تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه

الصبر

عضو جديد
بسم الله الرحمن الرحيم



حكمة الشارع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1)

مقدمة:

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيرا, والصلاة والسلام على من أرسله الله بالحق بشيراً ونذيرا, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا.. نبينا محمد وآله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ..وسلم تسليماً كثيرا..

أما بعد:

فَلِمَا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمية كبيرة، في حياة الأمة أفراداً ومجتمعات, وَلِمَا له من منزلةٍ رفيعةٍ عند رب الأرض والسماوات، فقد جاء هذا البحث في بيان أمره، وعظيم مكانته، وعلو شأنه، والتذكير بعظيم فضله, وعلو منزلته، وأجر القائم به، والمقدم عليه، والتعرف على آثار العمل به, والتشجيع على إفشائه، والحث على فعله، والترغيب في سلوك طريقه، وبالمقابل بيان خطر التهاون فيه، أو الرغبة عنه، أو التغافل عن إقامته، أو الإعراض عنه، وكذلك التحذير من تركه، وعدم الاهتمام به، أو نسيانه، والانشغال عنه، والتحجج بحجج واهية لإيجاد الأعذار للتنصل من إيقاعه وإعماله، وما يحصل من تبريرات للتهرب من السعيِّ فيه.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الجهاد الدائم المفروض على كل مسلم، وهو أصل مهم من أصول الدين, ولا قيام لشريعة الإسلام إلا به وهو «القطب الأعظم في الدين، وهو المهمة التي ابتعث الله لها النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد»(2).

فكم نحن بحاجة ماسة إلى إقامة هذه الفريضة العظيمة في زمنٍ ضاعت فيه الكثير من الواجبات, واسترسل الناس في الوقوع في وحل المعاصي والهفوات, وانساق البعض أمام أتباع الهوى والشهوات, فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة خالق الأرض والسماوات, وقلما تجد في بعض البلدان والمجتمعات مؤمن قائم بأمر الله تعالى لا تأخذه في الله لومةُ لائم ولا تثنيه الأباطيل والشبهات.

هذه الفريضة العظيمة التي تعد من أعظم خصائص هذه الأمة, فبالقيام بها نالت شرف القيادة والريادة من بين سائر الأمم, وبالتمسك بها علا شأنها عند ربها, وفرضت هيبتها أمام أعدائها, ولا يزال الخير باقياً في هذه الأمة ما بقي فيها الآمرون بالمعرف والناهون عن المنكر.

وفي هذا البحث سنتطرق إلى بعض فضائلها, وآثار القيام بها, وعواقب تركها, علنا ندرك حكمة الشارع من فرضها وإيجاب القيام بها, وقد احتوى البحث على أربعة مطالب على النحو التالي:

المطلب الأول: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه, وفيه:

أولاً: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في اللغة والاصطلاح.

ثانياً: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثالثاً: هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عيني أم كفائي.

المطلب الثاني: فضائل القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفيه:

أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة الأنبياء جميعاً.

ثانياً: أنه من أخص صفات المؤمنين ودليل على صدق إيمانهم واستجابتهم لخالقهم.

ثالثاًً: أنه سر خيرية هذه الأمة وتفضيلها على الأمم.

رابعاً: أنه يكفر الخطايا.

خامساً: أنه من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار.

المطلب الثالث: الآثار المترتبة على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفيه:

أولاً: إقامة الملة والشريعة وحفظ الدين والعقيدة لتكون كلمة الله هي العليا.

ثانياً: إقامة الحق وانتشار العدل ورفع الجور والظلم بين العباد.

ثالثاً: يزيل عوامل الشّرّ والفساد ويثبّت معاني الخير والصّلاح في الأمّة.

رابعاً: يبعث الإحساس بمعنى الإخوة والتكامل بين المؤمنين.

خامساً: يشد ظهر المؤمنين ويقوي عزائمهم ويرغم أنوف المنافقين ويضعف معنوياتهم.

سادساً: التمكين في الأرض والنصر على الأعداء.

سابعاً: التحقق بصفة الخيرية.

ثامناً: رفع العقوبات والنجاة من العذاب.

تاسعاً: انتفاع الخلق وإقامة الحجة والشهادة عليهم.

عاشراً: استنزال الرحمة من الله.

حادي عشر: الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

ثاني عشر: إصلاح حياة الأمة بجميع جوانبها, ومن أمثلة ذلك: (الجانب الديني, الجانب الاجتماعي, الجانب الأخلاقي, الجانب السياسي, الجانب الاقتصادي, الجانب الصحي, الجانب الإعلامي).

المطلب الرابع: عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفيه:

أولاً: ظهور الذنوب والمعاصي وانتشار جميع أنواع المنكرات.

ثانياً: استعلاء أهل الشر والفساد وسيطرة الأشرار على مقاليد الأُُمور.

ثالثاً: انتفاء وصف الخيرية عن الأمة.

رابعاً: الهزيمة أمام الأعداء.

خامساً: سبب لعنة الله.

سادساً: نزول العقوبات العامة.

سابعاً: عدم استجابة الدعاء.

ثامناً: الخسران في الدنيا والآخرة.
تاسعاً: إفساد حياة الأمة بجميع جوانبها ومن أمثلة ذلك: (الجانب الديني, الجانب الاجتماعي, الجانب الأخلاقي, الجانب السياسي, الجانب الاقتصادي, الجانب الصحي, الجانب الإعلامي).

ولنبدأ مستعينين بالله عز وجل بشرح هذه النقاط والتفصيل فيها فنسأل الله عز وجل التوفيق والسداد..



المطلب الأول: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه

أولاً: التعريفات في اللغة والاصطلاح:

المعروف لغة:

قال ابن منظور: «المَعْرُوف ضدُّ المُنْكَر والعُرْفُ ضدّ النُّكْر يقال أَوْلاه عُرفاً أَي مَعْروفاً والمَعْروف والعارفةُ خلاف النُّكر والعُرْفُ والمعروف الجُود وقيل هو اسم ما تبْذُلُه وتُسْديه ... قال الزجاج المعروف هنا ما يُستحسن من الأَفعال »(3).

المعروف اصطلاحا:

يطلق المعروف على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه, وهو اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة اللّه والتّقرّب إليه، والإحسان إلى النّاس، وكلّ ما ندب إليه الشّرع، ونهى عنه من المحسّنات والمقبّحات وهو من الصفات الغالبة, بمعنى أنه معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه(4).

المنكر في اللغة:

قال ابن منظور: «( نكر) النُّكْرُ والنَّكْراءُ الدَّهاءُ والفِطنة ورجل نَكِرٌ ونَكُرٌ ونُكُرٌ ومُنْكَرٌ من قوم مَناكِير دَاهٍ فَطِنٌ... والمُنْكَرُ من الأَمر خلاف المعروف... ونَكِرَه يَنْكَرُه نَكَراً فهو مَنْكُورٌ واسْتَنْكَرَه فهو مُسْتَنْكَرٌ والجمع مَناكِيرُ»(5).

والمنكر اصطلاحا:

هو ضد المعروف وهو ما عرف قبحه نقلاً وعقلاً (6), وقيل كلّ ما قبّحه الشّرع وحرّمه ونهى عنه(7).

معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اصطلاحا:

الأمر بالمعروف: هو الإرشاد إلى المراشد المنجّية, والنّهي عن المنكر: الزّجر عمّا لا يلائم في الشّريعة.

وقيل: الأمر بالمعروف: الدّلالة على الخير, والنّهي عن المنكر: المنع عن الشّرّ.

وقيل: الأمر بالمعروف: أمر بما يوافق الكتاب والسّنّة, والنّهي عن المنكر: نهي عمّا تميل إليه النّفس والشّهوة.

وقيل: الأمر بالمعروف: الإشارة إلى ما يرضي اللّه تعالى من أقوال العبد وأفعاله, والنّهي عن المنكر: تقبيح ما تنفّر عنه الشّريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في شرع اللّه تعالى (8).

ثانياً: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بنص القرآن الكريم وصريح السنة النبوية, وإجماع الأمة، وسنذكر بعض الأدلة من القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة.

أ- الأدلة من القرآن الكريم:

1- قوله تعالى: ï´؟وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَï´¾[آل عمران:104]، فقوله تعالى: ï´؟وَلْتَكُنï´¾ أمرٌ, وظاهر الأمر الإيجاب هذا من جهة، ومن جهة أخرى حصرت الآية الفلاح بهذا العمل.

2- قوله تعالى: ï´؟كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِï´¾[آل عمران:110] فالآية قرنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيمان بالله تعالى، وتخصيص الثناء والمدح بالخيرية بهذه الصفات الثلاث، فهذا يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- قوله تعالى: ï´؟وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌï´¾[التوبة:71]، فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأوصاف الخاصة بالمؤمنين، وعليهما تترتب الرحمة، وقد ذكرا في سياق الواجبات كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهما واجبان بدلالة وحدة السياق، وتكرّر اقترانهما مع الواجبات يفيد وجوبهما.

4- قوله تعالى: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُï´¾[التحريم:6]، ففعل الأمر ï´؟قُواï´¾ يدل على الوجوب، ويتحقق هذا الفعل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما واجبان؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

5- قوله تعالى: ï´؟خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَï´¾[الأعراف:199]، والعرف: هو المعروف(9)، والأمر للوجوب، وإذا كان الأمر بالمعروف واجباً كان النهي عن ضده واجبا.

6- قوله تعالى: ï´؟وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَï´¾[التوبة:122].

قال الإمام الرازي رحمه الله: «هذه الآية اشتملت على التكليف بثلاثة أشياء أولها الدعوة إلى الخير ثم الأمر بالمعروف ثم النهي عن المنكر»(10).

7- قوله تعالى: ï´؟إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَï´¾[النحل:90].

فالآية تشمل الأمر بكل معروف كان واجباً أو مندوبا، والنهي عن كل منكر كان محرماً أو مكروها، وهي بصيغة الأمر الصريح الدال على الوجوب.

8- قوله تعالى: ï´؟وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَï´¾[الحجرات:9]، قال الإمام الجصاص بعد ذكره لهذه الآية وغيرها: «فهذه الآية ونظائرها مقتضية لإيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»(11).

