الشمس تنحدر إلى المغيب على جبل عرفات .
الجبل مزروع بالخيام .. مليون و خمسمائة ألف حاج يحطون عليه كالحمام في ثياب الإحرام البيض .. لا تعرف الواحد من الآخر .. لا تعرف من الفقير و من الغني .. و لا تعرف من التركي و من العربي ؟
اختفت الجنسيات .. و اختفت الأزياء المميزة و اختفت اللغات .. الكل يلهج بلسان واحد .. حتى الجاوي و الصومالي و الأندونيسي و الزنجي و الأذربيجاني الكل يتكلم العربية .. بعضهم ينطقها مكسرة و بعضهم ينطقها بلكنة أجنبية .. و بعضهم يمد بعض الحروف و يأكل بعض الحروف و لكنك تستطيع أن تفهم من الجميع و تستطيع أن تسمع أنهم يهتفون .. لبيك اللهم لبيك .
و الذين لا يعرفون العربية تراهم قد التفوا حول مطوف يرددون وراءه الدعاء العربي حرفاً حرفا في خشوع و ابتهال .
في البقعة التي كنت أقف فيها أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة في مكان لا يزيد على أمتار معدودة .. التركستان و الباكستان و كازخستان و غينيا و غانا و نيجيريا و زنجبار و أوغندة و كينيا و السودان و المغرب و اليمن و البرازيل و إسبانيا و الجزائر و سيلان .. كلهم حولي يتصافحون و يتبادلون التحية ، و يهنئ بعضهم بعضا .
و لولا أن المطوف أخبرني بهذه الجنسيات لما عرفتها ، فالكل كانوا يبدون لعيني و كأنهم عائلة واحدة في مجلس عائلي حميم ..
على بعد خطوات كان أكثر من ستين هندياً يلتفون حول مطوف هندي ، و هو الآخر فيما يبدو يقرأ لهم الدعاء العربي من كتاب في يده .. و هم يرددون خلفه الدعاء و هم يبكون و قد تخضلت لحاهم الطويلة الكثة بالدموع .
و هم قطعاً لم يكونوا يعرفون العربية ، و لم يكونوا يدركون معاني ما يرددون من حروف .. و إنما شعروا بها بقلوبهم فبكوا .
كان كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف و أنه في حضرة الله و في ضيافته و في رحابه .. و أنه يقف حيث كان يقف محمد عليه الصلاة و السلام .. النبي العظيم البدوي الفقير الأمي .. و أنه يسجد حيث كان يسجد ، و يركع حيث كان يركع ، و يردد ما كان يردده من دعاء .. بذات اللسان العربي .. و في ذات اليوم .. يوم الجمعة من ذي الحجة .. و لعل ذبذبات صوت النبي و أصوات أصحابه مازالت في الفضاء حوله .. فلا شيء يفنى في الطبيعة و لا شيء يستحدث .
عرفت أن هؤلاء الستين هم من أفقر طائفة هندية و أنهم جاءوا إلى مكة على الأقدام و على سفن شراعية و على جمال .
و كان زعيمهم يحمل علماً عبارة عن خرقة ممزقة .
و بعضهم جاوز الثمانين .. و بعضهم كف بصره .. و بعضهم كان يحمل بعضا .
و كان الكل يبكون بحرقة و يذوبون خشوعاً .
كانوا فقراء حقاً .
و على بعد خطوات كان هناك هندي آخر ، قال لي المطوف إنه مهراجا يملك عدة ملايين .. و كان بذات ملابس الإحرام البيضاء .. و كان يبكي بذات الخشوع .. و كان مشلولاً يحمله أتباعه على محفة .
كان فقيراً هو الآخر حقاً .
و من منا ليس فقيراً إلى الله !
إن الملايين لا تعفي أحداً من الشيخوخة و العمى و المرض و الموت .
إن السيد و خادمه يمرضان بالأنفلونزا و يمران بنفس الأعراض .. بل نرى السيد يعاني دائماً أكثر من الخادم ، و يستنجد بعشرات الأدوية و العقاقير ، و يجمع حوله الأطباء فلا يفعل له العلم و لا الطب شيئاً .. و كانوا يقولون لنا في كلية الطب على سبيل السخرية .. إن الأنفلونزا تشفى في سبعة أيام بدون علاج .. و في أسبوع إذا استخدمنا العلاج .
و الأنفلونزا مرض بسيط .. تافه .. هي مثل من ألف مثل لضعف الإنسان و حاجته و فقره الحقيقي مهما كثرت في يده الاموال و تعددت الأسباب .
