تربية «عيال اليوم» صعبة!

أسر تشتكي خروجهم عن «قيم الاحتواء» وأخرى استنفدت حلول المواجهة دون جدوى
تربية «عيال اليوم» صعبة!



395

521755472.jpg
تبقى تربية أبناء هذا الجيل المعادلة الأكثر صعوبة وتحدياً أمام الوالدين؛ في ضوء تعقيدات الحياة المعاصرة وكثرة المتغيرات والمغريات، حيث ينتاب بعض الآباء شعورٌ بالضعف والعجز أحياناً؛ لعدم إيجاد الأساليب المثالية لتربية جيل «آخر زمن» -كما يقال عنهم-، إذ لم تعد محاولات الأسر لتأصيل القيم في نفوس الأبناء وتوجيه رغباتهم هي الحلقة الأقوى في التأثير؛ نظراً لما يشاهدونه وما يجدونه من مغريات وثقافات جديدة، وبمجرد أن نرى أحد الوالدين ونسأله عن أوضاعه وعن أبنائه حتى يبدأ بالشكوى والتذمر، معترفاً بأنّ تربية جيل اليوم صعبة ومعقدة، في وقت يتطلب منهم أن يكون لكل ابن أو ابنه أسلوبٌ في التربية والتعامل يختلف عن بقية الأبناء، وربما يكتشف أحد الآباء بأنّه قد فشل في تربية ابنه أو ابنته بالرغم من محاولاته الجادة للوصول لتربية مثالية.. فهل حقاً التربية صعبة؟، أم نحن من يستصعبها؟، ولماذا وصلنا إلى تلك الصعوبة؟، وكيف نتدارك الحلول القريبة لواقع هذا الجيل والمناسبة لمفاهيمه وأساليبه؟.
«الرياض» طرحت التساؤلات السابقة على عدد من المختصين فكان التحقيق التالي.
إضطراب وتخوف
في البداية قال»د.هاني الغامدي» -محلل نفسي ومستشار علاقات أسرية ومجتمعية-: «كثير من الآباء والأمهات يعيشون اليوم حالة من الاضطراب والتخوف جراء مشاهداتهم لسلوكيات أبنائهم، فالبعض يود أن يبقي على الحالة الكلاسيكية للمفاهيم التربوية، والتي تضمن سلامة الفكر والتصرفات لدى الأبناء، وهنا يحصل التصادم مابين المحاربين القدامى من جيل الأباء والأمهات لما قبل الإنفتاح الاجتماعي العالمي، ومابين الجيل الحالي الذي أصبح متمرداً إلى حد كبير ومناهضاً للأفكار والسلوكيات -وربما- لقيم الجيل السابق وبالتالي يقعون في دائرة المتناقضات»، مشيراً إلى أن سلوكيات الجيل الحالي إتسمت بالجرأة، متسائلاً «من أين أتت تلك الجرأة؟».
أزمة بنيوية
من جانبه أكّد «د.محمد الوهيد» -أستاذ التحضر والجريمة بجامعة الملك سعود- على أنّ كثيراً من الأسر اليوم تواجه صعوبة في تربية أبنائها، وتنشئتهم على القيم التي تضبط سلوكهم داخل مجتمعهم وتمنعهم التطاول على حقوق الآخرين، مبيناً أنّ أيّ أزمة في علاقة الشباب بالأسرة إنما تعكس أزمة بُنيوية خطيرة، خاصةً حين انفلات الشباب من كنف أسرهم إلى عالم المجهول الزاخر بالمشكلات الأمنية والتربوية والمخدرات، والانفلات العاطفي.
وأضاف أن المعروف علمياً أنّ ما تزرعه تحصده، وقد نصح الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوالدين بالتربية من خلال الرعاية التنموية؛ وهي التربية بالملاعبة، ثم التربية والتوجيه بما يتم من خلال التأديب -وهي الأوامر المنوطة بالعقاب للمخالف في مرحلة بين السابعة ونهاية الرابعة عشر-، ثم التربية من خلال المثل العالي والنموذج المحتذى - وهي الفئة العمرية بين الرابعة عشر إلى نهاية الحادية والعشرون-، مشيراً إلى أنّ هذه القواعد يقوم عليها العالَمَ التربوي اليوم؛ فنجد التوجيه الأسري قبل المدرسة في السبع الأولى، ثم التوجيه التعليمي التربوي الحازم في السبع التالية، ثم الرعاية العلمية من خلال «المثل والنموذج العالي» في الثانوية وأوائل الجامعة.
