوا من أهل الحل والعقد ولا من رجالات الإسلام وفقهاء الشريعة
ستكون لها آثار خطيرة على مسيرة الأمة وهيبة الخلافة وعلاقة الراعي بالرعية وكان ثمن دفع هذه الآثار السيئة
أن دفع الخليفة حياته.وهو يعلم بمصيره ويستسلم له وهو أمر ثقيل على النفس.ولكنه قدم مصالح الأمة على
مصلحته الشخصية مما يكشف عن قوة وعزيمة وشجاعة ومضاء ويرد به على تلك التهم التي وجهت إليه من
ضعف في هذه الصفات.فإنه كان قادرا بإذن الله على كبح الفتنة ولكنه قدر حدوث مفاسد تغلب على مصلحة
كبحها فأعرض عن ذلك درءا لها وبذلك يعلم.خطأ العقاد.عندما قال بأن قتل عثمان لا يوصف بأكثر من
أنه.مشاغبة دهماء.لم تجد من يكبحها.فإن في ذلك غمزا في شخصية وشجاعة عثمان رضي الله عنه وهي
حقا فتنة دهماء ولكن عدم كبحها يعد منقبة لعثمان رضي الله عنه لما فيه من تضحية في سبيل الله رجاء تحصيل
مصلحة للأمة وعملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .ولقد حث كعب بن مالك الأنصار على نصرة عثمان
وقال لهم.يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين فجاءت الأنصار عثمان ووقفوا بابه ودخل زيد بن ثابت
وقال له.هؤلاء الأنصار بالباب إن شئت كنا أنصار الله مرتين.فرفض عثمان رضي الله عنه القتال وقال.
لا حاجة لي في ذلك فكفوا أيديكم.وقد ورد أن المغيرة بن شعبة دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محاصر
فقال.إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثة اختر إحداهن.إما أن تخرج فتقاتلهم
فإن معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على
رواحلك فتلحق بمكة فإنهم لن يستحلوك بها وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية.فقال عثمان
رضي الله عنه.أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء
وأما أن أخرج إلى مكة فإنهم لن يستحلوني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.يلحد رجل من قريش
بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم.ولن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن أفارق
دار هجرتي ومجاورة الرسول.عزم الصحابة رضي الله عنهم على الدفاع عن عثمان رضي الله عنه ودخل بعضهم
الدار ولكن عثمان رضي الله عنه عزم عليهم بشدة وشدد عليهم في الكف عن القتال دفاعا عنه مما حال بين رغبتهم
الصادقة في الدفاع عنه وبين تحقيقها وكان من ضمن أولئك عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقد قال لعثمان
رضي الله عنه قاتلهم فوالله لقد أحل الله لك قتالهم.فقال عثمان رضي الله عنه.لا والله لا أقاتلهم أبدا.وفي رواية.
يا أمير المؤمنين إنا معك في الدار عصابة مستبصرة ينصر الله بأقل منها فأذن لنا.فقال عثمان رضي الله عنه.أنشد
الله رجلا أهراق فيَّ دمه ثم أمَّره على الدار.وقال.من كانت لي عليه طاعة فليطع عبد الله بن الزبير.وقال الحسن
بن علي رضي الله عنهما اخترط سيفي.قال له عثمان رضي الله عنه.لا أبرأ الله إذًا مِنْ دمك ولكن ثم سيفك وارجع
إلى أبيك.ولما رأى الصحابة أن الأمر استفحل وأن السيل بلغ الزبى عزم بعضهم على الدفاع عنه دون استشارته فدخل
بعضهم الدار مستعدا للقتال فقد كان ابن عمر معه في الدار متقلدا سيفه لابسا درعه ليقاتل دفاعا عن عثمان رضي الله
عنه ولكن عثمان رضي الله عنه عزم عليه أن يخرج من الدار خشية أن يتقاتل مع القوم عند دخولهم عليه فيقتل كما لبسه
مرة أخرى.قال سليط بن سليط.نهانا عثمان عن قتالهم ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارها.وبذلك يظهر
زيف ما اتهم به الصحابة مهاجرين وأنصارا من تخاذل عن نصرة عثمان رضي الله عنه وكل ما روي في ذلك فإنه لا يسلم
من علة إن لم تكن عللا قادحة في الإسناد والمتن جميعا.وكذالك كان موقف أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات رضي الله
عنهن جميعا.فكان موقف أم حبيبة أم المؤمنين من المواقف البالغة الخطر في هذه الأحداث وهو موقف كان من الخطورة
بحيث كادت رضي الله عنها أن تقتل فيه ذلك أنه لما حوصر عثمان رضي الله عنه ومنع عنه الماء سرَّح عثمان ابنا لعمرو
بن حزم الأنصاري من جيران عثمان رضي الله عنه إلى علي بأنهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء
فافعلوا وإلى طلحة وإلى الزبير وإلى عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة.وكانت
أم حبيبة معنية بعثمان رضي الله عنه كما قال ابن عساكر وكان هذا طبيعيا منها حيث النسب الأموي الواحد جاءت أم حبيبة
فضربوا وجه بغلتها فقالت.إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل.
قالوا الفجرة الموتورون.كاذبة وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف فندت بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد مالت راحلتها فتعلقوا
بها وأخذوها وقد كادت تقتل فذهبوا بها إلى بيتها.ويبدو أنها رضي الله عنها أمرت ابن الجراح مولاها أن يلزم عثمان رضي
الله عنه فقد حدثت أحداث الدار وكان ابن الجراح حاضرا.وما فعلته أم حبيبة فعلت مثله صفية رضي الله عنهن جميعا.
فلقد روي عن كنانة.قال.كنت أقود بصفية لتردَّ عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت فقالت.ذروني لا
يفضحني هذا ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل عثمان تنقل عليه الطعام والماء.ولما حدث ما حدث لأم حبيبة رضي الله
عنها أعظمه الناس جدا فخرجت عائشة رضي الله عنها من المدينة وهي ممتلئة غيظا على المتمردين وجاءها مروان بن الحكم
فقال.أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل فقالت.أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ثم لا أجد من يمنعني
لا والله لا أُعَيَّر ولا أدري إلام يسلم أمر هؤلاء.ورأت رضي الله عنها أن خروجها ربما كان معينا في فض هذه الجموع كما
سيتضح من الرواية الآتية بعد وتجهزت أمهات المؤمنين إلى الحج محاولة منهن لتخليص عثمان رضي الله عنه من أيدي هؤلاء
المفتونين الذين كان منهم محمد بن أبي بكر أخو عائشة رضي الله عنها الذي حاولت أن تستتبعه معها إلى الحج لكي تبعده عن
الفتنه التي أنغمس فيها فأبى ولقد دلل على هذه المحاولة منها أن استتباعها له ورفضه كانا لافتين للنظر حتى إن حنظلة الكاتب قد
هاله رفض محمد لأن يتبع أم المؤمنين وقارن بين هذا الرفض وبين متابعته لأهل الأمصار قائلا.يا محمد تدعوك أم المؤمنين فلا
تتبعها وتدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحل فتتبعهم فأبى.فقالت عائشة رضي الله عنها.أما والله لو استطعت أن يحرمهم الله
ما يجولون لأفعلن.وهذا القول منها بعدما حاولته مع أخيها دليل على أنها قد بدأت محاولتها لفض الثائرين عن عثمان رضي الله
عنه ولإثارة الرأي العام عليهم منذ بدأ تفكيرهم في الذهاب إلى مكة وهذا هو ما أكد عليه الإمام ابن العربي قال.إنه يروي أن تغيبهم
أي تغيب أمهات المؤمنين مع عدد من الصحابة كان قطعا للشغب بين الناس رجاء أن يرجع الناس إلى أمهاتهم وأمهات المؤمنين
فيرعوا حرمة نبيهم ويستمعوا إلى كلمتهن التي طالما كانوا يقصدونها في كل الآفاق.أي أن خروجهم كان نوعا من التفريق لهذه
الجموع حيث كان معروفا عند الناس التماس رأيهن وفتاواهن وكن رضوان الله عليهن لا يتصورن أن يصل الأمر بهؤلاء الناس إلى
قتل الخليفة.وقد حاولت أسماء بنت عميس نفس المحاولة التي حاولتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن فبعثت إلى ابنيها محمد
بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فقالت.إن المصباح يأكل نفسه ويضيء للناس فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيكما فإن هذا
الأمر الذي تحاولون اليوم لغيركم غدا فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم فلجَّا وخرجا مغضبين يقولان.لا ننسى ما صنع بنا
عثمان.وتقول.ما صنع بكما ألا ألزمكما الله.وقيل الحديث كان بين ليلى بنت أسماء وأخويها.وهي في ذلك تشير إلى أنه لما جاء
أهل الأمصار وكروا راجعين إلى المدينة بعدما كانوا ناظروا عثمان رضي الله عنه فناظرهم وأقام عليهم الحجة فأظهروا أنهم راجعون
إلى بلادهم ثم ما لبثوا أن عادوا بدعوى أن عثمان رضي الله عنه بعث رسلا في قتل أناس كان منهم حسب دعواهم محمد بن أبي بكر
ولعل هذا هو ما يشير إليه محمد بن أبي بكر في قوله.لا ننسى ما صنع بنا عثمان.وقد نفى عثمان رضي الله عنه نسبة هذا الكتاب
إليه وقال.إما أن تقيموا شاهدين عليَّ بذلك وإلا فيميني أني ما كتبت ولا أمرت وقد يكتب على لسان الرجل ويضرب على خطه وينقش
على خاتمه.لقد كانت أسماء رضي الله عنها واعية بما يجري من تدبير خفي لزعزعة أحوال المسلمين وتنحية عثمان عن الخلافة
وهكذا فإن موقفها رضي الله عنها من ابنيها ووضوح الأمر عندها على هذا النحو الذي جعلها لا تتأثر في مقام الأمومة ولا تبدو إلا
محقة للحق في هذا الموقف الواضح هذا الموقف لا يستهان به ولا شك وهو يعد صورة جلية لعدالة هؤلاء الصحابة الكرام.ولما اشتد
حصار عثمان رضي الله عنه طلبت الصعبة بنت الحضرمي من ابنها طلحة بن عبيد الله أن يكلم عثمان رضي الله عنه كي يردعه عن
إصراره على إسلامه نفسه دون مدافعة من الصحابة واستنصار بأهل الأمصار فقد خرجت الصعبة بنت الحضرمي وقالت لابنها طلحة
بن عبيد الله.إن عثمان اشتد حصره فلو كلمته حتى تردعه.والرواية يبدو منها إشفاق الصعبة على عثمان رضي الله عنه كما يبدو
منها كذلك عناية أم عبد الله بن رافع بالأمر ومتابعتها لما يجري من أحداث الفتنة وهي التي روت عن الصعبة بنت الحضرمي الحادثة.
هذا هو الموقف العام لنساء المسلمين فقد كان موقفا معتدلا وقادرا على النظر السليم في المسألة رغم الغيوم التي كانت ملتبسة بها وهو
على كل حال كان هذا موقف الصحابة جميعا رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم.ولقد رجع عبد الله بن عباس رضي الله عنه قبل أن
يخرج للحج.وقال لعثمان رضي الله عنه.يا عثمان إن وقوفي على بابك أجاحف عنك.أي أدافع عنك.خير من الحج.فقال له عثمان
رضي الله عنه.لا حاجة في ذلك.وأمّره على الحج وأمره أن يذهب إلى الحج فأطاع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.وكتب عثمان
رضي الله عنه كتابا مع ابن عباس ليقرأ على المسلمين في الحج بيَّن فيه قصته مع الخوارج عليه وموقفه منهم وطلباتهم منه.وهذا نص
خطاب عثمان رضي الله عنه للمسلمين في موسم الحج عام 35 هجرية.(بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى
المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني أذكركم بالله جل وعز الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام
وهداكم من الضلالة وأنقذكم من الكفر وأراكم البينات وأوسع عليكم من الرزق ونصركم على العدو وأسبغ عليكم نعمته فإن الله عز وجل
يقول وقوله الحق.(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)إبراهيم 34.وقال عز وجل
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ.وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)آل عمران 102-105.وقال وقوله الحق(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي
وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)المائدة 7.وقال وقوله الحق(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ
بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ
اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ.فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
الحجرات 6-8.وقوله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنظُرُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)آل عمران 77.وقال وقوله الحق(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا
لأَنْفُسِكُمْ وَمَن يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)التغابن 16.وقال وقوله الحق(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا
وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ .وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ
أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ .وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)النحل 91-96.وقال وقوله الحق(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)النساء 59.وقال وقوله الحق(وَعَدَ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)النور 55.وقال وقوله الحق(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ
اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)الفتح 10.أما بعد.فإن الله عز
وجل رضي لكم السمع والطاعة والجماعة وحذركم المعصية والفرقة والاختلاف ونبأكم ما قد فعله الذين من قبلكم وتقدم إليكم فيه ليكون له الحجة
عليكم إن عصيتموه فاقبلوا نصيحة الله عز وجل واحذروا عذابه فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف إلا أن يكون لها رأس يجمعها
ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعا وسلط عليكم عدوكم ويستحل بعضكم حرمة بعض ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين وتكونوا
شيئا وقد قال الله جل وعز لرسوله صلى الله عليه وسلم.(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم
بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)الأنعام 159.وإني أوصيكم بما أوصاكم الله وأحذركم عذابه فإن شعيبا صلى الله عليه وسلم قال لقومه(وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي
أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنْكُم بِبَعِيدٍ .وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)هود 89، 90.
أما بعد.فإن أقواما مما كان يقول في هذا الحديث أظهروا للناس أنما يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحق ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها فلما
عرض عليهم الحق إذ الناس في ذلك شتى منهم آخذ للحق ونازع عنه حين يعطاه ومنهم تارك للحق ونازل عنه في الأمر يريد أن يبتزه بغير الحق طال
عليهم عمري وراث عليهم الإمرة فاستعجلوا القدر وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم ولا أعلم أني تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئا
كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود.فقلت.أقيموها على من علمتم تعداها في أحد أقيموها على من ظلمكم من قريب أو بعيد.قالوا.كتاب الله يتلى.
فقلت.فليتله من تلاه غيرغال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب.وقالوا.المحروم يرزق والمال يوفى ليستن فيه السنة الحسنة ولا يعتدى في الخمس
ولا في الصدقة ويؤمَّر ذو القوة والأمانة وترد مظالم الناس إلى أهلها فرضيت بذلك واصطبرت له.كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر
استعجلوا القدر ومنعوا مني الصلاة وحالوا بيني وبين المسجد وابتزوا ما قدروا عليه بالمدينة.كتبت إليكم كتابي هذا وهم يخبرونني إحدى ثلاث.
إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صوابا غير متروك منه شيء وإما أعتزل الأمر فيؤمِّرون آخر غيري وإما يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد
وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل الله سبحانه عليهم من السمع والطاعة.فقلت لهم.أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب
فلم يُسْتقد من أحد منهم وقد علمت أنما يريدون نفسي.وأما أن أتبرأ من الإمارة فأن يكلبوني أحب إليَّ من أن أتبرأ من عمل الله عز وجل وخلافته.
وأما قولكم.يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من طاعتي فلست عليكم بوكيل ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة ولكن أتوها
طائعين يبتغون مرضاة الله عز وجل وإصلاح ذات البين ومن يكن منكم يبتغي الدنيا فليس بنائل منها إلا ما كتب الله عز وجل له ومن يكن إنما يريد وجه
الله والدار الآخرة وصلاح الأمة وابتغاء مرضاة الله عز وجل والسنة الحسنة التي استن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده رضي
الله عنهما فإنما يجزي بذلكم الله وليس بيدي جزاؤكم ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم ولم يغن عنكم شيئا فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده فمن
يرض بالنّكث منكم فإني لا أرضاه له ولا يرضى الله سبحانه أن تنكثوا عهده وأما الذي يخيرونني فإنما كله النزع والتأمير فملكت نفسي ومن معي ونظرت
حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه وكرهت سنة السوء وشقاق الأمة وسفك الدماء فإني أنشدكم بالله وبالإسلام ألا تأخذوا إلا الحق وتعطوه مني وترك
البغي على أهله وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز وجل فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والمؤازرة في أمر الله فإن الله سبحانه.قال
وقوله الحق(وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)الإسراء 34.فإن هذه معذرة إلى الله ولعلكم
تذكرون.أما بعد.فإنني لا أبرئ نفسي (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)يوسف 53.وإن عاقبت أقواما
فما أبتغي بذلك إلا الخير وإني أتوب إلى الله عز وجل من كل عمل عملته وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلا هو إن رحمة ربي وسعت كل شيء إنه لا يقنط
من رحمة الله إلا القوم الضالون وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون وأنا أسأل الله عز وجل أن يغفر لي ولكم وأن يؤلف قلوب
هذه الأمة على الخير ويُكَرِّه إليها الفسق.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المؤمنون والمسلمون).قال ابن عباس رضي الله عنه.فقرأت هذا الكتاب
عليهم قبل التروية بمكة بيوم إنتهى.قال الشيخ السرجاني.الموقف كما نرى شديد الحساسية فعثمان رضي الله عنه يعلم تمامًا أن هذه القوة الصغيرة لن تصمد
أمام المتمردين وكان رضي الله عنه في انتظار المدد الذي يأتيه من الشام ومن البصرة والكوفة لكن المسافة إلى تلك الأماكن بعيدة وكان رضي الله عنه في
انتظار بني عمرو بن عوف قوم الزبير بن العوام ولم يكونوا قد جُمعوا بعد.فهو رضي الله عنه يرى أن القوة الموجودة بالمدينة ليست كافية ومن ثَمّ فلا
داعي لهذا الأمر الآن.وثَمّ شيء آخر من الأهمية بمكان هو أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان على يقين كامل أنه سيلقى الله شهيدًا وأنه سيموت في فتنة
وفي بلوى تصيبه وسوف يدخل الجنة على هذه البلوى وقد سمع هذا بأُذنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى]النَّجم 3.صلى الله عليه
وسلم.روى البخاري بسنده عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ.
اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ.وفي البخاري أيضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ.كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ
حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ.فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ.فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ
ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي.افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ.فَإِذَا عُثْمَانُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ.اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وعن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات.موتى والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه.ومعلوم
أن الخليفة الذي قتل مصطبرا بالحق هو عثمان فالقرائن تدل على أن الخليفة المقصود بهذا الحديث هو عثمان بن عفان رضي الله عنه إذن فعثمان رضي الله عنه
كان يرى أنه إذا كانت حياته ثمنًا لحل هذه الفتنة فهذا شيء مناسب جدًا في رأيه خاصة وأنه على يقين أن حياته ستذهب في هذا الأمر فلا بأس أن تذهب حياته
وتحفظ دماء سبعمائة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة حتى يحفظوا الأمة بعد ذلك ولا يتولى هؤلاء المتمردون الشرار الحكم في البلاد بعد ذلك
وهؤلاء الشرار حتى هذه اللحظة يطلبون عليًا رضي الله عنه أو طلحة أو الزبير وكلهم من الأخيار وهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم جميعًا فلو
عاش هؤلاء الصحابة يكون الحال أفضل بكثير من أن يقتلوا وتحكم هذه الثلة الباغية الدولة الإسلامية.وأمر آخر في غاية الأهمية أيضًا وهو أن عثمان بن عفان
رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين له الأمرعلى كل المسلمين وعليهم الطاعة فعندما يقول لهم.عزمت على من لي عليه طاعة ألا يقاتل.فلو قاتلوا بعد ذلك لكان
هذا عصيانًا له رضي الله عنه وأرضاه فقد وضعهم رضي الله عنه في دائرة ضيقة للغاية من دافع عنه فقد عصاه ومن عصاه فذلك خروج عليه وهو يرى هذا الرأي.
والصحابة رضي الله عنهم يعرفون مكانته رضي الله عنه في الإسلام وفضله وأنّ له رأيًا حكيمًا وربما يفكر في شيء لا يعرفونه هم وإن كان في ظاهر الأمر أن رأيه
خطأ فعليهم أن يطيعوه ما لم يكن معصية لأنه الخليفة.وهذا هو الحوار الذي نُقل إلينا وثبت أنه دار بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين رجل من التابعين يُسمى
سعيد الخزاعي وذلك بعد موقعة الجمل.قال سعيد.إني سائلك عن مسألة كانت منك ومن عثمان.فقال علي رضي الله عنه.سل عما بدا لك.فقال سعيد.أي منزلة وسعتك
إذ يقتل عثمان ولم تنصره.فقال علي رضي الله عنه.إن عثمان كان إمامًا وإنه نهى عن القتال وقال.من سلّ سيفه فليس مني.فلو قاتلنا دونه عصيناه.فقال سعيد.
فأي منزلة وسعت عثمان إذ يستسلم.قال علي رضي الله عنه.المنزلة التي وسعت ابن آدم إذ قال لأخيه.[لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي
أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ]المائدة 28.فسكت سعيد الخزاعي.قد يقول قائل.لِمَ لَمْ يتنازل عثمان رضي الله عنه عن الخلافة لعلي أو الزبير أو طلحة رضي الله عنهم
جميعًا وكلهم من الصحابة الأخيار.نقول.لو فعل ذلك لكان مخالفًا للشرع وللنص الصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ فَلَا تَخْلَعْهُ يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ
الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ فَلَا تَخْلَعْهُ يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ فَلَا تَخْلَعْهُ.وكرّر صلى الله
عليه وسلم ذلك ثلاث مرات وفي هذا دلالة واضحة على أن على عثمان رضي الله عنه أن يتمسك بهذا الأمر وتركه الأمر لهؤلاء المنافقين حينئذٍ إنما هو مخالفة واضحة لنصّ
حديث رسول صلى الله عليه وسلم والذي رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم.لا زال بعض الصحابة مترددًا في أمر هذه الفتنة العظيمة التي يبيت فيها الحليم حيرانًا
فيصف لهم مرة بن كعب مذكرًا لهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.روى الترمذي بسنده عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ.لَوْلَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُمْتُ وَذَكَرَ الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ
فِي ثَوْبٍ فَقَالَ.هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى.فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ.فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَقُلْتُ.هَذَا.قَالَ.نَعَمْ.قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي.هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ورواه ابن ماجه وصححه الألباني.إذن فلو أن هناك خلافًا في الرأي فالحق مع عثمان بن عفان رضي الله عنه بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبشهادته وهو صلى
الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.كان هذا الأمر في غاية الصعوبة على الصحابة رضي الله عنهم إذ كيف يتركون عثمان رضي الله عنه وهو أفضل مخلوق على وجه الأرض
يومئذٍ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد زوّجه الرسول صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى ففي قلوب الصحابة رضي الله
عنهم شيء عظيم من الأسى والحزن وهم مع ذلك لا يستطيعون الدفاع عنه حتى لا يقعوا في معصيته فرجعوا رضي الله عنهم إلى بيوتهم وتأولّوا الأمر وقالوا.إن كان قد أقسم
علينا ألا نردّ عنه فهو لم يقسم على أبنائنا.فأرسل علي رضي الله عنه الحسن والحسين رضي الله عنهما وفي هذا دلالة قوية على دحض من يزعمون أن عليً رضي الله عنه
قد تخلّى عن عثمان رضي الله عنه في محنته لأنه لم يكن راضيًا عن سياسته فها هو رضي الله عنه يرسل فلذتي كبده للدفاع عن أخيه وصاحبه ذي النورين رضي الله عنه
وأرسل الزبير بن العوام ابنه عبد الله بن الزبير وأرسل طلحة بن عبيد الله ابنه محمد بن طلحة وهكذا فعل كثير من الصحابة رضي الله عنهم جميعًا واجتمع أبناء الصحابة رضي
الله عنهم جميعًا في بيت عثمان رضي الله عنه وأمّروا عليهم عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه وبدءوا في الدفاع عن عثمان رضي الله عنه.ودخل عبد الله بن عمر
على عثمان رضي الله عنه وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه يرى ما يرى عثمان من الرأي بعدم التصادم مع هؤلاء المتمردين وإن أدى ذلك إلى قتله فقال له عثمان.
انظر إلى هؤلاء يقولون.اخلع نفسك أو نقتلك.فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه.أمخلّد أنت في الدنيا.فقال لا.فقال هل يزيدون على أن يقتلوك.فقال لا.فقال هل يملكون
لك جنة أو نارًا.فقال لا.فقال ابن عمر رضي الله عنه.فلا تخلع قميصًا قمّصه الله لك فتكون سنة كلما كره قومٌ خليفتهم خلعوه أو قتلوه إنتهى.قال الشيخ الفحل.قال ابن تيمية
رحمه الله.ومن المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء وأصبر الناس عمن نال من عرضه وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا في قتله وقد عرف إرادتهم
لقتله وقد جاء المسلمون ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم وهو يأمر الناس بالكف عن القتال ويأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم.وقيل له تذهب إلى مكة.فقال.لا أكون ممن ألحد في الحرم
فقيل له.تذهب إلى الشام.فقال.لا أفارق دار هجرتي.فقيل له.فقاتلهم.فقال.لا أكون أول من خلف محمدا في أمته بالسيف فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند
المسلمين.وكان آخر لقاء عام لعثمان رضي الله عنه مع المسلمين بعد أسابيع من الحصار الذي أستمر أربعون يوما حيث دعا الناس.فاجتمعوا له جميعا المحارب الطارئ من السبئيين
الموتورون والمسالم المقيم من أهل المدينة وكان في مقدمة القادمين.علي وطلحة والزبير فلما جلسوا أمامه قال لهم.إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكم
الدنيا لتركنوا إليها وإن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية وآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله واتقوا الله عز وجل
فإن تقواه جُنَّة ووقاية من بأسه وانتقامه والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزابا قال تعالى(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)آل عمران 103.ثم قال للمسلمين.يا أهل المدينة.إني أستودعكم الله وأسأله
أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي وإني والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضى الله فيَّ قضاءه ولأدعَنَّ هؤلاء الخوارج وراء بابي ولا أعطيهم شيئا يتخذونه عليكم دَخَلا في
دين أو دنيا حتى يكون الله هو الصانع في ذلك ما أحب وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمد وابن الزبير وأشباهًا لهم فجلسوا على باب عثمان رضي الله
عنه عن أمر آبائهم وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان رضي الله عنه الدار حتى أتاه أجله.وبعد إعلان المتمردين تخيير الخليفة بين القتل أو الخلع خرج إليهم رضي الله عنه وأرضاه
من شرفة بيته وقال لهم.يا قوم علام تقتلونني.فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ أَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ
الْقَوَدُ أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ.فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحدا فأقِد نفسي منه ولا ارتددت منذ أسلمت إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فبم
تقتلونني.رواه النسائي وأحمد ورواية أخرى بلفظ قريب لأبي داود والترمذي وقال.حديث حسن.ولم ينصرف المتمردون بل تحكم الشيطان والهوى من قلوبهم وخرج لهم عثمان رضي
الله عنه في يوم آخر وقال لهم.والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي ولا تصلوا جميعًا أبدًا ولا تقاتلوا جميعًا أبدًا عدوًا.وقد صدق رضي الله عنه فبعدما قُتل انحل العقد ودارت الفتنة منذ
هذا العهد حتى وقتنا هذا.وفي الفترة من 15 إلى 18 ذي القعدة بدأ المتمردون يدخلون في مرحلة جديدة وهي أنهم منعوا الطعام والشراب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه
ولما علم عثمان رضي الله عنه ذلك خرج لهم وقال.أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال.مَنْ يَشْتَرِي هَذِهِ الْبُقْعَةَ مِنْ خَالِصِ
مَالِهِ فَيَكُونُ فِيهَا كَالْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ.فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين.ثم قال.أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن بها بئر يُستعذب منه إلا بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ
مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ.فاشتريتها من خالص مالي وأنتم تمنعوني أن أشرب منها شربة.ثم قال.هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة.فقالوا نعم.فقال اللهم اشهد.ودخل إلى بيته.أخرجه
الترمذي والنسائي.تحمّس بعض الصحابة لشدة هذا الأمر إذ كيف يمنع الطعام والماء عن خليفة المسلمين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علي بن أبي طالب رضي الله
عنه فحمل الماء في قربة وركب على بغلته ودخل بين صفوف المتمردين وهم يقرّعونه بغليظ الكلام وهو يزجرهم وينهاهم حتى قال لهم.والله إن فارس والروم لا يفعلون كفعلكم هذا
بهذا الرجل والله إنهم ليأسرون فيسقون ويطعمون.فلقد تمكن الشيطان من قلوب هؤلاء المجرمين الموتورون فمنعوا الماء أن يدخل إلى عثمان رضي الله عنه ولم يكن يصل إليه ماءٌ
إلا من جاره الملاصق له عمرو بن حزام وهذا في أول يومين فقط وفي اليوم الثالث منعوا الماء تمامًا وهو يوم 17 من ذي الحجة سنة 35 هجرية.وفي هذا اليوم يعلم المتمردون أن
جيوش الشام والبصرة والكوفة قد اقتربت من المدينة فخافوا من ذلك وكانت الجيوش القادمة ضخمة فقد أرسل معاوية رضي الله عنه جيشًا كان على رأسه حبيب بن مسلمة وعلى رأس
جيش الكوفة القعقاع بن عمرو التميمي وعلى رأس جيش البصرة مجاشع بن مسعود وعلى رأس الجيش القادم من مصر معاوية بن حبيش.أما الأمراء فقد مكثوا في بلادهم حتى لا تحدث
الفتن في الأمصار التي هم عليها إن تركوها بستثنئ مصر التي غلب عليها محمد بن حذيفة وقدموا مع الجيوش إلى المدينة.عندما علم المتمردون بهذا الأمر عزموا عزمًا أكيدًا على قتل
عثمان رضي الله عنه والانتهاء من أمره قبل دخول هذه الجيوش إلى المدينة المنورة.في يوم الخميس السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة 35 من الهجرة يصبح عثمان بن عفان رضي
الله عنه صائمًا ويحاول الصحابة رضي الله عنهم إيصال الماء إليه لكنهم لا يستطيعون ويأتي وقت المغرب دون أن يجد رضي الله عنه شيئًا يفطر عليه لا هو ولا أهل بيته ويكمل بقية الليل
دون أن يفطر وفي وقت السحر استطاعت زوجته نائلة بنت الفرافصة أن تحصل على بعض الماء من البيت المجاور خفية ولما أعطته الماء وقالت له.أفطر نظر رضي الله عنه من النافذة
فوجد الفجر قد لاح فقال.إني نذرت أن أصبح صائمًا.فقالت نائلة.ومن أين أكلتَ ولم أرَ أحدًا أتاك بطعام ولا شراب.فقال رضي الله عنه.إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
اطّلع عليّ من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال.اشرب يا عثمان.فشربت حتى رويت ثم قال.ازدد.فشربت حتى نهلت ثم قال صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه.أما إن
القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت وإن تركتهم أفطرت عندنا.فاختار رضي الله عنه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لشوقه إليه ولِيَقِينِهِ بأنه سوف يلقى الله شهيدًا ببشارة
رسول الله صلى الله عليه وسلم له من قبل.في صباح هذا اليوم الجمعة 18 من ذي الحجة سنة 35 هـ، يدخل كثير بن الصلت أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له.يا أمير
المؤمنين اخرج فاجلس في الفناء أي فناء البيت فيرى الناس وجهك فإنك إن فعلت ارتدعوا.وذلك لهيبته رضي الله عنه فقد كان عمره رضي الله عنه أكثر من اثنين وثمانين سنة.فقال
عثمان رضي الله عنه.يا كثير رأيت البارحة وكأني دخلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعمر فقال.ارجع فإنك مفطر عندي غدًا.ثم قال عثمان رضي الله عنه.
