الاحصائيات المتقدمة

تقليص

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

" تــعــرف عــلــى ســيــبــويــه "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حجم الخط
    #1

    " تــعــرف عــلــى ســيــبــويــه "

    سيبويه.. كتابه ومناظراته

    *منذر الخفاجي
    لو علم المؤرخون ان هذا الشاب الفارسي الذي ترك قريته ونزل في البصرة ما سيكون له من الشان العظيم لتحدّثوا عنه وفصّلوا في اخباره تفصيلاً دقيقاً، فأيّ مؤرخ يهتم لشاب مغمور لم يكن من أسرة عريقة ولم يشتهر بحسب ونسب؟ فهم ـ المؤرخين ـ كانوا منشغلين بتدوين حياة الذين جلسوا على كرسي الخلافة ـ بحق او بغير حق ـ وحياة ابنائهم وذويهم وقوادهم وتفصيل حوادثهم وجلساتهم وسمرهم ولهوهم بصورة دقيقة فانها ـ بنظرهم ـ اولى من الانتباه الى اخبار من افنوا حياتهم في العلم لينيروا طريق الاجيال، فكل ما يستطيع المتتبع لأخبار هؤلاء العلماء من المؤرخين المعاصرين من استخلاص لبحثه هو الاستنتاج والافتراض ما عدا بعض الاخبار التي يكون لها دوي في عصرهم وسنستعرض للقارئ كل ما عثرنا عليه من اخبار سيبويه في بطون الكتب رغم انها لا تتعدى اخباراً قليلة تتحدث عن نشأته وصباه.
    *نشأته*
    ولد عمر بن عثمان بن قنبر في فارس قرب شيراز في القرية البيضاء وهي مدينة مشهورة كان اسمها قديماً (دراسفيد) فعربت بالمعنى وسميت بالبيضاء لأن لها قلعة تبين من بعد ويرى بياضها؛ وقد اختلف المؤرخون في سنة ولادته وكل ما ذكره انه ولد في اوائل الدولة العباسية وخلاصة استنتاجهم في تحديد عام ولادته هو 135هـ ولم يذكروا اي شيء واضح عن نشأته او اخبار تخصّ طفولته سوى انه ولد في (البيضاء) وانتقل الى البصرة ولسنا ندري في اي سن كانت هذه الرحلة؟ ومن كان معه من اهله وذويه؟
    أما لقبه (سيبويه) فقد ذكرت بعض التراجم ان امه هي التي لقبته عندما كانت تلاعبه وهو صغير وتطلق عليه اسم (سيبويه) وقيل انه اسم فارسي معناه: (رائحة التفاح) وقد اختلف في هذا المعنى فقيل: لان وجنتيه كانتا كالتفاحتين وكان في غاية الجمال وقيل: كان يعتاد شم التفاح وقيل: سُمي بذلك لنظافته ويرى (هارت) (ان هذه الصيغة قد يكون مدلولها التصغير في اللغة الفارسية ويكون معناها (التفاحة الصغيرة))، وهناك اقوال اخرى تركناها خوف الاطالة لا تخرج من حيز الافتراض والظنون واشارت بعض كتب التراجم الى ان سيبويه كان له اخ ولكنها لم تشر الى اسم اخيه ولا شيء من اخباره سوى انه كانت تربطه به روابط الحب والمودة وكان كظله يرافقه حيثما حل وارتحل ولعله لم يكن لسيبويه غيره فقد ذكر المؤرخون (انه لما اعتل وضع رأسه في حجر أخيه والذي انحنى عليه فبكى لما رأى ما به، فانحدرت من عينه دمعة حرى على وجه سيبويه الذي فتح عينيه وقال:
    أُخييَّن كنا فرّق الدهرُ بيننا الى الامد الاقصى ومن يأمن الدهرا
    وذكر المؤرخون انه تزوج بجارية حمقاء وهو في بداية عمل كتابه وتصنيف اوائل أبوابه فكان منشغلاً عنها في التفكير والكتابة فترّصدت خروجه الى السوق في بعض حوائجه وأخذت جذوة نار فطرحتها على الكتب فاحترقت ولما رجع سيبويه ونظر الى كتبه وهي هباء أغمي عليه أسفاً ولما افاق طلقها وعاد الى تصنيفه من جديد وقيل: ذهب منه علم كثير اخذه عن الخليل فيما أُحرق له.
    *علميته*
