أخلاق المسلم

رد: أخلاق المسلم

التواضع
يحكى أن ضيفًا نزل يومًا على الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأثناء جلوسهما انطفأ المصباح، فقام الخليفة عمر بنفسه فأصلحه، فقال له الضيف: يا أمير المؤمنين، لِمَ لَمْ تأمرني بذلك، أو دعوت من يصلحه من الخدم، فقال الخليفة له: قمتُ وأنا عمر، ورجعتُ وأنا عمر ما نقص مني شيء، وخير الناس عند الله من كان متواضعًا.
*يحكى أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- كان يحلب الغنم لبعض فتيات المدينة، فلما تولى الخلافة قالت الفتيات: لقد أصبح الآن خليفة، ولن يحلب لنا، لكنه استمر على مساعدته لهن، ولم يتغير بسبب منصبه الجديد. وكان أبو بكر
-رضي الله عنه- يذهب إلى كوخ امرأة عجوز فقيرة، فيكنس لها كوخها، وينظفه، ويعد لها طعامها، ويقضي حاجتها.
وقد خرج -رضي الله عنه- يودع جيش المسلمين الذي سيحارب الروم بقيادة أسامة بن زيد -رضي الله عنه- وكان أسامة راكبًا، والخليفة أبو بكر يمشي، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، لَتَرْكَبَنَّ أو لأنزلنَّ، فقال أبو بكر: والله لا أركبن ولا تنزلن، وما على أن أُغَبِّرَ قدمي ساعة في سبيل الله.
*وقد حمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الدقيق على ظهره، وذهب به إلى بيت امرأة لا تجد طعامًا لأطفالها اليتامى، وأشعل النار،وظل ينفخ حتى نضج الطعام، ولم ينصرف حتى أكل الأطفال وشبعوا.
*ويحكى أن رجلا من بلاد الفرس جاء برسالة من كسرى ملك الفرس إلى الخليفة عمر، وحينما دخل المدينة سأل عن قصر الخليفة، فأخبروه بأنه ليس له قصر فتعجب الرجل من ذلك، وخرج معه أحد المسلمين ليرشده إلى مكانه. وبينما هما يبحثان عنه في ضواحي المدينة، وجدا رجلا نائمًا تحت شجرة، فقال المسلم لرسول كسرى: هذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فازداد تعجب الرجل من خليفة المسلمين الذي خضعت له ملوك الفرس والروم، ثم قال الرجل: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.
*جلست قريش تتفاخر يومًا في حضور سلمان الفارسي، وكان أميرًا على المدائن، فأخذ كل رجل منهم يذكر ما عنده من أموال أو حسب أو نسب أو جاه، فقال لهم سلمان: أما أنا فأوَّلي نطفة قذرة، ثم أصير جيفة منتَنة، ثم آتي الميزان، فإن ثَقُل فأنا كريم، وإن خَفَّ فأنا لئيم.
*ما هو التواضع؟
التواضع هو عدم التعالي والتكبر على أحد من الناس، بل على المسلم أن يحترم الجميع مهما كانوا فقراء أو ضعفاء أو أقل منزلة منه. وقد أمرنا الله -تعالى- بالتواضع، فقال: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء: 215]، أي تواضع للناس جميعًا. وقال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين} [القصص: 83].
وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع، فقال: أن تخضع للحق وتنقاد إليه، ولو سمعته من صبي قبلتَه، ولو سمعتَه من أجهل الناس قبلته. وقد قال أبو بكر -رضي الله عنه-: لا يحْقِرَنَّ أحدٌ أحدًا من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير.
وكما قيل: تاج المرء التواضع.
تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم:
خير الله -سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عبدًا رسولا، أو ملكًا رسولا، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عبدًا رسولا؛ تواضعًا
لله -عز وجل-.
والتواضع من أبرز أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، والنماذج التي تدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم كثيرة، منها:
أن السيدة عائشة -رضي الله عنها- سُئِلَتْ: ما كان النبي يصنع في أهله؟ فقالت: كان في مهنة أهله (يساعدهم)، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة. [البخاري].
وكان يحلب الشاة، ويخيط النعل، ويُرَقِّع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويشتري الشيء من السوق بنفسه، ويحمله بيديه، ويبدأ من يقابله بالسلام ويصافحه، ولا يفرق في ذلك بين صغير وكبير أو أسود وأحمر أو حر وعبد، وكان صلى الله عليه وسلم لا يتميز على أصحابه، بل يشاركهم العمل ما قل منه وما كثر.
وعندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، دخلها صلى الله عليه وسلم خافضًا رأسه تواضعًا لله رب العالمين، حتى إن رأسه صلى الله عليه وسلم كادت أن تمس ظهر ناقته. ثم عفا صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة وسامحهم وقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) [سيرة ابن هشام].
أنواع التواضع:
والتواضع يكون مع الله ومع رسوله ومع الخلق أجمعين؛ فالمسلم يتواضع مع الله بأن يتقبل دينه، ويخضع له سبحانه، ولا يجادل ولا يعترض على أوامر الله برأيه أو هواه، ويتواضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك بسنته وهديه، فيقتدي به في أدب وطاعة، ودون مخالفة لأوامره ونواهيه.
والمسلم يتواضع مع الخلق بألا يتكبر عليهم، وأن يعرف حقوقهم، ويؤديها إليهم مهما كانت درجتهم، وأن يعود إلى الحق ويرضى به مهما كان مصدره.
فضل التواضع:
التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط بينهم، ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإن التواضع يؤدي إلى رضا المولى -سبحانه-.
قال الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم]، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تواضع لله رفعه الله) [أبو نعيم]. وقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) [مسلم].
وقال الشاعر:
إذا شــِئْتَ أن تَـزْدَادَ قَـدْرًا ورِفْـــعَــةً
فَلِنْ وتواضعْ واتْرُكِ الْكِبْـرَ والْعُجْـــبَا
التكبر:
لا يجوز لإنسان أن يتكبر أبدًا؛ لأن الكبرياء لله وحده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (قال الله -عز وجل-: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار) [مسلم وأبو داود والترمذي].
فالإنسان المتكبر يشعر بأن منزلته ومكانته أعلى من منزلة غيره؛ مما يجعل الناس يكرهونه ويبغضونه وينصرفون عنه، كما أن الكبر يكسب صاحبه كثيرًا من الرذائل، فلا يُصْغِي لنصح، ولا يقبل رأيا، ويصير من المنبوذين.
قال الله -تعالى-: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور} [لقمان: 18]، وتوعد الله المتكبرين بالعذاب الشديد، فقال: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير حق}
[الأعراف: 146]، وقال تعالى: {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} [غافر: 35].
والله -تعالى- يبغض المتكبرين ولا يحبهم، ويجعل النار مثواهم وجزاءهم، يقول تعالى: {إن الله لا يحب المستكبرين} [النحل: 23]، ويقول تعالى: {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} [الزمر: 60].
صور التكبر:
ومن الناس من يتكبر بعلمه، ويحتقر غيره، ويغضب إذا رده أحد أو نصحه، فيهلك نفسه، ولا ينفعه علمه، ومنهم من يتكبر بحسبه ونسبه، فيفتخر بمنزلة آبائه وأجداده، ويرى الناس جميعًا أقل منزلة منه؛ فيكتسب بذلك الذل والهوان من الله.
ومن الناس من يتكبر بالسلطان والجاه والقوة فيعجب بقوته، ويغتر بها، ويعتدي ويظلم، فيكون في ذلك هلاكه ووباله.
ومنهم من يتكبر بكثرة ماله، فيبذِّر ويسرف ويتعالى على الناس؛ فيكتسب بذلك الإثم من الله ولا ينفعه ماله.
جزاء المتكبر:
حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكبر، وأمرنا بالابتعاد عنه؛ حتى لا نُحْرَمَ من الجنة فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)
[مسلم وأبو داود والترمذي]. وقد خسف الله الأرض برجل لتكبره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في حُلَّة (ثوب) تعجبه نفسه، مُرَجِّل جُمَّتَه (صفف شعر رأسه ودهنه)، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة) [متفق عليه].
ويقول صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ المتكبرون يـوم القيامة أمثـال الذَّرِّ (النمل الصغير) في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولُس، تعلوهم نار الأنيار، يُسقَون عصارة أهل النار طِينَةَ الخبال) [الترمذي]، ويقول صلى الله عليه وسلم : (حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) [البخاري].
فليحرص كل منا أن يكون متواضعًا في معاملته للناس، ولا يتكبر على أحد مهما بلـغ منـصبه أو مالـه أو جاهه؛ فإن التواضع من أخلاق الكرام، والكبر من أخلاق اللئام، يقول الشاعر:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كالنَّجْمِ لاح لِنَاظـِـــرِ
على صفحـات المــاء وَهْوَ رَفِيــعُ
ولا تَكُ كالدُّخَانِ يَعْلُـــو بَنَفْسـِـــهِ
على طبقــات الجـوِّ وَهْوَ وَضِيــعُ.
 
رد: أخلاق المسلم

العزة
كانت الحرب تدور بين المسلمين والفرس، فطلب رستم قائد الفرس أن يتشاور في الصلح مع المسلمين؛ فأرسل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قائد المسلمين الصحابي الجليل رِبْعِي بْنَ عامر -رضي الله عنه- ليعرض مطالب المسلمين، وعلى الفور ذهب ربعي بن عامر، ودخل القصر ممتطيا جواده، سائرًا به فوق البساط الفاخر الموضوع على الأرض، وحينما طلب جنود قائد الفرس من ربعي النزول رفض، وقال في عزة: لم آتِكم من تلقاء نفسي، وأنتم الذين دعوتموني، فإن رضيتم بذلك، وإلا رجعتُ. فقبل الفرس وقلوبهم تكاد تتفجر من الغيظ.
وحينما دخل على قائدهم رستم، عرض عليه الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو تكون الحرب بينهما، وقال له في عزة وكرامة: أيها القائد، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة.
*بعث الخليفة هارون الرشيد إلى الإمام مالك، فلما حضر قال له الخليفة: ينبغي عليك أن تتردد علينا؛ حتى يسمع أبناؤنا (الأمين والمأمون) منك الموطأ (وهو الكتاب الذي جمع فيه الإمام مالك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).
فقال الإمام مالك: أعزَّ الله أمير المؤمنين، إن هذا العلم من بيتكم، فإن أعززتموه عز، وإن أذللتموه ذل، والعلم يؤتَى إليه، ولا يأتي إلى أحد.
فقال له الخليفة: صدقتَ، ثم وجَّه حديثه إلى ولديه قائلا: اذهبا إلى المسجد، حتى تسمعا مع الناس. فقال الإمام مالك: بشرط أن يجلسا حيث ينتهي بهما المجلس، ولا يتقدما على الناس، فقبل الخليفة ذلك.

*ما هي العزة؟
العزة هي الرفعة والبعد عن مواطن الذل والمهانة. فالله يأمرنا أن نكون أعزاء، لا نذل ولا نخضع لأحد من البشر، والخضوع إنما يكون لله وحده، فالمسلم يعتز بدينه وربه، ويطلب العزة في رضا الله -سبحانه-، وقد قيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كنا أذلاء، فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
قيل: الذلة لرب العباد عزة، والذلة للعباد ذلة.
وقيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
وصدق الشاعر حين شبه التذلل للعباد بالموت، فقال:
مـن يَهُنْ يَسْـهُـلِ الهـوان عليـه
ما لجُـرْحٍ بميـِّـــت إِيـــلامُ
وقال آخر:
إذا أنت لم تَعْـرِفْ لنـفسك حقها
هوانًا بها كانت على الناس أهـونــا
فنفسكَ أكرمها وإن ضاق مسكـن
عليك بها فاطلب لنفسك مسكـنــا
عزة الله:
الله -سبحانه- هو العزيز الحكيم، يعطي العزة من يشاء ويمنعها عمن يشاء، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26]. وقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8].
أنواع العزة:
من عزة المسلم ألا يكون مستباحًا لكل طامع، أو غرضًا لكل صاحب هوى، بل عليه أن يدافع عن نفسه وعِرْضِهِ وماله وأهله، والمسلم يرفض إذلال نفسه، حتى لو قتل في سبيل عزته وكرامته، ويبدو ذلك واضحًا في موقف الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فلا تعطِهِ مالك). فقال الرجل: أرأيت إن قاتلني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (قاتلْه).
فقال الرجل: أرأيتَ إن قتلني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (فأنت شهيد).
فقال الرجل: أرأيت إن قتلتُه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (هو في النار) [مسلم].
فهكذا يعيش المسلم محتفظًا بكرامته؛ لا يضعف، ولا يلين، ولا يتنازل عن شيء من كرامته وعزته من أجل مالٍ قليل، أو عَرَضٍ دنيوي يزول، وكما جاء في الحديث: (من جلس إلى غني فتضعضع (تذلل) له لدنيا تصيبه، ذهب ثلثا دينه، ودخل النار) [الطبراني].
ولكي يحافظ المسلم على عزته، ويجعل دينه عزيزًا ودولته عزيزة، يجب عليه أن يعمل، ويكد ويتعب؛ حتى تتحقق له القوة، فلا عزة للضعفاء الذين يمدون أيديهم للناس ويأكلون بلا تعب.
 
رد: أخلاق المسلم

الستر
يُحكى أن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- كان له كاتب، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر؛ فقال يومًا لعقبة: إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمر، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم، فقال له عقبة: لا تفعل وعِظْهُمْ. فقال الكاتب: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داعٍ لهم الشرطة ليأخذوهم، فهذا أفضل عقاب لهم. فقال له عقبة: ويحك. لا تفعل؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة) [أبو داود].
*يحكى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جلس بين مجموعة من أصحابه، وفيهم جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- وبينما هم جالسون أخرج أحد الحاضرين ريحًا، وأراد عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ، فقال جرير لعمر: يا أمير المؤمنين، أو يتوضأ القوم جميعًا. فسُرَّ عمر بن الخطاب من رأيه وقال له: رحمك الله. نِعْمَ السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام.
*ما هو الستر؟
الستر هو إخفاء ما يظهر من زلات الناس وعيوبهم.
ستر الله لعباده:
الله -سبحانه- سِتِّير يحب الستر، ويستر عباده في الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدنو أحدكم من ربه، فيقول: أعملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره، ثم يقول: إني سترتُ عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله -عز وجل- حَيِي ستِّير، يحب الحياء والستر) [أبوداود والنسائي وأحمد].
أنواع الستر:
الستر له أنواع كثيرة، منها:
ستر العورات: المسلم يستر عورته، ولا يكشفها لأحد لا يحل له أن يراها.
قال الله -تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5-6].
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي وما نذر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك).
فقال السائل: يا نبي الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن استطعتَ أن لا يراها أحد، فلا يرينَّها).
قال السائل: إذا كان أحدنا خاليًا؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق أن يستحيا منه من الناس)
[أبوداود والترمذي وابن ماجه].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة) [مسلم].
أما ما تفعله كثير من النساء اليوم من كشفٍ لعوراتهن، وعدم إخفاء زينتهن، وخروج بلا أدب ولا حشمة، بكل سفور وتبرج، فإنما ذلك إثم كبير، وذنب عظيم، والمسلمة الملتزمة أبعد ما تكون عن ذلك؛ لأنها تصون جسدها وتلتزم بحجابها.
الستر عند الاغتسال: يجب على المسلم إذا أراد أن يغتسل أو يستحم أن يستتر؛ حتى لا يطَّلع على عورته أحد لا يحق له الاطلاع عليها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل استتر عن الناس، ثم اغتسل.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) [أبوداود والنسائي وأحمد].
الستر عند قضاء الحاجة: إذا أراد المسلم أن يقضي حاجته من بول أو غائط (براز)، فعليه أن يقضيها في مكان لا يراه فيه أحد من البشر؛ حتى لا يكون عرضة لأنظار الناس.
وليس من الأدب ما يفعله بعض الصبية من التبول في الطريق، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالقبور فسمع صوت اثنين يعذبان في قبريهما، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) [متفق عليه].
ستر أسرار الزوجية: المسلم يستر ما يدور بينه وبين أهله، فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة، أمرنا الدين الحنيف بكتمانها، وعدَّها الرسول صلى الله عليه وسلم أمانة لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها، وإنما عليه أن يسترها.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفْضِي إلى امرأته، وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها) [مسلم وأبوداود].
ستر الصدقة: المسلم لا يبتغي بصدقته إلا وجه الله -سبحانه-، لذا فهو يسترها ويخفيها حتى لا يراها أحد سوى الله -عز وجل-، وقد قال الله -تعالى-: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274].
كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أَحَدَ السبعة الذين يظلُّهم الله في ظله يوم القيامة رجُلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وقال صلى الله عليه وسلم: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) [الطبراني].
ستر الرؤيا السيئة: إذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها، وليعلم أنها من الله، وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين، أما إذا رأى رؤيا سيئة يكرهها فليتفل عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا، ولا يذكرها لأحد، وليعلم أنها من الشيطان، ولا تضره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله) [متفق عليه].
ستر وساوس الشيطان: إذا تحدث المؤمن في نفسه بشَرٍّ، أو نوى أن يقوم بمعصية، لكنه عاد إلى رشده؛ فإن عليه ألا يذكر ما جال بخاطره وما حدثتْه به نفسه من الشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- تجاوز لأمتي عما حدثتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به) [متفق عليه].
شروط الستر:
إذا أراد المسلم أن يستر أخاه، فإن هناك شروطًا لابد أن يراعيها عند ستره؛ حتى يحقق الستر الغرض المقصود منه، وأهم هذه الشروط:
* أن يكون الستر في موعده المحدد له؛ فيستر المسلم أخاه عند فعله للمعصية وبعدها، بألا يتحدث للناس بأن فلانًا يرتكب المعاصي.
* أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره ولا تضر أحدًا سواه، أما إذا وصل الضرر إلى الناس فهنا يجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة ما يحدث من ضرر.
* أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور بأن يرجع عن معصيته ويتوب إلى الله -تعالى-، أما إذا كان المستور ممن يُصِرُّ على الوقوع في المعصية، وممن يفسد في الأرض، فهنا يجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر ضرر يجعل العاصي يتمادى في المعصية.
* ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور واستغلاله وتعييره بذنوبه.
* ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طلبت، {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283].
* الستر مرهون برد المظالم، فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور عليه في ضياع حق الغير.
فضل الستر:
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ستر العورات؛ فقال: (لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة) [ابن ماجه].
فهكذا يكون الستر في الآخرة نتيجة لما يقوم به المسلم من ستر لأخيه في الدنيا، والثواب يكون في الدنيا أيضًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة) [الترمذي].
والستر ثوابه الجنة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه، إلا أدخله الله بها الجنة) [الطبراني].
المجاهَرة بالمعاصي:
المسلم إذا فعل ذنبًا فإنه يبادر بالتوبة والاستغفار والندم على فعله؛ حتى يعافيه الله ويتوب عليه، أما الذين لا يندمون على ذنوبهم بل إنهم يتباهون بالمعصية، فإن هؤلاء لا يعافيهم الله، وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم المجاهرين، فقال: (كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة، أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) [البخاري].
والذين لا يسترون الناس ويشيعون بينهم الفاحشة، فإن لهم العذاب الأليم من الله تعالى حيث يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور: 19].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته) [ابن ماجه].
فالمسلم دائمًا يتصف بالستر للآخرين اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستـر مسلمًا ستره الله يـوم القيامة) [البخاري].
 
رد: أخلاق المسلم

الكتمان
كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من الأيام كان يلعب مع الغلمان بالمدينة، فأتى إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وألقى عليهم السلام، وكلف أنسًا بمهمة ما. وبعد أن نفذ أنس تلك المهمة عاد إلى أمه، فسألته عن سبب تأخره، فقال لها: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، فسألته: ما حاجته؟ فلم يخبرها أنس وقال: إنها سِرٌّ. فسعدت به أمه وأُعجبتْ بكتمانه للسر، وقالت له: لا تخبرنَّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا. [مسلم].
*عندما تُوفي زوج السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، عرض عمر على عثمان بن عفان أن يتزوجها، فقال له عثمان: سأنظر في أمري، وبعد أيام لقى عثمانُ عمرَ، فقال له: بدا لي ألا أتزوج الآن. ثم عرض عمر على الصديق أبي بكر أن يتزوج ابنته حفصة، فلم يرد عليه أبو بكر بالقبول أو بالرفض، فغضب عمر منه.
وبعد ليالٍ، خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم فزوَّجها له عمر، فلقيه أبو بكر فقال له: لعلك وَجَدْتَ علي (غضبتَ مني) حين عرضتَ علي حفصة فلم أَرْجِعْ إليك شيئًا؟ فقال له عمر: نعم.
فقال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئًا حين عرضتَها على إلا أني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها (أراد الزواج منها)، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لنكحتُها (تزوجتُها)._[البخاري].
*ما هو الكتمان؟
الكتمان هو حفظ الأسرار، وإخفاء ما لا يجب أن يعرفه الناس من الأمور الخاصة.
أنواع الكتمان:
هناك أمور كثيرة يجب على المسلم أن يلتزم فيها بخلق الكتمان، ولا يظهرها لأحد من الناس، ومن هذه الأمور:
كتمان السر: المسلم يحتفظ بالسر سواء أكان هذا السر خاصًّا به أم أنه يتصل بشخص آخر ائتمنه عليه، فإذا حفظ المسلم السر فإن نفسه تكون مطمئنة لا يخاف من شيء، أما إذا أعلن سره للآخرين فإن ذلك يكون سببًا في تعرضه للمضار والأخطار.
واحتفاظ المسلم بالسر دليل على أمانته، مما يجعل الناس يثقون به ويسعون إلى صداقته، أما إذا كان من الذين يفشون الأسرار، فإن الناس سيكرهونه ولن يثقوا به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا حدَّث الرجلُ الحديثَ ثم التفت فهي أمانة) [الترمذي]. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة فإنه لا يخبر أحدًا بوقتها ولا بمكانها حتى يجهز الجيش ويستعد للقتال.
ومما قاله الحكماء في كتم السر وعدم إفشائه: من أفشى سره أفسد أمره، ومن كتم سره ملك أمره. وقيل: أضعف الناس من ضعف عن كتمان سره.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: من كتم سره كان الخيار بيده.
وقال: ما أفشيتُ سري إلى أحد قط فلمتُه؛ إذ كان صدري به أَضْيَق.
وقال علي -رضي الله عنه-: سرك أسيرك فإذا تكلمتَ به صرتَ أسيره.
وقال الشاعر:
إذا المـرء أَفْـشَي سِـرَّهُ بلسانــه
ولام عليه غيرَهُ فَهـو أحـمـــقُ
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفـسـه
فصـدر الذي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَـقُ
كتمان الحاجات: إذا أراد المسلم أن يقوم بعمل ويؤديه على خير وجه، فعليه أن يكتمه حتى ينفذه أو ينهيه، ولا يُحدِّث كل من يقابله بما يريد فعله. وقد أوصي النبي صلى الله عليه وسلم بالكتمان في قضاء الحوائج، فقال: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) [الطبراني والبيهقي].
كتمان أسرار البيت: ما يحدث في البيوت إنما هو أسرار يجب على الإنسان أن يكتمها ولا يفشيها للآخرين؛ فلا يتحدث مع الناس بما يحدث في بيته، وعليه أن يلتزم بالكتمان في علاقته مع زوجته، فلا يفشي ما يحدث بينهما؛ لأنه أمانة.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أَشَرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يُفْضِي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها) [مسلم].
كتمان عورات المسلمين: المسلم لا يتحدث عن الآخرين بما يؤذيهم، بل إنه يستر عوراتهم، ويغض بصره عن محارمهم، وقد توعد الـله -سبحانـه- من يقومون بهتـك أستار المسلمين بالعذاب الأليم، فقال: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور: 19].
المسلم إذا بدرت منه معصية أو فعل ذنبًا فإنه يكتم على نفسه، ولا يتحدث بذنوبه أمام الناس، ويسارع بالتوبة إلى الله، والاستغفار عما فعل من الذنوب، أما هؤلاء الذين يتفاخرون أمام الناس بأنهم يرتكبون الذنوب ويفعلون المعاصي فقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجاهرين، لا ينالون عفو الله -عز وجل-، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه).
[متفق عليه].
الكتمان المحرم:
إذا كان الكتمان أمرًا مطلوبًا، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم فإن هناك أمورًا لا يجوز للمسلم أن يكتم ما عنده فيها، بل عليه أن يُحَدِّث بكل ما يعرفه وإلا أثم وارتكب وزرًا، ومن هذه الأمور:
الشـهادة: فلا يجوز للمسلم أن يكتم الشهادة، بل عليه أن يؤديها كما رأى، وقد أمر الله -تعالى- بعدم كتمان الشهادة، فقال: {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283].
وقال الله تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 140].
البيع والشراء: على البائع المسلم أن يبين ما في سلعته، وأن يصدق في بيعه، حتى يبارك الله -عز وجل- له في تجارته. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحِقت بركة بيعهما) [البخاري].
العلم: لا يجوز للمسلم أن يكتم العلم؛ لأن كتمانه ذنب عظيم يُعاقب عليه أشد العقاب، وكتمان العلم يؤدي إلى لعنة الله على من يكتمه.
قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} [البقرة: 159].
وقال تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}.
[البقرة: 42].
ويأتي كاتم العلم يوم القيامة وعلى فمه لجام من النار؛ لأنه كتم العلم وبخل به على الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) [أبو داود والترمذي وابن ماجه]. فعلى المسلم ألا يكون كاتمًا للعلم أو شهادة الحق.
 
رد: أخلاق المسلم

الشجاعة
في إحدى الليالي سمع أهل المدينة صوتًا عاليًا، ألقى الخوف في قلوبهم، فانطلق الناس ناحيته، فقابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق عائدًا، وكان قد سبقهم إلى مصدر هذا الصوت، فقال لهم: (لم تُرَاعوا..لم تراعوا (أي لا تفزعوا)) [متفق عليه].
*يروى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وزَّع على الناس أثوابًا، وكان الثوب يكفي الرجل حتى ساقيه، ولا يغطِّي سائر رجليه، وأخذ عمر ثوبًا مثل عامة الناس، وصعد المنبر فرآه الناس في ثوب طويل، ولما افتتح خطبته قال: أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا، فقام أحد الحاضرين، وقال: لا سمع ولا طاعة. فسأله عمر: ولماذا؟
فأجاب الرجل: لأنك أعطيتنا تلك الثياب القصيرة، واستأثرت لنفسك بهذا الثوب الطويل، فأمر عمر بن الخطاب ابنه عبد الله أن يرُدَّ على هذا الرجل ويبين له الحقيقة، فقام عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- ليعلن أنه قد تنازل عن ثوبه لأبيه حتى يكمل به جلبابه، فقال الرجل: الآن قل، نسمع ونطع.
*ما هي الشجاعة؟
هي جرأة القلب وقوة النفس عند مواجهة الأمور الصعبة.
شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتدت الحرب يحتمون خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلونه في المقدمة، وفي هذا يقول علي -رضي الله عنه: كنا إذا اشتدت البأساء (الحرب) احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه.
ويقول البراء -رضي الله عنه-: ولقد كنا إذا حمي البأس نتقي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع الذي يحاذَي به.
وفي غزوة حنين حين اضطرب المسلمون، وفرَّ عدد كبير منهم، وقتل وأصيب آخرون، ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثابتًا في مكانه لا يتزحزح، يضرب بسيفه يمينًا ويسارًا، مناديا بأعلى صوته: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، وما إن سمع المسلمون هذا النداء حتى عادت إلى قلوبهم الشجاعة، والتفوا مرة أخرى حول الرسول صلى الله عليه وسلم يقاتلون، حتى تحقق لهم النصر. وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فتعلم الصحابة الشجاعة منه، وكانوا قادة أَكْفَاء وقدوة في التضحية والفداء.
شجاعة الصحابة:
ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الشجاعة، ومن هؤلاء الصحابة:
عمرو بن الجموح: منعه أبناؤه من الاشتراك في ميدان القتال؛ لأنه لا يستطيع السير على ساقه العرجاء، فقال لهم: والله، إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة. واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال فأذن له وذهب إلى ميدان المعركة فقاتل بشجاعة؛ حتى نال الشهادة في سبيل الله.
علي بن أبي طالب: تربى على الشجاعة والإقدام منذ صغره، وضرب لنا وهو صغير مثلا رائعًا في الشجاعة عندما نام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة؛ فعرَّض نفسه للموت بسيوف المشركين، ليُسَهِّل مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة سالـمًا.
عبد الله بن رواحة: صحابي جليل جاهد في سبيل الله، واستشهد في معركة مؤتة، وقبل أن ينال الشهادة أخذ يخاطب نفسه ويحثها على القتال، فيقول:
أقسمتُ يا نَـفْسُ لتَنْـزِلِـنَّــهْ
ما لـي أراك تكرهيـن الجنَّــةْ
يا نفـسُ إلا تُقْتَلـِـي تمـوتـي
هـذا حِمامُ الموت قد صَلِيــتِ
وما تمنيـتِ فـقـد أُعْطِيــتِ
إن تفعلي فِعْلَهُمَـا هُـدِيـــتِ
وكان عبد الله يتمنى الشهادة، ويريد أن يلحق بصاحبيه زيد بن حارثة
وجعفر بن أبي طالب -شهداء مؤتة-، وبالفعل خاض المعركة، وأبلى في تلك الغزوة بلاءً حسنًا حتى فاز بالشهادة في سبيل الله، ولحق بصاحبيه في الجنة.
خالد بن الوليد: أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد سيف الله المسلول لشجاعته واستبساله في الحروب، وعند موته كان حزينًا لأنه لم يمت شهيدًا في ميدان القتال، وقال: ما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنذا أموت على فراشي حَتْفَ أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.
أبو ذر الغفاري: عرف بشجاعته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حيث كان يدافع عن الفقراء، ويطلب من الأغنياء أن يتصدقوا ويخرجوا زكاة أموالهم التي هي حق الفقراء، وكان يقول: بَشِّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار تُكْوَى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة.
نساء الصحابة: اتصفت نساء الصحابة -رضي الله عنهن- بالشجاعة والإقدام، فكن يشتركن مع المسلمين في المعارك، ويقمن بإعداد الطعام للمقاتلين، وتجهيز الماء لسقي الجنود، ومداواة الجرحى والمرضى، حتى اشتهر من هؤلاء النساء السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب، والسيدة أم عطية الأنصارية، والسيدة أم سليم، والسيدة ليلي الغفارية، وغيرهن -رضي الله عنهن-.
وذات مرة قابلت الصحابية الجليلة خَوْلَة بنت ثعلـبـة -رضـي الله عنها- أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وظلت تنصحه، وتعظه، وهو واقف لا يتحرك من أمامها، وينصت لكلامها حتى انتهت من نصيحتها.
أطفال الصحابة: أظهر كثير من الأطفال حزنهم لعدم اشتراكهم في المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحكى أن عمير بن أبي وقاص -وكان صغيرًا- اختبأ في صفوف الجيش حتى لا يراه الرسول صلى الله عليه وسلم فيرده لصغر سنه، وحينما طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرجع بكى؛ فسمح له الرسول صلى الله عليه وسلم بمصاحبة الجيش.
أنواع الشجاعة:
الشجاعة لها أنواع كثيرة، منها:
الشجاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انْتُهِكَتْ حرمة من حرمات الله، أو ارتكب أحد الناس منكرًا بأن فعل معصية، فيأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير، وينهاه عن المنكر والمعصية، وقد تعلم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه.
وقد أمر الله -سبحانه- بهذا النوع من الشجاعة، إذ وجهنا سبحانه إليها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 41]، وقال كذلك: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة: 122].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (قل الحق، ولو كان مرًّا) [أحمد]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [مسلم].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل الذي يعظ ولي الأمر وينصحه في لين ورفق له أجر عظيم وجزاء وفير من رب العالمين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله) [الحاكم].
الشجاعة في طلب العلم: المسلم يسعى دائمًا إلى طلب العلم، ويسأل ويستفسر عما لا يعرفه؛ لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه، ويستفسرون منه عما لا يعرفونه دون خجل؛ وكان الرجل منهم والمرأة -رضي الله عنهم- في ذلك الأمر سواء.
الشجاعة في الاعتراف بالخطأ: المسلم دائمًا يميل إلى الحق والصواب، وإذا أخطأ يسارع بالاعتراف بخطئه والندم عليه والتوبة إلى الله منه. ومن ذلك موقف سيدنا آدم -عليه السلام- حينما أكل من الشجرة المحرَّمة وعصى ربه، فسارع بالاعتراف بخطئه واستغفر ربه حتى تاب الله عليه.
كذلك نبي الله يونس -عليه السلام- حينما التقمه الحوت، لجأ إلى ربه ذاكرًا مستغفرًا، حتى نجَّاه الله مما هو فيه، وكان يدعو ربه، ويقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وهكذا المسلم دائمًا يرجع ويعود إلى الحق، فإذا صدر منه ذنب أو خطأ فإنه يتوب ويعتذر ويعترف بخطئه.
الشجاعة في القتال: أمر الله المسلمين أن يستعدوا لمواجهة أعدائه، فقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} [الأنفال: 60].
وأمر الله المسلمين أن يقاتلوا المشركين بقوة وثبات وهم يد واحدة، فقال الله تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4].
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون} [الأنفال: 45].
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار} [الأنفال: 15].
والمسلم لا يخشى الموت في سبيل الله، فهي منزلة عظيمة عند الله -سبحانه-.
يقول الشاعر:
وإذا لـم يَكُـنْ للمــوتِ بُــدٌّ
فَمِنَ الْعَجْزِ أنْ تموتَ جَبـَـانَــا
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على القوة، فقال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَزْ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) [مسلم]. فعلى المسلم أن يجعل الشجاعة صفة لازمة له على الدوام.
 
رد: أخلاق المسلم

طرح طيب وقيم اشتمل على الكثير
من المواقف والقصص الرائعه عن اخلاق
المسلم بموازين حسنات اخي الصبر بارك الله فيك واثابك
تقييمي واحترامي وتقديري لك
 
رد: أخلاق المسلم

الالعفو
طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!
قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}.
قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم: {والعافين عن الناس}.
قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.
*حكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمرُّ الأيام ويهب الله ليوسف -عليه السلام- الملك والحكم، ويصبح له القوة والسلطان بعد أن صار وزيرًا لملك مصر.
وجاء إليه أخوته ودخلوا عليه يطلبون منه الحبوب والطعام لقومهم، ولم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
*كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).
فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟).
فقال الرجل: كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [متفق عليه].
*وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: (لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الله ليسلطكِ علي).
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. [متفق عليه].
*ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!
فقـال لهم: قد عفوتُ عنكم.
*ما هو العفو؟
العفو هو التجاوز عن الذنب والخطأ، وترك العقاب عليه.
عفو الله -عز وجل-:
الله -سبحانه- يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني) [الترمذي].
عفو الرسول صلى الله عليه وسلم:
تحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. [مسلم].
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء -صلوات الله وتسليماته عليهم- ضربه قومه، فأَدْمَوْه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
وقد قيل للنبي: ( ادْعُ على المشركين، فقال: (إني لم أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنما بعثتُ رحمة) [مسلم].
ويتجلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال: (لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].
وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟).
قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
[سيرة ابن هشام].
فضل العفو:
قال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14].
وقال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).
[أبو داود والترمذي وابن ماجه].
وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسيء معتذرًا.
يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم].
 
رد: أخلاق المسلم

العمل
يروى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ويطلب منه مالا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيء؟). فقال الرجل: بلى، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتني بهما)، فجاء بهما الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يشتري هذين؟). فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يزيد على درهم؟)-مرتين أو ثلاثًا-.
فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الدرهمين، فأعطاهما الرجل الفقير، وقال له: (اشترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا (فأسًا) فأتني به).
فاشتري الرجل قدومًا وجاء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع له الرسول صلى الله عليه وسلم يدًا وقال له: (اذهب فاحتطب وبع ولا أَرَينَّك (لا أشاهدنَّك) خمسة عشر يومًا).
فذهب الرجل يجمع الحطب ويبيعه، ثم رجع بعد أن كسب عشرة دراهم، واشترى ثوبًا وطعامًا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَةً (علامة) في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدْقِع (شديد)، أو لذي غُرْم مفظع (كبير)، أو لذي دم موجع (عليه دية)) [أبو داود].
*ما هو العمل؟
للعمل معانٍ كثيرة واسعة، فهو يطلق على ما يشمل عمل الدنيا والآخرة.
عمل الآخرة: ويشمل طاعة الله وعبادته والتقرب إليه، والله -تعالى- يقول: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل عمران: 195].
وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (جهاد في سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) [البخاري].
عمل الدنيا: ويطلق على كل سعي دنيوي مشروع، ويشمل ذلك العمل اليدوي وأعمال الحرف والصناعة والزراعة والصيد والتجارة والرعي وغير ذلك من الأعمال. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ فقال: (عمل الرجل بيده) [الحاكم].
أمرنا الله -تعالى- بالعمل، والجـد في شئون الحياة، في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال سبحانه: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10]. وقـال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15]. وقـال تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105].
وعلى كل مسلم أن يؤدي ما عليه من عملٍ بجد وإتقان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإحسان العمل وإتقانه، كذلك فإن الطالب عليه أن يجتهد في مذاكرته؛ لأنها عمله المكلف به؛ فيجب عليه أن يؤديه على خير وجه، حتى يحصل على النجاح والتفوق.
والمسلم لا يتوقف عن العمل مهما كانت الظروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها) [أحمد].
وقد نهى الإسلام عن أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، وقد وصف الله -تعالى- فقراء المؤمنين بالعفة، فهم مهما اشتد فقرهم لا يسألون الناس ولا يلحُّون في طلب المال، يقول تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273].
والذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلى الله عليه وسلم: (اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله) [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخـذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه) [البخاري].
ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة، يقول الشاعر:
بِقَدْرِ الْكَـدِّ تُكْتَسَـبُ المعَـالِـي
ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّـيالِــي
ومن طلب العُـلا من غير كَــدٍّ
أَضَاع العُمْـرَ في طلب الْمُحَــالِ
العمل خلق الأنبياء:
عمل نبي الله نوح -عليه السلام- نجارًا، وقد أمره الله بصنع السفينة ليركب فيها هو ومن آمن معه. واشتغل يعقوب -عليه السلام- برعي الغنم. وعمل يوسف -عليه السلام- وزيرًا على خزائن مصر.
ويروى أن نبي الله إدريس -عليه السلام- كان خياطًا، فكان يعمل بالخياطة، ولسانه لا يكفُّ عن ذكر الله؛ فلا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا سبح الله؛ فيصبح ويمسي وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه. كما اشتغل نبي الله موسى
-عليه السلام- برعي الغنم عشر سنين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) [البخاري]. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نبي الله داود -عليه السلام- لأنه كان مَلِكًا، ومع كونه ملكًا له من الجاه والمال الكثير، إلا أنه كان يعمل ويأكل من عمل يده؛ فقد كان يشتغل بالحدادة، ويصنع الدروع الحديدية وآلات الحرب بإتقان وإحكام. وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك برعي الغنم في صغره، ثم عمل في شبابه بالتجارة.



فضل العمل:
المسلم يعمل حتى يحقق إنسانيته؛ لأنه كائن مُكلَّف بحمل رسالة، وهي عمارة الأرض بمنهج الله القويم، ولا يتم ذلك إلا بالعمل الصالح، كما أن الإنسان لا يحقق ذاته في مجتمعه إلا عن طريق العمل الجاد.
وبالعمل يحصل الإنسان على المال الحلال الذي ينفق منه على نفسه وأهله، ويسهم به في مشروعات الخير لأمته، ومن هذا المال يؤدي فرائض الله؛ فيزكي ويحج ويؤدي ما عليه من واجبات، وقد أمر الله عباده بالإنفاق من المال الطيب، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267].
وقد ربط الله -عز وجل- بين العمل والجهاد في سبيل الله، فقال تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} [المزمل: 20].
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من يخرج ليعمل ويكسب من الحلال؛ فيعف نفسه أو ينفق على أهله، كمن يجاهد في سبيل الله. وقد مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرأى الصحابة جده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يَعفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني].
كما أن العمل يكسب المرء حب الله ورسوله واحترام الناس. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف (أي: الذي له عمل ومهنة يؤديها)) [الطبراني والبيهقي].
أخلاقيات العمل في الإسلام:
نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًا وواجبات.
أولا: حقوق العامل:
ضمن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها:
* الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، قال الله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [هود: 85]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) [ابن ماجه].
* الحقوق البدنية: وهي الحق في الراحة، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [متفق عليه]. وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية.
* الحقوق الاجتماعية: وهي التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (مَنْ كان لنا عاملا فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب له خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا. من اتخذ غير ذلك فهو غَالٌّ أو سارق) [أبو داود].
ثانيا: واجبات العامل:
وكما أن العامل له حقوق فإن عليه واجبات، ومن هذه الواجبات:
* الأمانة: فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس مني) [مسلم وأبو داود والترمذي].
* الإتقان والإجادة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي].
* التبكير إلى العمل: حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) [الترمذي وابن ماجه].
* التشاور والتناصح: حيث يمكن التوصل للرأي السديد، قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) [مسلم والترمذي].
* حفظ الأسرار: يجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل.
* الطاعة: فيجب على العامل أن يطيع رؤساءه في العمل في غير معصية، وأن يلتزم بقوانين العمل.
 
رد: أخلاق المسلم

التعاون
يحكى أن شيخًا كبيرًا جمع أولاده، وأعطاهم حزمة من الحطب، وطلب منهم أن يكسروها، فحاول كل واحد منهم كسر الحزمة لكنهم لم يستطيعوا، فأخذ الأب الحزمة وفكها إلى أعواد كثـيـرة، وأعطى كل واحد من أبنائه عودًا، وطلب منه أن يكسره، فكسره بسهـولة.
*أمر الله إبراهيم -عليه السلام- أن يرفع جدران الكعبة، ويجدد بناءها، فقام إبراهيم -عليه السلام- على الفور لينفذ أمر الله، وطلب من ابنه إسماعيل -عليه السلام- أن يعاونه في بناء الكعبة، فأطاع إسماعيل أباه، وتعاونا معًا حتى تم البناء، قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127].
*أرسل الله موسى -عليه السلام- إلى فرعون؛ يدعوه إلى عبادة الله وحده، فطلب موسى -عليه السلام- من الله -سبحانه- أن يرسل معه أخاه هارون؛ ليعاونه ويقف بجانبه في دعوته، فقال: {واجعل لي وزيرًا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري} [طه: 29-32]. فاستجاب الله تعالى لطلب موسى، وأيده بأخيه هارون، فتعاونا في الدعوة إلى الله؛ حتى مكنهم الله من النصر على فرعون وجنوده.
*أعطى الله -سبحانه- ذا القرنين مُلكًا عظيمًا؛ فكان يطوف الأرض كلها من مشرقها إلى مغربها، وقد مكَّن الله له في الأرض، وأعطاه القوة والسلطان، فكان يحكم بالعدل، ويطبق أوامر الله.
وكان في الأرض قوم مفسدون هم يأجوج ومأجوج، يهاجمون جيرانهم، فينهبون أموالهم، ويظلمونهم ظلمًا شديدًا؛ فاستغاث هؤلاء الضعفاء المظلومون بذي القرنين، وطلبوا منه أن يعينهم على إقامة سـد عظيم، يحول بينهم وبين يأجوج ومأجوج، {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا} [الكهف: 94].
فطلب منهم ذو القرنين أن يتحدوا جميعًا، وأن يكونوا يدًا واحدة؛ لأن بناء السد يحتاج إلى مجهود عظيم، فعليهم أن يُنَقِّبُوا ويبحثوا في الصحراء والجبال، حتى يحضروا حديدًا كثيرًا لإقامة السد، قال تعالى: {قال ما مكني فيه خيرًا فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردمًا} [الكهف: 95]. وتعاون الناس جميعًا حتى جمعوا قدرًا عظيمًا من الحديد بلغ ارتفاعه طول الجبال، وصهروا هذا الحديد، وجعلوه سدَّا عظيمًا يحميهم من هؤلاء المفسدين.
*كان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة هو بناء المسجد، فتعاون الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى هيئوا المكان، وأحضروا الحجارة والنخيل التي تم بها بناء المسجد، فكانوا يدًا واحدة حتى تم لهم البناء.
وكان الصحابة يدًا واحدة في حروبهم مع الكفار، ففي غزوة الأحزاب اجتمع عليهم الكفار من كل مكان، وأحاطوا بالمدينة، فأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر خندق عظيم حول المدينة، حتى لا يستطيع الكفار اقتحامه. وقام المسلمون جميعًا بحفر الخندق حتى أتموه، وفوجئ به المشركون، ونصر الله المسلمين على أعدائهم.
ما هو التعاون؟
التعاون هو مساعدة الناس بعضهم بعضًا في الحاجات وفعل الخيرات. وقد أمر الله -سبحانه- بالتعاون، فقال: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].
فضل التعاون:
والتعاون من ضروريات الحياة؛ إذ لا يمكن للفرد أن يقوم بكل أعباء هذه الحياة منفردًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان معه فضل ظهر فلْيعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فلْيعُدْ به على من لا زاد له)
[مسلم وأبو داود].
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على معونة الخدم، فقال: (ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم فإن كلَّفتموهم فأعينوهم) [متفق عليه].
والله -سبحانه- خير معين، فالمسلم يلجأ إلى ربه دائمًا يطلب منه النصرة والمعونة في جميع شئونه، ويبتهل إلى الله -سبحانه- في كل صلاة مستعينًا به، فيقول: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5].
وقد جعل الله التعاون فطرة في جميع مخلوقاته، حتى في أصغرهم حجمًا، كالنحل والنمل وغيرها من الحشرات، فنرى هذه المخلوقات تتحد وتتعاون في جمع طعامها، وتتحد كذلك في صد أعدائها. والإنسان أولى بالتعاون لما ميزه الله به من عقل وفكر.
فضل التعاون:
حينما يتعاون المسلم مع أخيه يزيد جهدهما، فيصلا إلى الغرض بسرعة وإتقان؛ لأن التعاون يوفر في الوقت والجهد، وقد قيل في الحكمة المأثورة: المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة) [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضُه بعضًا)
[متفق عليه].
والمسلم إذا كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (وعَوْنُكَ الضعيفَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ صدقة) [أحمد].
التعاون المرفوض: نهى الله -تعالى- عن التعاون على الشر لما في ذلك من فساد كبير، فقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].
والمسلم إذا رأى أحدًا ارتكب معصية فعليه ألا يسخر منه، أو يستهزئ به، فيعين الشيطان بذلك عليه، وإنما الواجب عليه أن يأخذ بيده، وينصحه، ويُعَرِّفه الخطأ.
 
رد: أخلاق المسلم

الرحمة
دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يقَبِّلُ حفيده
الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فتعجب الرجل، وقال: والله يا رسول الله إن لي عشرة من الأبناء ما قبَّلتُ أحدًا منهم أبدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرْحم لا يرْحم) [متفق عليه].
*يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل غفر الله له؛ لأنه سقى كلبًا عطشان، فيقول صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ (حذاءه) بالماء، ثم أمسكه بفيه (بفمه)، فسقى الكلب، فشَكَرَ اللهُ له، فَغَفَر له).
فقال الصحابة: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟
قال: (في كل ذات كبد رطبة أجر (يقصد أن في سقي كل كائن حي ثوابًا) [البخاري].
*ما هي الرحمة؟
الرحمة هي الرقة والعطف والمغفرة. والمسلم رحيم القلب، يغيث الملهوف، ويصنع المعروف، ويعاون المحتاجين، ويعطف على الفقراء والمحرومين، ويمسح دموع اليتامى؛ فيحسن إليهم، ويدخل السرور عليهم.
ويقول الشاعر:
ارحم بُنَي جمـيــع الخـلـق كُلَّـهُـمُ
وانْظُرْ إليهــم بعين اللُّطْفِ والشَّفَقَةْ

وَقِّــرْ كبيـرَهم وارحم صغيـرهــم
ثم ارْعَ في كل خَلْق حقَّ مَنْ خَلَـقَـهْ
رحمة الله:
يقول الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54]. ويقول الله تعالى: {فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 64].
ونحن دائمًا نردد في أول أعمالنا: (بسم الله الرحمن الرحيم). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي) [متفق عليه].
فرحمة الله -سبحانه- واسعة، ولا يعلم مداها إلا هو، فهو القائل: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف: 156]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) [متفق عليه].
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
الرحمة والشفقة من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]. وقال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين} [الأنبياء: 107].
وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159].
*وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط ولا امرأة) [أحمد].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّلُ ابنه إبراهيم عند وفاته وعيناه تذرفان بالدموع؛ فيتعجب عبدالرحمن بن عوف ويقول: وأنت يا رسول الله؟!
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يابن عوف، إنها رحمة، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) [البخاري].
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة، وهو ينوي إطالتها، فإذا سمع طفلاً يبكي سرعان ما يخففها إشفاقًا ورحمة على الطفل وأمه. قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوَّز لما أعلم من شدة وَجْدِ (حزن) أمه من بكائه) [متفق عليه].
رحمة البشر:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ارحم من في الأرض، يرحَمْك من في السماء) [الطبراني والحاكم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم].
والمسلم رحيم في كل أموره؛ يعاون أخاه فيما عجز عنه؛ فيأخذ بيد الأعمى في الطرقات ليجنِّبه الخطر، ويرحم الخادم؛ بأن يحسن إليه، ويعامله معاملة كريمة، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرهما والإحسان إليهما والتخفيف عنهما.
والمسلم يرحم نفسه، بأن يحميها مما يضرها في الدنيا والآخرة؛ فيبتعد عن المعاصي، ويتقرب إلى الله بالطاعات، ولا يقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق، ويجتنب كل ما يضر الجسم من أمراض، فلا يؤذي جسده بالتدخين أو المخدرات... إلى غير ذلك. والمسلم يرحم الحيوان، فرحمة المسلم تشمل جميع المخلوقات بما في ذلك الحيوانات.
الغلظة والقسوة:
حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة، وعدَّ الذي لا يرحم الآخرين شقيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شَقِي)
[أبو داود والترمذي] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس) [متفق عليه].
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة، فيقول صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة (قطة) ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض (دوابها كالفئران والحشرات)) [متفق عليه]. فهذه المرأة قد انْتُزِعَت الرحمة من قلبها، فصارت شقية بتعذيبها للقطة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة.
أما المسلم فهو أبعد ما يكون عن القسوة، وليس من أخلاقه أن يرى الجوعى ولا يطعمهم مع قدرته، أو يرى الملهوف ولا يغيثه وهو قادر، أو يرى اليتيم ولا يعطف عليه، ولا يدخل السرور على نفسه؛ لأنه يعلم أن من يتصف بذلك شقي ومحروم.
 
رد: أخلاق المسلم

الأمل
يُحكى أن قائدًا هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة.
وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرة تَجُرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخري. وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها...وهكذا.
فأخذ القائد يراقب النملة باهتمام شديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذ يجهزهم لخوض معركة جديدة.. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هو الأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة.
*حكى الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته قصة رجل قتل تسعة وتسعين نَفْسًا، وأراد أن يتوب إلى الله -تعالى- فسأل أحد العباد الزهاد: هل تجوز لي التوبة؟ فأجابه ذلك العابد: لا. فاغتاظ الرجل وقتله وأكمل به المائة، وبعد أن قتله زادت حيرته وندمه، فسأل عالـمًا صالحًا: هل لي من توبة؟
فقال له: نعم تجوز لك التوبة،ولكن عليك أن تترك القرية التي تقيم فيها لسوء أهلها وتذهب إلى قرية أخرى أهلها صالحون؛ لكي تعبد الله معهم.
فخرج الرجل مهاجرًا من قريته إلى القرية الصالحة، عسى الله أن يتقبل توبته، لكنه مات في الطريق، ولم يصل إلى القرية الصالحة. فنزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، واختلفوا فيما بينهم أيهم يأخذه، فأوحى الله إليهم أن يقيسوا المسافة التي مات عندها الرجل، فإن كان قريبًا إلى القرية الصالحة كتب في سجلات ملائكة الرحمة، وإلا فهو من نصيب ملائكة العذاب.
ثم أوحى الله -سبحانه- إلى الأرض التي بينه وبين القرية الصالحة أن تَقَارَبِي، وإلى الأخرى أن تَبَاعَدِي، فكان الرجل من نصيب ملائكة الرحمة، وقبل الله توبته؛ لأنه هاجر راجيًا رحمته سبحانه، وطامعًا في مغفرته ورحمته.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
*ما هو الأمل؟
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه.
الأمل عند الأنبياء:
الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام.
الأمل عند الرسول صلى الله عليه وسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية قومه، ولم ييأس يومًا من تحقيق ذلك وكان دائمًا يدعو ربه أن يهديهم، ويشرح صدورهم للإسلام.
وقد جاءه جبريل -عليه السلام- بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبيْن (اسم جبلين)، فقال صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واثقًا في نصر الله له، وبدا ذلك واضحًا في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما في الغار ومطاردة المشركين لهما، فقال له بكل ثقة وإيمان: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40].
أمل نوح -عليه السلام-: ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن.. فُرَادَى وجماعات.. لم يترك طريقًا من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا . ثم إني دعوتهم جهارًا . ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا} [نوح: 5-9].
فأوحى الله -تعالى- إليـه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
أمل يعقوب -عليه السلام-: ابتلى الله -سبحانه- نبيه يعقوب -عليه السلام- بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن يعقوب -عليه السلام- ظل صابرًا بقضاء الله، ولم ييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله ورجاؤه في الله -سبحانه- أن يُعِيدَهما إليه، وطلب يعقوب -عليه السلام- من أبنائه الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأمل بيد الله، فقال لهم: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87]، وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
أمل موسى -عليه السلام-: ظهر الأمل والثقة في نصر الله بصورة جليَّة في موقف نبي الله موسى -عليه السلام- مع قومه، حين طاردهم فرعون وجنوده، فظنوا أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر، فقالوا لموسى: {إنا لمدركون}
[الشعراء: 61].
فقال لهم نبي الله موسى -عليه السلام- في ثقة ويقين: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62]. فأمره الله -سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
أمل أيوب -عليه السلام-: ابتلى الله -سبحانه- نبيه أيوب -عليه السلام- في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]. فلم يُخَيِّب الله أمله، فحقق رجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.
الأمل والعمل:
الأمل في الله ورجاء مغفرته يقترن دائمًا بالعمل لا بالكسل والتمني، قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [_الكهف: 110]. وقال عز وجل: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} [البقرة: 218].
فلا يقول الإنسان: إن عندي أملا في الله، وأُحسن الظن بالله، ثم بعد ذلك نراه لا يؤدي ما عليه تجاه الله من فروض وأوامر، ولا ينتهي عما نهى الله عنه، والذي يفعل ذلك إنما هو مخادع يضحك على نفسه.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسن الظن من حسن العبادة) [أبوداود وأحمد].



فضل الأمل:
الأمل يدفع الإنسان دائمًا إلى العمل، ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاه لسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأمل نور الحياة.
وقيل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.
وقال الشاعر:
لا خير في اليأس، كُلُّ الخير في الأمل
أَصْلُ الشجـاعـةِ والإقدام ِفي الرَّجُـلِ
والمسلم لا ييأس من رحمة الله؛ لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفع إلى التوبة واتباع صراط الله المستقيم، وقد حث الله -عز وجل- على ذلك، ونهى عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، فقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53].
وإذا فعل المسلم ذنبًا فهو يسارع بالتوبة الصادقة إلى ربه، وكله أمل في عفو الله عنه وقَبُول توبته. والأمل طاقة يودعها الله في قلوب البشر؛ لتحثهم على تعمير الكون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة)، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسَها فليْغرسْها) [أحمد].
وقال حكيم: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارس شجرًا.
ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان، وإنما حاول تحقيقه مرة بعد مرة دون يأس أو ملل، ولذلك قيل: الأمل يُنَمِّي الطموح والإرادة، واليأس يقتلهما.
فليحرص المسلم على الأمل في كل جوانب حياته، ولْيتمسك به تمسكه بالحياة، ولا يستسلم لليأس والقنوط أبدًا.
وقد قال الشاعر:
أُعَلِّلُ النَّفــْسَ بـالآمــال أَرْقُـبُــها
ما أَضْيَقَ الْعَيْـشَ لولا فُسْحَة الأمل
فالإنسان يصبر على ضيق العيش في الدنيا على أمل أن يفرج الله همومه، ويوسع عليه، ولولا ذلك لضاق الإنسان بمعيشته، يقول الله -سبحانه-: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87].
 
رد: أخلاق المسلم

التأني
بعث النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى قبيلة بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة وأموال الصدقات، فلما أبصروه قادمًا، أقبلوا نحوه لاستقباله؛ فظن الوليد أنهم أقبلوا نحوه ليقتلوه، وأنهم ارتدوا عن الإسلام. ورجع إلى المدينة دون أن يتبين حقيقة الأمر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ومعه جيش من المسلمين، وأمرهم بالتأني، وألا يتسرعوا في قتال بني المصطلق حتى يتبينوا حقيقة الأمر، فأرسل خالد إليهم بعض الرجال، ليعرف أحوالهم قبل أن يهاجمهم؛ فعاد الرجال، وهم يؤكدون أن بني المصطلق لا يزالون متمسكين بالإسلام وتعاليمه، وقد سمعوهم يؤذنون للصلاة ويقيمونها، فعاد خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون قتال، ليخبره أن بني المصطلق ما يزالون على إسلامهم.
ونزل قول الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6].
*بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى أقوام رفضوا دعوة الإسلام، فحاربهم أسامة ومن معه حتى هزمهم، وفرَّ رجل منهم؛ فتبعه أسامة ورجل من الأنصار؛ ولـمَّـا اقتربا من هذا الرجل الفارِّ، وأوشكا على قتله. قال الرجل: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري وتركه، أمَّا أسامة فظن أنَّه قال: لا إله إلا الله خوفًا من القتل، فطعنه برمحه، فقتله.
ولما قدموا المدينة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث، فقال: (يا أسامة، أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟!). فأجاب أسامة: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا (أي: قالها لينجو بها من القتل)؛ فكرر الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (أقتلتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟).
قال أسامة: فما زال يكررها، حتى تمنيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم. [مسلم].
*وقع سُهَيْل بن عمرو أسيرًا في أيدي المسلمين يوم بدر، وكان خطيبًا مفوَّهًا بليغًا، فأراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يقتلع أسنانه الأمامية حتى لا يخطُب في الكفار، ويحرِّض المشركين على القتال، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: دعني أنزع ثنيتي سهيل؛ فلا يقوم علينا خطيبًا؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعها؛ فلعلها أن تَسُرَّك يومًا).
وفي فتح مكة أسلم سهيل، وحسن إسلامه، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أراد بعض أهل مكة أن يرتدوا عن الإسلام، فقام سهيل -رضي الله عنه- يخطب فيهم، ويذكرهم بالله، ويحثهم على الثبات، والتمسك بالدين، فسمعوا له وأطاعوا.
*ما هو التأني؟
التأني هو التَّثَبُّت والتمهُّل وعدم التعجُّل. والمسلم يحرص على التأني والتمهل في أموره كلها، فهو لا يهمل في عمله، وإنما يؤدي ما عليه بتأنٍّ وإخلاص وإتقان، وقد قال الإمام علي -رضي الله عنه-: لا تطلب سرعة العمل، واطلب تجويده، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ، وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودته.
والطالب يتأنى في مذاكرته، ويفهم دروسه جيدًا، وقد قال بعض الحكماء: من أسرع في الجواب حاد عن الصواب. وقال آخر: من تأنَّى نال ما تمنى.
والمسلم يخشع في عبادته، ويؤديها بتمهل وتأنٍّ وإتقان؛ فإن كان مصليَّا صلى في خضوع وخشوع لله رب العالمين، وإن كان يدعو ربه دعاه في تضرع وتذلل، يبدأ دعاءه بحمد الله وتمجيده، والصلاة على رسوله، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته، ولم يمجد الله -سبحانه- ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (عَجِلْتَ أيها المصلي).
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى فمجَّد الله وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ادعُ تُجَبْ، وسل تُعْطَ) [النسائي].
وعلى المسلم ألا يتعجل إجابة الدعاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لأحدكم ما لم يَعْجَل؛ يقول: دعوتُ، فلم يُسْتَجَبْ لي)
[متفق عليه].
فضل التأني:
قال صلى الله عليه وسلم: (السَّمْتُ الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة) [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (إنَّ فيك خصلتين يُحِبُّهُما الله: الحـلم، والأناة) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الأناة من الله، والْعَجَلَةُ (التسرع في غير موضعه) من الشيطان) [الترمذي].
العجلة:
أمرنا الله -تعالى- بعدم الاستعجال؛ فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الأنبياء: 37].
وقيل: إن المُنْبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى (أي الرجل الذي يستعجل دابته؛ فيضربها لكي يصل سريعًا، فإنه باستعجاله لا يصل إلى مراده، ولا يريح دابته، وقد تهلك منه).
وقيل: من ركب الْعَجَلَ أدركه الزلل.
العجلة في الخيرات:
المسلم إذا أراد أن يفعل خيرًا، فإنه يقدم على فعله، ولا يتأخر، فإذا أراد أن يتصدق بصدقة، فعليه أن يسرع في إخراجها. كذلك إذا فعل طاعة معينة فعليه أن يبادر بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التُّؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) [أبو داود].
كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل الفطر عند الصيام؛ فقال: (لا يزال الناس بخير ما عَجَّلوُا الفطر) [متفق عليه].
ويتضح من هذا أنه ليس هناك تأنٍّ في فعل الخيرات، والدخول فيها، قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
وهنا تكون العجلة في سبيل الفوز بالجنة، أما ما سوى ذلك من أمور الدنيا، فالمسلم يتأنى فيها ويتمهل.
 

Users Who Are Viewing This Thread (Total: 0, Members: 0, Guests: 0)

Who Read This Thread (Total Members: 1)

User Who Replied This Thread (Total Members: 2)

عودة
أعلى