9- قوله تعالى: ï´؟وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِï´¾[المائدة:2] قال الإمام الغزالي: «وهو أمر جزم، ومعنى التعاون: الحث عليه، وتسهيل طرق الخير، وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان»(12)، ثم أتبع الأمر بالتهديد بالعذاب الشديد الذي لا يكون إلا لفعل المحرم أو ترك الواجب.

10- قوله تعالى: ï´؟لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَï´¾[المائدة:78،79], فلو لم يكن النهي عن المنكر واجباً لما استحقوا اللعنة بتركهم إياه؛ لأن اللعنة تختص بترك الواجب.

ب- الأدلة من السنة النبوية
1- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (13), فقوله صلى الله عليه وسلم "فليغيره" أمر إيجاب بإجماع الأمة(14).

2- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم"(15).

3- حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"(16).

4- حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم مفتوح عليكم منصورون ومصيبون فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه, من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير ردى في بئر فهو ينزع منها بذنبه"(17).

5- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فكان فيما قال: "ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه"، قال: «فبكى أبو سعيد، وقال: والله رأينا أشياء فهبنا»(18).

6- حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن ؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"(19).

فبين أن عماد الدين وقوامه النصيحة, كقوله: الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة(20).

7- حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"(21).

قال الجرجاني: «النصيحة هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد»(22).

8- حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، وحج البيت سهم، والصيام سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له"(23).

9- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم"(24).

10- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"(25).

11- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبداً حجته قال: يا رب رجوتك وفرقت من الناس"(26).

ج- دليل الإجماع

قال الإمام النووي في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "فليغيره"، قال: «فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة»(27)، وقال الإمام الجصاص: «فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة عنه فيه وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه»(28)، وقال الإمام الغزالي: «الباب الأول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته، والمذمة في إهماله وإضاعته، ويدل على ذلك بعد إجماع الأمة عليه، وإشارات العقول السليمة إليه، الآيات والأخبار والآثار»(29).
مسألة:

الأمر بالمعروف يكون واجباً إن أُمر بواجب, ويكون مستحباً إن أُمر بمستحب, والنهي عن المنكر

يكون واجباً إن نُهي عن محرم, ويكون مستحباً إن نُهي عن مكروه(30), وقد يكون النهي عن المنكر محرماً وذلك إن كان سيؤدي إلى منكر أكبر منه(31).

هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عيني أم كفائي؟

ذهب جمهور العلماء إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على الأمة إذا قام به البعض حتى وجد المعروف الواجب وزال المنكر المحرم سقط عن الباقين، أي إذا قامت به طائفة أو جماعة، سقط عن الباقين وأصبح في حقهم سنة، لكن يشترط أن يكونوا ممن تتحق بهم الكفاية، أي: يكفون في إقامة هذه الشريعة والشعيرة(32)، وإلا أثم كل قادر بحسب قدرته من القيام به بنفسه أو المعاونة على القيام به أو أَمر القادرين بذلك(33).

ثم إنه قد يتعين أي: يصير في حق الفرد فرض عين, كما إذا كان في موضع لا يعلم به أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه أو من له ولاية عليه على منكر أو تقصير في المعروف فيتعين عليه ذلك(34), وهناك حالات كثيرة يصير فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين ذكرها العلماء وليس مكان ذكرها في هذا الموضع.



المطلب الثاني: فضائل القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيلة عظيمة ومكانة رفيعة في ديننا, وقد جاءت الكثير من الآيات في كتاب الله تعالى والكثير من التوجيهات في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, تبين فضل هذه الفريضة العظيمة, وسنذكر بعض هذه الفضائل في هذا الشأن فيما يلي:-



أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة الأنبياء جميعاً

إن المتتبع لقصص القرآن الكريم يجد أن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام بذلوا جلّ جهدهم في نصح أقوامهم, وإرشادهم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة, فقد قاموا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أكمل وجه كما حكى القرآن الكريم عنهم فها هو نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام كما قال الله عنه: ï´؟ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ï´¾[الأعراف: 79].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: «ï´؟ونصحت لكمï´¾ في أدائي رسالة الله إليكم في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان ï´؟ولكن لا تحبون الناصحينï´¾ لكم في الله الناهين لكم عن اتباع أهوائكم الصادين لكم عن شهوات أنفسكم»(35).

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: «هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم عن قبول الحق وإعراضهم عن الهدى إلى العمى قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعا وتوبيخا وهم يسمعون ذلك»(36).

ووصف الله خاتم أنبيائه بهذه الصفة التي هي من أخص صفاته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ï´؟الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِï´¾[الأعراف: 157].

وعندما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام النجاشي بأوصاف كثيرة كان منها: أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ففي حديث جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أن النجاشي سأله ما دينكم؟ قال: بعث فينا رسول نعرف لسانه، وصدقه، ووفاءه، فدعانا إلى أن نعبد الله، وحده لا نشرك به شيئا، وخلع ما كان يعبد قومنا، وغيرهم من دونه، يأمرنا بالمعروف، وينهانا عن المنكر، وأمرنا بالصلاة، والصيام، والصدقة، وصلة الرحم، فدعانا إلى ما نعرف، وقرأ علينا تنزيلا جاء من عند الله، لا يشبهه غيره، فصدقناه، وآمنا به، وعرفنا أن ما جاء به حق من عند الله(37).
ثانياً: أنه من أخص صفات المؤمنين ودليل على صدق إيمانهم واستجابتهم لخالقهم

وصف الله عباده المؤمنين بصفات كثيرة وفي مواطن متعددة في كتابه الكريم, ومن أبرز هذه الصفات قيامهم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: ï´؟التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَï´¾ [التوبة:112]

ولا يكتمل ولاء المؤمنين بعضهم لبعضٍ إلا بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر, وتعاونهم على الحق, وهذا من أخص صفاتهم التي وصفوا بها في كتاب الله, قال تعالى: ï´؟وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌï´¾[التوبة:71].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: «ï´؟والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضï´¾ أي يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الصحيح: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه"(38), وفي الصحيح أيضا: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"(39), وقوله: ï´؟يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرï´¾ وقوله تعالى: ï´؟ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرï´¾ الآية وقوله: ï´؟ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاةï´¾ أي يطيعون الله ويحسنون إلى خلقه ï´؟ويطيعون الله ورسولهï´¾ أي فيما أمر وترك ما عنه زجر»(40).

ففي هذه الآية يبين سبحانه أن من صفات المؤمنين موالاة بعضهم بعضاً, ومن لوازم هذا الولاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتعاون على إقامة شعائر الدين, قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: «فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين فدل على أن أخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه ثم إن الأمر بالمعروف لا يليق بكل أحد وإنما يقوم به السلطان إذ كانت إقامة الحدود إليه والتعزير إلى رأيه والحبس والإطلاق له والنفي والتغريب فينصب في كل بلدة رجلاً صالحاً قوياً عالماً أميناً ويأمره بذلك ويمضي الحدود على وجهها من غير زيادة»(41).

ثم بين سبحانه عاقبة ذلك فقال: ï´؟أولئك سيرحمهم اللهï´¾, قال الإمام ابن كثير رحمه الله: «أي سيرحم الله من اتصف بهذه الصفات ï´؟إن الله عزيزï´¾ أي: عز من أطاعه فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ï´؟حكيمï´¾ في قسمته هذه الصفات لهؤلاء وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة فإنه له الحكمة في جميع ما يفعله تبارك وتعالى»(42).

وعندما ذم الله تعالى أهل الكتاب الذين خالفوا أمره فضربت عليهم الذلة والمسكنة وبَآؤُوا بغضب من الله بسبب ما اقترفوه من الآثام والمعاصي وقتل الأنبياء بغير حق, بين سبحانه أنهم ليسوا جميعاً سواء بل استثنى منهم طائفة جنحت للحق، فآمنت واتخذت منهج المسلمين منهجاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في الخيرات, ووصفهم بأنهم من الصالحين(43), قال تعالى: ï´؟لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَï´¾[آل عمران: 113, 114].

فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من علامات القيام بالواجبات، ومن علامات الصلاح، فلم يشهد الله تعالى لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومفهوم الآية هو: أن الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر لا يعدّون من الصالحين.
ثالثاًً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سر خيرية هذه الأمة وتفضيلها على الأمم

وصف الله عز وجل هذه الأمة بالخيرية لأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وتحليها بالإيمان به سبحانه, قال تعالى: ï´؟كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَï´¾[آل عمران:110].

في هذه الآية قدم الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله مع أن الإيمان بالله لا يتقدمه شيء من الأعمال ولا يفضله.. ولكن قد يكون هذا التقديم في هذا الموضع يراد به إبراز خاصية وميزة لهذه الأمة على غيرها من الأمم, فإنهم وإن كانوا مطالبين به إلا أنه لم يكن تحققه فيهم كتحققه في هذه الأمة, فاستحقوا به التفضيل على غيرهم من سائر الأمم التي سبقتهم وإن شاركوهم في تحقيق الإيمان, فهذه الأمة هي خاتمة الأمم ورسولها صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل, وكتابها آخر الكتب, وقد أخرجت للناس لتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتشهد عليهم(44).

وقد ذكر كثير من العلماء كالإمام ابن كثير والإمام الطبري وغيرهما أن هذه الآية ليست مختصة بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم, وأنها عامة لجميع الأمة, قال ابن كثير رحمه الله: «والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما قال في الآية الأخرى: ï´؟وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاًï´¾ أي خيارا ï´؟لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِï´¾[البقرة: 143]» (45).

وقد استدل من قال بأن هذه الآية نزلت في عامة الأمة بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنكم وفيتم سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله"(46) وفي رواية أخرى: "إنكم تتمون سبعين أمة"(47).

قال الإمام المناوي: «"إنكم تتمون سبعين أمة" أي يتم العدد بكم سبعين "أنتم خيرها وأكرمها على الله" ويظهر هذا الإكرام في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة ومقامهم في الموقف ووقوفهم على تل يشرفون عليهم إلى غير ذلك ومما فضلوا به الذكاء وقوة الفهم ودقة النظر وحسن الاستنباط فإنهم أوتوا من ذلك ما لم ينله أحد ممن قبلهم»(48).

وجاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ï´؟كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِï´¾ قال خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام»(49).