جهل تربوي
واشار «د.الوهيد» إلى أنّ الأسلوب التربوي لبعض المربين لا يخرج عن «الإفراط أو التفريط»، في حين أنّ غلبة التفريط على الإفراط في المجتمع قادت للعجز عن التربية، كما أنّ بعض الأباء والأمهات «جاهلين تربوياً»، حيث أنّهم يقودون أبناءهم للنمو غير المتكافيء فيأهلونهم جسدياً ويغفلون التأهيل النفسي والفكري، كما أنّهم يجهلون كيف تسير حياة أبنائهم وماهي أهدافهم، وخططهم للوصول إلى ذلك، وكيف ينوون الانطلاق لتحقيقها، مبيناً أنّ الحلول التربوية تبدأ بالإصلاح من الأدنى -أيّ الأطفال- وعزلهم عن الكبار؛ لقطع دابر التناسخ الزمني والمكاني، فالأسرة مهمة والتعليم العام والإعلام والخطاب الديني كل ذلك ركائز التنشئة المعاصرة، وهي أسس تقويم السلوك اليوم من أجل الغد، وواقع اليوم يلزم اتباع إستراتيجيات التربية، وتحديداً إستراتيجية الإقناع؛ عن طريق التغيير الحقيقي للمسلمات والقناعات، قبل تغيير السلوك، لافتاً إلى أنّ هناك إستراتيجية أخرى تقوم على تغيير سلوك الجيل الحالي لقبول التربية؛ وهي إستراتيجية الضغط، فالإنسان يبحث عن مصالحه بالفطرة شريطة أن يتعرف عليها حقيقة لا وهماً، فإذا شعر أنّ سلوكه يهدد مصالحه والاتباع للتغيير يزيد مكاسبه اقتنع بالتغيير والتزم به، ومن المهم توظيف عامل الوقت في الإقناع بالتغيير، مشدداً على ضرورة إشعار الجيل بأنّ التغيير حتمي؛ لأنّه يهدد مصالح الشاب نفسه أو مصالح المجتمع الذي يخافه، محذراً في الوقت ذاته من عدم فهم الحقائق كاملة والاعتماد على الفهم الجزئي لها، وأنّ ذلك من شأنه أن يشوهها ويقود إلى حقل الألغام السلوكي والأخطاء القاتلة، والتي لا يمكن عكس قيدها فتدمر الإنسان ومحيطه، وأنّه لابد من مراجعة الأبنية الأسرية القائمة لترشيدها ووضعها على المسار الصحيح.
اتساع الفجوة
وأوضح «د.عبدالاله محمد جدع « -مستشار إداري وأسري- أنّه بالرغم من كل السلوكيات والمظاهر السلبية التي تنسب إلى الجيل الحالي، إلاّ أنّه من الضروري التصالح مع أبنائه والتوقف عن النقد السلبي اللاذع والتجريح، وأنّ إقصاء أبناء هذا الجيل يزيد من ثقافة الإحباط ويوّتر العلاقة بينهم ومن سبقهم، وستتسع الفجوة بين الأجيال، مشيراً إلى أنّه من المهم ألا يتم الإسراف في سرد مشاكل أبناء هذا الجيل دون البحث عن حلول تناسبها وتتواجد أسسها في التربية والتراث الإسلامي، مبيناً أن عملية التربية تبدأ بالتفرغ وإدراك حجم المسؤولية؛ فالأبناء لاينشأون بطريقة عفوية وتلقائية، ولهذا لابد من الحوار معهم، وتفهم أنّهم من جيل مختلف ومتغيرٌ كثيراً؛ بسبب ما توفر له من إطلاع على المعارف والثقافات والمجتمعات الأخرى.
وقال: إنّ التربية السليمة اليوم تعتمد أولاً وأخيراً على الحوار؛ من خلال التشجيع على طرح الأفكار والمناقشة والإقناع؛ فهذا الجيل على استعداد للتفاهم والتحاور وليس القمع والعشوائية والدكتاتورية وإقصاء التفكير والفكر، إلى جانب تعاون المدارس والجامعات مع دور الأسر.

المصدر : جريدة الرياض


 
رد: تربية «عيال اليوم» صعبة!

جزاك الله خير
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى