أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلام من

رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

عمر المختار
اتركوه.. لا تقتلوا شيخًا كبيرًا جاوز السبعين من عمره.. أي ذنب جناه؟! لم يفعل شيئًا سوى أنه دافع عن تراب وطنه وعزة دينه!! لم يستجيبوا لنداء الرحمة.. أعدموه وسط أهله وعشيرته.. لم يتركوهم ليعبروا عن أحزانهم.. حبسوا دموعهم في عيونهم.. قتلوا البطل المجاهد.. قتلوا العزة والكرامة.. ألا ساء ما يفعلون!! وهب حياته من أجل حرية بلاده والجهاد في سبيل الله، وتمنى أن يلقى الله شهيدًا فحقق الله أمنيته.
ولد في (البطنان) ببرقة الليبية عام 1275هـ/1858م لأبوين صالحين، وشاءت إرادة الله أن ينشأ (عمر المختار) يتيمًا، فقد توفي والده أثناء سفره إلى الحج بعد أن أوصى أحد رفاقه بولديه عمر، ومحمد، وكانا يقيمان بـ (زنزور) يدرسان بزاويتها.
ذهب عمر إلى زاوية (الجغبوب) لإتمام دراسته، وظل بها ثمانية أعوام يحفظ القرآن الكريم، ويتعلم العلوم الإسلامية وخلال الدراسة ظهرت صفاته الخلقية السامية، ولما كان عمر المختار قد تأدب بآداب الإسلام، فقد أحبه شيوخ الطريقة السنوسية وزعماؤها الذين كانت لهم مقاليد الأمور في ليبيا، ونال ثقتهم، ولذلك اصطحبه السيد محمد المهدي السنوسي معه عندما انتقل إلى (الكُفْرة) وكان محل ثقته، كما عينه شيخًا لزاوية القصور بالجبل الأخضر.
واحتل الاستعمار الإيطالي ليبيا سنة 1911م، وارتكبوا الكثير من الفظائع، وعاثوا في الأرض الفساد، وبدأ نضال المجاهدين من أبناء ليبيا، ودعا الزعماء السنوسيون
في بني غازي وغيرها شيوخَ الزوايا للجهاد، وأسرع عمر المختار يلبي النداء، وأظهر في كفاحه ضد المستعمر الغاصب شجاعة نادرة، ومقدرة كبيرة على القتال، فقد كان مؤمنًا بحق وطنه في الحرية والكرامة.
وتولى عمر المختار قيادة المجاهدين، وبدأ في رسم الخطط لأتباعه، وقد التزم في بداية الأمر موقف الدفاع والتربص بالعدو، حتى إذا خرج الجنود الإيطاليون من
مواقعهم؛ انقض المجاهدون عليهم كالصقور، فقاتلوهم قتالاً شديدًا، وأخذوا منهم ما يحتاجون إليه من أسلحة، وبعد أن بدأت الحرب العالمية الأولى
عام 1914م، فاجأ المجاهدون المعسكرات الإيطالية، وأشعلوا الثورة في الجهات
التي يحتلها الإيطاليون.
وسافر الأمير إدريس السنوسي إلى مصر في سنة 1922 للعلاج، ولطلب المساعدة من مصر، فعين عمر المختار نائبًا عنه، نظم عمر المختار صفوف المجاهدين بعد هجمات الإيطاليين المتتالية، وأخذ مجموعة المجاهدين، وذهب بهم إلى الجبل الأخضر، وأنشأ قاعدة عسكرية، ومراكز لتدريب المتطوعين، فتوافد عليه الناس من كل
ناحية؛ ليشاركوا في الجهاد ضد المستعمر.
فعين لكل قبيلة رئيسًا منها، وأجمع الرؤساء على أن يكون عمر المختار قائدًا عامًا ورئيسًا لكل المجاهدين، بعد أن أقسموا على الجهاد حتى آخر لحظة في حياتهم، حتى يخلصوا وطنهم العزيز من أنياب المستعمر، وازداد القتال شراسة بين المجاهدين والإيطاليين، وكانت معركة (الرحيبة) ومعركة (عقيره المطمورة) و(كرِسَّة) وهي أسماء أماكن في الجبل الأخضر.. من أعظم تلك المعارك التي شهدتها منطقة الجبل الأخضر، وانتهت كلها بانسحاب الإيطاليين مخذولين، مما رفع من شأن عمر المختار في نفوس المجاهدين، فالتفوا حوله، وتعاهدوا على مناصرته.
لم يركن البطل عمر المختار إلى الراحة، بل ظل يقاتل، وكيف لا يستمر في
القتال وأمام عينيه صور الفظائع والانتهاكات وأصناف العذاب التي صبها الإيطاليون على شعبه، فقد قتلوا الآلاف، ومثلوا بالكثيرين، وهتكوا أعراض النساء، وألقوا في السجون أعدادًا عظيمة من الرجال والنساء، وأذلوا الشيوخ والأطفال، وحرقوا الزروع والثمار، فكان لابد من القتال حتى الموت أو النصر، وبعد أن انتشر القتال في كل أنحاء ليبيا، قرر عمر المختار الذهاب إلى مصر لمقابلة الأمير إدريس السنوسي ليتلقى منه التعليمات بشأن الجهاد.
وفي طريق عودته من مصر إلى برقة عن طريق السلوم أبلغ جواسيس الجيش الإيطالي رؤساءهم أن عمر المختار عبر الحدود الشرقية، فأعدوا له كمينًا للقبض عليه، وما إن ظهر عمر المختار ورفاقه حتى أطلق عليهم العدو مدافعهم الرشاشة، لكن المجاهدين استطاعوا التصدي لهم وانقضوا على القوة الإيطالية وأبادوها عن آخرها، ولمع اسم عمر المختار في سماء الجهاد.. عرفه الصغير والكبير كقائد بارع يتقن أساليب
الكر والفر، وانضمت إليه القبائل المقيمة بالجبال، وتعاطف معه الشعب؛ فأمدوه بما يقدرون عليه من مؤن وأسلحة.
ولم يعرف المجاهد الكبير طعم الراحة، وحاول مشايخ قبيلته، ذات مرة منعه من الجهاد لكبر سنه، فقال لهم: (إن ما أسير فيه هو طريق الخير، ومن يبعدني عنه فهو عدو لي، ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عنه).. ولم تفلح مدافع الجيش الإيطالي في وقف هجمات عمر المختار ورفاقه، فحاولوا استمالته وشراءه بالمال، ووعدوه بحياة ناعمة هنيئة، لكنه رفض، وأخذ يدافع عن تراب وطنه بكل قوة وشراسة، وألحق بالإيطاليين خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، مما دفع (موسوليني) إلى تعيين
المارشال (بادوليو) حاكمًا على (طرابلس وبرقة) وبمجيئه إلى ليبيا بدأت مرحلة جديدة من النضال في (برقة والجبل الأخضر).
واتصل الحاكم الجديد بعمر المختار لإنهاء الخلاف، وقبل عمر بشروط فيها الكرامة والعزة لوطنه، لكن الإيطاليين حاولوا خداعه، وتأكد غدرهم عندما قامت الطائرات الإيطالية بإلقاء قذائفها على عمر المختار ورفاقه من المجاهدين، فبدأ النضال من جديد!!
اشتبك المجاهدون مع الإيطاليين في معركة كبيرة في أكتوبر عام 1930م، وقد عثر الإيطاليون بعد انتهائها على نظارة عمر المختار، كما عثروا على جواده المشهور مقتولاً في ميدان المعركة، فقال (جرازياني) نائب المارشال بادوليو متوعدًا: لقد أخذنا اليوم نظارة عمر المختار، وغدًا نأتي برأسه، وظل عمر المختار يقاومهم وهو متسلح بالإيمان حتى وقع البطل في الأسر؛ ففرحت إيطاليا كلها فرحًا شديدًا.
ودعيت المحكمة إلى الانعقاد، ونصبت المشنقة، وجاءوا بالبطل الكبير عمر المختار مقيد اليدين بالسلاسل والقيود، وحكموا عليه بالإعدام شنقًا في محاكمة صورية لم تستغرق سوى ساعة وربع الساعة، وكان الشيخ آنذاك في السبعين من عمره، وسار المجاهد الكبير إلى حبل المشنقة بقدم ثابتة وشجاعة نادرة، لا يتوقف لسانه عن ترديد الشهادتين؛ حتى نفذ فيه حكم الإعدام، وعندما وجدوا أنه لم يمت أعادوا شنقه مرة ثانية.
واستشهد البطل بعد أن غرس الحرية والكرامة في نفوس شعبه، وحقق الله ما
نتمناه، فقد أشرقت شمس الحرية على ليبيا من جديد، ورحلت إيطاليا
عنها، وحصلت على استقلالها 1951م ولا ينسى العالم الإسلامي عامة والشعب الليبي خاصة واحدًا من أبرز مجاهديها، بعدما ضحى بكل ما يملك في سبيل نصرة الإسلام، واستقلال وطنه.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

الخليل بن أحمد
(اللهم هب لي علمًا لم يسبقني إليه أحد).. قالها وهو يتضرع إلى الله متعلقًا بأستار الكعبة، كان يرجو أن يسبق الناس بوضع علم جديد، فيكون سبَّاقًا إلى الخير، ولم يكن هذا الرجاء وليد تكاسل وتواكل، بل كانت قدراته ومهاراته تؤهله لأن يكون عظيم الشأن.
هو (الخليل بن أحمد الفراهيدي) الذي وُلِدَ في البصرة عام (100هـ) ونشأ عابدًا لله تعالى، مجتهدًا في طلب العلم، واسع المعرفة، شديد الذكاء، أدرك الخليل بفطرته السليمة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، فاجتهد في طلب العلم وأخلص في طلبه؛ فكان غيورًا على اللغة العربية (لغة القرآن)؛ مما دفعه إلى العمل على وضع قواعد مضبوطة للغة، حتى عدَّه العلماء الواضع الحقيقي لعلم النحو في صورته النهائية، التي نقلها عنه تلميذه (سِيبوَيه) في كتابه المسمى (الكتاب) فذكره وروى آراءه في نحو ثلاثمائة وسبعين موضعًا معترفًا له بوافر علمه، وعظيم فضله.
وذات يوم ذهب الفراهيدي إلى الكعبة حاجًّا، فتعلق بأستار الكعبة، ودعا الله أن يهب له علمًا لم يسبقه أحد إليه، ثم عاد إلى وطنه، فاعتزل الناس في كوخ بسيط من خشب الأشجار، كان يقضي فيه الساعات الطويلة يقرأ كل ما جمعه من أشعار العرب، ويرتبها حسب أنغامها، ويضع كل مجموعة متشابهة في دفتر منفرد..
وذات يوم مَرَّ الخليل بسوق النخَّاسين، فسمع طرقات مطرقة على طَست من
نحاس، فلمعت في ذهنه فكرة عِلم العَرُوض -ميزان الشعر أو موسيقى الشعر- الذي مَيز به الشعر عن غيره من فنون الكلام، فكان للخليل بذلك فضل على العرب، إذ ضبط أوزان الشعر العربي، وحفظه من الاختلال والضياع، وقد اخترع هذا العلم وحصر فيه أوزان الشعر في خمسة عشر بحرًا (وزنًا) وكما اهتم بالوزن اهتم بضبط أحوال القافية -وهي الحرف الأخير في بيت الشعر، والتي يلتزم بها الشاعر طوال القصيدة- فأخرج للناس هذين العلمين الجليلين كاملين مضبوطين مجهزين بالمصطلحات.
ولم يكتف الخليل بما أنجزه، وبما وهبه الله من علم؛ استجابة لدعائه وتوسله وتضرعه، فواصل جهوده وأعدَّ معجمًا يعَد أول معجم عرفته اللغة العربية، وامتدت رغبته في التجديد إلى عدم تقليد من سبقوه، فجمع كلمات المعجم بطريقة قائمة على الترتيب الصوتي، فبدأ بالأصوات التي تُنْطَق من الحَلْق وانتهي بالأصوات التي تنطق من الشفتين، وهذا الترتيب هو (ع- ح- هـ- خ- غ...) بدلا من (أ- ب- ت- ث- ج ...) وسمَّاه معجم (العين) باسم أول حرف في أبجديته الصوتية.
وعُرِف الخليل بالتعبد والورع والزهد والتواضع، وكان إذا أفاد إنسانًا شيئًا لم يشْعِره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئًا أجزل له الشكر، وأشعره بأنه استفاد منه، وقيل في زهده: أقام الخليل في خُص له بالبصرة لا يقدر على فِلْسَين (قدر ضئيل من المال) وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وأرسل إليه سليمان بن علي -والي منطقة البصرة- ليأتيه يؤدب ولده، فأخرج الخليل خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان، ثم قال لرسول سليمان:
أبلغ سليمان أني عنه فـــي سعــة
وفي غني غير أني لستُ ذا مــال
والفقرُ في النّفس لا في المال تعرفه
ومـثل ذاك الغِني في النفس لا المال
وقال: إني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي، وذلك لانصرافه عن الدنيا واستغراقه في العلم والعبادة، وذات يوم دخل المسجد وهو شارد البال مستغرق الفكر فاصطدم بسارية (عمود) المسجد فانصدع رأسه ومات سنة 170هـ.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

سيبويه
في أدب طالب العلم مع أستاذه، وفي عزم المسلم الصادق في تحصيل ما ينفعه قال سيبويه: (لا جرم، سأطلب علمًا لا تُلَحِّنيَّ فيه (لا تُخَطِّئني فيه).
مقولة قالها سيبويه لأستاذه حماد بن سلمة مفتي البصرة، فقد كان يعقد حلقة
للعلم، وكان سيبويه تلميذه، وكان حريصًا كل الحرص على حضورها، وذات
مرة جلس حماد يلقي درسًا من دروسه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء) فظن سيبويه أن شيخه قد أخطأ في عبارة: (ليس أبا الدرداء) فقام من مكانه ليصححها له،وقال:
(ليس أبو الدرداء) لأنه اعتقد أن كلمة (أبا) اسم ليس التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر فابتسم الشيخ في وجه الفتى الصغير وقال: لحنتَ وأخطأتَ يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبتَ، إنما ليس ها هنا استثناء، فقال سيبويه بأدب لأستاذه قولته السابقة: لا جرم سأطلب علمًا لا تُلَحِّني فيه.
ومنذ ذلك الحين بدأ الفتى الصغير رحلة الاجتهاد والجد، لتحصيل علوم اللغة العربية وخاصة علم النحو، ولد أمير النحاة (عمرو بن عثمان بن قنبر) أبو بِشْر، المعروف بـ(سيبويه) في (البيضاء) إحدى قرى (شيراز) ببلاد فارس عام 148هـ، وكان نظيفًا كل من يلقاه يشم منه رائحة طيبة؛ وكانت أمه تناديه منذ صغره بـ(سيبويه) وهي كلمة فارسية تعني: رائحة التفاح، وذلك لطيب رائحة التفاح.
رحل سيبويه إلى البصرة، فنشأ بها، وكانت لديه رغبة شديدة في تحصيل العلم؛ فبدأ يتعلم الحديث والفقه ولازم الفقهاء وأهل الحديث، ثم أخذ يتلقى العلم على أيدي العلماء، فتعلم على يد (حماد ابن سلمة) مفتي البصرة وأحد علماء عصره، كما تعلم على يد (الأخفش الأكبر) وهو من أئمة اللغة والنحو، فأخذ عنه سيبوبه اللغة وشيئًا من النحو، أما (الخليل بن أحمد) فقد كان المعلم الأكبر لسيبويه، حتى إنه دخل على الخليل ذات مرة، فقال له: مرحبًا بزائر لا يُمل، وكان يحب سيبويه كثيرًا ويفسح له صدره.
ظل سيبويه على هذه الحال حتى أصبح معلمًا، وأصبح له تلاميذ يلتفون حوله ويأخذون منه، ويكتبون عنه، وكان من تلاميذه (أبو الحسن الأخفش) وقد ألف سيبويه كتابًا عظيمًا في علم النحو سماه (الكتاب) جمع فيه كل ما سمعه من أستاذه (الخليل بن أحمد) وغيره من العلماء في هذا العلم، واشتهر بعده
بـ (كتاب سيبويه) الذي يعده العلماء دستورًا لعلم النحو وقانونًا لقواعده، ومن شدة اعتزاز الفَرَّاء -وهو أحد كبار علماء النحو- بهذا الكتاب أن الناس وجدوا عند موته وتحت وسادته (كتاب سيبويه)!!
وقد أفاد سيبويه الكثيرين بعلمه، حتى وصل علمه إلى عامة الناس الذين أخذوا
عنه، وتعلموا منه الفصاحة.. يحكي أن رجلاً قال لسماك (يبيع السمك)
بالبصرة: بكم هذه السمكة؟ قال: بدرهمان.. فضحك الرجل مستهزئًا من السماك لأنه رفع المجرور.
فقال السماك: ويلك أنت أحمق، لقد سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان!!
وقد أصيب سيبويه بمرض قبل وفاته، وفي أثناء مرضه، وجده أخوه -يومًا- متعبًا قد اشتد عليه المرض، فبكى وتساقطت دموعه على وجه سيبويه، فرآه سيبويه فأنشد يقول:
يَسُرُّ الفَتَى مَا كَانَ قَدَّمَ مِنْ تُقَى
إِذَا عَرَفَ الدَّاءَ الذي هُوَ قَاتِلُهْ
وعند مماته أخذ ينصح أصحابه ومن حوله قائلاً:
يُؤمِّــــل دُنْيَا لِتَبْقَى لَـــــهُ
فَمَات المؤَمِّلُ قَبْلَ الأَمَــلْ
حَثِيثًا يُرَوِّي أُصُولَ النَّخِيلِ
فَعَاشَ الفَسِيلُ وَمَاتَ الرَّجُلْ
ومات سيبويه سنة 180هـ بعد أن ترك ثروة كبيرة من العلم، لينتفع بها الناس في كل زمان ومكان.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

أبو العتاهية
(ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي وأني أرضي).. قالها أبو نواس الشاعر المعروف اعترافًا بفضله وتعظيمًا لقدره وتقديرًا لشعره.
إنه (إسماعيل بن القاسم بن سويد) المعروف بأبي العتاهية، ولد سنة 130هـ لأبوين فقيرين في قرية صغيرة بالقرب من الكوفة بأرض العراق، ولما اشتدت ظروف الحياة بأسرته واشتكت آلام الفقر، قرر الأب الرحيل إلى الكوفة، لعلَّه يجد بها فرجًا لضيقه ومخرجًا لهمِّه، وكانت الكوفة في تلك الفترة مدينة المتناقضات والأضداد؛ ففي مقابل الغنى الفاحش يوجد الفقر الشديد، وفي مقابل الزهد والتنسك يوجد المجون والاستهتار، وفي مقابل العلم يوجد الجهل.
فرح إسماعيل بقدومه إلى الكوفة، لأنه كان يهوى الشعر منذ نعومة أظافره، فبحث عن شعراء الكوفة وتردد على مجالسهم وكان يقضي نهاره متجولاً في دروب الكوفة وأزقتها، حاملاً قفصًا مليئًا بالجرار والخزف، ويعود آخر النهار بدراهم قليلة يسد بها جوعه، وكان يهون على نفسه عناء العمل بترديد أشعار يحفظها.
وذات يوم مرَّ بفتيان يتذاكرون الشعر ويتنافسون في إنشاده، فسلم عليهم، ووضع قفصه عن ظهره، ثم قال: يا فتيان أراكم تتذاكرون الشعر، سأقول شطرًا من بيت فتكملونه، فإن فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم عشرة
دراهم، فتعجبوا من بائع جرار يتردد على مجالس الشعراء، وسخروا منه، وقالوا له: مالك والشعر؟! ولكنه أصر على التحدي.. فقال: أكملوا البيت:
ساكني الأجداث أنتم....
فلم يستطيعوا أن يكملوا البيت، ولما طال انتظاره لهم سخر منهم، ثم أكمل:
ساكني الأجداث أنتـــم مثلنا بالأمس كنتــــــم
ليت شعري ما صنعتُـــم أربِحتم أم خسرتــــــم
وبدأت شهرة أبي العتاهية تنتشر في الكوفة، وذاع شعره لجودته وحسنه، ولما تميز به من بساطة وبعد عن التعقيد، ورحل بعد ذلك إلى الحيرة، واستقر بها فترة من
الزمن، واتَّجه أبو العتاهية في بداية حياته الشعرية إلى شعر الغزل الذي كان شائعًا، ثم تركه بعد ذلك إلى حياة الزهد والتعفف، فكتب أرجوزته (ذات الأمثال) التي تتضمن أربعة آلاف مثل يبدو من خلالها عقلاً أدرك ما في الحياة من خير وشر، فأراد تنمية الخير ومقاومة الشر.
ومن جيد شعره قوله الذي يصلح حكمة في كل العصور:
إن الشَّبابَ والفراغَ والجِـدَه
مَفسدةٌ للمـــرء أي مفســـده
وقال: مذكرًا للعباد:
الناس فـــي غفلاتهـــمْ
ورحَـــى المنيةِ تَطْحَــــــنُ
ما دون دائــرة الــــرَّدى
حصــــنٌ لمــــــن يتحصَّنُ
وظل أبو العتاهية على زهده وتنسكه حتى لاقى ربه سنة 213هـ، بعد أن ترك شعرًا مازال يتردد حتى الآن.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

أبو تمام الطائي
في قرية (جاسم) بالقرب من دمشق، وفي أواخر القرن الثاني الهجري سنة 188هـ ولد (أبو تمام حبيب بن أوس الطائي).. ذهب إلى كُتَّاب القرية ليتعلم القراءة والكتابة، ويحفظ القرآن الكريم، ولأنه كان فقيرًا لا يملك قوت يومه فقد ترك الكُتَّاب ليعمل بمهنة الخياطة، ليساعد أباه العطار على مواجهة أعباء الحياة، لكن أبا تمام في ظل انشغاله بالعمل لم ينس أبدًا حبه للعلم والتعلم، فكان يتردد عقب انتهائه من العمل على حلقات الدرس في مساجد مدينة دمشق بعد أن استقرت بها الأسرة بحثًا عن سعة العيش وينهل من علوم الدين واللغة والشعر، وكان أبو تمام يهوى الشعر والترحال والسفر، يقول في ذلك:

وطول مقام المرء بالحي مُخْلَـــق
لديباجتيه فاغترب تتجــــــدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبــة
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
ويقصد أبو تمام أن يقول: اغترب بالترحال والسفر لكي يشتاق إليك أحباؤك، فإن الشمس محبوبة لأنها ليست دائمة الظهور.
ثم رحل أبو تمام إلى مصر، فأقام في مسجد عمرو بن العاص، وقضى بها خمس سنوات، كان يعمل خلالها في سقاية الماء، كما كان يتعلم من خلال استماعه للدروس التي تعقد في المسجد، فألمَّ بالفقه والتاريخ والشعر والحديث
والفلسفة، ولكنه كان يميل إلى الأدب والشعر؛ فحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة وكثيرًا من القصائد، وحفظ سبعة عشر ديوانًا من الشعر.
وتفتحت موهبة أبي تمام في نظم الشعر، فأخذ يتكسب به، لكنه مع ذلك لم يحقق ما كان يرجوه من تحسين أحوال معيشته، فاتجه إلى الشام، ثم إلى العراق بعد أن ضاق عليه الرزق، ويقول في ذلك:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهــــل
ويكدى الفتى في دهره وهو عالـــم
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى
هلكن إذًا من جهلن البهائـــــم
ولم تجتمع شرق وغرب لقاصـــــد
ولا المجد في كف امرئ والدراهـــم
وانصرف أبو تمام إلى الرحلات، وأخذ ينشد الشعر في شتى البلاد، فذاع شعره وانتشر، حتى سمع به الخليفة المعتصم، فاستدعاه وقربه منه، فكان ذلك فاتحة خير عليه وتحسنت حالته، ولم يكن أبو تمام شاعرًا فحسب بل كان ذواقًا للشعر، وقد تجلت هذه الموهبة في عدد من الكتب التي اختار فيها ما أعجبه من أشعار القدماء والمحدثين وأشهرها (ديوان الحماسة) الذي ألفه وجمعه في خراسان، بعد أن نزل الثلج فأغلق الطريق، وحال بينه وبين الرحيل، فنزل ضيفًا في دار بها مكتبة ضمت الكثير من الدواوين الشعرية.
وكان أبو تمام رقيق المشاعر، فدائمًا ما كان يحن إلى قريته (جاسم) يقول فيها:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى
مــا الحـــب إلا للحبيــب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتــى
وحنيـنـه أبـــدًا لأول منــــزل
وبعد أن طاف أبو تمام وتنقل في بلاد الله؛ استقر به المقام في الموصل؛ حيث استدعاه (الحسن بن وهب) والي الموصل والكاتب المشهور ليتولى بريد الموصل، فظل بها
عامًا، حتى توفي بها في عام 231هـ، وقد تميز شعر (أبي تمام) بجودة اللفظ وحسن المعاني، لكنه كان يكثر من استخدام التشبيهات والجناس والألفاظ المتشابهة والغموض في التعبير، وكان إمام الشعراء في عصره، حتى قيل فيه:
(ما كان أحد من الشعراء يقدر أن يأخذ درهمًا بالشعر في حياة أبي تمام، فلما مات تقاسم الشعراء ما كان يأخذه)
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

عبد القاهر الجرجاني
في (جرجان) وهي مدينة مشهورة بين طبرستان وخراسان ببلاد فارس ولد
(أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني) في مطلع القرن الخامس للهجرة.. كان منذ صغره محبًّا للعلم، فأقبل على الكتب والدرس، خاصة كتب النحو والأدب والفقه، ولما كان فقيرًا لم يخرج لطلب العلم نظرًا لفقره، بل تعلم في جرجان وقرأ كل ما وصلت إليه يده من كتب، فقرأ للكثيرين ممن اشتهروا باللغة والنحو والبلاغة والأدب، كـسيبويه والجاحظ والمبرِّد وابن دُرَيْد وغيرهم.
وتهيأت له الفرصة ليتعلم النحو، على يد واحد من كبار علماء النحو؛ عندما نزل جرجان واستقر بها، وتمضي الأيام ليصبح عبد القاهر عالمًا وأستاذًا، واشتهر شهرة كبيرة، وذاع صيته، فجاء إليه طلاب العلم من جميع البلاد يقرءون عليه كتبه ويأخذونها عنه، وكان عبد القاهر يعتز بنفسه كثيرًا ويكره النفاق، ولا يذل نفسه من أجل المال، ووصل عبد القاهر الجرجاني لمنزلة عالية من العلم، ولكنه لم يُقَدَّر التقدير الذي يستحقه.
وقضى عبد القاهر حياته بين كتبه، يقرأ ويؤلف، فكتب في النحو عدة كتب؛ منها: (المغني) و(المقتصد) و(التكملة) و(الجمل) وفي الشعر كتب؛ منها: (المختار من دواوين المتنبي والبحتري وأبو تمام) وترجع شهرة عبد القاهر إلى كتاباته في
البلاغة، فهو يعتبر مؤسس علم البلاغة، أو أحد المؤسسين لهذا العلم، ويعد كتاباه: (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) من أهم الكتب التي أُلفت في هذا المجال، وقد ألفها الجرجاني لبيان إعجاز القرآن الكريم وفضله على النصوص الأخرى من شعر ونثر، وقد قيل عنه: كان ورعًا قانعًا، عالـمًا، ذا نسك ودين.
وتوفي شيخ البلاغيين (عبد القاهر الجرجاني) سنة 471هـ، لكن علمه مازال
باقيًا، يغترف منه كل ظمآن إلى المعرفة ويهدي إلى السبيل الصحيح في بيان إعجاز القرآن الكريم.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

الفيروزابادي
في واحدة من أجمل مدن شيراز وهي (كارزين) ولد أحد أئمة اللغة والأدب
العظام، إنه (مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروزابادي).
ولد الفيروزابادي في سنة 729هـ، وحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره، فقد كان سريع الحفظ، حتى إنه قال: (لا أنام حتى أحفظ مائتي سطر كل يوم) ثم انتقل في الثامنة من عمره إلى شيراز لطلب العلم، وقد اشتهر بالفيروزابادي نسبة إلى (فيروزاباد) وهي مدينة جنوب شيراز كان منها أبوه وجده.
رحل (الفيروزابادي) في طلب العلم فسافر إلى مصر والشام، ودخل بلاد الروم
(أي الدولة العثمانية) والهند، وتتلمذ على عددٍ من كبار العلماء أمثال التقي السبكي وابنه عبد الوهاب وابن الخبَّاز محدث دمشق المعروف وغيرهم، حتى ذاع اسمه في الآفاق، وصار مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير.
عمل (الفيروزابادي) بالتدريس في عدة مدارس منها مدرسة القدس التي بدأ فيها أستاذًا عملاقًا، تلقى عنه كثير من العلماء منهم الصلاح الصَّفْدِي وغيره من علماء القدس، ثم رحل إلى القاهرة ولقي هناك علماءها أمثال ابن عقيل، وابن هشام وهما من أئمة اللغة ثم عاد إلى القدس مرة أخرى.
والفيروزابادي عالم واسع العلم والثقافة، حافظ لكثير من الشعر والحكايات والنوادر وكان هذا هو سر مكانته عند الملوك والأمراء، ساعده على ذلك معرفته الجيدة باللغتين العربية والفارسية، وحبه الشديد لاقتناء الكتب وقراءتها، فيروى أنه قال: (اشتريت بخمسين ألف مثقال ذهبًا كتبًا) فكان لا يسافر إلا وصحبته عدة أحمال من الكتب يخرجها في كل منزل ينزله، ينظر فيها ويعيدها إذا رحل.
وبعد أن طاف الفيروزابادي في بلاد كثيرة، انتهي به المطاف في (زبيد) باليمن حين استدعاه صاحبها وأميرها (الأشرف إسماعيل بن العباس) إلى حضرته، فلما جاء
إليه بالغ في إكرامه، وكان يحضر درسه الذي كان يلقيه، وفي سنة 797هـ ولاه الأشرف إسماعيل منصب القضاء، ثم تزوج السلطان ابنته وبذلك نال الفيروزابادي المكانة العليا عنده، حتى يروى أنه ألف كتابًا وأرسله إليه محمولاً على أطباق فردها السلطان إليه مملوءة بالدراهم، وقد بلغ من إعزاز (الأشرف) به وحرصه على ألا يفارقه أنه حين جاءه يستأذن منه في السفر فمنعه من ذلك بحجة أن في ذلك حرمانًا للبلاد والعباد من علمه، وكان مما قاله له: (كانت بلاد اليمن عمياء فاستنارت
بك، وقد أحيا الله بك ما كان ميتًا من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبتنا
بقية عمرك).
وقصده طلاب العلم من جميع بلاد المسلمين، ينهلون من علمه الغزير، ومعرفته الواسعة، واهتم باللغة وعلومها اهتمامًا كبيرًا حتى نبغ ومهر فيها وفاق جميع علماء عصره.. ألف (الفيروزابادي) كثيرًا من الكتب أشهرها (القاموس المحيط) وهو معجم ضخم يضم كمًّا هائلاً من مفردات اللغة العربية وقد أثنى (ابن حجر) على هذا الكتاب فقال: (لا مزيد عليه في حسن الاختصار وكثير الكلمات اللغوية، وكثير أخذوه عنه) ومن مؤلفاته: (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف) و(سفر السعادة) في التصوف، وكتاب (المصابيح) وكتاب (تنوير المقياس في تفسير
ابن عباس) وكتاب (تسهيل الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول) و(بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز).. وكثير من الكتب غيرها.
وقد أخذ عنه العلم علماء كثيرون من بلاد الإسلام أشهرهم (الجمال المراكشي) و(الحافظ ابن حجر) الذي أخذ عنه القاموس وأذن له أن يروي عنه جميع
ما كتبه، ومن هنا نرى أن (الفيروزابادي) عاش حياة حافلة بالعلم، وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء العشرين من شوال سنة 817هـ بمدينة زبيد باليمن.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

