أين الآليات التنفيذية للدمج؟

أين الآليات التنفيذية للدمج؟

كلما قضى ذوو الاحتياجات الخاصة وقتا أطول في فصول المدرسة العادية، زاد تحصيلهم تربويا ومهاريا واجتماعيا مع تقدمهم في العمر




في قراءة سريعة للقوانين التي تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي، لم أجد قانونا واحدا يساعدهم على نيل حقوقهم، سواء الصحية أو التعليمية أو الاقتصادية، ما أقصده من ناحية تواجد الآليات أو التسهيلات التي تضمن تنفيذ هذه القوانين، نعم هنالك مجهودات متواصلة لا يمكن إنكارها، ولكن ما يحدث على أرض الواقع من معاناة هذه الشريحة من المجتمع وأهاليهم يدل على انعدام الاستثمار الأمثل لهذه القوانين أو تنفيذها بالطرق الصحيحة.
حين يدرك الأب أو الأم أن طفلهما يعاني من قصور ما في التواصل الاجتماعي أو تأخر في مهارات التحدث والتواصل والتركيز، تبدأ رحلة المعاناة، فغالبية المدارس ليس لديها مختصون، وإن طبقوا بعض الاختبارات المبدئية التشخيصية كخطوة أولى يكون الناتج التحويل إلى مركز تشخيص خاص، تكاليفه تبدأ من الغالي إلى الأغلى عن كل زيارة أو استشارة! وإن وضعت خطة من هذه المراكز لكيفية التعامل مع الطفل تبدأ مرحلة المعاناة الثانية في إيجاد المدرسة التي تقبل تسجيل الطفل عندها، لأن مستواه لا يجاري المستوى المطلوب للمدرسة، طبعا روضاتنا تشبه روضات "هارفرد" و"إم أي تي"! وبعد بحث مضنٍ قد يجدون مدرسة تعنى بهذه النوعية من الأطفال، ولكن عليهم أن يدفعوا ما يساوي رسوم إيجار شقة سكنية وليس روضة أطفال!
اليوم نجد أن الكثير ممن يقدم خدمات الدمج في المؤسسات التعليمية الخاصة، يطالب بمبالغ إضافية قد تصل إلى الضعف، نعم توجد مدارس في القطاع العام تقدم مثل هذه الخدمات، ولكن رغم مطالبة الدكتور إبراهيم الفوزان، مدير سابق لإدارة التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم، بتوظيف معلم صعوبات التعلم في جميع مدارس التعليم العام، أي لأكثر من 23 ألف مدرسة بنين وبنات، هذا بالإضافة لتوصيته "بإنشاء مراكز صعوبات تعلم لكل مدرسة يزيد عدد طلابها على 200 طالب"، رغم ذلك نجد أن المتواجد حاليا ممن يقدم مثل هذه الخدمات، يعد غير كاف، نظرا للأعداد المتزايدة لهذه الفئة سنويا والتي يتضح حجمها بناء على ما جاء ضمن ورقة عمل قدمت لمؤتمر التربية الخاصة الثالث في الدوحة للدكتور ناصر علي الموسى عام 2007، وهو أيضا مدير سابق لنفس الإدارة، بأن: "حوالي (20%) من تلاميذ المدارس العادية في أي بلد من بلدان العالم قد يحتاجون إلى خدمات التربية الخاصة"، ونحن لدينا حسب آخر إحصائية لوزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 1432-1433هـ، 4,918,577 طالب وطالبة مدارس تعليم عام، أي ما يقارب مليون طالب وطالبة ممن قد يحتاجون إلى خدمات التربية الخاصة، أضف إلى ذلك كله نقص الكوادر المؤهلة التي تعمل فيها رغم إنشاء أقسام التربية الخاصة في بعض مؤسسات التعليم العالي في المملكة، وتخرج دفعات منها، يظهر لنا، على الأقل كمثال، قضية خريجي الدبلوم العام في التربية الخاصة، وجود مشاكل في التوظيف! هل هي مشاكل اقتصادية أم إدراية أم تقصير من جهة ما في اتخاذ القرارات السريعة اللازمة لمواكبة احتياجات المدارس؟ لا نعلم وننتظر التوضيح من الجهة المسؤولة في وزارة التربية والتعليم، أي إدارة "التربية الخاصة" تحديدا، لا لتوجيه اللوم فهم حسب موقعهم الرسمي على الشبكة العنكبوتية نشطون ولكنهم يحتاجون إلى دعم أكبر من أجل تغطية احتياجات الأعداد الكبيرة التي ذكرت، كما يجب ألا نتجاهل غياب الأرقام الدقيقة في الإحصاء السكني العام حول العدد الحقيقي لذوي الاحتياجات الخاصة وتصنيفاته، ولقد تكلمت من قبل عن أهمية تأسيس مركز إحصاء تصب فيه جميع الإحصاءات التي تخص المملكة من أجل مساعدة المسؤولين والباحثين في جميع القطاعات في بناء الدراسات والخطط الواقعية المبنية على أعداد وليست توقعات ونسبا، ولكن هذا لا يبرر أن نقف ونعطل التنفيذ بدلا من العمل على الإلزام بتنفيذ القوانين التي سنت من قبل الدولة، ونتابع من خلال ذلك الأرقام التي تصلنا عن المستفيدين ونوعيات الخدمات التي يحتاجونها.
لقد بدأ العام الدراسي وبدأت معاناة مجموعات جديدة تضاف إلى قائمة الضائعين بين أروقة المدارس والمراكز الخاصة، رغم أنه من المعروف، وحسبما أثبتته الدراسات، أنه كلما قضى ذوو الاحتياجات الخاصة وقتا أطول في فصول المدرسة العادية، زاد تحصيلهم تربويا ومهاريا واجتماعيا مع تقدمهم في العمر.
إن مطالب وحاجات هذه الشريحة من المجتمع بحاجة لمن يفعلها، ليس من باب الرفاهية وزيادة المصاريف بل من باب أنهم فئة تستوجب الرعاية والاهتمام، حق ضمنته لهم سياسة الدولة للتعليم، وعليه فمن الضروي العمل على فتح المسارات أمامهم، ورصد تفعيل هذه المسارات، وتقديم الدعم من خلال توفير اختصاصيين مؤهلين من قبل الوزارة أو تمويل توظيفهم في مدارس التعليم الخاص والعام، وإنشاء مراكز تشخيص في الأحياء الكبيرة والمتوسطة تتناسب مع الكثافة السكانية، بمستوى ما يقدم في المراكز الخاصة أو القيام بتغطية الفواتير التي تطلبها مثل هذه المراكز، للجميع وليس فقط للحالات في المدارس الخاصة والأجنبية التي تثبت التقارير الفنية ضرورة استحداث برامج تعليمية لهم، حسب ما جاء في التوصية التي ما زالت قيد الدراسة، السؤال هنا: من سيدفع تكاليف هذه التقارير؟ وإذا ثبت أن الحالة يمكن أن تتحسن بالدمج ولا تحتاج إلى برنامج تعليمي خاص، فهل ستتحمل الوزارة تكاليف التشخيص وتعين مختصا يتابع عمليات الدمج؟ وهل ستقوم بإلزام هذه المؤسسات قبول هؤلاء الطلبة والطالبات؟
أريد التأكيد على أنها ليست صرفيات زائدة أو مطالب رفاهية، إنها هموم نفسية وأثقال اقتصادية إضافية على ذوي الدخل المحدود، وكوابيس للأسر الفقيرة ممن لا تستطيع أصلا إلحاق أبنائها بالمدارس الأجنبية أو الخاصة.
إنه حق ضمنته لهم القوانين ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الإنساني والعربي والإقليمي والعالمي أيضا، التي هي بأمس الحاجة إلى آليات ولجان تفعيل ومتابعة ومحاسبة، كي يلتزم الجميع، وبالتالي نخفف من معاناة الكثير من أبناء هذا الوطن.


ميسون الدخيل 2012-09-04 1:41 AM
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=13367
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 1)

عودة
أعلى