من منا ليس فقيراً إلى الله و هو يولد محمولاً و يذهب إلى قبره محمولا و بين الميلاد و الموت يموت كل يوم بالحياة مرات و مرات .
و أين الأباطرة و الأكاسرة و القياصرة ؟
هم و إمبراطورياتهم آثار .. حفائر .. خرائب تحت الرمال .
الظالم و المظلوم كلاهما رقدا معاً .
و القاتل و القتيل لقيا معاً نفس المصير .
و المنتصر و المهزوم كلاهما توسدا التراب .
انتهى الغرور .
انتهت القوة .. كانت كذبة .
ذهب الغنى .
لم يكن غنى .. كان وهماً .
العروش و التيجان و الطيالس و الخز و الحرير و الديباج .. كل هذا كان ديكوراً من ورق اللعب .. من الخيش المطلي و الدمور المنقوش .
لا أحد قوي و لا أحد غني .
إنما هي لحظات من القوة تعقبها لحظات من الضعف يتداولها الناس على اختلاف طبقاتهم .
لا أحد لم يعرف لحظة الذل ، و لحظة الضعف ، و لحظة الخوف ، و لحظة القلق .
من لم يعرف ذل الفقر ، عرف ذل المرض ، أو ذل الحب أو تعاسة الوحدة ، أو حزن الفقد ، أو عار الفضيحة أو هوان الفشل أو خوف الهزيمة .
بل إن خوف الموت ليحلق فوق رءوسنا جميعاً .
كلنا فقراء إلى الله .. كلنا نعرف هذا .
و هم يعرفون هذا جيداً .. و يشعرون بهذا تماماً ، و لهذا يبكون .. و يذوبون خشوعاً و دموعاً .
سألني صديقي و هو رجل كثير الشك :
- و ما السر في ثياب الإحرام البيضاء و ضرورة لبسها على اللحم و تحريم لبس المخيط .. و ما معنى رجم إبليس و الطواف حول الكعبة .. ألا ترى معي أنها بقايا وثنية ؟
قلت له : أنت لا تكتفي بأن تحب حبيبك حباً عذرياً أفلاطونياً ، و إنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل .. بالقبلة و العناق و اللقاء .. هل أنت وثني ؟
و بالمثل من يسعى إلى الله بعقله و قلبه .. يقول له الله : إن هذا لا يكفي .. لابد أن تسعى على قدميك .
و الحج و الطواف رمز لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعوراً و قولاً و فعلاً .
و هنا معنى التوحيد .
أن تتوحد جسداً و روحاً بأفعالك و كلماتك .
و لهذا نركع و نسجد في الصلاة و لا نكتفي بخشوع القلب .. فهذه الوحدة بين القلب و الجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل .
أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس و يتساوى فيها الفقير و الغني .. المهراجا و أتباعه .
و نحن نلبسها على اللحم .. كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد و كما سوف يحدث حينما نغادره بالموت .. جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم .. و نخرج من الدنيا بذات اللفة .
هي رمز للتجرد .. لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد .
و لهذا قال الله لموسى :
(( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى )) .
هو التجرد المناسب لجلال الموقف .
و هذا هو الفرق بين لقاء لرئيس جمهورية .. و لقاء مع الخالق .
فنحن نرتدي لباس التشريفة لنقابل رئيس الجمهورية .
أما أمام الله فنحن لا شيء .. لا نكاد نساوي شيئاً .
و علينا أن نخلع كل ثياب الغرور و كل الزينة .
قال صديقي في خبث : و رجم إبليس ؟
قلت :
- أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول ، و تلقي خطبة لتحيته .. هل أنت وثني ؟
لماذا تعتبرني وثنياً إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر و لعنته .. إنها نفس الفكرة .
إنها كلها رمزيات .
أنت تعلم أن النصب التذكاري مجرد رمز ، و أنه ليس الجندي .
و أنا أعلم أيضا أن هذا التمثال رمز ، و أنه ليس الشيطان .
و بالمثل السعي بين الصفا و المروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل و أمه هاجر .. هي إحياء ذكرى عزيزة و يوم لا يُنسى في حياة النبي و الجد اسماعيل و أمه المصرية هاجر .
و جميع شعائر ديانتنا ليست طقوساً كهنوتية بالمعنى المعروف ، و إنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور و التي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها ..
إنها وسيلة لخلق إنسان موحد .. قوله هو فعله .. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحاً شفوياً باللسان ، و إنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرماً حقيقياً .. هل هذه الحركة وثنية أو طقساً كهنوتياً .
و بهذا المعنى ، شعائر الإسلام ليست شعائر ، و إنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني .
و لهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس و بلا كهنوت و بلا كهنة .
ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة و يركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب و لا مآذن و لا قباب و لا منابر و لا سجاجيد و لا سقوف منقوشة بالذهب و لا جدران من المرمر و الرخام .
لا شيء سوى العراء .
و نحن عراء .
و نفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء .
و نحن نبكي .. كلنا نبكي .
و سكت صديقي و ارتفعت أصوات التلبية من مليون و خمسمائة ألف حنجرة .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .
و كنت أعلم أن صديقي مازال بينه و بين الإيمان الحقيقي أشواط و مراحل و معراج من المعاناة.
مازال عليه أن يصعد فوق خرائب هذا البناء المنطقي الذي اسمه العقل و يستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه .. حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة و التنطع و يلزم حدوده و اختصاصه ، و يدرك أن الدين أكبر من مجرد قضية منطقية ، و أنه هو في ذاته منطق كل شيء .. و أن الله هو البرهان الذي نبرهن به على وجود الموجودات لأنه قيومها ( هو الذي أوجدها من العدم فهي موجودة به و بفضله ) ، فهو برهان عليها أكثر مما هي برهان عليه .. و كيف يكون العدم برهاناً على الوجود .. و كيف يكون المعدوم شاهداً على موجد الوجود .
إنها لجاجة العقل .. و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة .. و هذا عيب العصر الذي يدّعي فيه العقل أنه كل شيء .
و عصرنا للأسف عصر العلوم الوضعية و المنطق الوضعي .. هو عصر الألكترونيات و الكهرباء و الكيمياء و الطبيعة .
و الواحد منا في بداية تلقيه لهذه العلوم الوضعية ، و لفرط انبهاره بها و بمنجزاتها يتصور أنها علوم كلية يمكن أن يناقش بها الأمور الكلية مثل الوجود الإلهي فيقع في خطأ من يحاول أن يقيس السماء بالشبر و يزن الحب بالدرهم .
و تمضي عليه سنوات من التمزق و المعاناة قبل أن يكتشف أن الطبيعة و الكيمياء علوم جزئية تبحث في المقادير و العلاقات و اختصاصها هو القضايا الجزئية ، و هي لا تصلح بطبيعة معاييرها للحكم على الدين لأنه قضية كلية .
الدين هو العلم الكلي الذي يحتوي على كل تلك العلوم .. في حين لا يحتوي عليه أي منها .
و عندنا نور آخر نستدل به على الحقيقة الدينية ، نور القلب و هدى البصيرة و استدلال الفطرة و البداهة .
هنا نور نستشف به الحقيقة بدون حيثيات .
هنا منطقة في الإدراك هيأها الله للإدراك المباشر .
و هي مرتبة أعلى من مراتب الشعور العادي .
و كما أن العقل أعلى في الرتبة من حاسة مثل الشم و اللمس ، كذك البصيرة أعلى في الرتبة من العقل و من الإدراك بالمنطق العقلي الجدلي .
و البصيرة هبة متاحة لكل منا ، و لكن صدأ العرف و التقليد و الادعاء العقلي ، و الأحكام الجاهزة الشائعة ، هذا عدا الغرور و ظلمة الشهوات و الرغبات و سعار الأحقاد و المطامع .. كل هذه الغواشي ترين على مرآة البصيرة فتحجب أنوارها الكاشفة .
و يمضي العمر و الإنسان يصارع هذه الرغبات و يتمزق ، و يعاني و يسأل و يتساءل و يحفر في داخل نفسه حتى تنتهك الأستار ، و تنجلي الغواشي ، و يبدأ يدرك الحقيقة بهذه الرؤية الكلية التي هي هبة بصيرته .
و هنا يبدأ يعرف ما هو الدين .
و قد يرى بالبصيرة من لا يحمل الشهادات .
و قد تعمى بصيرة المتعلم المؤهل في الجامعات .
و جلاء القلب فضل إلهي قد يوهب و قد يكتسب ، و لا توجد شروط في المعارف الإلهية ، و هذا الهندي المسلم الفقير الحافي العاري الغارق في دموعه قد يعرف عن الله أكثر مما نعرف نحن الذين نكتب في الدين و الله .