شكيب أرسلان
وُلِدَ شكيب أرسلان في ليلة الاثنين التي توافق أول ليلة من رمضان سنة 1286هـ وسماه أبوه باسم شكيب، وهي تعني بالفارسية (الصابر) وهو ينتمي إلى أسرة عريقة تعيش في قرية الشويفات التي تبعد عن بيروت قرابة عشرة أميال، ولما بلغ شكيب الخامسة من عمره أحضر له أبوه معلمًا ليعلمه مبادئ القراءة والكتابة، ثم حفظ قدرًا من القرآن، ثم دخل مدرسة الأمريكان في بلدته الشويفات؛ فنال قسطًا من العلوم واللغة الإنجليزية، ثم التحق بمدرسة الحكمة في (بيروت) عام 1297هـ/ 1879م وتلقى فيها دروس اللغة العربية على يد (الشيخ عبد الله البستاني) اللغوي
المعروف.
ولم يكن شكيب أرسلان كغيره من الصبية، فقد كان يملك شعورًا فياضًا، وحسًّا مرهفًا، وعاطفة قوية، فبدأ يكتب الشعر وهو في هذه السن المبكرة، ثم رحل إلى (مصر) سنة 1308هـ/ 1890م والتقى بالشيخ (محمد عبده) والشيخ (علي يوسف) صاحب جريدة المؤيد، كما كانت له علاقات أدبية مع كبار الشعراء في
مصر أمثال: أمير الشعراء (أحمد شوقي) و(البارودي).. وغيرهما؛ فتأثر
بهم، واستفاد منهم.
نظر شكيب أرسلان حوله فوجد العالم الإسلامي مصابًا بداء التخلف والجهل، بينما تعيش البلاد الأوربية وأهلها عيشة هانئة؛ فأخذ يقلب صفحات التاريخ، ويستنطق الماضي العظيم يوم أن كان المسلمون طليعة موكب الحضارة يأخذون بأيدي الأمم نحو التقدم والازدهار، ويفد إلى بلادهم طلاب العلم من كل مكان، يتعلمون منهم وينقلون عنهم، ثم يرجعون إلى بلادهم التي أصابها الجهل وعمها الظلام، فينشرون العلم الذي تعلموه على أيدي المسلمين، وضع شكيب أرسلان يده على
جبهته، وأخذ يفكر ويسأل نفسه:
ما هي الأسباب التي أدت إلى ضعف المسلمين؟‍!
لماذا تأخروا وتقدم أهل أوربا رغم أن الإسلام دين العلم والعمل؟!
هل سر ضعف المسلمين وتأخرهم يرجع إلى ابتعادهم عن دين الله وعدم التزامهم بأوامره؟!
كيف يمكن أن يلحق المسلمون بركب الحضارة مع المحافظة على دينهم الإسلامي الحنيف؟!
أسرع (شكيب أرسلان) إلى قلمه وأوراقه، وأخذ يجيب عن كل هذه التساؤلات التي تحيره وتقلقه؛ فرأى أن المسلمين إذا أرادوا أن يصعدوا إلى أعلى درجات سلم المجد فالحل هو الجهاد بالمال والنفس، وأن خير وسيلة للوصول إلى المعرفة العلمية والدينية والأخلاقية هو الالتزام بما جاء في كتاب الله؛ القرآن الكريم، وإذا أراد المسلمون أن يتقدموا إلى الأمام، فعليهم أن يكفوا عن الكلام ويسارعوا إلى العمل.
ورأى شكيب أرسلان أن العدو الأول للإسلام والمسلمين هو الجهل، وأن ارتفاع نسبة الأمية هي السبب في تأخر المسلمين، وعليهم أن يحاربوه بكل ما يملكون، وفي النهاية استطاع شكيب أرسلان أن يقدم للمسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي كتابًا من أعظم الكتب وهو (لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم) بأسلوب سهل ممتع؛ لكي يوقظ الأمة الإسلامية من سبات الجهل والتأخر.
ولم يكن هذا الكتاب وحده الذي كتبه أمير البيان شكيب أرسلان بل كتب كتبًا عديدة عن الإسلام والمسلمين تصل إلى خمسين كتابًا لا يزال بعضها غير مطبوع من أهمها كتاب (حاضر العالم الإسلامي) و(تاريخ غزوات العرب) و(الحلل السندسية في الحلة الأندلسية) و(عروة الاتحاد بين أهل الجهاد).. وغيرها من الكتب والمقالات والدراسات العديدة.
وسافر شكيب إلى أماكن عديدة، فرحل إلى (الأستانة) حيث التقى بالمصلح الكبير (جمال الدين الأفغاني) وتأثر بأفكاره، ثم سافر إلى فرنسا سنة 1310هـ/ 1892م، ثم إلى ليبيا حيث انضم إلى المجاهدين المسلمين الذين كانوا يحاربون الإيطاليين، وكتب من هناك إلى مختلف الجهات الإسلامية يحث المسلمين على نجدة إخوانهم أبناء
ليبيا، وحث أبناءها على البذل والفداء، وتعاون مع الشيخ محمد رشيد رضا وكتب أربعين افتتاحية في جريدة (المؤيد) حول هذه القضية، وسافر إلى المدينة المنورة
سنة 1914م لينشئ مدرسة فيها، كما أنه قاد فرقة من المتطوعين ليحارب إنجلترا وحلفاءها في الحرب العالمية الأولى، وأسس جمعية (هيئة الشعائر الإسلامية) في ألمانيا سنة 1924م، وأصدر جريدة (الأمة العربية) باللغة الفرنسية في(جنيف) ليدافع على صفحاتها عن قضايا أمته.
وظل شكيب أرسلان يكتب عن أحوال المسلمين وقضاياهم ومشاكلهم حتى توفي عام 1366هـ/ 1946م، فصمت اللسان الذي دافع طويلاً عن قضايا الإسلام والمسلمين شرقًا وغربًا بعد ما أدى ما عليه.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

أحمد شوقي
كان الناس في انتظار شاعر يشعل الحماسة، ويتغنى بالعزة والكرامة، ويوقد مشاعل الثورة في القلوب، بعد أن ظلوا فترة طويلة محرومين من ظهور الشعراء الكبار أمثال جرير، والفرزدق، والمتنبي.. وغيرهم، وجاء شعر أحمد شوقي في اللحظة
الحاسمة، نغمًا هادئًا، ولحنًا شجيًّا عذبًا، يتسلل إلى النفوس والقلوب ليفيض عليها العزة والكرامة.
ولد أحمد شوقي في القاهرة في السادس عشر من أكتوبر سنة 1870م لأب
تركي، وأم يونانية، يقول شوقي عن نفسه: إني عربي، تركي، يوناني، جركسي أصول أربعة في فروع مجتمعة، تكفلها له مصر.
نشأ في بيئة مترفة، إذ عاش في قصر خديوي مصر حيث كانت جدته من وصيفات القصر، ودخل كتَّاب الشيخ صالح بحي السيدة زينب بالقاهرة وهو في الرابعة من عمره، ثم مدرسة المبتديان الإبتدائية، ومنها إلى المدرسة التجهيزية، وقد منح المجانية نظرًا لتفوقه، قال الشعر في الرابعة عشر من عمره، وأعجب به أستاذه الشيخ
(حسين المرصفي).
ومما يدل على نبوغه الشعري المبكر أن أستاذه في اللغة العربية، وكان شاعرًا فصيحًا بهر بشاعريته فكان يجلس منه مجلس التلميذ من أستاذه، وكان هذا الشيخ ينظم القصائد الطوال في مدح الخديوي توفيق؛ كلما حل موسم أو جاء عيد، وقبل أن يرسلها إلى القصر لكي تنشر في الصحف، يعرضها على شوقي، فيصلح شوقي
فيها، فيمحو هذه الكلمة أو تلك ويعدل هذا الشطر أو ذاك، أو يسقط بعض
الأبيات، وبعد أن أتم أحمد شوقي تعليمه الثانوي التحق بمدرسة الحقوق لدراسة القانون، وقضى بها سنتين، ثم انضم إلى قسم الترجمة ونال بعد سنتين
إجازة للترجمة.
وبحكم تربيته في قصر الخديوي فقد أخذ ينشد قصائده في مدح الخديوي توفيق، وقد نشرت أولى قصائده في جريدة الوقائع المصرية في 7 إبريل سنة 1888م، ونظرًا لصلة شوقي بالقصر فقد أرسله الخديوي على نفقته في بعثة إلى فرنسا لإتمام دراسته في الحقوق والآداب بجامعة مونبليه بباريس، وعاد شوقي إلى مصر، فعمل في قسم الترجمة بالقصر، وظل يتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسًا لهذا القسم، وأصبح قريبًا من الخديوي عباس حلمي الذي خلف الخديوي توفيق وأنيس مجلسه ورفيق
رحلته، وأخذ شوقي يمدحه بقصائده، حتى سمي (شاعر الأمير ) وجاءت الفرصة لأحمد شوقي ليخرج من القفص الذهبي الذي كان محبوسًا فيه، حين أراد الخديوي عباس حلمي الثاني أن يضم إلى صفه أبناء الشعب ليضغط على قوى الاحتلال الإنجليزي حتى يستجيبوا لمطالبه وهنا جاء دور أحمد شوقي.
فأخذ شوقي ينادي بالحرية والاستقلال وينشد قصائده في حب الوطن، ويساعده على ذلك الخديوي عباس ويشجعه، فنفى الإنجليز الخديوي عباس إلى خارج
البلاد، وعينوا بدلاً منه السلطان (حسين كامل) ولم يترك الإنجليز أحمد شوقي وشأنه، وإنما عزموا على نفيه هو الآخر، فخيروه أي البلاد التي يحب أن يذهب
إليها؟ فاختار إسبانيا (أندلس العرب) سنة 1915م وهناك أخذ ينظم قصائده في أمجاد العرب ودولتهم البائدة، وينشر قصائده في حب الوطن، ويناجيه بقصائد كلها حب وحنين:
أحبُّك مصر من أعمـاق قلبي
وحبُّك في صميم القلب نامي
سيجمعُني بـــك التاريخُ يومًا
إذا ظهر الكرامُ على اللئــام
لأجلــك رحتُ بالدنيـا شقيًّا
أصدُّ الوجهَ والدنيــا أمامــي
وأنظـــر جَنَّةً جمعتْ ذِئابًـــا
فيصرُفُني الإباءُ عن الزحـــام
وهبتُكِ غيــــر هــيَّابٍ يَراعًا
أشدَّ على العدِّو من الحســام
ويقول:
اختلاف النهار والليل يُنـسـي
اذكرا لي الصِّبا وأيام أُنْسـي
وسلا مصر هل سلا القلب عنها
أو أسي جرحه الزمان المؤسي
كلما مــرت الليالــــــي عليــه
رقَّ والعهد في الليالي تقسي
وبعد أن قضى شوقي في بلاد الأندلس فترة طويلة صدر العفو عنه، وعاد إلى البلاد في شهر فبراير سنة 1919م، وفي الإسكندرية والقاهرة تجمع الشباب لاستقبال شوقي، فتأثر بذلك الموقف، فقال يخاطب وطنه الغالي، وقد رأى أن عودته إلى أرض الوطن تشبه عودة الشباب بعد المشيب:
ويا وطـني لقيتك بعـد يــــــأس
كأني قد لقيت بـك الشبابـــــا
وعاد شوقي والبلاد في حالة غليان، والشعب يدفع حياته ثمنًا للحرية في ظل مستعمر غاصب، فلم يقف مكتوف الأيدي، بل أطلق لسانه مشاركًا أبناء وطنه في
محنتهم، وقام بدوره الوطني على أكمل وجه، وأثبت أنه شاعر الوطن، المدافع عن حقوقه في وقت الشدة، وكان يريد للأمة العربية والإسلامية الوحدة وعدم
التفرق، ولشوقي في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- قصائد غراء
مشهورة، يعرفها كل من يقرأ بالعربية.
وعاش شوقي حتى نهاية العمر يتغنى بالوطنية والحرية، حتى أجمع الشعراء على زعامته في ميدان الشعر، فجاءت الوفود من كل البلاد التي تنطق العربية، لتبايع شوقي بإمارة الشعر، ووقف زميله الشاعر حافظ إبراهيم في حفل تكريمه يبايعه بزعامته للشعراء بقصيدة يقول فيها :
أمير القوافي قد أتيت مبــــــايعًا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
وظل شوقي ينشد الشعر إلى أن توفي سنة 1932م بعد أن ترك تراثًا شعريًّا كبيرًا.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