والمقصود بقول أبي هريرة رضي الله عنه هو قيام هذه الأمة بفريضة الجهاد الذي يكون سبباً في دخول غير المسلمين في الإسلام كما جاء عن أبي الطفيل قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ألا تسألوني مم ضحكت؟" قالوا: يا رسول الله مم ضحكت؟ قال: "رأيت ناسا يساقون إلى الجنة في السلاسل", قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: "قوم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام "(50).

قال ابن حبان رحمه الله: «والقصد في هذا الخبر السبي الذي يسبيهم المسلمون من دار الشرك مكتفين في السلاسل يقادون بها إلى دور الإسلام حتى يسلموا فيدخلوا الجنة»(51).

ومما يدل على أن هذه الخيرية في عامة الأمة ما ورد عن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن الحضرمي يقول أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أمتي قوما يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر"(52).

قال الإمام المناوي: «"إن من أمتي قوما" أي جماعة لهم قوة في الدين, "يعطون مثل أجور أولهم" أي: يثيبهم الله مع تأخر زمنهم مثل إثابة الأولين من الصدر الأول الذين نصروا الإسلام وأسسوا قواعد الدين, قيل: من هم يا رسول الله؟ قال هم الذين "ينكرون المنكر" أي ما أنكره الشرع قالوا ويجب الأمر بالواجب والنهي عن الحرام ويندب الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه بشرط العلم بوجه المعروف والمنكر وانتفاء المفسدة...» (53).

وهذه الصفة- صفة الخيرية- التي وصفت بها هذه الأمة لاشك أنها مقرونة بالقيام بهذه الفريضة العظيمة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن تركت هذه الفريضة انتفت منها صفة الخيرية, كما روي عن عمر رضي الله عنه عندما قرأ: ï´؟كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِï´¾ قال: «يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها»(54).
 
رد: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه

رابعاً: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكفر الخطايا

لاشك أن أي طاعة يقوم بها المسلم يبتغي بها وجه الله تعالى تكتب في صحيفة حسناته, وتكون سبباً بإذن الله في تكفير زلاته وسيئاته, كما قال سبحانه: ï´؟إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِï´¾[هود:114], ومن ذلك القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كما قال تعالى: ï´؟لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماًï´¾[النساء:114].

وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة كما قال, قال: فقلت: أنا, قال: إنك لجريء وكيف قال, قال: قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(55).

وعن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة, وكل تكبيرة صدقة, وكل تحميدة صدقة, وكل تهليلة صدقة, وأمر بالمعروف صدقة, ونهي عن منكر صدقة, وفي بضع أحدكم صدقة, قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(56).

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"(57).

وعن أبي ذر رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"(58).

وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة" قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: "يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق" قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع, قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف", قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع قال: "يأمر بالمعروف أو الخير", قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشر فإنها صدقة"(59).



خامساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: "الإيمان بالله، قلت: يا نبي الله، إن مع الإيمان عمل, قال يرضخ مما رزقه الله", قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به؟ قال: "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" قال قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان عييا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: "يصنع لأخرق", قلت أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئا؟ قال: "يعين مغلوبا", قلت أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا؟ قال: "ما تريد أن يكون في صاحبك من خير يمسك عن أذى الناس" فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: "ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة"(60).

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاث مائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار" قال أبو توبة وربما قال: يمسي(61).

وعن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال: "لئن كنتَ أقصرتَ الخطبة لقد أعرضتَ المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة", فقال: يا رسول الله أوليستا بواحدة قال: "لا إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في عتقها, والمِنْحَةُ الوَكوف, والفيء على ذي الرحم الظالم, فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير"(62).

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة" أي: أنك إن أقصرت في العبارة بأن جئت بعبارة قصيرة فقد أطنبت في الطلب حيث مِلْتَ إلى مرتبة كبيرة أو سألت عن أمر ذي طول وعرض إشارة إلى قوله تعالى: ï´؟وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُï´¾[آل عمران:133], قوله: "والمِنْحة" هي العطية, والمراد هنا ناقة أو شاة يعطيها صاحبها لغيره لينتفع بلبنها ووبرها ثم يعيدها, "الوَكوف" صفة لها, وهي الكثيرة اللبن وقيل التي لا ينقطع لبنها طوال السنة, مِنْ وكف البيت وكفاً إذا قطر, والعين بالدمع إذا سال قليلاً قليلا, قوله: "والفيء على ذي الرحم الظالم" أي: ومما يدخل الجنة الرجوع بالبر على القريب وإن كان ظالماً لك بقطع الصلة وغيره(63).
 