ولن تغيب الشمس هذا اليوم والله إلا وأنا من أهل الآخرة.وخرج كثير بن الصلت رضي الله عنه بأمر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأمر عثمان رضي الله عنه بالسراويل أن تُعدّ له
لكي يلبسها وكان من عادته رضي الله عنه ألا يلبسها في جاهلية ولا إسلام وقد لبسها رضي الله عنه لأنه خشي إن قُتل أن يتكشف وهو رضي الله عنه شديد الحياء فلبس السراويل.
وأخذ عثمان رضي الله عنه يصلي صلاة نافلةٍ.في هذا الوقت كان أهل الفتنة يفكرون بشكل حاسم وسريع في قتل عثمان رضي الله عنه خاصة مع علمهم باقتراب الجيوش الإسلامية
المناصرة للخليفة رضي الله عنه في المدينة المنورة.فدخل رجل يُسمى كنانة بن بشر التجيبي وكان من رءوس الفتنة بشعلة من نار وحرق بابَ بيتِ عثمان رضي الله عنه وسقيفته
ودخل ومعه بعض رجال الفتنة فثار أهل الدار وعثمان رضي الله عنه يمنعهم فقاتلهم الصحابة الموجودن وهم المغيرة بن الأخنس والحسن بن علي ومحمد بن طلحة وسعيد بن العاص
ومروان بن الحكم وأبو هريرة ونيار بن عبد الله الأسلمي وزياد الفهري فأبلوا أحسن البلاء وعثمان رضي الله عنه يرسل إليهم في الانصراف دون قتال ثم ينتقل إلى صلاته فاستفتح
قوله تعالى(طه.مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى.إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى)طه 1-3.حتى إذا أتى إلى نهايتها قبل أن يصلوا إليه وفي إثناء نشوب القتال ناداهم عثمان رضي الله عنه الله
الله أنتم في حل من نصرتي فأبوا ودخل غلمان عثمان لينصروه فأمرهم ألا يفعلوا بل إنه أعلن أنه من كف يده منهم فهو حر.وقال عثمان رضي الله عنه في وضوح وإصرار وحسم
وهو الخليفة الذي تجب طاعته أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه.واستطاع عثمان أن يقنع المدافعين عنه وألزمهم بالخروج من الدار وخلى بينه وبين
المحاصرين فلم يبق في الدار إلا عثمان وآله وليس بينه وبين المحاصرين مدافع ولا حام من الناس وفتح باب الدار بعد أن خرج من في الدار ممن كان ثم دعا فجلس وقرأ(قَدْ خَلَتْ مِن
قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)آل عمران 137.ومن ثم نشر المصحف الكريم بين يديه وأخذ يقرأ منه وكان إذ ذاك صائما فإذا برجل من المحاصرين
لم تسمه الروايات يدخل عليه فلما رآه عثمان رضي الله عنه قال له بيني وبينك كتاب الله فخرج الرجل وتركه وما إن ولى حتى دخل آخر يسمونه(الموت الأسود)قيل إنه عبد الله بن سبأ
فخنق عثمان بن عفان رضي الله عنه خنقًا شديدًا حتى ظن أنه مات فتركه وانصرف.وذهب محب الدين الخطيب إلى أن القاتل.هو عبد الله بن سبأ حيث قال.ومن الثابت أن ابن سبأ
كان مع ثوار مصر عند مجيئهم من الفسطاط إلى المدينة وهو في كل الأدوارالتي مثلها كان شديد الحرص على أن يعمل من وراء ستار فلعل(الموت الأسود)اسم مستعار له أراد أن
يرمز به إليه ليتمكن من مواصلة دسائسه لهدم الإسلام.وقد يشهد له.أن ابن سبأ أسود البشرة فقد صح عن علي أنه وصفه بالخبث وسواد البشرة وذلك في قوله.الخبيث الأسود إنتهى.
قال الشيخ السرجاني.ودخل بعد ذلك محمد بن أبي بكر الصديق وكان يظنه قد مات فوجده حيًّا فقال له.على أي دين أنت يا نعثل.ونعثل هذه سُبّة تُقال للشيخ الأحمق وللظبي كثير الشعر.
فقال عثمان رضي الله عنه وأرضاه.على دين الإسلام ولست بنعثل ولكني أمير المؤمنين.فقال.غيّرت كتابَ الله.فقال عثمان رضي الله عنه.كتاب الله بيني وبينكم.فتقدم إليه وأخذ
بلحيته وهزّه منها.حتى سمع وقع أضراسه فقال.ما أغنى معاوية.ما أغنى عنك ابن عامر.ما أغنت كتبك.وقال.إنا لا نقبل أن نكون يوم القيامة مما يقول.[رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا
وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا]الأحزاب 67.فإلى هذه اللحظة ومحمد بن أبي بكر الصديق وبعض أفراد الفتنة يظنون أنهم يفعلون الخير بقتلهم أو خلعهم لعثمان رضي الله عنه فهو يحاول القتل
أو الخلع للخليفة طاعة لله ونجاة من النار وهذا بلا شك من تلبيس إبليس عليهم.فقال عثمان رضي الله عنه.يا ابن أخي لست بصاحبي إنك أمسكت لحية كان أبوك يكرمها.مهلاً يا ابن أخي
فوالله لقد أخذت مأخذاً ما كان أبوك ليأخذ به.فلما قال له عثمان رضي الله عنه ذلك وضحت الحقيقة فجأةً أمام محمد بن أبي بكر الصديق.وكأن عثمان رضي الله عنه أزال بهذه الكلمات
غشاوة كانت تحجب الحق والصواب عن قلب محمد بن أبي بكر وتذكر تاريخ عثمان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبيه الصديق رضي الله عنه ومع المسلمين
فاستحيا محمد بن أبي بكر وخارت يده من على لحية عثمان بن عفان رضي الله عنه وبكى ثم وقف وتركه وانصرف فوجد القوم يدخلون على عثمان رضي الله عنه فأمسك سيفه وبدأ يدافع
عن عثمان رضي الله عنه ولكنهم غلبوه فلم يستطع أن يمنعهم ويشهد بذلك نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان رضي الله عنه.ثم دخل على عثمان رضي الله عنه كنانة بن بشر الملعون
وحمل السيف وضربه به فاتّقاه عثمان رضي الله عنه بيده فقطع يده.فقال عثمان رضي الله عنه عندما ضُرب هذه الضربه.بسم الله توكلت على الله.فتقطرت الدماء من يده فقال.إنها أول
يد كتبت المفصل.ثم قال.سبحان الله العظيم.والمفصل يبدأ من سورة ق حتى آخر القرآن الكريم.وتقاطر الدم على المصحف وتثبت جميع الروايات أن هذه الدماء سقطت على كلمة
[فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ]البقرة 137.(بعد ذلك أخذ الغافقي حديدة ونزل بها على رأس عثمان رضي الله عنه فضربه بها ورَكَسَ المصحف برجله فطار المصحف واستدار ورجع في حضن عثمان
فخرّ رضي الله عنه على جنبه).(وهمّ كنانة الملعون بالسيف ليضربه في صدره فانطلقت نائلة بنت الفرافصة تدافع عن زوجها ووضعت يدها لتحمى زوجها من السيف فقُطعت بعض أصابعها
بجزء من كفها فولت صارخة تطلب النجدة فضربها في مؤخرتها).وطعن كنانةُ عثمانَ رضي الله عنه في صدره.ثم قام سودان بن حمران بحمل السيف وطعن عثمان رضي الله عنه في بطنه
فمال رضي الله عنه إلى الأرض متسلقيا فقفز على بطنه واتّكأ على السيف بجسده ليتأكد من اختراق السيف لجسد عثمان رضي الله عنه.ومات رضي الله عنه وأرضاه شهيدا بعد هذه الضربة.
ثم قفز عليه عمرو بن الحمق وطعنه في صدره بخنجر تسع طعنات.وقال.هذه الثلاثة الأولى لله وهذه الست لشيء في نفسي.استشهد ذو النورين عثمان رضي الله عنه وأرضاه زوج ابنتي
الرسول صلى الله عليه وسلم والمبشَّر بالجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع وثالث الخلفاء الراشدين وقد لَقِيَ بعد استشهاده رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وعده بذلك.
بعد أن قتل هؤلاء الخوارج المجرمون عثمان رضي الله عنه أخذوا ينهبون ما في بيته ويقولون.إذا كان قد أُحلّ لنا دمه أفلا يحل لنا ماله.وأخذوا كل شيء حتى الأكواب ولم يتركوا شيئًا ثم همّوا بعد
ذلك أن يقطعوا رأس عثمان رضي الله عنه فصرخت نائلة وأم البنين زوجتاه.وصرخت بناتُه فقال عبد الرحمن بن عديس وهو أحد رءوس الفتنة.اتركوه.فتركوه إنتهى.قال الشيخ الفحل.وبينما
هم خارجون قفز غلامٌ لعثمان رضي الله عنه وكان يسمى.نجيح.على سودان بن حمران أحد قتلة عثمان رضي الله عنه فقتله فقام رجل من أهل الفتنة يُسمّى قترة فقتل الغلام فقام غلامٌ آخر
اسمه.صبيح.وقتل قترة وهجم أحد السبئيين ويدعى كلثوم التجيبي على امرأة عثمان رضي الله عنه نائلة ونهب الملاءة التي عليها ثم غمز وركها وقال لها.ويح أمك من عجيزة ما أتمك فرآه
غلام عثمان صبيح وسمعه وهو يتكلم في حق نائلة هذا الكلام الفاحش فعلاه بالسيف فقتله فقام القوم وقتلوا الغلام الثاني.ففي هذا الحدث قُتل عثمان رضي الله عنه واثنين من غلمانه وقُتل أيضًا
بعض الصحابة وبعض أبنائهم فمن هم المغيرة بن الأخنس ونيار بن عبد الله الأسلمي وزياد الفهري.وجُرح عبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم كما جُرح الحسن والحسين
رضي الله عنهم جميعًا.ثم توجه هؤلاء الفجرة الخوارج إلى بيت مال المسلمين وحاولوا أن يأخذوا المال وهذا يؤكد لنا أنه ما أخرجهم إلا حب الدنيا فصرخ حراس بيت المال.النجا النجا.ولكن
غلبهم أهل الفتنة واستطاعوا الاستيلاء على أموال كثيرة من بيت المال وصاح حفظة بيت المال.والله إنهم قوم يريدون الدنيا وما أرادوا الإصلاح كما قالوا.أما الجيوش التي كانت على مشارف
المدينة مرسلة من ولاة عثمان رضي الله عنه فقد رجعت إلى أمرائها بعد معرفتها بمقتل عثمان وتولية عليّ رضي الله عنهما.
خليفةَ الجودِ ذا النوريْنِ عثمانَا
بدرَ الصحابةِ إنفاقاً وإحسانا
نِلْتَ المحبةَ في قلبِ النبيِّ ومنْ
سواكَ بِنْتَاهُ مِنْ أزواجِه كانا
لكَ الحياءُ الذي مِنْ صدقِه خجلتْ
ملائكُ اللهِ لمَّا فاضَ إيمانا
للهِ دَرُّكَ في بذلٍ وفي كرمٍ
يا مَنْ تلوَّن فيهِ الخيرُ ألوانا
بذلتَ نفسَكَ للإسلامِ تنصرُهُ
والمالَ ترسلُهُ حباً وقربانا
يا مَنْ لهُ بيعةُ الرِّضوانِ قدْ عُقِدَتْ
والمؤمنونَ جَنَوْا عفواً وغفرانا
وكَفُّ أحمدَ قدْ نابتْ مبايعةً
عن كفِّهِ فَغَدَتْ يُمْنَاهُ عثمانا
لكَ الفضيلةُ في الآياتِ تجمعُها
كما أرادَ لها الرحمنُ قرآنا
تبًّا لقومٍ عليكَ الغدرَ قد جَمعُوا
وحاصروك بيومِ الدارِ عدوانا
يَذُبُّ عنك بنو الزهراء ما بَخِلُوا
بالنفسِ دونكَ أنصاراً وأعوانا
حتى مضيتَ شهيداً والكتابُ على
كفَّيْكَ يَعْبِقُ في الأرجاءِ رَيْحَانا
ما هو ردّ فعل الصحابة رضوان الله عليهم تجاه مقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وماذا قالوا عنه في
ذكر فضائله ومناقبه ومآثرة ومكارمة وماذا قال عنه السلف الصالح أهل السنة والجماعة.هذا الأمر من الأهمية
بمكان حيث إنه يُذكر بصورة مشوهة في كتب الشيعة ويشيرون إلى أن الصحابة رضي الله عنهم قد سعدوا بمقتل
عثمان رضي الله عنه لأنه كان مخالفًا لما هم عليه وكانوا يعارضون استمراره في الحكم ومثل هذه الأكاذيب والأغاليط.
عندما علم الصحابة رضي الله عنهم بهذا الأمر وعلموا أمرًا آخر عجيبًا فالقتلة بعدما فعلوا هذه الجريمة النكراء فعلوا
كما فعل أصحاب موسى عليه السلام لما عبدوا العجل فقد ندموا على هذا أشد الندم ويخبر الله عز وجل عن أصحاب
موسى في كتابه الكريم قال تعالى[وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ
مِنَ الخَاسِرِينَ]الأعراف 149.فهؤلاء القتلة بعد أن شاهد كثيرٌ منهم الدماء وشاهدوا عثمان بن عفان رضي الله
عنه طريحًا على الأرض شعروا بجرمهم وبسوء ما فعلوا فندموا على ذلك ونُقل إلى الصحابة رضي الله عنهم هذا
الأمر فقال الزبير بن العوام رضي الله عنه.إنا لله وإنا إليه راجعون.ثم ترحّم على عثمان رضي الله عنه وبلغه
أن الذين قتلوه ندموا فقال.تبًّا لهم.ثم تلا قوله تعالى[مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ.فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ]يس 49،50.ولما بلغ عليً رضي الله عنه هذا الخبر وقيل.كان
بحضرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما بلغه هذا الخبر الحسن والحسين وعبد الله بن الزبيرومحمد
بن طلحة بن عبيد الله فلطمَ الحسينَ وضرب الحسنَ في صدره وسبَّ عبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة وقال
لهم.كيف يُقتل وهو بين أيديكم.ثم قال.اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان.ثم قالوا له.إنهم قد ندموا على
ما فعلوا.فقال لهم[كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ]
الحشر 16.وعندما دخل علي على عثمان رضي الله عنهما وهو مقتول فوقع عليه وجعل يبكي فظنوا أنه سيلحق
به من شدة ما ألَمَّ به.ولما بلغ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أمْر قتل عثمان رضي الله عنه استغفر له
وترحم عليه وتلا في حق الذين قتلوه.[قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا.الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا]الكهف 103،104.ثم قال سعد.اللهم اندمهم ثم خذهم.ودعوته رضي الله عنه
مستجابه لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يكون مستجاب الدعوة واستجاب الله عز وجل لدعوته فقد
أقسم بعض السلف بالله.إنه ما مات أحد من قتلةِ عثمان إلا مقتولا وتأخر بعض هؤلاء القتلة إلى زمن الحجاج وقُتل
على يده ولم يفلت أحد منهم من القتل وباءوا بشَرَّيْ الدنيا والآخرة.ووصل هذا الخبر إلى عائشة رضي الله عنها
وأرضاها وكانت في مكة المكرمة هي وجميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم للحج وكُنّ في طريقهن إلى المدينة
عائدات من الحج حين بلغهم مقتل عثمان رضي الله عنه فرجعن إلى مكة مرة أخرى ولما علمت عائشة رضي الله عنها
بمقتل عثمان رضي الله عنه قالت.تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش.فقال لها
مسروق وهو من كبار التابعين.هذا عملكِ أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه.فقالت.لا والذي آمن به
المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا.وصدقت رضي الله عنها
وأرضاها فيما قالت.قال الأعمش.فكانوا يرون أنه كُتب على لسانها.وكما ذكرنا أن رءوس الفتنة كانوا يُزَوّرون
الخطابات التي تسيء إلى عثمان رضي الله عنه وينسبونها إلى الصحابة كذبًا وافتراءً وزورا حتى يؤججوا نار الفتنة
ويصلوا إلى ما يريدون.وبعد أن رجع أمهات المؤمنين إلى مكة انتظرن إلى أن يرين ما تصير إليه الأمور.فلما قتل
عثمان رضي الله عنه في هذا اليوم الجمعة 18 من ذي الحجة 35 هجرية قام الصحابة بدفن عثمان رضي الله عنه
قبل صلاة المغرب حيث تقدم مجموعة من الصحابة إلى بيته وصلوا عليه في بيته بين المغرب والعشاء وهذا على أصح
الأقوال وبعض الروايات تقول أنهم صلوا عليه في اليوم الثاني وتقول روايات أخرى أنهم صلّوا عليه في اليوم الثالث
وأصحها القول الأول.وحمله الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا إلى مكان خارج المدينة يُسمى.حش كوكب.وهو غير
المكان الذي يَدفن فيه أهل المدينة موتاهم وقد ذهب به الصحابة رضوان الله عليهم إلى هذا المكان لأنهم كانوا يخشون
عليه من أهل الفتنة أن يخرجوا جسده ويمثّلوا به أو أن يقطعوا رأسه رضي الله عنه كما حاولوا ذلك بعد قتله.روى
الإمام مالك رضي الله عنه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه عندما كان يمرّ على هذا المكان وهو حي.حش كوكب.
كان يقول.يُدفن هاهنا رجل صالح.وبعد أن دُفن رضي الله عنه حمل الصحابةُ رضي الله عنهم الرقيقين اللذين قُتلا
في بيته رضي الله عنه ودفنوهما بجواره رضي الله عنهم جميعًا.وحتى نعلم ما كان في قلوب هؤلاء الفجرة من حقد
دفين على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه يروى عن محمد بن سيرين قال.كنت أطوف بالكعبة وإذا
رجل يقول.اللهم اغفر لي وما أظن أن تغفر لي.فقلت.يا عبد الله ما سمعت أحدا يقول ما تقول.قال.كنت أعطيت
الله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون يصلون عليه
فدخلت كأني أصلي عليه فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه ولحيته ولطمته وقد يبست يميني.قال ابن سيرين.
فرأيتها يابسة كأنها عود.وقد ترك عثمان رضي الله عنه في بيته وصية كان فيها.هذه وصية عثمان.بسم الله
الرحمن الرحيم عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن الجنة حق
وأن النار حق وأن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد عليها يحيى وعليها يموت وعليها
يبعث إن شاء الله تعالى إنتهى.قال الشيخ الفحل أخرج خليفة في تاريخه عن عبد الأعلى بن الهيثم عن أبيه قال.
قلت للحسن.أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار قال.لا كانوا أعلاجا من أهل مصر.وقال الإمام
النووي.ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل سفلة الأطراف والأراذل
تحزبوا وقصدوه من مصر فعجز الصحابة الحاضرون عن دفعهم فحصروه حتى قتلوه.وقد وصفهم الزبير بأنهم غوغاء
من الأمصار ووصفتهم عائشة بأنهم نُزَّاع القبائل.ووصفهم ابن سعد بأنهم حثالة الناس متفقون على الشر.ووصفهم
ابن تيمية بأنهم خوارج مفسدون وضالون باغون معتدون.ووصفهم الذهبي بأنهم رؤوس شر وجفاء.ووصفهم ابن العماد
الحنبلي في الشذرات بأنهم أراذل من أوباش القبائل.ويشهد على هذا الوصف تصرف هؤلاء الرعاع منذ الحصار إلى قتل الخليفة
ظلما وعدوانا فكيف يمنع الماء عنه والطعام وهو الذي طالما دفع من ماله الخاص ما يروي ظمأ المسلمين بالمجان وهو الذي ساهم
بأموال كثيرة عندما يلم بالناس مجاعة أو مكروه وهو الدائم العطاء عندما يصيب الناس ضائقة أو شدة من الشدائد.وكان علي
وآل البيت يجلونه ويعترفون بحقه فكان.أول من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف علي بن أبي طالب.وعن قيس بن عباد قال.
سمعت علي وذكر عثمان رضي الله عنهما فقال.هو رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.ألا أستحي ممن تستحي منه
الملائكة.وقد شهد له بالجنة.فعن النزال بن سبرة قال.سألت علي عن عثمان فقال.ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين
كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه ضُمن له بيت في الجنة.وكان طائعا معترفا بإمامته وخلافته لا يعصي له أمرا.
فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن الحنفية عن علي.قال لو سيرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت.والصرار.هو الخيط
الذي تشد به التوادي على أطراف الناقة لئلا يرضعها ولدها وفيه دليل على مدى اتباعه وطاعته لعثمان رضي الله عنهما.ولما جمع
عثمان رضي الله عنه الناس على قراءة واحدة بعد استشارة الصحابة رضوان الله عليهم وإجماعهم على ذلك قال علي.لو وليت الذي
ولى لصنعت مثل الذي صنع.ولقد أنكر علي قتل عثمان رضي الله عنهما وتبرأ من دمه وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم
يقتله ولا أمر بقتله ولا مالأ ولا رضي وقد ثبت ذلك عنه بطرق تفيد القطع خلافا لما تزعمه الرافضة من أنه كان راضيا بقتل عثمان
رضي الله عنهما.وقال الحاكم بعد ذكر بعض الأخبار الواردة في مقتله.فأما الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب فإنه كذب وزور فقد تواترت الأخبار بخلافه.وقال ابن تيمية.وهذا كله كذب على عليٍّ وافتراء عليه فعلي لم يشارك في دم
عثمان ولا أمر ولا رضي وقد روى عنه ذلك وهو الصادق البار.وقد قال علي.اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان.وروى الحاكم
بإسناده عن قيس بن عباد قال.سمعت علي يوم الجمل يقول.اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت
نفسي وجاءوني للبيعة فقلت.والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.ألا أستحي
ممن تستحي منه الملائكة.وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد فانصرفوا فلما دفن رجع الناس فسألوني
البيعة فقلت.اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا.يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي وقلت.اللهم خذ مني
لعثمان حتى ترضى.وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن الحنفية قال.بلغ علي أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد قال.فرفع يده
حتى بلغ بهما وجهه فقال.وأنا ألعن قتلة عثمان لعنهم الله في السهل والجبل قال مرتين أو ثلاثا.وروى ابن سعد بسنده عن ابن عباس
أن علي قال.والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ولكني نهيت والله ما قتلت عثمان ولا أمرت ولكني غلبت قالها ثلاثا.وجاء عنه أيضا
أنه قال.من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من الإيمان والله ما أعنت على قتله ولا أمرت ولا رضيت.وقال علي عن عثمان.كان أوصلنا
للرحم وأتقانا للرب تعالى.وعن أبي عون قال.سمعت محمد بن حاطب قال.سألت علي عن عثمان فقال.هو من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم
آمنوا ثم اتقوا.ولم يختم الآية.عن عميرة بن سعد قال.كنا مع عليٍّ على شاطئ الفرات فمرت سفينة مرفوع شراعها فقال علي.يقول
الله عز وجل(وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلاَمِ)الرحمن 24.والذي أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن حاطب قال.سمعت علي يقول.(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)
الأنبياء 101.منهم عثمان وقال علي.إنما وهنت يوم قتل عثمان.وقد اعتنى الحافظ ابن عساكر بجمع الطرق الواردة عن علي أنه
تبرأ من دم عثمان رضي الله عنه وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ولا رضي بذلك ثبت ذلك عنه من طرق تفيد القطع
عند كثير من أئمة الحديث.روى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس أنه قال.لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمى
قوم لوط.وقال في مدح عثمان رضي الله عنه وذم من ينتقصه.رحم الله أبا عمرو كان والله أكرم الحفدة وأفضل البررة هجَّادا بالأسحار
كثير الدموع عند ذكر النار نهَّاضا عند كل مكرمة سبَّاقا إلى كل محنة حبيبًا أبيًّا وفيًّا صاحب جيش العسرة ختن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأعقب الله على من يلعنه لعنة اللاعنين إلى يوم الدين.وروى ابن عساكر بإسناده إلى السدي قال.أتيته أي زيد وهو في بارق حي
من أحياء الكوفة فقلت له.أنتم سادتنا وأنتم ولاة أمورنا فما تقول في أبي بكر وعمر فقال.تولهما وكان يقول البراءة من أبي بكر وعمر
وعثمان البراءة من علي والبراءة من علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان.وقد ثبت عن علي بن الحسين البراءة من قول الرافضة
في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.فقد روى أبو نعيم بسنده عن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال.جلس قوم
من أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منهما ثم ابتدأوا في عثمان فقال لهم.أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين (الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ)الحشر 8.قالوا لا.قال فأنتم من الذين (تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)الحشر 9.قالوا لا.فقال لهم .أما أنتم فقد أقررتم وشهدتهم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء
ولا من هؤلاء وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله عز وجل فيهم(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا)الحشر 10.فقوموا عني لا بارك الله فيكم ولا قرب دوركم أنتم مستهزئون بالإسلام
ولستم من أهله.قيل لأنس بن مالك.إن حبَّ علي وعثمان لا يجتمعان في قلب فقال أنس.كذبوا لقد اجتمع حبهما في قلوبنا.وعن خالد بن الربيع
قال.سمعنا بوجع حذيفة فركب إليه أبو مسعود الأنصاري في نفر فيهم إلى المدائن قال.ثم ذكر قتل عثمان فقال.اللهم إني لم أشهد ولم أقتل ولم
أَرْضَ.وأخرج أحمد بن حنبل عن ابن سيرين عن حذيفة قال.لما بلغه قتل عثمان رضي الله عنه قال.اللهم إنك تعلم براءتي من دم عثمان فإن
كان الذين قتلوه أصابوا فإني برئ منهم وإن كانوا أخطأوا فقد تعلم براءتي من دمه وستعلم العرب لئن كانت أصابت بقتله لحلبنا بذلك لبَنًا وإن كانت
أخطأت بقتله لتحتلبن بذلك دمًا فاحتلبوا بذلك دمًا ما رفعت عنهم السيوف ولا القتل الى ان تقوم الساعة.وروى ابن عساكر عن جندب بن عبد الله
له صحبة أنه لقى حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فقال.أما إنهم سيقتلونه قال.قلت.فأين هو.قال في الجنة.قلت فأين قاتلوه.
قال في النار.وقالت أم سليم الأنصارية رضي الله عنها لما سمعت بقتل عثمان رضي الله عنه أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دما.وعن أبي مريم قال.
رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان رضي الله عنه وله ضفيرتان وهو ممسك بهما وهو يقول.قتل والله عثمان على غير وجه الحق.وروى ابن كثير
في البداية والنهاية عن أبي بكرة قال.لأن أخِرَّ من السماء إلى الأرض أحبّ إليَّ من أن أُشرك في قتل عثمان.وعن أبي عثمان النهدي قال أبو موسى
الأشعري.إن قتل عثمان لو كان هدي احتلبت به الأمانة لبنًا ولكنه كان ضلالا فاحتلبت به دما.وروى ابن عساكر بإسناده إلى سمرة بن جندب قال.
