تكيف الأم مع طفل لديه إعاقة

طبعا لا تخلو الحياة التي نحياها من ضغوط، وطبعا هناك فروق فردية بين الناس في الضغوط نوعا وكما. لكن البعض منا له حظ أعلى من غيره في الضغوط.. في نوعيتها عندما تكون كبيرة مثلا، أو في عددها وتكرارها عندما تكون ضغوطا نفسيا متعددة وصغيرة.. مصداقا للآية الكريمة "إنا خلقنا الإنسان في كبد"، فطبيعة الحياة أن تكون بها المتاعب والسعادة والحزن والفرح.. إلخ.
صباح اليوم قدمت محاضرة نفسية للأمهات اللاتي لديهن أطفال معاقين، وهم منومون في مدينة سلطان للخدمات الإنسانية شمال الرياض. رغم أن المحاضرة مبسطة جدا وسهلة، ولكن من الواضح أنها أثارت لديهن أفكارا وانفعالات تتعلق بالضغوط النفسية المزمنة والمتكررة.
الأمهات يأتين من مختلف أماكن المملكة (وخارج المملكة) لتأهيل أطفال معاقين لديهن- شلل دماغي، إصابات جهاز عظمي أو عضلة، أو إعاقات نمو وتأخر ذهني ونفسي- على سبيل الذكر.
أم أزهار لديها بنت

معاقة من الولادة ولله الحمد- توقعها عال، ولديها ولد آخر، وزوجها يدعمها كثيرا، ويشاركها في كل شيء. تتوقع الأم تغييرات كبيرة من التأهيل المقدم والمراكز التعليمية في الرياض التي طافت بها مع ابنتها أزهار، وتتمنى أن تكون بنتها كالبنات العاديات عافاها الله.
النقطة الجوهرية التي أود طرحها هنا هي أن التوقعات عندما تكون واقعية متسقة مع الإعاقة ونمو وتأهيل الطفل والطفلة ستهون من الضغوط النفسية- لماذا؟ لأن التوقع غير المعقول سوف يبعدنا عن هدف معقول، هذا أولا،

وثانيا سوف لا يكون بقدرتنا أن نحقق أهدافا مناسبة للطفل. كل هذا يسبب إحباطا، وكل إحباط من هذا النوع يسبب تألما ومعاناة وضغوط نفسية.
إذن التوقع والتأمل المناسبان سيخففان من الضغوط النفسية، وتوافقني الكثير من الأمهات الآن على هذه العلاقة بين التوقع والضغوط النفسية، وينطبق الكلام على مصادر ضغوط أخرى في الحياة (ليس الإعاقة فقط). كما أن التعاون الذي يقدمه الزوج أو الأهل عموما إضافة إلى المهنيين (مثل علم النفس العيادي) سيساعد الأم على التخفيف من التوتر والإحباط، وربما أحيانا الوحدة الاجتماعية، والوحدة الانفعالية (لا أحد يتفهم مشاعرها ولا أحاسيسها تجاه الولد الذي لديه إعاقة ما).
من طرق التكيف التي يمكن للأم أن تفكر بها جديا محاولة اكتشاف النشاط الجسمي المريح له، مثل الرياضة والمشي أو السباحة أو ما شابه- كل حسب

طاقتها وظروفها ـ. إن العمل على تخفيف التوتر يساعد الأم على تقديم مزيد من العطاء تجاه ولدها، وربما غيره. لكن المهم أن تحاول، وتجدد في أساليب التخفيف من الضغوط، لا تعتمد فقط على آراء الغير، فما يناسب الأم الأخرى ليس بالضرورة سيناسبها.
إن العمل التطوعي الخيري من أهم الطرق النفسية التي ترفع من تقدير الذات، والأم بحاجة للشعور بتقدير الذات والاحترام- نحن نعرف قلة تقدير الزوجة عند بعض الناس – والأم تقوم بالحمل كله أو أغلبه ولا يهتم بها أحد. هذا سيجعلها إلا بعض منهن أقل احتراما لذواتهن وأكثر انعزالا عن الآخرين. لذا فإن العمل التطوعي الخيري من الأمثلة الكثيرة التي يمكن أن تقوم بها الأم لخدمة الآخرين، وبدورها تخدم ولدها الذي يحتاج أما قوية وبنفسية جيدة.
تحدثنا بالمحاضرة عن البكاء والحزن، فالبعض يعتبر الحزن ضعفا إنسانيا، لذا يحاول تجنب الحزن أو مشاركة الآخرين أحزانهم. كون الأم بشرا فهي مؤهلة كالرجل للبكاء والحزن. وبالنسبة لباب الإيمان والرضا بما كتب الله فإن الحزن والبكاء لا يناقضان ذلك، فقد بكى الأنبياء والرسل وهم مؤمنون، وتوكلوا على الله سبحانه في التكيف مع الحزن.

الجانب العام الذي لابد من ذكره كما ذكرته بالمحاضرة- هو أن الوسطية ضرورة لا ترفاً. حتى الصلاة إذا أصبحت أربعاً وعشرين ساعة من غير توقف، أصبحت مشكلة، فكيف في الأكل والنوم والعلاقات الاجتماعية والاهتمام بطفل على حساب طفل آخر..الخ.
تتفق الأمهات معي على أن البعض يهمل (مع المعمعة التي يأتي بها تنويم الطفل) جوانب أخرى من الحياة، وفجأة يشعرن بالعزلة والغربة في المستشفى، أو البيت. لا أحد ينكر كبر الثقل الذي تتحمله الأم، وكثيرا جدا في مجتمعنا أصلا، من تأخذ ببعض المقدور عليه، وتهتم بحياتها وشبابها وصحتها مطلبا واقعيا وتخدم ولدها بالتالي.. يجب أن تكون الأم ذات تقدير لذاتها وبصحة وعافية.
هناك عادات وأساليب غير صحية لتخفيف الضغوط. منها الانعزال عن الناس تماما والخوف من نظرتهم السلبية- حاولي تطبيع الأمور أعانك الله،

حتى يسهل تكيفك مع الوضع. كما ترى بعض الأمهات أن الأكل والراحة النفسية تجدها أمهات في هذه العادة والنوم الكثير.. والأسوأ لا سمح الله أن تلجأ الأم إلى المخدرات وغيرها. بعض الأمهات لديهن مشكلات نفسية أصلا، ولا علاقة للإعاقة بالموضوع.
أعود لموضوع كيف تخدمين نفسك: أن تأخذ الأمور بنفسها سيخفف من إحباطات الواقع وما أكثرها- بعض الأهل والأزواج والأصدقاء لا يرحمون سيلومونك على كل شيء..، ولا يساعدونك ولا يتفهمون حاجاتك أو معاناتك. ولا يريدون أن يقولوا يوما "كيف نخدمك...؟". لذا لا تنتظري عشر سنين وتضيع حياة من أجل كلمة.. ربما سوف لن تسمعيها الآن.. أبدا..
خذي المبادرة في حدود الحلال والأخلاق والمحافظة على البيت والأسرة لتقومي ببعض الأعباء المقدور عليها بإذنه تعالى، ولا تتحجمي حيث ظروفك تسمح.. أعانك الكريم.. اطرقي بابه.


المصدر:
الدكتور موفق العيثان / جريدة الوطن السعودية
 

اعضاء يشاهدون الموضوع (المجموع: 0, الاعضاء: 0, زوار: 0)

من قرأ الموضوع (مجموع الاعضاء: 1)

اعضاء قاموا بالرد في الموضوع (مجموع الاعضاء: 2)

عودة
أعلى