عباس العقاد
في أقصى الصعيد، وفي بلدة تحيطها تلال من الرمال، ولا تنقطع عنها أشعة الشمس اللافحة، في مدينة (أسوان) مدينة الشمس والتاريخ، استقبلت أسرة محمود أفندي إبراهيم مصطفى العقاد مولودًا جديدًا، سُمِّي: عباسًا في يوم الجمعة الثامن والعشرين من يونيو عام 1889م فهرولت نسوة الدار إلى محمود أفندي معاون قلم محفوظات المدينة ينقلن إليه البشرى، ويهنئنه بهذا الحدث السعيد.
كان أجداد العقاد يعملون في صناعة الحرير، فعرفوا بذلك اللقب العقاد؛ الذي يطلق على من يعقد الحرير، ونشأ الطفل الصغير عباس بين أسرة تعرف الله حق
المعرفة، فمنذ أن طلت عيناه على نور الدنيا وجد أبويه يستيقظان قبل الفجر لأداء الصلاة، وكان دائمًا يستمع إلى عبارات الحب للنبي -صلى الله عليه وسلم- بل إن أسماء النبي وآله كانت تتردد في جنبات البيت ليل نهار، ولا عجب في ذلك فأسماء إخوته: محمد وإبراهيم والمختار ومصطفى وأحمد والطاهر.
وفي بيت ريفي قديم عاش عباس العقاد معتزًّا بنفسه، غيورًا على أهله وكرامته، تلقى عباس العقاد مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية.. حتى إذا ما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بمدرسة أسوان الابتدائية، وبين جدران هذه المدرسة ظهرت علامات الذكاء والنبوغ على عباس العقاد، وكان مدرس اللغة العربية يعجب به إعجابًا شديدًا، كلما طالع كراسته في الإنشاء.
وفي يوم من الأيام، وبينما عباس في الفرقة الرابعة الابتدائية، إذا بالشيخ محمد عبده الذي كانت له مكانة كبيرة في ذلك الوقت يزور المدرسة، فيطلعه مدرس الإنشاء على موضوع كتبه عباس، فأعجب الشيخ به إعجابًا شديدًا وقال: ما أجدر هذا الصبي أن يكون كاتبًا بعد، فكانت هذه الجملة التي قالها الشيخ محمد عبده حافزًا قويًّا لعباس العقاد في ذلك الوقت المبكر، جعلته يسلك طريق الكتابة دون
سواها.
وفي الشارع الذي كان يقع فيه منزل الأسرة، كان عباس يستمع إلى القصص الخيالية من كبار السن، فكانت هذه القصص سببًا في تفتح مواهبه الأدبية والشعرية إثراء خياله، فأنشد الأناشيد قبل أن يبلغ العاشرة، ونمت مواهبه الأدبية أكثر وأكثر إذ كان والده يصحبه عصر كل يوم إلى جلسات الشيخ أحمد الجداوي الأدبية، وكان عباس أحيانًا يذهب إلى هذه الجلسات بمفرده ليعرض على الشيخ الجداوي ما كتبه من موضوعات الإنشاء، وكان بارعًا في حل المسائل الرياضية.
وكان والده محمود أفندي يقتني بعض المجلات الشهيرة في ذلك الوقت مثل
مجلة الأستاذ لـ(عبد الله النديم) و(أبو نضارة) و(العروة الوثقى) فقرأها الصبي الصغير، وأعجب بها، وخصوصًا مجلة الأستاذ لعبد الله النديم خطيب الثورة العرابية فتأثر به تأثرًا شديدًا، حتى إن عباسًا أخرج صحيفة التلميذ محاكيًا بذلك صحيفة الأستاذ للنديم.
وكانت أسوان مدينة سياحية يأتي إليها السائحون، ويختلطون بأهلها، فأتيحت الفرصة لعباس ليتحدث معهم ويختلط بهم، كما تهيأت له الفرصة لكي يتقن اللغة الإنجليزية حيث كانت تتدرس العلوم باللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية في ذلك الوقت، فقرأ عباس في الأدب الإنجليزي كثيرًا، وأصبحت له حصيلة أدبية كبيرة.
وخلال تلك الفترة المبكرة من حياته، أخذ الصبي عباس العقاد يحلم كثيرًا، ففكر أن يتم تعليمه بالمدرسة الحربية، أو يدرس علم النبات والحيوان، وظل الفتى يتمنى تحقيق تلك الآمال وهذه الأحلام إلى أن تخرج في المدرسة الابتدائية وحصل على شهادتها سنة 1903م ورأى أبوه أن يكتفي بما حصل عليه من العلم وأن يعين في الوظيفة الحكومية (الميري) فلم يجد الفتى بُدًّا من أن يطيع كلام والده.
ومكث في البيت في انتظار الوظيفة تحقيقًا لرغبة والده وأفراد أسرته، وطال
انتظاره، فتطوع بالتدريس في المدرسة الإسلامية الخيرية بأسوان، لكن والد العقاد استطاع بعد فترة أن يوظفه بأربعة جنيهات بالقسم المالي بمدينة قنا سنة 1904م، وفي أثناء عمله بالصعيد كان هو وبعض زملائه الموظفين من أنحاء قنا يعقدون الندوات الأدبية لإلقاء الزجل ومقطوعات الشعر التي ينظمونها، ثم انتقل عباس العقاد في
العام نفسه إلى مدينة الزقازيق، وأخذ يتردد على القاهرة كل أسبوعين لينهل من ندواتها الأدبية ويقتني منها الكتب القيمة.
وفي سنة 1906م استقال العقاد من وظيفته بعد أن ملَّ منها؛ فذهب إلى القاهرة والتحق بمدرسة الفنون والصنائع، ثم تركها وعمل بمصلحة البرق، وكان يسكن في حجرة يستأجرها ببضعة قروش يضع فيها كل ما يملك من كتب قديمة كان يشتريها من حي الأزهر العتيق، وتتعثر أحوال عباس العقاد المادية، ويعجز عن مواجهة أعباء الحياة، حتى إيجار الحجرة التي كان يسكن فيها أصبح يمثل له مشكلة كبيرة، فاضطر إلى الرحيل إلى بلدته أسوان تاركًا كتبه ومتاعه في الحجرة، فمكث هناك مدة
قصيرة، ثم عاد إلى القاهرة، فتمكن من العمل بجريدة الدستور مع المفكر الإسلامي الكبير محمد فريد وجدي سنة 1907م بمرتب قدره ستة جنيهات، واستطاع أن يجري حديثًا صحفيًّا مع الزعيم سعد زغلول، وكان وزيرًا للمعارف في ذلك
الوقت، فأحدث ضجة صحفية كبيرة، وفي عام 1909م تعطلت صحيفة الدستور فاضطر محمد فريد وجدي أن يبيع كتبه ليسدد بها أجور العمال وأصحاب
الديون.
وافترق عباس العقاد عن الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي بعد صحبة استمرت عامين، واضطر عباس العقاد هو الآخر لبيع كتبه ليشتري بثمنها حاجاته وطعامه على أن يشتري غيرها بعدما يجد عملاً وتتحسن الظروف، لكنه مرض فقرر السفر إلى أسوان، وهناك يقضي كل وقته في المطالعة والكتابة إلى أن استعاد صحته، وشفي من مرضه، فعاد إلى القاهرة مرة أخرى وكان ذلك سنة 1911م فاشترك في تحرير جريدة البيان، والتقى فيها بالكثير من الأدباء والشعراء أمثال: طه حسين، وعبد الرحمن شكري، والمازني.. وغيرهم من حملة الأقلام.
ولفتت كتابات العقاد أنظار الكاتب المشهور في ذلك الوقت محمد المويلحي مدير قسم الإدارة بديوان الأوقاف، فاختاره مساعد كاتب بالمجلس الأعلى بقلم السكرتارية، ثم عمل في جريدة المؤيد لصاحبها في ذلك الوقت الصحفي الكبير أحمد حافظ عوض، وقام بتحرير الصفحة الأدبية فيها، ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.
وفي أثناء فترة عمله بهذه الجريدة وبالتحديد في عام 1914م قام الخديوي برحلة في الوجه البحري ليجمع الصفوف حوله ليستعيد شعبيته وصحب معه أحمد حافظ عوض ليصوغ كتابًا عن هذه الرحلة يسميه كتاب الرحلة الذهبي، وفوجئ العقاد الذي كان ينوب عن أحمد عوض أثناء غيابه بالجريدة، بمحاولات لإغرائه بالمال ليشترك في تحرير هذا الكتاب الذي يهلل للخديوي ويشيد به، في حين كان العقاد يهاجم الخديوي في كتاباته، فغضب لكرامته، وترك المؤيد إلى غير رجعة مفضلاً الجوع على النفاق.
وكتب العقاد فصولاً نقدية في مجلة عكاظ مع الشاعرين المازني وعبد الرحمن شكري من سنة 1912م إلى سنة 1914م ولكنه خرج من عمله بالأوقاف بتدبير من رجال الخديوي، فعاد إلى البطالة والحاجة، وعاد إلى بلدته أسوان يستجير بها سنة 1914م وظل ببلدته يكتب الشعر والخواطر.
وبعد سنة 1916م اشتغل بالتدريس في المدارس الحرة، هو وصديق عمره إبراهيم
عبد القادر المازني حتى اندلعت ثورة سنة 1919م فشملت البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وخلال تلك الفترة عمل العقاد بجريدة الأهرام، وسخر قلمه للدفاع عن الثورة ورجالها، فتركت مقالاته أثرًا كبيرا في نفوس المصريين، وكانوا ينتظرونها بشوق ولهفة، حتى إن باعة الصحف كانوا يجرون في الشوارع وينادون على الصحيفة باسمه قائلين: "اقرأ مقالات العقاد يا جدع".
سُئل الزعيم سعد زغلول ذات مرة عن العقاد فقال: أديب فحل، له قلم
جبار، ورجولة كاملة، ووطنية صافية، واطلاع واسع، ما قرأت له بحثًا أو رسالة في جريدة أو مجلة إلا أعجبت به غاية الإعجاب، وفي شتاء عام 1921م عاوده
المرض، فعاد إلى بلدته أسوان التي يستجير بها دائمًا كلما نزلت به محنة، وفي تلك الفترة نشر كتاب الديوان الذي أصدره بالاشتراك مع المازني وهاجم فيه الشاعر
أحمد شوقي هجومًا شديدًا.
وقد بعث عباس العقاد في نهضة مصر الأدبية روحًا جديدًا، وأسهم في النضال الوطني، فكان قلمه أقوى سلاح، وقد استعان به سعد زغلول لمناصرته والدفاع
عنه، فظل العقاد يدافع عن حزب الوفد المصري بعد وفاة سعد زغلول، ويفضح الفساد؛ ففي سنة 1930م صاح صيحته المشهورة في مجلس النواب -وكان عضوًا به- قائلاً: إن الأمة على استعداد أن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه، فاعتبروا قولته هذه عيبًا في الملك فؤاد، وحوكم العقاد عن تلك التهمة وحبس تسعة أشهر، وعانى ما عانى من الشدائد، واحتمل متاعب السجن والاضطهاد، وذاق الفقر، وعانى المرض، وكان العقاد على صلة بأسرة
تجاوره، عرفت ما يعانيه من فقر وبؤس، فعرضت عليه سيدة نبيلة القلب من هذا البيت حليها ليرهنه، حتى يستطيع تدبير أموره والتغلب على مصاعب الحياة، ورد العقاد لها المعروف بعد موتها بأن كفل ابنة لها ورعاها وأفاض عليها من العطف حتى كانت تدعوه بأبيها!!
وظل يدافع عن وطنه وعن الإسلام دفاعًا شديدًا، وكتب العديد من الكتب عن عظماء الإسلام، فكتب عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق، وعمر وخالد بن الوليد، وعثمان بن عفان، كما كتب الفلسفة القرآنية، والإسلام في القرن العشرين، وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، وما يقال عن الإسلام.
والعقاد شاعر كبير من مجددي الشعر في النهضة الأدبية الحديثة، وعرف هو وصديقاه الشاعران المازني وعبد الرحمن شكري بأنهم أصحاب مدرسة الديوان وأصدر العقاد نحو عشرة دواوين من الشعر منها وحي الأربعين.
كما أن له العديد من الدراسات والبحوث في كافة المجالات الأدبية والاجتماعية والسياسية، وفي سنة 1956م تمَّ اختياره عضوًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون
والآداب، وفي سنة 1960م كرمته الدولة فمنحته جائزة الدولة التقديرية للآداب تقديرًا منها لجهوده في مجال الفكر والأدب.
وتحين ساعة النهاية، ففي سنة 1964 مات عملاق الأدب، مات الكاتب الكبير
عباس العقاد، ورحل عن عالمنا بعد أن ترك ثروة أدبية ضخمة لأجيالنا القادمة، وبعد أن دافع بقلمه وفكره عن الإسلام والمسلمين.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

الماوردي
(حفظ الله دينك، كما حفظت علينا ديننا).. كلمة قالها الخليفة العباسي (القادر بالله) وذلك بعد أن قرأ كتابًا للماوردي في الفقه فأعجب به وأثنى عليه، فمن ذلك الرجل الذي حفظ دين الإسلام؟!
في شوارع البصرة وفي زمن العباسيين، كان هناك طفل صغير لم يتجاوز الرابعة من عمره، ورث عن أبيه صناعة (ماء الورد) يقضي النهار كله أمام أبواب المساجد، يبيع ماء الورد لطلاب العلم ورواد المدارس مقابل دراهم معدودة، يتقوَّى بها على متاعب الحياة.
وقد أصبح هذا الصبي من قادة الفكر وحملة مشاعل العلم ومن أبرز رجال السياسة، وقاضيًا من أعدل القضاة، وأديبًا ناضجًا ومؤلفًا عظيمًا في شتى فروع ثقافة أمته.. إنه (أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي) الشهير بالماوردي.. ولد
عام 364هـ-974م في مدينة البصرة، ونشأ فيها يسقي طلاب العلم ماء الورد، ويرتوي من علم العلماء المشهورين في زمانه، وظل في البصرة حتى سمع أن عالمًا ببغداد يقصده الطلاب من كافة الأنحاء هو (أبو حامد الإسفراييني) فتعلم على يديه الفقه والعلوم الشرعية، وأصبح من مريديه، ومازال يرحل ويتنقل في بلاد المسلمين طلبًا للمعرفة حتى عاد إلى بغداد، ليبدأ فيها رحلة الدرس والتأليف، يتلقى عنه الطلاب القادمون من بلاد كثيرة.
وتولى الماوردي القضاء في البلاد التي رحل إليها، كما تولى وظيفة قاضي القضاة في نيسابور، وذاعت شهرته، ولقب بأقضى القضاة سنة 429هـ، وكان أول من لقب بذلك في تاريخ الإسلام، وعلم الماوردي أن توليه القضاء ليس تشريفًا له، ولكنها رسالة وأمانة في عنقه؛ فكان يتمهل قبل أن يصدر أحكامه، ويقرأ كتاب الله وأحاديث رسوله، حتى لا يضل الطريق؛ فيقضي بحكم فيه ظلم لأحد، كما كان جريئًا عادلاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، يحكم بالحق حتى على أولي القربى وأصحاب السلطان.
فقد أمر الخليفة العباسي أن يلقب (جلال الدين بن بويه) بلقب شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، واختلف الفقهاء ما بين موافق، وغير موافق لأن هذا اللقب لا يجوز إلا في حق الله، وانحاز عوام الناس إلى رأي الفقهاء المانعين، وانتظر الجميع رأي القاضي الماوردي الذي كانت تربطه بجلال الدين البويهي صلة ود وصداقة؛ وظهرت شجاعة الماوردي، فانحاز إلى جانب الحق، وضرب مثلا فريدًا في الثبات على الحق، فأفتى بالمنع، وأعجب جلال الدين بصدقه وشجاعته فقال له: (أنا أعلم أنك لو حابيت أحدًا لحابيتني، لما بيني وبينك من أواصر المحبة، وما حملك إلا الدين، فزاد بذلك محلك عندي).
ولما ذاعت شهرة الماوردي أثناء فترة إقامته ببغداد لما عُرِفَ عنه من فضل وعلم، وحسن رأي، وجلالة قدر؛ اختير ليكون سفيرًا بين رجال الدولة في بغداد، وبني بويه في أصبهان من سنة
381هـ/ 991م إلى 422هـ/ 1030م، وكان لقربه من الحياة السياسية في عصره، واختلاطه بالأمراء والوزراء أثر كبير، فقام بكتابة العديد من المؤلفات السياسية الرائعة التي صدرت عن خبرة كبيرة ودراسة واسعة مثل (الأحكام السلطانية والولايات الدينية) وكانت له مكانة ممتازة عند الأمراء والملوك في عصره، فكان يتصدر المراسم والاحتفالات الرسمية، وأسندوا إليه عقد قران الخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت داود أخي السلطان (طغرلبك) سنة 448هـ.
واشتهر الماوردي بالحلم والوقار والأدب والتعفف عن سؤال غيره، كما عرف عنه التدين والتنزه عن اللهو والهزل، وشهد المعاصرون للماوردي بالصلاح والتقوى، وهم محقون في ذلك، فقد أخفى مؤلفاته عن الناس في عصره خوفًا من أن يكون قد خالطها الرياء وهو يؤلفها، وعهد إلى صديقٍ له ألا يظهرها إلا بعد وفاته، وترك الماوردي العديد من المؤلفات منها: كتاب في التفسير و(الحاوي) في الفقه الشافعي و(قانون الوزارة وسياسة الملك) و(أدب الدنيا والدين).
والماوردي مفكر سياسي إسلامي يعد من أوائل من اهتموا بعلم السياسة وأصول الحكم الإسلامي، يأخذ أفكاره وآراءه من وحي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وظل الماوردي في خدمة العلم إلى أن فاضت روحه إلى بارئها في يوم الثلاثاء آخر شهر ربيع الأول سنة 450هـ، وحضر جنازته جمع من الخطباء والعلماء والقضاة يودعونه إلى مثواه الأخير.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

أبو حامد الغزالي
في مدينة (طوس) إحدى مدن بلاد (فارس) وبالتحديد في قرية (غزالة) جلس طفلان صغيران ينظران إلى والدهما وهو يغزل الصوف، أخذا يتأملان أصابعه؛ ويتابعانه في إعجاب شديد، ترك الأب مغزله وأخذ ينظر إلى ولديه (محمد وأحمد).
شعر الشقيقان أن أباهما يريد أن يقول لهما شيئًا، لقد فهما ذلك من نظرات عينيه، وفجأة.. انهمرت الدموع من عيني الأب الذي عرف بالتقوى والصلاح، فقد تملكه إحساس جارف بأنه سيموت قريبًا، ولم يترك لولديه شيئًا من المال يعينهما على تحمل أعباء الحياة، غادر الأب دكانه، وذهب إلى صديق وفي له؛ فأوصاه بتربية ولديه الصغيرين، وترك له ما كان معه من مال، وكان قليلاً، ومات الأب، فعمل الصديق بالوصية، فنشَّأ الطفلين تنشئة دينية صحيحة، وعاملهما معاملة طيبة وألحقهما بإحدى المدارس، وكانت أمهما ترعاهما بعناية كبيرة، وتتابع دراستهما، فنبغ الطفلان، وتفوَّقا على أقرانهما، وبخاصة (محمد الغزالي) الذي تعلم مبادئ النحو واللغة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفارسية.
وسافر محمد إلى (جرجان) لسماع دروس الإمام (أبو نصر الإسماعيلي)، وفي أثناء عودته إلى بلدته (طوس) قطع اللصوص عليه الطريق، وأخذوا منه مخلته التي فيها كتبه وكراريسه، ظنًّا منهم أن فيها نقودًا ومتاعًا، وساروا في طريقهم؛ فتبعهم (أبو حامد الغزالي) وأخذ يلح عليهم أن يعطوه أوراقه وكتبه التي هاجر من أجلها ومعرفة ما فيها؛ فضحك كبير اللصوص وقال له: كيف تزعم أنك عرفت
علمها، وعندما أخذناها منك، أصبحتَ لا تعلم شيئًا وبقيت بلا علم؟! ولكنه أشفق عليه وسلمه الكتب.
وكان هذا درسًا عظيمًا للغزالي، فعندما وصل إلى طوس مكث ثلاث سنوات يحفظ ما كتب في هذه الأوراق، حتى لا يتعرض علمه للضياع مرة أخرى، وانتقل الغزالي إلى مدينة (نيسابور) سنة 473هـ/1080م، فتعلم الفقه والمنطق والفلسفة، وأصول الفقه وغيرها من العلوم على يد (أبي المعالي الجويني) الملقب بإمام الحرمين وكان الغزالي أحد تلامذته الأذكياء فبرع في الفقه وأتقن الجدل، وبدأ في تصنيف الكتب.
ولازم الغزالي أستاذه، يتعلم على يديه، حتى انتقل إمام الحرمين إلى ربه سنة 478هـ/1085م، فخرج الغزالي من نيسايور إلى العسكر حيث لقي الوزير السلجوقي (نظام الملك) الذي أكرمه وبالغ في إكرامه، وكان الغزالي حينئذ متزوجًا وله ثلاث بنات وولد اسمه
(حامد) لذلك كني أبا حامد.
وناظر الغزالي وناقش فكرة الجهاد ضد الباطل سواء داخل أو خارج بلاد الإسلام مع الأئمة والعلماء في مجلس الوزير، فبهرهم غزارة علمه وقوة منطقه، وأعجب به (نظام الملك) فولاه منصب التدريس في المدرسة النظامية ببغداد سنة 484هـ/1091م، فأقبل عليه الطلاب إقبالا شديدًا، واتسعت حلقاته، وذاع صيته واشتهر؛ حتى لقب بإمام بغداد، فكلفه الخليفة العباسي (المستظهر بالله) بالردِّ على بعض الفرق التي انحرفت عن الإسلام؛ فكتب الغزالي في الرد عليهم: (القسطاس المستقيم) و(حجة الحق).. وغيرهما من الكتب التي كشفت فساد وضلال هذه الفرق.
وترك (الغزالي) التدريس بالمدرسة النظامية، واتجه إلى طريق الزهد والعبادة، ورحل إلى عدة مدن إسلامية، فرحل إلى (دمشق) وأقام مدة قصيرة، ثم رحل إلى بيت المقدس، ومنها ذهب إلى (مكة) واختار طريق التصوف وفضَّله على كل الطرق، ولم يزل الغزالي على حالته في الزهد والعبادة حتى طلب منه السلطان العودة مرة أخرى إلى نيسابور للتدريس ونشر العلم، لكنه لم يمكث بها مدة طويلة، فقد عاد بعد سنتين إلى طوس، وهناك أنشأ الغزالي زاوية للزهاد والصوفية وطلبة الفقه والعلوم الشرعية، وظل بـ(طوس) حتى توفاه الله في
14 جمادى الآخرة عام 505هـ/1111م عن خمسة وخمسين عامًا قضاها في العلم والتعلم ونشر الفكر الإسلامي الصحيح بين
المسلمين، والدفاع عن الإسلام ضد أهل الديانات الأخرى والفرق الضالة، ومن هنا لُقِّب الغزالي بـ (حجة الإسلام).
وللغزالي مؤلفات كثيرة تزيد على أربعمائة؛ منها: (إحياء علوم الدين) و(الوسيط) في الفقه الشافعي و(تهافت الفلاسفة) و(المستصفي في أصول الفقه).. وغير ذلك، ومع غزارة إنتاج الغزالي، فإن أسلوبه يتسم بالعبارة السهلة،والبعد عن التعقيد.. فجزاه الله خيرًا عما قدم للإسلام من خدمات جليلة.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

ابن رشد
ولد (أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد) الشهير بابن رشد الحفيد في مدينة (قرطبة) عام 520هـ، وكانت آنذاك عاصمة من عواصم الثقافة والفنون والآداب، كان أبوه قاضيًا، أما جده فقد كان قاضي القضاة بالأندلس، فهو ينتمي لأسرة عريقة في العلم
والقضاء.
نشأ بقرطبة وتعلم الفقه والرياضيات والطب على يد كبار الأساتذة في عصره، وتولى القضاء بقرطبة، ولم يشغله هذا المنصب عن
القراءة، حتى قالوا عنه: إنه لم يترك ليلة من عمره بلا درس ولا تأليف إلا ليلة عرسه وليلة وفاة أبيه!!
كانت سعادة ابن رشد الحقيقية عندما يكون مع كتبه، وكان يحس بحب زائد تجاه كتب الفلسفة التي كان يحسبها بعض الناس في عصره من الكفر والضلالة!! فلم يهتم بما يُقال عنها؛ لأنه واثق كل الثقة في عقيدته ودينه، فأخذ يقرأ لكبار الفلاسفة مثل أرسطو.. وغيره، حتى أصبح عالمًا بالفلسفة إلى جانب سعة علمه في الفقه وسائر علوم عصره.
ونظرًا لمكانته العلمية استدعاه (المنصور أبو يعقوب) سلطان دولة الموحدين إلى مراكش، فأكرمه وقدره تقديرًا كبيرًا، ولم يكن ابن رشد يرتاد مجالس الطرب، بل كان يتعفف عن حضور هذه
المجالس، وبلغ من تعففه أنه أحرق شعره في الغزل أيام شبابه، وكان ابن رشد طبيبًا.. يقول: (من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانًا
بالله) إنه يرى أن من يعمل في مهنة الطب، يرى عن قرب إعجاز الله في خلقه، ويشاهد أعضاء الجسم وهي على نظام دقيق؛ فيزداد إيمانه قوة ورسوخًا.
ولابن رشد كتب كثيرة في الطب؛ أهمها كتاب (العلل) وهو من الكتب التي تتعرض للأدوية، وقد كان ابن رشد فقيهًا عالمًا، قال عنه ابن الأنبار: كان يفزع إلى فتواه في الطب، كما يفزع إلى فتواه في الفقه، وله كتاب في الفقه سماه: (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) وغير ذلك من الكتب الكثيرة التي بلغت خمسين كتابًا.
وبعد هذه الرحلة العلمية المباركة، مرض ابن رشد مرضًا شديدًا ومات ليلة الخميس 9 صفر سنة 595هـ، ونقل جثمانه من(مراكش) إلى قرطبة حسب وصيته حيث المنشأ والأجداد.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

عبد الرحمن الكواكبي
نشأ في سوريا، تنفس أول أنسام الحياة في حلب، ولفظ آخر أنفاسه في القاهرة، وفيما بين حلب والقاهرة، وغيرهما من بلاد المسلمين كانت له خطوات، ونظرات، ثم كان له من ذلك كله دعوات جريئة وصريحة إلى الإصلاح.
ففي حلب تلك المدينة المعطاءة التي أخرجت المعرِّي، وسيف الدولة وأبا فراس، والبحتري، وابن النديم، وعاش في ظلالها
المتنبي، والفارابي.. وغيرهم من القادة، والشعراء، والمفكرين وُلِد
عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي سنة 1265هـ في أسرة شريفة تنتسب إلى الإمام علي-رضي الله عنه- ولما بلغ عبد الرحمن سن السادسة توفيت أمه، فذاق مرارة الحرمان مبكرًا، فأرسله والده إلى خالته السيدة صفية بنت مسعود النقيب بأنطاكية، كانت تجيد القراءة والكتابة والخط، فأقام عندها ثلاث سنوات تعلم خلالها اللغة التركية والقراءة والكتابة.
عاد الكواكبي بعدها إلى حلب، ليتولى والده تربيته، فأدخله والده المدرسة الكواكبية ليكون تحت إشرافه حيث كان مدرسًا ومديرًا لهذه المدرسة، فتعلم فيها مبادئ الدين واللغة العربية، ولما كان عبد الرحمن الكواكبي على معرفة تامة باللغة التركية، كان يقرأ الصحف التركية التي تصل إلى حلب بسهولة فاتسع تفكيره وازدادت معارفه، وفي الثانية والعشرين من عمره، عمل بالصحافة فأصبح محررا في جريدة الفرات وهي الجريدة الرسمية التي كانت تصدرها الحكومة باللغتين العربية والتركية، وبعدها أراد الكواكبي أن ينقل تجربته الصحفية إلى الساحة العربية فأنشأ جريدة عربية في حلب سماها (الشهباء) فأغلقها الأتراك، فأنشأ جريدة (الاعتدال) فكان مصيرها كالأولى.
وشغل الكواكبي العديد من الوظائف، فكان رئيسًا لقلم المحضرين في ولاية حلب، وعضوًا فخريًّا في لجنة امتحان المحامين، ورئيسًا للجنة الأشغال العامة، كما عمل بالقضاء وقام بأعمال عمرانية وتجارية أكسبته خبرة بالناس وتجربة كبيرة بالحياة، وكان في كل أعماله يصطدم بنظام الدولة واستبداد الحكام وفساد الإدارة، وكان سلاحه النزاهة والاستقامة والعدل.
وكان للكواكبي مكانة مرموقة في بلده يقصده أصحاب الحاجات لقضائها، ويلجأ إليه أرباب المشاكل لحلها، بل كان رجال الحكم يستشيرونه أحيانًا فيبدي رأيه في جرأة وشجاعة، لا يقرُّ ظالمًا على ظلمه ولا يسالم جائرًا، لذلك حاربه ولاة حلب ورجال الدولة في الأستانة، فَزوِّرت عليه التهم فقُدِّم للمحاكمة وهو بريء مما نُسب إليه، الأمر الذي جعله يهاجر سرًّا إلى مصر سنة 1316هـ/1899م لينشر فيها فصولاً من كتابه (طبائع الاستبداد) في
جريدة (المؤيد).
قام الكواكبي بزيارة العديد من الدول الإسلامية فطاف بسواحل إفريقيا الشمالية، وسواحل آسيا الغربية ودخل الجزيرة العربية، واتصل برؤساء قبائلها،كما نزل الهند، واستقر به المقام في مصر، وكان ينوي أن يتم رحلته إلى بلاد المغرب، ولكن المنية عاجلته
سنة 1320هـ/1902م.
ولم يكن يعرف الاستقرار أو راحة البال، فتراه في تلك البلاد التي يزورها يقابل الزعماء والرؤساء ويجتمع بأفراد الشعب ويدرس أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وما يشــيع فيــها من نواحي الضعف والفساد وما يدور فيــها من عوامـل الـقوة والنـشاط، فجعل هذه الدراسات أساسًا لدعوته الإصلاحية.
سجل الكواكبي نتائج دراسته لأحوال المسلمين في زمانه في كتابين له هما: (طبائع الاستبداد) و(أم القرى) وكان الكواكبي يحاول دائمًا أن يجمع شمل الأمة الإسلامية لتكون قوة هائلة ترهب المستبدين، وكان يرى أنه بالعلم وحده يمكن أن يعرف الناس أن الحرية أفضل من الحياة نفسها وأكرم، وأن الشرف أعز من المنصب والمال.
كما كان يحارب البدع ويرى أنها مرض يجب مداواته، فيقول عن أصحاب البدع الذين شوهوا صورة الإسلام: (فمنهم الذين استبدلوا بالأصنام القبور، فبنوا عليها المساجد والمشاهد، وأرخوا عليها الستور، يطوفون حولها مُقَبِّلين مُسْتَلِمِين أركانها).
وكان الكواكبي كريم الخلق حتى قيل عنه: إنه مؤدب اللسان، لا تؤخذ عليه هفوة، يزن الكلمة قبل أن ينطق بها وزنًا دقيقًا، هادئ في حديثه، إذا قاطعه أحد سكت، وانتظر حتى يتم حديثه، ثم يصل ما انقطع من كلامه، نزيه النفس لا يخدعه مطمع، ولا يغريه
منصب، شجاع فيما يقول ويفعل، متواضع للبائسين والفقراء يقف دائمًا بجانب الضعفاء حتى لقبوه بأبي الضعفاء، فكان شعاره:
أَنَا إِنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قُوتًا وَإِذَا مِتُّ لَستُ أَعْــدَمُ قَبْرَا
فَعَـلاَمَ أُذِلُّ لِلنَّاسِ نَفْسِي وَعَـلامَ أَخَافُ زَيْدًا وَعُمَرَا
هِمَّتِي هِمَّةُ الكِبَـــارِ وَنَفْسِي نَفْسُ حُرٍّ تَرَى المَذَلَّةَ كُفْرَا
وجاءت نهاية رائد الحرية والوعي الإسلامي في الشرق العربي؛ ففي مساء الخميس من شهر ربيع الأول سنة 1320هـ الموافق
14 يونيو سنة 1902م فارق عبد الرحمن الكواكبي الحياة؛ فأمر الخديوي عباس بدفنه على نفقته الخاصة، ورثاه الكتاب، والشعراء والمفكرون.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

محمد بن عبد الوهاب
في قرية (العيينة) من قرى (نجد) شمال غرب مدينة الرياض، ولد
(محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النجدي) في عام 1115هـ ونشأ بين أحضان أسرة صالحة، تقتدي في أفعالها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتهتدي بسنته، وكان والده قاضيًا في بلدة العيينة، فقام بتحفيظ ولده الصغير القرآن الكريم، وعلمه الفقه، فنشأ (محمد) نشأة صالحة، واجتهد في الدراسة، وأخذ يحفظ كثيرًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كبر اشتاق إلى زيارة بيت الله الحرام، وهناك تتلمذ على بعض علماء الحرم الشريف، ثم توجه إلى المدينة المنورة، واجتمع بعلمائها وشيوخها وتعلم على أيديهم، ثم عقد (محمد بن عبد الوهاب) العزم على السفر إلى (العراق) لطلب العلم.
وفي مدينة (البصرة) كانت بداية دعوته إلى جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا في جرأة العالم المسلم الذي يحاول أن يبعد عن دينه كل ما التصق به من خرافات ومبتدعات، مما عرضه لثورة بعض علماء البصرة، الذين اجتمعوا لمحاربته وإيذائه، فخرج حزينًا مهمومًا إلى بلده، فوجد والده قد انتقل إلى بلدة (حد يملا) فانتقل حيث صار والده، واستقر هناك واشتهر بالتقوى وصدق التدين، وأخذ يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويطالب الأمراء بتطبيق حدود الله، ومعاقبة المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء، حتى تآمر عليه بعض خصومه لقتله وللخلاص منه.
وعلم (محمد بن عبد الوهاب) بنيتهم وغدرهم، فرحل إلى بلدته (العيينة) ورحب به أمير البلدة (عثمان بن محمد بن معمر) وأكرمه وقال له: قم فادع إلى الله ونحن معك، فأخذ (محمد) يعلم الناس أمور دينهم، يدعوهم إلى الخير، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر حتى اشتهر في بلدته والقرى المجاورة، فجاء إليه الناس يستمعون إليه ويستفيدون من علمه الواسع، وظل ينير لهم الطريق، ويدعوهم إلى طريق الحق والنور، وينصحهم بالبعد عن طريق الظلمات، حتى أحبه الناس، والتفوا حوله، فقوي نفوذ (محمد بن عبد الوهاب) وصار يحكم بين أتباعه وأنصاره بشرع الله.
ولما علم أمير الإحساء بأمر (محمد بن عبد الوهاب) خاف على سلطانه، فسعى لقتله، فانتقل محمد بن عبد الوهاب، إلى بلدة
تسمى (الدرعية) وكان أميرها (محمد بن سعود) رجلا صالحًا، فألهمه الله أن يذهب إلى محمد بن عبد الوهاب في منزله بالدرعية، فسلم عليه وقال له: يا شيخ محمد أبشر بالنصرة، وأبشر بالأمن وأبشر
بالمساعدة، فقال له الشيخ: وأنت أبشر بالنصرة والتمكين والعافية الحميدة، هذا دين الله، من نصره، نصره الله، ومن أيده؛ أيده الله فقال:يا شيخ، سأبايعك على دين الله ورسوله، وعلى الجهاد في سبيل الله، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على أعداء الإسلام، أن تبتغي غير أرضنا، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى، فقال: لا أبايعك على هذا، أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج من بلادك أبدًا.
وتعاهد الأمير والشيخ على أن ينصرا دين الله، وظل الشيخ محمد يحاول إزالة الخرافات والأباطيل التي لا يرضاها الإسلام، ومن ذلك ما انتشر في (نجد) وما حولها من سحرة وكهنة يخدعون الناس، ويدعون أنهم يعلمون الغيب، كما انتشر فيها بعض المجانين والمعتوهين الذين يدعون أنهم أولياء الله، بل وجد بها من يعبد الأشجار والأحجار من دون الله عز وجل، فأخذ الشيخ (محمد) يدعوهم بمساعدة الأمير (محمد بن سعود) إلى دين الله، ويلقي الدروس في الفقه والتفسير والحديث .. وغير ذلك من العلوم النافعة، ويرسل إلى أمراء البلدان المجاورة ينصحهم بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبتطبيق شرع الله فازدادت شهرة الشيخ في كل بلاد الإسلام، وتأثر بدعوته أناس كثيرون في الهند، ومصر، وأفغانستان والشام وغيرها، وتحمل الشيخ الكثير من الأذى، وظل يجاهد في نصرة دين الله بلسانه أولاً، ثم بسيفه لينصر الحق، ويبطل الباطل، وساعده أنصاره من آل سعود.
واستمر في جهاده أكثر من خمسين عامًا يدعو إلى دين الله، فكان له فضل كبير في عودة الناس إلى الالتزام بشرع الله، والبعد عن
الباطل، والعودة إلى الحق، فانتشر نور الله في الجزيرة العربية وما حولها وازدحمت المساجد بتدريس كلام الله والسنة المطهرة، حتى توفي الشيخ في عام 1206هـ، واستمر أبناؤه وأحفاده وتلاميذه وأنصاره في الدعوة والجهاد، وتحذير الناس من البدع والخرافات، وما تزال دعوته لها أنصارها ومؤيدوها في جزيرة العرب وما حولها
حتى اليوم.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

جمال الدين الأفغاني
(إنني كصقر محلق يرى فضاء هذا العالم الفسيح ضيقًا لطيرانه!! وإنني لأتعجب منكم، إذ تريدون أن تحبسوني في هذا القفص الصغير).
في قرية (أسعد آباد) إحدى القرى التابعة لكابل عاصمة (أفغانستان) حاليًا، ولد (محمد جمال الدين بن السيد صَفْدَر)
سنة 1254هـ/1838م، وينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعرف بجمال الدين الأفغاني نسبة إلى بلده (أفغانستان).
انتقل مع والده الذي كان يعمل مدرسًا في (كابل) وهو في الثامنة من عمره، فلفت أنظار من حوله بذكائه الشديد، مما جعل والده يحفزه إلى التعلم قائلاً له: (لقد آن لك أن تتعلم يا جمال).
وأسرع جمال الدين يتلقى العلم في منزله حتى بلغ سن
العاشرة، فحفظ القرآن الكريم، وعكف على دراسة اللغة
العربية، وظهر حبه الشديد للمناقشة في المسائل الدينية، وقرأ في اللغة والأدب والتاريخ والتصوف والشريعة، كما برزت هوايته للرحلات والأسفار.
وفي سنة 1264هـ/1848م ألحقه والده بمدرسة (قزوين) التي كان يعمل بها، ومكث بها عامين، وفي تلك الفترة ظهر اهتمامه الكبير بدراسة العلوم، فكان يصعد إلى سطح المنزل يتأمل النجوم ويحاول دراستها!! وعندما انتشر مرض الطاعون بقزوين، حاول دراسة أجساد الموتى، رغبة منه في الوصول إلى أسرار المرض وأسبابه، فخاف والده عليه، فانتقل به إلى طهران أوائل سنة 1266هـ/1849م.
وفي طهران سأل جمال الدين عن أكبر علمائها في ذلك الوقت، فقيل له: إنه (أقاسيد صادق) فتوجه مباشرة إلى مجلسه، فوجده جالسًا بين طلابه يقرأ كتابًا عربيًّا، ويشرح إحدى المسائل العلمية، ولاحظ جمال الدين أنه قد شرحها شرحًا موجزًا، فطلب منه أن يعيد شرحها بصورة أكثر تفصيلاً حتى يتفهمها الجميع، فتعجب الشيخ من جرأته وفضوله، ولكن جمال الدين أجابه بأن طلب العلم لا فضول فيه، ثم قرأ جمال الدين المسألة وفسرها، فتحرك الشيخ من مكانه، وأقبل عليه وضمه إلى صدره وقبله، ثم أرسل إلى والده يستدعيه، وأمره أن يشتري لجمال عباءة وعمامة، ثم قام الشيخ بلف العمامة ووضعها بيده فوق رأس جمال الدين تكريمًا له، واعتزازًا بعلمه.
ثم ترك جمال الدين طهران، وسافر مع والده إلى النجف بالعراق في نفس العام، ومكث فيها أربع سنوات درس فيها العلوم الإسلامية وغيرها، فدرس التفسير والحديث والفلسفة والمنطق وعلم الكلام وأصول الفقه والرياضة والطب والتشريح والنجوم .. وغير ذلك من العلوم.
وفي الثامنة عشرة من عمره، سافر إلى الهند، ومكث بها سنة وبضعة أشهر درس خلالها العلوم الرياضية، ثم سافر إلى مكة المكرمة
سنة 1273هـ/ 1857م، فأدى فريضة الحج، ثم عاد إلى بلده أفغانستان مرة أخرى، وعمل بالحكومة، وكان عمره حينئذ 27 عامًا ووصل إلى درجة كبير الوزراء في عهد الملك (محمد أعظم) الذي نال تأييد الأفغاني، ولكن الملك (محمد أعظم) خُلع، وتولى أخوه
(شير علي).
ونظر جمال الدين في أمر نفسه فوجد أن الأفضل له أن يغادر البلاد وبالفعل سافر إلى الهند، وكان ذلك سنة 1285هـ/1868م، وفي الهند استقبله الناس استقبالا حسنًا، لكن الحكومة الهندية خافت من وجوده، فطلبت منه ألا يقيم في الهند طويلاً، ولا يجتمع بالعلماء وأفراد الشعب، حتى لا يشعل نار الثورة، وأجبروه على ترك الهند وقبل أن يغادرها قال لأهلها: (يا أهل الهند، لو كنتم وأنتم مئات الملايين من الهنود وقد مسخكم الله فجعل كلا منكم
سلحفاة، وخضتم البحر، وأحطتم بجزيرة بريطانيا العظمي لجررتموها إلى القعر وعدتم إلى الهند أحرارًا) فلما انتهى من كلامه تساقطت دموع الحاضرين، فصاح فيهم بصوت عال صيحة قال فيها:
(اعلموا أن البكاء للنساء، لا حياة لقوم لا يستقبلون الموت في سبيل الاستقلال بثغر باسم).
وبعد إقامة لم تزد عن شهر واحد،توجه بعدها إلى مصر سنة 1869م فأقام فيها مدة قصيرة لا تزيد عن أربعين يومًا، تردد خلالها على الأزهر منارة العلم، وجاءه الكثيرون يطلبون علمه، واشتهر
(جمال الدين) وأصبحت له مكانة عالية بين العلماء جعلت السلطان العثماني (عبد العزيز) يدعوه إلى زيارة (الدولة العثمانية) فأجاب
جمال الدعوة، وسافر إلى (استنبول) فرحب به السلطان خير
ترحيب، وأكرمه رجال الدولة من العلماء والأدباء والأعيان.
ولم تمضِ ستة شهور حتى عينه السلطان عضوًا في مجلس
المعارف، لكن أعداءه شنعوا عليه، مما جعله يغادر البلاد متوجهًا إلى مصر مرة أخرى، وكان ذلك سنة 1286هـ/1871م، أي في زمن الخديوي إسماعيل، وفي مصر رأى ظلم الحكام وجورهم، ووجد نظام الحكم نظامًا استبداديًّا لا تنفذ فيه إلا إرادة الحاكم، كما وجد الخرافات منتشرة في أماكن كثيرة من أرض مصر، فتذكر العهد الذي أخذه على نفسه، فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام الصحيح، ويبصرهم بحقوقهم وواجباتهم، مبينًا لهم أن الشعب مصدر القوة، فقال لهم:
(هبوا من غفلتكم، اصحوا من سكرتكم، انفضوا عنكم الغباوة وشقوا صدور المستبدين لكم كما تشقون أرضكم بمحاريثكم، عيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء، وموتوا مأجورين شهداء).
وعندما وجد الفلاحين المصريين يُضربون بالكرباج، والضرائب تفرض عليهم بما لا يقدرون عليه قال: (أنت أيها الفلاح.. يامن تشق الأرض لتستنبت فيها ما تسد به الرمق.. لماذا لا تشق قلب ظالمك؟! لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك؟!).
وفي مصر، تآمر عليه أعداؤه من الإنجليز وبعض الجاحدين في الفكر فلم يتركوه يسير في طريق الإصلاح، فوشوا به عند الخديوي (توفيق) الذي أمر بنفيه إلى الهند، وبقي في الهند ثلاث سنوات، ثم تركها إلى أوربا، فزار لندن، ثم انتقل إلى باريس، ومن هناك استدعى تلميذه (محمد عبده) ليحضر إليه، فأصدرا معًا جريدة (العروة الوثقى) التي كانت تدعو المسلمين إلى الوحدة الإسلامية، حتى إنه قام بتأسيس جبهة إسلامية عالمية أطلق عليها (أم القرى) كما نشر
(جمال الدين الأفغاني) أفكاره السياسية التي كان يحارب فيها تدخل الدول الغربية في شئون الأمم الإسلامية.
وظل جمال الدين ينتقل في أوربا بين باريس ولندن، ويتصل بالعلماء والكتاب ورجال السياسية، إلى أن دعاه الشاه (ناصر الدين) إلى إيران فسافر إليها في 16 شعبان سنة 1303هـ (20 مايو سنة 1886م) واستقبله الشاه في حفاوة بالغة، وجعله مستشاره الخاص في إصلاح شئون بلاده، والتف حوله الإيرانيون لأنهم وجدوا لديه علمًا غزيرًا وإلمامًا بشئون السياسة والحياة والعلوم الحديثة، فبلغ مكانة عالية مما جعل الشاه خاف من التفاف الناس حوله، وأحس (جمال الدين) بذلك فاستأذنه في السفر، فغادر إيران إلى روسيا ومكث بها أربع سنوات، والتقي بالقيصر الذي لم يسترح للقاء هذا المصلح الذي يهاجم الأباطرة والملوك، فطلب من حاشيته إبعاده من روسيا.
ترك جمال الدين روسيا وأخذ يتجول في أوربا ، فزار باريس ثم توجه إلى (ميونيخ) حيث التقى بالشاه ناصر الدين الذي طلب منه العودة إلى إيران، فعاد برفقته في سنة 1305هـ/1889م ليواصل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولكن الشاه عاد فغضب عليه وطرده شر طردة.
وفي سنة 1308هـ/1892م ذهب (جمال الدين الأفغاني) إلى لندن مرة أخرى، وفي أثناء وجوده هناك أخذ يهاجم الشاه والاستبداد، فأرسل إليه السلطان (عبد الحميد) في الحضور إلى الأستانة، فقبل وسافر إليها حوالي سنة 1309هـ/1893م، فأكرمه السلطان، ثم ما لبث أن ساءت العلاقات بينهما بفعل الواشين.
لقد وهب جمال الدين الأفغاني نفسه وحياته في سبيل إيقاظ العالم الإسلامي، وتوحيد كلمة الإسلام والمسلمين، وإزالة الفوارق
بينهم، وكان أول مسلم شعر بخطر السيطرة الغربية المنتشرة في الشرق الإسلامي، وما سينزل ببلاد المسلمين من المصائب إذا استمروا خاضعين للدول الاستعمارية، فكان لا يمل من الكلام عما ينير
العقل، ويطهر العقيدة، ويبصر الناس بمالهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ومن أجل ذلك قال كلمته المشهورة: (الشرق .. الشرق.. لقد خصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه).
ومن مؤلفاته: (تتمة البيان في تاريخ الأفغان)، و(الرد على الدهريين) و(القضاء والقدر).. وغير ذلك، مرض جمال الدين وهو في الأستانة وظهر في فمه مرض السرطان ، فأُجرِيَت له عملية جراحية ، لكنها لم تنجح ، ثم ما لبث إلا أيامًا حتى فاضت روحه في صبيحة يوم الثلاثاء 9 من مارس سنة 1897م، وظل قبره هناك في تركيا إلى أن نُقِلَ رفاته إلى أفغانستان سنة 1944م.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

محمد إقبال
(يا ولدي كن برعمًا في غصن المصطفى، وكن وردة من نسيم
ربيعه، وخذ من خلقه الطيب بنصيب).
في (سيالكوت) تلك المدينة التي تقع بإقليم (البنجاب) بالهند، وُلِد (محمد إقبال) عام 1294هـ/1877م، وتفتحت عيناه على مناظر بلاده الجميلة، فالأنهار الجارية تنحدر بين التلال، والعشب الأخضر يملأ الأرض ويكسوها بهاء وجلالاً.
ينتمي محمد إقبال إلى أسرة هندوكية من البراهمة، وهي جماعة لها شأن كبير في الهند رغم أنها تعبد الأصنام وتقدس التماثيل، لكن أسرة
محمد إقبال تنازلت عن كل هذه العظمة، لتدخل في دين الإسلام الذي لا يفرق بين أبيض وأسود و أصفر أو أحمر إلا بالتقوى، وأصبح الجد الأكبر لمحمد إقبال واسمه (بنديت) فردًا عاديًا لا يدَّعي الألوهية كما يفعل البراهمة!! بعد أن هداه الله على يد أحد رجال الإسلام في (كشمير) وأنجبت الأسرة التي كانت بالأمس القريب تعبد الأصنام وتحتقر الآخرين (محمد إقبال) فيلسوف الإسلام الكبير
وشاعره، وفضلت الإسلام مع الفقر على عبادة الأصنام مع الغني والعظمة.
ونشأ إقبال في بيت طاهر لأبويين تقيين؛ فكانت أمه نموذجًا رائعًا للتقوى والورع والالتزام بتعاليم الإسلام، أما والده(محمد نور إقبال) فكان صوفيًّا زاهدًا، تدمع عيناه خوفًا كلما ذكرت الجنة
والنار، وكلما سمع عن يوم الحساب، والناس كلهم وقوف أمام الله عز وجل ليحاسبوا عما قدموه في حياتهم الدنيا من خير أو شر.
وكان هذا الوالد التقي هو المعلم الأول لمحمد إقبال، فقد حثَّه على قراءة القرآن وحفظه وتدبره منذ صغره، وكان يقول له كلما رآه يكثر من قراءة القرآن: إن أردت أن تفقه القرآن فاقرأه كأنه أنزل عليك، فأخذ إقبال منذ ذلك الحين يتدبر آيات القرآن الكريم، ويتفهم معانيه ويغوص في بحار علومه؛ حتى انطبع نور القرآن في قلبه، وفاض على لسانه، وأصبح دليله ومرشده في جميع خطوات حياته.
وقد ربَّي محمد نور الدين إقبال ولده (محمدًا) تربية إسلامية سليمة تعتمد على الكتاب والسنة والقدوة الحسنة، فكان يوقظ طفله الصغير ليصلى صلاة الفجر كل يوم، وكان يرشده دائمًا لعمل الخير والابتعاد عن الشر.. حكى إقبال في كتاباته قصة جليلة عن والده تكشف عن عمق إيمان الأب وعن أسلوب التربية الإسلامية الحقَّة، قال:
(جاء سائل، فطرق بابنا بعنف، فضربته بعصا على رأسه، فتناثر ما جمعه، فتألم والدي وسال الدمع من عينيه وقال: (يا بني غدًا تجتمع أمة خير البشر أمام مولاها، ويحشر أهل الملة البيضاء حكماؤها والشهداء والعلماء والعصاة ويأتي هذا السائل المسكين صائحًا شاكيًا، فماذا أقول إذا قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله أودعك شابًا مسلمًا، فلم تؤدبه بأدبي، بل لم تستطع أن تجعله إنسانًا، فانظر يا ولدي عتاب النبي الكريم ومقامي في خجلي بين الخوف
والرجاء، أتفضح أباك أمام مولاه؟! يا ولدي كن برعمًا في غصن المصطفى، وكن وردة من نسيم ربيعه، وخذ من خلقه الطيب بنصيب).
بدأ إقبال التعليم في طفولته على يد والده، ثم أدخل كُتَّابًا ليتعلم القرآن، وانتقل إلى مدرسة (سيالكوت) ولما أتم دراسته الثانوية التحق بكليتها، فدرس اللغة الفارسية والعربية على يد أستاذه (مير حسن) ولفت الأنظار إليه بذكائه الشديد، وأخلاقه الكريمة؛ فاحترمه
الجميع؛ زملاؤه وأساتذته، وحصل على الكثير من الجوائز، ونال فرصة الدراسة مجانًا، وتخرج من الكلية عام 1897م.
وفي هذه الفترة ازداد تفكير محمد إقبال، وشعر بالألم والحسرة، فهو ينظر إلى المسلمين، فيراهم مستسلمين لأعدائهم، فتسيل الدموع من عينيه، وينشد قائلاً:
مسلمًا إن ترد حياة فيهـا
ما بغير القرآن تأتي الحياة
وفتحت كلية الحكومة في (لاهور) ذراعيها للشاب الذكي فتفوق على زملائه، وحصل على ميداليتين ذهبيتين، ثم حصل على درجة الماجستير في الآداب والفلسفة، ومن فوق منبر جمعية حماية الإسلام أخذ محمد إقبال يردد قصائده ويلقيها على السامعين، حتى اشتهر وأصبح معروفًا بين الناس، وظل يدافع عن الإسلام
والمسلمين، ويدعوهم إلى الكفاح والجهاد في سبيل الله، حتى تمَّ اختياره سكرتيرًا لجمعية حماية الإسلام.
والتقى (محمد إقبال) في كلية الحكومة بـ(لاهور) بأستاذه المستشرق (توماس أرنولد) وهو من كبار علماء الغرب الذين درسوا الإسلام عامة والتصوف خاصة، فكان يرشده ويعينه في الدراسة، وكان توماس يفخر بذكاء تلميذه، ويعتز بصداقته.
وبعد أن أنهى (محمد إقبال) دراسته الجامعية بـ(لاهور) عُيِّن أستاذًا للتاريخ والفلسفة والسياسة المدنية بالكلية الشرقية بـ(لاهور) ثم أستاذًا للفلسفة واللغة الإنجليزية في الكلية الحكومية التي تخرج
فيها، لكنه كان طموحًا يريد مزيدًا من العلم، ويتمنى أن يرى البلاد الأوربية ومضارتها؛ فسافر إلى أوروبا سنة 1323هـ/1905م حيث نال درجة في الفلسفة من جامعة (كمبردج) ودرجة في القانون من كلية لندن للعلوم السياسية، وعمل أستاذًا للغة العربية في جامعة
لندن، كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة (ميونيخ) بألمانيا، وعاد مرة أخرى إلى لندن، فلم يضيع وقته في العبث واللهو، بل نال شهادة المحاماة من جامعة لندن.
وهناك في بلاد الغرب كان محمد إقبال يدعو إلى دين الإسلام، ويدافع عنه دفاعًا صادقًا من خلال المقالات التي كان ينشرها والقصائد الشعرية التي كان يبدعها، وكان دائمًا يفخر بالإسلام الذي حرر الرءوس، وطهر النفوس، وأصلح الأرض وحصن العرض، ولم يعجبه الفسق والكفر الذي يعيش فيه الأوربيون، وقال لهم محذرًا: (يا أهل الغرب إن أرض الله ليست دار تجارة، ولسوف تنتحر حضارتكم بخنجرها؛ لأنها كالعش الذي بني على غصن ضعيف لا قوة له).
رجع إقبال إلى لاهور عام 1908م بعد رحلة استغرقت ثلاث سنوات، وبدأ العمل بالمحاماة، يدافع عن المظلومين، وعرف عنه في أثناء عمله بها أنه لا يقبل إلا قضايا الحق، كما عرف عنه أيضًا اقتداره في مهنته، وكان مؤهَّلا لبلوغ أعلى الدرجات فيها، لكنه ترك المحاماة وعمل أستاذًا للفلسفة واللغة الإنجليزية في الكلية الإسلامية في (لاهور) ثم استقال من منصب الأستاذية، واشتغل بالسياسة، فانتخب عام 1926م في الجمعية التشريعية في (بنجاب) وعمل في حزب الرابطة الإسلامية، ورأس المؤتمر السنوي لها في (إله آباد)
سنة 1930م، واشترك إقبال في مؤتمر المائدة المستديرة
عام 1931م،1932م في لندن للنظر في وضع دستور للهند.
وقد كان إقبال يحلم بإنشاء دولة إسلامية لمسلمي الهند، وسخر منه الناس حينئذ، ولكن تحققت فكرته بقيام دولة باكستان الإسلامية، زار (إقبال) كثيرًا من الدول الإسلامية، فزار مصر، وأفغانستان كما زار قرطبة، وصلى في مسجد قرطبة الشهير، وظل طيلة حياته المجيدة يدافع عن الإسلام والمسلمين في المحافل الدولية والمؤتمرات الإسلامية والكتب والأشعار التي أبدعها، ويحاول قدر طاقته إيقاظ المسلمين من
غفلتهم، ومساعدة الأمة الإسلامية على النهوض، وكان إقبال دائمًا يعطف على الفقراء والمساكين، يجلس معهم، ويهتم
بأمرهم، ويخالطهم في الطعام والشراب.
كما كان يدعو المسلمين إلى المشاركة في حركة الحضارة
والتقدم، وينبذ الفكر الذي يكتفي من الدين بالعلاقة بين العبد وربه في صورة العبادات، وكان له موقف أصيل من التصوف، يقوم على رفض التصوف الذي يخالف الكتاب والسنة ويتأثر بفلسفات
وثنية، كما رفض التصوف الذي يجعل من المسلم سلبيًّا لا يشارك في خدمة مجتمعه، ومقاومة الظلم والدفاع عن المسلمين وكان يسمى هذا اللون من التصوف بالتصوف الأعجمي.
وكان (إقبال) يدعو المسلمين إلى التمسك بدينهم، ثم بالعلم الذي هو السبب في تقدم الأمم، وبذل جهودًا كبيرة في الدعوة إلى وحدة المسلمين تحت راية الجامعة الإسلامية التي تضم المسلمين جميعًا مع اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم.
ولم يترك إقبال فرصة إلا نصح فيها إخوانه من المسلمين، فيخاطب المسلم ويقول له: (اقرأ مرة أخرى في سيرتك الأولى، اقرأ دروس الصدق والعدل والشجاعة، لأنك أنت المنشود؛ لتسود العالم مرة ثانية، أنت تملك العالم بالأخوة وتحكمه بالمحبة، ما الذي محا استبداد (قيصر) وشدة (كسرى)؟! أكانت هناك قوة في العالم تحارب الجبابرة سوى قوة (علي) كرم الله وجهه، وفقر (أبي ذر) وصدق (سليمان) رضي الله عنهم؟!)
وأبدع إقبال العديد من الدواوين الشعرية الرائعة منها:
(صلصلة الجرس) ونشر عام 1924م، ويحتوي على حوالي ستين قصيدة وقطعة نظمها في بداية شبابه حتى سفره إلى أوربا، بالإضافة إلى ثلاثين قصيدة نظمها في أوربا، وأهم قصائد هذا الديوان قصيدته الشهيرة: (طلوع الإسلام).
* (رسالة المشرق) : وهي رد على ديوان الشاعر الألماني (جوته).
* (زبور العجم): وهو ديوان من أروع ما كتب إقبال، وأهم قصائده: (حديقة السر الجديدة) وهي قصيدة في الحب الإلهي.
* (ما ينبغي أن نعمل يا أمم الشرق) وهي منظومات تدعو المسلمين إلى الاتحاد لمقاومة الاستعمار الأجنبي.
* (هدية الحجاز) وهو ديوان أغلبه يدور حول موضوعات هامة
مثل: الحديث عن الله وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن الأمة وعن العلم الإنساني، وعن رفاق الطريق إلى الله، وأهم قصائد الديوان قصيدة تدور حول إبليس ومعاونيه.
ومن أهم مؤلفاته: (تطور الفكر الفلسفي في إيران) و(تجديد التفكير الديني في الإسلام) ومن شعره المترجم إلى العربية:
ملكنا هذه الدنيــا قرونــــا وأخضعها جدود خالدونـا
وسطرنا صحائف من ضياء فما نسى الزمان ولا نسينـا
وأجاد محمد إقبال الكثير من اللغات كـالأوردية، والفارسية والإنجليزية، والألمانية، وكان يعرف العربية، وتحمل كل هذا العناء لكي يزيل عن أمته ظلام الجهل والتأخر.
وبعد رحلة مريرة بما فيها من مصاعب، مباركة بخدمتها
المسلمين، تكالبت أمراض كثيرة على الشاعر الفيلسوف، فقد ضعف بصره، وأصابته آلام، وأزمات كثيرة نتيجة حصوات تكونت في الكلى، لكن المرض لم يقعده عن كتابة الشعر، وفي إبريل
سنة 1938م رحل(إقبال) وفاضت روحه التي أجهدها العناء الطويل في سبيل هداية البشر، وعلت شفتيه البسمة الهادئة فرحًا
بلقاء ربه.
وذاع خبر موت (إقبال)، ففجع الناس فيه، وصعقهم النبأ، وهزمهم الأسى، وعمهم الحزن، وكان يومًا عصبيًا في حياة جماهير الهند
عامة، والجماهير المسلمة خاصة، ونعاه قادة الهند وأدباؤها من المسلمين والهندوس على السواء.. رحم الله الفيلسوف الشاعر الذي أحدث برحيله فراغًا كبيرًا في عالمنا الإسلامي،رحم الله إقبال
القائل:
وَمَا فَتِـئ الزَّمَــانُ يَدُورُ حَتَّى
مَضَـي بِالمجْـدِ قَـوْمٌ آَخَـرُونـَا
وَأَصْبَـحَ لا يـُرَى فِي الـرَّكْبِ قَوْمِــي
وَقَــدَ عَاشُوا أَئِمَّتَـهُ سِنيِنَـــا
وَآلمنـِي وَآلَـمَ كُـلَّ حُـرِّ
سُـؤَالُ الـدَّهْـرِ أَيْـنَ المسْلِمـُـونَا
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

حسن البنا
في قرية (المحمودية) بمحافظة البحيرة بمصر وُلِد (حسن البنا) في
شعبان 1323هـ/ أكتوبر 1906م، كان والده الشيخ أحمد
عبد الرحمن البنا إمامًا لمسجد القرية، عرف بين أهل قريته بحب الخير والسعي للصلح بين الناس.
دخل حسن البنا الكتاب في الثامنة من عمره، فحفظ نصف القرآن الكريم، كما تعلم القراءة والكتابة على يد معلمه الشيخ
(محمد زهران) ثم التحق بالمدرسة الإعدادية، وقسم وقته اليومي بين حفظ القرآن الكريم وعلوم المدرسة، وانشغل الطفل الصغير بالتفكير في ملكوت الله -سبحانه وتعالى- واسترجع بذاكرته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين الأوائل، وعزم بينه وبين نفسه وهو في هذه السن أن يكون مثلهم يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر.
وبدأ يدرك أن عليه واجبًا نحو زملائه، فأخذ يعلمهم ما لا يعلمون من أمور دينهم، ولأن حسن البنا كان يعلم أن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، فقد كان يدعو زملاءه للصلاة في المسجد، واختاره التلاميذ للإمامة.
كون حسن البنا مع زملائه الذين كانوا يشتركون معه في الصلاة جمعية سماها جمعية محاربة المنكرات مهمتها الدعوة إلى الله من أجل التعاون والترابط وفعل الخيرات، ومحاربة البدع والخرافات، فكانوا يرسلون خطابات للمخطئين لنصحهم وإرشادهم بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يعودوا إلى الطريق الصحيح، ظل حسن البنا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويذكر تلاميذ مدرسته بمبادئ الإسلام وتعاليمه إلى أن أنهى دراسته في هذه المدرسة، والتحق بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور، حيث واصل دعوته إلى التمسك بالإسلام، فكان يوضح لزملائه في المدرسة فضل الصلاة المفروضة، ويدير حلقة لقراءة القرآن الكريم قبل دخول التلاميذ لفصولهم، ولم يمنعه ذلك من الاهتمام بدروسه بل كان متفوقًا في دراسته.
ثم التحق حسن البنا سنة 1923م بكلية دار العلوم بعد أن حصل في السنة النهائية من مدرسة المعلمين على المركز الأول، فكان ترتيبه الخامس بين جميع طلاب مصر، وعندما دخل دار العلوم، وتقدم لامتحانها كان يحفظ 18 ألف (ثمانية عشر ألف) بيت من
الشعر، وكثيرًا من النثر، وقد أعجب حسن البنا بالدراسة في
دار العلوم وأساتذتها، وأخذ يذاكر بجد ونشاط ويجتهد في
دراسته، فكان الأول فيها.
وبعد إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924م انتشرت أخلاق تخالف تعاليم الإسلام وأصبح الدين من وجهة نظر البعض علامة على الجهل والتأخر والبعد عن الحضارة، وخلع الكثير من نساء مصر
الحجاب، فعمل حسن البنا على تكوين جماعة من الدعاة المتحمسين الراغبين في الإصلاح من طلبة دار العلوم والأزهر، وخرجوا إلى الناس في المساجد والمقاهي يخاطبونهم بأسلوب بسيـط، ويرشدونهم إلى التمسك بدينهم واتباع سنــة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في عام 1927م عين مدرسًا بمدارس الإسماعيلية للبنين، فلم يتوقف عن دعوته، واختار أن يتوجه بالدعوة للناس في المقاهي التي تزدحم بهم فكان يصور لهم الحياة الإسلامية على أنَّها بناء يقوم على أربعة
عمد؛ الحكومة، والأمة، والأسرة، والفرد.
وتأثر بدعوته الكثيرون، وأسس البنا جمعية (الإخوان المسلمون) في الإسماعيلية، ثم انتقل حسن البنا ليعمل مدرسًا في القاهرة، وأخذ يدعو المسلمين إلى العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، ثم عظم أمر (الإخوان المسلمون) وبلغ عددهم في ذلك الوقت أكثر من نصف مليون فرد، فأعلنت السلطات حل جماعة الإخوان المسلمين في أوائل ديسمبر سنة 1948م، واعتقلوا عددًا كبيرًا من أفرادها، وتعرض بعد ذلك البنا لحادث اغتيال سنة 1949م.
ومن آثاره:
1- مذكرات الدعوة والداعية.
2- أحاديث الثلاثاء.
3- مجموعة الرسائل.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

جابر بن حيان
درس الأوربيون كتبه، واستفادوا من تجاربه، وبنوا حضارتهم على جهده العلمي الوافر هو وغيره من العلماء المسلمين.. عاش (حيان) في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وتنقل في بلاد الله، وعندما وصل إلى بلدة (طوس) ببلاد العجم رزقه الله بمولود سماه (جابرًا) ولما مات حيان أصبح جابر يتيم الأب، لكنَّ أقاربه أخذوه وتولوا تربيته وتعليمه، فدرس الرياضيات، ثم رحل (جابر) إلى الكوفة، فتلقى دروس الكيمياء على يد الإمام (جعفر الصادق) ورحب العباسيون بجابر وأكرموه؛ فوالده (حيان) قد ضحى بحياته من أجل قيام دولتهم، فأرادوا أن يجازوه على حسن صنيع أبيه معهم، فظل جابر في بغداد مقر الخلافة حتى أصبحت له مكانة كبيرة ومنزلة عظيمة في قصر الخليفة، وفي عهد الخليفة هارون الرشيد، كان جابر بن حيان على علاقة قوية بالبرامكة وعندما نكبهم الخليفة رحل جابر إلى الكوفة خوفًا
على حياته.
درس جابر بن حيان علومًا كثيرة، منها: علوم الكيمياء، والتاريخ الطبيعي، والطب والفلسفة، وكان ماهرًا في كل هذه العلوم، لكنه مال إلى الكيمياء وأتقنها، حتى أنشأ معملا خاصًّا به؛ يقيم فيه تجاربه على المعادن، ويتعرف على خصائصها عن طريق التجربة والمشاهدة الدقيقة، ويكرر تجاربه أكثر من مرة حتى يصل إلى جوهر الحقيقة لذلك كان يتخير الوقت والظرف المناسب حتى يتفرغ لإجراء تجاربه العديدة في هدوء، كما أنه كان شديد الملاحظة، صادق التأمل.
ذات مرة جاء بحجر من المغناطيس، فوجد أن المغناطيس يمكن أن يجذب كتلة من الحديد تزن مائة درهم، وبعد مدة من الزمن أراد أن يختبر حجر المغناطيس، فقربه من قطعة أخرى من الحديد فلم يجذبها، فظن أن القطعة الثانية أثقل من الأولى، فوزنها فوجدها أقل من ثمانين درهمًا، فاستنتج بذلك أن قوة المغناطيس تضعف
بمرور الزمن، وقد سبق جابر بن حيان عصره، فقد كان خبيرًا بالعمليات الكيميائية كالإذابة والتقطير والاختزال، وتمكن من تحضير مجموعة كبيرة من المواد
الكيميائية، وشرحها في كتبه بأسلوب سهل، يستطيع الإنسان أن يجربها بنفسه إذا أراد، وتوصل (جابر بن حيان) إلى اكتشاف العديد من طرق تنقية المعادن، ودبغ الجلود، كما تمكن من صنع ورق غير قابل للاحتراق، وتوصل أيضًا إلى نوع من الطلاء يمنع الحديد من الصدأ، كما استطاع أن يتعرف قبل غيره من علماء أوروبا على فوائد المواد المعدنية والحيوانية والنباتية في بعض الأمراض.. وغيرها من الاكتشافات التي لازالت موضع إعجاب العالم كله، وقد اعترف علماء الغرب بفضل هذا العالم الكبير، وتمثل إعجابهم في ترجمة كتبه إلى لغتهم، فلا تخلو أية مكتبة شهيرة في أوروبا مثلا من مؤلفاته، ويوجد في مكتبة باريس أكثر من 50 كتابًا له وبعض هذه الكتب يبلغ ألف صفحة.
وقد عرف جابر أهمية التجربة في العلم، ووضعها جزءًا هامًّا من المنهج العلمي، فكان ينصح تلاميذه قائلاً: (وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب؛ لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان، فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة) وقال ناصحًا أحد تلاميذه: (إياك أن تجرب أو تعمل حتى تعلم).
وتظهر عظمة جابر بن حيان في استخدامه المنهج العلمي الدقيق والذي يتلخص في تحديد الهدف من التجربة العلمية، وتجنب المستحيل والذي لا فائدة منه، واختيار الوقت المناسب لإجراء التجربة، والتحلي بالصبر والمثابرة، والصمت والتحفظ، وعدم الاغترار بالظواهر حتى لا يؤدي ذلك إلى نتائج خاطئة، وهو بهذا قد سبق الغرب إلى معرفة المنهج العلمي، وإن ادعوا أنهم أصحابه.
ومؤلفات جابر بن حيان في الكيمياء كثيرة ومتنوعة أشهرها: (الإيضاح) وهو مدخل لفهم كثير من أصول الكيمياء عنده و(الخواص الكبير) و(الأحجار) و(السر المكنون) و(الموازين) وعاش جابر بن حيان ينتقل بين تجاربه وبحوثه، ومن نجاح إلى نجاح إلى أن لقى ربه بعد أن ترك بين أيدينا تراثًا علميًّا لا يزال موضع فخر المسلمين، وتوفي رحمه الله سنة 200هـ/ 815م.
 
رد: أعلام المسلمين سيرة وبطولات و ابداعات رجال خدموا الاسلا

ابن سينا
في بلاد ما وراء النهر، في (أفشنة) تلك القرية من بخارى الواقعة في جمهورية أوزبكستان حاليا، ولد (أبو علي حسين بن عبدالله بن علي بن سينا)
سنة 370هـ/ 980م، فاعتنى والده بتربيته وتعليمه، واهتم به اهتمامًا بالغًا، وكان الأبُ سعيدًا بولده غاية السعادة، فقد حفظ ابن سينا القرآن وسنَّه لم تتجاوز العاشرة، وأتم دراسة الفقه والحديث، كما درس العلوم المختلفة مثل
الرياضيات، والفلك والطبيعة، والفلسفة والمنطق.
كان ابن سينا يصحب والده إلى قصر الأمير نوح بن منصور الساماني حيث يدور الحوار والنقاش في السياسة والدين واللغة، وهو يستمع بشغف إلى العلماء، حتى يتوقف الحديث عند منتصف الليل، وكانت بخارى مدينة عامرة بالقصور والمساجد والمكتبات، فكان العلماء يأتون إليها ضيوفًا في قصر الأمير نوح أو عند عبد الله والد ابن سينا، فكان الصبي يستغل هذه الفرصة ويذهب إلى العلماء يتعلم على
أيديهم، وينهل من علمهم.
وأخذ ابن سينا يقرأ ويطالع في فروع العلم المختلفة، لكنه شعر بميل شديد إلى علوم الطب؛ فكان يعتمد على نفسه في دراسته تارة، أو يذهب إلى أبي سهل المسيحي وأبي منصور الحسن بن نوح؛ طبيبي الأمير نوح، يسألهما فيما غمض عليه من المسائل الطبية، انقضت أربع سنوات تفرغ خلالها ابن سينا لدراسة الطب، وفي تلك الأيام انتشرت الأمراض بين الناس في مدينة بخارى واشتد فتكها بالفقراء، ولما كان الأطباء في بخارى قليلي العدد؛ فكانوا يبالغون في أجورهم، لكن ابن سينا كان يبذل جهده في علاج الفقراء في المساجد والمنازل، فاشتهر بين أهل بخارى لرحمته وفضله، وأصبح مصدرًا للدهشة والإعجاب بين أصدقائه وبني قومه، وأقبل عليه الأطباء ليستفيدوا من علمه الغزير، ويتعلموا منه أشياء جديدة في الطب لم يعرفوها ولم يدرسوها من
قبل وسنه حينذاك لم تتجاوز السادسة عشرة.
وذاعت شهرة ابن سينا أكثر، عندما مرض الأمير نوح بن منصور ويئس طبيباه من علاجه، فاستدعيا ابن سينا ولم يجدا مفرًّا من استشارته، فجاء الطبيب الصغير إلى مجلس الأمير وقد تغير لون وجهه من الخجل، وقال لأستاذيه: كيف أعالج أميرًا أنتما طبيباه وكلاكما لي أستاذ؟! فقالا له: يا أبا علي، لقد صرت من الطب في مكانة رفيعة ونحن نعرف تواضعك، فذهب وفحص نوحًا، واستطاع أن يصف العلاج الصحيح الذي جعله الله سببًا في شفاء الأمير، فقربه الأمير من مجلسه، وأذن له بالاطلاع على دار كتبه.
ثم خرج ابن سينا من بخارى إلى مدينة الجرجانية بعد أن فقد أباه والأمير نوحًا، وفي الجرجانية ألف كتبًا عدة؛ منها: (الأرصاد الكلية في الفلك، والحكمة العروضية)
وبدأ في تأليف كتابه الشهير في الطب: (القانون)، ولم يكد ينتهي من الجزء الأول حتى اضطر إلى الخروج إلى (همدان) حيث قربه الأمير (شمس الدولة)؛ فأعطاه قصرًا وألح عليه ليكون كبيرًا لوزرائه، لكن (ابن سينا) لم ينشغل عن العلم لحظة، فكان ينظم ساعات يومه؛ في النهار يشغل نفسه بأمور الدولة، وفي الليل يكتب ويؤلف ويقرأ الكتب.
وكان ابن سينا دائمًا شارد الذهن، طويل التفكير، قلقًا مضطربًا، لانشغاله بقضية صعبة من القضايا الفلسفية أو العلمية التي تحير العقل وتشتت الذهن، طويل التفكير وكلما حدث له هذا، توضأ وخرج إلى المسجد؛ فيقضي نهاره في صلاة وعبادة وتضرع إلى الله، ثم يعود إلى داره بعد صلاة العشاء، فيشعل مصباحه ويراجع كتبه ويظل طوال الليل يفكر في الموضوع الذي يحيره، ومن شدة حرصه على إيجاد حل له كان يقرأ حتى يغلبه النوم.
ومما يدل على شدة حرصه على العلم ما حكاه عن نفسه من أنه قرأ كتابًا للفارابي فلم يفهمه، وذات يوم وهو في السوق عرض عليه أحد البائعين كتابًا، فلم يلتفت إليه، فلما ألح البائع عليه، وعرضه بثمن رخيص اشتراه؛ فإذا به شرح لكتاب الفارابي، فأسرع ابن سينا إلى داره، وأخذ يقرأ الشرح، حتى فهم كل ما فيه، وقال في ذلك: وفرحت بذلك وتصدقت في ثاني يوم بشيء كثير على الفقراء شكرًا لله تعالى.
لقد كانت حياة ابن سينا حافلة بالنشاط والعمل، حتى إنه ترك لنا الكثير من المؤلفات في الرياضيات والمنطق والطبيعة والإلهيات والفلك والطب والصيدلة والأخلاق والسياسة وغير ذلك من علوم كثيرة، ويعتبر كتابه (الشفاء) من أعظم الكتب في تاريخ الفلسفة؛ فقد درسها ابن سينا دراسة عميقة، وقرأ الكثير من كتب الفلاسفة القدماء من العرب والعجم، أما كتابه (القانون في الطب) فيعتبر من أعظم مؤلفاته على الإطلاق، وقد تناول فيه علم وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض ومعالجتها
وعلم الأدوية، كما بين فيه أخطاء الأطباء السابقين عليه من يونان
وهنود.. وغيرهم.
وقد درس الأوربيون كتاب ابن سينا، وطوروا الطب من خلاله، ولشدة اهتمامهم بهذا الكتاب طبعوا منه ست عشرة طبعة في القرن الخامس عشر، ثم طبعوا منه عشرين طبعة في القرن السادس عشر، ثم تسعًا وثلاثين طبعة في النصف الأول من القرن السابع عشر، في الوقت الذي لم يطبعوا فيه من كتب (جالينوس) الطبيب اليوناني غير طبعة واحدة.
وبفضل جهود ابن سينا في مجال الطب، تقدمت تلك المهنة بسرعة كبيرة، وظهرت أجيال أخري من عباقرة الطب الإسلامي الذين طوروا الكثير من الأجهزة العلمية واكتشفوا الكثير من الأمراض مع بيان طرق علاجها والوقاية منها، ولابن سينا العديد من الاكتشافات، فقد اكتشف الديدان المعوية والدود المستدير (وهي ما نسميه الآن الإنكلستوما) وكان أول من نبه إلى أثر حالة المريض النفسية على جهازه الهضمي، وقرحة المعدة، والدورة الدموية وسرعة النبض، كما استطاع ابن سينا أن يصنف بدقة الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان، كذلك سمى كل عضلة وعرق وعصب باسمه المشهور به، وابتكر عملية التخدير التي يجب أن تتم قبل إجراء أية عملية جراحية.
ولم يقتصر اهتمام ابن سينا على الطب، لكنه اهتم بعلم المنطق الذي ينظم تفكير الإنسان، وكتب في علمي النبات والحيوان، وكتب أيضًا في علم الكيمياء، كما كانت له دراسات في علم الفلك؛ فقد قرر حركة دوران الأرض وانجذابها إلى مركز العالم، كما تحدث عن سرعة الضوء والصوت، ولم يقف اهتمام ابن سينا على هذا الكم من العلوم، فقد اهتم أيضًا بدراسة النفس الإنسانية، وكانت أقواله في علم النفس ذات شأن كبير في العالم الإسلامي والأوربي، وقد استفاد من كتبه النفسيَّة كل من اطلع عليها في الشرق والغرب، وشهد أهل زمانه من العلماء والمفكرين بعلمه وفضله؛ حتى لقبوه بالشيخ الرئيس، ولقبه علماء الغرب (أبو الطب).
وفي(همدان) مرض ابن سينا واشتد عليه المرض، فاشتاق للقاء ربه وتصدق
بكل ماله، ولفظ أنفاسه الأخيرة في يوم الجمعة الأولى من رمضان
سنة 428هـ/1037م.
 

اعضاء يشاهدون الموضوع (المجموع: 0, الاعضاء: 0, زوار: 0)

من قرأ الموضوع (مجموع الاعضاء: 1)

اعضاء قاموا بالرد في الموضوع (مجموع الاعضاء: 3)

عودة
أعلى