و ربما لو سألته عن شعوره لما استطاع أن يشرحه في عبارات مثل العبارات المنمقة التي نكتبها .. و هو أمر لا يهم .. فالمعارف العالية قد تعلو على العبارة و قد تعجز عنها الإشارة .. فلا يبقى إلا الصمت و الدموع .
و لهذا هم يبكون على عرفات في لحظة لقاء مع النفس و الله .. تبدو فيها الكلمات مبتذلة .. و اللسان عاطلاً ، و العبارات خرساء ، فلا تبقى إلا الدموع ، و هي دموع فرح و حزن و ندم و توبة و تطهر و ميلاد .
و هي فجر روحي يعرفه من جربه .
و قد توحي اللحظة الواحدة و الظرف الواحد بشيئين مختلفين تماماً و ربما متناقضين ، فحينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلفة ، كان صديقي يلهث مختنقاً و كل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا في برلين مثلاً ، إذن لاختلف الأمر و لطاف حولها الأوروبيون في طوابير منظمة لا يزحم فيها الواحد الآخر .. بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلفة التي تدور كالذرات البيضاء و أرى فيهم الملايين بلا هوية ممن حجوا و طافوا و عاشوا و ماتوا .. أرى فيهم أبي و أمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. و من قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. و أجداد الأجداد من قبل إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجراً و عاد إليها فاتحاً .. كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي و في خناق الزحام نسيت نفسي تماماً ، و فقدت هويتي ، و لم أعد أعرف من أنا .. هأنذا قد مت أنا الآخر .. و هذا ابني يطوف و يذكرني و هو يطوف ، ثم يموت ذات يوم و يصبح هو الآخر ذكرى .. كانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها إحساسي بذاتي تماماً ، و غبت عن نفسي و امتلأت إدراكاً بأنه لا أحد موجود حقاً سوى الله .. و تذكرت السطر الأول من قصة الخلق .
في البدء كان الله و لا شيء معه .
و في الختام يكون و لا شيء بعده .
هو الأول و الآخر .
هو ..
نعم هو و لا سواه .
كانت لحظة من المحو الكامل لكل شيء بما في ذلك نفسي ذاتها ، في مقابل ملء مطلق لموجود واحد مطلق هو الله .
و بالرغم من الإحساس بالغياب فإنه كان إحساساً في الوقت ذاته بالحضور .. الحضور الشامل المهيمن المالئ لكل ذرة من الشعور .. حضور ماذا .. ؟
و أحار في وصف تلك اللحظة و لا أجد الألفاظ و لا العبارات و أكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات .
إنها أشبه بعدة ستائر تفتح متتالية بعضها من وراء البعض .. تفتح ستارة لتكشف عن مسرح صغير هو الواقع الفردي بتفاصيله ، ثم تفتح ستارة في العمق لتكشف عن واقع آخر خلفي كبير ، هو الواقع التاريخي يبتلع الواقع الأول بما فيه ، ثم تفتح ستارة ثالثة في العمق البعيد تكشف عن حقيقة الحقائق التي يبهت أمامها كل شيء .
هو إحساس ديني يصعب تصويره في كلمات .
هو أشبه بموقف مقاتل على الجبهة .
إنه في تلك اللحظة ينسى همومه الصغيرة .
هموم وطنه تبتلع همومه .
و جراح وطنه تبتلع جراحه فينسى مشكلات بيته الصغير و يذوب في مشكلات مجتمعه الكبير .
هناك حضور أكبر ابتلع الحضور الأصغر .
و بالمثل لحظة الوقوف في حضرة الله .
هنا الحضرة العظمى .. حضرة الحق .
و هي حضرة هائلة تذوب أمامها الحواس تماماً .
يفنى الواقع الصغير .. واقع النفس و مشكلاتها اليومية .. ثم الواقع الزمني المحيط بتفاصيله .. ثم الواقع التاريخي كله .
ثم يكون فناء النفس ذاتها في لحظة احتواء كامل من ذات عظمى مهيمنة .
الجبل مزروع بالخيام .. مليون و خمسمائة ألف حاج يحطون عليه كالحمام في ثياب الإحرام البيض .. لا تعرف الواحد من الآخر .. لا تعرف من الفقير و من الغني .. و لا تعرف من التركي و من العربي ؟
اختفت الجنسيات .. و اختفت الأزياء المميزة و اختفت اللغات .. الكل يلهج بلسان واحد .. حتى الجاوي و الصومالي و الأندونيسي و الزنجي و الأذربيجاني الكل يتكلم العربية .. بعضهم ينطقها مكسرة و بعضهم ينطقها بلكنة أجنبية .. و بعضهم يمد بعض الحروف و يأكل بعض الحروف و لكنك تستطيع أن تفهم من الجميع و تستطيع أن تسمع أنهم يهتفون .. لبيك اللهم لبيك .
و الذين لا يعرفون العربية تراهم قد التفوا حول مطوف يرددون وراءه الدعاء العربي حرفاً حرفا في خشوع و ابتهال .
في البقعة التي كنت أقف فيها أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة في مكان لا يزيد على أمتار معدودة .. التركستان و الباكستان و كازخستان و غينيا و غانا و نيجيريا و زنجبار و أوغندة و كينيا و السودان و المغرب و اليمن و البرازيل و إسبانيا و الجزائر و سيلان .. كلهم حولي يتصافحون و يتبادلون التحية ، و يهنئ بعضهم بعضا .
و لولا أن المطوف أخبرني بهذه الجنسيات لما عرفتها ، فالكل كانوا يبدون لعيني و كأنهم عائلة واحدة في مجلس عائلي حميم ..
على بعد خطوات كان أكثر من ستين هندياً يلتفون حول مطوف هندي ، و هو الآخر فيما يبدو يقرأ لهم الدعاء العربي من كتاب في يده .. و هم يرددون خلفه الدعاء و هم يبكون و قد تخضلت لحاهم الطويلة الكثة بالدموع .
و هم قطعاً لم يكونوا يعرفون العربية ، و لم يكونوا يدركون معاني ما يرددون من حروف .. و إنما شعروا بها بقلوبهم فبكوا .
كان كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف و أنه في حضرة الله و في ضيافته و في رحابه .. و أنه يقف حيث كان يقف محمد عليه الصلاة و السلام .. النبي العظيم البدوي الفقير الأمي .. و أنه يسجد حيث كان يسجد ، و يركع حيث كان يركع ، و يردد ما كان يردده من دعاء .. بذات اللسان العربي .. و في ذات اليوم .. يوم الجمعة من ذي الحجة .. و لعل ذبذبات صوت النبي و أصوات أصحابه مازالت في الفضاء حوله .. فلا شيء يفنى في الطبيعة و لا شيء يستحدث .
عرفت أن هؤلاء الستين هم من أفقر طائفة هندية و أنهم جاءوا إلى مكة على الأقدام و على سفن شراعية و على جمال .
و كان زعيمهم يحمل علماً عبارة عن خرقة ممزقة .
و بعضهم جاوز الثمانين .. و بعضهم كف بصره .. و بعضهم كان يحمل بعضا .
و كان الكل يبكون بحرقة و يذوبون خشوعاً .
كانوا فقراء حقاً .
و على بعد خطوات كان هناك هندي آخر ، قال لي المطوف إنه مهراجا يملك عدة ملايين .. و كان بذات ملابس الإحرام البيضاء .. و كان يبكي بذات الخشوع .. و كان مشلولاً يحمله أتباعه على محفة .
كان فقيراً هو الآخر حقاً .
و من منا ليس فقيراً إلى الله !
إن الملايين لا تعفي أحداً من الشيخوخة و العمى و المرض و الموت .
إن السيد و خادمه يمرضان بالأنفلونزا و يمران بنفس الأعراض .. بل نرى السيد يعاني دائماً أكثر من الخادم ، و يستنجد بعشرات الأدوية و العقاقير ، و يجمع حوله الأطباء فلا يفعل له العلم و لا الطب شيئاً .. و كانوا يقولون لنا في كلية الطب على سبيل السخرية .. إن الأنفلونزا تشفى في سبعة أيام بدون علاج .. و في أسبوع إذا استخدمنا العلاج .
و الأنفلونزا مرض بسيط .. تافه .. هي مثل من ألف مثل لضعف الإنسان و حاجته و فقره الحقيقي مهما كثرت في يده الاموال و تعددت الأسباب .
من منا ليس فقيراً إلى الله و هو يولد محمولاً و يذهب إلى قبره محمولا و بين الميلاد و الموت يموت كل يوم بالحياة مرات و مرات .
و أين الأباطرة و الأكاسرة و القياصرة ؟
هم و إمبراطورياتهم آثار .. حفائر .. خرائب تحت الرمال .
الظالم و المظلوم كلاهما رقدا معاً .
و القاتل و القتيل لقيا معاً نفس المصير .
و المنتصر و المهزوم كلاهما توسدا التراب .
انتهى الغرور .
انتهت القوة .. كانت كذبة .
ذهب الغنى .
لم يكن غنى .. كان وهماً .
العروش و التيجان و الطيالس و الخز و الحرير و الديباج .. كل هذا كان ديكوراً من ورق اللعب .. من الخيش المطلي و الدمور المنقوش .
لا أحد قوي و لا أحد غني .
إنما هي لحظات من القوة تعقبها لحظات من الضعف يتداولها الناس على اختلاف طبقاتهم .
لا أحد لم يعرف لحظة الذل ، و لحظة الضعف ، و لحظة الخوف ، و لحظة القلق .
من لم يعرف ذل الفقر ، عرف ذل المرض ، أو ذل الحب أو تعاسة الوحدة ، أو حزن الفقد ، أو عار الفضيحة أو هوان الفشل أو خوف الهزيمة .
بل إن خوف الموت ليحلق فوق رءوسنا جميعاً .
كلنا فقراء إلى الله .. كلنا نعرف هذا .
و هم يعرفون هذا جيداً .. و يشعرون بهذا تماماً ، و لهذا يبكون .. و يذوبون خشوعاً و دموعاً .
سألني صديقي و هو رجل كثير الشك :
- و ما السر في ثياب الإحرام البيضاء و ضرورة لبسها على اللحم و تحريم لبس المخيط .. و ما معنى رجم إبليس و الطواف حول الكعبة .. ألا ترى معي أنها بقايا وثنية ؟
قلت له : أنت لا تكتفي بأن تحب حبيبك حباً عذرياً أفلاطونياً ، و إنما تريد أن تعبر عن حبك بالفعل .. بالقبلة و العناق و اللقاء .. هل أنت وثني ؟
و بالمثل من يسعى إلى الله بعقله و قلبه .. يقول له الله : إن هذا لا يكفي .. لابد أن تسعى على قدميك .
و الحج و الطواف رمز لهذا السعي الذي يكتمل فيه الحب شعوراً و قولاً و فعلاً .
و هنا معنى التوحيد .
أن تتوحد جسداً و روحاً بأفعالك و كلماتك .
و لهذا نركع و نسجد في الصلاة و لا نكتفي بخشوع القلب .. فهذه الوحدة بين القلب و الجسد يتجلى فيها الإيمان بأصدق مما يتجلى في رجل يكتفي بالتأمل .
أما ثياب الإحرام البيضاء فهي رمز الوحدة الكبرى التي تذوب فيها الأجناس و يتساوى فيها الفقير و الغني .. المهراجا و أتباعه .
و نحن نلبسها على اللحم .. كما حدث حينما نزلنا إلى العالم في لحظة الميلاد و كما سوف يحدث حينما نغادره بالموت .. جئنا ملفوفين في لفافة بيضاء على اللحم .. و نخرج من الدنيا بذات اللفة .
هي رمز للتجرد .. لأن لحظة اللقاء بالله تحتاج إلى التجرد كل التجرد .
و لهذا قال الله لموسى :
(( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى )) .
هو التجرد المناسب لجلال الموقف .
و هذا هو الفرق بين لقاء لرئيس جمهورية .. و لقاء مع الخالق .
فنحن نرتدي لباس التشريفة لنقابل رئيس الجمهورية .
أما أمام الله فنحن لا شيء .. لا نكاد نساوي شيئاً .
و علينا أن نخلع كل ثياب الغرور و كل الزينة .
قال صديقي في خبث : و رجم إبليس ؟
قلت :
- أنت تضع باقة ورد على نصب تذكاري للجندي المجهول ، و تلقي خطبة لتحيته .. هل أنت وثني ؟
لماذا تعتبرني وثنياً إذا رشقت النصب التذكاري للشيطان بحجر و لعنته .. إنها نفس الفكرة .
إنها كلها رمزيات .
أنت تعلم أن النصب التذكاري مجرد رمز ، و أنه ليس الجندي .
و أنا أعلم أيضا أن هذا التمثال رمز ، و أنه ليس الشيطان .
و بالمثل السعي بين الصفا و المروة إلى حيث نبعت عين زمزم التي ارتوى منها إسماعيل و أمه هاجر .. هي إحياء ذكرى عزيزة و يوم لا يُنسى في حياة النبي و الجد اسماعيل و أمه المصرية هاجر .
و جميع شعائر ديانتنا ليست طقوساً كهنوتية بالمعنى المعروف ، و إنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور و التي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها ..
إنها وسيلة لخلق إنسان موحد .. قوله هو فعله .. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحاً شفوياً باللسان ، و إنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرماً حقيقياً .. هل هذه الحركة وثنية أو طقساً كهنوتياً .
و بهذا المعنى ، شعائر الإسلام ليست شعائر ، و إنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني .
و لهذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي بلا طقوس و بلا كهنوت و بلا كهنة .
ألا تراهم أمامك أكثر من مليون يكلمون الله مباشرة بلا واسطة و يركعون على الأرض العراء حيث لا محاريب و لا مآذن و لا قباب و لا منابر و لا سجاجيد و لا سقوف منقوشة بالذهب و لا جدران من المرمر و الرخام .
لا شيء سوى العراء .
و نحن عراء .
و نفوسنا تعرت أمام خالقها فهي عراء .
و نحن نبكي .. كلنا نبكي .
و سكت صديقي و ارتفعت أصوات التلبية من مليون و خمسمائة ألف حنجرة .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .
و كنت أعلم أن صديقي مازال بينه و بين الإيمان الحقيقي أشواط و مراحل و معراج من المعاناة.
مازال عليه أن يصعد فوق خرائب هذا البناء المنطقي الذي اسمه العقل و يستشرف على ينابيع الحقيقة في تدفقها البكر داخل قلبه .. حينئذ سوف يكف عقله عن اللجاجة و التنطع و يلزم حدوده و اختصاصه ، و يدرك أن الدين أكبر من مجرد قضية منطقية ، و أنه هو في ذاته منطق كل شيء .. و أن الله هو البرهان الذي نبرهن به على وجود الموجودات لأنه قيومها ( هو الذي أوجدها من العدم فهي موجودة به و بفضله ) ، فهو برهان عليها أكثر مما هي برهان عليه .. و كيف يكون العدم برهاناً على الوجود .. و كيف يكون المعدوم شاهداً على موجد الوجود .
إنها لجاجة العقل .. و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة .. و هذا عيب العصر الذي يدّعي فيه العقل أنه كل شيء .
و عصرنا للأسف عصر العلوم الوضعية و المنطق الوضعي .. هو عصر الألكترونيات و الكهرباء و الكيمياء و الطبيعة .
و الواحد منا في بداية تلقيه لهذه العلوم الوضعية ، و لفرط انبهاره بها و بمنجزاتها يتصور أنها علوم كلية يمكن أن يناقش بها الأمور الكلية مثل الوجود الإلهي فيقع في خطأ من يحاول أن يقيس السماء بالشبر و يزن الحب بالدرهم .
و تمضي عليه سنوات من التمزق و المعاناة قبل أن يكتشف أن الطبيعة و الكيمياء علوم جزئية تبحث في المقادير و العلاقات و اختصاصها هو القضايا الجزئية ، و هي لا تصلح بطبيعة معاييرها للحكم على الدين لأنه قضية كلية .
الدين هو العلم الكلي الذي يحتوي على كل تلك العلوم .. في حين لا يحتوي عليه أي منها .
و عندنا نور آخر نستدل به على الحقيقة الدينية ، نور القلب و هدى البصيرة و استدلال الفطرة و البداهة .
هنا نور نستشف به الحقيقة بدون حيثيات .
هنا منطقة في الإدراك هيأها الله للإدراك المباشر .
و هي مرتبة أعلى من مراتب الشعور العادي .
و كما أن العقل أعلى في الرتبة من حاسة مثل الشم و اللمس ، كذك البصيرة أعلى في الرتبة من العقل و من الإدراك بالمنطق العقلي الجدلي .
و البصيرة هبة متاحة لكل منا ، و لكن صدأ العرف و التقليد و الادعاء العقلي ، و الأحكام الجاهزة الشائعة ، هذا عدا الغرور و ظلمة الشهوات و الرغبات و سعار الأحقاد و المطامع .. كل هذه الغواشي ترين على مرآة البصيرة فتحجب أنوارها الكاشفة .
و يمضي العمر و الإنسان يصارع هذه الرغبات و يتمزق ، و يعاني و يسأل و يتساءل و يحفر في داخل نفسه حتى تنتهك الأستار ، و تنجلي الغواشي ، و يبدأ يدرك الحقيقة بهذه الرؤية الكلية التي هي هبة بصيرته .
و هنا يبدأ يعرف ما هو الدين .
و قد يرى بالبصيرة من لا يحمل الشهادات .
و قد تعمى بصيرة المتعلم المؤهل في الجامعات .
و جلاء القلب فضل إلهي قد يوهب و قد يكتسب ، و لا توجد شروط في المعارف الإلهية ، و هذا الهندي المسلم الفقير الحافي العاري الغارق في دموعه قد يعرف عن الله أكثر مما نعرف نحن الذين نكتب في الدين و الله .
و ربما لو سألته عن شعوره لما استطاع أن يشرحه في عبارات مثل العبارات المنمقة التي نكتبها .. و هو أمر لا يهم .. فالمعارف العالية قد تعلو على العبارة و قد تعجز عنها الإشارة .. فلا يبقى إلا الصمت و الدموع .
و لهذا هم يبكون على عرفات في لحظة لقاء مع النفس و الله .. تبدو فيها الكلمات مبتذلة .. و اللسان عاطلاً ، و العبارات خرساء ، فلا تبقى إلا الدموع ، و هي دموع فرح و حزن و ندم و توبة و تطهر و ميلاد .
و هي فجر روحي يعرفه من جربه .
و قد توحي اللحظة الواحدة و الظرف الواحد بشيئين مختلفين تماماً و ربما متناقضين ، فحينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلفة ، كان صديقي يلهث مختنقاً و كل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا في برلين مثلاً ، إذن لاختلف الأمر و لطاف حولها الأوروبيون في طوابير منظمة لا يزحم فيها الواحد الآخر .. بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلفة التي تدور كالذرات البيضاء و أرى فيهم الملايين بلا هوية ممن حجوا و طافوا و عاشوا و ماتوا .. أرى فيهم أبي و أمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. و من قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. و أجداد الأجداد من قبل إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجراً و عاد إليها فاتحاً .. كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي و في خناق الزحام نسيت نفسي تماماً ، و فقدت هويتي ، و لم أعد أعرف من أنا .. هأنذا قد مت أنا الآخر .. و هذا ابني يطوف و يذكرني و هو يطوف ، ثم يموت ذات يوم و يصبح هو الآخر ذكرى .. كانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها إحساسي بذاتي تماماً ، و غبت عن نفسي و امتلأت إدراكاً بأنه لا أحد موجود حقاً سوى الله .. و تذكرت السطر الأول من قصة الخلق .
في البدء كان الله و لا شيء معه .
و في الختام يكون و لا شيء بعده .
هو الأول و الآخر .
هو ..
نعم هو و لا سواه .
كانت لحظة من المحو الكامل لكل شيء بما في ذلك نفسي ذاتها ، في مقابل ملء مطلق لموجود واحد مطلق هو الله .
و بالرغم من الإحساس بالغياب فإنه كان إحساساً في الوقت ذاته بالحضور .. الحضور الشامل المهيمن المالئ لكل ذرة من الشعور .. حضور ماذا .. ؟
و أحار في وصف تلك اللحظة و لا أجد الألفاظ و لا العبارات و أكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات .
إنها أشبه بعدة ستائر تفتح متتالية بعضها من وراء البعض .. تفتح ستارة لتكشف عن مسرح صغير هو الواقع الفردي بتفاصيله ، ثم تفتح ستارة في العمق لتكشف عن واقع آخر خلفي كبير ، هو الواقع التاريخي يبتلع الواقع الأول بما فيه ، ثم تفتح ستارة ثالثة في العمق البعيد تكشف عن حقيقة الحقائق التي يبهت أمامها كل شيء .
هو إحساس ديني يصعب تصويره في كلمات .
هو أشبه بموقف مقاتل على الجبهة .
إنه في تلك اللحظة ينسى همومه الصغيرة .
هموم وطنه تبتلع همومه .
و جراح وطنه تبتلع جراحه فينسى مشكلات بيته الصغير و يذوب في مشكلات مجتمعه الكبير .
هناك حضور أكبر ابتلع الحضور الأصغر .
و بالمثل لحظة الوقوف في حضرة الله .
هنا الحضرة العظمى .. حضرة الحق .
و هي حضرة هائلة تذوب أمامها الحواس تماماً .
يفنى الواقع الصغير .. واقع النفس و مشكلاتها اليومية .. ثم الواقع الزمني المحيط بتفاصيله .. ثم الواقع التاريخي كله .
ثم يكون فناء النفس ذاتها في لحظة احتواء كامل من ذات عظمى مهيمنة .
تعليق