رد: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه

المطلب الثالث: الآثار المترتبة على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



لكل أمرٍ أمرنا الله تعالى به في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أثرٌ يجده المسلم إما في الدنيا أو في الآخرة أو كليهما, وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترتب على القيام بها الكثير من الآثار العظيمة, والفوائد الجسيمة التي قد يصعب حصرها, والإحاطة بها, وفي هذا المطلب سنقف مع بعض هذه الآثار والفوائد كما يلي:



أولاً: إقامة الملة والشريعة وحفظ الدين والعقيدة لتكون كلمة الله هي العليا

تكفل الله عز وجل بحفظ دينه وشريعته, وجعل لذلك أسباباً كثيرة من هذه الأسباب الدعوة إلى هذا الدين, وحمايته من أعدائه, وهذا من أول مراتب الضروريات الخمس التي أمر الله بحفظها, ومن أجل ذلك شرع الله الجهاد لحفظ دينه, وهذا نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قال تعالى: ï´؟قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَï´¾[التوبة:14], فجعل سبحانه تعذيب المشركين بأيدي المسلمين(64), وذلك بالقتل والسبي, وقال تعالى: ï´؟وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌï´¾[الأنفال:39].

فالجهاد مرتبة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقد أمر الله به لنصرة شريعته وإعلاء كلمته, قال تعالى: ï´؟وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَï´¾[البقرة:193].

قال الإمام ابن كثير: «ï´؟ويكون الدين للهï´¾ أي: يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان... وقوله: ï´؟فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَï´¾ يقول: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك، وقتال المؤمنين، فكُفُّوا عنهم، فإنّ مَنْ قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم، ولا عُدوانَ إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد: لا يُقَاتَلُ إلا من قاتل, أو يكون تقديره؛ فإن انتهوا فقد تَخَلَّصُوا من الظلم، وهو الشرك, فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعُدْوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة، كقوله: ï´؟فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْï´¾[البقرة:194]»(65).

وبعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لإتمام دينه وإقامة شريعته, فكان خير من دعا إلى الهدى, وأكمل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر, وقد أُمر بقتال من لم يستجب لأمر ربه فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"(66).

وأمر أمته بأن يجاهدوا تحت هذا المبدأ العظيم, فعن أبي موسى قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله, فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"(67).

ومن أجل ذلك جعل الله تعالى سنة التدافع بين عباده لتحقيق هذا المبدأ, قال تعالى: ï´؟وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَï´¾[البقرة:251].

قال الإمام جلال الدين السيوطي: «يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر ودفعه ببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها, وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض الآية قال: يبتلي الله المؤمن بالكافر ويعاقب الكافر بالمؤمن»(68).

وقال تعالى: ï´؟وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌï´¾ [الحج:40].

قال الإمام الطبري رحمه الله: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض لهدم ما ذكر من دفعه تعالى ذكره بعضهم ببعض وكفه المشركين بالمسلمين عن ذلك ومنه كفه ببعضهم التظالم كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم, ومنه كفه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق ونحو ذلك وكل ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض لولا ذلك لتظالموا»(69).

ويدخل في حفظ الدين أيضاً نبذ كل ما يتنافى مع الإيمان بالله تعالى والعقيدة الصحيحة كالشرك والابتداع في الدين, ورفض كل ما يخالف أمر الشريعة كالتحاكم إلى غير شرع الله تعالى, وكذلك اجتناب الذنوب والمعاصي بجميع أنواعها, وكل هذا لا يمكن تحقيقه إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



ثانياً: إقامة الحق وانتشار العدل ورفع الجور والظلم بين العباد

من الآثار المترتبة على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقامة الحق وظهوره بين الناس وانتشار العدل, واضمحلال الجور والظلم بين العباد, لوجود من يردع أهل الظلم, ويقف مع المظلومين, ولذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننصر المظلوم, ونقف في صفه حتى ينال حقه من الظالم, وأن نردع الظالم عن ظلمه حتى يعود إلى صوابه, فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما", فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره"(70).

قال الإمام المناوي رحمه الله: «"انصر أخاك ظالماً كان أو مظلوماً" قيل: كيف يا رسول الله ذلك؟ قال: إن يك ظالماً فاردده عن ظلمه وإن يك مظلوماً فانصره" وفي رواية للبخاري "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً, قالوا: هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالما فقال: تأخذ فوق يديه" كنى عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكن بالقول وعبر بالفوقية إيماء إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة وفيه وفيما قبله إشعار بالحث على محافظة الصديق والاهتمام بشأنه ومن ثم قيل: حافظ على الصديق ولو على الحريق»(71).

وأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالتناصح بين المسلمين, بل وجعله من أهم ركائز الدين؛ لما له من أثر عظيم في رفع الظلم, وإقامة العدل, وانتشار الخير, واضمحلال الشر, فعن تميم الدّاريّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الدّين النّصيحة قلنا: لمن؟, قال: للّه ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم" (72).
 
رد: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه

وقد أوضح العلماء معنى هذه النّصيحة فيما يحكيه ابن حجر رحمه الله حيث قال: «والنّصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حمّلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسدّ خلّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، وردّ القلوب النّافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظّلم بالّتي هي أحسن ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النّصيحة لهم ببثّ علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظّنّ بهم، والنّصيحة لعامّة المسلمين الشّفقة عليهم، والسّعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكفّ وجوه الأذى عنهم، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه»(73).

وإن مما يرفع الظلم عن العباد ويقيم الحق بينهم مناصحة ولاة الأمر والأخذ على أيديهم من الوقوع في الظلم والجور, شريطة أن يكون ذلك بالأسلوب الحسن, دون تشهير أو تحقير أو إحداث فتنة, وقد يتطلب الأمر إظهار النصيحة وإن أدى ذلك إلى بذل النفس, بل يعد هذا من أعظم الجهاد كما بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعظم الجهاد كلمة حق تقال أمام سلطان جائر, فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ من أعْظم الْجهاد كلمة عدل عِنْد سلْطان جائِر"(74)، وفي رواية "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر"(75).

قال صاحب عون المعبود: «"أفضل الجهاد" أي من أفضله بدليل رواية الترمذي "إن من أعظم الجهاد كلمة عدل" وفي رواية لابن ماجه "كلمة حق"(76) والمراد بالكلمة ما أفاد أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر من لفظٍ أو ما في معناه ككتابةٍ ونحوها, "عند سلطان جائر" أي: ظالم, وإنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان مترددا بين رجاء وخوف لا يدري هل يَغْلِب أو يُغْلَب وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف»(77).

وفي هذا المعنى حديث جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"(78).

قال الإمام المناوي رحمه الله: «"سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب" عم المصطفى صلى الله عليه وسلم استشهد يوم أحد "ورجل قام إلى إمام جائر فأمره" بالمعروف "ونهاه" عن المنكر "فقتله" لأجل أمره أو نهيه عن ذلك, فحمزة سيد شهداء الدنيا والآخرة, والرجل المذكور سيد الشهداء في الآخرة لمخاطرته بأنفس ما عنده وهي نفسه في ذات الله تعالى»(79).

وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ وَمَن أنكر سَلِم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال لا ما صلوا"(80).

قال الإمام النووي رحمه الله: «هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالإخبار بالمستقبل ووقع ذلك كما أخبر صلى الله عليه وسلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم "فمن عرف فقد برئ" وفي الرواية التي بعدها "فمن كره فقد برئ" فأما رواية من روى "فمن كره فقد برئ" فظاهرة, ومعناه من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه وليبرأ, وأما من روى "فمن عرف فقد برئ" فمعناه والله أعلم: فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه فإن عجز فليكرهه بقلبه وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من رضي وتابع" معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع, وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه وأما قوله "أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا" ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء»(81).

وعن أبي سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبداً حجته قال يا رب رجوتك وفرقت من الناس"(82).

قال ابن رجب الحنبلي بعد ذكره لهذا الحديث: «جهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات اللهو التي لهم أو نحو ذلك أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك وكل ذلك جائز وليس هو من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتله الأمراء وحده وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين, نعم إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك»(83).

وفي حديث بيعة العقبة عن جابر بن عبد الله: جاء بعض أهل المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله علام نبايعك قال: "تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت يثرب فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة"(84).



ثالثاً: يزيل عوامل الشّرّ والفساد ويثبّت معاني الخير والصّلاح في الأمّة

بظهور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحاصر الرذيلة وتنقمع المعصية ويقع الرعب والخوف في قلوب أرباب الفساد والمعاصي، وذلك أن أهل الفساد يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, كما



قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «ودت الزانية لو زنى النساء كلهن»(85) وهذا مشاهد ملموس(86).

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقضي على الرذيلة أوّلا بأوّل, لوجود من يردع أهل المنكرات عن التطاول والتمادي في فجورهم, وبذلك تسلم الأمّة من شرورهم وفسادهم, وتسعد في حياتها الخالية من الذنوب والمعاصي.

وبالمقابل فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساعد في نشر المعروف بين المسلمين, وتثبيت معاني الخير في حياة الأمة, وتقوية جانب الفضيلة, وإشاعة الأخلاق الحسنة في العلاقات الاجتماعية لتقوم على قواعد وأسس الشريعة، حيث الصدق والوفاء، والتراحم والتناصح، وأداء الأمانة، والرفق والإحسان، ويهيّأ الجوّ الصّالح الّذي تنمو فيه الآداب والفضائل وتختفي فيه المنكرات والرّذائل, ويتربّى في ظلّه الضّمير العفيف والوجدان اليقظ, والانطلاق لإسعاد المجتمع(87).

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر الوثاق المتين الذي تتماسك به عرى الدين، وتحفظ به حرمات المسلمين، وتظهر أعلام الشريعة، وتفشو أحكام الإسلام، وبارتفاع سهمه يعلو أهل الحق والإيمان، ويندحر أهل الباطل والفجور، ويورث القوة والعزة في المؤمنين، ويذل أهل المعاصي والأهواء، وترغم أنوف المنافقين(88).
 
رد: تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان حكمه

رابعاً: يبعث الإحساس بمعنى الإخوة والتكامل بين المؤمنين

إن القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشعر أبناء المجتمع الواحد بمعنى الإخوة, لأنه نوع من التناصح الذي يبعث الإحساس بالتكامل فيما بينهم, والتعاون على البر والتقوى واهتمام المسلمين بعضهم ببعض وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال سبحانه: ï´؟وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِï´¾[المائدة:2], وإن القيام بذلك مما يوطد الأمن ويبعث الطمأنينة في نفوس المسلمين, ويؤكد الثقة والمحبة والاعتزاز بالجماعة في قلوب المؤمنين ويأمن الناس على الحقوق والحرمات.

فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن يبصره بعيوبه, ويرشده إلى منفعته, كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه"(89).

وكان عمر رضي الله عنه يسأل سلمان عن عيوبه, وكان يقول: «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي»(90).

فمن حق المسلم على المسلم أن يديم نصيحته, ويحسن نصرته، ويقضي حاجته، ويستر عورته، ويغفر زلته، ويرحم عبرته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، ويرد ضالته، ويواليه، ولا يعاديه، وينصره على ظالمه، ويكفه عن ظلمه غيره، ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه(91).



خامساً: يشد ظهر المؤمنين ويقوي عزائمهم ويرغم أنوف المنافقين ويضعف معنوياتهم

لاشك أن المؤمن يفرح عندما يرى من يؤازره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتتقوى عزيمته بمساندة إخوانه وأنصاره, ومن يقف معه وقفة إيجابية في نشر دعوته, وهذا من لوازم الولاء بين المؤمنين الصادقين, وعلى العكس من ذلك فالمنافقون تضيق صدورهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال الله عنهم: ï´؟وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءï´¾[النساء:89].

وذلك أن كثيرا منهم يحبون من يوافقهم على ما هم فيه ويبغضون من لا يوافقهم, وسبب حبهم لمن يشاركهم في أمورهم وشهواتهم إما للمعاونة على ذلك, وإما لتلذذهم بالموافقة, وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالخير إما حسداً له على ذلك وإما لئلا يعلو عليهم بذلك ويحمد دونهم وإما لئلا يكون له عليهم حجة, ولئلا يكونوا تحت منته ونحو ذلك من الأسباب(92), وهذه صفتهم في كل زمان ومكان.

روي عن سفيان الثوري أنه قال: «إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق»(93).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنآن الفاسقين(94), فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن شنأ المنافقين وغضب لله عز وجل غضب الله تعالى له»(95).

قال الشيخ الدكتور خالد السبت: «المؤمن يقوى ويعتز حينما ينتشر الخير والصلاح ويوحد الله لا يشرك به وتضمحل المنكرات على إثر ذلك، بينما يخنس المنافق بذلك وَيَشْرَق, ويكون ذلك سببا لغمه وضيق صدره وحسرته، لأنه لا يحب ظهور هذا الأمر ولا ذيوعه بين الخلق, كيف لو طُولِب هو بالتطبيق والعمل ومجانبة المنكر, وأُلزم بما أظهر من الانتساب لهذا الدين؟! لاشك أنه يتألم لذلك أشد الألم ويحزن بسببه أشد الحزن»(96).

فالمنافقون كما ذكر لنا القرآن الكريم من صفاتهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف قال تعالى: ï´؟الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَï´¾[التوبة:67].

قال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه: «يأتي على الناس زمان لأن يكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر»(97).

فحقيقة المنافقين أنهم من طينة واحدة، وطبيعة واحدة, قد تختلف أفعالهم وأقوالهم، ولكنها ترجع إلى طبع واحد، وتنبع من معين واحد, سوء الطوية ولؤم السريرة، والغمز والدس، والضعف عن المواجهة، والجبن عن المصارحة, تلك سماتهم الأصلية, في كل زمان وفي كل مكان, أما سلوكهم فهو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والبخل بالمال إلا أن يبذلوه رئاء الناس, وهم حين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف يستخفون بهما، ويفعلون ذلك دساً وهمساً، وغمزاً ولمزاً، لأنهم لا يجرؤون على الجهر إلا حين يأمنون, لأنهم ï´؟نسوا اللهï´¾ فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، ولا يخشون إلا الأقوياء من الناس يذلون لهم ويدارونهم ï´؟فنسيهمï´¾ الله فلا وزن لهم ولا اعتبار, وإنهم لكذلك في الدنيا بين الناس، وإنهم لكذلك في الآخرة عند الله فهم مطرودون من رحمته(98).



سادساً: التمكين في الأرض والنصر على الأعداء

وعد الله عباده المؤمنين بالنصر على أعدائهم مقابل نصرهم لدينه ولكتابه، وامتثالهم لأوامره, واجتنابهم لنواهيه, وإقامتهم لحدوده، ونصحهم لعباده, وجهادهم في سبيله لإعلاء كلمته، واتباعهم لرسوله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: ï´؟وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌï´¾[الحج:40].

ثم بين صفات هؤلاء الموعودين بهذا النصر في الآية التي بعدها فقال سبحانه: ï´؟الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِï´¾[الحج:41].

قال الإمام محمد المختار الشنقيطي: «يدل على أن الذين لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ليس لهم وعد من الله بالنصر البتة, فمثلهم كمثل الأجير الذي لم يعمل لمستأجره شيئا ثم جاءه يطلب منه الأجرة, فالذين يرتكبون جميع المعاصي ممن يتسمون باسم المسلمين ثم يقولون: إن الله سينصرنا مُغَرَّرُون لأنهم ليسوا من حزب الله الموعودين بنصره كما لا يخفي(99)».

وفي الآية أيضاً دليل على إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من مكنه الله في الأرض من ولاة الأمر, وكل من أقدره على القيام بذلك(100).

وقال تعالى: ï´؟وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَï´¾[النور:55].
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى