صديقة ذوي الإعاقة
الاستاذة
الجليس الصالح..... وجليس السَّوْء
الضلال والهداية، والإيمان والكفر، والإصلاح والإفساد كل هذا وغيره بقضاء الله وقدره، ومع ذلك فنحن مأمورون بالأخذ بالأسباب؛ لأنها هي جزء لا يتجزأ من قدرة الله ومشيئته، وإلاَّ لما تيسر سبب، ولا أُجيب طلب، ولا قضي قرض.
من تلكم الأسباب التي أمرنا بها، وحرضنا عليها، الحرص على مصاحبة ومجالسة المتقين الأخيار، والحذر والبعد من مصاحبة ومجالسة المبتدعة، والحمقى، والفجَّار، وذلك لأن الانسان مدني اجتماعي بطبعه، يؤثر ويتأثر، ولهذا جاء في المثل: (الصاحب ساحب)، إنْ كان خيِّراً سحبك إلى ما فيه صلاحك وفلاحك دنيا وأخرى، وأعانك على نوائب الدهر، ودلك على الصراط المستقيم والنهج القويم، وإنْ كان سوى ذلك فلن تنال من مصاحبته، ومجالسته، ومعاشرته إلاَّ النكد والخسران المبين، والدلالة على سبل الضلال في الدنيا، والندم والحسرة في الآخرة: "الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ"1. كما حكم بذلك رب العالمين، ونطق بذلك القرآن الكريم: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا*يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا"2.
فقد جاء في تفسير آية الزخرف: (قوله تعالى: "الْأَخِلاء يَوْمَئِذٍ"، يريد يوم القيامة، "بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"، أي أعداء، يُعادي بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاُ، "إِلَّا الْمُتَّقِينَ"، فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة، قال معناه ابن عباس، ومجاهد وغيرهما، وحكى النقاش: أنَّ هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي مُعِيط، كانا خليلين، وكان عقبة يُجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: قد صبا3 عقبة بن أبي مُعِيط، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إنْ لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك، فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتْلُه، فقتله يوم بدر صبراً4، وقتل أمية في المعركة، وفيهم نزلت الآية)5.
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية عامة في كل مؤمن ومتقٍ، وكافرومضل.
وجاء في تفسير آيات الفرقان السابقة عن ابن عباس و غيره أيضاً: (أنَّ الظالم هاهنا يُراد به عقبة ابن أبي مُعِيط، وأنَّ خليله أمية بن خلف........ وكان عقبة قد همَّ بالإسلام فمنعه منه أُبَيّ، وقيل أخوه أمية)6.
لهذا كان من شروط التوبة النصوح، أنْ يعتزل التائب قرناء السَّوْء والأصدقاء الذين كان يمارس معهم التائب المعصية، كما جاء في حديث الذي قتل مائة نفس: "ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنَّه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟، فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا كذا، فإنَّ بها أناساً يعبدون الله تعالى، فاعبده معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء"، الحديث7. فقد أمره هذا العالم أنْ يعتزل رفقاء السوء، إنْ كان جاداً في توبته، فانطلق الرجل مهاجراً إلى تلك الأرض الطيبة، فأدركته منيته قبل أنْ يصل إليها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فقضى فيه ربه لملائكة الرحمة، لصدق نيته، ونصح توبته.
أمَّا التائب الذي لم يزل مع رفقاء السوء، وإخوان الشياطين، فمن العسير أنْ يستمر في توبته، ويظل على استقامته.
لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً فريداً، عجيباً، رغَّب وحضَّ فيه على مصاحبة الأخيار، ونفَّر وحذر فيه من مجالسة، ومصاحبة الكفار، والفجار فقال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السَّوْء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمَّا أنْ يحذيك8، وإمَّا أنْ تبتاع منه، وإمَّا أنْ تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إمَّا أنْ يحرق ثيابك، وإمَّا أنْ تجد منه ريحاً منتنة"9.
فحامل المسك إمَّا أنْ يصيبك منه كل خير، أقله أنْ تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير أقل خسائرك منه أنْ تجد منه الريح المنتنة، هذا إنْ عافاك الله من حرق الثياب، والكي بالنار.
فكلما كان الصديق والجليس صالحاً، كان نفعه أكبر، وفائدته أعظم، وبضدها تتميز الأشياء، فالجليس والصاحب السَّوْء كلما كان أشد كفراً، وأكثر عناداً، كان ضرره أكبر ومفسدته على من يجالسه، ويُخاويه أعظم.
ã
ما ورد من التحذير من أخلاَّء السَّوْء
لقد جاء في التحذير من صديق السَّوْء الكثير من الأحاديث والآثار إليك طرفاً منها:
(1) قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلاَّ مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلاَّ تقي"10. المراد بذلك طعام الدعوة والوليمة، وليس طعام الحاجة.
(2) وقوله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"11.
(3) وقال عمر رضي الله عنه يعظ رجلاً: (لا تتكلم فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحذر صديقك الأمين، إلاَّ من يخشى الله ويطيعه، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلاَّّ الذين يخشون الله).
(4) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لا تؤاخ الأحمق ولا الفاجر، أمَّا الأحمق فمدخله ومخرجه شين، وأمَّا الفاجر فيزين لك فعله، ويود أنك مثله).
(5) وعن علي بن الحسين رحمه الله قال: (ينبغي للمرء ألاَّ يصاحب خمسة: الماجن، والكذاب، والأحمق، والبخيل، والجبان. أمَّا الماجن فعيب إنْ دخل عليك، وعيب إنْ خرج من عندك، لا يعين على معادٍ، ويتمنى أنك مثله. وأمَّا الكذاب فإنَّه ينقل أحاديث هؤلاء إلى هؤلاء، ويلقي الشحناء في الصدور. وأمَّا الأحمق فإنه لا يرشد لسوء يصرفه عنك، وربما أراد أنْ ينفعك فيضرك، فبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، وأمَّا البخيل فأحوج ما تكون إليه، أبعد ما تكون منه، ففي أشد حالاته يهرب ويدعك).
(6) وقال ابن عبد البر رحمه الله: (شيئان لا يزدادان إلاَّ قلة: درهم حلال، أو أخ في الله تسكن إليه).
(7) وقال الشاعر:
عن المرء لا تسـأل وسل عن قرينه فكـل قريـن بالمقـارن يقتــدي
وصاحب أولى التقوى تنل من تقاهم ولا تصحب الردى فتردى مع الردى
(8) وقال آخر:
وما ينفع الجربـاء قرب صحيحة إليهـا ولكن الصحيحة تجرب
فالصديق الصالح كم يرشد من ضلالة، ويهدي عن غواية، ويبعد عن حماقة، ويخرج من معضلات، ويفرج من كربات.
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه، عندما آمن برسول الله وصدقه، سرعان ما هرع لأصحابه، ودعاهم للإسلام، وفي مقدمتهم: طلحة، وسعد، والزبير، وأبوعبيدة، وعثمان، فكانوا من السابقين للإسلام، ومن المبشرين الفائزين بأعلى الجنان.
ã
الضلال والهداية، والإيمان والكفر، والإصلاح والإفساد كل هذا وغيره بقضاء الله وقدره، ومع ذلك فنحن مأمورون بالأخذ بالأسباب؛ لأنها هي جزء لا يتجزأ من قدرة الله ومشيئته، وإلاَّ لما تيسر سبب، ولا أُجيب طلب، ولا قضي قرض.
من تلكم الأسباب التي أمرنا بها، وحرضنا عليها، الحرص على مصاحبة ومجالسة المتقين الأخيار، والحذر والبعد من مصاحبة ومجالسة المبتدعة، والحمقى، والفجَّار، وذلك لأن الانسان مدني اجتماعي بطبعه، يؤثر ويتأثر، ولهذا جاء في المثل: (الصاحب ساحب)، إنْ كان خيِّراً سحبك إلى ما فيه صلاحك وفلاحك دنيا وأخرى، وأعانك على نوائب الدهر، ودلك على الصراط المستقيم والنهج القويم، وإنْ كان سوى ذلك فلن تنال من مصاحبته، ومجالسته، ومعاشرته إلاَّ النكد والخسران المبين، والدلالة على سبل الضلال في الدنيا، والندم والحسرة في الآخرة: "الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ"1. كما حكم بذلك رب العالمين، ونطق بذلك القرآن الكريم: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا*يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا"2.
فقد جاء في تفسير آية الزخرف: (قوله تعالى: "الْأَخِلاء يَوْمَئِذٍ"، يريد يوم القيامة، "بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"، أي أعداء، يُعادي بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاُ، "إِلَّا الْمُتَّقِينَ"، فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة، قال معناه ابن عباس، ومجاهد وغيرهما، وحكى النقاش: أنَّ هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي مُعِيط، كانا خليلين، وكان عقبة يُجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: قد صبا3 عقبة بن أبي مُعِيط، فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إنْ لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك، فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتْلُه، فقتله يوم بدر صبراً4، وقتل أمية في المعركة، وفيهم نزلت الآية)5.
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية عامة في كل مؤمن ومتقٍ، وكافرومضل.
وجاء في تفسير آيات الفرقان السابقة عن ابن عباس و غيره أيضاً: (أنَّ الظالم هاهنا يُراد به عقبة ابن أبي مُعِيط، وأنَّ خليله أمية بن خلف........ وكان عقبة قد همَّ بالإسلام فمنعه منه أُبَيّ، وقيل أخوه أمية)6.
لهذا كان من شروط التوبة النصوح، أنْ يعتزل التائب قرناء السَّوْء والأصدقاء الذين كان يمارس معهم التائب المعصية، كما جاء في حديث الذي قتل مائة نفس: "ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنَّه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟، فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا كذا، فإنَّ بها أناساً يعبدون الله تعالى، فاعبده معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء"، الحديث7. فقد أمره هذا العالم أنْ يعتزل رفقاء السوء، إنْ كان جاداً في توبته، فانطلق الرجل مهاجراً إلى تلك الأرض الطيبة، فأدركته منيته قبل أنْ يصل إليها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فقضى فيه ربه لملائكة الرحمة، لصدق نيته، ونصح توبته.
أمَّا التائب الذي لم يزل مع رفقاء السوء، وإخوان الشياطين، فمن العسير أنْ يستمر في توبته، ويظل على استقامته.
لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً فريداً، عجيباً، رغَّب وحضَّ فيه على مصاحبة الأخيار، ونفَّر وحذر فيه من مجالسة، ومصاحبة الكفار، والفجار فقال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السَّوْء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمَّا أنْ يحذيك8، وإمَّا أنْ تبتاع منه، وإمَّا أنْ تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إمَّا أنْ يحرق ثيابك، وإمَّا أنْ تجد منه ريحاً منتنة"9.
فحامل المسك إمَّا أنْ يصيبك منه كل خير، أقله أنْ تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير أقل خسائرك منه أنْ تجد منه الريح المنتنة، هذا إنْ عافاك الله من حرق الثياب، والكي بالنار.
فكلما كان الصديق والجليس صالحاً، كان نفعه أكبر، وفائدته أعظم، وبضدها تتميز الأشياء، فالجليس والصاحب السَّوْء كلما كان أشد كفراً، وأكثر عناداً، كان ضرره أكبر ومفسدته على من يجالسه، ويُخاويه أعظم.
ã
ما ورد من التحذير من أخلاَّء السَّوْء
لقد جاء في التحذير من صديق السَّوْء الكثير من الأحاديث والآثار إليك طرفاً منها:
(1) قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلاَّ مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلاَّ تقي"10. المراد بذلك طعام الدعوة والوليمة، وليس طعام الحاجة.
(2) وقوله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"11.
(3) وقال عمر رضي الله عنه يعظ رجلاً: (لا تتكلم فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحذر صديقك الأمين، إلاَّ من يخشى الله ويطيعه، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلاَّّ الذين يخشون الله).
(4) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لا تؤاخ الأحمق ولا الفاجر، أمَّا الأحمق فمدخله ومخرجه شين، وأمَّا الفاجر فيزين لك فعله، ويود أنك مثله).
(5) وعن علي بن الحسين رحمه الله قال: (ينبغي للمرء ألاَّ يصاحب خمسة: الماجن، والكذاب، والأحمق، والبخيل، والجبان. أمَّا الماجن فعيب إنْ دخل عليك، وعيب إنْ خرج من عندك، لا يعين على معادٍ، ويتمنى أنك مثله. وأمَّا الكذاب فإنَّه ينقل أحاديث هؤلاء إلى هؤلاء، ويلقي الشحناء في الصدور. وأمَّا الأحمق فإنه لا يرشد لسوء يصرفه عنك، وربما أراد أنْ ينفعك فيضرك، فبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، وأمَّا البخيل فأحوج ما تكون إليه، أبعد ما تكون منه، ففي أشد حالاته يهرب ويدعك).
(6) وقال ابن عبد البر رحمه الله: (شيئان لا يزدادان إلاَّ قلة: درهم حلال، أو أخ في الله تسكن إليه).
(7) وقال الشاعر:
عن المرء لا تسـأل وسل عن قرينه فكـل قريـن بالمقـارن يقتــدي
وصاحب أولى التقوى تنل من تقاهم ولا تصحب الردى فتردى مع الردى
(8) وقال آخر:
وما ينفع الجربـاء قرب صحيحة إليهـا ولكن الصحيحة تجرب
فالصديق الصالح كم يرشد من ضلالة، ويهدي عن غواية، ويبعد عن حماقة، ويخرج من معضلات، ويفرج من كربات.
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه، عندما آمن برسول الله وصدقه، سرعان ما هرع لأصحابه، ودعاهم للإسلام، وفي مقدمتهم: طلحة، وسعد، والزبير، وأبوعبيدة، وعثمان، فكانوا من السابقين للإسلام، ومن المبشرين الفائزين بأعلى الجنان.
ã