إن الإسلام كان في حصن حصين وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان وإنهم شرطوا أشرطة وإنهم لم يسدوا ثلمتهم أو لا يسدونها إلى يوم القيامة
وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم.وأخرج أبو نعيم في.معرفة الصحابة.بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال.
عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الأجر.وقال.لا تقتلوا عثمان فإنكم إن فعلتم لم تصلُّوا جميعا أبدا.وفي رواية.والله لا تهرقون
محجما من دم أي من دم عثمان إلا ازددتم به من الله بُعدا.وعن طلق بن خشاف قال.انطلقنا إلى المدينة ومعنا قُرط بن خيثمة فلقينا الحسن بن علي
فقال له قرط.فيم قُتل أمير المؤمنين عثمان فقال.قتل مظلوما.وعن يزيد بن أبي عبيدة قال.لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع وهو بدري من المدينة
قبل الربذة فلم يزل بها حتى كان قبيل أن يموت.فعن أبي حازم قال.كنت عند عبد الله بن عمر بن الخطاب فذكر عثمان رضي الله عنه وذكر فضله ومناقبه
وقرابته حتى تركه أنقى من الزجاجة ثم ذكر علي بن أبي طالب فذكر فضله وسابقته وقرابته حتى تركه أنقى من الزجاجة ثم قال.من أراد أن يذكر هذين
فليذكرهما هكذا أو فليدع.وقال ابن عمر رضي الله عنهما أيضا.لا تسبوا عثمان فإنا كنا نعده من خيارنا.وعن سعد بن عبيدة قال.جاء رجل إلى ابن عمر
فسأله عن عثمان رضي الله عنه فذكر عن محاسن عمله.قال.لعل ذاك يسوءك.قال نعم.قال فأرغم الله بأنفك.ثم سأله عن علي رضي الله عنه فذكر
محاسن عمله قال.هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي.ثم قال لعل ذاك يسوءك.قال أجل.قال فأرغم الله بأنفك انطلق فاجهد عليَّ جهدك.عَنْ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْيَشْكُرِيُّ قَالَ.سَمِعْتُ أُمِّي تُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّهَا انْطَلَقَتْ إِلَى الْبَيْتِ حَاجَّةً وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لَهُ بَابَانِ قَالَتْ.فَلَمَّا قَضَيْتُ طَوَافِي دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ.قَالَتْ.قُلْتُ.يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَعْضَ بَنِيكِ بَعَثَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي عُثْمَانَ فَمَا تَقُولِينَ فِيهِ.قَالَتْ.لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَهُ لاَ أَحْسِبُهَا إِلاَّ قَالَتْ ثَلاَثَ مِرَارٍ لَقَدْ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ مُسْنِدٌ فَخِذَهُ إِلَى عُثْمَانَ وَإِنِّي لأَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِ رَسُولِ اللَّهِ وَإِنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَلَقَدْ زَوَّجَهُ ابْنَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى إِثْرِ الأُخْرَى وَإِنَّهُ لَيَقُولُ.
اكْتُبْ عُثْمَانُ.قَالَتْ.مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَبْدًا مِنْ نَبِيِّهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إِلاَّ عَبْدًا عَلَيْهِ كَرِيمًا.ورُوِي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ
سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}الزُّمر 9.قال هو عثمان بن عفان.وقال ابن عباس في قوله تعالى{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}النحل 76.قال هو عثمان.وفي قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}الزُّمر 10.قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد جعفر بن عبد المطلب والذين خرجوا معه إلى الحبشة.وكان ممن
هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان عثمان رضي الله
عنه أول من هاجر إلى الحبشة بأهله من هذه الأمة.وفي قوله تعالى عن أهل بيعة الرضوان{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}الفتح 10.فعن أنس قال لما أمر رسول الله ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان
بعثه رسول الله إلى أهل مكة فبايعه الناس فقال.إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ.فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ
أَيْدِيهِمْ لأَنْفُسِهِمْ.وكان عثمان رضي الله عنه شديد المتابعة للسنة وإذا ذكر العلم والتقوى فهو ربانهما صوام النهار وقوام الليل كان عثمان رضي الله عنه من
المجتهدين في العبادة وقد رُوي من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود أيام الحج وقد كان هذا من دأبه.وكان يفتتح القرآن
ليلة الجمعة ويختمه ليلة الخميس وكان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله.يقول عبد الرحمن بن عثمان التيمي رحمه الله.قلت.لأغلبن الليلة على
المقام فسبقت إليه فبينا أنا قائم أصلي إذ وضع رجل يده على ظهري فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو خليفة فتنحيت عنه فقام فما برح قائمًا
حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها.فلما انصرف قلت.يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة قال.أجل هي وتري.ويروي أبو عثمان النهدي رحمه الله
أن غلام المغيرة بن شعبة تزوج فأرسل إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين فلما جاء قال.أما إني صائم غير أني أحببت أن أجيب الدعوة
وأدعو بالبركة.ويروي هانئ مولى عثمان رضي الله عنه فيقول.كان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته فقيل له.تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي
من هذا فقال.إن رسول الله قال.إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بِعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ.قال.وقال رسول الله
مَا رَأَيْتَ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ.وكان يقول.إني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله.يعني المصحف.وكان يقول.حبب إليَّ من الدنيا
ثلاث.إشباع الجوعان وكسوة العريان وتلاوة القرآن.وكان يقول أيضًا.أربعة ظاهرهن فضيلة وباطنهن فريضة.مخالطة الصالحين فضيلة والاقتداء بهم
فريضة وتلاوة القرآن فضيلة والعمل به فريضة وزيارة القبور فضيلة والاستعداد للموت فريضة وعيادة المريض فضيلة واتخاذ الوصية منه فريضة.وجاء في
إحدى خطبه.أيها الناس اتقوا الله فإن تقوى الله غنم وإن أكيس الناس من وال نفسه وعمل لما بعد الموت واكتسب من نور الله نورًا لقبره ويخشى أن يحشره
الله أعمى وقد كان بصيرًا وقد يكفيني الحكم جوامع الكلم والأصم ينادى من مكان بعيد واعلموا أن من كان الله معه لم يخف شيئًا ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده .
يقول الزهري رحمه الله.لو هلك عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض إلى يوم القيامة لقد جاء على الناس زمان وما يحسنه غيرهما.
ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله.كان من المفتين.عثمان بن عفان غير أنه لم يكن له أصحاب يعرفون والمبلغون عن عمر فتياه ومذاهبه وأحكامه في الدين بعده
كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه.وكان عثمان رضي الله عنه على علم بمعارف العرب في الجاهلية ومنها الأنساب والأمثال وأخبار الأيام وساح في
الأرض فرحل إلى الشام والحبشة وعاشر أقوامًا غير العرب فعرف من أطوارهم وأحوالهم ما ليس يعرفه كل عربي في بلاده وجدد في رحلاته تجديد الخبرة والعمل
ومعارف البادية عن الأنواء والرياح ومطالع النجوم ومقارنتها في منازل السماء وهي معارف القوافل والأدلاء من أبناء الصحراء العربية وأبناء كل صحراء.وكان
أقرب الصحابة إلى مجرى الحوادث بين المسلمين والمشركين فكان من سفراء الإسلام في غير موقف من مواقف الخلاف أو الوفاق تارة بين المسلمين وأعدائهم
وتارة بينهم وبين الأسرى منهم في أرض الأعداء.وزودته معرفته بالأخبار والأنساب وسياحته في البلاد بزاد حسن.قال عبد الرحمن بن حاطب.ما رأيت أحدًا
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم حديثا ولا أحسن من عثمان بن عفان رضي الله عنه إلا أنه كان رجلاً يهاب الحديث.ولم يكن حديثه لغوًا ولا ثرثرة
بل كان من تلك الأحاديث التي كان يتوق إليها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أوقاته فيتمناها.وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من ذلك أنها سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يقول.لَوْ كَانَ مَعَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا.قالت.يا رسول الله أفأبعث إلى أبي بكر سكت.ثم قالت.أفأبعث إلى عمر سكت.ثم دعا وصيفًا
ين يديه فسارَّه فذهب فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه طويلاً.ومن فقهه واجتهاداته التي تنمُّ عن رجاحة عقله وفطنته وسعة علمه ما يلي.ترك الوضوء مما
مست النار.يروي أبان بن عثمان أن عثمان رضي الله عنه أكل خبزًا ولحمًا ثم مضمض وغسل يديه ومسح بهما وجهه ثم صلى ولم يتوضأ.وفي رواية قال عثمان.
أكلت كما أكل رسول الله وصليت كما صلى رسول الله.والإنصات للخطبة يوم الجمعة وإن لم يسمعها.يروي مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه
كان يقول في خطبته قلما يدع ذلك إذا خطب.إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا فإن للمنصت الذي لا يسمع في الحظ مثل والسامع المنصت فإذا قامت
الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة.ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر.
وجواز صلاة الجمعة أو عدم صلاتها إذا وافقت يوم عيد وصلى العيد.يقول أبو عبيد مولى ابن أزهر رحمه الله شهدت العيد مع عثمان بن عفان رضي الله عنه فجاء
فصلى ثم انصرف فخطب فقال.إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له.واستتابة المرتد.يقول
ابن مسعود .أخذ رجال بالكوفة يَغْشَوْن حديث مسيلمة الكذاب يدعون إليهم فكُتب فيهم إلى عثمان بن عفان فكتب عثمان رضي الله عنه أن اعرض عليهم دين الحق
وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فمن قبلها وبرئ من مسيلمة فلا تقتله ومن لزم دين مسيلمة فاقتله.فقبلها رجال منهم فتركوا ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا.
وقضاؤه في عبيد الله بن عمر.وهي أول قضية حكم فيها عثمان رضي الله عنه وذلك أن عبيد الله غدا على ابنة أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه فقتلها وضرب رجلاً
نصرانيًّا يقال له حفينة بالسيف فقتله وضرب الهرمزان فقتله وكان قد قيل.إنهما تآمرا مع أبي لؤلؤة المجوسي على قتل عمر رضي الله عنه.وكان عمر رضي الله عنه
قد أمر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعد فلما ولي عثمان رضي الله عنه وجلس للناس كان أول ما تحوكم إليه في شأن عبيد الله فقال علي رضي الله عنه.ما من العدل تركه.
وأمر بقتله وقال بعض المهاجرين.أيُقْتل أبوه بالأمس ويقتله هو اليوم.فقال عمرو بن العاص.يا أمير المؤمنين قد برأك الله من ذلك قضية لم تكن في أيامك فدعها عنك.
فوَدَى.دفع الدية.عثمان رضي الله عنه أولئك القتلى من ماله لأن أمرهم إليه إذ لا وارث لهم إلا بيت المال.والإمام يرى الأصلح في ذلك وخلَّى سبيل عبيد الله.ولا يوجد
خلاف في الروايات والمصادر التاريخية على أن الخنجر الذي قتل به عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بيد الهرمزان وجفينة قبل الحادث وقد شاهد ذلك اثنان من الصحابة
وهما.عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن أبي بكر.ورواية عبد الرحمن بن أبي بكر تفيد أن القاتل أبا لؤلؤة المجوسي كان مع هذين الشريكين يتناجون ثلاثتهم فلما
باغتهم سقط الخنجر من بينهم وبعد قتل عمر رضي الله عنه وجدوا أنه نفس الخنجر الذي وصفه الشاهدان وبالتالي فالهرمزان وحفينة يستحقان القتل.أما ابنة أبي لؤلؤة
المجوسي الذي قتل نفسه ليخفي المشتركين معه فهذه قتلت خطأ ولا يقتل فيها أحد.وقد رأى عبيد الله أنها من المشاركين في القتل حيث كانت تخفي السلاح لأبيها.ومن
قضاء فقهه رضي الله عنه جناية الأعمى.الأعمى مع قائده كالآلة يتحرك بأمره وهو مع مجالسه غفل يتحرك وهو قد يتردى في حركته أو يتضرر فلا يتوقع أن يتحاشا
إضرار غيره بحركته وهو لا يراه ولذلك فإنه إذا ما جنى على قائده أو مَن جالسه دون قصد فجنايته هدر.قال عثمان بن عفان رضي الله عنه.أيما رجل جالس أعمى
فأصابه الأعمى بشيء فهو هَدَر.أي باطل لا قصاص فيه ولا دية.ومن قضائه جناية المقتتليْن على بعضهما.قد يقع شجار بين الأشخاص فيجني كل واحد من المتشاجريْن
على صاحبه فإن حصل شيء من هذا فالواجب القصاص لأن هذه الجناية عمد إذ الظاهر أن كل واحد منهما حريص على أن ينال من صاحبه.قال عثمان بن عفان رضي
الله عنه.إذا اقتتل المقتتلان فما كان بينهما من جراح فهو قصاص.ومن قضائه الجناية على الحيوان.إذا وقعت الجناية على الحيوان فالواجب فيها الضمان بالقيمة.فعن
عقبة بن عامر قال.قتل رجل في خلافة عثمان بن عفان كلبًا لصيد لا يعرف مثله في الكلاب فقُوِّم بثمانمائة درهم فألزمه عثمان تلك القيمة وأغرم رجلاً ثمن كلب قتله عشرين
بعيرًا.ومن قضائه الجناية على الصائل.إذا صال أي اعتدى شخص على مال شخص آخر أو على نفسه أو على عرضه فقتله المصول عليه أثناء اعتدائه فدمه هدر.فقد
روى ابن حزم في المحلى أن رجلاً رأى مع امرأته رجلاً فقتله فارتفعوا إلى عثمان فأبطل دمه.ومن قضائه إقامة الحد على أخيه من أمه.عن حصين بن المنذر قال.شهدت
عثمان بن عفان وأتي بالوليد فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيأ فقال عثمان.إنه لم يتقيأ حتى شربها.فقال.يا علي قم فاجلده.فقال
علي.قم يا حسن فاجلده.فقال الحسن.وَلِّ حارَّها من تَوَلَّى قارَّها.أي ولِّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئتها ولذاتها فكأنه وجد عليه فقال.يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده
فجلده وعليّ يعد حتى بلغ أربعين فقال.أمسك.ثم قال جَلَدَ النَّبِيُّ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.ومن قضائه في سرقة الغلام.لا يقام
حد السرقة إلا إذا كان السارق بالغًا عاقلاً مختارًا عالمًا بالتحريم وقد أُتِي إلى عثمان بغلام سرق فلم يُقِم عليه الحد وخلى سبيله.ومن فقهه رضي الله عنه سن الأذان الثاني
يوم الجمعة.عن السَّائِب بْن يَزِيدَ يَقُولُ.إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا
كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرُوا أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.ومن أهم أعمال عثمان رضي الله عنه
الاجتهادية والفقهية جمع القرآن الكريم.عن مصعب بن سعد قال.قام عثمان فخطب الناس فقال.أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن وتقولون
قراءة أُبَيّ وقراءة عبد الله.يقول الرجل.والله ما تقيم قراءتك.فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه
القرآن حتى جمع من ذلك كثرة ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم لسمعت رسول الله وهو أملاه عليك.فيقول نعم.فلما فرغ من ذلك عثمان رضي الله عنه.قال.
من أكتب الناس قالوا.كاتب رسول الله زيد بن ثابت.قال فأي الناس أعرب.قالوا سعيد بن العاص.قال عثمان فليمل سعيد وليكتب زيد.فكتب زيد وكتب مصاحف ففرقها
في الناس فسمعت بعض أصحاب محمد.يقول قد أحسن.وسبب ذلك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي الله عنه وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع
أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة.فقال حذيفة لعثمان رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.فأرسل
عثمان إلى حفصة رضي الله عنها أن أرسلي إلينا بالمصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك.فأرسلت بها حفصة إلى عثمان رضي الله عنه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله
بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة.إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن
فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم.ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان المصحف إلى حفصة رضي الله عنها فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا
وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.ولا يخفى على أحد أهمية هذا الفعل الذي فعله عثمان رضي الله عنه وأرضاه من جمعه للناس على مصحف واحد
فَوَقَى المسلمين شر فتنة الاختلاف ولقد لاقى هذا الفعل تشجيعا واستحسانا من جموع الصحابة رضوان الله عليهم بل قد رأينا أن منهم من أشار على عثمان رضي الله عنه بهذا
الأمر.يقول علي رضي الله عنه.رحم الله عثمان لقد صنع في المصاحف شيئًا لو وليت الذي ولي قبل أن يفعل في المصاحف ما فعل لفعلت كما فعل.ويقول مصعب بن سعد
رحمه الله.أدركت أصحاب رسول الله متوافرين حين شفق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك وما رأيت أحدًا منهم عاب ما صنع وسمعت رجلاً من أصحاب رسول الله.يقولون
لقد أحسن.ورحم الله ابن المهدي إذ يقول.خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر وعمر.صبره على نفسه حتى قتل مظلومًا وجمعه الناس على المصحف.قد يتبادر إلى الذهن
مالفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان رضي الله عنهما فالإجابه على هذا السؤال.ما قاله ابن التين وغيره.الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان
لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حَمَلَتُه لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبًا لآياته وسوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع
عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوا بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف
واحد واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجًا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعًا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر
على لغة واحدة وكانت لغة قريش أرجح اللغات فاقتصر عليها.أما ثقافة عثمان رضي الله عنه الأدبية الحِكَمه والبليغة التي سادت وعمت فنورد منها ما تزهوا به النفس إفتخارا.
قال عثمان رضي الله عنه وأرضاه.لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا وإني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف.وقال رضي الله عنه.ما أسرَّ أحد سريرة إلا
أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه.وقال رضي الله عنه.إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.وقال رضي الله عنه.هَمُّ الدنيا ظلمة في القلب وهَمُّ الآخرة نور
في القلب.وقال رضي الله عنه.يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.ويقول رضي الله عنه في إحدى خطبه بعد تفاقم الفتنة.آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون
يرونكم ما تحبون ويسترون عنكم ما تكرهون يقولون لكم وتقولون أمثال النعام يتبعون أول ناعق لا يشربون إلا نغصوا ولا يردون إلا عكرًا لا يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الأمور ألا فقد
والله عبتم عليّ ما أقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فلستم له على ما أحببتم وكرهتم ولنت لكم وأوطأتكم كنفي وكففت عنكم يدي ولساني
فاجترأتم عليَّ أما والله لأنا أعز نفرًا وأقرب ناصرًا وأكثر عددًا وأحرى إن قلت.هلم.أُتِي إلي ولقد أعددت لكم أقرانًا وأفضلت عليكم فضولاً وكشرت لكم عن نابي وأخرجتم مني خلقًا
لم أكن أحسنه ومنطقًا لم أنطق به فكفوا عني ألسنتكم وعيبكم وطعنكم على ولاتكم فإني كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمهم رضيتم مني بدون منطقي هذا ألا فما تفقدون من حقكم
والله ما قصرت عن بلوغ ما بلغ من كان قبلي ولم تكونوا تختلفون.أما حياء عثمان رضي الله عنه وأرضاه.فلقد عُرف الحياء بالإسلام واشتهر بين الأديان السماوية بخلق الحياء
فقال.إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ.وإذا كان الإسلام قد اشتهر بخلق الحياء بين الأديان فقد اشتهر به أيضًا بين أبناء هذه الملة الواحدة ذو النورين عثمان بن عفان رضي
الله عنه فكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يمثل الإسلام وحده بخلقه هذا الذي فطره الله عليه كيف لا وقد قال فيه الصادق المصدوق صلى لله عليه وسلم.أَشْبَهُ النَّاسِ بِي خُلُقًا عُثْمَانُ.
وهو من هو حيث قال.أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي.وزكاه الذي سواه فقال{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم 4.ووصفته رفيقته في الحياة بأوجز وأدق عبارة قالت رضي الله عنها.كان
خُلُقه القرآن.فكان عثمان رضي الله عنه شبيهًا بصاحب هذه الأخلاق وتلك الصفات الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها.فمن حيائه رضي الله عنه ما روته نباتة وهي جارية
لامرأته تقول.كان عثمان إذا اغتسل جئته بثيابه.فيقول لي.لا تنظري إليَّ فإنه لا يحل لك.ويقول عن نفسه رضي الله عنه موضحًا عفته وحياءه الذي منعه مساوئ الأخلاق.
ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله ولا شربت خمرًا في جاهلية ولا إسلام ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام.ولهذا كله كانت له الشهادة من خير
الخلق تقول عائشة رضي الله عنها.كان رسول الله مضطجعًا في بيته كاشفًا عن ساقيه فأستأذن أبو بكر فأذن له فدخل وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك
فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس النبي وسوى ثيابه.قالت عائشة رضي الله عنها.يا رسول الله دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان
فجلست وسويت ثيابك.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ.فمقام عثمان مقام الحياء.والحياء فرع يتولد من إجلال من يشاهده ويعظم قدره
مع نقص يجده من النفس.فكأنه غلب عليه إجلال الحق تعالى ورأى نفسه بعين النقص والتقصير وهما من جليل خصال العباد المقربين فَعَلَتْ رتبة عثمان لذلك فاستحيت منه خلاصة الله
من خلقه الملائكة كما أن من أحب الله أحب أولياءه ومن خاف الله خاف منه كل شيء ولذلك ستر فخذه عند دخول عثمان وجمع عليه ثيابه.وعن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن
العاص أخبره أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وآله وعثمان حدّثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس
مرط عائشة رضي الله عنها فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضي إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف.قال عثمان رضي الله عنه.
ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة.اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكَ.فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت.فقالت عائشة رضي الله عنها.يا رسول الله ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما
كما فزعت لعثمان.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال.قال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم.أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهَا بْالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيٌّ وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.فلم يكن حياء عثمان رضي الله عنه حياء مفتعلاً أو متكلفًا بل كان حياء صادقًا وكأنما مازج الحياء دمه ولحمه فصار كالنَّفَس يفعله بلا إرادة.
أما تواضع عثمان رضي الله عنه ورحمته فهما جزءان من صفاته وخصلاه التي لا تعد ولا تحصى.يقول أبي عبد الله مولى ابن الهاد رحمه الله.رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم الجمعة
على المنبر عليه إزار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة دراهم وريطة كوفية ممشقة ضرب اللحم يعني خفيف اللحم طويل اللحية حسن الوجه.ومن صور تواضعه رضي الله عنه.عدم اتخاذه
للجند أينما ذهب واستقباله لكل مسلم وبشاشته له.يقول الحسن البصري رحمه الله.رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة ويقوم وأثر الحصى بجنبه.وسئل
الحسن عن القائلين في المسجد فقال.رأيت عثمان بن عفان نائمًا في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه ثم يجيء الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم.وتروي خادمته رهيمة فتقول.
كان عثمان لا يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجد يقظانًا فيدعوه فيناوله وضوءه.وفي رواية.كان إذا قام من الليل يأخذ وضوءه.قال له أهله.ألا تأمر الخدم يعطونك وضوءك.فيقول لا الليل لهم
يستريحون فيه.فهذا مثل من اتصاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بالرحمة فهو مع كبر سنه وعلو منزلته الاجتماعية يخدم نفسه في الليل ولا يوقظ الخدم وإن وجود الخدم من تسخير الله
تعالى للمخدومين وإن ما ينبغي للمسلم الذي سخر الله تعالى له من يخدمه أن يتذكر أن الخادم إنسان مثله له طاقة محدودة في العمل وله مشاعر وأحاسيس فينبغي له أن يراعي مشاعره وأن ييسر له
الراحة كاملة في النوم وأن لا يشق عليه بعمل.وكان من تواضعه واحترامه لعم النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به وهو راكب نزل حتى يزول العباس احترامًا وتقديرًا له.بل إن تواضعه رضي
الله عنه وحلمه نراه يصل إلى أعلى درجة ويبلغ الذروة حين وفاته فلم يستجب لطلب الصحابة الكرام في الدفاع والزود عنه حين حاصره البغاة المعتوهون ونراه يجلس وحده دون حاشية وحامية
تحرسه وتدافع عنه وهو خليفة المسلمين وفي هذا يكون قد ضحى بروحه ودمه الطاهر الزكي في سبيل ألا يراق دم من المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا تقوم بسببه فتنة لا
يعلم مداها إلا الله كل ذلك بسبب تواضعه ورحمته برعيته.وكان من أوضح الصور والمواقف على تواضعه رضي الله عنه هذا ورحمته ما يرويه موسى بن طلحة حيث يقول.سمعت عثمان بن عفان
وهو على المنبر والمؤذن يقيم الصلاة وهو يستخير الناس عن أخبارهم وأسعارهم وعن مرضاهم.وانظر إلى تلك المعاملة التي كان يعامل بها عبيده لتقف بنفسك على قمة تواضعه وقصاصه من نفسه
حيث يغضب على عبد له ذات يوم فيعرك أذنه حتى توجعه وسرعان ما يفكر بالآخرة والقصاص فيقضّ مضجعه ويخاف من ذلك التصرف العابر الذي يراه كبيرًا ويطلب إلى عبده قائلاً.إني عركت
أذنك فاقتص مني.فيستحي العبد ويأبى أن يقف من عثمان رضي الله عنه ذلك الموقف لكن عثمان رضي الله عنه يلح عليه ويأمره في حزم فيرضخ ويطيع وما إن يأخذ العبد بإذن عثمان رضي الله عنه
حتى يقول عثمان.اشدد يا حبذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة.فيا له من إنسان عظيم بل يا له من خليفة رحيم وإذا أردت له أبعد من ذلك فانظر إلى معاملته الناس وليكن نصب عينيك مكانته
كخليفة مطاع الأمر مهاب الجانب بين المسلمين.اشترى من رجل أرضًا فأبطأ عليه الرجل في قبض ثمنها فلقيه.فعن عطاء بن فروخ مولى القرشيين أن عثمان رضي الله عنه بعد ذلك قال له.ما منعك
من قبض مالك.فقال الرجل.إنك غبنتني فما ألقى من الناس أحدًا إلا وهو يلومني.قال عثمان رضي الله عنه أذلك يمنعك.قال نعم.قال له عثمان رضي الله عنه فاختر بين أرضك ومالك.فلقد قال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم.أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا.فقد بان تواضعه رضي الله عنه بين مَن هم دونه وهم العبيد وبين من هم أحرار أو بين كافة رعيته
فما الخطب وما البال بين الأهل والأحبة وذوي الرحم لا نجد أبلغ من أن نقول أن عثمان رضي الله عنه كان مضرب المثل في تواضعه بين أهله وصلة رحمه حتى قال عنه عليّ بن أبي طالب رضي الله
عنه.كان عثمان أوصلنا للرحم.ووصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد أن قتلوه بقولها.لقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرحم وأتقاهم لربه.فالريطة هي.الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين.
أما إنفاق عثمان رضي الله عنه وكرم سخائه فهذا لم يبلغ أحد مبلغه.يقول الحسن البصري رحمه الله.أدركت عثمان على ما نقموا عليه قلما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرًا.فيقال لهم.
يا معشر المسلمين اغدوا على أعطياتكم.فيأخذونها وافرة ثم يقال لهم.يا معشر المسلمين اغدوا على أرزاقكم.فيأخذونها وافرة ثم يقال لهم.اغدوا على السمن والعسل.الأعطيات جارية والأرزاق دائرة
والعدو منفي وذات البين حسن والخير كثير وما مؤمن يخاف مؤمنًا من لقيه فهو أخوه من كان ألفته ونصيحته ومودته قد عهد إليهم أنها ستكون أثرة فإذا كانت أن يصبروا.ولو أنهم صبروا حين رأوها
لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير.قالوا.لا والله ما نصابرها.فوالله ما ردوا ولا سلموا والأخرى كان السيف مغمدًا عن أهل الإسلام ما على الأرض مؤمن يخاف أن يسل مؤمن عليه
سيفًا حتى سلوه على أنفسهم فوالله ما زال مسلولاً إلى يوم الناس هذا وايم الله إني لأراه سيفًا مسلولاً إلى يوم القيامة.ويقول أبو العباس السراج رحمه الله.قال لي أبو إسحاق القرشي يومًا.من أكرم الناس
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.قلت عثمان بن عفان رضي الله عنه.قال كيف وقعت على عثمان من بين الناس.قلت لأني رأيت الكرم في شيئين.في المال والروح فوجدت عثمان جاد بماله على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاد بروحه على أقاربه.قال لله درك يا أبا العباس.تقول جدة محمد بن هلال رحمها الله وكانت تدخل على عثمان وهو محصور فولدت هلالاً فقعدها يومًا فقيل لعثمان
بن عفان رضي الله عنه.إنها قد ولدت هذه الليلة غلامًا.قالت فأرسل إليّ بخمسين درهمًا وشقيقة سنبلانية وقال هذا عطاء ابنك وكسوته فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة.ورُوِي أن عثمان رضي الله عنه
كان له على طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وكان من أجود الناس خمسون ألفًا.فقال له طلحة يومًا قد تهيأ مالك فاقبضه.فقال له عثمان رضي الله عنه.هو لك معونة على مروءتك.وجاءه رجل فقال له.
ذهبتم يا أصحاب الأموال بالخير تتصدقون وتعتقون وتحجون وتنفقون.فقال عثمان رضي الله عنه.وإنكم لتغبطوننا.قال إنا لنغبطكم.قال عثمان رضي الله عنه.فوالله لدرهم ينفق أحد من جهد خير من
عشرة آلاف غيض من يفيض.وكان عثمان رضي الله عنه يعتق كل جمعة رقبة في سبيل الله منذ أسلم فجميع ما أعتقه ألفان وأربعمائة رقبة تقريبًا.وكان في بعض الأحيان يدخل مع التجار في مساومات
شيقة يلفتهم فيها إلى ما عند الله وأنه خير وأبقى.فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال.قحط المطرعلى عهد أبي بكر الصديق فاجتمع الناس إلى أبي بكر.فقالوا.السماء والأرض لم تنبت والناس في شدة
شديدة.فقال أبو بكر.انصرفوا واصبروا فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم.قال.فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان رضي الله عنه من الشام فجاءته مائة راحلة بُرًّا أو قال طعامًا فاجتمع الناس إلى
باب عثمان رضي الله عنه فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم عثمان رضي الله عنه في ملأ من الناس.فقال ما تشاءون.قالوا.الزمان قد قحط والسماء لا تمطر والأرض لا تنبت والناس في شدة شديدة وقد
بلغنا أن عندك طعامًا فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين.فقال عثمان رضي الله عنه.حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا.فدخل التجار فإذا الطعام موضوع في دار عثمان رضي الله عنه.فقال.يا معشر
التجار كم تربحونني على شراء من الشام.قالوا للعشرة اثنا عشرة.قال عثمان رضي الله عنه قد زادوني.قالوا للعشرة خمسة عشرة.قال عثمان رضي الله عنه قد زادوني.قال التجار يا أبا عمرو
ما بقي بالمدينة تجار غيرنا فمن زادك.قال.زادني الله تبارك وتعالى بكل درهم عشرة أعندكم زيادة.قالوا اللهم لا.قال.فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين.قال ابن عباس.
فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق عليه حلة من نور في رجليه نعلان من نور وبيده قصبة من نور وهو مستعجل.فقلت.يا رسول الله قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر.
قال.يا ابن عباس إن عثمان قد تصدق بصدقة وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسًا في الجنة وقد دعينا إلى عرسه.فهل يفتح الله تعالى آذان عباد المال ومحتكري قوت العباد شحًّا وجشعًا إلى صوت هذه
العظمة العثمانية الفياضه والسخية حتى تدلف إلى قلوبهم فتهزها هزة الأريحية والعطف ببذل العطائات الندية.وتوقظ فيها بواعث الرحمة والإحسان بالفقراء والمساكين والأرامل واليتامى وذوي الحاجات
من أهل الفاقة والبؤس الذين طحنتهم أزمة الحياة واعتصرت دماءهم شرابًا لذوي القلوب المتحجرة من الأثرياء.فما أحوج المسلمين في هذه المرحلة من حياتهم إلى نفحة عثمانية في إنفاق الأموال على
الفقراء والمساكين والمحتاجين.تسري بينهم تعاطفًا ومؤاساة وبرًّا وإحسانًا.أما زهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه.رغم اشتهاره بالغنى والثروة والمال الوفير فإنه قد اشتهر بالزهد في متاع الدنيا وزينتها.
أخرج الإمام أحمد من حديث شرحبيل بن مسلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه.كان يطعم الناس طعام الإمارة ويدخل إلى بيته فيأكل الخل والزيت.وكذلك أخرج الإمام أحمد من حديث الهمداني قال.رأيت
عثمان نائمًا في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين.وكذلك أخرج الإمام أحمد من حديث ميمون بن مهران قال.أخبرني الهمداني أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه على بغلة وخلفه
غلامه نائل وهو خليفة.وعن حميد بن نعيم أن عمر وعثمان رضي الله عنهما دعيا إلى طعام فلما خرجا قال عثمان لعمر.قد شهدنا طعامًا لوددنا أنا لم نشهده.قال لم.قال.إني أخاف أن يكون صنع مباهاة.
وحينما يكون الزاهد متوسطًا في المعيشة فإن زهده لا يلفت النظر كثيرًا ولا يثير العجب.ولكن حينما يكون غنيًّا فإن زهده يكون مدهشًا للمتأملين وعبرة للمعتبرين.ذاك لأن كثرة المال تغري بالانصراف
نحو الملذات والتوسع في النفقات فلا بد ليكون الغني زاهدًا من استيعابه لفقه القدوم على الله حتى يكون مهيمنًا على نفسه مذكرًا لقلبه فتكبر الآخرة في عينه وتصغر الدنيا في نفسه وهكذا كان عثمان رضي
الله عنه الذي كان من أعظم الأثرياء في الإسلام قد غلبت قوة إيمانه شهوته وهواه.فكان من أعظم الزاهدين وضرب من نفسه مثلاً لجميع الأغنياء بإمكان الجمع بين الغني والزهد في الدنيا.أما لين عريكة
عثمان رضي الله عنه وحلمه فذاك له فيه قصب السبق والمثل الأعلى.عن عمران بن عبد الله بن طلحة أن عثمان بن عفان رضي الله عنه خرج لصلاة الغداة فدخل من الباب الذي كان يدخل منه فزحمه الباب
فقال انظروا.فنظروا فإذا رجل معه خنجر أو سيف فقال له عثمان رضي الله عنه ما هذا.قال أردت أن أقتلك.قال سبحان الله ويحك علام تقتلني.قال ظلمني عاملك باليمن.قال أفلا رفعت مظلمتك إليّ فإن
لم أنصفك أو أعديك على عاملي أردت ذلك مني.فقال لمن حوله ما تقولون.فقالوا يا أمير المؤمنين عدو أمكنك الله منه.فقال عبد همَّ بذنب فكفه الله عني ائتني بمن يكفل بك لا تدخل المدينة ما وليت أمر المسلمين.
فأتاه برجل من قومه فكفل به فخلى عنه.وقد كانت هذه الخلال في عثمان دعائم محبة له في قلوب المسلمين وقد اتفقت كلمة أهل الأخبار على أن عثمان رضي الله عنه قضى أكثر عهده وهو أحب إلى الناس من
عمر بشدة عمر ولين عثمان رضي الله عنهما ولإقبال الدنيا على الناس في زمان عثمان وامتلاء أيديهم من الغنائم.روي عن الشعبي أنه قال.لم يمت عمر بن الخطاب حتى مَلّته قريش وقد كان حصرهم بالمدينة
وقال.أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد فإن جاء الرجل منهم ليستأذن في الغزو قال له.قد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يبلغك وخير لك من غزوك اليوم ألاَّ ترى الدنيا ولا تراك.وكان
يفعل هذا بالمهاجرين من قريش ولم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة فلما وَلِي عثمان خلَّى عنهم فانتشروا في البلاد وانقطع الناس إليهم وكان أحب إليهم من عمر.ومن عجيب الأمر وغامض الحكمة أن هذه الصفات
التي كانت دعائم محبة لعثمان رضي الله عنه في قلوب الناس هي نفسها التي كانت نوافذ الأحداث الكارثة والعظائم القاصمة فوداعة عثمان رضي الله عنه ولينه وتعطفه ورأفته وحلمه جاءت بعد بطش عمر رضي
الله عنه وشدته فعمر بن الخطاب يخفق رأس سعد بن أبي وقاص بطل القادسية وأحد أعضاء مجلس الشورى المرشحين لمنصب الخلافة لأن سعدًا زاحم الناس وتخطى إلى عمر فأراد عمر رضي الله عنه أن يريد
أن سلطان الله لا يهاب أحدًا ولكن عثمان رضي الله عنه بحلمه أطمعا جهجاهًا الغفاري في أن يأخذ من يد عثمان وهو على المنبر عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم.التي كان يخطب عليها فيكسرها وحلم عثمان
رضي لعبد الرحمن بن عوف أن يرد هبته وهو خليفة المسلمين بغير إذنه.ذكر الطبري أن إبلاً من إبل الصدقة قدم بها على عثمان رضي الله عنه فوهبها بعض ولد الحكم بن أبي العاص فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف
فأخذها وقسمها بين الناس وعثمان في داره.فحلمه ورفقه كانا سببًا في الإساءة إليه وخروج البغاة عليه في سنة 26هجرية زاد عثمان رضي الله عنه في المسجد الحرام ووسعه وابتاع من قوم وَأَبَى آخرون فهدم عليهم
ووضع الأثمان في بيت المال فصيّحوا بعثمان فأمر بهم بالحبس وقال.أتدرون ما جرأكم عليَّ ما جرأكم عليَّ إلا حلمي قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به.ثم كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجوا.فحلمه حتى
مع الخارجين عليه وقال رضي الله عنه في أيام الفتنة.أستغفر الله إن كنت من ظَلَمْتُ وقد عفوت إن كنت ظُلِمْتُ.وقد قال له الخارجون وهم محاصروه.فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك فإن حالم من معك من
قومك وذوي رحمك أو أهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتى نخلص إليك.فقال لهم.ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأحفاد فقادوا الجنود وبعثوا الرجال.وروى ابن عبد البر في الاستيعاب عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال.إني لمحصور مع عثمان في الدار فرمي رجل منا.فقلت يا أمير المؤمنين الآن طاب الضراب قتلوا منا رجلاً.فقال عثمان.عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك فإنما تراد نفسي
وسأقي المؤمنين بنفسي.وهذا انما يدل على شجاعة عثمان رضي الله عنه ورحمته بامة محمد صلى الله عليه وسلم ومن يفعل هذا الأمر العظيم غير عثمان رضي الله عنه فرأى رضي الله عنه أن يقتل هو على ان يقتل
أصحاب محمد صلى الله عليه ولا تنتهك حرمة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل رأى التاريخ تضحية أعظم من هذه التضحية.وبذلك يتضح براءة الصحابة رضوان الله عليهم من دم الخليفة الراشد عثمان رضي
الله عنه وأرضاه.وهكذا نرى كم كان الصحابة رضوان الله عليهم جميعا يحبون عثمان رضي الله عنه وأرضاه ويقدرونه ويعلمون له فضله وسبقه ومناقبه ومأثره وينفون عنه قول كل حاقد وفاسق ملأ قلبه شررا وحقدا
وبغضاء لما أتاه الله من فضائل عظيمه ومحاسن جليله لم تكون ولن تكون لأحد سواه رضي الله عنه وأرضاه إنتهى.قال الشيخ علي السلمان.قال محب الدين الخطيب في حاشيته على العواصم.ص73.الذين شاركوا
في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين فأكبروا الهنات وارتكبوا في إنكارها الموبقات وفيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش ولم تكن لهم
في الإسلام سابقة فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم وفتوحهم فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلاسابقة ولا جهاد.وفيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم فاضطغنوا
في قلوبهم الإحنة و الغل لأجلها وفيهم الحمقى الذين استغل السبأيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة والفساد والعقائد الضالة وفيهم من أثقل كاهله خير عثمان رضي الله عنه وأرضاه ومعروفه نحوه فكفر معروف عثمان عندما
طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة والتقدم بسبب نشأته في أحضانه وفيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر بدرت منهم تخالف أدب الإسلام فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان رضي الله عنه ولو أنهم قد نالهم
من عمر أشد منه لرضوا به طائعين وفيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغتراراً بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه وبالإجمال فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان رضي
الله عنه وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثيرين فيه.وأرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم.ولمعرفة ما آل إليه مصير من شارك في قتل عثمان رضي الله عنه راجع مقالة.تعقيب واستدراك على مقالة مصير عبد الله بن سبأ.
وذلك حتى تكون الصورة كاملة وواضحة في الأذهان ولعله بعد هذا لا يبقى مكان ولا مصداقية للروايات التي تشرك الصحابة رضوان الله عليهم في قتل عثمان والتآمر عليه فقد اجتهدوا في نصرته والذبّ عنه وبذلوا أنفسهم دونه
فأمرهم بالكف عن القتال وقال إنه يحب أن يلقى الله سالماً ولوا أذن لهم لقاتلوا عنه.ولقد ظهرت حقيقة الأيدي التي كانت تحرك الفتنة والتي لطالما دندن الإخباريون الشيعة حولها.ومن يدندن دندنتهم وينحوا نحوهم لجهل أو لهوى
أو لمكابره بأنها أيدي الصحابة.فثبتت براءتهم من دم عثمان رضوان الله عليهم جميعا كبراءة الذئب من دم يوسف نبي الله عليه السلام.ولله الحمد والفضل والمنة فقد حفظت لنا كتب المحِّدثين الروايات الصحيحة والتي يظهر فيها
الصحابة رضوان الله عليهم من المؤازرين لعثمان رضي الله عنه وأرضاه والمنافحين عنه المتبرئين من قتله والمطالبين بدمه بعد قتله وبذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها.وقد يتساءل قارئ أو يقول قائل.
كيف قتل عثمان رضي الله عنه وبالمدينة جماعة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم.وهو سؤال وضعه ابن كثير في البداية والنهاية (7/197-198)ثم أجاب عنه وقد شاركه المالقي في التمهيد والبيان.ص 131-132.
في الإجابة موضحين ما يلي.أولاً.إن كثيراً من الصحابة أو كلهم لم يكونوا يظنون أن يبلغ الأمر إلى قتله فإن أولئك الخوارج لم يكونوا يحاولون قتله عيناً بل طلبوا من أحد أمور ثلاثة.إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن الحكم
أو يقتلوه.وكانوا يرجون أن يسلم إليهم مروان لأنهم يتهمونه بأنه هو الذي كتب الكتاب على لسان عثمان رضي الله عنه يأمر فيه والي مصر بقتلهم وهذا لم يثبت وليس هناك دليل صحيح أو أن يعزل نفسه ويستريح من هذه الضائقة
الشديدة.وأما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع ولا أن هؤلاء يجرؤن عليه إلى هذا الحدّ.ثانياً.إن الصحابة رضوان الله عليهم دافعوا عنه لكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان رضي الله عنه على الناس أن يكفوا أيديهم حقناً لدماء
المسلمين ففعلوا فتمكن المحاصرون مما أرادوا.ثالثاً.أن هؤلاء الخوارج اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في موسم الحج وغيبتهم في الثغور والأمصار.وربما لم يكن في المتبقين من أهل المدينة ما يقابل عدد الخوارج الذين كانوا
قريباً من ألفي مقاتل.رابعاً.إن كبار الصحابة رضوان الله عليهم قد بعثوا أولادهم إلى الدار لحماية عثمان رضي الله عنه.لكن عثمان علم أن في الصحابة قلة عدد وأن الذين يريدون قتله كثير عددهم فلو أذن لهم بالقتال لم يأمن أن يتلف
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه كثير فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم لأنه راع عليهم والراعي يجب عليه أن يحفظ رعيته بكل ما أمكنه ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه حقناً لدماء المسلمين.خامساً.أنه لما
علم أنها فتنة وأن الفتنة إذا سلّ فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق القتل فلم يختر لأصحابه أن يسلوا السيف في الفتنة إشفاقاً عليهم.وحتى لا تذهب فيها الأموال ويهتك فيها الحريم فصانهم عن جميع هذا.سادساً.يحتمل
أن يكون عثمان رضي الله عنه صبر عن الانتصار ليكون الصحابة شهوداً على من ظلمه وخالف أمره وسفك دمه بغير حق.لأن المؤمنين شهداء الله في أرضه.قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (6/286)ومن المعلوم
بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء وأصبر الناس على من نال من عرضه وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا في قتله وقد عرف إرادتهم لقتله وقد جاءه المسلمون ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم وهو يأمر الناس
بالكف عن القتال ويأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم.وقيل له تذهب إلى مكة فقال.لا أكون ممن الحد في الحرم فقيل له تذهب إلى الشام.فقال.لا أفارق دار هجرتي.فقيل له فقاتلهم.فقال.لا أكون أول من خلف محمداً في أمته بالسيف.
فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين.ومما يناسب هذا المقام ذكر كلام الإمام الآجري في كتاب الشريعة (4/1981-1983)عن موقف الصحابة رضوان الله عليهم في المدينة من حصار المنافقين لعثمان رضي
الله عنه.قال الآجري.فإن قال قائل.فقد علموا أنه مظلوم وقد أشرف على القتل فكان ينبغي لهم أن يقاتلوا عنه وإن كان قد منعهم.قيل له ما أحسنت القول لأنك تكلمت بغير تمييز.فإن قال ولم.قيل لأن القوم كانوا أصحاب طاعة وفقهم
الله تعالى للصواب من القول والعمل فقد فعلوا ما يجب عليهم من الإنكار بقولهم وألسنتهم وعرضوا أنفسهم لنصرته على حسب طاقتهم فلما منعهم عثمان رضي الله عنه من نصرته علموا أن الواجب عليهم السمع والطاعة له وإنهم إن
خالفوه لم يسعهم ذلك وكان الحق عندهم فيما رآه عثمان رضي الله عنه وعنهم.فإن قال فلم منعهم عثمان من نصرته وهو مظلوم وقد علم أن قتالهم عنه نهي عن منكر وإقامة حق يقيمونه.قيل له وهذا أيضاً غفلة منك.فإن قال وكيف.
قيل له.مَنْعه إياهم عن نصرته يحتمل وجوهاً كلها محمودة.أحدها.علمه بأنه مقتول مظلوم لا شك فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه.إنك تقتل مظلوماً فاصبر.فقال أصبر.فلما أحاطوا به علم أنه مقتول وأن الذي قاله
النبي صلى الله عليه وسلم له حق كما قال لا بد من أن يكون ثم علم أنه قد وعده من نفسه الصبر فصبر كما وعد وكان عنده أن من طلب الانتصار لنفسه والذب عنها فليس هذا بصابر إذ وعد من نفسه الصبر فهذا وجه.ووجه آخر.وهو
أنه قد علم أن في الصحابة رضي الله عنهم قلة عدد وأن الذين يريدون قتله كثير عددهم فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم لأنه راع و الراعي واجب عليه أن يحوط رعيته بكل
ما أمكنه ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه وهذا وجه.ووجه آخر.هو أنه لما علم أنها فتنة وأن الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق فلم يختر لأصحابه أن يسلوا في الفتنة السيف وهذا إنما إشفاقاً منه
عليهم هم فصانهم عن جميع هذا.ووجه آخر.يحتمل أن يصبر عن الانتصار ليكون الصحابة رضي الله عنهم شهوداً على من ظلمه وخالف أمره و سفك دمه بغير حق لأن المؤمنين شهداء الله عز وجل في أرضه ومع ذلك فلم يحب أن
يهرق بسببه دم مسلم ولا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بإهراقه دم مسلم وكذا قال رضي الله عنه.فكان عثمان رضي الله عنه بهذا الفعل موفقاً معذوراً رشيداً.وكان الصحابة رضي الله عنهم في عذر وشقي قاتله.ومما
سبق نعلم أن منهج عثمان رضي الله عنه أثناء الفتنة ومسلكه مع المنافقين وهذا مصطلح نبوي أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم على الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه.لحديث.فأرادك المنافقون أن تخلع.الخ وتقدم تخريجه.
الذين خرجوا عليه لم تفرضه عليه مجريات الأحداث ولا ضغط الواقع بل كان منهجاً نابعاً من مشكاة النبوة حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر و الاحتساب وعدم القتال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.وقد وفىّ ذو النورين
رضي الله عنه بوعده وعهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم طوال أيام خلافته حتى خرّ شهيداً مضجراً بدمائه الطاهرة الزكية ملبياً لدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإفطار عنده.انظر استشهاد عثمان رضي الله عنه وأرضاه
لخالد الغيث.ص116.بتصرف يسير إنتهى.
قال حسان بن ثابت الأنصاري في رثاء الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
أتركتم غزو الدروب وراءكم
وغزوتمونا عند قبر محمد
فلبئس هديُ المسلمين هديتُمُ
ولبئس أمرُ الفاجرِ المتعمدِ
إن تقدموا نجعل قرى سَرَواتكم
حول المدينة كُلَّ لَين مذودِ
أو تدبروا فلبئس ما سفرتُمُ
ولَمِثْلُ أمر أميركم لم يرشدِ
وكأن أصحاب النبي عشية
بُدْنٌ تُذَبَّحُ عند باب المسجدِ
أبكي أبا عمرو لحسن بلائه
أمسى ضجيعًا في بقيع الغرقد
وقال حسان بن ثابت‏:‏
ماذا أردتم من أخي الدين باركت
يد الله في ذاك الأديم المقدد
قتلتم ولي الله في جوف داره
وجئتم بأمر جائر غير مهتد
فهلا رعيتم ذمة الله بينكم
وأوفيتم بالعهد عهد محمد
ألم يك فيكم ذا بلاء ومصدق
وأوفاكم عهداً لدى كل مشهد
فلا ظفرت أيمان قوم تبايعوا
على قتل عثمان الرشيد المسدد
‏وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه‏:‏
من سره الموت صرفاً لا مزاج له
فليأت مأسدة في دار عثماناً
مستحقبي حلق الماذي قد سفعت
فوق المخاطم بيض زان أبداناً
ضحوا بأشمط عنوان السجود به
يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
صبراً فدى لكم أمي وما ولدت
قد ينفع الصبر في المكروه أحياناً
فقد رضينا بأرض الشام نافرة
وبالأمير وبالإخوان إخواناً
إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا
ما دمت حياً وما سميت حساناً
لتسمعن وشيكاً في ديارهم
الله أكبر يا ثارات عثماناً
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني
ما كان شأن علي وابن عفاناً
وهو القائل أيضاً‏:‏
إن تُمْسِ الدار ابن أروى منه خاوية
باب صريع وباب محرق خرب
فقد يصادف باغي العرف حاجته
فيها ويأوي إليها المجد والحسب
يا معشر الناس أبدوا ذات أنفسكم
لا يستوي الصدق عند الله والكذب
وقال الفرزدق‏:‏
إن الخلافة لما أظعنت ظعنت
عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا
صارت إلى أهلها منهم ووارثها
لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا
السافكي دمه ظلماً ومعصيةً
أي دم لا هدوا من غيتهم سفكوا
وقال راعي الإبل النميري في ذلك‏:‏
عشية يدخلون بغير إذن
على متوكل أوفى وطابا
خليل محمد ووزير صدق
ورابع خير من وطئ التراباً
قال مجالد‏:‏ عن الشعبي ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك‏:‏
فكف يديه ثم أغلق بابه
وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار لا تقتلوهم
عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم
العداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر بعده
عن الناس إدبار النعام الجوافل
وقالت نائلة بنت الفرافصة، زوجه عثمان،رضي الله عنه ترثيه.
وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي
وقد ذهبت عنا فضول أبي عمرو
ومن الأشعار التي أيضا رويت في مقتل الشهيد عثمان رضي الله عنه
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحى
واي ذبح حرام ويلهم ذبحوا
و اي سنة كفر سن اولهم
وباب شر على سلطانهم فتحوا
ماذا أرادوا أضل الله سعيهم
بسفكِ ذاك الدم الزكي الذي سفحوا
قال الشيخ السرجاني وبعد هذه الأحداث أخذت نائلة بنت الفرافصة رضي الله عنها زوجة عثمان رضي الله عنه
أخذت القميص الذي قُتل فيه عثمان رضي الله عنه وعليه دماؤه وأصابعها وكفها التي قُطعت وهي تدافع عن زوجها
وأعطت كل ذلك للنعمان بن بشير رضي الله عنه وقالت له.خذهم إلى معاوية بن أبي سفيان فهو وليه.وحمل النعمان
بن بشير رضي الله عنه هذه الأمانات إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بالشام فلما وصلت هذه الأشياء إلى
معاوية رضي الله عنه علّقها على المنبر في المسجد وبكى وأقسم أن ينتقم وأن يثأر له ووافقه أهل الشام جميعًا على
ذلك وكان فيهم الكثير من الصحابة كأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا وكان أبو الدرداء
قاضي الشام ومن أعلم أهلها وأفتى رضي الله عنه بوجوب أخذ الثأر من قتلة عثمان رضي الله عنه فجلس سبعون ألف
رجل يبكون تحت قميص عثمان بن عفان رضي الله عنه ويقسمون على الأخذ بثأره.وكان من بين من وافق على هذا
الأمر وأفتى به بوجوب أخذ الثأر أبو مسلم الخولاني وهو من كبار التابعين ويُقال أنه أعلم أهل الشام بعد أبي الدرداء
رضي الله عنه إنتهى.وفي الختام إن من يقرأ التاريخ وسيرعظماء الأمة النجباء.ليجد أن الصحابي الجليل والخليفة
الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يعطى حقه من العدل والأنصاف لا في ابراز مناقبه الجماء.ولا في رثاء كلم
جبين الأمة الغراء.في فقده الأليم وما أصابها جراء سفك دمه الطاهر من نكبات وأسى.فتجدهم يمرون على سيرة ومقتل
عثمان رضي الله عنه ذو النورين المعطاء.مرور الكرام وعلى عجل وأستحياء.إلا قله وثله نذرة عبق حبر أقلامها لسبر
سيرته العطرة وأستخراج كنوز ديابيجها الشماء.وعبر درر شمائلها الجماء.التي قلما تثير الواقعة في نفوس القاريء
حزن وشجون وبكاء ورثاء.لمقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي قتل ظلما وغدرا وعدوانا بيد
زمره من الطغاه والرعاع الحمقاء.وكأن هذه النفوس ملفوفة بأكفان الموت أو هي خالفة كشراب كمون.أو لا تجد في
الواقعة بعدا كبعد شعرى وثرى.وهي تمر على واقعة مقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه مرور غير مكترث لما
في الواقعة من عظة ودرس وعبره.إن واقعة مقتل عثمان رضي الله عنه لهي الداهية الدهياء.الداهية التي إن رقت لها
النفس بكت.وإن شاءت النفس أن تتعظ منها نكتت.وما ضر أن تبكي النفوس وترثي.وتجد في الواقعة جميل وجليل أرثي.
وأن تقول لواقع أحزانها إنقشعي وإنفثئي.وأنا لها ذالك والهشيم في صميم الإسلام مستعري.ولن تنطفي لهيبه وتغمد سيوفه.
فهدر دمه الزاكي أولد دماء مهدره ونفوس طيبه وبرئه مزهقه.من يوم الظلم عليه طرق بابه.حتى تفنى الأمة أو تقوم الساعه.
إن مقتل عثمان رضي الله عنه أريد منه ضرب الإسلام في قلبه وروحه.وتمزيق جسد أهله وأبنائه وصفوفه.وتجريدهم من
حلل مناقبه ورداء نبع مناهله.وقد حدث ولن يندمل جراح الأمة بعد كسر بابها.وقد نفخ الأعداء في داخل بيته وإرثه نيرانها.
إن حادثه مقتل عثمان رضي الله عنه لهي الوحيدة التي يستوجب عندها الوقوف.وأن يدق للحدث الحزن والأسوف.لما أصاب
شمس الأسلام من كسوف.ولما للفجيعه هذه من مضامين ولما تحمل من عبر ومعاني ومفاهيم.ليت عاد المؤرخ إلى إعادة تملي
الحدث.ونفضها من تراب الجدث.ليت عاد الأديب إلى فجيعة مقتل عثمان النجيب.غير قانع بالإبل في ثمان والهيف والجنان.
مستخلصا من الآمها الدروس.وتتعض من مضامينها النفوس.وبعد فإنما هذا غيض غائض.من فيض فائض من بحر فضائل
وشمائل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.نسأل الله جلا ثنائه في علاه.أن يحشرنا في زمرته وأماتنا على سنته ومحبته.
إنه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير.وبعباده حليم ودود لطيف خبير.والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.الذي له الفضل
والأحسان والجود واليمن بالكرمات.جلا ثنائه وتقدسة صفاته.وعلا شأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم المحب
شذرات الحروف
تم بحمد الله الانتهاء من هذه القطوف والشذرات.من سيرة ذو النورين الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان
رضي الله عنه وأرضاه.في تاريخ.
‏04:16 ص ‏20/‏03/‏1431

 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

[align=center]رضى الله عنه وعن جميع صحابة رسول الله
جزاك الله خيرا على المجهود الطيب
[/align]
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

بارك الله فيك
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

وانتم احبتي الراضية والحنان كله وسفير قحطان بارك الله فيكم
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

رضي الله عن عثمان
إنه رجل تستحي منه الملائكه
جزاك الله خير اخي شذرات الحروف
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

وانت اخي العزيز
حمزة محمد المقعدي
بارك الله فيك
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

بارك الله فيك اختي الكريمة زهرة الياسمين
عى دعوتك الطيبة وجزاك الله كل خير
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

رُضي عنه ورضا بـِ إذنه
،
آخ شذرات
جُزيت بها الجنّه
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

بارك الله فيك اختي الكريمة ريم على دعوتك الطيبة
وانتي ربي يجزاك الجنه ورضوانه يارب
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

رضى الله عن عثمان الأخلاق والكرم وأرضاه ،، وجمعنا معه في جنات النعيم,,

جزاك الله ألف خير ,,,
 
رد: سيرة حياة عثمان بن عفان رضي الله عنه

وانت اخي رحال جزاك الله كل خير
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى