وقفات في حياتنا

الفردوس

عضو جديد
( الوقفة الأولى : ماذا كنت أيها الإنسان ؟؟)

قال تعالى : { " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "} الإنسان (1)
هل أتى ؟ سؤال استفهام تقرير ورد في سورة الإنسان , ليسأل كل إنسان نفسه ويتذكر " لم يكن شيئاً مذكوراً " ثم أكرمه الله وخلقه وجعله شيئاً مذكوراً .
ما الشكر الذي يوازي هذه النعمة ؟؟؟
هذه وقفة مهمة يقفها الإنسان في أول محطة من محطات الحياة .. ويجب أن لا تنسى .
هل أدى شكر هذه النعمة ؟؟؟

( الوقفة الثانية :كلنا من آدم وآدم من تراب : )

قال الله تعالى : { " خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها .." }الزمر (6)
جميع الخلق خلقوا من نفس واحدة وهو آدم عليه السلام وزوجته حواء . مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم .
( إذن )ما الفرق بينك وبين بقية البشر ؟؟؟
سؤال لابد أن تجيب عليه كل نفس بتجرد تام من جميع الأهواء الدنيوية , لتدرك أنه لا فرق .
محطة يقف بها الإنسان ويجب أن لا تنسى حتى لا يتكبر ولا يتعالى على إخوانه من البشر .
إذ لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى كما قال رسول البشرية صلى الله عليه وسلم .

( الوقفة الثالثة : في ظلمات ثلاث :)

قال الله تعالى : { " .. يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون "} الزمر (6)
يخلق الله الإنسان في بطن أمه خلقاً بعد خلق . نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يخلق فيكون لحماً وعظماً وعصباً وعروقاً وينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر .
كل ذلك يحدث في ظلمات ثلاث : ظلمة الرحم , والمشيمة , والبطن .
محطة يتوقف فيه الإنسان .. ليتأمل كل إنسان خلق في أحست تقويم , يخلق في ظلمات ثلاث . سبحان الله المبدع . وقال سبحانه : { " ولقد خلقنا الإنسان ن سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة * فخلقنا المضغة عظاما , فكسونا العظام لحما , ثم أنشأناه خلقاً آخر , فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون " }.
فاستوعب سبحانه ذكر أحوال ابن آدم قبل كونه نطفة بل تراب وماء , إلى حين بعثه يوم القيامة .

( الوقفة الرابعة : إنسان ضعيف وعاجز لولا هذه النعمة !!!)

ساعات .. لحظات .. وتبدأ الصرخات منك أيها الإنسان .. ضعيف عاجز , لا حول لك ولا قوة , لا تستطيع إطعام نفسك , لا تستطيع دفع الأذى عن نفسك .
وتكبر أيها الإنسان وتنسى هذه اللحظات , لكنها حتماً ليست ملغية من حياتك .. محطة وقفت بها .. يجب أن لا تنسى .. فعد إليه في ذكرياتك وتذكرها .. تخيل نفسك في تلك الصورة ..
واستشعر في أعماق نفسك كم هو جميل أن من الله عليك بكثير من النعم .

يروى أن أحد الآباء طلب من ولده أن يأخذه إلى أحد الأماكن للنزهة , وطلب منه أن يحضر معه شيئاً من الفاكهة . فلما وصلا إلى المكان , صعد الأب -وهو شيخ كبير- وأخذ الفاكهة من ولده كأنه يأكل , ثم أسقطها , فقام الابن يجمعها , وجاء بها إلى أبيه فكرر الأب ذلك العمل , فغضب الابن وصرخ في وجه أبيه . فقال الأب : يا ولدي : لقد كنت تفعل ذلك وأنت صغير , وكنت أنزل مرات وكرات إلى هذا المكان بالذات وأصعد لكي أحضر لك الفاكهة وأنا أضحك لك وألاعبك , وأنت اليوم تصرخ في وجهي متأففاً غاضباً , فأنظر الفرق بين ما كنت أعمله لك وما تعمله أنت لي .
فانتبه أيها الإنسان .. عقوق الوالدين له عقوبة عاجلة في الدنيا غير آجلة ..
قي هذه المحطة التي يجب أن لا تنسى بر الوالدين يتزود منه بزادٍ يوصله إلى أعظم مبتغى وهو سعادة الدارين .

( الوقفة الخامسة : الحياة الطيبة ..)

{ قال ابن قيم الجوزية : }

قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته . فقال تعالى : { " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "} . سورة النحل آية 97
وقد فسرت ( (( الحياة الطيبة ))) بالقناعة والرضى والرزق الحسن وغير ذلك . والصواب : أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه . فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها . ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة كما كان بعض العارفين يقول : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب . وقال غيره : إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً .
وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح . فإنه ملكها ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره . وهي عكس الحياة الطيبة .
وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث أعنى : دار الدنيا , ودار البرزخ , ودار القرار .

والمعيشة الضنك أيضاً تكون في الدور الثلاث . فالأبرار في النعيم هنا وهناك , والفجار في الجحيم هنا وهناك . قال الله تعالى : { " اللذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير " }. سورة النحل آية 30 . وقال تعالى : { " وإن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه . يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله "} سورة هود آية 3 . فذكر الله سبحانه وتعالى ومحبته وطاعته والإقبال عليه : ضامن لأطيب الحياة في الدنيا والآخرة . والإعراض عنه والغفلة ومعصيته : كفيل بالحياة المنغصة والمعيشة الضنك في الدنيا والآخرة .


( الوقفة السادسة : أقسام الخلائق بالنسبة لقبول دعوته صلى الله عليه وسلم . )

{ قال ابن قيم الجوزية في رسالته زاد المهاجر إلى ربه :}

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته وما بعث به من الهدى في قوله صلى الله عليه وسلم : ( " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم : كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير . وكانت منها أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا , وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في الدين فنفعه ما بعثني الله به , ومثل من ولم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " ).
فشبه صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث لأن كلا منهما سبب الحياة , فالغيث سبب حياة الأبدان , والعلم سبب حياة القلوب . وشبه القلوب بالأودية كما في قوله تعالى : { ( أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها )} . الرعد آية 17 .

( وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث :)

{ إحداها} .. أرض زكية قابلة للشرب والنبات , فإذا أصابها الغيث ارتوت , ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج .
فذلك مثل القلب الزكي الذكي , فهو يقبل العلم بذكائه , فيثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بذكائه , فهو قابل للعلم مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه .
{ والثانية }.. أرض صلبه قابلة لثبوت ما فيها وحفظه , فهذه تنفع الناس لورودها والسقي منها والازدراع .
وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه فلا تصرف فيه ولا استنباط , بل للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع وهو القسم الذي قال الني صلى الله عليه وسلم : ( " فرب حامل فقه إلى من هو أفقه , ورب حامل فقه غير فقيه ") .
( فالأول) : كمثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات فهو يكسب بماله ما شاء .
( والثاني ): مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والمكسب ولكنه حافظ لما يحسن التصرف والتقلب فيه .
{ والأرض الثالثة} .. أرض قاع وهو المستوي الذي لا يقبل النبات ولا يمسك ماء فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه بشيء .
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم والفقه والدراية وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ وهو مثل الفقير الذي لا مال له ولا يحسن أن يمسك مالا.
{ فالأول} : عالم مُعَلِّم , وداع إلى الله على بصيرة فهذا من ورثة الرسل .
{ والثاني} : حافظ مؤد لما سمعه فهذا يحمل لغيره ما يتجر به المحمول إليه ويستثمر .
{ والثالث} : لا هذا ولا هذا فهو الذي لم يقبل هدى ولم يرفع به رأساً .
فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم منها قسمان : قسم سعيد وقسم شقي .


( الوقفة السابعة : أصحاب السنة تحيا بهم البلاد :)

{ عن الفضيل بن عياض – رحمه الله - أنه قال :} " إن لله عباداً يحيي بهم البلاد , وهم أصحاب السنة " . وقال آخر : " من ألزم نفسه آداب السنة , غمر الله قلبه بنور المعرفة , ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره , وأفعاله وأخلاقه , والتأدب بآدابه , قولاً وفعلاً ونيةً وعقداً " .
ومتى حافظ المسلم على السنة محافظته على الطعام والشراب الذي به قوام البدن , غمرته الفوائد الدينية والدنيوية . ( كما قال ابن قدامة – رحمه الله - ): " وفي إتباع السنة بركة موافقة الشرع , ورضى الرب سبحانه وتعالى , ورفع الدرجات , وراحة القلب , ودعة البدن , وترغيم الشيطان , وسلوك الصراط المستقيم ) .


( الوقفة الثامنة : أعظم الإضاعات .. إضاعة القلب والوقت : )

{ يقول ابن القيم في ( الفوائد ) :} " إن أعظم الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة : إضاعة القلب , وإضاعة الوقت ..فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة , وإضاعة الوقت من طول الأمل , فاجتماع الفساد كله في إتباع الهوى وطول الأمل , والصلاح كله في إتباع الهدى والاستعداد للقائه ".
ويقول ابن الجوزي : " على الإنسان أن يعرف شرف زمانه وقيمة وقته , وأن لا يضيع منه شيئاً إلا يقربه , وليأخذ بالأفضل فالأفضل في الأقوال والأفعال , ولتكن نيته قائمة بلا فتور , كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
frown.gif
" نية المؤمن خير من عمله ")

( الوقفة التاسعة : الفرق بين المتحدث بنعم الله والفخر بها .. )

أن المتحدث بالنعمة .. مخبر عن صفات وليها ومحض جوده وإحسانه , فهو مثنٍ عليه بإظهارها والتحدث بها شاكراً له , ناشراً لجميع ما أولاه مقصوده بذلك إظهار صفات الله ومدحه والثناء , وبعث النفس على الطلب منه دون غيره وعلى محبته ورجائه فيكون راغباً إلى الله بإظهار نعمه ونشرها والتحدث بها .
وأما الفخر بالنعم .. فهو أن يستطيل بها على الناس ويريهم أنه أعز منهم وأكبر , فيركب أعناقهم ويستعبد قلوبه ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة . { قال النعمان بن بشير }: " إن الشيطان مصالى وفخوخاً وإن من مصاليه وفخوخه البطش بنعم الله والكبر على عباد الله والفخر بعطية الله والهون في غير ذات الله " . من كتاب الروح لابن القيم .

( الوقفة العاشرة : الفرق بين الصبر والقسوة :)

أن الصبر.. خلق كسبي يتخلق به العبد , وهو حبس النفس عن الجزع والهلع والتشكي , فيحبس النفس عن التسخط , واللسان عن الشكوى , والجوارح عما لا ينبغي فعله , وهو ثبات القلب على الإحكام القدرية والشرعية .
وأما القسوة .. فيبس في القلب يمنعه من الانفعال وغلظة تمنعه من التأثر بالنوازل , فلا يتأثر لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله .
وتحقيق هذا أن القلوب ثلاثة :
{ ( قلب قاسٍ )} غليظ بمنزلة اليد اليابسة . و{ ( قلب مائع )} رقيق جداً .
فالأول : لا ينفعل بمنزلة الحجر . والثاني : بمنزلة الماء . وكلاهما ناقص .
وأصح القلوب ( القلب الرقيق ) الصافي الصلب . فهو يرى الحق من الباطل بصفائه ويقبله . ويؤثره برقته , ويحفظه ويحارب عدوه بصلابته .
وفي الأثر " القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها " وهذا القلب الزجاجي فإن الزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة .
وأبغض القلوب إلى الله القلب القاسي . قال تعالى : { ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله )} وقال تعالى : { ( ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )} وقال تعالى : ({ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم )} . فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال , هذا بمرضه وهذا بقسوته , وجعل إلقاء الشيطان فتنة لأصحاب هذين القلبين , ورحمة لأصحاب القلب الثالث وهو القلب الصافي الذي ميز بين إلقاء الشيطان وإلقاء الملك بصفائه وقبل الحق بإخباته ورقته , وحارب النفوس المبطلة بصلابته وقوته . فقال تعالى عقيب ذلك :{ ( وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم )} . من كتاب الروح لابن القيم

قال العلماء : على أصحاب القلوب القاسية أن يعالجوها بثلاثة أمور :

{ الأول }: الإقلاع عما هي عليه .. بحضور مجالس العلم بالوعظ والتذكير والتخويف والترغيب وأخبار الصالحين .
{ الثاني} : ذكر الموت .. فيكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات .
{ الثالث} : مشاهدة المحتضرين .. فإن النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته ما يقطع عن النفوس لذتها , ويطرد عن القلوب لذاتها .

( الوقفة الحادية عشر : أيها الإنسان من يشفيك إذا مرضت , ومن يغنيك إذا افتقرت ؟؟؟)

قال الله تعالى في سورة الشعراء آية 80 : { " وإذا مرضت فهو يشفين " }.
عجباً يا ابن آدم فنسمة هواء عابرة كفيلة بأن تنقلك من عالم الأصحاء إلى عالم المرضى . حينها ستجد نفسك تفقد حواسك تدريجياً ولو لوقت محدد .. فالزكام سينتشل حاسة الشم أولاً , ثم سيتأثر سمعك , وستقلب ناظريك يميناً وشمالاً كالمذهول .. رباه ما الذي أحالني إلى ذلك ؟
ستتمتم قائلاً : تباً لها من نسمة عابرة !!!
ستعيش يوماً أو ربما أكثر بين أكوام الأدوية , ونسيت أنها لن تغني عنك شيئاً , ولن تصل بك إلى مصاف الأصحاء إن لم يأذن المولى بذلك فهو الوحيد الذي يقدر أن يعيد لك عافيتك بعد أن سلبك إياها ..
وقال تعالى في سورة القصص آية 24 : { " رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير " }.
إلهي .. سأظل أنا ذلك الضعيف مهما بلغ بي الجبروت , ومن أنا سوى عبد يرجو رحمتك , ويبتغي تنفس رضاك , فمن لي سواك يا خالقي مهما أسبغت علي من نعمك . سأظل فقيراً .. فالفقر لك يا خالقي أصل العزة والافتخار .. فأنت المتفضل علي .. وكيف يحلو الفقر إن لم يكن إليك ؟!!
فأدم إلهي علي نعمة الفقر إلى رحمتك وعفوك ورضاك .. فالفقر لك شهد لن يتذوقه من لم يأنس بقربك .. فياليت قومي يعلمون ..

( الوقفة الثانية عشر : الدعاء مع البلاء ثلاث ..)

{ قال ابن القيم – رحمه الله –} في كتابه / الجواب الكافي .
والدعاء من أنفع الأدوية , وهو عدو البلاء , يدافعه ويعالجه , ويمنع نزوله , ويرفعه , أو يخففه إذا نزل , وهو سلاح المؤمن , كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( " الدعاء سلاح المؤمن , وعماد الدين , ونور السموات والأرض ") .

وله مع البلاء ثلاث مقامات :
{ أحدها} : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
{ الثاني} : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء , فيصاب العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً .
{ الثالث} : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .
وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها , قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( " لا يغني حذر من قدر , والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل , وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة ") .
وفيه أيضاً من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل , فعليكم عباد الله بالدعاء ") .
وفيه أيضاً من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( " لا يرد القدر إلا الدعاء , ولا يزيد في العمر إلا البر , وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ") .
يا رب .. كيف أدعوك وأنا عاصٍ .. وكيف لا أدعوك وأنت كريم .


( الوقفة الثالثة عشر : الاستغفار .. أمان من العذاب :)

يا أسفي على من يُستغفَر له فوق السماء وهو غافل عن الاستغفار لنفسه , والتوبة إلى الله ..
كيف لا ؟؟؟
وقد قال الله جلت عظمته :{ " الَّذِينَ يَحمِلُونَ العَرشَ وَمَنْ حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَستَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ رَّحمَةً وَعِلماً فَاغْفِر لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلهُمْ جَنَّاتِ عَدنٍ التِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ أبَائِهِمْ وَأَزوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ أِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَومَئِذٍ فَقَدْ رَحِمتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " }. غافر آية 7-9
وقال تعالى : { " وَالمَلآئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغفِرُونَ لِمَن فِي الأَرضِ أَلاَ إِنَّ اللهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "} الشورى آية 5
{ (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ))}

قال أبو موسى – رحمه الله – قد كان فيكم أمانان . قوله تعالى : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم . وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " الأنفال آية 33
أحسبه قال : أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى لسبيله , وأما الاستغفار فهو كائن بينكم إلى يوم القيامة . تاريخ بغداد _ للخطيب البغدادي .

( الوقفة الرابعة عشر : من وصايا السلف : )

قال رجل لسفيان الثوري : أوصني ؟ قال : اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها وللآخرة بقدر بقائك فيها , والسلام .
وقال يحيى بن معاذ : لست آمركم بترك الدنيا , آمركم بترك الذنوب . ترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة , وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – في شرح المنتقى : إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذا الدعاء .
( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر , والعزيمة على الرشد , وأسألك حسن عبادتك , وشكر نعمتك , وأسألك قلباً سليماً , ولساناً صادقاً , وأسألك من خير ما تعلم , وأعوذ بك من شر ما تعلم , واستغفرك مما تعلم , وأنت علام الغيوب ) .

( الوقفة الخامسة عشر : وداعاً .. قرب الرحيل : )

بكى سفيان الثوري – رحمه الله – ليلة إلى الصباح , فلما أصبح قيل له :
أكل هذا خوفاً من الذنوب ؟
فأخذ تبنة من الأرض وقال : الذنوب أهون من هذه وإنما أبكي من سوء الخاتمة .
وهذا من أعظم الفقه : أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت , فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى . الجواب الكافي .. لأبن القيم الجوزية
من قصيدة للإمام أبي القاسم الزمخشري – رحمه الله- :
{ قرب الرحيل إلى ديار الآخرة ... فاجعل إلهي خير عمري أخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسكين الذي أيامه ... ولت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم ... فبحار جودك يا ألهي زاخره
 
رد: وقفات في حياتنا

بارك الله فيك
 
رد: وقفات في حياتنا

جزاك الله خيرا
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 5)

عودة
أعلى