    هذا كل ما ذكره المؤرخون عن حياة سيبويه الاجتماعية واسرته، ولكن هناك جانباً آخر في حياته اهم من هذا الجانب الا وهو الجانب العلمي؛ فقد كان سيبويه فارسي الاصل، مسلم العقيدة عربي النشأة والثقافة تشرف هو وابوه وامه وجده بالاسلام واستظلوا بظلّه وكان غلاماً ذكياً جميلاً وهو مولى بني الحارث بن كعب وتكنّى بأبي بشر، قدم الى البصرة وهو شاب يافع وكانت البصرة اول بيئة للدراسات النحوية بل كانت مركزها، وكانت هذه الدراسات تنقسم قسمين: دينية وادبية فالدينية كالقراءات والتفسير والحديث والفقه، اما الادبية فالنحو والصرف ورواية الاخبار والاشعار وغيرها وكانت الدراسة حرة غير مقيدة بتنظيم كالذي نراه في العهود المتأخرة فالعلماء كانوا يعقدون حلقات درسهم في المساجد وكان الطلاب يختلفون الى الحلقات يدرسون ما يحبون من غير تخصص او توجيه ثابت، فكان احدهم يدرس جميع العلوم ولا يترك علماً إلا درسه وظهر فيه وقد يدرس العلوم كلها ولكنه يشتهر بواحد منها وينسب إليه فيقال: المحدّث او النحوي او المفسر او المؤرخ او الراوية وقد تلقّى سيبويه علم القراءات واللغة والنحو عن استاذه ابي عمرو بن العلاء الذي كان استاذاً لأستاذيه الخليل بن احمد الفراهيدي ويونس بن حبيب، كما درس الحديث والفقه ولم يكن قد طلب النحو او ما طلب بل طلب الفقه فصحب الفقهاء واهل الحديث في اول ايامه وقيل ان سبب طلبه لعلم النحو انه كان يستملي على حماد بن سلمة فقال يوماً: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ليس احد من اصحابي الا وقد اخذت عنه ليس ابا الدرداء) فقال سبيويه: (ليس ابو الدرداء) فظن (ليس) اسماً، فقال له حماد: (لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت انما ليس هنا استثناء) فقال سيبويه (سأطلب علماً لا يلحنني فيه احد) وطلب النحو فلزم الخليل بن احمد الفراهيدي، وكان حماد شيخ أهل البصرة في العربية وقد اخذ عنه سيبويه الفقه والحديث كما درس على يد العديد من الاساتذة الذين كانوا أعلام العربية منهم يونس بن حبيب البصري والاخفش الكبير وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهم غير ان أعظم اساتذته اثراً فيه واكثرهم اتصالاً به واخذاً عنه هو الخليل.
    كان سيبويه يتناظر كثيراً مع علماء عصره فكانت له مناظرات مع الاصمعي والاخفش وكانت الغلبة في الاولى لسيبويه وفي الثانية اعترف الاخفش باعلمية سيبويه بقوله له: (انما ناظرتك لاستفيد لا لغيره) ومن اشهر مناظراته المناظرة التي جرت بينه وبين الكسائي عند البرامكة، وهي المعروفة (بالزنبورية) وقد حضر الكسائي ومعه الفراء والاحمر وغيرهما من اصحابه وحضر سيبويه وحده فسألوه كيف تقول: (كنت اظن ان العقرب اشد لسعة من الزنبور فاذا هوهي، او فاذا هو إياها) قال اقول (فاذا هوهي) فقالوا اخطأت ولحنت فقال يحيى البرمكى فمن يحكم بينكم؟ فاحتكموا الى جماعة من الاعراب على الباب فأيدوا قول الكسائي فانصرم المجلس على ان سيبويه قد اخطأ واعطاه يحيى البرمكي عشرة آلاف وصرفه ووجهه الى فارس ولم يعد الى البصرة واقام بالاهواز مدة يسيرة ثم مات بها كمداًً وغماً.
    لقد نقلت هذه المناظرة كثير من الكتب قديماً وحديثاً وقال كل من تحدث عنها إن سيبويه لم يخطئ وان الاعراب قد رشوا على ذلك الجواب لان الكسائي كان معلم اولاد الخليفة وكل من في المصر له ومعه حتى ان سيبويه قال ليحيى: مرهم ان ينطقوا بذلك فان السنتهم لا تطاوعهم عليه.
    هذه المناظرة لم تنل من سيبويه، فقد اخذ يشتهر بعلمه الذي كان يتحدث عنه القاصي والداني، وقد برزت هذه المناظرة لنا صفة عند سيبويه غفل عنها المؤرخون وهي صفة الحلم فرغم الظلم الذي تعرض له من قبل الكسائي والاعراب ويحيى البرمكي الا انه استطاع ان يخرج من بغداد حاملاً بين جوانحه وفي خافقه الحزن والالم وان يذهب الى فارس من غير ان يثير ضجة مع علمه بان الحق معه وانه لم يغلب عن جهله وعلم خصمه ويدلنا قوله ليحيى على انه كان واثقاً من نفسه كل الثقة مؤمناً بقدرته في النحو كل الايمان ولذلك لم يظهر حزنه عند خيبته في المناظرة لانه يعلم كل العلم انه كان متفوقاً عليهم بارعاً في حججه ومنطقه ولكنه احتمل المكيدة وانسحب من المعركة كما ينسحب الجندي الشجاع المعتز بنفسه ومقدرته في سوح الوغى ولم يكن مع طموحه وثقته من نفسه وشهرته وعلمه، فظاً غليظ القلب ويدلنا قول استاذه الخليل على ذلك (مرحباً بزائر لا يمل) وقال المخوزمي (ما سمعت الخليل يقولها الا لسيبويه).
    *كتاب سيبويه*
    وكان الى جانب ذلك رقيق الحس مرهفاً فلم يستطع ان يقاوم الصدمة التي مُني بها في بغداد وقد اكرمه الله بالعلم النافع واتم عليه نعمته فكان اعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو وكان امام النحاة البصريين واول من جمع النحو ووضع له قواعد واصولاً وليس ادل على اعلميته على الكسائي وغيره في النحو من كتابه المشهور ذلك الكتاب الذي كان سيبويه يعرضه على الاخفش كلما وضع منه شيئاً وقد اعترف الاخفش بان سيبويه اعلم منه حيث يقول: (كان سيبويه اذا وضع شيئاً من كتابه عرضه علي وهو يرى اني اعلم منه وهو اعلم مني) ولما كان الكتاب موجزاً في عباراته وامثلته، مركزاً في مادته وعرضه الى الحد الذي عدّه فيه معاصروه والذين جاؤوا من بعدهعم صعباً حتى قيل لمن اراد ان يقرأه: (هل ركبت البحر) استصعاباً له فقد وضعت له ولشواهده شروح عديدة وقد ذكرت لنا كتب التراجم أسماء طائفة من العلماء الذين اهتموا به وشرحوه من مختلف العصور والبلدان، وكان موضوع حديث النُحاة في كل العصور حيث لم يحظ كتاب بمثل ما حظي به (كتاب سيبويه) من اهتمام الدارسين والمتتبعين على اختلاف اتجاهاتهم وعصورهم، فلم يمر عصر منذ ظهوره الا ونجد فيه من درس او كتب عنه او شرحه او ناقشه او شرح شواهده وبين قيمته وأثره او علّق عليه، لقد كتب المؤلفون في العربية كثيراً وبحثوا فيها ولكن لم يصل أي مما كُتب الى مستوى (كتاب سيبويه) الذي جمع ما درسه وما رواه عن اساتذته ولاسيما الخليل بن احمد الفراهيدي وقدمه للناس بعد ان اثبته بالادلة ورتبه الترتيب الذي رآه موفياً بالغرض الذي قصد اليه ومثل له من القرآن الكريم والشعر العربي القديم وكلام العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة.
    لقد صنع سيبويه للنحو ما لم يصنعه احد، حتى ليعد بحق أستاذه الأشهر وإمامه المقدم، ويعد كتابه معيار العربية، وليس ادل على ذلك من كثرة من تناوله من امة اللغة بالبحث والدرس والنقد والتأليف فهو بحق كنز من كنوز العربية وليس لنحوي قديم او حديث كتاب يجاري كتاب سيبويه او يدانيه كما شهد بذلك القدماء من بصريين وكوفيين وبغداديين واندلسيين وما يزال الكتاب جديداً على الرغم مما الف بعده من كتب واسفار وما يزال منبعاً صافياً لمن يريد دراسة النحو والصرف والاصوات واصولها وغيرها من علوم العربية، وكان يكفي ان يقال: (قرأ فلان الكتاب) فيعلم انه كتاب سيبويه وقد عدّه السكاكي (كتاباً لا نظير له في فنه، ولا غنى لامرئ في انواع العلوم عنه لاسيما الاسلامية فانه فيها اساس وأي اساس)(2) كما عدّه ابن حمزة الاصبهاني: (زينة لدولة الاسلام)(3) وهذا دليل على ان الكتاب لا يحتوي على النحو والصرف فقط وانما يبحث في مختلف فروع العربية ويتعرض لكثير من المسائل الدينية والدراسات القرآنية فهو كالبحر في تعدد ما يحتويه من اصناف العلوم والفنون ولذلك كان المبرد اذا اراد ان يعلم من انسان هل قرأ الكتاب ام لا يقول له: (هل ركبت البحر؟) تعظيماً له واستصعاباً لما فيه فكأنه لن يستطيع يحمل مشاق قراءته والصبر على استخراج دقائقه وعويصه الا من ركب البحر وتحمل اهواله والا من غاص فيه واستطاع استخراج درره وجواهره ولشدة اعتزاز المبرد بالكتاب كان يقول عنه: (لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثله).
    ولم يقف اجلال الكتاب وتعظيمه على المعجبين بل تعداه الى الخصوم الذين رأوا في الكتاب نصيباً كبيراً من الانتفاع لهم فهذا الكسائي ـ مع خصومته لسيبويه ـ يقرأ على ابي الحسن الاخفش (كتاب سيبويه) ويدفع له مائة دينار وكان يقول له: (هذا الحرف لم اسمعه فاكتبه لي)، اما الفرّاء وهو من عرف بتتبعه لاخطاء سيبويه ومخالفته له حتى في ألقاب الاعراب وتسميته الحروف، حتى هذا الخصم نراه لا يستغني عن (كتاب سيبويه) انما يقرأه خلسة وقد وجد الكتاب تحت وسادته بعد وفاته، ولما كان الكتاب موضوعاً لكل عصر وليس مقصوراً على دارس دون آخر نجد المحدثين قد اعتنوا بدراسته وقدروه حق قدره ويقول بروكلمان عن سيبويه وكتابه: (وكان سيبويه الفارسي اشهر تلاميذ الخليل ومصنف اول كتاب جمع ما ابتكره الخليل الى محصول الباحثين السابقين، اما كتاب سيبويه فهذا اقدم مصنف جمع مسائل النحو العربي كافة(4) اما الدكتور احمد بدوي فيقول عن الكتاب: (اصبح كتاب سيبويه بعد ان ظهر للناس برنامجاً لمن اراد الدراسة العليا في النحو واصبح الطالب لا يعد مستكملاً هذا النوع من الدراسة الا اذا قرأ كتاب سيبويه وصار اسم الكتاب يطلق عليه ويفتخر الطلبة بانهم قرأوه، والكتاب في نظرنا مرجع من المراجع نعود اليه عندما نؤلف كتاباً في القواعد العربية وهو صورة لآخر ما وصل اليه التقدم العلمي في النحو في اواخر القرن الثاني الهجري لان الكتاب ثمرة لهذه الجهود المتصلة في تلك المادة.
    ونختتم اقوال المؤلفين في الكتاب بقول الاستاذ علي النجدي (الكتاب: هو هذا السفر العظيم الذي اقامه العالم الجليل في ساحة الخلود اثراً وارسله مع الايام ذكراً، وادخره للعربية كنزاً، وندبه في العالمين شاهداً على براعته فيها ونفاذه الى اسرارها وامامته في الاشتراع لها، وضبط اصولها على نحو يعز نظيره في الاولين والآخرين) واختلف المؤرخون في عام ولادته، كما هناك اختلاف كبير وتباين في عام وفاته اما الرواية التي بنى عليها أكثر المؤرخين فهي عام 180 للهجرة وقيل انه كان يتمثل عند وفاته بهذا البيت:
    يَسُرُّ الفتى ماكان قدَّم من تُقى إذا عرف الداء الذي هو قاتله
    كما رثاه ورثى غيره من النحاة ابو العلاء المعري بقصيدة طويلة ودّ فيها لو كان للغة عقل يعقل واحساس يُحس فتبكي عليهم وتستهول خطبها فيهم وبدأ قصيدته برثاء سيبويه حيث يقول:
    تولى سيبويه وجاش سيب من الايام فاختل الخليل
    ويونس أوحشت منه المغاني ودون مصابه الخطب الجليل
    أتت علل المنون فما بكاهم من اللفظ الصحيح ولا العليل
    ولو ان الكلام يُحسُّ شيئاً لكان له وراءهم أليل
    الهوامش:
    1- اخيار النحويين البصريين – السيرافي ص28
    2- مفتاح العلوم – السكاكي ص130
    3- وفياة الاعيان ج2 ص16
    4- تاريخ الادب العربي – كارل بروكلمان ج2 ص134-135

    مـنـقــووووول ..
    سبحان الله والحمد لله ولااله الا الله والله اكبر ،،

  • حجم الخط
    #2
    رد: " تــعــرف عــلــى ســيــبــويــه "

    الله يعطيك العافيه ماقصرت متابعه موضوعك رائع

    تعليق


    • حجم الخط
      #3
      رد: " تــعــرف عــلــى ســيــبــويــه "

      ربـي يـعـافـيـك نـورة شـرفـنـي مـرورك
      سبحان الله والحمد لله ولااله الا الله والله اكبر ،،

      تعليق

      Loading...


      يعمل...
      X